حقيقة هذا الكون بين المسلمين والهندوس (دراسة عقدية مقارنة)

الدكتور عبد الرزاق بشرزي1 نور الله حنيف2

1 أستاذ مساعد ، قسم الفقه والعقيدة ، كلية العلوم الإسلامية بجامعة التربية والتعليم – كابول ، أفغانستان.

البريد الإلكتروني: Dr.a.razaq33@gmail.com

2ـ مدرس ثقافة ـ قسم الثقافة الإسلامية ـ كلية العلوم الإسلامية بجامعة التربية والتعليم ـ كابول ـ أفغانستان.

البريد الإلكتروني: Noorullaah.h.b@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj4610

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/06/2023م تاريخ القبول: 20/05/2023م

المستخلص

يستخلص هذا البحث في أن حقيقة هذا الكون تختلف عند كل من المسلمين والهندوس، فيعتقد المسلمون كلهم بلا خلاف أن هذا الكون مخلوق حادث وليس قديما ولا أزليا، وتُشير النصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة إلى أن هذا العالم خلقه الله ابتداء رتقا، ثمَّ فتق الله الرَّتق، ثم هذا الكون مُنذ لحظته الأُولى في تمدد وتوسّع، لكن لابد له نهاية كسائر المخلوقات، والهندوس اختلفوا فيما بينهم في حقيقة هذا الكون على آراء متناقضة منها: أن وجود الكون وحقيقته هو النتيجة لفداء الإله نفسه، ومنها: أن حقيقة الكون وأصله راجع إلى الإله البراهمان ومنبثق عنه، ومنها: أن هذا الكون كله ليس إلا ظهور للوجود الحقيقي الأساسي، ومنها: أن الإنسان هو الذي أوجد الكون بنفسه، ويظهر جليا لذوي العقول السليمة أن نظرية الهندوس في حقيقة هذا الكون نظرية غير مقنعة، لتعارضها فيما بينها، ولكن لا عجب إذ الديانة الهندوسية من وضع البشر، ولا بد للبشر أن يصدر منه قولين مختلفين في حين، ومتضادين في حين آخر، على عكس ما بيّنه القرآن الكريم.

الكلمات المفتاحية: الحقيقة، الخلق، الكون، المسلمين، الهندوس.

Research Title

The truth of this world between Muslims and Hindus,

(Comparative study)

Dr. Abdul Razzaq Basharzai 1 Noor ullaah Hanif2

Associate professor, Department of jurisprudence and creed, College of Islamic Sciences at the University of education and Education – Kabul، Afghanistan, Email: Dr.a.razaq33@gmail.com

2 Teacher of culture – Department of Islamic Culture, College of Islamic Sciences at the University of education and Education – Kabul، Afghanistan. Email: Noorullaah.h.b@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj4610

Published at 01/06/2023 Accepted at 20/05/2023

Abstract

We conclude this research in that the reality of this universe differs for both Muslims and Hindus, so all Muslims believe without disagreement that this universe is an accidental creature and is neither ancient nor eternal, and the texts of the Holy Qur’an and the authentic Sunnah of the Prophet indicate that this world was created by God starting as a patch, then God opened the patch , Then this universe since its first moment is expanding and expanding, but it must have an end like all creatures, and the Hindus differed among themselves in the reality of this universe on contradictory opinions, including: that the existence of the universe and its reality is the result of the redemption of God Himself, Among them: that the reality of the universe and its origin is due to the god Brahman and emanating from him, and among them: that this entire universe is nothing but an appearance of the real, basic existence, and among them: that man is the one who created the universe by himself, It appears clearly to people of sound minds that the Hindu theory of the reality of this universe is an unconvincing theory, due to its contradiction with one another, but it is not surprising that the Hindu religion was developed by humans, and humans must issue from it two different sayings at one time, and contradictory at another time, contrary to what has been shown The Holy Quran.

Key Words: universe, creation, Hindus, Muslims.

مقدمة

الحمد لله الذي أنزل في كتابه قوله: (أَوَلَم يَرَ الَّذينَ كَفَروا أَنَّ السَّماواتِ وَالأَرضَ كانَتا رَتقًا فَفَتَقناهُما وَجَعَلنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنونَ)، [الأنبياء:٣٠]، والصلاة والسلام على النبي القائل: “كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض”([1]) وعلى أله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات،،،، وبعد:

يعتقد المسلمون أن هذا الكون، وما فيها من الكائنات مخلوق من مخلوقات الله تعالى، بينما تختلف الهندوس فيما بينهم في حقيقة هذا الكون على أقوال متعارضة تضرب بعضها بعضا، فأحببت أن يطلع الناس على ما يعتقده المسلمون وكذلك الهندوس في حقيقة هذا الكون الذي يعيش فيه كلتا الطائفتين.

مشكلة البحث:

إن هذا الكون بأسره وأطرافه المترامية أصبح في هذا الوقت – زمن ترقي العلم والتكنلوجيا الحديثه وأدوات التواصل الاجتماعي المتنوعة – کقرية صغيرة، يستطيع الناس بسهولة ويسر الاطلاع بمعتقدات بعضهم البعض، ه‍ذا من جهة، ومن جهة أخرى يسكن أتباع كل من الديانتين في دولة الهند وغيرها من الدول في مكان وبقعة واحدة؛ فيحدث بينهم مناقشات ومباحثات تتعلق بحقيقة هذا الكون ونشأته، ويتخلف كل من أتباع كل من الديانتين، فيؤمن المسلمون بتوحيد رب العالمين، وإفراده بالأمر والتكوين، ويعتقدون بأن الله كان ولم يكن شيء غيره، ثم خلق المخلوقات، ومن جملة المخلوقات هذا الكون المشاهد، بينما تعتقد الهندوس في حقيقة هذا الكون عقائد مختلفة ومتعارضة، لا يمكن التوافق بين تلك المعتقدات المتعارضة، فمعرفة حقيقة الكون لدى أتباع كل من الديانتين تجعل المسلم معتزا متمسكا بدينه، ومبتعدا عما يعتقدها الهندوس من المعتقدات المنحرفة في حقيقة هذه الكون، وفي بدايته ونهايته.

أهمية الموضوع وسبب اختياره للبحث والدراسة.

إن دراسة حقيقة هذا الكون بين المسلمين والهندوس ذات أهمية بالغة؛ لأن معرفة معتقد كل من الديانتين في حقيقة هذا الكون، وفي بدايته ونهايته، يزيد المسلم يقيناً بدينه، وإيضاح ما ينطوي عليه الأديان الوضعية من الاعوجاج في بداية هذا الكون ومصيره النهائي، يزيد إيمان المسلم، ويقوّي لديه الجانب الدفاعي عن العقيدة الإسلامية، قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت: 20]، هذه الأسباب وغيرها جعلنا نقوم بهذه الدراسة تحت عنوان: (حقيقة هذا الكون بين المسلمين والهندوس، دراسة عقدية مقارنة) وستكون هذه الدراسة إسهاما في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، وردا على عقيدة الهندوسية المنحرفة فيما تتعلق بحقيقة هذا الكون، وبدايتها ونهايتها.

أهداف الدراسة:

يهدف بحث : (حقيقة هذا الكون بين المسلمين والهندوس، دراسة عقدية مقارنة) إلى أهداف مهمة منها:

  1. معرفة المسلمين عموما، وطلاب العلم خصوصا، حقيقة هذا الكون.
  2. انتباه المسلمين إلى ما يعتقده الهندوس وغيرهم من الملاحدة والدهرية في أن هذا الكون غير مخلوق، أو أنه جاء بالصدفة، أو هو خالق وإن كان مخلوقا، أو نحو ذلك من العقائد المخالفة للإسلام.
  3. تبصير المسلمين بأن هذا الكون مخلوق، وليس خالقا مستقلا بنفسه، ولا جزءً من الخالق؛ لأن الخالق هو الله الأحد الذي لم يلد ولم يولد.
  4. معرفة المسلمين وغيرهم أن الكون مخلوق ولم يخلق للأبدية، فيزول ويفنى، فهو لم يكن في زمن من الأزمان فكان، ثم لا يكون بعد زمن من الأزمان.
  5. إظهار انحراف عقيدة بعض الهندوس في هذا الكون بأنه أزلي، أو هو خالق ومخلوق في نفس الوقت، وهو مما ينافي عقيدة المسلمين في توحيد رب العالمين، إضافة إلى أهداف ثانوية أخرى أحاول الوصول إليه من خلال كتابة في هذا الموضوع المهم.

أسئلة موضوع الدراسة:

هذه الدراسة ستجيب على سؤال أساسي وهو: ما هي حقيقة هذا الكون بين المسلمين والهندوس؟

ويتفرع من السؤال الأساسي أسئلة فرعية عديدة، كالتالي:

  1. هل هذا الكون أزلي أم له بداية؟
  2. هل لهذا الكون أبدي أم له نهاية ؟
  3. هل هذا الكون قديم خالق أم حادث مخلوق ؟
  4. ما الفرق بين حقيقة هذا الكون عند الهندوس والمسلمين؟

حدود الدراسة:

عنوان الدراسة تُبيّن حدودها، وهو أنها محدودة بمعتقد واحد من متعقدات الكثيرة للديانتين، وهو بيان حقيقة هذا الكون هذا من جهة، ومن جهة أخرى هذه الدراسة مقيدة بالديانتي الإسلام والهندوسية، فلا تتعرض لمعتقدات الأديان الأخرى في حقيقة هذا الكون، فلا تتجاوز الدراسة من الحدود التي تحددها عنوانها.

الدراسات السابقة للموضوع:

تكلم العديد من العلماء والباحثين في علم التفسير والعقيدة في عديد من كتبهم عن هذا الكون وبدايته ونهايته، لكنهم لم يكتب أحد -حسب علمنا- في حقيقة هذا الكون كدراسة عقدية مقارنة بين الهندوس والمسلمين، وستكون في دراستنا مقارنة لحقيقة هذا الكون بين عقائد الهندوس والمسلمين إن شاء الله.

منهج البحث:

منهج هذا البحث وهو المنهج (الوصفي التحليلي المقارن) كالتالي:

  • جمع المعلومات عن حقيقة هذا الكون وما يتعلق بها من كتب المسلمين وما يمكن من كتب الهندوس، وذلك من كتب الهندوس نفسها، أو من الكتب التي كُتِبت في الرد عليها، أو بحوث علمية في الشبكة العالمية (الانترنت).
  • النقد والرد على ما عليه الهندوس من المعتقد في مبتدأ هذا الكون ونهايتها، وذلك من خلال النصوص القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الصحيحة، وقواعد الإسلام العامة.
  • الوصول إلى النتيجة بعد الدراسة المقارنة في ضوء النصوص الشرعية وأقوال علماء الإسلام.

خطة البحث

يشتمل بحث: (حقيقة هذا الكون بين المسلمين والهندوس، دراسة عقدية مقارنه)على مقدمة، ومبحثين، وخاتمه، ثم قائمة المصادر والمآخذ.

أما المقدمة: ففيها المدخل، وبيان المسألة، وأهميته الموضوع وأسباب اختياره، وأهداف البحث، وأسئلته، والدراسات السابقة، وخطة البحث، وخطته.

المبحث الأول: في بيان حقيقة هذا الكون عند المسلمين.

المبحث الثاني: في بيان حقيقة هذا الكون عند الهندوس.

الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي توصلت إليها خلال هذه الدراسة.

ثم تكون قائمة المآخذ والمراجع.

المبحث الأول:

حقيقة الكون عند المسلمين

لقد بيّن رسول المسلمين محمد أن الكون كله مخلوق لله الواحد الأحد، ومعنى الكون مخلوق أي ليس أزليا بل سبقه العدم، فقد روى البخاريُّ في صحيحه حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: إني عند النبي إذ جاءه قوم من بني تميم فقال : “اقبلوا البشرى يا بني تميم” قالوا بشرتنا فأعطنا فدخل ناس من أهل اليمن فقال : “اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم” قالوا قبلنا جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان، قال: “كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء([2])، فقد أخبر النبي في الحديث السابق عن خلق هذا الكون، وأخبر أن الله وحده كان، ولم يكن شيء قبله، ثم خلق الله الخلق؛ فهو خالق كلي شيء، قال تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }[الزمر: ٦٢].

وقد أشار الله عز وجلّ إلى بداية خلق هذا الكون في ثلاث آياتٍ قرآنية:

الآية الأولى، قوله تعالى: (أَوَلَم يَرَ الَّذينَ كَفَروا أَنَّ السَّماواتِ وَالأَرضَ كانَتا رَتقًا فَفَتَقناهُما وَجَعَلنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنونَ)، [الأنبياء:٣٠]، والآية الثَّانية قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت: 11] والآية الثالثة: قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)، [الذاريات: 47] .

إن الآية الأولى: وهي قوله تعالى: (أَوَلَم يَرَ الَّذينَ كَفَروا أَنَّ السَّماواتِ وَالأَرضَ كانَتا رَتقًا فَفَتَقناهُما وَجَعَلنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنونَ)، [الأنبياء:٣٠] تُشير إلى ابتداء الخلق، وهي مرحلة الرَّتق الأوَّل، ثمَّ انفجار الرَّتق، وهذه تسمَّى مرحلة الفتق، واختلفت أراء العلماء في معنى الرَّتق والفتق:

1- نقل الإمام أبو جعفر الطبري وفخر الدين الرازيِّ رحمهما الله عن الحسن البصري وقتادة السدوسي وعكرمة وابن عباس -رضي الله عنهُم: أنّ السماء والأرض كانتا مُلتصقتين شيئاً واحداً ، ثُمَّ باعد الله عزّ وجلّ بينهما، فرفع السَّماء وأبقى الأرض كالصورة التي نراهُما عليها الآن، وقال كعب الأحبار رحمه الله: إنَّ السَّماوات والأرض كانتا مُلتصقتين، ثُمَّ توسَّط بينهما شيئاً وباعد بعضهما عن البعض.

2- وذهب بعض المُفسّرين كابن عباس والحسن البصري أنَّ السَّماوات والأرض كانتا رتقًا بالاستواء والصَّلابة، ففتق الله تعالى السَّماء بالمطر، والأرض بالنَّبات والشَّجر، لقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30] .

قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: “يذكر[الله] جعل كل شيء حيا بالماء في إثر ذكر انفصال الأرض من السماء، وذلك أن مجموع السماوات والأرض كان رتقا، أي: مادة واحدة متصلا بعض أجزائها ببعض على كونه ذرات غازية كالدخان كما قال في آية التكوين: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت: 11]، ولما كان ذلك الفتق في الأجرام انفصل جرم الأرض عن جرم الشمس، وصارت الأرض قطعة مستقلة مائرة ملتهبة، وكانت مادة الماء – وهي ما يسميه علماء التحليل والتركيب (علم الكيمياء) بالأكسجين والهدروجين – تتبخر من الأرض بما فيها من الحرارة فتلاقي في الجو برودة تجعلها ماء فينزل على الأرض كما وصفنا آنفا فيبرد من حرارتها، وما زال كذلك حتى صارت الأرض كلها ماء، وتكونت بعد ذلك اليابسة فيه وخرج النبات والحيوان وكل شيء حي من الماء، فهذا هو الإحياء الأول([3]).

3- وقيل: إنَّ المقصود أنَّ السَّماوات والأرض كانتا مُظلِمتين، ففتقهما الله تعالى بإظهار النَّهار المُبصر، قال تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ) [يس: 37]

4- وقيل: إن المقصود بجعل كُلِّ واحدٍ منهُما سَبْعاً ([4]).

وقال الفخر الرازي رحمه الله بعد أن ذكر الأوجه الواردة في معنى الرتق والفتق: “دلالة هذه الوجوه على إثبات الصانع وعلى وحدانيته ظاهرة، لأن أحدا لا يقدر على مثل ذلك”([5]).

والآية الثَّانية قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 9 – 11] تُبيِّن هذه الآية الكريمة تحوُّل الجُرم الأوَّل إلى مرحلة الدُّخان، وخلق الله تعالى السَّماوات والأرض من هذا الدُّخان الكونيِّ.

قال المراغي رحمه الله: “وما استُنبِطَ من هذه الآيات، يوافق ما أقره علماء الفلك فى العصر الحديث، فقد قالوا: إن المادة التي خلقت منها الأجرام السماوية وخلقت منها الأرض كانت سديما، وكانت واحدة رتقا ثم انفصل بعضها من بعض، وكانت مؤلفة من أجزاء دقيقة متحركة تجمّع بعضها إلى بعض، بمقتضى قانون الجاذبية فتكون منها كرة عظيمة تدور على محورها، واشتعلت من شدة الحركة فكانت ضياء ونورا تصحبه حرارة شديدة، وهذه الكرة العظيمة فى عالمنا هى التي نسميها بالشمس والكواكب الدراري التابعة لها فيما نرى ونشاهد ومنها أرضنا، انفتقت من رتقها، وانفصلت من جرمها، وكانت مشتعلة مثلها، وتدور على محاورها، ثم إن الأرض تحولت من طور الغازية المشتعلة إلى طور المائية بنظام مقدر فى أزمنة طويلة، إذ كان الأكسجين والإيدروجين وهما العنصران اللذان يتكون منهما الماء يرتفعان فى الجو لخفتهما فيبردان فيكونان بخارا فماء، وما زال أمرها كذلك حتى غلب عليها طور المائية، ثم تكونت اليابسة فى هذا الماء بسبب حركة أجزاء المادة وتجمع بعضها مع بعض بنسب ومقادير مختلفة، ثم تولدت فيها المعادن على أنواع شتى، وما زالت تبرد قشرتها الظاهرة وتجفّ شيئا فشيئا حتى صلحت لتوالد النبات والحيوان فوجدت فيها الأحياء النباتية ثم الحيوانية، ولا شك أن هذه الأقوال إن صحت كانت بيانا لما أجمل فى الكتاب الكريم وإن لم تصح فالقرآن لا يناقض شيئا منها، ولكنها أقرب النظريات إلى سنن الكون وصفة عناصره البسيطة وحركتها، وتعتبر تفصيلا لخلق العالم أطوارا بسنن ثابتة وتقدير منظم”([6]).

والآية الثالثة: قول الله تعالى: (والسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)،[٢] وتُشير الآية إلى تمدُّد الكون وتوسّعه مُنذ لحظته الأُولى إلى أن يشاء الله تعالى.

وأخبر سبحانه أنه خلق السماوات والأرضين، وأنه سيجمعهم مرة ثانية، هؤلاء علماء الفلك الكفار يقولون: إن السماوات والأرض سيرجعن وينضم بعضهن إلى بعض، وقد أخبر سبحانه وتعالى بهذه الحقيقة وأنه سيوسع هذا الكون كما قال سبحانه: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47]، فهو يوسع الكون لدرجة معينة حسب كلام علماء الفلك، وسيصل إلى أن سرعة الاتساع تقل وتقل، حتى يصبح الكون هو القوة الطاردة المركزية التي تبتعد لبعيد، وتصبح قوة الشد بين الكواكب مع بعضها متساوية، ثم لابد في النهاية من أن تزيد واحدة على الأخرى، وهنا يبتدئ الاقتراب حتى تنكمش كلها في الأرض، وهنا تطوى السماوات والأرضون، وكل شيء يطوى مرة أخرى ([7]).

لا يهمنا نحن المسلمين ما وصلوا إليه، ولكن الذي يهمنا أن هذا الكلام قد قاله الله عز وجل قبل أن يعرفوا شيئاً من ذلك، فقد أخبر الله عز وجل أنه يعيد الخلق مرة ثانية، كما قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إبراهيم:48]، لقد طوى الجميع، وبدل السموات والأرضين بما يشاء سبحانه وتعالى، وهذه كقوله تعالى في هذه الآية: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:104]، أي: بدأنا الخلق الأول، وسنعيده مرة ثانية، فنعيد السماوات، ونعيد الأرض غير هذه الأرض، فتكون الجنات، ويكون ما لا نراه الآن، فيظهره الله عز وجل بعد ذلك.

وبناء على نصوص الوحي الواردة في التَّرتيب الذي وقع عليه بدء الخلق، هو أن الله خَلق السَّماوت السبع وقدَّر فيها أقواتها في يومين، وخلق الأرضين السبع في يومين، وقدّر أقواتها في يومين آخرين، قال تعالي: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 9 – 11] فيكون مجموع أيام خلق السماوات والأرض وما بينهما هي ستَّةُ أيامٍ، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا } [الفرقان: 59].

والعلماءُ يقولونَ: إن هذه الأيامَ المرادُ بها أوقاتُها؛ لأنه في ذلك الوقتِ لم يكن هنالك يومٌ؛ لأن اليومَ من طلوعِ الشمسِ إلى غروبِها، وإن لم يكن هنالك شمسٌ لاَ يُعْرَفُ اليومُ، إلا أن اللَّهَ قبلَ أن يخلقَ الشمسَ والقمرَ يعلمُ زمنَ الأيامِ قبلَ وجودِ الشمسِ([8]).

ونستخلص حقيقة الكون عند المسلمين أن الكون مخلوق، والله خالق الكون، وليس الكون جزاءً من الخالق، ولا الخالق جزء من الكون، قال الله تعالي:{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص: ١ – ٤].

المبحث الثاني: حقيقة الكون عند الهندوس

إن نظرية الهندوس في حقيقة هذا الكون تختلف تماما عن عقيدة المسلمين، وهي نظرة غير مقنعة لذوي العقول السليمة، لتعارضها فيما بينها، ولكن لا عجب إذ الديانة الهندوسية من وضع البشر، ولا بد للبشر أن يصدر منه قولين مختلفين في حين، ومتضادين في حين آخر، على عكس ما أثبته القرآن الكريم: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢].

إن للهندوس في حقيقة هذا الكون أراء وأقوال تتضارب بعضها بعضا، ومن أشهرها:

الرأي الأول: أن وجود الكون وحقيقته هو النتيجة لفداء الإله نفسه، وهو أن الإله ضحّـــى بنفسه ليوجد الوجود، فانفلق وتجزأ إلى أجزاء كثيرة فتكوّن من هذه التضحية هذا الكون، وهذه الأجزاء هو ما نراه في صور مختلفة، في صور الشجر والمدر، والإنسان والحيوان، والكواكب والبحار وغيرها، أي أن الكون كله بما فيه الإنسان أجزاء متجزأ من الإله الذي فدى بنفسه من أجل تكوين هذه الموجودات، وبهذا يكون الكون كله باختلاف إشكاله وأنواعه مظاهر الإله، الذي ويعبر عن ذلك بعقيدة وحدة الوجود([9]).

وقد جاء في كتاب “رج فيدا” (Rig veda) بيان تضحية الإله بنفسه وتجزأه إلى الأجزاء على النحو التالي: ” الآلهة ضحت بعملاق، فتحول جسده إلى السماء، وتحولت سرته إلى الهواء، ورجلاه إلى الأرض، وقد خلق من وجه القمر، ومن عينه الشمس، ومن فمه الإلهه “إندرا” والإله “أكي” النار، وخلقت من نفسه العواطف، ونشأت كذلك الطبقات البشرية الأربعة، فالبراهمية، من فمه، وكشتريا من ذراعه، وويشا من أضلاعه، وشودرا من قدمه([10]).

وبناء على أن ما تجزأ إليه الإله جاء طبقات البشر أربع طبقات، وهي:

الطبقة الأولى: البراهمين، أو البراهمه Brahman : وهم رجال الدين والكهنة وهم فوق جميع طبقات الهندوس، وهم المختصون بإله الآلهة وخالق الكون الذي يسمونه “براهما” لاعتقادهم بأنهم خلقوا من رأس وفم الإله “براهما”.

الطبقة الثانية: الكشـتريا Kshatriya: وهم الحكام والفرسـان وقـواد الجيـش والأشراف؛ لاعتقادهم أنهم خلقـوا من يـدي الإلـه “براهما”.

الطبقة الثالثة: الويشا Vaisya: وهم التجار والمزارعون وأصحاب المهن المحترمة؛ لاعتقادهم أنهم خلقوا من فخذ الإله “براهما”.

الطبقة الرابعة: الشودرا Syudra : وهم المنبوذون، وهم أصحاب المهن الدنيئة، مثل: الكنس والنظافة، وغسل الملابس، وتنظيف الجلود ونحوها من المهن الحقيرة؛ لاعتقادهم أنهم خلقوا من رِجْل الإله “براهما”.

فقد جاء في كتاب “رج فيدا” ما معناه: “خلق الإله طائفة البراهمة من فمه، والكشتري من عضده، والويش من فخذه، والشودرا من رِجْله([11]).

الرأي الثاني: أن حقيقة الكون وأصله راجع إلى (الإله البراهمان) ومنبثق عنه، وهو العلة الكبرى الذي لا علة له، فهو الجوهر المطلق لكل موجود، فبداية الإنسان بل والكون الأجمع في تصور الهندوس هي الـبراهمان (Brahman)، لكن ما هو البراهمان في الهندوسية؟

بدأت فكرة الـ(براهمان) بالتشكل في نهاية المرحلة الفيدية([12])، حيث طرح “الحكماء آنذاك” فكرة المطلق الفرد الذي يرتكـز عليه الوجود كله، وقد تعددت الأفكار حول ماهية هذا المطلق، ولكن مع مرور الزمن، حل الـ(براهمان) محل هذه الأفكار جميعا.

وقالوا في تعريف الـ(براهمان): بأنه المبدأ الكوني المطلق الذي يظهر لنا بشكل الكون الذي نراه من حولنا؛ فـ(براهمان) هو المبدأ المطلق الذي توَّلد منه الكون والآلهة حيث أن الهندوس يؤمنون بتعدد الآلهة، مع كونها ترجع في الحقيقة إلى وحدة الوجود([13]).

الرأي الثالث: ما جاء في الفلسفة الأخلاقية للهند المسماة “ويدانت” :” هذا الكون كله ليس إلا ظهور للوجود الحقيقي الأساسي، وإن الشمس والقمر وجميع جهات العالم وأرواح الموجودات أجزاء ومظاهر لذلك الوجود المحيط المطلق، وأن الحياة كلها أشكال لتلك القوة الوحيدة الأصيلة، وأن الجبال والبحار والأنهار….تفجر من ذلك الروح المحيط الذي يستقر في سائر الأشياء”([14]).

ويمكن أن إرجاع القول الأخير إلى الذي قبله فالـ(براهمان) هو المبدأ الكوني المطلق الذي تولد منه الكون والآلهة، فالكون بما فيه الآلهة المتعددة مظهر للبراهمان، الذي في الحقيقة عبارة عن وحدة الوجود.

فقد جاء في الأوبانيشاد([15]) عن البراهمان هذا أنه:”انبثق كل الكون من البراهمان، البراهمان أراد أن يكون كل شيء هكذا، من نفسه خلّف الكون، هو السبب، ومنه ظهرت القوة الأولى، من القوة الأولى ظهر إدراك الكون، من إدراك الكون ظهرت المواد التي لا نراها، من المواد التي لا نراها ظهرت الأكوان العديدة…”([16]).

وجاء فيه عنه أيضا: “البراهمان ينير نفسه، لها حضور أبدي في كل القلوب، وهو ملجأ الجميع، هو الهدف الأسمى، به نجد كل شيء يتنفس ويتحرك، هو الإلهي، بعيد عن مدى فهم الحواس، الأسمى، اتصل به أنت!!! هو النور، أصغر من أصغر الأشياء، أجمل من الجمال، به نجد كل الأكوان، وكل ما فيها، هو البراهمان الذي لا يتغير، هو أساس الحياة، عضو النطق بالحروف، الوعي الحقيق لايفنى…”([17]).

وجاء فيه عن البراهمان أيضا: ” البراهمان هو الذي تمنّى أن يكون متعددا، البراهمان هو الذي تمنّى أن يخلق من ذاته عددا كبيرا من الأشكال، البراهمان هو الذي تأمّل ومن التأمل خلق كل شيء، البراهمان هو الذي دخل في كل شيء خلقه، وعندما دخل في كل شيء صار هو بذاته الشكل رغم أنه لا شكل له، البراهمان هو الذي يُمكن شرحه ولا يُمكن شرحه، البراهمان هو الذي له تشريع وليس له تشريع، البراهمان هو الوعي رغم أنه لا وعي له، البراهمان غليظ ورقيق، البراهمان صار كل شيء في كل نوع…” ([18]).

فالكلام عن البراهمان عند الهندوس مختلف متفاوت متناقض، فمرة يقولون: “هو المطلق القائم بذاته، والحقيقة العليا، وهو خال عن كل الصفات، ولا يمكن عنه الحديث بالكلمات…وهو مثل البحر حيث نجده مرة هادئا، ومرة هائجا بأمواجه، لكنه نفس البحر، ونفس الماء، والبراهمان ليس له حدود، وليس له شكل، وعندما يأخذ شكل الإله، وروح الكون، ويخلق ويغذي ويهدم، يصير اسمه (ساجونا براهمان) أي البراهمان صاحب الخصال والأوصاف…، جسد البراهمان هو الروح، شكله هو النور، أفكاره هي الحقيقة…”([19]).

ومرة يقولون: إن البراهمان نفسه مخلوق- وإن كان خالقا لغيره- فقد جاء في الباب الأول من كتاب منو المقدس، ما معناه : “كانت الدنيا غامضة فظهر برميشور فخلق الماء وألقي فيه النطفة، فأصبحت بيضة، فخرج منها برهما، وكسر البيضة نصفين، فخلق من أحدهما الجنة ومن الثاني الأرض والسماء وما بينهما، ثم أخرج من فمه البراهمة ومن عضده الكشتري ومن فخذه الويش ومن رجله الشودرا”.

ثم البراهمان عند الهندوس ليس نفسا مفردا واحدا، بل هو ينقسم إلى ثلاثة آلهة، تسمى براهما (الخالق)، وفيشنو (الحافظ)، وسيفا (المهلك)، وهي مع ذلك كلهم عندهم كتلة واحدة إله واحد([20])، ومن هنا أخذت النصارى فكرة الأقانيم الثلاثة، حيث يقولون: الآب والابن وروح القدس إله واحد، فهذه النظرية لا يقبلها عقل سليم ولا نقل صحيح.

الرأي الرابع: جاء في أساطير الهندوسية عن الكون وخلقه ما نصه: “إن الإنسان هو الذي أوجد الكون بنفسه، وذلك أن الروح الكوني تشكل بالشكل الإنساني، ثم نظر حوله فلم يجد هناك شيئا غير نفسه، فصرخ بملء فيه” ها أنا ذا” فوجدت من هذه الساعة كلمة “أنا”، وشعر هذا الروح الكوني، أو الانسان الأول بالخوف من وحدته، لذلك يخاف الإنسان إلى الآن إذا كان وحيدا، ولكنه سأل نفسه: لماذا أخاف مادام ليس هناك أحد غيري، وإنما يخاف الإنسان من غيره؟ ووجد نفسه لا يشعر بالسعادة، ولذلك لا يشعر الإنسان بالسعادة إذا كان وحيدا، فرغب في إيجاد قرين له، فقسم نفسه قسمين، قسم بقي على حاله، وتحول القسم الآخر إلى امرأة، فكانت هذه المرأة زوجته، ومن تلك الساعة تسلسل خلق الإنسان([21]).

وبالنظر إلى ما تقدم من النصوس الهندوسية نجد أن عقيدة الهندوس في الكون وخلقه، وإن كانت مختلفة الأقوال والأساطير ومتضاربة بعضها في بعض؛ لكنها تصب كلها في نظرية وحدة الوجود، إذ جعلوا الكون جزأ من الخالق، والخالق جزءا من الكون، هو المبدأ الأول، منه تنبثق الأشياء، وعليه ترتكز، وفيه تتلاشى في النهاية، وفيه تتوحَّد كل الأشياء والاختلافات التي تتبدى في العوالم الظواهرية، وهذا هو معنى وحدة الوجود، أو أحدية الوجود، لعدم الفرق بين الخالق والمخلوق، وجعلهما شيئا واحداً.

الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي توصلنا إليها خلال البحث والدراسة:

قد توصلنا من خلال بحث: (حقيقة هذا الكون بين المسلمين والهندوس دراسة عقدية مقارنة) إلى النتائج الآتية:

  1. حقيقة هذا الكون تختلف عند كل من المسلمين والهندوس.
  2. يعتقد المسلمون كلهم بلا خلاف أن هذا الكون مخلوق حادث وليس قديما ولا أزليا.
  3. تُشير النصوص المقدسة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة إلى ابتداء الخلق، أن هذا العالم خلقه الله ابتداء رتقا، ثمَّ فتق الله الرَّتق، واختلفت تفاسير العلماء للرَّتق والفتق:
  4. الأول: أنّ السماء والأرض كانتا مُلتصقتين شيئاً واحداً ، ثُمَّ باعد الله عزّ وجلّ بينهما، فرفع السَّماء وأبقى الأرض كالصورة التي نراهُما عليها الآن.
  5. الثاني: أنَّ السَّماوات والأرض كانتا رتقًا بالاستواء والصَّلابة، ففتق الله تعالى السَّماء بالمطر، والأرض بالنَّبات والشَّجر.
  6. الثالث: أنَّ السَّماوات كانت كتلة واحدة فجعلها سبعا، كذلك الأرض فجعل الله الأرضين سَبْعا.
  7. الرابع: أنَّ السَّماوات والأرض كانتا مُظلِمتين، ففتقهما الله تعالى بإظهار النَّهار المُبصر.
  8. خلق الله تعالى السَّماوات والأرض من الدُّخان الكونيِّ، والمادة التي خلقت منها الأجرام السماوية وخلقت منها الأرض كانت واحدة رتقا ثم انفصل بعضها من بعض، وكانت مؤلفة من أجزاء دقيقة متحركة تجمّع بعضها إلى بعض.
  9. أن هذا الكون مُنذ لحظته الأُولى في تمدد وتوسّع إلى أن يشاء الله تعالى ثم لابد له نهاية، فتطوى السماوات والأرضون، قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا} [الأنبياء: 104].
  10. الهندوس اختلفوا فيما بينهم في حقيقة هذا الكون على أربعة آراء متناقضة:
  11. الرأي الأول: أن وجود الكون وحقيقته هو النتيجة لفداء الإله نفسه، وهو أن الإله ضحّـــى بنفسه ليوجد الوجود، فانفلق وتجزأ إلى أجزاء كثيرة فتكوّن من هذه التضحية هذا الكون، وهذه الأجزاء هو ما نراه في صور مختلفة.
  12. الرأي الثاني: أن حقيقة الكون وأصله راجع إلى (الإله البراهمان) ومنبثق عنه، وهو العلة الكبرى الذي لا علة له، فهو الجوهر المطلق لكل موجود.
  13. الرأي الثالث: أن هذا الكون كله ليس إلا ظهور للوجود الحقيقي الأساسي، وإن الشمس والقمر وجميع جهات العالم وأرواح الموجودات أجزاء ومظاهر لذلك الوجود المحيط المطلق.
  14. الرأي الرابع: إن الإنسان هو الذي أوجد الكون بنفسه، وذلك أن الروح الكوني تشكل بالشكل الإنساني.
  15. أن نظرة الهندوس في حقيقة هذا الكون نظرة غير مقنعة لذوي العقول السليمة، لتعارضها فيما بينها، ولكن لا عجب إذ الديانة الهندوسية من وضع البشر، ولا بد للبشر أن يصدر منه قولين مختلفين في حين، ومتضادين في حين آخر، على عكس ما أثبته القرآن الكريم: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢].

هذا، وصل اللهم وسلِّم على محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قائمة المراجع:

البخاري(1422)، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى،ج4 ص105 ح(3191).

رشيد رضا(1990) محمد رشيد بن علي رضا ، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، جمهورية مصر العربية، ج2 ص50.

الطبري (1420) محمد بن جرير أبو جعفر الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان ج18 ص340 -343، الرازي (1425)، محمد بن عمر فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب = التفسير الكبير، ناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، طبعة: 3، ج22 ص137.

الرازي، مفاتيح الغيب ج22 ص138.

المراغي(1365) أحمد بن مصطفى المراغي، تفسير المراغي، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الأولى،ج8 ص170.

تفسير الشيخ أحمد حطيبة، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية ج15 ص4.

الشنقطي(1426) محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، العذب المنير من مجالس الشنقيطي في التفسير، التحقيق: خالد بن عثمان السبت، بإشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد، الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، مكة المكرمة،الطبعة: الثانية، ج3ص344.

حمد شلبي، أديان الهند الكبرى (ص:66)، ناقلا عن ويدانت (ص:41، و43).

الأوبانيشاد بترجمة عبد السلام زيان (ص105)، الناشر: شمس للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى: عام 2008م.

الحواري(1429) لمن كان له عقل فليتدبر هذه البحوث الإسلامية، للشيخ محمد حامد الحواري ، الناشر: دار الضياء للنشر والتوزيع، عمان الأردن، (ص:280)

الهوامش:

  1. () البخاري(1422)، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى،ج4 ص105 ح(3191).
  2. () صحيح البخاري، ج4 ص105 ح(3191).
  3. () رشيد رضا(1990) محمد رشيد بن علي رضا ، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، جمهورية مصر العربية، ج2 ص50.
  4. () الطبري (1420) محمد بن جرير أبو جعفر الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان ج18 ص340 -343، الرازي (1425)، محمد بن عمر فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب = التفسير الكبير، ناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، طبعة: 3، ج22 ص137.
  5. () الرازي، مفاتيح الغيب ج22 ص138.
  6. () المراغي(1365) أحمد بن مصطفى المراغي، تفسير المراغي، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الأولى،ج8 ص170.
  7. () تفسير الشيخ أحمد حطيبة، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية ج15 ص4.
  8. () الشنقطي(1426) محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، العذب المنير من مجالس الشنقيطي في التفسير، التحقيق: خالد بن عثمان السبت، بإشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد، الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، مكة المكرمة،الطبعة: الثانية، ج3ص344.
  9. () انظر: بحث أبي الحارث رامي عفيفي في موقع سبيلي، بعنوان: (الهندوسية).
  10. () انظر: بحث أساطير الهندوسية عن الكون وخلقه (ص: 33)، في مجلة ثقافة الهند، شهر سبتمبر 1956م.
  11. ()«ريج فيدا» (10/90/12).
  12. () الفيدية: هي الديانة التي جاء بها الآريون النازحون إلى الهند في القرن الخامس عشر ق.م، وهي ديانة متعددة الآلهة استمدت تسميتها من نصوص الفيدات المقدسة Vedas، وتتصف بالطابع الكهنوتي الذي يرتكز على إرضاء الآلهة عن طريق تقديم القرابين والطقوس المتعلقة بها. انظر: بحث أبي حارث رامي عفيفي في موقع سبيلي، بعنوان: (الهندوسية).
  13. () انظر: بحث أبي الحارث رامي عفيفي في موقع سبيلي، بعنوان: (الهندوسية).
  14. () أحمد شلبي، أديان الهند الكبرى (ص:66)، ناقلا عن ويدانت (ص:41، و43).
  15. () الأوبانيشاد: مجموعة من الكتب ألفها الزهاد والحكماء المتصوفة بين عامي (800 إلى 500 قبل الميلاد), وهي تعتبر شروحا للفيد أيضا، وفي الأبانيشادات مائة وثمانون محاورة مما جرى بين المعلم وتلاميذه، ويطلق على هؤلاء المتصوفة الزهاد الحكماء: (الأوپانيشاد)، وهذه الكلمة تتكون من مقطعين: (أوپا) ومعناها: بالقرب، و(نيشاد) ومعناها: يجلس، فيكون المعنى الحرفي هو: “الجلوس بالقرب من المعلم” ولكن هذا اللفظ أصبح فيما بعد يُطلق على المذهب الغامض الذي كان يُمليه المعلم سِرّاً إلى خيرة تلاميذه وأحبهم إليه. انظر: قصة الحضارة لوِل وايرِل ديورَانت ترجمة زكي نجيب محمود (3/43)، ودراسات في الأديان اليهودية والنصرانية، وأديان الهند، للأستاذ الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي(543-545).
  16. () الأوبانيشاد بترجمة عبد السلام زيان (ص82).
  17. () الأوبانيشاد بترجمة عبد السلام زيان (ص86-87).
  18. () الأوبانيشاد بترجمة عبد السلام زيان (ص105)، الناشر: شمس للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى: عام 2008م.
  19. () تمهيد كتاب الأوبانيشاد، لعبد السلام زيان (ص11-12).
  20. () الحواري(1429) لمن كان له عقل فليتدبر هذه البحوث الإسلامية، للشيخ محمد حامد الحواري ، الناشر: دار الضياء للنشر والتوزيع، عمان الأردن، (ص:280)
  21. () انظر: بحث أبي الحارث رامي عفيفي في موقع سبيلي، بعنوان: (الهندوسية).