التناص الديني في شعر محمد بن عثيمين (دراسة نقدية)

سامي فالح سلطان الطريفي1

1 المملكة العربية السعودية.

بريد الكتروني: sssm.888@hotmail.com

HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj4616

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/06/2023م تاريخ القبول: 01/05/2023م

المستخلص

تعد ظاهرة التناص نظرية حديثة تستعرض ما يحدث في النص من تشابه وتباين مع ما سبقه من نصوص سواء أكان ذلك في اللفظ , أو المعنى ,أو الصورة، , ومن ثم اتحه البحث إلى استبطان نصوص ابن عثيمين واستنطاقها من خلال كشف علاقات تقاطعها مع النصوص ، بما في ذلك من حوادث تاريخية , إضافة إلى المعالم الجغرافية والشخصية , وربط تلك الأبعاد والعلاقات بالبناء الكلي للنص، وعلاقتها بالمتناص معه، وهو المحور الذي يدور حوله البحث بشكل رئيس . توصلت الدراسة إلى أنَّ شعر ابن عثيمين كان الهدف من غالبيته ؛ الحث على الوقوف صفًا واحدًا مع الإمام عبدالعزيز ، وأثبتت الدراسة أن ما يتضمنه شعر ابن عثيمين من مواقف , ومثائل قرآنية ونبوية , كان لها الأثر الأكبر في نفس المتلقي الذي يدرك عمق الثقافة والمعرفة الدينية التي يتمتع بها الشاعر ابن عثيمين .

الكلمات المفتاحية: ديوان , العقد , شعر , التناص , محمد بن عثيمين

Research title

Religious intertextuality in the poetry of Muhammad bin Al-Othaimeen (a critical study)

SAMI FALIH SULTAN AITURIFI1

1 Kingdom of Saudi Arabia.

Email: sssm.888@hotmail.com

HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj4616

Published at 01/06/2023 Accepted at 01/05/2023

Abstract

The phenomenon of intertextuality is a modern theory that reviews the similarities and contrasts that occur in the text with previous texts, whether in terms of word, meaning, or image. Then the research turned to deduct the texts of Bin Al-Othaimeen and Interrogate them, by revealing its intersection with texts, including historical episodes, in addition to geographical and personal features, and linking those dimensions and relationships to the overall structure of the text, and their relationship to the text that intertext with it, which is the theme that the research mainly discusses.

The study found that Bin Al-Othaimeen’s poetry was often aimed at urging people to stand united with Imam Abdulaziz. Moreover, the study proved that what Bin Al-Othaimeen’s poetry included in terms of attitudes, and Quranic and prophetic similarities, had the greatest impact on a recipient who realizes the depth of culture and religious knowledge that characterizes Bin Al-Othaimeen as a poet.

Key Words: : Diwan, contract, poetry, intertextuality, Muhammad bin Al-Othaimeen

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , ثم أما بعد،

يعد الشاعر محمد بن عبدالله بن عثيمين من أبرز القامات الشعرية في الجزيرة العربية , والعالم العربي في عصرنا الحديث؛ وذلك لما امتاز به شعره من قوة ورصانة , وبعد عن الركاكة في الألفاظ والمعاني , والفضل في ذلك يعود لثقافته الواسعة من خلال القراءة والاطلاع في دواوين فحول الشعراء , فاكتسب خبرات وتجارب من تلك الثقافة جعلته يبدع في شتى ضروب الشعر , وامتلك بها أسلوبا تعبيرياً رائعاً , وطاقة لغوية عالية , ولذلك اتجهت إليه أنظار الباحثين والدراسين, فاخذوا يستنبطون من ديوانه موضوعات لدراساتهم , ويتمحصون شعره لغةً , وأسلوباً, وصورة , ومن هذه الدراسات, دراسة لمحمود بركات والتي كانت بعنوان: ( شعر ابن عثيمين دراسة في الشكل والمضمون ), وهي عبارة عن رسالة تقدم بها الباحث لنيل درجة الماجستير, تعرض فيها لمضامين الشعر عند ابن عثيمين, فبحث في أغراض شعره, مثل: شعر المديح , والرثاء، والغزل, والحكمة, وشعر النصائح, وتطرق بعد ذلك للشكل في شعر ابن عثيمين , فكتب عن لغته، وأسلوبه، وموسيقاه الشعرية، وصوره الفنية, ثم إنه ألمح إلى المبالغة, والخطابية, والضروروة الشعرية في شعره, ودراسة لمحمد سعد حسين ( اسم الدراسة ): وهي عبارة عن وقفات نقدية، تمثلت في تسجيل بعض أغراض شعره وبعض خصائص نثره , ولعبدالعزيز الخويطر كتاب أخرجه بعنوان: ( قـــــــراءة فـــي ديوان الشاعر محمد بن عبدالله بن عثيمين ) , عرج فيها على بعض الألفاظ , والتراكيب اللغوية التي استخدمها ابن عثيمين في شعره , ثم تحدث عن مدى تأثره بمجتمعه وما يدور حوله, من أدوات للحرب , وعوامل الطبيعة, والأفلاك , وغيرها من تراكيب وألفاظ شعره , كما وقف على بعض الأساليب والتراكيب البلاغية في شعره, مثل: الجناس , وأسلوب المغالاة , وختم كتابه بنبذه عن ثقافة ابن عثيمين ومصادرها, والتي كانت واضحة و جلية في شعره , وللسيد أحمد أبو الفضل رسالة دكتوراه عن شعر ابن عثيمين، عنوانها: ( محمد بن عثيمين شاعر الملك عبدالعزيز ), ذكر أبو الفضل حياة ابن عثيمين , وصلته بملوك العرب, ثم تحدث عن المغفور له الملك عبدالعزيز , وبعض فتوحاته, والتي وردت في شعره, ثم بين أغراض شعره , وقام بدراسة فنية حول شعره , فتناول مقدمات القصائد, وخواتيمها , وبحورها , وقوافيها , وللهويمل كتاب أسماه: ( سعوديات ابن عثيمين ), تضمن بعض أغراض شعره , ومصادر ثقافته , وظاهرة المطالع الخمرية والغزلية والطللية في شعره, كما نجد دراسة بعنوان: ( ابن عثيمين رائد الشعر الحديث في نجد ) وهي عبارة عن رسالة دكتوراه, لعبدالعزيز الفريح , وليس فيها سوى ذكر الأحداث التاريخية المتصلة ببعض القصائد التي قيلت في الملك عبدالعزيز, أما آخر الدراسات التي تناولت شعر ابن عثيمين , فهي رسالة ماجستير للباحثة جميلة القحطاني, تحت عنوان ( الصورة البيانية في العقد الثمين من شعر ابن عثيمين ) , ودرست فيها الصورة البيانية التي حضرت في ديوان الشاعر بشكل عام . ولعل عدم وجود دراسة متخصصة تدرس التناص في شعر ابن عثيمين ؛ سبب عزز ميولي نحوه , وذلك لاستكشاف هذا الموضوع في شعره , وتحديد أبعاده ؛ لأنه لم يدرس من قبل من جهة ، ولبروزه بشكل واضح في معظم قصائده من جهة أخرى.

فالتناص ظاهرة نظرية حديثة , تستعرض ما يحدث في النص من تقاطع مع نصوص سابقة عليه, سواء أكان ذك في اللفظ , أم المعنى , أم الصورة , وفي هذه الدراسة استجلاء لمفهوم التناص وأنواعه عند جوليا كرستيفا وغيرها, ممن كان لهم السبق في بسط نظرية التناص, وتحديد ملامحها , وأشكالها , وبعد ذلك تتجه الدراسة إلى استبطان نصوص ابن عثيمين, واستنطاقها من خلال للكشف عن العلاقات والدلالات الرابطة لها مع نصوص سابقة , وذلك في النصوص الدينية المتمثلة في القرآن الكريم , والحديث النبوي الشريف .

مشكلة وتساؤلات الدراسة :

يعتبر الشاعر محمد بن عثيمين من أهم الشعراء الذين أحيوا وأنعشوا الشعر العربي الفصيح في عصرنا الحديث , كيف لا وهو ظهر وأبدع وتميز وتألق في زمن كان الشعر العامي قد بسط جناحيه وأستولى على المجتمع بشكل كبير ,ويمكن صياغة مشكلة الدراسة في الآتي:

  1. ما العوامل التي أثرت في شعر ابن عثيمين ؟
  2. ما مدى تآثر ابن الشاعر بدينه من خلال توظيفه للتناص مع القرآن الكريم , والسنة النبوية الشريفة ؟

منهج الدراسة:

لقد بنيت هذه الدراسة على المنهج التحليلي النقدي ؛ لتخرج الدراسة بصورة واضحة وسهلة وقريبة لكل من يطلع عليها .

أهمية الدراسة :

لعل من أهم نقاط أهمية هذه الدراسة هو :

  1. أهمية شعر ابن عثيمين ؛ وذلك لما يتمتع به شعره من محاكاة للشعر الفصيح بدرجة كبيرة , وما يتمتع به شعره من زخم في أغراض الشعر بشكل عام .
  2. التوضيح للمطلع على الدراسة حجم التآثر الديني لدى الشاعر, فلا نكاد نجد قصيدةً من قصائده تخلو من التناص مع القرآن الكريم , أو الحديث النبوي الشريف .

أسباب اختيار الموضوع :

من أهم أسباب اختيار الدراسة :

  1. التعريف بالشاعر محمد بن عثيمين من خلال نبذة بسيطة عن حياته وعن شعره
  2. توضيح مدى ثقافته والتي أثرت في العديد من قصائده

أهداف الدراسة:

هذه الدراسة تهدف إلى :

  1. توضيح قوة الشعر العربي الفصيح عند الشاعر
  2. التعرف على التناص من النصوص السابقة سواءً أكان ذلك باللفظ أو المعنى .

المطلب الأول: التناص مع النص القرآني, وأثره في بناء المعنى:

يحتل القرآن الكريم مكانةً عاليةً في نفوس الشعراء المسلمين , وذلك لما يتضمنه من طاقات وأساليب بلاغية غاية في البيان والإعجاز , فهو معجزة رسول الأمة محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي تحدى الله به بلغاء العرب وفصحاءهم , قال الله تعالى :{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين }[البقرة: 23]. فلم يستطع أحد منهم مجاراته, يقول الجرجاني في رده على المعتزلة : ” أعجزتهم مزايا ظهرت لهم في نظمه , وخصائص صادفوها في سياق لفظه , وبدائع راعتهم من مبادئ آية ومقاطعها , ومجاري ألفاظها ومواقعها , وفي مضرب كل مثل , ومساق كل خبر , وصورة كل عظة وتنبيه, وإعلام وتذكير, وترغيب وترهيب , ومع كل حجة وبرهان , وصفة وتبيان , وبهرهم أنهم تأملوه سورة ًسورةً , وعُشراً عُشراً, وآيةً آيةً , فلم يجدوا في الجميع كلمة ينبو بها مكانها , ولفظة ينكر شأنها , أو يرى أن غيرها أصلح هناك أو شبه , أو أحرى وأخلق , بل وجدوا اتساقا بهر العقول, وأعجز الجمهور , ونظاماً والتئاماً, واتقاناً, وإحكاماً , لم يدع في نفس بليغ منهم , ولو حكَّ بيافوخة السماء , موضع طمع , حتى خَرِست الألسن عن أن تدَّعي وتقول , وخَذِيَت القُروم فلم تملك أن تصول “([1]).

” فالقرآن الكريم آيات منزلة من حول العرش , فالأرض به سماء هو منها كواكب , بل الجند الإلهي قد نشر له من الفضيلة علم وانضوت إليه من الأرواح مواكب , أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها , وامتنعت عليه أعراف الضمائر فابتزّ انفعالها , فما كان إلا نور الشمس , لا يزال الجاهل يطمع في سرابه ثم لايضع منه قطرة في سقائه , ألفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة , وإذاهي لانت فأنفاس الحياة الآخرة, تذكر الدنيا فمنها عمادها ونظامها , وتصف الآخرة جنتها وضرامها , ومتى وعدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجوه الغيب وإن أوعدت بعذاب الله جعلت الألسنة ترعد من حمى القلوب , ومعان بينا هي عذوبة ترويك من ماء البيان , ورقة تستروح منها نسيم الجنان , إنه القرآن نورا تبصر به في مرآة الإيمان وجه الأمان”([2]).

ويقول الباقلاني : ” الحمد لله المنعم على عباده بما هداهم إليه من الأيمان , والمتمم إحسانه بما أقام لهم من جلي البرهان , الذي حمد نفسه بما أنزل من القرآن , ليكون بشيراً ونذيراً, وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً , وهاديا إلى ما ارتضى لهم من دينه , وسلطاناً أوضح وجه تَبيينِه , ودليلاً على وحدانيته , ومرشداً إلى معرفة عزته وجبروته , ومفصحاً عن صفات جلالته, وعلو شأنه , وعظيم سلطانه , وحجة لرسوله الذي أرسل به , وعلماً على صِدقِه , وبينة على أنه أمينه على وحيه , وصادع بأمره “([3]).

وقد اقتبس الشاعر ابن عثيمين في ديوانه كثيراً من آيات القرآن الكريم , فهو يتحلى بثقافة إسلامية واسعة في كتاب الله سبحانه وتعالى , ويعود السبب في ذلك لأنه ” كان حافظاً للقرآن الكريم واسع الإطلاع على السنة النبوية الشريفة , لكثرة ما يستشهد به من الآيات والأحاديث , واستشهاده استشهاد متمكن من معرفتها “([4]). وبعد هذه التوطئة اليسيرة , ننتقل للديوان لاستخراج الشواهد الشعرية , التي يتجلى فيها التناص عند ابن عثيمين مع النص القرآني.

نجد التناص يتواشج مع النص القرآني في قول ابن عثيمين([5]):

فَبَيَّتَ القَومَ صَرْعَى خَمْرِ نَوْمِهِم
وا وَآخَرِينَ سُكَارَى بِابْنَةِ العِنَبِ

وفيهذا تناص مزج مع قوله تعالى :{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة}[الحاقة: 7]. يخبر النص القرآني إلى الحال الذي أحل بقوم عاد عندما كذبوا بيوم القيامة , وذلك بإرسال رياح قوية شديدة جعلت القوم صرعى مثلهم كمثل النخل الميت الواقع أرضاً , ويتناص ابن عثيمين مع هذه الآية القرآنية الكريمة , ذاكرا الحال الذي وقع على الأحساء والقطيف عند استيلاء ممدوحه الإمام عبد العزيز([6]) عليها, إذ جعل بعض القوم صرعى كأنهم في سبات عميق , وبعضهم الآخر كأنهم سكارى بالخمر من دهشتهم لما رأوه, من قوة وشجاعة ممدوحه , فاستثمر الشاعر الآية للاستفادة من الصورة التي بنيت عليها , مما يشير إلى تمتع ابن عثيمين بقدرة واسعة, وخبرة فاعلة في تكثيف المعنى للوصول إلى الدلالة, التي يريدها , تناص مع الآية في المعنى وذلك في قوله([7]):

فَارَقْتُهُمْ أَمْتَرِي أَخْلَافَ سَائِمَةٍ
وا يَسُوقُهَا وَاسِعُ المَعْرُوفِ مَنّانُ

ويظهر التناص هنا جلياً مع القرآن الكريم وذلك بإشارة لقوله تعالى : {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِـن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُولهُإِلَيْهِ تُرْجَعُون}[العنكبوت: 17] فالنص القرآني يخبر بأنه هو الرزاق لخلقه وحده , وأن هذه الأوثان وغيرها من المعتقدات الخاطئة والتي لا تجدي نفعاً , وأن الرازق هو سبحانه وتعالى تواضع لعباده , وجعل الاتصال به سبحانه مباشرة دون هذه الخزعبلات , فقط يكون ذلك , بالإكثار في الطاعات , والإلحاح بالدعاء . وقد وظف ابن عثيمين هذه الآية في قالب شعري عندما فارق دياره طلباً للأرزاق التي يسوقها الله سبحانه وتعالى لعباده وذلك حين أعلن اضطرابه في الأرض وجولاته بين الطول والعرض بالتماسه في مظانه وتطلبه في أمكنته . فقد أفاد ابن عثيمين من النص القرآني الكريم . ” فاستحضاره للمضامين , وما تحمل من أبعاد دلالية في نصه , لم تكن مجرد زينة لفظية , أو معنوية , وليست مجرد إثبات القدرة على قول الشعر , وإنما استفادة من التعبير الموحي المؤثر المشرق , وتطعيم الشعر والنثر , بأساليبه المثيرة , واستخدام صيغ , وتراكيب , تتسم بالعمق , والحيوية , فضلاً عن الكثافة الدلالية , والبلاغية , والإيحائية الذي يتسم به القرآن الكريم ؛ مما يعطي النص حيوية , وفاعلية ” ([8]).

ويستحــضر ابن عثيمين النــص القــــرآنـي لتصوير بعض حقائق ممدوحه حينما قال في ذلك([9]):

خَبِيئَةُ اللهِ فِي ذَا الوَقْتَ أَظْهَرَهَا
وا وَلِلْمُهَيْمِنِ فِي تَأْخِيرِهَا شَانُ

فنجده يشير في هذا البيت إلى ما توحي به فكرة الآية الكريمة في قوله تعالى : {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُون}([10]).وتخبر الآية القرآنية بأن الله تعالى يعلم خبيئة السماوات والأرض , كالماء المتمثل بالمطر في السماء , والنبات في الأرض , وما خبأه الله لأهل هذا الزمان و ظهور ممدوحه , ومساعيه لنصرة الإسلام والمسلمين , ولله الحكمة البالغة , والإرادة التامة في تأخير هذه الرحمة إلى هذا الوقت , وربك يخلق ما يشاء ويختار . فابن عثيمين يشير في نصه الشعري إلى حكم ممدوحه , وأن تأخيره شأن رباني , حيث أن مجيء حكم ممدوحه سيجلب العز والظهور للإسلام والمسلمين , وسيقوي دعائمه وأركانه ,والتي نجدها مرت بضعف شديد , فكان السلب والقتل منتشر بكثرة . والجدير بالملاحظة أن ابن عثيمين قد استوحى الآية القرآنية الكريمة , فامتص لفظة (الخبء) , وتشربها , فوظفها في نصه الشعري , في لفظة جديدة وهي (خبيئة) , بدلالة تحيل المتلقي إلى الآية القرآنية الكريمة , وهذا إن دل فهو يدل على قدرة الشاعر في استدعاء التراث وتمثله ؛ لأنه يمتلك مخزوناً ثقافياً يجعل منه أديباً متميزاً , غايةً في الإبداع .

وقال ابن عثيمين مفتخراً بممدوحه , ومعتزاً به ([11]):

وَرُبَّ مُسْتَكْبِرٍ شُوسٍ خَلَائِقُهُ
وا صَعْبِ الشَّكِيْمَةِ قَدْ أَعْمَاهُ ُطُغْيَانُ

وهنا نجد ابن عثيمين يصف أعداء ممدوحه , بأن ما يجدونه في أنفسهم من تجبر , وتعاظم , وتكبر , وشدة , وتعسر , قد أعماهم عن رشدهم , وذلك بما هو متمكن في داخلهم من طغيان , وفي هذا تناص بإشارة مع قوله تعالى : {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىإِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}([12]). تبين الآية القرآنية بأن الإنسان ذو فرح وأشر وبطر وطغيان . فهو يرى في نفسه أنه قد استغنى مع علمه بأن المرجع والمصير إلى الله وعليه فإن بين النص الشعري , والنص القرآني نقاط التقاء , وذلك في المعنى , وفي لفظة ( الطغيان ).

ويستثمر ابن عثيمين التناص مع القرآن الكريم ” لرسم صورة من صور ممدوحه , فكثيراً ما يعمد إلى تحوير الآيات القرآنية , ويتشربها , أو يستغلها لبناء صوره , ومعانيه , فقد يبث في قصائده كثيراً من التراكيب , بعد تحويرها , ونقلها إلى معان شعرية ؛ إلا أنها في سياقها لا تخرج عن التأثر بالأسلوب القرآني “ ([13]). فمن أوضح ما يستنتج من توظيفه للنصوص القرآنية في شعره ما نقرأه في قوله ([14]):

فَجِئْتَ بِالسَّيْفِ وَالقُرْآنَ مُعْتَزِماً
وا تُمْضِي بِسَيْفِكَ مَا أَمْضَاهُ قُرْآنُ

فمن الملاحظ أن ابن عثيمين استثمر قوة ممدوحه في البيت السابق من قوله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز}([15]) . فالنص القرآني يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى, جعل الحديد رادعا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه, وذلك يكون بالسيوف, والدروع , والنضال , والجراب , فنجد ابن عثيمين هنا بين صورة من صور ممدوحه وهي محاربته لأعداء الإسلام , مستخدماً أدوات الحرب الحديدية , ومستمداً أحكامه من القران الكريم. وبناء على ذلك يمكن النظر لابن عثيمين , كأديب رفيع , وذا مثالية عالية , رفض المثالب , والسلوكيات المنبوذة , فاخذ من القرآن الكريم منهجاً سالكاً لشعره , ومن ذلك نلحظ اقتباساته الجمة من القرآن الكريم في صوره وألفاظه وتراكيبه ودلالاته , فكثيراً ما نلحظه يشحن نصوصه الشعرية بفكر عميق وفضائل حميدة مستوحاة منالنصوص القرآنية([16]). فهو هنا يبين أن دعوة ممدوحه للناس وإلزامهم إياها كان بالسيف , حتى انجلى الظلم وارتفعت أعلام الدين وأركانه , فيقول ([17]):

حَتَّى انْجَلَى الظُّلْمُ وَ الإِظْلَامُ وَارْتَفَعَتْ
وا لِلدِّيْنِ فِي الأَرْضِ أَعْلَامٌ وَأَرْكَانُ

وبهذا نجده يتناص مع الآية القرآنية في قوله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ }([18]).ويخبر النص القرآني بأنه لا دين يقبل عند الله سوى الإسلام , فضمن نص ابن عثيمين معنى الآية القرآنية , وأعاد بناءها بشكل لغوي جديد , متكئاً على المعنى الذي استلهمه من النص القرآني؛ ليدلل بذلك على قدرته في دمج معاني الآيات القرانية , داخل بيته الشعري . ومما يدلل أيضاً على تعلق ذاكرة ابن عثيمين بالقرآن الكريم , وحفظ آياته , وتوظيف تراكيبه , ودلالاته , وصوره, وألفاظه, ومعانيه.

المطلب الثاني: التناص مع الحديث الشريف , وأثره في بناء المعنى :

للحديث النبوي الشريف مكانة عظيمة بين الأدباء وغيرهم , فهو يمثل المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي , تكسوه درجة رفيعة من الفصاحة , كيف لا وقائله خير الناس, وأفصحهم لساناً , فمنذ فجر الإسلام , والأدباء يتمثلون بألفاظه , وتراكيبه ,وأسلوبه , ومعانيه , وصوره , يعد لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع الإسلامي , من فضائل , وسلوكيات , وتشريعات , وتعاليم إسلامية ؛ صورة مشرقة ومشعة , غاية في الإبداع , بدلالاته , وإيحاءاته , وتلميحاته .

ويقول الرافعي : ” ألفاظ النبوة يعمرها قلب متصل بجلالة خالقه , ويصقلها لسان نزل عليه القرآن بحقائقه , فهي إن لم تكن من الوحي .ولكنها جاءت من سبيله , وإن لم يكن لها منه دليل فقد كانت هي من دليله , مُحكمة الفصول , حتى لم يكن فيها عروة مفصولة , محذوفة الفصول , حتى ليس فيها كلمة مفصولة , وكأنما هي في اختصارها وإفادتها نبض قلب يتكلم , وإنما هي في سموها وإجادتها مظهر من خواطره – صلى الله عليه وسلم – “([19]).

الشاعر ابن عثيمين ممن درسوا الحديث النبوي الشريف , وحفظوا منه قدراً ليس باليسير, فنجد أثر ذلك واضحاً في بعض أبياته الشعرية , واقتبس من الحديث الشريف ما يدعم صوره الشعرية , فوظفه لفظاً , ودلالةً , وأسلوباً ؛ ليضفي على نصوصه الشعرية إبداعاً وجمالاً لا مثيل له في كلام الناس جميعاً , فتضمينه للأحاديث النبوية , وامتصاصه لها , وإعادة بنائها في نصوصه ؛ يجعل لها التأثير الأعمق في نفس المتلقي .

ومن الأمثلة التي يبرز فيها قدرة ابن عثيمين على توظيف الأحاديث النبوية الشريفة بشكل غير مباشر، قوله:([20]):

وَفِي اضْطِرَابِ الفْتَىَ نُجْحٌ لِبُغْيَتِهِ
وا وَلِلمَقَادِيرِ إِسْعَادٌ وَخذْلَانُ

وفي الشطر الثاني من البيت تناص في المعنى مع حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :” اعملوا فكل ميسر لما خلق له , أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة , وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة “([21]). ويخبر الحديث الشريف إلى أن العبد مأمور بالسعي فيما يساعده على اكتساب الرزق وعزة النفس بالعمل والتقلب في الأرض . فنص ابن عثيمين أتى ليخفف به عن نفسه , ويبين السبب في فراقه لدياره ؛ وهو البحث عن الرزق الحلال, فربط النجاح في الوصول إلى المبتغى بتعدد طلب الرزق في مناحي الأرض طولاً وعرضاً, ثم إن كفالة الرزق على الله سبحانه وتعالى , فهو يقدر لمن يشاء السعادة , ويقدر لمن يشاء الشقاء والخذلان . فابن عثيمين بملكة الشعرية, استطاع أن يتناص مع مضمون الحديث الشريف, ويختلف معه في اللفظ، وقد أدى تضمين معنى الحديث في البيت الشعري قوة تأثيرية في نفس المتلقي, واكسبه صفة الاتسام بالعمق الدلالي, والحيوية في بعد المعنى. فابن عثيمين لديه ثقافة واسعة في إثراء معجمه الشعري من ألفاظ, وتراكيب, وصيغ, ومعان ذات صلة وثيقة بالحديث النبوي الشريف, لتصبغ شعره بأبعاد دلالية وإيحائية وتلميحية , تجعل لنصوصه حيوية وفاعلية. فنجده هنا – مثلاً- ([22])يقول:

مُقَدَّمٌ فِي المَعَالِي ذِكْرُهُ أَبَداً
وا كَمَا يُقَدَّمُ باسْمِ اللهِ عُنْوَانُ

ففي هذا البيت تناص مع حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ” كل ذي أمر بال لا يبدأ فيه بسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر”([23]). فالحديث النبوي الشريف يدل على أن عدم بداية ذكر اسم الله في كل شيء , فالحكم الذي سيلحق به بدون أدنى شك هو البتر. ونص ابن عثيمين هنا يبين أن ذكر ممدوحه في المعالي مقدم على من سواه؛ لأن فيه كل الخصال الحميدة, عند شيوخ وأعيان القبائل وأبناء الشعب , كما يتذاكر مجده وسموه أيضاً دول الشرق والغرب , فهو أبٌ للفضائل , وسيدٌ للخصال الجميلة , فابن عثيمين ذكر أن الله سبحانه وتعالى مقدم على كل شيء. وممدوحه مقدم على من حوله؛ لعلو مكانته , ولكثرة فضائله وخصاله الحسنة وإن كان في ذلك مبالغة لممدوحه.

ويقول ابن عثيمين في موضع آخر ([24]):

وَالعَبدُ إِن صَلُحَت لِلهِ نِيَّتُهُ
وا لَابُدَّ يَبدُو لَهَا فِي الكَونِ آثَارُ

وهنا يتناص مع قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – ” إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل أمريء ما نوى , فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله , فهجرته إلى الله ورسوله , ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها , أو امرأة ينكحها , فهجرته إلى ما هاجر إليه “([25]). يخبر النص النبوي الشريف إلى أن أعمال المؤمن مرتبطة بالنية , فالنية مكانها القلب , وهي نواة عمل المؤمن , فلا نكاد نجد المؤمن يعمل عملاً إلا وقد نوى له , فالعمل نتاج النية , والارتباط بينهما متبادل, فتزداد جودة ثمار العمل بازدياد صفاء موارد وصلاح النية . وابن عثيمين في نصه الشعري يبين أن نية ممدوحه الصالحة في سعيه لتوحيد البلاد، جعلت له مكانة عالية , وانتصارات متتالية , في فتوحاته لمدن المملكة وقراها، فابن عثيمين أضفى على نصه تأثيراً عميقاً وبعداً دلالياً رائعاً , بتناصه مع الحديث النبوي الشريف من ناحية المعنى , وبإشارة لفظية تحيلنا إلى الحديث الشريف وهي (النية) وذلك بعلاقة صلاح النية بين النصين.

ويتبين من النص السابق أن ابن عثيمين جعل من الحديث النبوي الشريف منهلاً لتعبيراته التي تجسد موقفه الشعري, ومعاناته النفسية . وعلى نحو ما مضى يتعالق نص ابن عثيمين الشعري ويتقاطع مع الحديث النبوي الشريف , وذلك في قوله ([26]):

هَذَا مَقَالُ امرِئٍ يُهدِي نَصِيحَتَهُ
وا وَالنُّصحُ فِيهِ لِأَهلِ اللُّبِّ تَذكَارُ

يتناص ابن عثيمين في النص السابق مع حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” الدين النصيحة , قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله , ولكتابه , ولرسوله , ولائمة المسلمين وعامتهم “([27]). يخبر الحديث النبوي الشريف إلى فضل النصيحة وأهميتها بين المسلمين, وهذا يدل على فضلها وعلو مكانتها بين أبناء المجتمع الواحد, وقد ربط الرسول – صلى الله عليه وسلم – النصيحة بالدين , فهي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام , فقد بعثوا لينذروا أقوامهم من عذاب الله . والنصيحة لا تصدر في غالب الأمر إلا من محب , وترتكز على ركيزتين أساسيتين , إما أن تكون تذكرة لعالم , أو توعية لجاهل . ومن يتأمل نص ابن عثيمين يدرك مدى التوافق , والتآلف مع مضمون الحديث النبوي الشريف , ومع لفظة ( النصيحة ) , فكلا النصين يشتركان في تصوير أهمية النصيحة , وفضلها , وعظم مكانتها , فنص ابن عثيمين أتى ناصحاً لممدوحه , مستنداً في نصحه لتذكرة أهل العقول النيرة , والقلوب المطمئنة , وهذا ما قام به ابن عثيمين في مجمل نصائحه لممدوحه .

يقول ابن عثيمين مذكراً أبناء وطنه بشرعية عدم الخروج عن طاعة ولي الأمر، وهو يقصد ممدوحه عندما قال([28]):

فَمَن بَاتَ لَيلاً خَالِعاً بَيعَةَ الَّذِي
وا بِهِ لُمَّ شَعثُ المُسلِمِينَ المُفَرَّقُ

فَإِن مَاتَ كَانَت مِيتَةً جَاهِلِيَّةً
وَإِن عَاشَ فَهوَ المَارِقُ المُتَزَندِقُ

فهو يتناص مع معنى الحديث النبوي الشريف وبعض ألفاظه والتي تحيل مباشرة إلى حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – ” من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له , ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ” ([29]) . يشير الحديث النبوي الشريف إلى أن طاعة الإمام لها فضل عظيم, فهي توحد الناس على الوقوف صفاً واحداً خلف إمامهم , وذلك لنصرة دين الله سبحانه وتعالى , وإتباع لسنة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – , وأيضاً لخلعها مساوئ كثيرة , ففي الدنيا تتشتت صفوف المسلمين وتفترق , فينتشر المنكر والبلاء في بلاد الإسلام , وفي الآخرة يلقى المسلم ربه سبحانه وتعالى بلا حجة , بيد أنه من مات ولم يعتنق بيعة إمامه , مات ميتة من كانوا في الجاهلية . ونص ابن عثيمين جاء مبيناً فضيلة من فضائل ممدوحه في الصلاح , وهي لم شمل المسلمين المفرق , فكيف لأحد أن يقوم بخلع إمامه, وهو من وحد صفوف المسلمين المتفرقة , وأقام دولة إسلامية دستورها الكتاب والسنة , فليس له حجة أمام ربه , وتعتبر ميتته ميتة جاهلية إن لم يعتنق بيعة لإمامه . فعند تتبع نصوص ابن عثيمين الشعرية تناصياً , يتبين للمتذوق بأنه كثير الإطلاع , واسع الثقافة , لديه قدرة عالية في امتصاص ألفاظ ومعاني النصوص السابقة وإبرازها داخل نصوصه الشعرية؛ لتكون رنانة قوية لها تأثيرها العظيم في نفس المتلقي .

فالمدقق لنصوص ابن عثيمين الشعرية يلحظ وجود التناص مع نصوص سابقة له , بعلاقات يرسمها الشاعر بين النص الغائب والحاضر , فهنا نجد ابن عثيمين يذكر بأن مجيء ممدوحه جعل الظلم , والخوف , والجوع , تهاجر من الوطن , وتبتعد عن الديار , والتي جعلت الناس تغبط أهل القبور , بسبب تفحلها , وشدتها , فيقول ابن عثيمين ([30]):

كُنَّا نَمُرُّ عَلَى الأَموَاتِ نَغبِطُهُم
وا مِن قَبلِهِ إِذ تَوَلَّى الأَمرَ أَشرَارُ

ففي هذا النص الشعري تناص مع الحديث النبوي الشريف ” لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه ” ([31]) . فالنص النبوي يبين أن الساعة لن تقوم حتى يمروا الناس على القبور متمنين وجودهم فيها , لما عاشوه من البلاء , وقاسوه من الظلم . والنص العثيميني يوضح بأنه قبل مجيء ممدوحه كان الناس يغبطون أهل القبور ويتمنون لو أنهم معهم لما رأوه من جور الحكام وظلمهم. فابن عثيمين استلهم مضمون الحديث النبوي الشريف , ليعيد بناء نصه الجديد , ويستغله الاستغلال الشعري الأمثل , رابطاً بين الواقع الذي عاشوه أبناء هذه البلاد قبيل مجيء ممدوحه , بالواقع الذي ستعيشه أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – قبل قيام الساعة بعلاقة ( البلاء ) , وذلك ليبين معاناته الروحية , ويرفع مستوى تجربته الإبداعية .

الخاتمة:

  • أبرز النتائج

وبعد هذه الدراسة التي تناولت التناص الديني في شعر ابن عثيمين :

  1. شعر ابن عثيمين كان الهدف من غالبيته ؛ الحث على الوقوف صفًا واحدًا مع الإمام عبدالعزيز طيب الله ثراه .
  2. ابن عثيمين اعتمد على التناص الديني مع القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ؛ لما وجد فيهما من قيمة جمالية وفنية لشعره , وبما تتمتع به النصوص الدينية من بلاغة البيان وإعجاز اللسان .
  3. وظف الشاعر التناص الديني في نصوصه من باب النصح والإرشاد والتذكير لمن يحب, والغاية التي يرومها ابن عثيمين من إشاراته إلى النصوص الدينية , أنها تمثل برهاناً لقوله وحجة أوردها بلسانه .
  4. أثبتت الدراسة أن ما يتضمنه شعر ابن عثيمين من مواقف , ومثائل قرآنية ونبوية , كان لها الأثر الأكبر في نفس المتلقي الذي يدرك عمق الثقافة والمعرفة الدينية التي يتمتع بها الشاعر ابن عثيمين .
  5. ليس كل ما يحدث في شعر ابن عثيمين من تناص متعمد , بل هنالك ما كان من محض الصدفة , وتأثير الثقافة .
  • التوصيات :
  1. ديوان الشاعر بيئة خصبة للباحثين في شتى مجالات الشعر .
  2. وضع العديد من قصائدة في كتب وزارة التعليم الدراسية .
  3. التعريف بالشاعر وشعره في الإعلام بشكل عام .
  4. الاهتمام بالشعر الفصيح وشعرائه وترغيب المجتمع في ذلك .
  5. توفير ديوان الشاعر لدى المكتبات العامة والخاصة بشكل أكبر .

المصادر والمراجع :

القران الكريم .

الأزدي , للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث , السجستاني , سنن ابن داود , إعداد وتعليق , عزت عبيد الدعاس , وعادل السيد , دار الحديث , سورية , ط1, 1394هـ – 1974م .

الألباني , محمد بن ناصر الدين: إرواء الغليل في أحاديث منار السبيل , أشرف عليه : محمد زهير الشاويش , المكتب الإسلامي , بيروت , ط1 , 1399هـ .

الألباني , محمد بن ناصر الدين: صحيح الجامع الصغير وزيادته ( الفتح الكبير ) , أشرف على طبعه : زهير الشاويش, المكتب الإسلامي , بيروت , ط2, 1406هـ – 1986م .

الباقلاني , محمد بن الطيب , إعجاز القرآن , راجعه : د . درويسالجويدي , المكتبة العصرية , صيدا , بيروت , د ط , 1427هـ .

الجرجاني , عبدالقاهر , دلائل الأعجاز , تحقيق : محمود محمد شاكر , دار المدني , جده , ط3 , 1992م.

الرافعي, مصطفى صادق الرافعي, إعجاز القرآن الكريم والبلاغة النبوية, راجعه: درويش الجويدي, المكتبة العصرية , صيدا , بيروت , د.ط , 1424هـ – 2003م .

السلمي , سليم ساعد , التناص في أدب ابن زيدون , مكتبة الرافدين , إربد , ط1 , 1434هـ.

الطريري , محمد إبراهيم, ديوان ابن مشرف, مؤسسة مكتبة الفلاح ,الأحساء – الهفوف , ط 4 , د ت .

رويشد , سعد بن عبدالعزيز , العقد الثمين من شعر ابن عثيمين , مطابع دار الهلال للأوفست , الرياض , ط 3 , 1400هـ – 1980م .

العسقلاني , الإمام أحمد بن علي بن حجر , فتح الباري، بشرح الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري , رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه : محمد فؤاد عبدالباقي , مكتبة الرياض الحديثة , الرياض , د.ط , د.ت .

نعيمة ح. ي., & رسن ا. ح. (2023). المظهر التناصي في قصيدة الحكاية عند الشاعر حسب الشيخ جعفر. مجلة ابن خلدون للدراسات والأبحاث, 3(4). https://doi.org/10.56989/benkj.v3i4.224

القحطاني , جميلة بنت سعيد , الصورة البيانية في العقد الثمين من شعر ابن عثيمين , رسالة ماجستير , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , 1433هـ .

الهوامش:

  1. – الجرجاني : عبدالقاهر , دلائل الأعجاز , ص 39 .
  2. – القحطاني : جميلة بنت سعيد , الصورة البيانية في العقد الثمين من شعر ابن عثيمين , رسالة ماجستير , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , 1433هـ , ص 110.
  3. – الباقلاني : محمد بن الطيب , إعجاز القرآن , راجعه : د . درويسالجويدي , المكتبة العصرية , صيدا , بيروت , د ط , 1427هـ , ص 26 – 27 .
  4. – الطريري : محمد إبراهيم , ديوان ابن مشرف , مؤسسة مكتبة الفلاح , الأحساء – الهفوف , ط 4 , د ت , ص171 .
  5. العقد الثمين , ص 32 , ابنة العنب : الخمر .
  6. – تجدر الإشارة إلى أن الباحث سيقصد بـ( ممدوحه ) في الدراسة كاملة إلى الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – موحد المملكة العربية السعودية؛ لأن الشاعر ابن عثيمين وجه أغلب قصائده ولا سيما في جانب المديح للإمام عبد العزيز آنذاك، فينوه الباحث إلى القارئ الكريم بهذا؛ رغبة في الاختصار، وعدم التكرار.
  7. العقد الثمين , ص 53 , أمتري : أستدر , أخلاف سائمة : المتخذة للدَّرّ والنّسل .
  8. – السلمي : سليم ساعد , التناص في أدب ابن زيدون , ص 77 – 78 .
  9. العقد الثمين , ص 70 , أخباه : أخفاه .
  10. – سورة النمل , آية 25 .
  11. العقد الثمين , ص 74 , الاستكبار : التجبر والتعاظم , الأشوس : الذي ينظر بمؤخرة عينيه من الكبر , الشكيمة : الأنفة والحديدة الممترضة في فم الفرس , الطغيان : مجاوزة الحد وعدم معرفة القدر .
  12. – سورة العلق , آية 6 – 8 .
  13. – ينظر : الدهون , إبراهيم , التناص في شعر أبي العلاء المعري , ص 120 .
  14. العقد الثمين , ص 84 .
  15. – سورة الحديد , آية 25 .
  16. – ينظر : السلمي , سليم بن ساعد , التناص في أدب ابن زيدون , ص 50 .
  17. العقد الثمين , ص 85.
  18. – سورة آل عمران , آية 19 .
  19. – الرافعي , مصطفى صادق الرافعي , إعجاز القرآن الكريم والبلاغة النبوية , راجعه : د. درويش الجويدي , المكتبة العصرية , صيدا , بيروت , د.ط , 1424هـ – 2003م , ص 227.
  20. العقد الثمين , ص 55.
  21. -العسقلاني, الإمام أحمد بن علي بن حجر , فتح الباري بشرح الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري, رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه : محمد فؤاد عبدالباقي , مكتبة الرياض الحديثة , الرياض , د.ط , د.ت , مج1 , ص709.
  22. العقد الثمين , ص69.
  23. – الألباني , محمد بن ناصر الدين , إرواء الغليل في أحاديث منار السبيل , أشرف عليه : محمد زهير الشاويش , المكتب الإسلامي , بيروت , ط1 , 1399هـ , مج1 , ص 29.
  24. العقد الثمين , ص 107.
  25. – العسقلاني , فتح الباري بشرح الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري , مج1 , ص 9.
  26. – العقد الثمين , ص 112.
  27. – الأزدي , للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث , السجستاني , سنن ابن داود , إعداد وتعليق , عزت عبيد الدعاس , وعادل السيد , دار الحديث , سورية , ط1, 1394هـ – 1974م , ص 233-234.
  28. العقد الثمين , ص 116 , شعث : متفرق .
  29. – الألباني , محمد بن ناصر الدين , صحيح الجامع الصغير وزيادته ( الفتح الكبير ) , أشرف على طبعه : زهير الشاويش , المكتب الإسلامي , بيروت , ط2 , 1406هـ – 1986م , مج2 , ص 1071.
  30. العقد الثمين , ص 109 , غبطة : عظم في عينيه وتمنى مثل حاله , دون أن يريد زوالها عنه .
  31. – العسقلاني , فتح الباري بشرح الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري , مج13, ص 757.