أثر اللّغة التّركيّة في إثراء المعجم العربي

قاسم أحمد الحريري1

1 باحث في مرحلة دراسة الماجستير، جامعة يلوا، تركيا، كلّيّة العلوم الإسلاميّة، تخصّص اللّغة العربيّة.

بريد إلكتروني: qasemalhariri345@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj4623

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/06/2023م تاريخ القبول: 15/05/2023م

المستخلص

تناول البحث واحدة من الظّواهر اللّغويّة وهي التّأثّر اللّغوي الواقع بين العربيّة والتّركيّة، إذ إنّ العلاقة بينهما تمتدّ لمئات السّنين بدأت بدخول التّرك بالإسلام ولا تزال مستمرّة حتّى وقتنا هذا، وقد كان أثر العربيّة على التّركيّة أكبر من أثر التّركيّة على العربيّة، إلّا أنّ اللّغة التّركيّة أثرت المعجم العربي بالعديد من الألفاظ فجاء هذا البحث ليعرض نماذج من المفردات التي دخلت المعجم العربيّ بتأثير من اللّغة التّركيّة، ويبّن كيفيّة دخول هذه الكلمات إلى المعجم العربيّ، وكذلك كيفيّة تطوير اللّغة التّركيّة لمعاني بعض الألفاظ العربيّة.

الكلمات المفتاحية: أثر، إثراء، المعجم العربي، اللّغة التّركيّة.

Research title

The impact of the Turkish language on enriching the Arabic dictionary

Qasem Ahmad AL Hariri1

1 MSc researcher, Yalova University, Turkey, Faculty of Islamic Science, majoring in the Arabic language.

Email: qasemalhariri345@gmail.com

HNSJ, 2023, 4(6); https://doi.org/10.53796/hnsj4623Published at 01/06/2023 Accepted at 15/05/2023

Abstract

The research deals with one of the linguistic phenomena which is the affecting between Arabic and Turkish that is the relation between them goes back to hundreds of years when the Turks entered Islam and it stills to our days.

The effect of Arabic on Turkish was greater than the effect of Turkish on Arabic, but the Turkish enriched the Arabic dictionary with many vocabularies.

So this research comes to show some examples of these vocabularies which entered the Arabic dictionary affected by the Turkish language and to show how these words entered and how Turkish improved the meanings of some Arabic words.

Key Words: effect, enrich, Arabic dictionary, Turkish language

المقدّمة:

الحمد للّه الذي خلق الإنسان وعلّمه البيان، فجعل لكلّ أمّة من النّاس لسانًا تُبين به عن أغراضها، ثمّ إنّ اللّه جعلنا شعوبًا وقبائل لنتعارف فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ ‌لِتَعَارَفُوٓاْۚ﴾[1] فكان من آثار هذا التّعارف تمازج الأمم وتأثر كلّ منها بالآخر وإفادتها واستفادتها في أمور كثيرة وعلى رأسها الإفادة والاستفادة في الجانب اللّغوي أخذًا وإعطاءً، والصّلاة والسّلام على المبعوث رحمة للعالمين وأفصح النّاطقين باللّسان العربيّ المبين.

مشكلة البحث:

تأثر اللّغة العربيّة باللّغة التّركيّة لا سيّما العثمانيّة الأمر الذي أدّى إلى انتقال العديد من الكلمات إلى المعجم العربي وقد أسفر هذا عن إغناء المعجم العربي بالألفاظ والمعاني، فجاء هذا البحث ليسلّط الضّوء على هذه الظّاهرة مستشهدًا بالأمثلة.

أهميّة الموضوع:

ما تزال الأبحاث تتوالى في تبيين أثر العربيّة على اللّغات الأخرى ومنها التّركيّة، وبمقابل تلك الأبحاث الجمّة لا نجد سوى أبحاثٍ قليلةٍ تسلّط الضّوء على أثر اللّغات الأخرى على العربيّة، فالتّأثّر باللّغات الأخرى لا يعني بالضّرورة الضّعف بل إنّه أحيانًا يكون بابًا من أبواب إثراء اللّغة وزيادة ألفاظها.

أهداف الدّراسة:

  1. تبيين العلاقة بين اللّغة العربيّة واللّغة التّركيّة.
  2. التّمثيل ببعض الكلمات أو المركّبات التي دخلت إلى المعجم العربيّ بتأثير من اللّغة التّركيّة.
  3. بيان آليّة دخول الكلمات أو المركّبات إلى المعجم العربيّ.

أسئلة تجيب عنها الدّراسة:

  1. هل تأثرت العربيّة باللّغة التّركيّة؟
  2. ما هو وجه تأثّر العربيّة بالتّركية؟
  3. ما هي آليّة التّأثّر وكيفيّة التّلقّي عن اللّغة التّركيّة؟

حدود الدّراسة:

إنّ حدود هذه الدّراسة تتّضح من العنوان، فالدّراسة تبحث في الكلمات التي دخلت إلى المعجم العربيّ بتأثير من اللّغة التّركيّة فأثرت بذلك اللّغة العربيّة بالمعاني والألفاظ.

الدّراسات السّابقة:

إنّ الأبحاث كثرت في تبيين أثر العربيّة على التّركيّة إلّا أنّه لم يتسنّ للباحث الاطّلاع على بحث يبيّن أثر اللّغة التّركيّة على العربيّة إلّا بحثًا يبيّن أثر التّركيّة على العاميّة العراقيّة، والبحث ههنا يسلّط الضّوء على المعجم لا على العامّيّة.

خطّة البحث:

يقع البحث في مقدّمة وتمهيد ومبحث واحد وخاتمة تليها قائمة بالمصادر والمراجع.

أمّا المقدّمة: ففيها مشكلة البحث وأهميّة الموضوع وأهداف البحث والأسئلة التي يجيب عليها وحدوده والدّراسات السّابقة، وخطّة البحث.

والتّمهيد: فيه ذكر العلاقة بين اللّغة العربيّة والتّركيّة وتأثر كلّ منهما بالآخر.

ومبحث وحيد: يذكر نماذج عدّة لكلمات دخلت المعجم العربيّ بأثر من اللّغة التّركيّة.

وخاتمة: فيها ذكر النّتائج والتّوصيات.

وأخيرًا قائمة المصادر والمراجع.

تمهيد: العلاقة بين اللّغة العربيّة والتّركيّة وتأثير كلّ منهما بالآخر

لم يمض وقت طويل بعد وفاة النّبيّ حتّى أشرقت شمس الإسلام على بلاد فارس وما وراء النّهر ثمّ استمرّت الفتوحات حتّى أذن اللّه أن يدخل التّرك في الإسلام وقد كان دخولهم في الإسلام[2] أواخر القرن السّابع الميلادي وأوائل القرن الثّامن، وبدخولهم في الإسلام بدأوا بالانخراط في المجتمع المسلم وبتعلم الدّين ولغته التي لا يُفقه إلّا بها، وكان من لوازم تعلّمهم للغة العرب التأثر بها أسلوبًا وألفاظً لا سيّما في الألفاظ الدّينيّة التي غالبًا ما أخذتها عن العربيّة، حتّى إنّ اللّغة التّركيّة كُتبت فيما بعد بحروف عربيّة كما هو الحال في العثمانيّة، وبمرور الوقت صار التّرك مكوّنًا كبيرًا من مكونات المجتمع الإسلامي، ثمّ أسّسوا دولًا لهم كدولة سلاجقة الرّوم والدّولة العثمانيّة التي كانت الأطول حكمًا والأكثر أثرًا على العربيّة، فعلى أنّها أخذت كثيرًا من الكلمات عن العربيّة إلّا أنّ طول فترة حكمها استدعى استحداث مزيد من آليّأت التّنظيم ومزيدًا من المؤسّسات، وكان لا بدّ لهذه المؤسّسات المستحدثة من أسماء تعبّر عنها وكثيرًا ما كانت هذه الأسماء مأخوذة عن العربيّة مع أنّ العربيّة نفسها لم تكن تستعمل تلك الكلمات بالصّيغ التي استخدمتها العثمانيّة، ثمّ أخذها العرب _وهم أصحابها الأوائل_ عن التّرك بمعانيها المستحدثة بعد سقوط الدّولة العثمانيّة وتأسيس دولهم، ولم يكن هذا هو المدخل الوحيد الذي الذي تسلّلت منه اللّغة التّركيّة إلى العربيّة بل إن العرب ترجموا بعض الكلمات والتّراكيب من اللّغة التّركيّة إلى العربيّة، بالإضافة إلى تعريبهم الكثير من الكلمات من خلال تطويعها لقواعد اللّغة العربيّة وإدراجها في المعاجم.

نماذج لكلمات دخلت المعجم العربيّ بأثر من اللّغة التّركيّة:

  1. بصمة (Basma):

المعنى في المعجم العربيّ: جاءت الكلمة في المعجم العربيّ المعاصر بمعنى[3] أثر الختم بالإصبع. بينما لم ترد الكلمة بهذه الصّيغة في المعاجم القديمة، بل إنّ هذا الجذر لم يرد في معجم العين ولا في مقاييس اللّغة، وكلّ ما ورد في باب (بصم) هو البُصْمُ[4] بمعنى المسافة بين الخنصر والبنصر من باب الرّتبة كالشّبر والفتر، وأضاف ابن منظور إلى هذا المعنى معنىً آخر فقال: “رجلٌ ذُو بُصْمٍ: غَلِيظٌ. وثوبٌ لَهُ بُصْمٌ إِذا كَانَ كَثِيفاً كَثِيرَ الغَزْل”[5]

المعنى في المعجم التّركيّ: جاءت الكلمة في المعجم التّركيّ المعاصر بمعنى[6] وضع باطن القدم بكلّ الثّقل على مكان أو شيء ما. مهنة الطّباعة، والقماش القطني الذي طُبِعت عليه النّقوش الملوّنة، وكذلك المطبوعات كالكتب والجرائد، والمجلات.

فكلمة بصمة لم ترد في المعاجم القديمة إلّا بمعنى واحد وهو ما بين الخنصر والبنصر، وظلّت هكذا حتّى وقت قريب، فلم يزد[7] معجم تاج العروس الذي توفّي صاحبه في نهاية القرن الثّامن عشر (1790م) على المعنى الذي أورده ابن منظور في اللّسان. وهذا يعني أنّ الكلمة إلى ذلك الوقت لم تكن قد دخلت إلى المعجم العربي، إلّا أنّ عدم ورود كلمة بصمة بهذه الصّيغة في المعاجم العربيّة القديمة إلى زمن الزّبيدي (1790م) ومشابهة المعنى العربيّ للمعنى التّركي الأصل وهو الطّبع أو الدَّوْسُ يجعل الباحث يرجّح أنّ الكلمة جاءت إلى العربيّة عن التّركيّة.

  1. دوريّة (Devriye)

المعنى في المعجم العربيّ: لم ترد الكلمة بهذه الصّيغة في المعاجم القديمة، ولكنها مأخوذة من الجذر (دور) ومنه الفعل دار يدور، وهذا الجذر يدلّ على “إِحْدَاقِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ مِنْ حَوَالَيْهِ”[8] أمّا المعجم المعاصر فقد وردت فيه هذه الكلمة بمعنى[9] العَسَسَ مشيرً إلى أنّ هذا المعنى من المعاني المحدثة.

المعنى في المعجم التّركيّ: جاءت الكلمة في المعجم العثماني بمعنى[10] مركز الشّرطة المتنقّل في الليل. أمّا المعجم المعاصر فقد وردت الكلمة فيه بمعنى[11] الشّرطة، أو الجيش، أو الدَّرَك المتجوّلين لغايات تحقيق الأمن. كما جاءت بمعنى مركز الشّرطة.

اتّضح ممّا سبق أنّ كلمة دوريّة ليس لها وجود بهذه الصّيغة في معاجمنا القديمة ولم ترد بهذه الصّيغة إلّا في المعجم المعاجم المعاصرة كما في الوسيط مع الإشارة إلى أنّ المعنى محدثٌ، حتّى الزّبيدي لم يذكرها بهذه الصّيغة بالرّغم من أنّ معجمه من أكبر المعاجم بالإضافة إلى قرب زمانه نسبيًّا من زماننا. إذن فالكلمة وإنّ كانت ذات أصلٍ عربيّ فإنّ اللّغة التّركيّة أسهمت في اشتقاق صيغ جديدة وتوليد المعاني ثمّ ثمّ أفادت اللّغة العربيّة من هذه الصّيغ الجديدة وأخذت بعض معانيها.

  1. جمرك (Gümrük)

المعنى في المعجم العربيّ: لم ترد الكلمة في المعجم العربيّ القديم أبدًا إذ إنّ الكلمة ليست عربيّة، ولم ترد الكلمة كذلك في المعجم الوسيط الصّادر عن مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، إلّا أنّها وردت في معجم معاصر آخر بمعنى ” ضريبة تُؤخذ على البضائع المستوردة”[12]

المعنى في المعجم التّركيّ: لم ترد كلمة جمرك في المعجم العثمانيّ؛ إذ إنّ العثمانيّة استخدمت كلمات أخرى للتّعبير عن الضّرائب فالضّرائب كانت على الشّكل التّالي[13]: فالعَمَديّة هي المَكْسُ (الجمرك)، والرَّفْديَّة الضّريبة المأخوذة على الأشياء الخارجة من البلاد ، والمصدريّة هي الضّريبة على الخمر وما شابهه من المواد ، والمروريّة الضّريبة المأخوذة على البضائع التي تمرّ في أراضي الدّولة ولا تُباعُ فيها. أمّ المعجم المعاصر فقد وردت الكلمة فيه[14] بمعنى الضريبة المفروضة على الصّادرات والواردات من البضائع والأشياء، وكذلك على المؤسّسّة الحكوميّة المعنيّة بالقيام بهذه المهام، والمكان الذي تتمّ فيه الرّقابة الجمركيّة عند الدّخول والخروج.

فالجمرك كما تبيّن كلمة غير عربيّة لم ترد في معاجمنا القديمة، ولا في المعجم الوسيط، إلّا أنّها وردت في معجم اللّغة العربيّة المعاصرة، وقد استخدم العرب قديمًا[15] الَمكْسَ للدّلالة على الضّرائب، والأصل في معنى المكس هو انتقاص الثّمن. والمعجم الوسيط وإن لم يورد الكلمة إلّا أنّها شائعة الاستخدام، وصدرت القوانين تحت هذا الاسم “قانون الجمارك” بل إنّنا طوّعناها واشتققنا منها الفعل جَمْرَك يُجَمْرِكُ، وغير بعيد أن نجد هذا الفعل مثبتًا في المعاجم المستقبليّة لا سيّما أنّه يتّفق وقواعدَ العربيّة.

  1. إطفائيّة (İtfaiye)

المعنى في المعجم العربيّ: لم ترد الكلمة بهذه الصّيغة في المعاجم القديمة ولكن بالعودة إلى أصل الكلمة فإنّها مصدر صناعي مشتقّ من الفعل (أطفأ)، وطفئت النّار “سكن لَهَبِها وبَرَد جَمْرُها”[16] والإطفاء تّعدية الفعل (طَفِئَ) كقولنا: (علم وأعلم)، وعليه فإنّ الإطفاء هو إخماد اللّهب، وتبريد الجمر، أمّا المعجم المعاصر[17] ففي حين أغفل الوسيط كلمة (إطفائية) فقد وردت الكلمة في معجم اللّغة العربيّة المعاصرة بمعنى “مركز أو دائرة الإطفاء”[18]

المعنى في المعجم التّركيّ: جاءت الكلمة في المعجمين العثماني والمعاصر بمعنى[19] مؤسّسة إطفاء الحريق.

فكلمة إطفائيّة كما تبيّن وإن كانت في الاشتقاق عربيّة إلّا أنّها لم ترد في المعاجم القديمة؛ إذ لم تكن هناك مؤسّسة للقيام بهذه المهمّة، والدّولة العثمانيّة هي آخر دولة حملت لواء الإسلام وجمعت تحت رايتها الكثير من الملل، فكونها آخر الدّول يعني أنّها عاشت الحياة بتعقيدات أكثر، وهذه التّعقيدات تعني مزيدًا من المؤسّسات لكي تنهض بالأعباء فأوجدت هذه المؤسسة المعنية بإطفاء الحرائق، ولمّا أوجدت اشتقت لها العثمانيّة _وقد كانت تكثر الأخذ عن العربيّة_ اسمًا عربيًّا، ثمّ استمرّ هذا الاسم بعد سقوط الدّولة العثمانيّة، وهذا يعني أنّ اللّغة التّركيّة أسهمت في اشتقاق كلمات جديدة وتوليد معان جديدة فأثرت بذلك كلّه العربيّة.

  1. رسوم (Rüsum)

المعنى في المعجم العربيّ: اسم مشتقّ من الجذر (رسم) والرّسم كما جاء عن الخليل[20] بقيّة الأثر. وقد جعل ابن فارس[21] هذا الجذر أصلين اثنين أحدهما يدلّ على نوع من السّير، والآخر يدلّ على أثر الشّيء. وقد وردت الكلمة في المعجم المعاصر بذات العنى بالإضافة إلى معنى جديد هو ” مالٌ تفرضه الدَّولة نظير خدمة تقدمها للأفراد”[22] وقد أهمل المعجم الوسيط[23] ذكرها في تبيينه الجذر (رسم) بالرّغم من أنّه أوردها في شرحه لبعض الكلمات.

المعنى في المعجم التّركيّ: جاءت الكلمة في المعجم العثماني بمعنى[24] الضّرائب، والضّرائب الجمركيّة، والأسلوب والحفلة. بينما جاءت في المعجم التّركيّ المعاصر[25] بمعنى الضّرائب فقط.

فقد تبيّن إذن أنّ اللّغة التّركيّة قد استحدثت معنى جديدًا لكلمة رسوم، وهذا المعنى مستعمل بكثرة إذ إنّه ما من مواطن إلّا ويعرف الضّريبة المتعلّقة به وما يُفرض عليه، فشاع استخدام هذه الكلمة وظلّت مستعملة في اللّغة التّركيّة بعد سقوط الدّولة العثمانيّة وفي العربيّة كذلك، فصرنا نقول رسوم العبور ورسوم الجامعات وغيرها.

  1. بلديّة (Baladiye)

المعنى في المعجم العربيّ: مصدر صناعي من كلمة (بلد) والبَلَدُ: “كلُّ موضعٍ مستحيز من الأرض، عامرٍ أو غيرِ عامرٍ، خالٍ أو مَسكون، والطائفة منه بَلْدةٌ، والجميع البِلاد”[26] وتستعمل بصيغة الفعل؛ فَبَلَدَ بالمكان يعني أقام به[27]، ولم ترد بصيغة المصدر الصّناعي بالمعاجم القديمة، أمّا المعاجم المعاصرة فإنّها أضافت إلى المعاني السّابقة معنى كلمة بلديّة والبلديّة هي: “هَيْئَة رسمية تقوم على شؤون الْبَلَد”[28]

المعنى في المعجم التّركيّ: جاءت الكلمة في المعجم العثماني بمعنى[29] المؤسّسة المعنيّة بنظافة المدينة وإعمارها، أمّا المعجم المعاصر فقد وردت فيه الكلمة بمعنى[30] مؤسّسة يُنْتَخَبُ أعضاؤها من قبل الشّعب وتُشرف على الخدمات العامّة من تنظيف وإنارة ومياه، والرّقابة على التّجار في الضّواحي والمدينة.

فكلمة بلديّة ذات جذر عربيّ واشثقّت بما يتّفق وقواعد العربيّة إذ جاءت على صيغة المصدر الصّناعي هنا _وهذه الصّيغة تكثر في العثمانيّة_ إلّا أنّ من قام باستحداث هذا الاسم ليُطلق على المؤسّسة التي تقوم بمهام تتعلّق بخدمة المدن والأرياف لم يكن العرب بل أخذها العرب عن العثمانيين ولا تزال إلى يومنا هذا مستعملة في مدننا وقرانا.

قصر العدل (Adli saray)

المعنى في المعجم العربيّ: مركّب إضافي من كلمتي (قصر) وَ (عدل) أمّا القصر فلم يزد الخليل في تفسيره على قوله: “والقَصرُ معروف، وجمعه قصور”[31] وقد نقل ابن منظور عن اللّحياني قوله: “هُوَ الْمَنْزِلُ، وَقِيلَ: كُلُّ بَيْتٍ مِنْ حَجَر، قُرَشِيَّةٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه تُقصَرُ فِيهِ الحُرَمُ أَي تُحْبس، وَجَمْعُهُ ‌قُصُور”[32] وقد وردت الكلمة في المعجم المعاصر[33] بذات المعنى. مصدر الفعل عَدَلَ يَعْدِلُ “والعُدُولَةُ والعَدْلُ: الحكْمُ بالحقّ”[34] وقد جاءت الكلمة في المعجم المعاصر بالمعنى ذاته[35]. أمّا مركّب قصر العدل فلم يُذكر في المعاجم القديمة، وكذلك لم يُذكر في المعجم الوسيط، ولكنه مذكور في معجم اللّغة العربيّة المعاصرة[36] بمعنى دار القضاء.

المعنى في المعجم التّركيّ: جاءت الكلمة في المعجم العثماني بلفظ عدليّة، والعدليّة[37] هي المؤسّسة المعنيّة بالمحكمة والمحاكمات. أمّا المعجم المعاصر فقد جاءت الكلمة فيه بلفظ قصر العدل[38] أو القصر العدل، وقصر العدل هو البناء البناء الكبير الذي توجد فيه المحكمة.

فمركّب القصر العدلي أو قصر العدل عربيّ في شقّيه، وكلتا الكلمتين مستخدمة في المعاجم القديمة والحديثة إلّا أنّه لم يرد بهذه الصّيغة في المعاجم القديمة وقد جاء ترجمة للكلمة التّركيّة (Adli saray) وبهذا يتبيّن أنّ التّرجمة كانت واحدة من طرق الأخذ عن اللّغة التّركيّةن ومثل هذه التّرجمات أسهمت أيضًا في إثراء المعجم العربيّ.

الخاتمة:

النّتائج:

  1. اللغة التّركيّة أغنت المعجم العربيّ بالعديد من الألفاظ.
  2. اللّغة التّركيّة اشتقّت من الجذور العربيّة ألفاظًا جديدة تتفق وصيغَ الاشتقاق العربي.
  3. استحسنت العربيّة اشتقاقات اللّغة التّركيّة لألفاظ جديدة واستعملتها في العربيّة المعاصرة.
  4. استخدمت اللّغة العربيّة أسلوب التّرجمة للأخذ عن اللّغة التّركيّة في بعض الأحيان.

التّوصيات:

  1. الباحثون يكثرون البحث في أثر اللّغة العربيّة على اللّغة التّركيّة ولا يتطرّقون لأثر اللّغة التّركيّة على اللّغة العربيّة، وهذا الباب فيه فوائد جمّة لو دُرس، فنشجّع الباحثين على الخوض فيه.
  2. الأمثلة التي عرضها البحث هي عيّنة للتّوضيح ولا يزال العديد من الألفاظ بحاجة إلى بحث وتوضيح.
  3. الاهتمام بإدراج الألفاظ المستعملة والتي أُخْضعت لقواعد اللّغة العربيّة إلى المعجم المعاصر، أو تسليط الضّوء عليها في بحث مستقلّ.

المصادر والمراجع:

  1. القرآن الكريم

المعجم الوسيط، مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، ، دار الدّعوة، 1431هـ

  1. أوزطونا، يلماز، المدخل إلى التّاريخ التّركي، الطّبعة الأولى، الدّار العربيّة للموسوعات، بيروت، 2005م، ترجمة أرشد الهرمزي

تاج اللغة وصحاح العربيّة، الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حمّاد، (ت393ه)، دار العلم للملايين، ط4، 1937

  1. تاج العروس من جواهر القاموس، الزّبيدي، محمّد مرتضى، (ت1205ه)، وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت، 2001م

لسان العرب، ابن منظور الأنصاري، محمّد بن مكرم بن علي، (ت711ه)، دار صادر، ط3، 1414ه

  1. معجم اللّغة العربيّة المعاصرة، أحمد مختار عمر، (ت1424ه)، ط1، عالم الكتاب، 2008
  2. Develioğlu, Ferit, Osmanlıca _ Türkçe Ansiklopedik lügat, Aydın kitapevi yayınları, Ankara

Türk dil kurumu, Türkçe sözlük, Ankara, 1998

الهوامش:

  1. () الحجرات، 13
  2. () يُنْظَرُ أوزطونا، يلماز، المدخل إلى التّاريخ التّركي، الطّبعة الأولى، الدّار العربيّة للموسوعات، بيروت، 2005م، ترجمة أرشد الهرمزي، 155
  3. () يُنْظَرُ مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، المعجم الوسيط، دار الدّعوة، 1431هـ، 1/60
  4. () يُنْظَرُ الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حمّاد، تاج اللغة وصحاح العربيّة، دار العلم للملايين، ط4، 5/1873
  5. () ابن منظور الأنصاري، محمّد بن مكرم بن علي، لسان العرب، دار صادر، ط3، 12/51
  6. () Türk dil kurumu, Türkçe sözlük, Ankara, 1998, 1/226
  7. () الزّبيدي، محمّد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت، 2001م، 31/290
  8. () مقاييس اللّغة، 2/310
  9. () المعجم الوسيط، 1/303
  10. () Develioğlu, Ferit, Osmanlıca _ Türkçe Ansiklopedik lügat, Aydın kitapevi yayınları, Ankara, 146
  11. () Türkçe sözlük, 1/575
  12. () أحمد مختار عمر، معجم اللّغة العربيّة المعاصرة، ط1، عالم الكتاب، 2008، 1/392
  13. () Osmanlıca _ Türkçe Ansiklopedik lügat, 35_673_861_1032
  14. () Türkçe sözlük, 1/906
  15. () يُنْظَرُ الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، دار ومكتبة الهلال، 1434ه، 5/317، مقاييس اللّغة، 5/345، المعجم الوسيط، 2/881
  16. () العين، 7/459
  17. () يُنْظَرُ المعجم الوسيط، 2/559
  18. () معجم اللّغة العربيّة المعاصرة، 2/1403
  19. () Osmanlıca _ Türkçe Ansiklopedik lügat, 537 Türkçe sözlük, 1/1122
  20. () يُنْظَرُ العين، 7/252
  21. () يُنْظَرُ مقاييس اللّغة، 2/393
  22. () معجم اللّغة العربيّة المعاصرة، 2/890
  23. () يُنْظَرُ المعجم الوسيط، 2/595 ، 1/345
  24. () Osmanlıca _ Türkçe Ansiklopedik lügat, 1053
  25. () Türkçe sözlük, 2/1871
  26. () العين، 8/42
  27. () يُنْظَرُ تاج اللّغة وصحاح العربيّة، 2/449
  28. () المعجم الوسيط، 1/68
  29. () Osmanlıca _ Türkçe Ansiklopedik lügat, 93
  30. () Türkçe sözlük, 1/259
  31. () العين، 5/59
  32. () لسان العرب، 5/100
  33. () يُنْظَرُ المعجم الوسيط، 2/739
  34. () العين، 2/38
  35. () يُنْظَرُ المعجم الوسيط، 2/588
  36. () يُنْظَرُ معجم اللّغة العربيّة المعاصرة، 2/1466
  37. () Osmanlıca _ Türkçe Ansiklopedik lügat,12
  38. () Türkçe sözlük, 1/21