الكلمة المعربة في القرآن الكريم عند علماء السلف بين القبول والرد

محمد الطيار1

1 جامعة يالوفا، تركيا.

بريد الكتروني: mmhmd5169@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj461

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/06/2023م تاريخ القبول: 04/05/2023م

المستخلص

إن القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على قلب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو معجزته الخالدة، ولقد أنزل الله سبحانه القرآن الكريم بلسان عربي مبين، فكانت ألفاظه أبلغ لسان العرب وأفصحه، وقد تضمنت آياته بعض الألفاظ المعربة، فتناول الباحث بيان معنى المعرب والمراد بها، وقول العلماء من السلف فيها، من خلال سرد مذاهب العلماء في مسألة المعرب في القرآن الكريم من حيث إثباته أو نفيه، مع ذكر الأدلة التي احتجوا بها على قولهم، وجمع الكلمات المعربة الواردة في القرآن الكريم، ثم يخلص البحث لنتائج وصل إليها الباحث، مستخدما المنهج الوصفي والتحليلي في كتابة البحث.

الكلمات المفتاحية: المعرب – أعجمية – القرآن – الألفاظ – السلف.

Research title

“The Arabic word in the Noble Quran as understood by the scholars of the Salaf between acceptance and rejection.”

Muhammad Al-Tayyar1

1 Yalova University, Türkiye.

Email: mmhmd5169@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj461

Published at 01/06/2023 Accepted at 04/05/2023

Abstract

“The Noble Quran is the word of Allah revealed to the heart of our Prophet Muhammad, peace be upon him. It is Allah’s eternal miracle. Allah revealed the Noble Quran in a clear Arabic language, with words that are the most eloquent and expressive in the Arabic tongue. Some of the verses in the Quran contain Arabic words that require explanation. Researchers sought to clarify the meaning of these words and what is intended by them. They also went through the opinions of the Salaf scholars on this matter, examining the different schools of thought regarding whether these words should be considered Arabic or not. They provided pieces of evidence to support their positions. The research also collects all the Arabic words in the Noble Quran and presents his conclusions based on a descriptive and analytical methodology.

Key Words: “The (Mu’arrab) Arabized, – Ajamiyah (non-Arabic) – Quran – Words – Salaf.”

المقدمة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، والصلاة والسلام على من أُنزل القرآن عليه، فأدى بلاغه وبيانه أحسن الأداء وأبلغ البيان، أما بعد:

فإن الله عز وجل فضّل النبي محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق من ولد آدم إلى قيام الساعة، وأنزل عليه القرآن خاتم الكتب السماوية، وتكفل بحفظه عن سائر الكتب السماوية الأخرى، واختار له أعظم لغة عرفتها البشرية بلسان عربي مبين، فكانت اللغة العربية هي الوعاء الذي يحمل كلام الله عز وجل المنزل على رسوله، وامتازت اللغة العربية بهذا الشرف لما تحويه من خصائص بلاغية ودلالية وبناء متماسك يميزها عن بقية لغات العالم، ومما لا خلاف فيه بين أحد من المسلمين أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي وهذا ما تضمنه صريح القرآن الكريم: ) وإنه لتنزيل ربِّ العالمين، نَزَلَ به الرُّوحُ الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين( الشعراء / 192- ـ195، إلا أن هناك بعض الألفاظ التي تضمنتها سور القرآن غير عربية من حيث الأصل، ومن هنا نشا الخلاف بين العلماء قديما وحديثا حول وجود اللفظ المعرب في القرآن الكريم ما بين قبول ورد لذلك، وفي هذا البحث سنتعرض لأقوال العلماء القدامى من السلف خاصة فيما يتعلق بهذه المسألة ونوضح أدلتهم، راجين من الله التوفيق والسداد وحسن الشرح والبيان والنقل الصحيح.

مشكلة البحث:

مسألة وجود المعرب في القرآن الكريم قديمة والاختلاف فيها قائم، وتناولها العلماء سلفا وخلفا في كتبهم بالدراسة والعناية والبحث والاستدلال، وهذا البحث يجمع أقوال العلماء القدامى بشكل خاص في مسألة وجود المعرب في القرآن الكريم، ويعرض أدلة كل فريق من العلماء.

حدود البحث:

تتمثل حدود البحث الموضوعة بدراسة اللفظ القرآني داخل القرآن القرين من خلال آياته، ومسألة مهمة من مسائله وهي المعرب في القرآن الكريم بين القبول والرد في الماضي والحاضر.

أهداف البحث:

  1. بيان معنى اللفظ المعرب في القرآن الكريم.
  2. جمع أقوال العلماء ومذاهبهم في مسألة اللفظ المعرب في القرآن الكريم.
  3. توثيق أدلة العلماء من مصادرها حول مسألة قبول أو رد اللفظ المعرب في القرآن الكريم.

منهج البحث:

اعتمدت المنهج الوصفي والتحليلي في كتابة هذا البحث.

الدراسات السابقة:

  1. المعرب في القرآن الكريم- دراسة نظرية تطبيقية، الباحث حواء شريف- رسالة ماجستير/ جامعة أبو بكر بلقايد/ تلمسان.
  2. المعرب الصوتي في القرآن، الباحث إدريس سليمان مصطفى، رسالة ماجستير، جامعة الموصل/ كلية التربية.
  3. المعرب في القرآن الكريم- دراسة تأصيلية دلالية، إصدار جمعية الدعوة/ ليبيا.

سبب اختيار البحث:

  1. خدمة كتاب الله عز وجل والتعرف إلى جميع مسائله وما يتصل به من علوم.
  2. تجدد هذا الموضوع في عصرنا الحالي واتخاذ مسألة الكلمة المعربة في القرآن ذريعة للتشكيك بمصدر القرآن الكريم.
  3. رغبة في الاطلاع على أقوال العلماء في هذه المسألة ومعرفة أدلتها الموثقة.

خطة البحث

المقدمة وتتضمن:

ملخص البحث، الكلمات المفتاحية.، مشكلة البحث، حدود البحث، أهداف البحث، منهج البحث -الدراسات السابقة، – سبب اختيار البحث.

الفصل الأول: ضبط المصطلحات، ويتضمن:

المبحث الأول: معنى اللفظ المعرب في القرآن الكريم لغة واصطلاحاً.

المبحث الثاني: المراد بعلماء السلف.

الفصل الثاني: آراء العلماء في الكلمات المعربة في القرآن الكريم، ويتضمن:

المبحث الأول: مذاهب العلماء في وجود المعرب في القرآن الكريم.

المبحث الثاني: أدلة العلماء في قبول المعرب أو رده.

المبحث الثالث: الكلمات المعربة الواردة في القرآن الكريم.

  • الخاتمة: وتتضمن النتائج.

المصادر والمراجع.

الفصل الأول: ضبط المصطلحات.

إن من أصول البحث العلمي ضبط المصطلحات المراد الكلام عنها، وتعريفها ضمن الحد المتفق عليه من حيث اللغة ومن حيث ما اصطلح عليه العلماء في مسألة خاصة، بهدف تجريد المصطلح من التداخلات وبيان جذوره واستعمالاته، للوصول إلى تصور الحكم الصحيح للموضوع المراد دراسته وإعطاء الرأي والحكم فيه، لذلك سيتضمن هذا الفصل مبحثان لتحديد بعض المصطلحات الواردة في عنوان البحث، وهما:

المبحث الأول: معنى اللفظ المعرب في القرآن الكريم لغة واصطلاحاً.

نزل القرآن الكريم بلغة العرب وما ينطقون به في مجتمعاتهم وأشعارهم، وكان العرب قبل الإسلام لهم اتصال ببقية الشعوب والأمم الموجودة من غير العرب، وكانت لهم تجارات معهم، وتبادل الأسفار والزيارات، فنتج عن ذلك تبادل لغوي وتأثر في الكلمات فيما بينهم، وهذا أمر طبيعي لابد منه، فلا يمكن أن تبقى لغة بمعزل عن التأثير والتأثير، فانتقلت بعض هذه الكلمات إلى لغة العرب ولسانهم المنطوق، وصارت جزءاً من الكلمات المتداولة، وربما نسوا أصل الكلمة ومن أي لغة انتقلت، ولما نزل القرآن الكريم بلسان العرب ضم القرآن الكريم عدداً من هذه الألفاظ التي كانت متداولة في كلام العرب ولا يرون حرجا في استعمالها، واستمر ذلك حتى عصر التابعين ، إلى أن ظهر ت بعض الآراء من بعض العلماء بعدم وجود ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم، ومن هنا بدء البحث في هذا المسألة وانقسمت أقوال العلماء فيها.

المعرب لغةً: تعدد معاني المعرب من حيث اللغة وأهم معانيها: ما أُعرب من الأعجمية، أو للذي يلحن في اللغة وليس بفصيح[1]، ويطلق الإعراب على التزوج بالمرأة العروب[2] ، وهو اسم للمرأة المتحببة لزوجها والعاشقة له، وكذلك تعرب استعرب أي صار أعرابيا ودخيلا فيهم وجعل نفسه منهم[3]، ومن خلال هذا التعريف اللغوي يتضح لنا أن المعرب ما دخله العجمة من حيث الأصل أو النطق.

المعرب اصطلاحا: عرفه السيوطي رحمه الله: ما استعمله العرب من الألفاظ الموضوعة لمعانٍ في غير لغتها[4]، ويلاحظ في تعريف السيوطي انتقال الألفاظ فقط من اللغة الأخرى، أما المعنى فهو خاص بالعرب واستعمالاتهم، كما عرفه الجوهري رحمه الله بقوله: أن تتفوه به العرب على منهاجها، تقول عربته العرب وأعربته[5]، أي تنقل الكلام من لسان غير لسانهم وفق أساليب العربية، وهذا التعريف يقارب تعريف السيوطي رحمه الله، وذهب بعضهم إلى القول: أن المعرب هو ما استعمله فصحاء العرب من كلمات دخيلة[6]، وهذا التعريف جعل ميزان المعرب فيما نطق به الفصحاء فقط من العرب ولم يعمم استعمال اللفظ عند العرب عامة وتداول اللفظ بينهم.

المبحث الثاني: المراد بعلماء السلف.

السلف لغة: قال ابن فارس[7] : (سلف، السين واللام والفاء أصل يدل على تقدم وسبق، من ذلك السلف الذين مضوا، والقوم السلاف: المتقدمون، وقال الراغب الأصفهاني[8] في “المفردات “: ( السلف: المتقدم، قال الله تعالى: ( فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) [الزخرف:56] ؛ أي : معتبرا متقدما … ولفلان سلف كريم: أي آباء متقدمون، جمعه: أسلاف وسلوف)، فالسلف من حيث اللغة هو كل متقدم من حيث الزمن، فالمعنى اللغوي عام في ذلك، ولا يخص قوم دون آخرين.

السلف اصطلاحاً: هم الصحابة ابتداء ويشاركهم التابعون وتابعوهم من الأمة تبعا واتباعا ؛ كما في قوله تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) [التوبة:100]

وعلق الحافظ ابن حجر رحمه الله قائلا: ” أي الصحابة ومن بعدهم[9]” ، وقال الغزالي رحمه الله معرفاً كلمة السلف :” أعني: مذهب الصحابة والتابعين[10] “.، في التعريف الاصطلاحي خصوص وعموم، فهو خاص من حيث الزمن والنوع، فمن حيث الزمان فيشمل خير القرون وأفضلها بالاقتداء والاتباع، وهي القرون الثلاثة الأولى المشهود لها بالخيرية على لسان خير البرية صلى الله عليه وسلم:” خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم[11]” ، ومن حيث النوع فهو خاص بالصحابة والتابعين وتابعيهم، وأما العموم الوارد في معنى السلف فهو حاصل لكل متبع لمذهب الصحابة وطريقتهم في العمل والاعتقاد، ودل على ذلك قوله تعالى: ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ) [التوبة:100].

الفصل الثاني: آراء العلماء في الكلمات المعربة في القرآن الكريم.

يرجع الخلاف في مسألة الكلمات المعربة في القرآن الكريم إلى وجود ألفاظ اشتهر استعمالها في لغات أعجمية كما اشتهرت في اللغة العربية[12]، مما يعني انتقال ألفاظ من لغات أخرى إلى العرب نتيجة التأثر الطبيعي لكل اللغات، بالإضافة للتواصل والعلاقات بين الشعوب المختلفة، ومما أجمع عليه العلماء في هذه المسألة: إثبات وجود أعلام أعجمية في القرآن، ونفي وجود تراكيب غير عربية، قال القرطبي في ذلك: لا خلاف بين الأئمة أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب، وأن فيه أسماءً أعلاماً[13]، وهذا الإجماع مبني على استقراء للألفاظ الواردة في القرآن، ووضوح ذلك جليا، ومقتضى ذلك خروج المسألتين المذكورتين من الخلاف، واقتصار الخلاف الحاصل في المسألة على أسماء الأجناس فقط، وسنتكلم عن مذاهب العلماء في ذلك وأدلتهم.

المبحث الأول: مذاهب العلماء في وجود المعرب في القرآن الكريم.

تعددت مذاهب العلماء في مسألة الكلمة المعربة في القرآن الكريم، وبرزت ثلاثة أقوال، نوردها كالتالي:

القول الأول: قالوا بوجود المعرب في القرآن الكريم.

نُسب هذا القول إلى بعض الصحابة كابن عباس رضي الله الله عنهما، والتابعين كعكرمة ومجاهد وعطاء وطاووس وسعيد بن جبير، وقال بإثبات وجود المعرب في القرآن الكريم عدد من علماء التفسير واللغة منهم ابن قتيبة وابن دريد وأبو منصور الثعالبي وابن عطية والسيوطي رحمهم الله جميعا.

القول الثاني: قالوا بعدم وجود المعرب في القرآن الكريم مطلقا.

ذهب إلى هذا القول الإمام الشافعي وأبو عبيدة وابن جرير الطبري رحمهم الله وتابعهم في ذلك أبو بكر الباقلاني والقاضي أبو يعلى وابن الأنباري وابن فارس رحمهم الله، وعلى هذا القول أكثر أئمة التفسير واللغة.

القول الثالث: الجمع بين القولين النافي والمثبت، وقالوا: أن في القرآن ألفاظ أعجمية باعتبار الأصل، لكنها صارت عربية لاستعمالها بلسان العرب.

ذهب إلى هذا القول أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي والجواليقي وابن الجوزي وابن قدامة.

المبحث الثاني: أدلة العلماء في قبول المعرب أو رده.

أدلة أصحاب القول الأول الذين قالوا بوجود المعرب في القرآن الكريم.

أولا: عموم رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم: وموقع الاستدلال في ذلك أن كل رسول كان يرسل بلسان قومه خاصة، أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أرسل إلى جميع الأمم، ورسالته عامة تشمل الجميع، قال السيوطي رحمه الله: وأقوى ما رأيته للوقوع وهو اختياري ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن تابعي جليل، قال: فالقرآن فيه من كل لسان[14]، وهذا يعني أن المقتضى هو وجود بعض الألفاظ غير العربية في القرآن، باعتبار القرآن موجه لكل الشعوب باختلاف لغاتهم، وفي ذلك تأليفاً لقلوبهم.

ثانيا: الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين: ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ومن وافقه من الصحابة والتابعين ما يدل على وجود المعرب في القرآن من ألفاظ نحو ناشئة وقسورة وسجيل[15]، وابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة وإمام المفسرين، وما ورد عنه صادر عن علم ودراية، وأن هذه الألفاظ لا تنفي عربية القرآن.

ثالثا: طبيعة المجتمع العربي: فقد كان العرب على اتصال ومجاورة لبقية الأمم، وكان من طبيعي انتقال بعض الكلمات إلى العرب، وهذا ثابت واضح في ألسن العرب قبل الإسلام، وبعد نزول القرآن كانت تلك الكلمات قد أصبحت في حكم العربي، فورد ذكرها في القرآن[16].

رابعا: وجود أسماء أعجمية في القرآن الكريم: استدل المثبتون لوجود المعرب في القرآن الكريم، بورود أسماء أعجمية متفق عليها بين جميع المسلمين، مما لا يمنع وجود أسماء أجناس غير أعلام باللفظ الأعجمي.

  • أدلة أصحاب القول الثاني الذين قالوا بعدم وجود المعرب في القرآن الكريم.

أولا: الدليل القرآني: فقد صرح القرآن بشكل واضح بعربية القرآن كاملا بعدة مواضع في القرآن الكريم منها قوله تعالى: (إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون) يوسف/2، وقوله تعالى: ( كتاب فصلت آياته قرآنا عربياً لقومٍ يعلمون) فصلت/3، وتعتبر هذه الآية من أقوى الأدلة لأصحاب هذا القول، وقوله تعالى: ( إنا جعلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون) الزخرف/3، وغير ذلك من الآيات الدالة على تجرد القرآن من ألفاظٍ غير عربية، كما أن القول بوجود كلمات غير عربية تعارض التصريح في القرآن وتخالفه بشكل واضح، فلهذا القول بوجود المعرب في القرآن يظهر تعارض وتناقض، هذا منفي عن القرآن الكريم مطلقاً.

ثانيا: إعجاز القرآن الكريم كان من جهة اللغة العربية: من سنة الله في إرسال الرسل أن يؤيدهم بمعجزات تدل على صدقهم، وكانت هذه المعجزات تناسب كل قوم بما عرفوا به واشتهروا بالتميز فيه، فلما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه من العرب الذين تميزوا بلسانهم الأصيل، وكانوا يتفاخروا ببيانهم وفصاحتهم وأساليبهم البلاغية، وكان مدار الشرف والفضل عندهم أقواهم لغة وشعرا، فتحداهم القرآن بلغتهم، وتحداهم بأن يأتوا بسورة مثله فعجزوا عن ذلك، ولو كان في القرآن غير العربي لكان قد تحداهم بمعارضة النص بما ليس من لسانهم، وهذا ممتنع لأنه تكليف بما لا يطاق.

ثالثا: نفي التنوع بين العربي والأعجمي: نفى القرآن الكريم تصريحاً أن يكون متنوعا بين اللغات المختلفة، فقال تعالى: ( ولو جعلناه قرآنا أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنو هدًى وشفاءٌ والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد) فصلت/ 44، ففي الآية دلالة واضحة على عدم وجود المعرب في القرآن الكريم، من خلال نفي كون القرآن متضمن للألفاظ العربية والأعجمية، بل هذا النفي بيانٌ من الله تعالى على أن القرآن عربي ، ولو تضمن ألفاظ غير عربية لكان ذلك مدعاة للإنكار والاعتراض على عدم فهمه ومعرفة أحكامه، وهو يخاطب العرب في وقتها من قوم قريش.

  • أدلة القول الثالث الذين تميز رأيهم بالجمع بين القول الأول والثاني.

مستند هذا الرأي الذي حاول الجمع والتوفيق بين القولين إلى أمرين:

وجود ألفاظ أعجمية كأسماء الأعلام، وهذا متفق عليه بين جميع المسلمين، ويبنى عليه عدم امتناع وجود ألفاظ اخرى معربة غير الأعلام، مما لا يخرم قاعدة كون القرآن عربيا نزل بلسانهم.

نصوص القرآن الواضحة والصريحة التي تدل على أن القرآن عربيا صرفا، واعتبار أن الكلمات المعربة انتقلت إلى العرب من لغات العرب من حيث الأصل، لكن العرب استعملوها في كلامهم وشعرهم وعدلوا عليها لتوافق لغتهم وتدل على معاني هم أرادوها، فصارت بحكم الألفاظ العربية الأصيلة، وامتنع كونها دخيلةً على القرآن.

روي عن أبي عبيد بن سلام الذي كان من أول من ذهب للتوفيق بين القولين، واعتبر ذلك مما يمكن فيه الجمع باعتبار أن المعرب لفظ أعجمي في الأصل واستعملته العرب فصار عربيا[17].

  • المبحث الثالث: الكلمات المعربة الواردة في القرآن الكريم.

ذكر الإمام السيوطي رحمه الله الكلمات المعربة في القرآن الكريم مع شرح معانيها ونسبتها إلى أي لغة[18]، وسنقتصر على نقل الألفاظ فقط ضمن الجدول التالي:

أباريق أبٌ ابلعي
أخلد الأرائك آزر
أسباط استبرق أسفار
إصري أكواب إلٌ
أليم إناه أواه
أواب الملة الآخرة بطائنها
بعير بيع تنور
تتبيراً تحْت الجبت
جهنم حرِّم حطة
حواريون حُوب دارست
دري دينار راعنا
ربانيون ربيون الرحمن
الرس الرقيم رمزا
رهواً الروم زنجبيل
السجل سجيل سجين
سرادق سري سريا
سفرة سقر سجداً
سكر سلسبيل سنا
سندس سيدها سينين
سيناء شطر شهر
الصراط صرهن صلوات
طه الطاغوت طفقا
طوبي طور طوى
عبدت عدن العزم
غساق غيض فردوس
فوم قراطيس قسط
قسطاس قسورة قطنا
قفل قمل قنطار
القيوم كافور كفِّر
كفلين كنز لينة
متكئاً مجوس مرجان
مسك مشكاة مقاليد
مرقوم مزجاة ملكوت
مناص منسأة منفطر
مهل ناشئة نْ
هدنا هود هون
هيت لك وراء وردة
وزر ياقوت يحور
يس يصدون يصهر
اليمّ اليهود

قال السيوطي رحمه الله: فهذا ما وقفت عليه من الألفاظ المعربة في القرآن بعد الفحص الشديد سنين، ولم تجتمع قبل في كتاب قبل هذا، وقد نظم القاضي تاج الدين بن السبكي منها سبعة وعشرين لفظاً في أبيات، وذيل عليها الحافظ أبو الفضل بن حجر بأبيات فيها أربعة وعشرون لفظاً، وذيلت عليها بالباقي وهو بضع وستون فتممت أكثر من مئة لفظة[19].

  • الخاتمة: النتائج.
  • بعد ختام البحث بفضل الله وتوفيقه، نلخص نتائج البحث بالنقاط التالية:
  1. مسألة المعرب في القرآن الكريم قديمة من حيث أصولها، متجددة من حيث طرحها في عصرنا.
  2. اتفق العلماء على وجود أسماء أعجمية في القرآن الكريم، ونفوا وجود تراكيب أعجمية.
  3. ينحصر الخلاف في مسألة المعرب بالقرآن الكريم على أسماء الأجناس الأعجمية.
  4. تنحصر آراء العلماء في مسالة المعرب في القرآن الكريم بثلاثة اقوال ما بين الرد والقبول والتوسط.
  5. لكل قول من الأقوال الثلاثة أدلة استند إليها، وهي قريبة لبعضها البعض من حيث القوة ومناسبة الاحتجاج بها، لهذا يحتاج ترجيح القول على الأقوال الأخرى للملكة العلمية والدراسة العميقة المؤصلة.
  6. موضوع المعرب في القرآن الكريم من المواضيع الهامة والمتشعبة، وغزير من حيث المادة والمصادر والمراجع.
  • المصادر والمراجع:

الكتاب: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء أبو بشر الملقب سيبويه، مكتبة الخانجي/ القاهرة، ط: 3/ 1988م.

تاج العروس من جواهر القاموس : محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني أبو الفيض الملقّب بمرتضى المعروف يالزبيدي، ، دار الهداية.

المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية: مكتبة الشروق الدولية/ القاهرة، ط 4/ 1425هـ. .

المزهر في علوم اللغة و أنواعها : عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي، مكتبة التراث/ القاهرة، عام 2008،

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، دار العلم للملايين/ بيروت، ط 4/ 1990م.

فقه اللغة وسر العربية : عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي ، إحياء التراث العربي/ القاهرة، ط1/ 200.

معجم مقاييس اللغة : أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي أبو الحسين، ، دار الفكر، 1979م.

المفردات في غريب القرآن : أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، دار القلم/ دمشق، ط1/1412هـ.

فتح الباري شرح صحيح البخاري : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، ، دار المعرفة/بيروت، 1379هـ.

إلجام العوام عن علم الكلام: أبو حامد محمد الغزالي الطوسي النيسابوري الشافعي.

فنون الأفنان في عيون علوم القرآن: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، دار البشائر الإسلامية/ بيروت، ط1/ 1987.

الجامع لأحكام القرآن: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي ، مؤسسة الرسالة/ بيروت، ط1/1427هـ.

الإتقان في علوم القرآن: عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب / القاهرة، 1974.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز : أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي ، دار الكتب العلمية/بيروت، ط1/ 1422هـ.

الهوامش:

  1. الجامع المسند الصحيح، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، دار طوق النجاة، ط1/ 1422هـ.
  1. عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء أبو بشر الملقب سيبويه، الكتاب، مكتبة الخانجي/ القاهرة، ط: 3/ 1988م، ج 4 ص 303.
  2. محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني أبو الفيض الملقّب بمرتضى المعروف يالزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الهداية، ج 3 ص 335.
  3. المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية/ القاهرة، ط 4/ 1425هـ، ج1 ص 591.
  4. عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، مكتبة التراث/ القاهرة، عام 2008، ج 1 ص268.
  5. الأبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ، دار العلم للملايين/ بيروت، ط 4/ 1990م، ج1 ص 179.
  6. عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي ، فقه اللغة وسر العربية، إحياء التراث العربي/ القاهرة، ط1/ 2002، ص 153.
  7. أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين، معجم مقاييس اللغة، دار الفكر، 1979م، ج3 ص 95.
  8. أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى، المفردات في غريب القرآن، دار القلم/ دمشق، ط1/1412هـ، ج1 ص 420.
  9. أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة/بيروت، 1379هـ، ج6 ص 66.
  10. أبو حامد محمد الغزالي الطوسي النيسابوري الشافعي، إلجام العوام عن علم الكلام، ص 62.
  11. محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، الجامع المسند الصحيح، دار طوق النجاة، ط1/1422هـ، رقم الحديث 3651-ج8 ص 91.
  12. جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ، فنون الأفنان في عيون علوم القرآن، دار البشائر الإسلامية/ بيروت، ط1/ 1987، ص 341.
  13. أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن، مؤسسة الرسالة/ بيروت، ط1/1427هـ، ج1 ص 110.
  14. ابن الجوزي، فنون الأفنان، ص 314.
  15. عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن، الهيئة المصرية العامة للكتاب / القاهرة، 1974، ج2 ص 136-137.
  16. أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي ، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، دار الكتب العلمية/بيروت، ط1/ 1422هـ، ج1/ ص51.
  17. السيوطي، الإتقان، ج 2 ص 129.
  18. المصدر السابق ، ج2 ص 129-142.
  19. السيوطي، الاتقان، ج2 ص 142.