الهام وهابي1
1 طالبة باحثة في سلك الدكتوراه، تخصص التاريخ، جامعة إبن طفيل – كلية الآداب و العلوم الإنسانية- القنيطرة- المغرب
بريد الكتروني: siteilham17@gmail.com
HNSJ, 2024, 5(1); https://doi.org/10.53796/hnsj51/5
تاريخ النشر: 01/01/2024م تاريخ القبول: 06/12/2023م
المستخلص
تهدف هذه الدراسة إلى فهم وتحليل المرحلة السياسية الهامة في تاريخ المغرب خلال الفترة المذكورة. يستعرض البحث الجوانب السياسية المتعلقة بعملية الاستقلال وتطوّر الوضع السياسي وتشكيل الحكومات خلال تلك الفترة المصيرية وذلك من خلال تتبع المسار السياسي لحزب الاستقلال باعتباره مكونا سياسيا هاما في هذه الفترة. يتجاوز هذا البحث المعرفة المسبقة ويسلط الضوء على بعض التفاصيل والمعلومات الحصرية التي تتعلق بالأحداث والشخصيات السياسية الرئيسية.
تعتمد الدراسة على تحليل موثق للمصادر التاريخية والوثائق الأرشيفية المتوفرة. تستند الأدلة المقدمة في البحث على مجموعة متنوعة من المصادر والمراجع.
تشير النتائج إلى أن هذه الفترة كانت حاسمة في تاريخ المغرب، حيث استطاع الشعب المغربي استعادة استقلاله من الاستعمار الفرنسي وبناء دولة مستقلة. كما تم رصد مواقف الفاعلين السياسيين وتضارب الآراء واختلاف المواقف بخصوص مستقبل المغرب السياسي، كما كشفت الدراسة أيضًا عن القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مر بها المغرب خلال تلك الفترة وكيف تأثرت السياسة المغربية بالأحداث الدولية.
يعتبر هذا البحث إسهامًا أكاديميًا في فهم تاريخ المغرب السياسي وتحليل العوامل التي أثرت في تشكيله. كما يقدم نظرة شاملة حول الأحداث والتحولات السياسية آنذاك.
تعتبر الفترة الزمنية ما بين 1944 و1960 من أهم الفترات في تاريخ المغرب الحديث، حيث شهدت عددًا من التطورات السياسية الكبرى والأحداث الهامة التي أثرت على شكل المجتمع والدولة. تحظى هذه الفترة بأهمية كبرى، نظرًا لتحول المملكة من الاستعمار الفرنسي إلى استقلالها، ونضال الشعب المغربي من أجل التحرر والحكم الذاتي.
تأتي هذه الدراسة استجابة للحاجة الملحة لتفسير وفهم الأحداث السياسية المهمة التي شهدها المغرب في الفترة بين عامي 1944 و1960. حيث تُعدّ هذه الفترة بداية هامة لعصر جديد في تاريخ المغرب على المستوى السياسي، الاجتماعي والاقتصادي.
تهدف هذه الورقة العلمية إلى فهم وتحليل الأحداث والتطورات السياسية التي حدثت في المغرب خلال الفترة المذكورة. حيث تعد هذه الفترة بارزة في تاريخ المغرب، فقد شهدت تطورات هامة وقرارات سياسية جريئة. لذلك، كان لزامًا أن يتعمق البحث في هذه الفترة لفهم العوامل والأحداث التي أدت إلى الاستقلال وتشكيل الكتلة الوطنية.
يعد هذا البحث مساهمة لفهم الحقبة التاريخية التي شهدها المغرب وتأثيرها على تطوره السياسي في الفترة الحالية. كما من شأنه أن يساهم في إثراء المعرفة في مجال الدراسة. نشعر بالثقة تجاه جودة وأهمية الدراسة نظرا لما يتجاذب الموضوع من إشكاليات جمة تثير المهتم بالمجال للبحث أكثر في خبايا الفترة المدروسة.
٭أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل وفهم تاريخ المغرب السياسي وأحداثه الرئيسية وذلك من خلال تتبع المسار السياسي لحزب الاستقلال باعتباره مكونا سياسيا هاما في هذه الفترة.، ثم توثيق واستعادة المعرفة المفقودة من خلال المصادر والمراجع التاريخية، تتجلى أهداف هذا البحث في استكشاف وتحليل تطورات الساحة السياسية في المغرب خلال الفترة من 1944 إلى 1960. بهدف فهم الأحداث التي استدعت تغييرًا سياسيًا هامًا في المغرب وتأثيرها على البلاد والمنطقة بشكل عام.
تروم الدراسة توثيق وتحليل الأحداث السياسية التي شهدتها المملكة المغربية بين عامي 1944 و1960، وفهم تأثيرها على المغرب الحديث، بالإضافة إلى الكشف عن دور الشخصيات السياسية الرئيسية والعوامل الدولية في تشكيل القرارات الهامة للمملكة.
٭رهان الدراسة:
1- . تحليل تاريخ المغرب السياسي: يهدف البحث إلى دراسة تطور الأحداث والتغيرات السياسية في المغرب في الفترة المذكورة. ثم تحليل الحركات السياسية الرئيسية (حزب الاستقلال -عينة الدراسة-)، والأحداث التاريخية المهمة، والقضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تأثرت بالتغيرات السياسية آنذاك.
2- . فهم عملية الاستقلال: دراسة مسار تحقيق الاستقلال في المغرب وكيفية تأثير ذلك على التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد. ثم استكشاف الأحداث الرئيسية التي ساهمت في تحقيق الاستقلال ودور الشخصيات السياسية البارزة في هذه العملية.
3- . تحليل الانتقال السياسي: دراسة عملية الانتقال السياسي في المغرب بعد تحقيق الاستقلال، وما إذا كانت هناك تحولات ديمقراطية أو انتقالية أخرى. تشمل الدراسة أيضا تحليل الإصلاحات التي تم إدخالها في تلك الفترة وكذا دور الفاعلين السياسيين وتأثيرهم في المسار السياسي.
4- . المسار السياسي للمغرب: توثيق تطور المغرب السياسي بعد الاستقلال حتى عام 1960، ثم تحليل السياسات الداخلية للمغرب وتأثيرها على التطور السياسي في البلاد. وكذا تسليط الضوء على العلاقات والجهود المبذولة التي ساهمت في تشكيل المشهد السياسي في ذلك الوقت.
تقديم:
يهدف هذا البحث إلى استكشاف بعض الأحداث السياسية الهامة التي شهدها المغرب في الفترة ما بين سنتي 1944 و1960، تعد هذه الفترة حاسمة وحافلة بالتحولات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية في تاريخ المغرب، ولا يزال تأثيرها ينعكس على المجتمع المغربي حتى يومنا هذا.
توضح الدراسة الخلفية التاريخية قبل هذه الفترة وتشرح أهمية الفترة المدروسة وتتضمن تحليلاً منهجيًا للأحداث المهمة التي شهدتها البلاد، مثل إعلان الاستقلال وإنشاء الحكومة المؤقتة والحكومات المتعاقبة وإشكاليات تأسيسها وتجربة الاستعمار الحديث وتطور المشهد السياسي والاقتصادي خلال هذه الفترة.
توصلنا إلى نتائج هامة خلال هذا البحث، حيث أظهرت الدراسة تأثير هذه الأحداث على تشكيل المؤسسات السياسية في المغرب، وتأثيرها على العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى. كما تم تسليط الضوء على الجهود التي بذلتها الحكومة المؤقتة في هذه الفترة لتعزيز الوحدة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات الحكومية، كذلك تمت الإحاطة بإرهاصات تشكيل الحكومات المغربية والتركيز على تجربة الحكومة التقدمية المتمثلة في حكومة عبد الله إبراهيم باعتبار تبعات مرحلتها كانت حاسمة في انشقاق حزب الاستقلال.
المبحث الأول: نشأة حزب الاستقلال: السياق والهدف.
تعددت التعاريف التي حاولت شرح وتفسير ماهية الأحزاب السياسية فكونستون بنجامين Constant Benjamin عرف الحزب السياسي على أنه مجموعة من الناس لديهم أو ينادون بمذهب سياسي واحد [1]، في حين أورد كيلسون H.Kelsen أن الأحزاب هي تنظيمات تجمع عدد من الأفراد لهم نفس الرأي لتحقيق تحالف حقيقي وسيطرة على الشؤون العامة، أما فرنسوا جورجيل Français corgul فقد عرف الحزب على أنه مجموعة منظمة تتأسس للمشاركة في الحياة السياسية، إما من خلال السيطرة الكاملة أو المشاركة في السلطة ثم العمل على تحقيق أفكار ومصالح أعضائه.
يضاف إلى تعاريف هؤلاء تعريف المنظر السياسي الشهير جورج بوردو Georges Burdeau الذي اعتبر الحزب مجموعة من الأفراد لديهم نفس الرؤى السياسية، أفراد تجهد وتبحث لتجعلها متفوقة على غيرها من الرؤى محاولة استقطاب أكبر عدد من المواطنين بهدف الوصول إلى السلطة أو على الأقل التأثير على أفكارهم[2].
“يميز دافيد أبتر” وظائف الأحزاب السياسية وفق تواجدها في أنظمة ديمقراطية أوتوتاليتارية، ففي النظام الديمقراطي الحزب السياسي له ثلاث وظائف أساسية مراقبة السلطة التنفيذية، يمثل المصالح ، اجتذاب المرشحين والأعضاء، وفي النظام الشمولي، للحزب وظيفتين: الحفاظ على صلابة وتضامن المجموعة المكونة له ثم وظيفة الإشراف والإدارة، ويلخص “نيوماكدونالد” وظائف الأحزاب السياسية في المجتمع في خمس وظائف تمثل في كون الحزب أولا هو أداة لسير العمل الحكومي كما يلعب دور الوسيط بين الحاكم والمحكوم ويعد ناطقا باسم الرأي العام وأداة لاختيار وتحديد المرشحين ويضيف “شارل ديباش” و”جان ماري بونتيه” أن للحزب السياسي دور في التغيير عن طريق عملية الاقتراع السياسي”[3].
“من الناحية التنظيمية تصنف الأحزاب إلى صنفين، يعمل الصنف الأول على استقطاب الوجهاء والأعيان، كبار الموظفين، ومن ثم فهي أحزاب، تهتم بالنوع وليس بالكم كما تتميز بعدم سعيها إلى زيادة عدد المنخرطين وهيمنة القمة على القاعدة، أما الصنف الثاني والمتمثل في أحزاب الجماهير فقد ظهرت مع الأحزاب الاشتراكية، إلا أن الأحزاب الديمقراطية الغربية هي التي نجحت في فرض نفسها كأحزاب جماهيرية، وتتميز بخاصيتين الانخراط الكثيف ثم التنظيم القائم على بنية قوية”[4] .
تصنف الأحزاب إيديولوجيا إلى ثلاثة أصناف، أحزاب اليمين ذات النزعة المحافظة ثم أحزاب اليسار ذات النزعة التقدمية فأحزاب الوسط والتي ترفض المبادئ المتطرفة لهذين الحزبين.
إن ظهور الأحزاب السياسية بوصفها العالي والمعاصر له جذور في التاريخ، بحيث نشأت للدفاع عن مصالح طبقات المجتمع المختلفة سواء كانت تلك المصالح اجتماعية أو دينية أو اقتصادية أو سياسية، وفي سنة 1850 لم تكن هناك سوى دولة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعرف الأحزاب السياسية بمعناها الحالي، بحيث لم تعرف بعض الدول إلا أندية شعبية وما يسمى باتجاهات الرأي العام وجماعات الفكر والمجموعات البرلمانية دون المفهوم المعاصر.
قامت الأحزاب السياسية بصفة عامة كنتيجة للصراع الطبقي الذي كان يعيشه المجتمع الأوربي خاصة بين الإقطاع والبورجوازية الصاعدة فالأحزاب الغربية نشأت بعد الثورة البورجوازية ثم توسعت على أرض الديمقراطية البرلمانية وكان للكتل البرلمانية واللجن الانتخابية دور في نشأتها وتطورها.
يمكن القول أن هناك اتفاق بين الباحثين حول كون التنظيم الحزبي في المغرب بدأ في سنة 1934، ثم إن الوضعية العامة للأحزاب المغربية خلال نشأتها تحكم فيها سياقان، سياق الإصلاح وسياق الاستقلال.
يرجع أصل حزب الاستقلال إلى أبناء البورجوازية المدنية، وتمثلت مبادرته الأولى للدخول في الساحة السياسية في تشكيل كتلة العمل الوطني[5] أوائل الثلاثينات والتي رفعت شعار إلغاء الحكم الأجنبي في البلاد وتحقيق السيادة الوطنية للشعب.
عرفت كتلة العمل الوطني في أكتوبر 1936 تحولات في بنياتها، تحولات ستدعو إلى بذل جهد قصد هيكلتها ، حيث تم عقد اجتماع في يناير 1937 وتم اختيار لجنة تنفيذية جديدة للحزب، لكن هذين الإجراءين اعتبرا من بين الخلافات التي كانت قائمة بين علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني مما جعل هذا الأخير لا يقبل التزكية الجديدة للجنة التنفيذية لينسحب في الأخير من كتلة العمل الوطني، فأسفر هذا الخلاف عن بروز حزبين في الساحة السياسية حزب الحركة القومية والحزب الوطني، وقد تحول هذا الأخير في سنة 1944 إلى حزب الاستقلال في حين تحول حزب الحركة القومية في سنة 1946 إلى حزب الشورى والاستقلال[6].
قامت في سنة 1944 رموز بارزة تنتمي إلى الحركة الوطنية المغربية ومن كتلة العمل الوطني المنحلة بإعلان وثيقة الاستقلال فتم تأسيس حزب الاستقلال المغربي من طرف أحمد بلافريج لتحقيق مبادئ الوثيقة الاستقلالية ومنها استمد الحزب اسمه[7]، وبصفة عامة، تشكل هذا الحزب من أعضاء كتلة العمل الوطني ومن رؤساء وأعضاء المجالس الإدارية للجمعيات وقدماء تلاميذ مدن الرباط وفاس ومكناس وسلا ومراكش وآزرو ووجدة وآسفي، كما انضمت إليه شخصيات بارزة من الحركة القومية ومن المفتشين والقضاة الشرعيين والمدنيين وكبار الموظفين المخزنيين وأساتذة جامعة القرويين والمدارس الثانوية ومعلمي المدارس الحرة[8].
يمكن القول بأن نشأة حزب الاستقلال في تلك الفترة لم تكن لها نزعة ديمقراطية وإنما كانت مرتبطة بالنزعة الوطنية التي لم تكن قادرة على استيعاب التعددية، حيث كان يتكلم باسم الشعب ككتلة واعتبر أن كل من يخالفه خائنا أو عميلا للاستعمار، ونفس الشيء ينطبق على الأحزاب التي نشأت في تلك الفترة.[9]
بما أن جل الأحزاب التي نشأت في هذه المرحلة وعلى رأسها حزب الاستقلال ظهرت كرد فعل ضد سياسة الحماية عملت السلطات الأجنبية على إفقاد المشهد السياسي الحزبي كل طابعة العقلاني وذلك بهدف السيطرة على البلاد لإخضاعها لنفوذها وهذا هدف مسطر منذ البداية مما دفعها إلى اعتماد آلية جديدة تجلت في إغراق الساحة المغربية بالعديد من الأحزاب السياسية فكان من بين الأحزاب التي ظهرت آنذاك الحزب الشيوعي المغربي بزعامة ليون سلطان، ثم حزب الجبهة الوطنية الديمقراطية…[10]
كان هدف حزب الاستقلال هو الاستقلال عن الدولتين الحاميتين على أن يكون الوصول إلى الهدف دون مساومة أو تمرد.
كما طالب الحزب في برنامجه بضرورة تطبيق نظام الملكية الدستورية ومنح أفراد الشعب الحرية وإقرار نظام ديمقراطي، وقد رفع هذه المطالب إلى السلطات الفرنسية لدراستها والموافقة عليها، وقد كان علال الفاسي حينها في منفاه بإفريقيا الاستوائية، في حين كان أحمد بلا فريج هو المحرك الأساسي لهذه العملية.[11]
أخذ حزب الاستقلال يفكر في الخطوة الموالية والمتجلية في المسألة التنظيمية لأنها الوحيدة التي بإمكانها أن تجعل الحزب قوة تحرك الشارع وتضغط على الإقامة العامة، فشرع الحزب منذ تأسيسه في تقسيم أعضائه إلى قسمين: أعضاء “عاملين” وأعضاء مؤازرين”، كما تأسست لجنة خاصة لتوجيه وإرشاد مؤيدي الحزب[12].
كانت عضوية الحزب في سنة 1944 محصورة في حوالي ثلاثة آلاف عضو، فبذلت الجهود لهيكلة الحزب حيث تشكلت لجنة موجهة تشرف على عدد من اللجان المحلية وتألفت اللجنة المركزية من اثنا عشر عضوا تساعدها ست لجان بالتناوب وتتألف كل لجنة بدورها من اثنا عشر عضوا، وتنشط هذه اللجان في مجالات متعددة، الإعلام، المالية، الإدارة[13].
تراجع هذا التنظيم شيئا ما بسبب تقديم “بيان الاستقلال” في 11 يناير 1944 وما أعقب ذلك من اعتقالات حيث اعتقل أحمد بلافريج واليزيدي وأعضاء آخرون، بلغ عددهم ستة عشر عضوا بتهمة التعاون مع النازية، فتم نفي مؤسس الحزب إلى كورسيكا، فأصبحت مهمة إعادة هيكلة الحزب موكولة إلى اليزيدي، وهكذا سيعاد تنظيم الحزب في أكتوبر 1945 حيث أضحى الهدف منصبا على تكوين أطر تنظيمه لكل شعبة ولكل فرع [14].
بعدما عبر حزب الاستقلال عدة محطات تنظيمية ووضع مطالبه الإصلاحية لدى السلطات الحامية ونال مطلبه الأساسي المتمثل في تحقيق الاستقلال، وجد نفسه محاطا بمجموعة من الأحزاب والتي كان هو نفسه يعترف بمشروعيتها في البداية قبل ممارسة اللعبة السياسية وتحقيق هيمنته داخل النظام الحزبي المغربي.
أعلن الملك محمد الخامس في أول خطاب العرش لـ 18 نونبر 1955 عن تأسيس حكومة مسؤولة تمثل مختلف الاتجاهات السياسية في البلاد، لكن ظهرت خلافات حادة داخل النخبة السياسية المغربية، بحيث كان حزب الاستقلال يطلب بصفته أكبر حزب سياسي في البلاد بتأسيس ورئاسة الحكومة المغربية الجديدة، وقد طالب في البرنامج الذي تقدم به إلى العاهل المغربي في 25 نونبر 1955 بالعمل على تجنيد الطاقات ” الاستقلالية” من أجل المفاوضات، في حين طالبت التيارات السياسية الأخرى بأن تمثل جميع الاتجاهات السياسية في أول حكومة للمغرب المستقل[15] .
في 7 دجنبر 1955 عين الملك محمد الخامس حكومته الأولى وخاطبها قائلا:” وقد سلكنا في هذه التولية منهاجا جديدا إذ أبينا إلا أن نستشير ممثلي الرأي العام في مختلف الأوساط والهيئات السياسية والنقابية ونطلع على وجهة نظرهم إزاء هذه المرحلة الحاسمة التي تجتازها البلاد… ويطيب لنا أن نقدم للشعب الوفي أول حكومة تمثيلية على قدر ما سمحت به الظروف تكون مسؤولة أمامنا إلى أن ينتخب مجلس وطني… ونحن مسرورن أن نقدم إلى شعبنا الوفي ولأول مرة حكومة تمثل جميع التيارات السياسية…”[16]
المبحث الثاني: طموح الحكومة المنسجمة وانقسام الحزب:
عين الملك محمد الخامس على رأس هذه الحكومة امبارك البكاي[17] مذكرا بهذه المناسبة بالاهتمامات الرئيسية التي يريد إنجازها من جهة المأموريات التي أوكلت إلى الحكومة الجديدة ومن جهة أخرى قيام ملكية دستورية، فقد جاء على لسان جلالته:” بوصفنا عاهل البلاد الساهر على مصالح الأمة والحامي لسيادتها فقد عينا معالي امبارك البكاري رئيسا للحكومة المغربية”[18].
ضمت حكومة امبارك البكاي الأولى تسعة وزراء استقلاليين وستة وزراء من حزب الدستور والاستقلال “ووزيرا يمثل الجالية اليهودية وقائدا بربريا، وحاولت قدر الإمكان تمثيل جميع التيارات السياسية والجهات الجغرافية.
برز صراع سياسي مع مختلف الهيئات السياسية إثر محاولات حزب الاستقلال التحكم في تدبير الشأن الحكومي، وأمام هذا التطاحن حول الحكم، عمل السلطان محمد بن يوسف على تهدئة الغليان السياسي الذي خلقته الهيئات السياسية المغربية لكي يتمكن من حل المشاكل الاقتصادية التي زادت خطورتها، ففكر في مقررات حزب الاستقلال التي كانت تطالب إحداها بتأسيس حكومة منسجمة تتكون بالخصوص من استقلاليين كفيلين بتحقيق برنامج استعجالي يصلح مشاكل المؤسسات التي أقفلها الأجانب ويواجه ارتفاع الضرائب والوقود وخطورة البطالة، وحسب ممثلي حزب الاستقلال هذه المشاكل أحدثها عبد القادر بنجلون الأمين العام المساعد لحزب الشورى والاستقلال بصفته وزيرا للمالية.
غاب حزب الشورى والاستقلال عن حكومة امبارك البكاي الثانية حيث اتخذ معارضة بناءة كما أسماها زعيمه محمد بن الحسن الوزاني[19] وبعدما وضع القصر الملكي اللائحة الرسمية المتضمنة لأسماء الجمعية الاستشارية المعول على تنصيبها أصبح المغرب بلدا يتمتع بملكية شبه دستورية أي حكومة يسيرها حزب الأغلبية وهو حزب الاستقلال، ثم مجلس خاص للعرش بالإضافة إلى مجلس يتكون من خمسة وسبعين عضوا اختيروا من بين صفوف الأحزاب السياسية والنقابية والمجموعات المهنية والاجتماعية.
كان لحزب الاستقلال أنصارا عديدين منتمين إلى المجموعات المهنية والاجتماعية التي يشارك ممثلوها كأعضاء في المجلس الاستشاري، مما مكن الحزب من الحفاظ على أغلبية كافية، ونضيف أيضا أن أعضاء المكتب التسييري للمجلس الاستشاري هم أعضاء وأنصار لحزب الاستقلال كرئيس المجلس المهدي بن بركة ونائب الرئيس المحجوب بن الصديق الأمين العام للإتحاد المغربي للشغل [20].
في 14 أبريل 1958 قام كل من عبد الكريم الخطيب والمحجوبي أحرضان منشئا الحركة الشعبية ورشيد ملين رئيس حزب الأحرار المستقلين ومحمد بن الحسن الوزاني الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال، قام هؤلاء بوضع مذكرة لدى رئيس الحكومة المغربية امبارك البكاي تلخص مواقفهم تجاه المشاكل التي كان يتخبط فيها المغرب آنذاك وتطالب في ذات الآن بإقرار انتخابات حرة بعيدة عن ضغط حزب الاستقلال التي كانت أطره تستحوذ على جل المناصب بالإدارتين المركزية والجهوية، فكان أن تقبل رئيس الحكومة هذه المذكرة بصدر رحب ثم قدم استقالته مباشرة من رئاسة الحكومة حيث أعلن تأييده لتلك المذكرة، ونشير إلى أنه كان مصرا على هذه الاستقالة رغم إلحاح العاهل المغربي على أن يتراجع عن قراره هذا[21].
بعد استشارة مختلف المسؤولين بالحكومة المغربية استدعى الملك محمد الخامس أحمد بلا فريج وعينه رئيسا للحكومة فقبل بلافريج عرض الملك الذي أصدر بهذا الخصوص ميثاقا نموذجيا يحتفظ له بسلطة التشريع وفوض للحكومة السلطة التنفيذية وهي مقيدة ببعض الشروط نذكر من بينها تعيين صاحب الجلالة للأطر العليا في الدولة منهم الوزراء والسفراء والقضاة والعمال والباشوات والقياد والكتاب العامين للوزارات والعمالات، فتمكن الملك بتلك الشروط من الاحتفاظ بسلطة حيال حزب الاستقلال الذي بدأت سيطرته السياسية والإدارية تنمو منذ استقلال المغرب.[22]
تحددت الآراء السياسية عند تأسيس حكومة أحمد بلا فريج [23] أبرزها رأي الأمير مولاي الحسن ورأي المهدي بن بركة، فالأول أكد “أن اختيار سياسة محددة وجب أن يسبقها اختيار الجماعة الحاكمة”، إلا أن “بن بركة” ألح على وجوب إيجاد جماعة حاكمة منسجمة قادرة على القيام بمسؤولياتها”، حيث كان يطمح إلى تأسيس حكومة منسجمة ومتماسكة تتكون خاصة من الاستقلاليين، لذلك أدان المذكرة التي وضعها رؤساء أحزاب الأقلية.
خلال المشاورات التي كان يقوم بها الملك محمد الخامس مع رؤساء الفرق في الجمعية الاستشارية المغربية التي يترأسها المهدي بن بركة طالب أنصار حزب الاستقلال الذين يمثلون الأغلبية في المجلس الاستشاري بحكومة قوية ومنسجمة تمكنهم من تطبيق برنامج يحدده هذا المجلس، لكن الذي سيحدد هذا البرنامج في الواقع هم أنصار النقابة الاستقلالية والمقاومة المغربية، ولما استقبل الملك محمد الخامس مسيري المقاومين القدماء كمحمد البصري وأبو شعيب الدكالي وحسن الصافي الملقب بحسن الأعرج ومسيري النقابة الاستقلالية الطيب بن بوعزة والمحجوب بن الصديق [24] لكي يستشيرهم بخصوص تأسيس الحكومة الجديدة طالبوا بحكومة منسجمة تتضامن في المسؤوليات الموكولة إليها وتعد بتصفية مخلفات الاستعمارأي تصفية كل ما يجسد الاستعمار الفرنسي في ممتلكاته القروية والصناعية والتجارية.
أعطى مسيري النقابة الاستقلالية ومسيري المقاومين القدماء في فاتح ماي 1958 ضمانتهم لأحمد بلافريج الذي اختاره الملك محمد الخامس كرئيس للحكومة الجديدة، وقام بلافريج بوضع لائحة تتضمن أسماء المرشحين للمقاعد الوزارية وسلمها إلى الملك، إلا أن هذه اللائحة لم تنل رضا مسيري النقابة الاستقلالية ومسيري المقاومين القدماء كالمهدي بن بركة ومحمد البصري وعبد الله إبراهيم حيث أشيع بأنهم سيصبحون على التوالي وزراء التهذيب الوطني والأحباس والداخلية، فإذا بأسمائهم تسحب من اللائحة الوزارية لصالح معتدلين كمحمد اليزيدي وعمر بن عبد الجليل وامحمد بوستة وامحمد الدويري.
جاء في الفصل الأول من الظهير الشريف المتعلق بتأليف ثالث حكومة مغربية بعد الاستقلال :” تألفت تحت إشرافنا وزارة متركبة من عشرة وزراء”[25]، فكان أن أسند الفصل الثاني من هذا الظهير لعبد الرحيم بوعبيد منصب نائب الرئيس ووزيرا للاقتصاد الوطني ووزيرا للفلاحة، وعين عبد الكريم بنجلون وزيرا للعدل، ومسعود الشيكر وزيرا للداخلية، وأحمد اليزيدي وزيرا للدفاع الوطني، وعمر بن عبد الجليل وزيرا للتربية الوطنية ومحمد الدويري وزيرا للأشغال العمومية، والبشير بن العباس وزيرا للشغل والشؤون الاجتماعية، وعبد المالك فرج وزيرا للصحة العمومية ومحمد عواد وزيرا للبريد والتلغراف والتلفون.[26]
وضعت اللائحة الوزارية، التي قدمها بلافريج إلى الملك محمد الخامس ليصادق عليها، خلال سفر المهدي بن بركة إلى تونس، وإثر عودته إلى المغرب واطلاعه على الأسماء التي تحتويها اللائحة الوزارية أورد في جريدة الاستقلال الأسبوعية التي يديرها أن حزب الاستقلال لا يقوم إلا بطرف من مسؤولياته الحكومية لأن هناك ثلاثة وزراء لم يعينهم الحزب بل جلاله الملك، هذا واعتبر بن بركة أن الجيش وسلطات الأمن الداخلي وجب أن يكونا في قبضة السلطة التنفيذية.
برزت مواجهة إيديولوجية بين نزعتين رئيسيتين داخل حزب الاستقلال منذ أن عين أحمد بلافريج رئيس للحكومة المغربية، تتجلى أولى النزعتين في نزعة التقليديين يتزعهما علال الفاسي ويساندها كل من عمر بن عبد الجليل ومحمد اليزيدي وعبد العزيز بن ادريس وأبو بكر القادري يضاف إليهم بعض الشبان التقنيين من بينهم امحمد الدويري وعبد الحفيظ القادري ومحمد الطاهري والمحامي امحمد بوستة، أما النزعة التقدمية فيقودها المهدي بن بركة وعبد الله إبراهيم والمحجوب بن الصديق والفقيه محمد البصري.
أما نائب رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد الوطني عبد الرحيم بوعبيد[27] فقد كان ميله موزعا بين علال الفاسي والمهدي بن بركة، رغم أن هذا الأخير كان يلومه على مشاركته في حكومة أقصي منها أصدقاؤه.
نظم عبد الله إبراهيم حملة ثقافية هامة ضد حكومة بلافريج، فأمام الشبيبة العاملة ومنخرطي النقابة العمالية للاتحاد المغربي للشغل بدأ ينتقد حزب الاستقلال ويقول “بأنه يعرف تباعدا واضحا بين قادته والجماهير الشعبية” كما طالب إبراهيم بحكومة فعالة ذات صبغة يسارية، فعرفت حملته تأييدا من طرف النقابة العمالية بالمغرب وقدماء المقاومين غير المندمجين في القوات المسلحة الملكية، فكان أن توالت الإضرابات بالمدن المغربية، والتي هددت المصالح العمومية للدولة، وقام أنصار عبد الله إبراهيم والمهدي بن بركة بمظاهرات واسعة في 18 يونيو 1958 وشارك الآلاف من الشبيبة العمالية والطلابية والمقاومة في إعادة دفن الشهيد بن عبد الله [28] حيث نقلت جثته إلى مقبرة تليق بمقامه، فاغتنم هؤلاء المتظاهرون الفرصة لانتقاد حكومة بلافريج التي اعتبروها حكومة تضم ارستقراطية مثقفة متشبعة بتربية أوربية وتعيش بعيدة عن الشعب تجهل احتياجاته وطموحاته.
طالب المهدي بن بركة بعد هذه المظاهرات بعقد مؤتمر استثنائي لحزب الاستقلال لمناقشة مشاركة الحزب في الحكومة إلا أن طلبه هذا قوبل بالرفض، كما تم عزله من إدارة أسبوعية الحزب “الاستقلال” لأنه كان يحرر وينشر مقالات لا تتوافق والأفكار المحافظة لأعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، في حين أن بن بركة يورد أنه كان من الواجب على الجريدة أن تعبر عن المطامح الحقيقية لمجموع الحزب وبالخصوص مطامح المقاومين والنقابيين وأكد بالخصوص في جريدة “الاستقلال” هاته بأن المقاومين خرجوا من صفوف الشعب لا من حزب الاستقلال، ثم نشر في نفس الجريدة فقرات هامة من محاضرة عبد الله إبراهيم التي انتقدت بشدة حكومة بلافريج.[29]
عين حزب الاستقلال على رأس الجريدة عناصر جديدة يترأسهم محمد اليزيدي، فبدأت الأسبوعية الاستقلالية تنشر نشاطات وبيانات حكومة بلافريج، ورغم عزل بن بركة من هذه الجريدة إلا أنه ظل في منصب الأمين العام المساعد للحزب كما ظل ينظم محاضرات متعددة موجهة لشباب حزب الاستقلال رامت هذه المحاضرات إبعاد الشبيبة من نزعة “شيوخ اللجنة التنفيذية” نذكر من بينها محاضرة مراكش التي أقيمت تحت عنوان “أشغال المغرب المعاصر” ثم محاضرة تطوان التي قاربت موضوع “تشييد المغرب الجديد”.
على إثر نشاطات وتحركات المهدي بن بركة اتهم من طرف شيوخ حزب الاستقلال بالقيام بالفوضى لأنه يحاول دفع الجيلين في صفوف الحزب إلى المواجهة والانقسام، كما اتهم من طرف الصحافة الفرنسية المتطرفة التي ذكرت بأن بن بركة هو الذي حفز الطلبة المغاربة على تحرير مقرراتهم السياسية والاقتصادية إلا أن زعماء الطلبة المجتمعين بتطوان كذبوا ما نشرته صحافة فرنسا وذكروا بأن بن بركة لم يقم بأي دور في مؤتمرهم وأضافوا بأنه لم يؤثر فيهم حينما دشن مؤتمرهم بخطابه المقرر.
سعى أحمد بلافريج إلى القيام ببعض المحاولات التي من شأنها أن تقوي نفوذ بن بركة من بينها منح مناصب وامتيازات لأصدقاء المهدي بن بركة إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل كما استغل العاهل المغربي ذكرى نفيه يوم 20 غشت 1958 ليقوم بنداء دعي فيه إلى تحقيق الوحدة الوطنية إلا أن هذا النداء جاء متأخرا لأن صفوف حزب الاستقلال كانت قد انشقت إلى قسمين متعارضين.
على إثر هذا الانشقاق قامت ببوعرفة مواجهة حادة بين أنصار علال الفاسي وأنصار المهدي بن بركة أدت إلى تدخل وزارة الداخلية التي اكتشفت بأن أنصار بن بركة هم الذين تسببوا في هذه المواجهة، بحيث أن عناصر تنتمي إلى منظمة المقاومة التابعة لمحمد البصري المناصر لابن بركة قد اختطفت خمسة عشرة فردا من أنصار علال الفاسي وذلك يوم 25 غشت 1958 بناحية بوعرفة وتندرارة، فكان أن هددت القوات المسلحة الملكية بالتدخل في هذه المواجهة بأمر من وزير الدفاع محمد اليازيدي وذلك في حال لم يتم تحرير الأفراد المختطفين.
أدت هذه الأحداث إلى اضطراب في حكومة بلافريج فعمد الأمير مولاي الحسن إلى القيام بجولة في مراكز الأطلس المتوسط منطلقا من آزرو إلى القباب ومارا بمريرت ليدعو القبائل الزيانية إلى وحدة الصف حول الحكومة والعرش ثم مواجهة التطاحن الحزبي، كما انتقل العاهل المغربي بدوره في أكتوبر 1958 إلى مدينة فاس مارا بقرية أبا محمد ومدينة صفرو، واتخذ هذا السفر بدوره الصبغة السياسية التي اصطبغت بها جولة الأمير مولاي الحسن. [30]
حرم أنصار المهدي بن بركة من تحرير مقالاتهم بجرائد حزب الاستقلال كجريدة “العلم” وأسبوعية “الاستقلال” فاضطروا إلى تحرير مقالات ونشرها في جريدة “الطليعة” وذلك بصفة مؤقتة، وهي جريدة تتولى تحرير منشورات خاصة بطموحات وآراء واحتجاجات الاتحاد المغربي للشغل، فتمكن أنصار بن بركة من خلال هذه الجريدة من نشر مقالات تحتوي على انتقادات لاذعة لحكومة أحمد بلافريج ويوردون بأن سياستها لن تظل أمدا طويلا لكي تزول وينالها الفشل.[31]
من جهته كان علال الفاسي يوجه لومه في خطاباته السياسية لكل الذين ينتقدون سياسة حكومة بلافريج، ومن بين ما جاء في خطابه الذي ألقاه في ذكرى معركة وادي المخازن:” إن هؤلاء يلعبون دور الإمبرياليين في تقسيم الشعب، ولكن الحركة الوطنية توجد لهم بالمرصاد، فهي تحرس ضد هذا التقسيم وستستأنف نشاطها للقضاء على عملهم الهدام ” والمعني بالأمر في هذا الخطاب أنصار بن بركة خاصة عبد الله إبراهيم والمعطي بوعبيد والتهامي عمار ومحمد البصري وعدة مسيرين نقابيين كعبد الكريم بنسليمان والتباري والمحجوب بن الصديق.
قرر المحجوب بن الصديق رئيس الاتحاد المغربي للشغل، في 22 غشت 1958 أن يقدم استقالته من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال مبررا قراره هذا بعدم الانسجام بين أشغاله السياسية وأشغاله النقابية، وقد جاءت استقالته هاته في الوقت الذي شاع فيه بأن المهدي بن بركة يفكر في إنشاء حزب عمالي.[32]
أدى الانشقاق الذي عرفته صفوف حزب الاستقلال إلى زوال حكومة بلافريج لكن هذا العامل لم يكن الوحيد المساهم في اندثار تلك الحكومة بل انضافت إليه عوامل أخرى تضافرت لتعصف بالحكومة الثالثة بعد الاستقلال، نذكر من بينها شخصية أحمد بلافريج التي افتقدت الليونة في التعامل مع معارضيها، يضاف إلى هذا غيابه المتكرر بدعوى أسفار خاصة أو أسفار للعلاج خارج المغرب فغابت بذلك مراقبته المستمرة لسير الأمور داخل البنية الحكومية.
كان أنشط المناهضين لحكومة بلافريج المهدي بن بركة والهاشمي بناني اللذان كانا يؤثران بشكل كبير سنة 1958 على المنظمات النقابية وعلى قدماء المقاومين، وفي المقابل كان أحمد بلافريج يتعرض للضغط من طرف أصدقائه المحافظين.
بعد افتتاح دورة المجلس الاستشاري المغربي في نونبر 1938[33] اتخذ من جديد المهدي بن بركة رئيسا لهذا المجلس بأغلبية 63 مقابل 41 صوتا، واحتل أصدقاء بن بركة مقاعد المكتب التسييري لهذا المجلس التشريعي، فأخذ بلافريج يجتمع بفروع حزب الاستقلال ويؤكد لهم ضرورة الالتفاف حول العاهل المغربي وتقوية هذا الالتفاف والتلاحم بين مختلف فروع هذا الحزب دون الاهتمام بمثيري الفوضى ويقصد بهم أتباع بن بركة، ورغم ذلك بدأ هذا الأخير يعمل على مقاطعة اجتماعات حزب الاستقلال منذ أن تم فصله عن إدارة الجريدة الأسبوعية التابعة للحزب، وفي ذات الآن يحث أتباعه على “التحلي بروح المساواة والتفاني في خدمة الوطن… هذه الروح لا تترك مجالا للاحتكار والامتياز الذي خلقه النظام الاستعماري”.
في الفترة الممتدة بين شهري نونبر ودجنبر 1958 وجه الجناح اليساري لحزب الاستقلال حملاته السياسية ضد حكومة أحمد بلافريج ويقول بأنها حكومة لا تتحمل مسؤولياتها في وزارة الداخلية وفي الشرطة كما أنها لا تبالي بمواجهة الفوضى التي أحدثتها الحركة الشعبية داخل بعض القبائل التي لم تعد تولي أهمية للنظام القائم، فكان من تداعيات هذه التهم أن لقيت إقبالا واستحسان المنخرطين الشباب في الحزب والذين أصبحوا يطالبون وبقوة حكومة بلافريج بالانسحاب.
من بين المحاولات التي قام بها العاهل المغربي لتهدئة الوضع تكليفه لعلال الفاسي بإرجاع نائب رئيس الحكومة عبد الرحيم بوعبيد عن قرار استقالته من الحكومة، كما طلب منه العمل على تشكيل هيئة مزدوجة تضم مختلف اتجاهات الحزب بما فيها أتباع المهدي بن بركة كعبد الله إبراهيم وادريس المحمدي، إلا أن علال الفاسي أخفق في تحقيق ما كلفه به الملك محمد الخامس نظرا لمطالب وشروط أصدقاء بن بركة، بحيث أراد أحمد بلافريج الاحتفاظ بالحكم دون أن يشاركه في ذلك النقابيون وقدماء المقاومة، في حين أظهر النقابيون إزاء ذلك سلطتهم وقوتهم وهددوا بالقيام بإضراب شامل .
دفع إخفاق علال الفاسي في مهمته بالملك محمد الخامس إلى أن يبحث عن عناصر قادرة على مساعدته على الحد من الفوضى التي طالت جل القطاعات وتكون قادرة أيضا على التصدي لنقابة الاتحاد المغربي للشغل التي أبانت في نهاية سنة 1958 عن علو كعبها وتقوت بشكل ملفت حيث أصبح بإمكانها أن توقف النشاط الاقتصادي في ظرف أربع وعشرين ساعة، وسيطرتها هاته بدأت تنمو منذ 1956، فكان أن قدم عبد الرحيم بوعبيد، المسؤول عن الاقتصاد الوطني، استقالته وأعلن تأييده الكامل لأتباع بن بركة وهي استقالة عجلت بزوال حكومة أحمد بلافريج في 25 نونبر 1958 [34] .
استطاع أحمد بلافريج أن يتبوأ مناصب عليا في أولى حكومات المغرب المستقل [35] يعتبره كثيرون المهندس الحقيقي للجهاز الدبلوماسي المغربي، لكونه أول من وضع لبنات وزارة الشؤون الخارجية والتعاون وأرسى آليات عملها بعد أن أنيطت به مسؤوليتها في حكومة امبارك البكاي الثانية، إذ وقع عليه الاختيار من قبل الملك محمد الخامس لتولي حقيبة الشؤون الخارجية قبل أن يعينه في منصب الوزير الأول، وبات أول أمين عام لحزب الاستقلال يتولى هذا المنصب في حكومة احتفظ بها لنفسه بحقيبة الشؤون الخارجية، حيث كانت الدبلوماسية أحب أعمال السياسة إلى قلبه، ومعلوم أن أي وزير أول مغربي لم يستطع أن يجمع بين هذين المنصبين كبيري الأهمية على مدى عقود، وتحديدا إلى غاية سنة 1995 حين عين الملك الحسن الثاني عبد اللطيف الفيلالي وزيرا أول ووزيرا للشؤون الخارجية والتعاون.
لم يعمر أحمد بلافريج طويلا على رأس الحكومة التي ترأسها في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، فقد عجل قيام رفاق عبد الرحيم بوعبيد بالانشقاق عن حزب الاستقلال وتوجههم نحو تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بوأد هذه التجربة الحكومية، فعلم بلافريج أن نهاية حكومته حتمية لامحالة بعدما تلقى استقالة عبد الرحيم بوعبيد من مهامه، فالتمس من الملك محمد الخامس إعفاءه بدوره.[36]
أمام هذا الوضع اضطر القصر الملكي إلى استدعاء المحرك الرئيسي لنقابة الاتحاد المغربي للشغل والمتمثل في عبد الله إبراهيم الذي سبق له أن شغل منصب وزير في حكومتي امبارك البكاي الأولى والثانية فتم تعيينه من طرف الملك محمد الخامس كرئيس للحكومة، وقد أورد بأن من بين أهم مهامه الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة كما أفصح عن طموحه في تصفية الامتيازات التي يتمتع بها المعمرون من خلال توزيعها بصفة عادلة على مختلف طبقات المجتمع المغربي، وقد أسند مهمة تنفيذ هذا المطمح إلى عبد الرحيم بوعبيد الذي أصبح اختصاصيا في الشؤون الاقتصادية والمالية بفضل مساندة مجموعة من المستشارين الفرنسيين المختصين كجورج أوفيد المستشار الاقتصادي في وزارة الاقتصاد والتصميم ودوبوى وشامبيون وديماريس المستشارين في شؤون الميزانية والنقد.
شرع عدد من أطر حزب الاستقلال ومناضليه في التحضير لتأسيس حزب سياسي جديد، سيكون بمثابة أول انشقاق في تاريخ حزب علال الفاسي، منذ انفصال جناحه اليساري، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في يناير عام 1959 .
وسيعتبر يوم 20 ماي 1960، من التواريخ الهامة في التاريخ السياسي المغربي الراهن، فهو يؤشر على حدث سقوط حكومة عبد الله إبراهيم التي تعتبر أول حكومة تقدمية في المغرب، حيث فتحت الباب أمام إصلاحات سياسية، واقتصادية واجتماعية ذات توجه وطني تحرري، وأسست لتجربة حكومية رائدة في تدبير الشأن العام السياسي.
النتائج:
⁓ من خلال هذه الدراسة، تمّ تحقيق نتائج من شأنها إثراء فهمنا لتاريخ المغرب السياسي في الفترة المدروسة، من أهمها:
أ. توثيق الأحداث الرئيسية في تاريخ المغرب السياسي في الفترة ما بين 1944 إلى 1960.
ب. تحليل العوامل التي أثرت في صنع القرارات السياسية وتشكيل النظام السياسي في المغرب بعيد الحصول على الاستقلال.
⁓ توصلت هذه الدراسة كذلك إلى عدة نتائج أساسية تضمنت:
٭كشفت الدراسة عن تواجد تيارات سياسية متعددة داخل الحركة الوطنية المغربية، حيث اختلفت الرؤى والمقاربات فيما يتعلق بالمستقبل السياسي للمغرب المستقل. يعكس ذلك التباين في الرؤى الاختلافات القومية والاجتماعية والإيديولوجية التي كانت موجودة في المجتمع المغربي.
٭تاريخ المغرب السياسي بين 1944 و1960 شهد تحولات هامة وقررات استراتيجية على المستوى الوطني والدولي.
٭دور الحركة الوطنية المغربية بكل أقسامها في تشكيل المشهد السياسي في هذه الفترة، حيث تم رصد الميكانيزمات المؤثرة في استعادة الاستقلال وإقامة الدولة المغربية.
٭رصد تطورات العلاقات الخارجية للمغرب خلال هذه الفترة، خاصة مع فرنسا وإسبانيا.
*تبين أن فترة 1944-1960 شهدت تحولات سياسية هامة في المغرب، حيث تم تنظيم العديد من الأحداث الهامة مثل انتفاضة الريف عام 1958 واستقلال المغرب عن فرنسا في عام 1956. كان لهذه الأحداث تأثير كبير على المشهد السياسي والاجتماعي في المغرب.
*أظهرت الدراسة أن هذه الفترة شهدت تحولات كبيرة في الهوية الوطنية المغربية. لعبت المجموعات السياسية والقومية الفكرية دورًا حاسمًا في بناء الوعي الوطني والمطالبة بالاستقلال المغربي.
*توصلت الدراسة أيضًا إلى تداعيات تأثير الاستعمار الفرنسي على المغرب بعيد الاستقلال والحضور الفرنسي آنذاك وهي تبعات لازالت ترمي بضلالها حتى اليوم في العديد من المجالات، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والثقافة.
التوصيات:
بناءً على نتائج البحث، نقترح العديد من التوصيات التي يمكن أن تسهم في تعزيز التوعية العامة والبحث الأكاديمي حول تاريخ المغرب السياسي بين 1944 و1960:
تمت التوصية ب:
بمزيد من البحوث والدراسات التاريخية حول هذه الفترة المهمة في تاريخ المغرب. اختتمت هذه الدراسة بتوصيات تهدف إلى تعزيز الكتابة التاريخية والتوثيق للمغرب السياسي وتوسيع مجال البحث، كما نوصي بمزيد من البحث والتحليل حول هذه الفترة بالذات لأنها تزخر بتطورات حسمت في سير الأحداث آنذاك.
توصية بضرورة مناقشة النتائج والتوصيات النهائية للبحث مع عدد من الباحثين المهتمين بتاريخ المغرب السياسي والدراسات السياسية في المنطقة.
توصية بإقامة ندوات أكاديمية لتسليط الضوء على نتائج وتوصيات مثل هذه الأبحاث، والتي يكون فيها الباحث قادراً على عرض خلاصة البحث أمام الجمهور الأكاديمي والمهتمين.
بتوسيع الإجراءات المتخذة لتوثيق ونشر المصادر التاريخية المتعلقة بتلك الفترة، وتسهيل الوصول إليها للباحثين والأكاديميين المهتمين بالموضوع. يمكن استثمار التكنولوجيا الحديثة في ذلك، مثل إنشاء مواقع إلكترونية تتيح الوصول المباشر للمصادر والأرشيف.
بناءً على النتائج التي حصلنا عليها في هذا البحث، نوصي بضرورة توسيع نطاق الأبحاث المستقبلية في هذا المجال لفهم تأثير هذه الفترة الحاسمة في تاريخ المغرب بشكل أفضل.
قائمة المراجع:
أولا: المراجع العربية:
صلاح نيوف “نظرية الأحزاب السياسية “، ضمن محور مواضيع وأبحاث سياسية، منشورات مؤسسة الحوار المتمدن، عدد 1254-2005.
علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، تطوان، 1949، ص. 46.
عبد القادر الشاوي، حزب الاستقلال 1944-1982، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1990، ص. 239.
محمد ظريف، الأحزاب السياسية المغربية، إفريقيا الشرق، 1988، ص. 31.
سعيدا هراي، ” مراحل استرجاع السيادة المغربية”، مذكرات من التراث المغربي. في ركاب الأمم، ج.7، AltamiraFotomecanicaKarmat، مدريد، 1986، ص. 272-283.
مصطفى السحيمي، “المؤسسات. نحو الملكية الدستورية 1955-1962″، مذكرات من التراث المغربي. في ركاب الأمم، ج.7، AltamiraFotomecanicaKarmat، مدريد، 1986، ص. 202-233.
عبد الرحيم الورديغي، الخفايا السرية في المغرب المستقل 1956 ـ 1961، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، 1982، ص.46.
عبد السلام البكاري، دليل تاريخ الأحداث وتعاقب الحكومات بالمغرب 1955 2001 … م.س، ص.200.
أبو بكر القادري، أحمد بلافريج: الديبلوماسي المحنك. ملامح من سيرته ونماذج من إنتاجه. مجلد 5. المعنون “برجال عرفتهم”، مكتبة النجاح، 1996. ص.58.
محمد فلاح، “المحجوب بن الصديق كاتم الأسرار” مجلة الصباح، العدد 29، أكتوبر 2010، ص 12-18.
عبد السلام البكاري، دليل تاريخ الأحداث وتعاقب الحكومات بالمغرب 1955 2001. مع نصوص الدساتير والظهائر وتأليف الحكومات وتعيين وإعفاء الوزراء، منشورات IDGL، الرباط، 2001، ص.183.
مولاي إسماعيل العلوي، مصطفى بوعزيز، الموساوي العجلاوي،” ندوة تكريمية لشخصية الراحل عبد الرحيم بوعبيد تحت شعار: المناضل الوطني… القائد السياسي… ورجل الدولة”، يوم الخميس 11 فبراير 2010، بقاعة الحفلات لعمالة سلا.
ثانياً: المراجع الأجنبية:
Moulay Abdelhadi Alaoui, le Maroc et la France 1912-1956 textes et documents à l’appui, éditions fan graph, rabat, 2007, p.547.
Michel Abitbol, Histoire du Maroc, imprimé en France, 2000, P .555
ثالثاً: المواقع الالكترونية:
نورالدين علوش “الملكية والأحزاب المغربية. جدلية القوة والضعف”www.adabasham.net/show.phh?sid =25227. 21/03/2009. ويمكن الإطلاع على المقال من خلال زيارة الموقع الإلكترني: elauch79@yahoo.fr.
محمد بوهريد، ” أحمد بلا فريج… رمز استقلالي عاش في ظل الزعيم ” جريدة المساء 2/10/2012. www.maghress.com/almassae/164477
http://www.alhewar.org/debat/show.art..ash%3 faid % 3 d 40 199.
- . لكن هذا التعريف كبير وفضفاض لأنه لا يدرس إلا جانبا من الحزب السياسي وبذلك لا يغطي الصفات الكاملة للحزب السياسي. ↑
- ربما يكون هذا التعريف قد تجاهل أشياء أخرى مهمة تتعلق بتنظيم وتصنيف الأحزاب السياسية خاصة عندما يورد “بورو” أن الحزب يعمل على ضم أكبر عدد ممكن من المواطنين والأعضاء، فالحزب ليس بالضرورة كذلك لأن التعريف يستبعد ما نسميه بأحزاب الكوادر التي تهتم بالنوع وليس بالكم كما تتميز بعد سعيها إلى زيادة عدد المنخرطين وهيمنة القمة على القاعدة، ومن تم ففي هذا النوع من الأحزاب لا بد أن يخرج الحزب عن طبيعته وبنيته الداخلية خاصة عندما يجمع كل من يؤمن أولا يؤمن بأفكاره أو يشترك معه. ↑
- صلاح نيوف “نظرية الأحزاب السياسية “، ضمن محور مواضيع وأبحاث سياسية، منشورات مؤسسة الحوار المتمدن، عدد 1254-2005.
http://www.alhewar.org/debat/show.art..ash%3 faid % 3 d 40 199. ↑
- نورالدين علوش “الملكية والأحزاب المغربية. جدلية القوة والضعف”www.adabasham.net/show.phh?sid =25227. 21/03/2009. ويمكن الإطلاع على المقال من خلال زيارة الموقع الإلكترني: elauch79@yahoo.fr. ↑
- يشكل حزب الاستقلال امتدادا لحركة التحديد الوطنية، شارك في حكومات متعاقبة منذ الستينات والسبعينات والثمانينات، دخل في تحالف أحزاب المعارضة إلى جانب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أصبح في الانتخابات التشريعية التي جرت في 14 نونبر 1997 ثاني أكبر حزب سياسي مغربي بحصوله على نسبته مهمة من الأصوات، دخل حكومة عبد الرحمان اليوسفي في فبراير 1998، ومنذ ذلك التاريخ أصبح رئيس هو عباس الفاسي خلف امحمد بوشتة. ↑
- علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، تطوان، 1949، ص. 46. ↑
- اقترح إسم الحزب عبد الله إبراهيم معلق في إحدى الجلسات الخاصة بأن اسم الحزب هو برنامجه، فقد انتقلت مهمة الحزب بعد مروره بعدة محطات تنظيمية ومطالب إصلاحية إلى المطالبة بتحقيق الاستقلال للمغرب والمغاربة. ↑
- عبد القادر الشاوي، حزب الاستقلال 1944-1982، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1990، ص. 239. ↑
- محمد ظريف، الأحزاب السياسية المغربية، إفريقيا الشرق، 1988، ص. 31. ↑
- نفسه، ص. 92. ↑
- علال الفاسي، الحركات الاستقلالية … م.س، ص. 247. ↑
- عبد القادر الشاوي، حزب الاستقلال … م.س، ص.240. ↑
- نفسه، ص.241. ↑
- نفسه، ص.242. ↑
- سعيدا هراي، ” مراحل استرجاع السيادة المغربية”، مذكرات من التراث المغربي. في ركاب الأمم، ج.7، AltamiraFotomecanicaKarmat، مدريد، 1986، ص. 272-283. ↑
- ن.م، ن.ص. ↑
- ببركان أنهي دراسته الابتدائية والثانوية، هو البكاي بن مصطفى الهبيل، من مواليد 16 أبريل 1907، التحق في سنة 1926 بالمدرسة العسكرية بمكناس وتخرج على رأس الفوج برتبة ملازم سنة 1928 وشغل بعد ذلك منصب ملازم أول في البادية ما بين سنتي 1939 و 1940، وقد أصيب بجروح خطيرة ببني سادن استوجبت قطع أحد رجليه في سنة 1940، وفي السنة الموالية عين رئيس قيادة قبيلة بني أدرار كما سيعين على قبيلة وجدة وسيوضع في خدمة الجندية في 4 يونيو 1943، وفي 26 يونيو 1944 تولى بباشوية مدينة صفرو يقدم بعد ذلك استقالته في 21 غشت 1953 احتجاجا على خلع السلطان محمد الخامس من عرشه وغفيره خارج أرض الوطن ، بعد هذه الاستقالة أعلن البكاي عن نفيه الاختياري حيث سافر إلى فرنسا ليستقر بباريس واستجابة لدعوة الجنرال جيلبير كرنفال عاد البكاي إلى المغرب في 20 يوليوز 1955 حيث أقام بصفة نهائية وكان برتبة عقيد، وفي 15 أكتوبر 1955 تألف مجلس العرش من محمد المقري ومحمد الصبيحي والطاهر عسو بالإضافة إلى امبارك البكاي، وقد قدم هذا المجلس استقالته للسلطان محمد الخامس في 3 نونبر 1955 تألف مجلس العرش من المجلس استقالته للسلطان محمد الخامس في 3 نونبر 1955، وفي 7 دجنبر 1955 تولى البكاي رئاسة أول حكومة وطنية مغربية وسيعين كذلك رئيسا للوزير في الحكومة الثانية في 28 أكتوبر 1956 ، وفي 2 مارس 1956 كان من بين الموقعين على وثيقة استقلال المغرب عن الجانب المغربي وعن الجانب الفرنسي وزير الخارجية كريستان بينو وذلك بمقر الخارجية الفرنسية. وصدر البلاغ باسم الملك محمد الخامس، وفي 12 أبريل 1961 التحق البكاي بدار البقاء عن سن يناهز الرابعة والخمسين. راجع: دليل تاريخ الأحداث وتعاقب الحكومات بالمغرب 1955 2001. مع نصوص الدساتير والظهائر وتأليف الحكومات وتعيين وإعفاء الوزراء، منشورات IDGL، الرباط، 2001، ص.98. ↑
- مصطفى السحيمي، “المؤسسات. نحو الملكية الدستورية 1955-1962″، مذكرات من التراث المغربي. في ركاب الأمم، ج.7، AltamiraFotomecanicaKarmat، مدريد، 1986، ص. 202-233. ↑
- عبد الرحيم الورديغي، الخفايا السرية في المغرب المستقل 1956 ـ 1961، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، 1982، ص.46. ↑
- Moulay Abdelhadi Alaoui, le Maroc et la France 1912-1956 textes et documents à l’appui, éditions fan graph, rabat, 2007, p.547.
-le Mathis était présidé par Mehdi Ben Barka et avait comme vices présidents Mahjoub ben Seddik et Thami Amar, taux ses membres étaient désignés par le roi dans ses composition, il représentait toutes forces vivre de la nation par ses jet alite il était de nature à préparer les marocains à l’usage de la choura et la technique des états modernes, en effet le pays rivait dans le cadre d’une pratique constitutionnelle sans constitution et d’un parlementarisme sans parlement avec la jouissance pour tous les citoyens de leurs libertés publique et individuelle.. ↑
- . عبد الرحيم الورديغي، الخفايا السرية… م.س.ص.48. ↑
- « …les ministres n’appartenant pas à l’istiqal, Si Bakkai en tête remise leur démission au roi en avril 1958, la situation empira après La formation du gouvernement Balafrej, le mois suivant, un gouvernement ” homogène” certes marqué par l’arrivé de ministres de l’aile gauche du parti ». Michel Abitbol, Histoire du Maroc, imprimé en France, 2000, P .555 ↑
- من مواليد سنة 1908، تابع بلافريج دراسته الابتدائية و الثانوية بالرباط قبل أن يسافر إلى القاهرة قصد تتميم دراسته الجامعية، يعد من المشاركين في تأسيس جمعية الشباب المسلمين، سافر بعد ذلك إلى فرنسا ليدرس في جامعة السوربون حيث حصل على الليسانس في الآداب ثم شارك في تأسيس جمعية طلبة شمال افريقيا في باريس سنة 1926 و انتخب أمينا عاما لها، وفي نفس السنة شارك في تأسيس العصبة المغربية و شارك بعد دلك في انشاء الخلية الأولى للحركة الوطنية بالرباط التي عقدت أول اجتماع لما في عرصة كسوس مكان مدرسة كسوس الحالية ، و في 1930 شارك في حركة كتلة العمل الوطني ، بعدها سافر إلى سويسرا ثم إلى فرنسا وأنشأ في باريس مجلة “المغرب ” التي كانت الكتلة الوطنية تصدرها للتعبير عن رأي الحركة الوطنية، وأسس في 1934 مدرسة كسوس التي تخرج منها آلاف الشباب الذين واصلوا دراستهم العليا وأصبحوا من الأطر العليا في المغرب، وفي 1940 سافر إلى برلين لجس نبض الألمانيين ومعرفة نواياهم حيال المغرب فتأكد له أنهم لا يقلون عن الفرنسيين في أفكارهم ونواياهم الاستعمارية، فغادر بعد ذلك ألمانيا باتجاه المنطقة الشمالية المغربية ومنها بعث لقيادة الحزب بما حصل عليه من معلومات تهم النوايا الحقيقية لألمانيا، ثم شرع بمعية أعضاء الحزب الوطني في التهييئ لتحرير وثيقة المطالبة بالاستقلال، هذا وساهم بلافريج، رفقة أعضاء الحركة الوطنية في الإعداد لتأسيس حزب الاستقلال، وقد أعلن عن تأسيس الحزب في وثيقة المطالبة بالاستقلال التي قدمها الحزب في 11 يناير 1944 ، تم عين أمينا عاما لهذا الحزب، لكن سيتم نفيه فيما بعد إلى كورسيكا بعد اعتقاله ، وفي يونيو 1946 عاد إلى المغرب ليغادره في 1947 بعد زيارة الملك محمد الخامس لمدينة طنجة وذلك للتعريف بالقضية المغربية، وفي 1952 سافر إلى نيويورك للدفاع عن وحدة المغرب واستقلاله وانطلاقا من 20 غشت 1953 أخذ بلا فريج في التنقل بين أمريكا واسبانيا مدافعا عن قضية المغرب في المحافل الدولية، وفي 26 أبريل 1956 عين وزيرا للشؤون الخارجية، وقد أسفر تفاوضه بخصوص الاحتلال الدولي لمدينة طنجة عن استرجاعها، مثلما أسفر تفاوضه مع إسبانيا عن استرجاع طرفاية، وفي ماي 1958 عين رئيس للحكومة والتي استقال منها في دجنبر من نفس السنة، وعين من جديد وزيرا للخارجية في 5 يناير 1962، وفي نونبر 1963 عين الحارس الشخصي للملك الحسن الثاني وتخلى عن هذا المنصب في يونيو 1972 ، وبعدما ألم به مرض عضال لمدة طويلة وافته المنية في 14 أبريل 1990 ودفن بزاوية سيدي فاتح بالرباط. راجع:
– عبد السلام البكاري، دليل تاريخ الأحداث وتعاقب الحكومات بالمغرب 1955 2001 … م.س، ص.200.
– أبو بكر القادري، أحمد بلافريج: الديبلوماسي المحنك. ملامح من سيرته ونماذج من إنتاجه. مجلد 5. المعنون “برجال عرفتهم”، مكتبة النجاح، 1996. ص.58. ↑
- محمد فلاح، “المحجوب بن الصديق كاتم الأسرار” مجلة الصباح، العدد 29، أكتوبر 2010، ص 12-18. ↑
- عبد السلام البكاري، دليل تاريخ الأحداث وتعاقب الحكومات بالمغرب 1955 2001. مع نصوص الدساتير والظهائر وتأليف الحكومات وتعيين وإعفاء الوزراء، منشورات IDGL، الرباط، 2001، ص.183. ↑
- نفسه، ص.183. ↑
- مولاي إسماعيل العلوي، مصطفى بوعزيز، الموساوي العجلاوي،” ندوة تكريمية لشخصية الراحل عبد الرحيم بوعبيد تحت شعار: المناضل الوطني… القائد السياسي… ورجل الدولة”، يوم الخميس 11 فبراير 2010، بقاعة الحفلات لعمالة سلا. ↑
- عبد الرحيم الورديغي، الخفايا السرية … م.س،ً.50. ↑
- عبد السلام البكاري، دليل تاريخ الأحداث وتعاقب الحكومات بالمغرب … م.س، ص.469. ↑
- بعد عودة الأمير مولاي الحسن من جولته أعطى القصر الملكي أمره الذي يهم تحرير قانون يتعلق بالحريات العامة والذي يرخص بإنشاء الأحزاب والنقابات، لأن كل من رئيس الحكومة السابق محمد السابق امبارك البكاي ورفيقاه محمد الخطيب والمحجوبي أحرضان قد عبروا عن قلقهم تجاه التأخير الحاصل في الترخيص بإنشاء حزبهم المتمثل في حزب الحركة الشعبية. عبد الرحيم الورديغي، الخفايا السرية … م.س،ً.77. ↑
- . عبد السلام البكاري، دليل تاريخ الأحداث وتعاقب الحكومات … م.س، ص.469. ↑
- ميزة الرجل الذي دخل بيت الاتحاد المغربي للشغل منذ 20 مارس 1955 ولم يبرحه إلا مرفوعا على نعش أنه يكنف تاريخا كاملا بشخوصه وعلاقاته وعقده وأحداثه ومؤتمراته. ومن تم صعوبة اختزال سيرته في بضع أسطر ولو كان على سبيل مدخل في أسفل الصفحة الأولى، فيكفي أن الرجل عاصر ثلاثة ملوك بالمغرب. حلفاؤه وأنصاره يرفعونه إلى هرم الوطني الأول ” الذي لم يساوم المحتلين الفرنسيين ودفع من جلده ودمه وحريته سنوات من النضال والكفاح المسلح، وهو النضال الذي واصله بإصرار كبير في السنوات الأولى للاستقلال ، إذ أنجز أكبر عملية اشتقاق في تاريخ حزب علال الفاسي رفقة زميل دربه الطيب بن بوعزة وآخرين، منضما إلى الخلايا الأولى للتيار الثوري الذي قاده آنذاك المهدي بنبركة وعبد الله إبراهيم والفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد بنسعيد تمهيدا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية… في المقابل لم ينس له خصومه ذات ليلة من مارس 1955 تصديه بقوة إلى أول تجربة ديمقراطية في تاريخ النقابات الوطنية حين ابتز مؤسسي الاتحاد المغربي للشغل مخيرا إياهم بين جلوسه على عرش النقابة عوض رفيقه الطيب بن بوعزة الذي انتخبته قواعدها، أو بين رحيله إلى أرض الله الواسعة، حيث يمكنه تأسيس إطار نقابي تان بزعامته ، فما كان منهم إلا رضخوا لابتزازه، وبين الحلفاء والخصوم كان الرجل يبدو كأنه معجون من تحد ومعارك تكاد لا تنتهي واحدة منها حتى تبدأ الأخرى، وأقرب هواياته إلى قلبه أنه يستطيع مفاجأة خصومه في المنعرجات الضيقة بحوادث سياسية وخيمة أحدثت الكثير من الندوب في تاريخ المغرب ومازالت تداعياتها إلى اليوم، فحين أراد بن الصديق أن يغلب ورقة العمل النقابي لتقويض عرش أعنى حزب بالمغرب المتمثل في حزب الاستقلال وإسقاط حكومة بلافريج كان له ذلك وبنجاح، محمد فلاح ، المحجوب بن الصديق كاتم الأسرار… م.س، ص 12-18. ↑
- مصطفى السحيمي “المؤسسات، نحو الملكية الدستورية”… م.س، ص. 202-233. ↑
- محمد بوهريد، ” أحمد بلا فريج… رمز استقلالي عاش في ظل الزعيم ” جريدة المساء 2/10/2012. www.maghress.com/almassae/164477 ↑
- يتجلى سوء حظ أحمد بلا فريج في كونه ظهر في عهد كان فيه علال الفاسي الزعيم الأبرز لحزب الاستقلال، صحيح أن نجمه سطع بشكل قوي عندما قرر المستعمر الفرنسي نفي صاحب “النقد الذاتي” إلى الغابون مبعدا إياه عن قادة الحركة الوطنية، وكان بلافريج أبرزهم من جهة حزب الاستقلال، غير أنه ظل يعمل، حتى بعد أن صار “أمينا عاما، تحت ظل علال الفاسي، حيث ظل هذا الأخير الرجل رقم واحد” في هرم الاستقلال يجليه باقي الزعماء ومع ذلك استطاع أحمد بلافريج أن يضمن لنفسه موطئ قدم بين أبرز الشخصيات التي أطرت الحركة الوطنية والتي قامت بتنشيط الحياة السياسية في السنوات الأولى من الاستقلال. القادري، أبو بكر، أحمد بلافريج: الديبلوماسي المحنك. ملامح من سيرته ونماذج من إنتاجه … م.س، ص. 85. ↑
-
بعد فشل هذه التجربة عاد أحمد بلا فريج إلى التدبير الحكومي حيث تولى مسؤولية حقيبته المفضلة وزارة الشؤون الخارجية بين سنتي 1961و1962، وبعد هذه التجربة الحكومية القصيرة سيصبح بلا فريج ممثلا شخصيا للملك، حيث كان كثير التنقل في كل أرجاء العالم، دفاعات عن القضايا المغربية في المحافل الدولية قبل أن يقهره المرض ويغيبه عن الساحة السياسية. بدر الدين العتيقي، “أحمد بلافريج … عراب الخارجية”، جريدة الصباح، 26 ماي 2018، ص. 5. ↑