علي حسين1 1 باحث ماجستير في معهد التعليم العالي/ قسم العلوم الإسلامية الأساسية في جامعة كوتاهيا دوملوبينار/ تركيا 0009-0000-9667-3389أوركيد- بريد الكتروني: amawe1972@gmail. com HNSJ, 2024, 5(1); https://doi.org/10.53796/hnsj51/9 تنزيل الملفتاريخ النشر: 01/01/2024م تاريخ القبول: 11/12/2023م
المستخلص
تأتي أهمية التفسير بالمأثور من كونه: إمّا نقلا ثابتا صحيحا عن النبيّ ، وهو الركيزة الأولى وعليها الاعتماد، وإمّا نقلا ثابتا عن فهم الصحابة الكرام الذين عايشوا الوحي على مدار ثلاثة وعشرين عاما، وشاهدوا نزوله وفق الحوادث التي خاضوا غمارها حربا وسلما حلّا وترحالا، وعلموا أسباب النزول وعملوا به حتى اصطبغت حياتهم بالقرآن عملا وتدبرا وفهما كأنّ كلَّ واحدٍ منهم قرآنا يمشي على الأرض ومن هنا انطلقت التفاسير في مرحلتها الأولى حريصة على أن لا يفوتها شيءٌ من هذا القدر من التفسير باعتباره الفهم الصحيح والعملي للقرآن الكريم، ولكنّ مسارات الحياة التفسيرية تنوعت وتشعبت واختلفت لاتّساع الرقعة الإسلامية بسبب كثرة الفتوحات، ودخول الأعاجم في الإسلام وامتزاج الثقافات وفشوّ وانتشار اللحن، أو الرطانة فاحتاجت الحركة التفسيرية إلى مزيد من الشرح، والتوضيح فاتخذت من التفسير بالمأثور ركنا أساسيّا، ,ولم تكتف بذلك بل زادت عليه بما لا يخالفه ولا يشذُّ عنه ولا يخرج عن أساليب العربية، ومن هذا المنطلق ظهرت بوادر التفسير بالرأي فأصبحت الدراسات تصنّف التفاسير إلى قسمين: تفاسير بالمأثور ويقابلها تفاسير بالرأي ثم اختلفوا في إيجاد حدّ جامع مانع لمصطلح التفسير بالمأثور وتشعبت تعريفاتهم بين موسّع وبين مقيّد فكانت هذه المقالة مساهمة في إيجاد حدّ جامع للتفسير بالمأثور تقوّي مسار الدراسات التي ظهرت في هذا الاتجاه كدراسات الطيار والدكتور فضل عباس.
الكلمات المفتاحية: مأثور – مصطلح – تفسير – اختلاف – رأي
Interpretation by Transimission “Tafsir bi’l-ma’thûr” in Qur’anic Studies
ALI HÜSYIN1
1 Master’s researcher at the Institute of Higher Education/Department of Basic Islamic Sciences at Kutahya Dumlupinar University/Turkey
ORCID: 0009-0000-9667-3389
Email: amawe1972@gmail. com
HNSJ, 2024, 5(1); https://doi.org/10.53796/hnsj51/9
Published at 01/01/2024 Accepted at 11/12/2023
Abstract
The importance of interpretation by the transmission “tafsirbi’l-ma’thur” comes from its being: either a proven and correct narration from the Prophet, may Allah bless him and grant him peace, which is the first pillar upon which to rely, or a proven narration from the understanding of the honorable companions “Sahaba” who lived with the revelation over a period of twenty-three years, and witnessed its revelation according to the events in which they involved in, both in “war and peace” and in “staying and traveling”. They knew the reasons of the revelation, and acted upon it until their lives were colored by the Qur’an in action, contemplation, and understanding, as if each one of them was a Qur’an walking on the earth, and from here the interpretations began in their first stage, keen not to miss any of this amount of interpretation as it is the correct and practical understanding of the Holy Qur’an, but the paths of Interpretation life varied, branched out, and differed due to the expansion of the Islamic world due to the many conquests, the entry of non-Arabs into Islam, the mixing of cultures, and the spread of melody or jargon. Thus, the interpretive movement needed more explanation and clarification, so it took the interpretation by transmission “tafsirbi’l-ma’thur” as a basic pillar. It was not satisfied with that, but rather added to it with what does not contradict it or be anomalous. It does not deviate from the methods of Arabic, and from this standpoint, signs of interpretation by sound opinion “tafsirbi’l-ra’y” appeared, and studies began to classify interpretations into two parts: interpretations by the transmission “tafsirbi’l-ma’thur”, and their counterparts are interpretations by sound opinion “tafsirbi’l-ra’y”. Then they differed in finding an inclusive and exclusive definition for “tafsir bil-ma’thur” term, and their definitions diverged between who expanded and restricted, so this article was a contribution to finding a comprehensive definition for “tafsir bil-ma’thur” strengthens the path of studies that appeared in this direction, such as the studies of Al-Tayyar and Dr. Fadl Abbas.
Key Words: transmission “ma’thur” – term – interpretation – difference – sound opinion “ra’y”
مقدمة:
موضوع البحث: رصد حركة تطور مصطلح التفسير بالمأثور في الدراسات القرآنية والوصول إلى مسار جامع لحدود هذا المصطلح.
مشكلة البحث: تكمنُ مشكلةُ البحثِ أنّ مسارَ الدّراسات التي تناولتْ مصْطلحَ التّفسير بالمأثور اختلفت، وتشعّبتْ وتنوّعت ولم تتّفقْ على تحديد ماهيّة هذا المصطلح، وما هي حدوده، وما هو القدر الذي تضمّنه مصطلح التفسير بالمأثور، وكان لهذا الاختلاف ظلاله على حياة الأمة الإسلامية، وبقي ومازال هذا الاختلاف إلى الآن يرافق الحركة التفسيرية ودراساتها التي لا تنفكّ عن تقسيم التفاسير إلى تفاسير بالمأثور، وتفاسير بالرأي متأثّرة بتلك الظلال. إلى أن ظهرت في العصر الراهن تساؤلات ونقاشات شكلت بودار لاتجاه جديد يجمع بين ما اختلف ويقوي ما ائتلف فكانت هذه المقالة لتستجلي معالم هذا الاتجاه وتعزّز من مساره.
حدود البحث: حدود البحث في مصطلح “التفسير بالمأثور في الدراسات القرآنية”، ومحاولة لإيجاد صيغة توافقية جامعة لمصطلح التفسير بالمأثور.
أهمية البحث: تكمنُ أهمية البحث في أنه يساهم في إيجاد اتجاهٍ جامعٍ لمصطلح “التفسير بالمأثور” بين اتجّاهات متعدّدة ومختلفة زمانا وأفكارا وموضوعا اتسعت أحيانا وضاقت أحيانا وما لهذا الاختلاف من أثر سلبيٍّ على الحياة بكلِّ أطيافها لأنّه مرتبط، ومتعلق بأهمِّ كتابٍ عند المسلمين وهو القرآن الكريم دستور الأمّة، وما تقدُّمُها وتخلّفُها إلا بمدى فهمها لكتاب ربها والعمل بما فيه.
أهداف البحث:
كان من اهم الأهداف التي سعى البحث إلى إيجادها تعريفا جامعا للتفسير بالمأثور حيث تشعبت الدراسات حوله واتّخذت المصطلحات التي لحقته مظهرا، وشكلا ألقى بظلاله على مساحة واسعة من الثقافة الإسلامية المرتبطة بالتفسير بحيث كان من جنايات هذا المصلح أن قسّم الثروة التفسيرية الضخمة إلى تفسير بالمأثور وله مدارسه وتفاسيره، وتفسير بالرأي وله مدارسه وتفاسيره.
منهج البحث: اتخذ منهج البحث مناهج عدّة كالمنهج الاستقرائي حيث تم استطلاع المادة العلمية على تنوعها واختلافها والمنهج الوصفي القائم على وصف سير حركة الدراسات في تناولها لمصطلح التفسير بالمأثور، والمنهج التحليلي القائم على تحليل أقوال الدراسين والوصول إلى غاية البحث وهدفه المنشود. وذلك من خلال:
مقدمة: تناولت فيها موضوع البحث، ومشكلته، وحدوده، وأهدافه، ومنهجه، والدراسات السابقة.
المبحث الاوّل: عرضت فيه لمصطلحات “التفسير، التأويل، المأثور. لغة واصطلاحا.
المبحث الثاني: عرضت فيه مراحل التفسير بالمأثور من خلال ثلاث مراحل، وحدوده التي ينبغي أن يكون عليها.
المبحث الثالث: وتناولت فيه أهمية التفسير بالمأثور، ومصادره، وأهمّ التفاسير به.
الخاتمة: وتضمنت النتائج التي سعى البحث إلى تحقيقها والوصول إليها.
الدراسات السابقة:
اتخذت الدراسات السابقة اتجاهات متعددة ومختلفة فمنها من درس التفسير بالمأثور بشكل منفصل ومنها من ادرجته كموضوع من الموضوعات التي ناقشتها ومنها من دعا إلى إخراجه من كتب التفسير وعدم الاعتماد عليه لأنه بحر واسع من الإسرائيليات كالمدرسة العقلية الحديثة أو مدرسة الإمام محمد عبده وتفاسيرها ومنها من جَمُدَ على ما جاء في تعريف هذا المصطلح كتعريف مسلّمٍ به ومنها من قسم وفق هذا المصطلح التفاسير إلى تفسير بالمأثور وتفسير بالرأي. ومن الدراسات التي شكّلتْ اتجاها جديدا في هذا المضمار ثلاث دراسات:
1 – مفهوم التفسير والتّأويل والاستنباط والتّدبّر والمفسِّر. للدكتور. مساعد بن سليمان بن ناصر الطّيّار. الطبعة الثانية (1427هــ). دار ابن الجوزي للطباعة والنشر. وأثار فيها التساؤلات والنقاشات حول تحديد مصطلح التفسير بالمأثور لكنه لم يذكر ما هو التّعريف البديل لهذا المصطلح.
2 – التفسير والمفسرون أساسياته واتّجاهاته ومناهجه في العصر الحديث. الدكتور فضل حسن عباس. الطبعة الأولى (1437هــ. 2016م) دار النفائس للنشر والتوزيع الأردنّ. ثلاث مجلدات. واستطاع بعد إثارة الأسئلة والنقاشات أن يطرح التعريف البديل لما تعارف عليه الدراسون فيما يخص مصلح التفسير بالمأثور.
3 – مناهج المفسرين. أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبد الله الحميْضي. الطبعة الثانية (1442هـــ. 2020م) دار ابن الجوزي. وكانت دراسة وافية عن مناهج المفسرين وقد أسهب في الحديث حول مصطلح التفسير بالمأثور.
المبحث الأوّل:
المطلب الأوّل: التفسير والتأويل لغة واصطلاحا:
أوّلا: التفسير لغةً: تكادُ تتّفق معاجمُ اللغة العربية قديمُها وحديثُها على أنّ من معاني فَسَرَ بدون تشديدٍ، البيانُ وكشْفُ المغطّى، وعلى بيانِ الشيءِ وإيضاحِه، وإظهار المعنى المعقول، والكشف المراد عن اللفظ المُشْكَلِ، وأنّ الأصلَ في ذلك من نظر الطبيب في الماء، وحكمه عليه فهو تفسرة، (ابن منظور. 1968م. ج5 ص 55/الأزهري. 2004م. ج12ص407/ الأصفهاني. 2009م. ص380/ ابن فارس. 1979م ص504)، وأنّ فسّرَ بالتشديد تدلّ على المبالغة والتكثير، وأنّ التفسير مصدر فسّر واختلفوا في فسّر المضعّف هل التضعيف للتعدية أم للمبالغة والتكثير! يقول ابن عاشور صاحب التفسير: ” التفسير مصدر فسّر بتشديد السّين الذي هو مضاعف فسر بالتخفيف “من باب نصر وضرب” الذي مصدره الفسْرُ، وكلاهما فِعْلٌ مُتعدٍّ فالتّضعيف ليس للتعدية. والفسْرُ الإبانة والكشف لمدلول كلامٍ أو لفظٍ بكلام آخر هو أوضحُ لمعنى المفسَّر عند السامع، ثم قيل المصدران والفعلان متساويان فى المعنى، وقيل يختص المضاعف بإبانة المعقولات، قاله الراغب وصاحب البصائر، وكأن وجهه أن بيان المعقولات يكلّفُ الذي يبيِّنه كثرة القول”(ابن عاشور. 1964م. ج1ص 10) وكذلك تجد المعاني متفقة في المعاجم وكتب اللغة وعلوم القرآن في سَفَرَ مقلوب فَسَرَ ككشف الغطاء وبعضهم جعله مختصا بالأعيان نحو سفرَ العِمامةَ عن الرأس والخمارَ عن الوجهِ وأسفر الصّبْحُ بمعنى أشرق نوره ويوردون الآيات في هذا السياق ﴿وَٱلصُّبۡحِ إِذَاۤ أَسۡفَرَ٣٤﴾ المدّثّر، و﴿وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ مُّسۡفِرَةࣱ٣٨﴾ عبس. و﴿بِأَیۡدِی سَفَرَةࣲ١٥﴾ عبس. “والتفسير بمعنى كشف المغلق من المراد بلفظه، وإطلاق للمحتبس عن الفهم به… وبمصدر الفسْر سمّى أبو الفتح ابن جنّي كُتُبَهُ الشارحة كتفسير ديوان المثنّى الكبير”(الزركشي. 2006م ج2 ص147/الأضفهاني. 2009م. ص233. /خليفة. 2023م. ص 20.) فنلاحظ أنّ مدار التفسير لغة مع اتساعها وتطورها الدلالي لا يخرج عن المعاني الآتية البيان والكشف والإبانة والإيضاح.
ثانيا: التفسير اصطلاحا: بما أن التفسير هو أوّل العلوم الإسلامية ظهورا وأشرفها وأعلاها على التحقيق فقد تناولته الدراسات واختلفت في إيجاد حدٍّ كما فعلوا في العلوم الأخرى فذهب بعضها إلى أن عدّه علما تسامحٌ ووفقا للقاعدة المشهورة لا مشاحة في الاصطلاح، تجد أنّ كثرة التعاريف الواردة فيما اُصْطلح عليه بين الدارسين السابقين واللاحقين في حدّ علم التفسير تؤول إلى معانٍ المقصد منها: بيان معاني كتاب الله تعالى المنزّل على نبيّه بشكل مختصر أو موسّع والعلم بأسباب النزول والمكي والمدني والحلال والحرام والناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمقيّد والمطلق والمجْملُ والمفسّر والوعد والوعيد والأمر والنهي… يقول الشيخ محمد عبد العظيم الزّرقاني: “التفسير في الاصطلاح علمٌ يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدرة الطاقة البشرية. “(الزرقاني. 1995م. ج2ص6 / ابن عاشور. 1964م. ج1ص11/الزركشي. 2006م. ج2ص148/ الرومي. 2005م. ص164.)
ثالثا: التأويل لغة واصطلاحا: لقد أفردت كتبُ الدراسات القرآنية وكتب علوم القرآن كالزركشي [ت794هـ] في برهانه، والسيوطي [ت911هـ] في اتقانه، وكتب التفاسير صفحات تبيّنُ فيها الفروق بين التفسير والتأويل وأطالت النّفس في ذلك، بل إنّ بعضهم خصّص له مؤلفاً ومرجعهم في اللُغَةً معاجمها، وكتب غريبها، فانقسمت الدراسات قسمين أمّا الأوّلُ فساوى بين التفسير والتأويل، والثاني أوجد فروقا كجعل التأويل للمتشابه، وأن أكثر ما يستعملُ في المعاني كتأويل الرؤيا، وكاستعماله مرّة عاما ومرّة خاصا ومثّلوا بكلمة “الكفْرُ” إذ تطلقُ على الجحود المطلق تارة وتارة على جحود الباري خاصة وغيرها من الكلمات، وكجعل التأويل مختصا في الدراية والاستنباط” وجماع القول في ذلك أنّ من العلماء من جعلهما متساويين، وإلى ذلك ذهب ثعلب وابن الأعرابي وأبو عبيدة، وهو ظاهر كلام الراغب، ومنهم من جعل التفسير للمعنى الظاهر والتأويل للمتشابه، ومنهم من قال: التأويل صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل فيكون هنا بالمعنى الأصولى، فإذا فسر قوله تعالى “يخرج الحي من الميت » بإخراج الطير من البيضة، فهو التفسير، أو بإخراج المسلم من الكافر فهو التأويل، وهنالك أقوال أخر لا عبرة بها، وهذه كلها اصطلاحات لا مشاحة فيها إلا أن اللغة والآثار تشهد للقول الأول، لأن التأويل مصدر أوله إذا أرجعه إلى الغاية المقصودة، والغاية المقصودة من اللفظ هو معناه وما أراده منه المتكلم به من المعاني. “(ابن عاشور. 1964م. ج1ص16/الزركشي. 2006م. ج2ص149/الطيار. ص91/ الزرقاني. 1995م. ج2ص7). وبعض الدراسات حشدت أقوال الفريقين راجية أن تخلص إلى نتيجة، لكنها لم تفلح في ذلك وبقيت في دائرة الفريقين “فها أنت ذا قد وقفت في هذا المضمار على حشد غير قليل من العبارات الجامعة والمفرقة ممّا بين هذين المفهومين في (التفسير والتأويل)، دون أن يسوق لنا أيّ من أصحابها مرجحاً مريحاً لقول نفسه، بالتالي رداً صريحاً كذلك لأقوال غيره، وإنما تولى مثل هذه المحاولة رجلان: أحدُهُما الْعَلَمُ الْفدُّ الْعلّامَةُ الألوسى رحمه الله… في مقدمة تفسيره…. والشيخ محمد حسين الذهبي – في كتابه التفسير والمفسرون -… “(خليفة. 2023م. ص28.)
المطلب الثاني: المأثور لغة واصطلاحا:
أوّلا: المأثور لغة: المأثور على وزن مفعول واسم الفاعل منه آثرٌ وفعله أثر ومن معانيه التي لا يخرج عنها تقديم الشيء وذكر الشيء ورسم الشيء الباقي وإيثار الشيء والخبر والأجل وجاء في اللسان: “قال ابن سيده: وعندي أن المأثور مفعول لا فعل له كما ذهب إليه أبو علي في المفؤود الذي هو الجبان. وأُثْر الوجه وأُثْرُهُ: ماؤه ورونقه، وأَثَرُ السيف: ضَرْبَته. وأُثْرُ الجرح: أثره يبقى بعدما يبرأ”. (ابن منظور. 1968م. ج4 ص9) وذكر الراغب الآيات التي وردت في القرآن الكريم مستخلصا منها المعاني السابقة يقول: “أثر: أثَرُ الشيء حصول ما يدل على وجوده، يُقَالُ أثَرَ وأثَّرَ، والجمع الآثار، قال تعالى: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا – وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ) وقوله: (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَةِ اللَّهِ) ومن هذا يقال للطَّرِيقِ المُسْتَدَلّ به عَلَى من تَقَدَّمَ آثارٌ، نحو قوله تعالى: (فَهُمْ عَلَى آثَارِهِم يُهْرَعُونَ) وقوله: (هُمْ أولاء عَلَى أَثَرِى)… وأثرتُ العلم رَوَيْتُهُ، آثرُهُ أَثرًا وإثارة وأثرَةً، وأَصله تَتَبَّعْتُ أَثَرَهُ. وأثارةٍ مِنْ عِلم، وقرى أَثَرَةٍ وهو ما يُرْوَى أو يُكْتَبُ فَيَبْقَى له أثر، والمآثر ما يُرْوَى مِنْ مَكَارِمِ الإنسان. ويُسْتَعارُ الأثرُ لِلْفَضْلِ والإيثار للتّفضّل ومنه آثرته، وقوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) وقال: (تَاللَّهِ – لقدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا – بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيا) وفى الحديث: «سَيَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ أي يَسْتأثر بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ” (الأصفهاني. 2009م. ص9)
ثانيا: المأثور اصطلاحا: اتّسع معنى التفسير بالمأثور عمّ كان سائدا عند السابقين الأوّلين من أهل العلم والاختصاص فقد كان معلوما عندهم بما ورد عن رسول الله ، ولكنه عند المعاصرين اتخذ مساحة واسعة كتفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنّة وتفسير القرآن بقول الصحابي وبتفسير القرآن بقول التابعي وأن هذا المصطلح يقابله مصطلح التفسير بالرأي يقول الدكتور محمد بازمول: “واصطلاح التفسير بالمأثور لم يجر عند السابقين بالمعنى اليوم، نعم استعملوا مصطلح التفسير بالرأي، فأفهم أنهم يقابلون به تفسيرا لا رأي فيه وهو التفسير المنقول بالرواية المقابل للتفسير بالمعقول والدراية ولم تستقر علمية هذا المصطلح (التفسير بالمأثور) وتسمية هذا العلم به إلا بعد السيوطي رحمه الله، فلم يجر استعماله إلا في القرن الماضي، مع أن معناه كان شائعا معروفا جاريا” (بازمول ص18) وهناك اتجاه جديد لم يسلّم بما تعارف عليه المعاصرون بل ناقش مقولتهم وبيّن ما فيها من اجتهاد قابل للتغيير وليس على إطلاقه وقدموا نقاشات موضوعية جديرة بأن تشكل اتّجاها قويا يقول الطيار: ” وأقدم من رأيته نص على كون هذه الأربعة هي التفسير بالمأثور الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني (ت: 1367) ، حيث ذكر تحت موضوع (التفسير بالمأثور) ما يأتي: هو ما جاء في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة تبياناً لمراد الله من كتابه، ثم جاء بعده الشيخ محمد حسين الذهبي (ت: 1397) ، فذكر هذه الأنواع الأربعة تحت مصطلح (التفسير المأثور) ، فقال: ” يشمل التفسير المأثور: ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، وما نُقل عن الرسول، وما نقل عن الصحابة رضوان الله عليهم، وما نقل عن التابعين، من كل ما هو بيان وتوضيح لمراد الله تعالى من نصوص كتابه” ثمّ تتابع بعض المعاصرين على هذا المصطلح بتقسيماته الأربعة. لذا فإنَّ كثرة وجوده في كتب علوم القرآن المعاصرة، أو غيرها من كتب مناهج المفسرين، أو مقدمات بعض المحققين لبعض التفاسير لا يعني صحته على الإطلاق، بل هؤلاء نقلوه عن كتاب “التفسير والمفسرون” بلا تحرير ولا تأمل فيه، إلا القليل منهم، وإن المعروف من لفظة مأثور: ما أثر عن السابقين، وتحديد زمن معين إنما هو اصطلاح. وإذا كان ذلك كذلك؛ فكيف يكون تفسير القرآن بالقرآن مأثوراً، وأنت ترى الله يمنُّ عليك بتفسير آية بآية، فعمن أثرته؟! عن من أثر ابن كثير (ت: 774) تفسيراته القرآنية للقرآن؟! وكذا محمد الأمين الشنقيطي (ت: 1393ه) في كتابه أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، عمَّن أثر تفسيراته القرآنية للقرآن؟”(الطيار. 1427ه. ص21 / وينظر أيضا/ عباس. 2016م. ج1ص 185-187.) وبناء على التقسيمات السابقة للمصطلحين التفسير بالمأثور ويقابله التفسير بالرأي ظهر تقسيم التفاسير إلى تفاسير بالمأثور وتفاسير بالرأي وسيأتي ذكرها مما اعتبرته الدراسات من مظاهر جناية المصطلح. وممّا يجدر الوقوف عنده ممّا طرحه أصحاب هذا الاتجاه أن تفسير القرآن بالقرآن لا يدخل في مصطلح التفسير بالمأثور فحمل الآيات على بعضها لورود تشابه بينهما يؤدي إلى إغفال السياق القرآني الذي وردت فيه وإلى تكرار معاني القرآن وأنّ حمل معنى أية على آية هو من اجتهاد المفسّر سواء كان من الصحابة أو التابعين والاجتهاد عرضة إلى الخطأ وابن عاشور لم يجعل تفسير القرآن بالقرآن من مدده يقول: “ولا يعد أيضا من استمداد التفسير ما في بعض آي القرآن من معنى يفسر بعضا آخر منها، لأن ذلك من قبيل حمل بعض الكلام على بعض، كتخصيص العموم وتقييد المطلق وبيان المجمل وتأويل الظاهر ودلالة الاقتضاء وفحوى الخطاب ولحن الخطاب، ومفهوم المخالفة. “(ابن عاشور. 1964م. ج1 ص27 / عباس. 2016م. ج1ص187-188 / الطيار. 1427ه. ص22)
المبحث الثاني: نشأة التفسير بالمأثور:
اتخذت الدراسات القرآنية مسلكا في تتبّع حركة التفسير، فقسمت هذه الحركة إلى مراحل، وممّا لا شك فيه أنّ لكلّ مرحلة من هذه المراحل سمات خاصة بها تقتضيها طبيعة الحياة بكل ألوانها واتجاهاتها.
المطلب الأول: مراحل التفسير بالمأثور
أوّلا: مرحلة العصر النبوي: حيث كان القرآن ينزل على النبيّ صلى الله عليه وهو بين ظهراني الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وهم أهل العربية لغة وفصاحة وبلاغة وأدبا خاصة إذا علمنا أن إعجاز القرآن تمثّل في مظهر من أجلِّ مظاهره ألا وهو البلاغة والفصاحة وأن يأتوا بمثله ولو بآيةٍ فعجزوا عن ذلك. وبما أنّ قدرات الصحابة متفاوتة، ومنهم من كان أكثر ملازمة للنبيّ فكان طبيعيّا أن تنشأ أسئلة عن معاني بعض الآيات أو الكلمات كما سأل عمر الرسول عن معنى الكلالة وغيره من الصحابة فكان الرسول هو المصدر الأول والمرجع الوحيد في تبيين وتفسير وتوضيح ما غمض على الصحابة فهمه إلى أن انتقل الرسول إلى جوار ربّه. ومن الثابت أنّ الرسول لم يترك تفسيرا كاملا للقرآن مدوّنا ولكن معلوم أنّه تنزل منجّما يرصد الحياة بكل أشكالها ساير الصحابة في حلّهم وترحالهم وحربهم وسلمهم. ومهما يكن من أمر فإنّ المُسلّم به بين جميع العلماء والباحثين هو أن الرسول الكريم كان المعلم الأول والمصدر الأساس في تفسير القرآن الكريم وتوضيح أغراضه ومعانيه بغض النظر عن القدر الذي بينه من التفسير في حياته الشريفة، على أن أكثر ما ورد عن الرسول العظيم ـ صلى الله عليه ـ من التفسير هو فيما يخص الآيات المتعلقة ببيان الأحكام من عبادات ومعاملات وغيرها من الآيات الأخرى التي لا سبيل إلى معرفتها إلاّ عن طريق الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله.
ثانيا: مرحلة الصحابة: الذين عاينوا نزول القرآن وعلموا فيما نزل وعملوا به ونقلوا بأمانة تامة ذلك إلى التابعين ورافق ذلك اجتهادات بعضهم، وما أخذوه من أهل الكتاب فيما جاء عندهم كأسماء أهل الكهف وحوت يونس وعصى موسى وغيرها فيما عرفت بعد بالإسرائيليات، ونشأت منهم مدارس في التفسير في مكة والمدينة والشام والعراق فنجد أن مصادر الصحابة تعدّدت فطبيعة الحياة المتطورة وكثرة الفتوحات ودخول كثير من الاعاجم في الإسلام وظهور اللحن في اللغة العربية كل ذلك وغيره جعلهم يتجهون إضافة إلى ما سمعوه من النبي الكريم وعاينوا نزوله وما سمعوه من اليهود والنصارى إلى الاستنباط والاجتهاد ومن هنا برزت مصطلحات “كمصطلح قول الصحابي ” و” الموقوف على الصحابي” وظهرت إلى جانب ذلك الروايات التي تحذّرُ من تفسير القرآن بالرأي. ومن أدوات الاجتهاد عند الصحابة ” معرفة أوضاع اللغة وأسرارها، ومعرفة أحوال العرب، ومعرفة أحوال اليهود والنصارى في جزيرة العرب وقت نزول القرآن، وقوّة الفهم وسعة الإدراك. “(الذهبي. 2000م. ج1ص45) ومن المسائل التي اتخذت مساحات واسعة في كتب الدراسات القرآنية القديمة منها والمعاصرة هوما نقل عن اليهود والنصارى فانقسمت الدراسات إلى تخليص التفاسير من كل الإسرائيليات باعتبارها شاغلة للقارئ عن معاني القرآن العالية وأهدافه السامية بينما اتجهت دراسات إلى الترشيد والتحقيق فيما نقل، وقد أفردت الدراسات صفحات مطولة عمّن اُشْتُهر من الصحابة بالتفسير سواء المقل منهم والمكثر كعبدالله بن عباس ثم عبدالله بن مسعود، ثم علي بن أبي طالب، ثم أبيّ بن كعب، وفي كتب الحديث هناك أبواب سميت بالتفسير جاء أكثرها عن الصحابة رواية واتخذ تفسير الصحابة مكانة وقيمة في كتب الحديث والدراسات القرآنية حيث اعتبر قول الصحابي الذي شاهد وعاين نزول الوحي مرفوعا إلى النبي وبعضهم قيده بأسباب النزول وما لا مجال للرأي فيه. ومن مميزات التفسير في هذه المرحلة أن التفسير لم يشمل القرآن كله بل كان يتزايد كلما بعد الناس عن عصر النبوة، وقلة الاختلاف في فهم معاني القرآن واكتفائهم في أغلب الأحيان بالمعنى الإجمالي وبتوضيح المعنى اللغوي بألفاظ مختصرة، وندرة الاستنباطات العلمية الفقهية وعدم الانتصار للمذاهب حيث نشأت المذاهب بعد عصر الصحابة وأنّه لم يدوّن تفسيرا في هذا العصر، وأن التفسير اتخذ شكل الحديث رواية.
ثالثا: مرحلة التابعين: وذكرت الدراسات أنّ هذه المرحلة تشهد تنوّعا واختلافا واتساعا ففي هذا العصر عصر التابعين شهد تحوّلا سياسيا واجتماعيا ودينيا حيث تلقى التابعون عن الصحابة وتبيّن الدراسات احوال التابعين ممّن أدرك كثيرا من الصحابة وكان معمّرا وممّن له اجتهاد واهتمام في التفسير فكان من مصادرهم في هذه المرحلة ما نقلوه عن الصحابة عن رسول الله ، وما نقلوه عن الصحابة أنفسهم، وما جاء عن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وما أنعم الله عليهم من فهم وذوق وعلم بالعربية فهم أقرب إلى عصر النبوة ومع اتّساع مساحة الرقعة الإسلامية وكثرة الفتوحات وانتشار الصحابة في أصقاع الدنيا ينشرون دين الله جلس إليهم التابعون مستمعين وتحولوا بعد ذلك فيما عرف بمدارس علمية أساتذتها الصحابة وتلاميذها التابعون يقول ابن تيمية: ” وأما التفسير فأعلم الناس به أهل مكة، لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم من أصحاب ابن عباس، كطاووس، وأبى الشعثاء، وسعيد بن جبير، وأمثالهم. وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود، ومن ذلك منا تميزوا به عن غيرهم، وعلماء أهل المدينة في التفسير، مثل زيد بن أسلم، الذي اخذ عنه مالك التفسير، وأخذ عنه أيضا ابنه عبد الرحمن، وعبد الله بن وهب”(ابن تيمية. 1792م. ص61) ثم توالت الدراسات وأسهبت في التعريف بكل مدرسة من هذه المدارس والتعريف برجالاتها إلى عصرنا الحاضر حيث صدرت دراسات بعنوان تفسير التابعين وتفسير أتباع التابعين حيث شملت دراسة حياتهم ومناهجهم ورواياتهم ومكانة تفسيرهم وقيمته، وبذلك استطاعت الدراسات رسم منحى زمني واقعي وفق قواعد الرواية والدراية والضبط والنقل للتفسير بالمأثور يستطيع الباحث أن يرصد حركة تطوره.
المطلب الثاني: حد التفسير بالمأثور:
ما اختلفت الدراسات القرآنية اختلافها في الوصول إلى حدّ جامع مانع في تعريف التفسير بالمأثور فأكثر الدراسات تناولت هذه المصطلح كمُسلّمٍ به من المسلّمات فوضعته في ثنايا دراستها دون أيّ مناقشة لهذا المصطلح سوى دراسات قليلة بدأت بالخروج على هذه المسلّمات مبيّنة أن هذا المصطلح قابل للنقاش وليس على إطلاقه، فأغلب الدراسات عرفت التفسير بالمأثور بأنه ” ما جاء في القرآن أو السّنّة أو كلام الصحابة بيانا لمراد الله من كتابه “(الزرقاني. 1995م. ج2ص12) أو” ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، وما نقل عن رسول الله وما نقل عن الصحابة رضوان الله عليهم، وما نقل عن التابعين من كل ما هو بيان وتوضيح المراد الله تعالى من نصوص كتابه الكريم. وإنما أدرجنا في التفسير المأثور ما روى عن التابعين وإن كان فيه خلاف هل هو من قبيل المأثور أو من قبيل الرأي لأننا وجدنا كتب التفسير المأثور، كتفسير ابن جرير وغيره، لم تقتصر على ذكر ما روى عن النبي وما روى عن أصحابه، بل ضمت إلى ذلك ما نقل عن التابعين في التفسير”(الذهبي. 2000م. ج1ص112) ، وأغلب الدراسات أخذت بهذين التعريفين حتى ظهرت دراسات تناولت هذين التعريفين بشيء من التحليل والنقاش والتفكير معتمدة على محدّدات كعدم معرفة العصور الأولى وما بعدها لهذا المصطلح وعدم اتفاقهم على ماهية هذا التفسير بين موسّع لدائرته ومضيّق، وجعلهم هذا التفسير مقابلا للتفسير بالرأي مع العلم ما روي من اجتهادات الصحابة والتابعين كثيرٌ ممّا يعطي صورة علمية واقعية لمكانة الصحابة وقيمة اجتهاداتهم وممّا وصلت إليه هذه الدراسات ما يطمئن إليه القلب ويركن إليه العقل، فيما عرف بالتعريف البديل حيث تم إخراج تفسير القرآن بالقرآن من هذا المصطلح وإخراج قول التابعي الذي يرويه من فهمه وأبقوا على ما فسره الرسول ونقله الصحابي وما اجتهد الصحابي بتفسيره ” أمّا التفسير المنقول، فيشمل ما يلي: ما صح عن سيدنا رسول الله، وهذا لا معدل عنه، وهو قليل نسبيا. وما كان ناتجا عن اختلاف القراءات القرآنية الصحيحة، وأؤكد هذه القضية هنا؛ لأن بعض الكاتبين لم يفرق بين القراءة الصحيحة وغيرها. وما كان تفسيرا لغويا للفظ، وذلك أن يحتمل اللفظ معنيين أو أكثر، وهو المشترك سواء كان من الأضداد أم لم يكن، “(عباس. 2016م. ج1ص188)
المبحث الثالث: المطلب الأول: أهمية التفسير بالمأثور وقيمته:
تبرز أهمية التفسير من خلال كونه من أجلّ العلوم الشرعية الثلاث وهي علوم القرآن، وعلوم الحديث، وعلوم الفقه والأحكام ومن موضوعه وغرضه وشدّة الحاجة إليه ” أما من جهة الموضوع: فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة، ومعدن كل فضيلة، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، لا يُخلقُ على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. وأما من جهة الغرض فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى، والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى. وأما من جهة شدة الحاجة: فلأن كلّ كمالٍ دينيٍّ أو دنيويٍّ عاجلي أو أجلي، مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى”(السيوطي. 2008م. ص 762) وتبرز أهمية التفسير بالمأثور بأنه ممتدّ على مساحة زمنية بدأت من نزول القرآن الكريم إلى أن التحق الرسول بالرفيق الأعلى إلى جوار ربه في قسمه الأول وهو قسم كبير ثمّ في حياة الصحابة ثمّ التابعين ومن هذا المنطلق تناولت الدراسات أهمية التفسير بالمأثور كونه عن رسول الله وقول الصحابة والتابعين. وفرّقت الدراسات بين ما فسرّه النبي وبين ما فسرّته السنّة وأنّ ما فسرّه النبي بشكل صريح قليل وأن ما فسرته السنّة كثيرٌ و” للناظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة، أمهاتها أربعة: الأول: النقل عن النبي ؛ وهذا هو الطراز المعلم؛ لكن يجب الحذر من الضعيف منه والموضوع، فإنه كثير، ولهذا قال أحمد: ثلاثُ كتبٍ لا أصل لها: المغازي والملاحم والتفسير وقال المحققون من أصحابه: مراده أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاح متصلة، وإلا فقد صح من ذلك كثير: كتفسير العلم بالشرك في آية الأنعام، والحساب اليسير بالعرض، والقوة بالرمي في قوله: (وَاعِدُوا لَهُم ما استطعتُم من قوّة) (الأنفال: 60) قلت: الذي صح من ذلك قليل جدا، بل أصل المرفوع منه في غاية القلة..) (السيوطي. 2008م. ص768/ الزركشي. 2006م. ج2ص156) وأمّا ما فسرته السنة أو البيان بمطلق السنة النبوية التي لم ترد في سياق التفسير فهو كثير جدّا فالسنة كلها شارحة للقرآن ومبيّنة له وعلى هذا اتفقت الدراسات على أنّ النبي كان مبيّنا للقرآن بقوله وعمله وإقراره” فكان يبين بقوله عليه الصلاة والسلام؛ كما قال في حديث الطلاق: فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء، وقال لعائشة – حين سألته عن قول الله تعالى يحاسب حساباً يسيراً) [الانشقاق. 8]: إنما ذلك العرض وقال لمن سأله عن قوله آية المنافق ثلاث إنما عنيت بذلك كذا وكذا وهو لا يحصى كثرة. وكان أيضاً يبين بفعله (ألا أخبرته أني أفعل ذلك). قال الله تعالى: زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين (حرج) [الأحزاب: 37] الآية! وبين لهم كيفية الصلاة والحج بفعله، وقال عند ذلك: صلوا كما رأيتموني أصلي، وخذوا عني مناسككم إلى غير ذلك. وكان إقراره بياناً أيضاً، إذا علم بالفعل ولم ينكره، مع القدرة على إنكاره لو كان باطلاً أو حراماً، حسبما قرره الأصوليون في مسألة مُجَزِّز المُدْلجي وغيره وهذا كله مبين في الأصول”(الشاطبي. 2004م. ج3ص 229-230) كما سعت الدراسات إلى إظهار أهمية التفسير من خلال المقارنة بين تلك العصور السالفة وكيف كان الفهم والتفسير والتبيين للقرآن والعمل بما جاء به سببا للتقدم والتطور والامتداد والتوسع مع السلطة والوجاهة وبين ما عليها العصور الحالية من تأخر وتخلف مع الانحسار والانقباض والضعف وذهاب الهيبة ” ألا إن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صَلُحَ به أولها، وهو أن يعودوا إلى كتاب الله يستلهمونه الرشد، ويستمنحونه الهدى، ويحكمونه في نفوسهم وفي كل ما يتصل بهم كما كان آباؤنا الأولون يتلونه حق تلاوته بتدبر وتفكر في مجالسهم ومساجدهم وأنديتهم وبيوتهم، وفي صلواتهم المفروضة والنافلة، وفي تهجدهم بالليل والناس نيام، حتى ظهرت آثاره الباهرة عاجلة فيهم. فرفع نفوسهم وانتشلها من حضيض الوثنية، وأعلى هممهم وهذب أخلاقهم، وأرشدهم إلى الانتفاع بقوى الكون ومنافعه. وكان من وراء ذلك أن مهروا في العلوم والفنون والصناعات كما مهروا في الأخلاق والآداب والإصلاح والإرشاد، ووصلوا إلى غاية بزوا فيها كل أمم الدنيا. حتى قال بعض فلاسفة الغرب في كتابه (تطور الأمم) ما نصه: «إن ملكة الفنون لا تستحكم في أمة من الأمم إلا في ثلاثة أجيال جيل التقليد، وجيل الخضرمة، وجيل الاستقلال. وشذّ العرب وحدهم فاستحكمت فيهم ملكة الفنون في جيل واحد”(الزرقاني. 1995م. ج2 ص10) وكما أن الدراسات رصدت ضوابط وقواعد التفسير بالمأثور وخلصت إلى أنّ الخروج عن هذه القواعد والضوابط يؤدي إلى التفسير بالرأي المذموم ” ولهذا نجد المعتزلة والمرجئة والرافضة وغيرهم من أهل البدع يفسرون القرآن برأيهم، ومعقولهم، وما تأولوه من اللغة؛ ولهذا تجدهم لا يعتمدون على أحاديث النبي – -، والصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، فلا يعتمدون لا على السنة، ولا على إجماع السلف وآثارهم، وإنما يعتمدون على العقل واللغة. ونجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثورة، والحديث وآثار السلف، وإنما يعتمدون على كتب الأدب، وكتب الكلام التي وضعها رؤوسهم. وهذه طريقة الملاحدة أيضا، إنما يأخذون ما في كتب الفلسفة وكتب الأدب واللغة، وأمّا كتب القرآن والحديث والآثار فلا يلتفتون إليها”(بازمول ص23-24.) وهكذا يتبين مسار الدراسات في إظهار أهمية وقيمة التفسير بالمأثور كونه الأساس والمصدر الاول للتفسير بالرأي وفق الضوابط والقواعد التي أجمع عليها العلماء في حقل التفسير، كما ذهبت دراسات تستطلع أسباب الاختلاف في التفسير بالمأثور وبينت ما هو اختلاف تنوّع واختلاف تضادّ وانه على قلته يقع في قسم اختلاف التنوّع “كوجود أكثر من قراءة، وأكثر من وجه للإعراب، واحتمال اللفظ أكثر من معنى كالاشتراك اللغوي “(الرومي. 2005م. ص. 168).
المطلب الثاني: مصادر التفسير بالمأثور:
بالرغم من اختلاف الدراسات القرآنية، وتنوعها إلّا أنها أدرجت تفسير القرآن بالقرآن كمصدر من مصادر التفسير بالمأثور، وكأحسن طريقة للتفسير وقد بيّنت هذه المقالة أن ما عليه العمل والاعتماد أنّ هذا النوع من التفسير ليس من مصادر التفسير بالمأثور، وإنّما أردوا بذلك شرح الموجز بالمطنب، وتفسير المجمل بالمبيّن، وحمل العام على الخاص، وحمل المطلق على المقيّد، والجمع بين ما يوهم ظاهره الاختلاف، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وقد بيّنت الدراسات أن هذا الأمر لا يتأتّى لأيّ إنسان” وليس هذا عملا آليا لا يقوم على شيء من النظر، وإنما هو عمل يقوم على كثير من التدبير والتعقل، إذ ليس حمل المجمل على المبين، أو المطلق على المقيد أو العام على الخاص، أو إحدى القراءتين على الأخرى بالأمر الهيّن الذي يدخل تحت مقدور كلّ إنسان، وإنما هو أمر يعرفه أهل العلم والنظر”(الذهبي. 2000م. ج1ص33)، وتفسير الرسول كمصدر ثانٍ، وفي هذا المصدر تتفق الدراسات أنّ ما فسره الرسول بشكل مباشر وصريح قليلٌ وذلك لأنّه نزل بلغتهم وعاينوه وعملوا به وهم أهله وخاصته والمتحدى ببلاغتهم وفصاحتهم وما غمض عليهم سألوا النبي عنه ومن هذا المنطلق اتخذت بعض الدراسات مطاعن كعدم أهلية الصحابة وتفاوتهم المعرفي بينما اتخذت دراسات أخرى طرقا شتّى للرد على هذه المطاعن والشبهات يُنْظرُ في(عبّاس2016م. ج1ص189) ، والسنة النبوية شارحة ومبيّنة كمصدر ثالثٍ ويظهرون قيمتها من خلال أنها حجّة توجب على الناس العمل بمقتضاها وأنّ حجّيّتها ” من خلال القرآن الكريم، ومن السنة نفسها، ومن الإجماع”(النّجّار. 1998م. ص85) وقد بيّن الله تعالى دور ووظيفة الرسول ﴿بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ یَتَفَكَّرُونَ﴾ ]النحل 44[، وقوله تعالى: ﴿وَمَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا لِتُبَیِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِی ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ وَهُدࣰى وَرَحۡمَة لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ﴾ ]النحل 64[، ومن هذا المنطلق أكّدت الدراسات على عدم فصل السنة عن القرآن “وأنها علاقة المُبَيِّن بالمُبَيَّن، وأنه لا مجال على الإطلاق لفصلها عنه، ويستحيل أن يسير الإنسان على هدى لو اقتصر على القرآن دون السنة، التي تبينه وتوضحه. ولهذا وجدنا في كتب السنة مكانا خاصا للتفسير بالمأثور عن رسول الله ” (النّجّار. 1998م. ص95) وقول الصحابي حيث اعتبر بحكم المرفوع، وقيده بعضهم بأسباب النزول، وقول التابعيّ، وأسهبت الدراسات بإظهار أهمية كلّ مصدر من هذه المصادر. ولكلّ من قول الصحابي والتابعي تفريعات رصدتها الدراسات القرآنية فما ذكره موقوفا عليه اعتبر بحكم المرفوع إلى النبي كونه عاين نزول القرآن وعلم أسباب نزوله وعمل به فقوله لا يخرج عن فهم النبي وأصحابه ومن هذا المنطلق ذكرت الدراسات أهمية قول الصحابة ومكانتهم “ذكر الشافعي رضى الله عنه في كتاب الرسالة القديمة بعد ذكر الصحابة رضى الله عنهم والثناء عليهم بما هم أهله، فقال: وهم فوقنا في كلِّ عِلْمٍ، واجْتهادٍ ووَرَعٍ، وعقْلٍ، وأمر اُسْتُدْرِك به علمٌ واستنبِطَ بِه، وآراؤهم لنا أحمد، وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا، والله أعلم، ومن أدركنا ممن أرضى، أو حكى لنا عنه ببلدنا، صاروا فيها لم يعلموا لرسول الله ﷺ فيه سنة إلى قولهم أن اجتمعوا، وقول بعضهم إن تفرقوا، فهكذا نقول إذا اجتمعوا أخذنا باجتماعهم، وإن قال واحدهم، ولم يخالفه غيره، أخذنا بقوله، فإن اختلفوا أخذنا بقول بعضهم، ولم نخرج من أقاويلهم”(البيهقي. 1017م. ص 110) ومن الدراسات الحديثة التي رصدت أقوال التابعين فضلا عمن سبقها من الأقدمين دراسة للدكتور محمد عبد الله بن علي الخضيري بعنوان “تفسير التابعين” في مجلدين وغيرها كثير حتى امتدّ الامر إلى دراسة حديثة للدكتور خالد بن يوسف بن عمر الواصل بعنوان “تفسير أتباع التابعين أعلامه ومعالمه” وتجتهد هذه الدراسات ومن سار على منوالها في إظهار ما نقله التابعون عن الصحابة ويميزون بين اجتهاد التابعي وبين ما نقله رواية عن الصحابة عن رسول الله.
المطلب الثالث: أهم التفاسير بالمأثور:
بعض الدراسات عند ذكر التفاسير بالمأثور اكتفت بذكر عدد قليل كمثال على ما يذهبون إليه وبعضها الآخر فصّلت الموضوع تفصيلا وفق قواعد العلم والمعرفة كذكر أنواع التفسير بالمأثور وميّزت بين ما هو مأثور مجرّد ومأثور غير مجرّد وجمعت هذه المقالة بين ما تفرّق وتنوّع واختلف في تصنيفه وذكرت أهم التعليقات على هذه التصانيف وكانت أوفى هذه الدراسات بين الكتب التي درست الاتّجاهات التفسيرية وبين الكتب التي درست مناهج المفسرين وبين الكتب التي خصت التفسير بالمأثور دراسة الأستاذ الدكتور إبراهيم بن صالح بن عبدالله الحميضي وكل الدراسات التي تناولت هذا الموضوع درست حياة أصحاب هذه التفاسير وذكر مشايخهم ومناهجهم وطريقة تفسيرهم وسيرة حياتهم وانجازاتهم وتلاميذهم وما هو مطبوع منها وما هو مفقود.
المؤلفات في التفسير بالمأثور كثيرة، وهي نوعان:
النوع الأول: مأثور مجرد، أي ليس فيها غير الأحاديث والآثار عن السلف وعامتها للمتقدمين، قبل ابن جرير الطبري، ومنها ما يلي:
تفسير سفيان بن عيينة [ت: 198 هـ]، وهو مفقود.
تفسير عبد الرزاق الصَّنْعَانِي [ت: 211هـ]، وهو مطبوع.
تفسير ابن المنذر [ت: 318هـ]، وقد طبعت قطعة منه، وباقيه مفقود.
تفسير آدم بن أبي إياس [ت: 220 هـ]، وهو مفقود.
تفسير عبد بن حميد [ت: 249هـ]، وهو مفقود.
تفسير القرآن العظيم، لابن أبي حاتم الرازي [ت: 327هـ]، وقد طبع الموجود منه وباقيه مفقود
تفسیر ابن مردويه [ت: 410هـ]، وهو مفقود.
الدر المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين السيوطي [ت: 911هـ]، وهو مطبوع، وقد حوى جملة كبيرة من الآثار الموجودة في التفاسير المتقدمة لكنه يذكر الآثار بدون إسناد. ” والسيوطي لمّا سمى كتابه بالدر المنثور في التفسير بالمأثور، أراد بالمأثور الأثر والخبر بمصطلح علماء الحديث، ولكلّ أهل فنّ اصطلاحهم الخاص بهم وها هو قد صرح بهذا، حيث قال في مقدمة “الدر المنثور”: ” وبعد: فلما ألفت كتاب “ترجمان القرآن”، وهو التفسير المسند عن رسول الله – ، وأصحابه – – أجمعين، وتم بحمد الله تعالى في مجلدات، وكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات، رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله، ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله، فلخصت منه هذا المختصر، مقتصرا فيه على متن الأثر، مصدرًا بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر، وسميته بـ “الدر المنشور في التفسير بالمأثور، والله أسأل أن يضاعف المؤلفة الأجور، ويعصمه من الخطأ والخطل والزور، بمنه وكرمه، إنه هو البر الغفور ” وهذا الكلام ينبئ أنه لا يريد إلا المعنى الخاص بعلم الحديث من كلمة الأثر أمّا علماء التفسير وعلوم القرآن، فإن للتفسير بالمأثور عندهم معنى خاص وهو التفسير المنقول، بمعنى التفسير الذي لا يدخله رأي، وليس للمفسر فيه إلا النقل، فلا يدخل فيه برأيه، وهو بهذه الخصوصية يقابل التفسير بالرأي”. (بازمول 2013م. ص46-47).
النوع الثاني: مأثور غير مجرد، والمقصود بها التفاسير التي اعتنت بذكر مرويات السلف في التفسير، لكن لم تقتصر عليها، بل ذكرت فيها القراءات وأقوال أهل اللغة، وبعض الأحكام الفقهية، وغيرها، وتكلمت على بعض الآثار ورجحت بين الأقوال، على تفاوت منها في ذلك، وأكثر كتب التفسير ولاسيما المطولة اشتملت على المأثور، ولكن هذه الكتب أكثرت منها، واعتنت بها، واستندت إليها أكثر من غيرها، ومن الكتب المطبوعة في هذا النوع ما يلي:
تفسير يحيى بن سلام البصري ثم الأفريقي [ت: 200هـ]، وقد طبع جزء منه، والموجود منه قرابة الثلثين.
تفسير الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري [ت: 310 هــ]، (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)
“قال ابن حجر العسقلاني عن هذا التفسير، وتفسير ابن المنذر، وتفسير عبد ابن حميد، وتفسير ابن أبي حاتم الرازي: فهذه التفاسير الأربعة قلّ أن يَشُدَّ عنها شيء من التفسير المرفوع، والموقوف على الصحابة، والمقطوع عن التابعين”(العسقلاني 2002م. ص 57)
تفسير أبي إسحاق الثعلبي [ت: 427هـ] (الكشف والبيان)
تفسير أبي الحسن الماوردي [ت: 450 هـ]، (النكت والعيون)
تفسير البغوي [ت: 510هـ]، (معالم التنزيل)
تفسير ابن الجوزي [ت: 597هـ]، (زاد المسير في علم التفسير)
تفسير الحافظ ابن كثير [ت: 774هـ]، (تفسير القرآن العظيم).
اضواء البيان في ايضاح القرآن بالقرآن لمحمد أمين الشنقيطي المتوفي سنة 1393هـ.
الخاتمة
-
-
-
- إنّ التفسير بالمأثور وفق التعريف الجديد أو التعريف البديل لما سبقه من تعريفات والتي ينبغي أن تكون عليه الدراسات الحديثة في تصنيفاتها هو ما روي عن رسول الله نقلا أمينا فهذا يُطْمئنُّ إليه ولا مندوحة عنه بل هو الأساس المتين والركن القويم، وما كان ناتجا عن اختلافات القراءات الصحيحة وما كان يدخل تحت المشترك اللغوي.
- أدخلت بعض الدراسات في معرض تعريفها للتفسير بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن وذهبت دراسات أخرى إلى أنه ليس من المأثور بشيء إنما هو كتخصيص العموم وتقييد المطلق وبيان المجمل وتأويل الظاهر ودلالة الاقتضاء وفحوى الخطاب ولحن الخطاب، ومفهوم المخالفة. ووضعت شروطا وضوابطا لتفسير القرآن بالقرآن حتى لا ينقلب إلى ضرب القرآن بالقرآن.
- شطط بعض الدراسات وإغراقها في إسقاط مبادئ فلسفية على مصطلح التفسير بالمأثور وذكر مرادفات المصطلح كمصطلح التفسير النقلي والتفسير الروائي والتفسير الأثري وما يقابله التفسير بالرأي وذكر مرادفاته كالتفسير العقلي والتفسير الشخصي ثم تذهب هذه الدراسات لتحليل هذه المصطلحات ومن نتائجها ان التفسير بالمأثور لا دخل للمفسر فيه ولا وجود لشخصيته ويعتبرون هذا كمأخذ سلبيّ بينا هو حقيقة أمر إيجابيّ إذا كان وفق قواعد الرواية وقواعد الجرح والتعديل.
- وهناك دراسات شكلت اتجاها ألغت التفسير بالمأثور بدعوى ما دخله من الإسرائيليات والخرافات وما ليس من التفسير واعتبروا ذلك ممن يصرف القارئ عن مقاصد القرآن وهدايته ودعوته كتفسير المنار وتفاسير المدرسة العقلية الحديثة.
- والدعوة إلى ترك التفسير بالمأثور، وابتداع تفسير جديد مناسب لطبيعة الوقت المعاصر، من منطلق أنّ النص القرآني كأيِّ نصٍّ مفتوح، هي دعوى باطلة، ووسيلة ماكرة لتحريف معاني القرآن الكريم، وصرف الناس عن تحكيمه والعمل به.
- إنّ التمسّك بالتفسير بالمأثور لا يعتبر مانعاً أو حجر عثرة أمام المفسرين بل هو أساسٌ متينٌ لا غنى عنه لكل من أراد التفسير وتسلّح بالشروط التي استخلصتها الدراسات وباتت قاعدة أساسية “فاستمداد علم التفسير للمفسر العربي والمولد، من المجموع الملتثم من علم العربية وعلم الآثار، ومن أخبار العرب وأصول الفقه. قيل وعلم الكلام والقراءات”. (ابن عاشور، 1964م، ج1ص18)
- إنّ حركة التفسير لم تتوقف ولن تتوقف وهذا من إعجاز هذا القرآن الذي يصلح لكل مكان وزمان، وما زالت تلك الحركة الأصيلة المتمسكة بالأصل المرتبطة بالعصر تستمدّ قواها من المأثور الصحيح المنقول إلينا بأمانة، ومن مستجدات الحياة بكلّ ألوانها، ومن معين العربية المتجدّد بما لا يخالف أصلا ولا يناقض عقلا.
-
-
المصادر والمراجع:
ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم. (661 هــ. 728م). الطبعة الثانية. 1392 هـ. 1972م مقدمة في أصول التفسير. تحقيق الدكتور عدنان زرزور.
ابن عاشور، محمد الطاهر بن عاشور (ت 1973م). سنة الطبع 1984م. تفسير التحرير والتنوير. الدار التونسية للنشر.
ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت395هـــ). 1979م. معجم مقاييس اللغة. تحقيق عبد السلام محمد هارون. الطبعة الأولى. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت. لبنان.
ابن منظور، جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي بن أحمد بن أبي القاسم بن حبقة بن منظور. تحقيق عبد السلام هارون. معجم لسان العرب. طبع بإذن خاص من رئيس المجمع العلمي العربي الإسلامي. محمد الداية. 1933 هـ. 1979 م مطبعة دار المعارف. القاهرة.
الأزهري، أبو منصور محمد ابن أحمد الازهري (282هــ – 370هــ). 2004م. تهذيب اللغة. دار الكتب العلمية. بيروت. لبنان.
الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت 502هــ). سنة النشر 2009م. تحقيق محمد سيد كيلاني. المفردات في غريب القرآن. دار المعرفة. بيروت لبنان.
بازمول، محمد بن عمر بن سالم بازمول. سنة الطبع 2013م. التفسير بالمأثور مفهومه وأنواعه وقواعده. الناشر: دار الاستقامة للنشر والتوزيع. القاهرة. مصر.
البيهقي، الحافظ أبو بكر البيهقي (ت458هـــ). الطبعة الأولى (1437ه – 2017م).. المدخل إلى السنن الكبرى. دراسة وتحقيق الدكتور. محمد ضياء الرحمن الاعظمي. دار اليسر للنشر والتوزيع. القاهرة. جمهورية مصر العربية.
الحميضي، إبراهيم بن صالح عبد الله الحُميْضي. الطبعة الثانية 1442 هــ. 2020 م. مناهج المفسرين. دار ابن الجوزي للطباعة والنشر. المملكة العربية السعودية. الرياض.
الخضيري،. الدكتور محمد بن عبد الله بن علي الخضيري. الطبعة. الأولى(1420ه-1999م) تفسير التابعين. دار الوطن للنشر. السعودية. الرياض.
خليفة، الدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة. دراسات في مناهج المفسرين.. نسخة إلكترونية.
الذهبي، الدكتور محمد حسين الذهبي (ت 1977م). سنة الطبع 2000م. التفسير والمفسرون. الناشر مكتبة وهبة. القاهرة
الرّومي، الدكتور فهد بن عبد الرحمن بن سلمان الرومي. الطبعة الرابعة عشرة. (1426هــ-2005 م) دراسات في علوم القرآن الكريم. مطبعة الملك فهد الوطنية للنشر.
الزّرقاني، الشيخ محمد عبد العظيم الزّرقاني. الطبعة الأولى (1415هــ- 1995م). مناهل العرفان في علوم القرآن. حققه واعتنى به فواز أحمد زمرلي.
الزّركشي، الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزّرْكشي (745 هــ. 794 هــ). سنة الطبع 1427 هــ. 2006 م. البرهان في علوم القرآن. تحقيق أبي الفضل الدمياطي. دار الحديث. القاهرة.
السيوطي، الإمام جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ). الطبعة الأولى. 1425 هــ. 2008م. الإتقان في علوم القرآن. تحقيق العلامة الشيخ شعيب الأرنؤوط. اعتنى به وعلّق عليه مصطفى شيخ مصطفى. مؤسسة الرسالة ناشرون. بيروت لبنان.
الشاطبي، أبو إسحاق الشاطبي إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي. (ت 790 هـ). سنة الطبع 1425هــ – 2004. الموافقات في الشريعة. إصدار وزارة الشُّؤن الإسلامية والدعوة والإرشاد. المملكة العربية السعودية. شرحه وخرج أحاديثه فضيلة الشيخ عبد الله دراز. وضع تراجمه الأستاذ محمد عبد الله دراز. خرج آياته وفهرس موضوعاته عبد السلام عبد الشافي محمد.
الطيار، الدكتور. مساعد بن سليمان بن ناصر الطّيّار. الطبعة الثانية (1427هــ). مفهوم التفسير والتّأويل والاستنباط والتّدبّر والمفسِّر. دار ابن الجوزي للطباعة والنشر. المملكة العربية السعودية. الرياض.
عبّاس، الأستاذ الدكتور: فضل حسن عباس (ت 1432ه). الطبعة الأولى 1437 هــ. 2016 م. التفسير والمفسرون أساسياته واتجاهاته ومناهجه في العصر الحديث. دار النفائس للنشر والتوزيع. عمّان الأردن.
العسقلاني، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (773هــــ- 852هــــ) تحقيق. أبو عبد الرحمن فواز أحمد زمرلي. الطبعة الأولى (1442ه-2002 م). العجاب في بيان الأسباب. دار ابن حزم للطباعة والنشر. لبنان. بيروت.
النّجّار. جمال مصطفى عبد الحميد عبد الوهاب النّجّار. الطبعة الأولى(1419هــ-1998م). التفسير بالمأثور. مطبعة الحسين الإسلامية. خلف جامع الأزهر.
الواصل، د. خالد بن يوسف بن عمر الواصل. تفسير أتباع التابعين. مجلة معهد الإمام الشاطبي للدراسات القرىنية. العدد الثالث عشر. 1443ه.