الوضع القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في القانون الدولي
د. إبراهيم ميلاد عبدالله هداج1
1 محاضر، دكتوراه قانون عام، كلية الشريعة والقانون، الجامعة الأسمرية الإسلامية، زليتن- ليبيا
بريد الكتروني: Ibrahimhaddaj82@gmail.com
HNSJ, 2024, 5(10); https://doi.org/10.53796/hnsj510/12
تاريخ النشر: 01/10/2024م تاريخ القبول: 15/09/2024م
طريقة التوثيق
المستخلص
اختلف الفقه الدولي في تحديد وصف موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، ومركزهم القانوني هل هم مرتزقة، مقاتلون أم مدنيين؟.
ورغم الصعوبة والاختلاف في تحديد المركز القانوني لموظفي هذه الشركات، إلا أنهم ملزمون بالتقيد بمجموعة من الضوابط والإجراءات التي تمنع مخالفة القانون والتملص من المسؤولية.
واعتمدت هذه الدراسة على المنهج القانوني والمنهج الوصفي التحليلي من خلال دراسة وتحليل مختلف النصوص القانونية للوقوف على الوضع القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية في القانون الدولي العام وفروعه ذات الصلة.
وتهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على الوضع القانوني لموظفي تلك الشركات في القوانين الدولية ذات الصلة، وتحديد المسؤولية عن تصرفاتهم المخالفة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي تستوجب مسؤولية الدولة المتعاقدة مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، عن الانتهاكات الجسيمة المرتكبة من هؤلاء الموظفين، لا سيما المسؤولية الجنائية لموظفي هذه الشركات عن الجرائم المرتكبة أثناء مشاركتهم في النزاع المسلح، على الرغم من الصعوبات التي تواجه ملاحقة هؤلاء الموظفين جنائيا أمام المحاكم الوطنية، إلا أنه يمكن ملاحقتهم ومحاكمتهم أمام المحاكم الجنائية الدولية.
الكلمات المفتاحية: موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، المرتزقة، المقاتلين، المدنيين.
The legal status of employees of private security and military companies in public international law
Dr. Ibrahim Milad Abdullah Haddaj1
1 Lecturer, PhD in Public Law, Faculty of Sharia and Law, Al- Asmariya Islamic University, Zliten – Libya
Email: Ibrahimhaddaj82@gmail.com
HNSJ, 2024, 5(10); https://doi.org/10.53796/hnsj510/12
Published at 01/10/2024 Accepted at 20/09/2024
Abstract
International jurisprudence has differed in determining the description of employees of private military and security companies, and their legal status. Are they mercenaries, fighters or civilians?.
Despite the difficulty and differences in determining the legal status of employees of these companies, they are obligated to adhere to a set of controls and procedures that prevent violating the law and evading responsibility.
This study relied on the legal approach and the descriptive analytical approach by studying and analyzing various legal texts to determine the legal status of employees of military and security companies in public international law and its relevant branches.
This study aims to shed light on the legal status of employees of these companies in relevant international laws, and determine responsibility for their actions in violation of international humanitarian law and international human rights law, which requires the responsibility of the state contracting with private military and security companies, for serious violations committed by these employees, In particular, the criminal liability of employees of these companies for crimes committed during their participation in the armed conflict, Despite the difficulties faced in prosecuting these employees criminally before national courts, However, they can be prosecuted and tried before international criminal courts.
Key Words: Private military and security company employees, mercenaries, combatants, civilians.
المقدمة
لقد انتشرت الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بعد لجوء العديد من الدول إلى صناعة الأمن، والتفويض الخارجي لأداء المهام العسكرية والأمنية، حيث أصبحت جزء لا يتجزأ من الحروب الحديثة، وأحد أهم الفاعلين في العلاقات الدولية والمؤثرين على مسارها، والتي كانت حكرا على الدولة، وأخطرها التعاقد معها للمشاركة المباشرة في العمليات العسكرية في مناطق النزاع المسلح كبديل أو شريك للقوات العسكرية.
وتعرف الشركات العسكرية والأمنية الخاصة كما جاء في “وثيقة مونترو” بشأن الالتزامات القانونية الدولية والممارسات السلمية للدول ذات الصلة بعمليات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أثناء النزاع المسلح لعام 2008 وذلك في مادتها (9/أ) على أنها: “كيانات تجارية خاصة تقدم خدمات عسكرية وأمنية بصرف النظر عن الطريقة التي تصف بها نفسها، وتشمل الخدمات العسكرية والأمنية بوجه خاص توفير الحراسة والحماية المسلحتين للأشخاص والممتلكات مثل القوافل والمباني والأماكن الأخرى، وصيانة نظم الأسلحة وتشغيلها، واحتجاز السجناء، وتقديم المشورة أو التدريب للقوات المحلية ولموظفي الأمن”.
كما استعانت منظمة الأمم المتحدة بتلك الشركات خاصة في مناطق النزاعات المسلحة، أو إثناء عمليات السلام للقيام بأدوار تدخل ضمن مهام قوات حفظ السلام، منها تدريب الجيش والشرطة وتقديم الاستشارات فضلا عن جمع المعلومات الاستراتيجية، ويرجع السبب في لجوء الأمم المتحدة إلى تلك الشركات إلى عدم كفاية التنسيق والتدريب والمعدات لقوات حفظ السلام التابعة لها.
ويرجح فكرة استعانة الدول بالشركات العسكرية والأمنية الخاصة إلى ضعف دور الأمم المتحدة خلال الحرب الباردة وإحجامها عن التدخل في المناطق الساخنة بسبب تضارب مصالح قطبي الحرب، وكذلك إلى تهرب الدولة من مسؤولياتها الدولية والتخفي عن الجرائم التي ترتكبها من جهة، وتقلل من الخسائر المادية والبشرية بين صفوف القوات العسكرية للدولة المشاركة في النزاع من جهة أخرى، كما تستعين بها أطراف النزاع المسلح للقيام بمهام عدة منها تأمين إمداد القوات المحاربة بالمؤن والسلاح وحماية الأماكن العسكرية وذلك مقابل مالي.
وقد يكون من الصعب التمييز بين هذين النوعين من الشركات العسكرية والأمنية، على الرغم من أن الشركات العسكرية الخاصة ترتبط في الغالب بأنشطة مصممة لتكون عسكرية قتالية وميدانية، في حين أن الشركات الأمنية الخاصة تهتم بشكل أساسي بحماية الأفراد والممتلكات، وبالتالي يكون نشاطها دفاعيا ووقائيا في الأساس، وقد يوجد من الشركات الأمنية الخاصة من يوفر الخدمتين معاً، وهو ما يخلط الغموض والخلط بين المفهومين، ذلك أن بعض من الشركات العسكرية الخاصة تقدم خدمات أمنية، وبعض الشركات الأمنية الخاصة تقدم خدمات عسكرية.
أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة هي كيانات من غير الدول ذات طبيعة قانونية غير واضحة يصعب تحديد معالمها القانونية، وكذلك استخدامها المتنامي من قبل الدول والمنظمات الدولية وغير الدولية وما تثيره من تداعيات على الأمن والسلم وتطبيق القانون الدول الإنساني، كما توصف بأنها كيانات جديدة تتمثل في شركات تجارية تسعى لتحقيق الربح بالأساس، وصناعة الأمن، وهي شركات تصنع البيئة التي تريد فيها تقديم خدماتها العسكرية والأمنية لطالبيها من الدول والمنظمات الدولية.
لذلك فإن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة هي أشخاص معنوية، وبالتالي تتكون من مجموعة أفراد طبيعيين يشكلون في مجموعهم هذا الكيان القانوني، وهؤلاء الأفراد الطبيعيون يطلق عليهم اسم “الموظفين”، وهم جميع الأشخاص الذين يعملون لحساب هذه الشركات، سواء كانوا عاملين بعقود قانونية دائمة أو مؤقتة، مستأجرين لأداء مهام محددة أو دائمين، وبغض النظر عن حملهم لجنسية الدولة التي يعملون فيها أو الدول التي يقدمون لها خدماتهم، بما في ذلك رؤساء هذه الشركات ومدراءها التنفيذيين والفرعيين.
وعرفت وثيقة مونترو سالفة الذكر موظفو شركة عسكرية وأمنية خاصة هم: “الأشخاص الذين تستخدمهم شركة عسكرية وأمنية خاصة عن طريق التعيين المباشر أو التعاقد معها، بمن فيهم موظفوها ومديروها”.
لمحة تاريخية :
تعود جذور نشأة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة إلى الفترة ما بعد استعمار دول أفريقيا، حيث ترك الاستعمار فيها مجموعات من العسكريين الغربيين المتقاعدين، ممن كانوا يقدمون خدماتهم العسكرية لبعض الرؤساء والحكومات التي وصلت للحكم بانقلابات عسكرية، وإن كان البعض تاريخ ظهورها الحقيقي بدأ بعد الثورة الفرنسية عام 1789، إذ كان من هذه الشركات تلك التي أسسها “جيم جونسون” من الفرقة البريطانية، حيث كانت تعمل على توفير الحماية وتدريب الحراسات الخاصة، وكان الطلب عليها من الشخصيات السياسية والتجارية، كما يرجع البعض هذه الشركات إلى عام 1946 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما أسست شركة DynCorp من المحاربين القدامى، وكانت توفر خبرات فنية في مجال صيانة الطائرات العسكرية، وظهرت شركة “ديفيد ستيرلينج” في عام 1967 التي قدمت تدريبات عسكرية لأفراد قوات دول أجنبية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا، مما أدى التنافس بين هذه الشركات إلى ازدياد عددها وتطور مهامها، لتنتقل من الحماية الأمنية الخاصة إلى المشاركة في النزاعات والحروب، وبخاصة بعد نهاية الحرب الباردة عام 1991، وظهور ما عرف بخصخصة الحرب([1]).
ولعل أهم حوافز نشوء هذه الشركات يعود إلى عدة عوامل رئيسية يمكن بلورتها في الآتي:
1-خفض أعداد الجيوش النظامية في الدول بعد الحرب العالمية الباردة،؛ سعيا لتقليص إنفاقها على الأمن والإنفاق العسكري، وقد ترتب عليه بقاء العديد من الجنود المحترفين بدون عمل، فسعت الشركات العسكرية والأمنية الخاصة إلى تنظيمهم في هياكلها([2]).
2-ضعف دور الأمم المتحدة وإحجامها عن التدخل في مناطق النزاع، بسبب تنافر مصالح قطبي الحرب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي سابقا، مما دفع إلى تشكيل الشركات الخاصة بوصفها ذراعا أمنيا([3]).
3-رغبة الدول في التخفي وراء هذه الشركات عند ارتكاب جرائم حرب، فقتلى الشركات الخاصة لا تعد ضمن قتلى الجنود النظاميين للدولة، وبالتالي تقلل الدولة خسائرها البشرية من جهة، وتتجنب إثارة الرأي العام الداخلي من جهة أخرى([4]).
4-تبني بعض الدول النظم الديمقراطية وتخليها عن النظم الدكتاتورية، مما أدى إلى الاستغناء عن الأشخاص الذين كانوا يقومون على حماية النظم السابقة، ولم يجدوا لهم أي دور في الحياة الديمقراطية الجديدة، فوجدوا ضالتهم في الانخراط في العمل العسكري والأمني الخاص، ومن ذلك ما حدث في جنوب أفريقيا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري.
5-أدى ظهور بعض النزاعات والحروب الداخلية، وما صاحب ذلك من ضعف وانهيار بعض الدول، وخصوصا الدول التي تعاني من عدم الاستقرار الأمني، اللجوء إلى الاستعانة بالشركات العسكرية والأمنية الخاصة لتجد فيها ضالتها المنشودة لتحقيق أمنها الداخلي، ومساعدتها عسكريا في قمع الجماعات المتمردة أو الانفصالية، مثال ذلك ما قامت به حكومة أنجولا بالتعاقد مع شركة Executive Outcomes الجنوب إفريقية في يناير 1993 من أجل دعمها في السيطرة على حقول البترول في إقليم Soyo، وعلى مناجم الماس في إقليم Luonda والتي كانت تحت سيطرة جماعة UNITA المتمردة، حيث قامت هذه الشركة العسكرية بدعم حكومة أنجولا عسكريا في صراعها مع هؤلاء المتمردين، حتى تم التوصل إلى اتفاق سلام في لوساكا في نوفمبر من عام 1994، وكذلك ما قامت به حكومة سيراليون عام 1995 من التعاقد مع شركة Ex. Outcomes لمساعدتها ضد قوات RUF، ثم تعاقدها عام 1998 مع شركة Sandline International، لإعادة نظام Ahmed Kabbah إلى السلطة مرة أخرى([5]).
6-اتجاه الدول خصخصة العديد من المسائل المتعلقة بالقوات المسلحة، وذلك بالاعتماد على خدمات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، للاضطلاع ببعض المهام التي كانت من قبل تدخل في صميم عمل قواتها المسلحة([6]).
ومما سبق، فإن تكييف أو وصف شركة ما من تلك الشركات العاملة في هذا المجال على أنها شركة عسكرية أو أمنية خاصة هو أمر يحدد بناء على طبيعة ونوعية المهام التي تقدمها هذه الشركة، وليس بناء على التسمية أو الوصف التي تطلقها الشركة على نفسها.
وعليه يمكن تعريف الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بأنها شركات تجارية متخصصة في تقديم خدمات ذات طبيعة عسكرية أو أمنية لمن يطلبها من الدول والمنظمات الدولية أو غيرها، بمقابل مادي([7]).
ومن خلال هذا التعريف يمكن بلورة السمات المميزة لهذه الشركات على النحو التالي:
1-أنها شركات تجارية هدفها الربح المادي دون النظر لأي اعتبارات أخرى أيديولوجية كانت أو دينية أو وطنية أو غيرها من الاعتبارات.
2-هذه الشركات تتعاقد مع زبائنها لتقديم خدمات ترتبط ارتباطا وثيقا بالمجالات العسكرية أو الأمنية، سواء تمثل دورها في العمليات القتالية، أو في إعطاء المشورة، أو القيام بعمليات التدريب، أو توفير الحماية الأمنية للأشخاص والأماكن أو مرافقة قوافل الإمداد أو المساعدات الإنسانية، أو غيرها من المهام ذات الطبيعة العسكرية والأمنية.
3- يستند تكييف الشركة الخاصة العاملة في المجال العسكري أو الأمني على أنها شركة عسكرية أو أمنية إلى طبيعة المهام أو الخدمات التي تقدمها هذه الشركة أو تلك من الناحية الفعلية، بغض النظر عن التسمية أو الوصف التي تطلقها الشركة على نفسها.
أهمية البحث :
تكمن أهمية البحث في تحديد الوضع القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وما إذا كانت تنطبق عليهم صفة المرتزقة أم صفة المقاتلين، أم أنهم مدنيون يرافقون القوات المسلحة أم عاديين.
كما تتمثل أهمية البحث في تحديد المسؤولية عن تصرفات وأفعال موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة سواء تعلق الأمر بمسؤولية الدولة المتعاقدة مع هذه الشركات عن هذه الأعمال وتلك التصرفات، ومدى تقرير هذه المسؤولية في ضوء قواعد القانون الدولي، أو تعلق الأمر بالمسؤولية الفردية لموظفي هذه الشركات عما ينسب إليهم من انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، أثناء تواجدهم في مناطق النزاعات المسلحة، ومعرفة مدى إمكانية اعتبار ما قد يرتكبون من انتهاكات أو تجاوزات يدخل في إطار جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، وكذلك تحديد الجهات القضائية الأكثر ملائمة لملاحقة هؤلاء الأشخاص جنائيا، مما يساهم في تحقيق العدالة الجنائية، ومحاربة ظاهرة الإفلات من العقاب، والتي طالما استفادت منها هذه الشركات وموظفيها عند ارتكابهم انتهاكات جنائية.
أهداف البحث :
تهدف هذه الدراسة إلى إبراز مكانة موظفي الشركات العسكرية والأمنية في القانون الدولي العام، خاصة في ظل التطورات الدولية الراهنة، وما تشهده من نزاعات مسلحة دولية وغير دولية، وذلك من خلال دراسة الوضع القانوني لهذه الفئة وتسليط الضوء على مركزها ومشاركتها في النزاعات المسلحة، وموقف القانون الدولي منها ومن التجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها.
إشكالية البحث :
تتمثل مشكلة دراسة موضوع البحث في ما مدى شرعية ظاهرة اعتماد الدول على الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية؟ وما وهو المركز القانوني لموظفي هذه الشركات؟ وعلى من تقع المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني التي يرتكبونها موظفي تلك الشركات في مناطق النزاعات المسلحة؟.
منهج البحث :
اعتمدت هذه الدراسة على المنهج الوصفي من خلال جمع المعلومات والمعطيات لتحديد طبيعة المركز القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في القانون الدولي العام، وتحديد المسؤولية عن الانتهاكات التي يقوم بها في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، كما تم الاعتماد على المنهج التحليلي من خلال تحليل وفهم قواعد القانون الدولي الإنساني ذات الصلة، وغيرها من قواعد القانون الدولي العام الأخرى لمعرفة إلى أي مدى يمكن –من خلالها- الإجابة على كل التساؤلات التي يثيرها الموضوع، وذلك صولا إلى النتائج المتوخاة من هذه الدراسة.
خطة البحث :
نتناول موضوع البحث بالدراسة وفقا لخطة ثنائية، نخصص المبحث الأول لدراسة المركز القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في القانون الدولي، أما المبحث الثاني فنخصصه لدراسة المسؤولية عن تصرفات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في القانون الدولي .
المبحث الأول
المركز القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في القانون الدولي
تمهيد وتقسيم :
أن تزايد اعتماد الدول والمنظمات الدولية على الخدمات التي تقدمها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في أوقات النزاعات المسلحة، واندماج العاملين بهذه الشركات في القوات المسلحة للأطراف المتنازعة، واضطلاعها بأداء مهام تدخل في إطار ما يسمى بالمشاركة الفعلية والمباشرة في العمليات العدائية، مما يثير التساؤل عن الوضع القانوني لهؤلاء العاملين في القانون الدولي.
فموظفي أو أفراد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة هم كل الأشخاص الذين يعملون لحساب هذه الشركات سواء كان ذلك عن طريق التعيين أو التعاقد معها، ويشمل كذلك موظفيها ومديروها.
وعلى الرغم من أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة حظيت باهتمام واسع على المستوى الدولي، إلا ان هناك بعض الآراء تزعم بوجود فراغ قانوني بخصوص تنظيم أنشطة هذه الشركات، ولكن هذه الآراء أو تلك الادعاءات غير دقيقة؛ وذلك لوجود فرع من فروع القانون الدولي يحكم أنشطة موظفي هذه الشركات حال اشتراكهم في النزاعات المسلحة وهو القانون الدولي الإنساني، فإذا كان القانون الدولي الإنساني يخلو من تحديد وضع الشركات ذاتها، ولا يرتب التزامات عليها، حيث لا ينظم هذا الفرع من القانون وضع الأشخاص الاعتباريين، فإنه يحكم وضع موظفيها والتزاماتهم، حتى وإن كانوا غير مذكورين بتحديد خاص في أي معاهدة.
أن قواعد القانون الدولي الإنساني لا تعني بمشروعية أو عدم مشروعية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، كشركات تجارية تقدم خدمات عسكرية أو أمنية لمن يطلبها، إنما تعني في الأساس بأنشطة مثل هذه الشركات حال اشتراكها في النزاعات المسلحة، أو تقديمها خدمات عسكرية أو أمنية للأطراف المتنازعة، بالنظر في مدى اتساقها مع هذه القواعد من عدمها.
ولذلك تتطلب دراسة الوضع القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة النظر في مدى انطباق وصف المرتزقة على هؤلاء الموظفين، أم ينطبق عليهم وصف المقاتلين بما يترتب على ذلك من آثار، أم أنهم يدخلون تحت وصف المدنيين سواء كانوا مدنيين يرافقون القوات المسلحة أو مدنيين عاديين، وهذا ما سنتناوله بالدراسة من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: إضفاء صفة المرتزقة على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة .
المطلب الثاني: إضفاء صفة المقاتلين أم المدنيين على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة .
المطلب الأول
إضفاء صفة المرتزقة على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة
يتطلب البحث في مدى إضفاء صفة المرتزقة على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة دراسة القواعد والضوابط الخاصة بالمرتزقة في إطار قواعد القانون الدولي ذات الصلة، فالمرتزق هو الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يقدم مساعدته لأحد العملاء في مجال النشاط العسكري، ويرتبط دائما بالنزاع، في شكل خدمة تجارية، لذلك نتناول بالدراسة النصوص القانونية الدولية الخاصة بالمرتزقة في الفرع الأول، ثم نتناول بالدراسة مدى انطباق تلك النصوص القانونية الدولية الخاصة بالمرتزقة على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في الفرع الثاني.
الفرع الأول: النصوص القانونية الدولية الخاصة بالمرتزقة
نتناول بالدراسة في هذا المطلب تحديد المرتزقة في القانون الدولي الإنساني وفقا للبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 في الفقرة الأولى، ثم الاتفاقيات الخاصة بالمرتزقة في الفقرة الثانية، وذلك على النحو التالي:
الفقرة الأولى: تحديد المرتزقة في إطار المادة (47) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977:
يعتبر البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 أول وثيقة دولية من وثائق القانون الدولي الإنساني تناول بالتحديد المرتزقة([8])، بحيث عرفت المادة (47/2) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 المرتزقة بالتعريف التالي:
“2- المرتزق هو أي شخص:
أ-يجرى تجنيده خصيصا، محليا أو في الخارج ليقاتل في نزاع مسلح.
ب- يشارك فعلا ومباشرة في الأعمال العدائية.
ج- يحفزه أساسا إلى الاشتراك في العمليات العدائية الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بالتعويض المادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم.
د- ليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع.
هـ- ليس عضواً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع.
و- ليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه عضواً في قواتها المسلحة([9]).
ومما سبق، يتضح أن الفقرة الثانية من المادة (47) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 قد شكلت خطوة هامة لا يمكن إغفالها لوضع تعريف للمرتزقة، وتحديد الشروط والضوابط اللازمة لتوافر هذه الصفة، لتكون بذلك قد وضعت نهاية للخلاف الذي ثار بشأن تحديد ماهية هذا المصطلح، وتحديد العناصر اللازمة لتمييزه عن غيره من المصطلحات التي قد تتداخل معه. وقد تلتها بعد ذلك وثائق دولية إقليمية وعالمية جاءت بتعريف مماثل – إلى حد بعيد- للتعريف الذي جاء بهذه الفقرة، مع بعض الاختلافات البسيطة([10])، التي سنتطرق إليها في الفقرة الثانية من هذا المطلب.
الفقرة الثانية: الاتفاقيات الخاصة المرتزقة:
نتناول بالدراسة في هذه الفقرة تعريف المرتزقة في اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1977 أولا، ثم تعريف المرتزقة في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1989 ثانيا، وذلك على النحو التالي:
أولا: تعريف المرتزقة في اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام1977([11]):
عرفت هذه الاتفاقية المرتزق في المادة الأولى منها بأنه:
1-المرتزق هو أي شخص:
أ-يجري تجنيده خصيصا، محليا أو في الخارج ليقاتل في نزاع مسلح.
ب-يشارك فعلا ومباشرة في الأعمال العدائية.
ج- يحفزه أساسا إلى الاشتراك في العمليات العدائية الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بالتعويض المادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم.
د- ليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع.
هـ- ليس عضواً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع.
و- ليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه عضواً في قواتها المسلحة.
2-إن جريمة الارتزاق ترتكب من قبل الفرد والجماعة والهيئات وممثل الدولة ومن الدولة نفسها التي تهدف إلى المعارضة بالقوة المسلحة لعملية تقرير المصير والاستقرار وسلامة إقليم الدولة الأخرى بممارسة أي من الأعمال التالية:
أ-التنظيم والتمويل والإمداد والتسليح والتدريب والتشجيع والدعم أو بأي سلوك عصابات المرتزقة.
ب-التجنيد والتسجيل أو محاولة التسجيل في العصابات المذكورة.
ج-السماح بقيام النشاطات المذكورة في الفقرة (أ) في أي إقليم تحت سلطتها أو أي مكان يقع تحت سيطرتها أو تقديم تسهيلات للمرور والانتقال أو العمليات الأخرى للقوات المذكورة أعلاه.
ويلاحظ أن هذا التعريف وتحديدا في البند الأول منه يتفق تماماً مع التعريف الوارد في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الذي سبق ذكره، والاختلاف يكمن بينهما في البند الثاني من اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للقضاء على المرتزقة لعام 1977 حيث عرف جريمة الارتزاق وركز على الأشخاص الذين ينخرطون في أعمال المرتزقة، ليشمل عصابات المرتزقة، والأشخاص الذين يقومون بتجنيد هذه العصابات ويقدمون الدعم لها.
كما أن البروتوكول الإضافي يجعل من الدافع الذي يحفز الشخص المرتزق الاشتراك في العمليات العدائية هو تحقيق مغنم شخصي، وأن يبذل له فعلا من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بالتعويض المادي، يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم.
أما اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية فقد اكتفت بمجرد وعد يقدم من أحد أطراف النزاع أو ممثل عنه إلى الشخص المرتزق بمنحه تعويضا ماديا([12]).
وفيما يتعلق بنطاق التطبيق، فإن التعريف الوارد في الاتفاقية يسري على الأشخاص الذين يشاركون مباشرة في العمليات العدائية سواء تعلق الأمر بنزاع دولي أو غير دولي، وذلك على خلاف الحال بالنسبة للتعريف الوارد في المادة 47 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 والذي لا ينطبق إلا على المنازعات المسلحة ذات الطبيعة الدولية([13]).
ثانيا: تعريف المرتزقة في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1989:
عرفت هذه الاتفاقية المرتزق في الفقرة الثانية من المادة الأولى بأنه:
وفي أية حال أخرى، يكون المرتزق أيضا أي شخص:
أ-يجند خصيصا محليا أو في الخارج للاشتراك في عمل مدبر من أعمال العنف يرمي إلى:
1-الإطاحة بحكومة ما أو تقويض النظام الدستوري لدولة ما بطريقة أخرى.
2-تقويض السلامة الإقليمية لدولة ما.
ب-ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في ذلك هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي ذي شأن ويحفزه على ذلك وعد بمكافأة مادية أو دفع تلك المكافأة.
ج-ولا يكون من رعايا الدولة التي يوجه ضدها هذا العمل ولا من المقيمين فيها.
د-ولم توفده دولة في مهمة رسمية.
هـ-وليس من أفراد القوات المسلحة للدولة التي ينفذ هذا العمل في إقليمها.
ويلاحظ أن هذا التعريف يختلف عن التعريف الوارد في البروتوكول الإضافي الأول 1977، من حيث استبعاده للشرط الذي يقضي بأن الشخص يشارك فعلا ومباشرة في الأعمال العدائية والمذكور في الفقرة (2/ب) من المادة (47)، وهذا الاستبعاد بحد ذاته يجعل تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لوضع المرتزقة أوسع من التعريف السابق في البروتوكول الإضافي الأول([14]).
كما أن اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم لعام 1989في تعريف المرتزق لم تتوقف عند شرط استخدام الشخص المرتزق في النزاعات المسلحة والمذكور في تعريف البروتوكول الإضافي الأول1977 الفقرة (2/أ) من المادة (47)، بل تتعداه لتشمل أي عمل من أعمال العنف لا يأخذ شكل نزاع مسلح([15]).
وتضمنت التعريفات السابقة للمرتزقة فارقا آخر تمثل في وضع الشخص الذي ينطبق عليه وصف المرتزقة في كل منها، حيث أن الفقرة الأولى من المادة (47) من البروتوكول الإضافي الأول قد اعتبرت أن من ينطبق عليه المرتزق “لا يحق له التمتع بوصف المقاتل أو أسير الحرب”، وهذا ما تضمنته ايضا المادة الثالثة من اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية بنصها على ان المرتزق “يجب ألا يتمتع بوضع المقاتلين، ولا يجب كذلك أن يستفيد بوضع أسرى الحرب”، فإن اتفاقية الأمم المتحدة قد جاءت خلافا لذلك خالية من أي نص يحدد الوضع القانوني للشخص الذي ينطبق عليه وصف المرتزقة، مكتفية في هذا الشأن بما جاء في نص المادة (16) والتي جاء بها أن: “تطبق هذه الاتفاقية دون مساس: أ- بالقواعد المتعلقة بالمسئولية الدولية للدول ب- بقانون المنازعات المسلحة والقانون الدولي الإنساني بما في ذلك الأحكام المتعلقة بمركز المقاتل أم أسير الحرب”([16]).
لذلك فإنه طبقا لما تضمنته اتفاقية الأمم المتحدة، يكون الشخص الذي يشارك في نزاع مسلح ويتم أسره له الحق في التمتع بوضع أسير الحرب، إلى أن تقوم محكمة مختصة بالفصل في وضعه القانوني. وحتى تقوم هذه المحكمة بالفصل في هذه المسألة يكون من حق هذا الشخص التمتع بالحماية التي تقررها اتفاقية جنيف الثالثة لهؤلاء الأشخاص([17])، ولا شك أن هذا النص يمثل ضمانة هامة للأشخاص المتهمين بارتكاب أنشطة المرتزقة، وذلك إلى حين يثبت بالفعل انطباق صفة المرتزقة عليهم.
ومما سبق، يتضح من التعريفات السابقة للمرتزقة أنها حددت الضوابط أو الشروط اللازمة لتوافر هذه الصفة، والتي يمكن من خلالها النظر في مدى انطباق هذه الشروط وتلك الضوابط على العاملين بالشركات العسكرية والأمنية الخاصة أم لا.
الفرع الثاني: مدى انطباق وصف المرتزقة على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة
أن وصف المرتزقة لا يطلق على أي شخص إلا إذا توافرت فيهم جميع الشروط الواردة في المادة (47) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، أو في الاتفاقيات المتخصصة ذات الصلة، ولكن من الصعب استيفاء هذه الشروط مجتمعة، كما أن تعريف المرتزقة في الوثائق المذكورة أعلاه يتركز على الأشخاص الطبيعيين وليس على الأشخاص المعنويين. وعلى هذا الأساس، فإن الذي يجب أن يستوفي الشروط هم موظفو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وليس الشركات في حد ذاتها كشخص معنوي يتمثل في شركة تجارية، وبالتالي فإن وصف المرتزقة يطلق على موظفو الشركات وليس على الشركات في حد ذاتها([18]).
لذلك يقتضي تحري الدقة في إطلاق وصف المرتزقة على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وذلك بتحليل شروط المرتزقة الواردة في المادة (47) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربع، والاتفاقيات المتخصصة ذات الصلة.
فالشرطين “أ” و “ب” اللذين يوجبان أن يكون الشخص قد تم تجنيده خصيصا للقتال في نزاع مسلح، وأن يشارك مشاركة فعلية مباشرة في الأعمال القتالية، قد يؤديان لاستبعاد معظم الأشخاص، فالشركات العسكرية والأمنية الخاصة لم يتم التعاقد معها للمشاركة مباشرة في الأعمال القتالية، وإنما لتقديم الخدمات اللوجستية وخدمات الدعم للقوات المسلحة للدول المتحالفة.
أما الشرط “ج” الذي ينص على أن المرتزق هو ذلك الشخص الذي “يحفزه أساسا إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلا من قبل طرف في النزاع او نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم”، فإن هذا الشرط قد يتحقق في كل حالات الارتزاق العسكري، سواء في شكله التقليدي أو في شكله الحديث المتمثل في الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وموظفي هذه الشركات.
وينص الشرط “د” على أن الشخص لا يجب أن يكون “وليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطنا بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع”، وإلا دخل في دائرة الارتزاق العسكري، وهو ما يعني استبعاد موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وموظفي هذه الشركات.
أما الشرط “هـ” الذي ينص على أن المرتزق هو أي شخص “ليس عضوا في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع”، فهو شرط يتوفر في كل الذين يشاركون في الأعمال القتالية إلى جانب القوات النظامية، إلا أنهم ليس أعضاء فيها، بما فيهم الميليشيات المسلحة، التي يقوم أطراف النزاع بإنشائها لمساندة القوات النظامية([19]).
وتجدر الإشارة إلى إن عدم تطابق هذه الشروط مع موظفو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة يبعد عنهم وصف المرتزقة بمفهومه الوارد في المادة (47) من البروتوكول الإضافي الأول، والاتفاقيات الخاصة ذات الصلة، حيث أن الوضع القانوني لهؤلاء الموظفين يتوقف على ظروف كل حالة على حده، وما إذا كانت الشروط الستة التي تضمنتها الفقرة الثانية من المادة (47) من البروتوكول الإضافي الأول قد توافرت جميعها بخصوص هذه الحالة أم لا، فغذا توافرت في جانب أحد هؤلاء الموظفين أصبح في عداد المرتزقة، وإذا تخلف إحداها لم تنطبق عليه هذه الصفة([20]).
لذلك يتطلب ضرورة إعادة النظر في تعريف المرتزقة، والشروط أو الضوابط اللازمة لانطباق صفة المرتزقة، بما يجعلها تتماشى مع التطورات التي حدثت في المجتمع الدولي بظهور الشركات العسكرية والأمنية الخاصة واضطلاعها بدور لا يمكن إغفاله في النزاعات المسلحة التي يشهدها عالم اليوم، نظرا للقصور في التعريفات التي تضمنتها الوثائق الدولية الثلاث التي سبق دراستها، حيث يترتب على إعمالها استبعاد العديد من موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة من عداد المرتزقة، رغم انطباق هذه الصفة عليهم([21]).
وصفوة القول، إن موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة هم في النهاية مرتزقة رغم استخدامهم تسميات لائقة مثل “المتعاقدين العسكريين”، “الموظفين الأمنيين”…الخ، لأنهم لا يدافعون عن قضايا عادلة يؤمنون بها، وإنما همهم الوحيد كسب الأموال مقابل القيام بمهام قذرة، حيث تصدق عليهم المقولة الشهيرة لأحد الكتاب في القانون الدولي: “إن حمل لقب المرتزق قد يضع الفرد في أدنى عمق من الفساد الأخلاقي الذي يمكن أن يغرق فيه”([22]).
المطلب الثاني
إضفاء صفة المقاتلين أم المدنيين على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة
لتحديد ما إذا كان موظفو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مقاتلين أو مدنيين تستدعي الدراسة إسقاط النصوص القانونية والقوانين المتعلقة بكل واحد من هذه الفئات عليهم لتقريب وتوضيح الصورة قصد استكمال البناء القانوني، لذلك نتناول بالدراسة في هذا المطلب إضفاء صفة المقاتلين على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في الفرع الأول، ثم نتناول بالدراسة إضفاء صفة المدنيين على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة الفرع الثاني، وذلك على النحو التالي:
الفرع الأول: إضفاء صفة المقاتلين على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة
يترتب على إضفاء صفة المقاتلين على موظفو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة حال مشاركتهم في النزاع المسلح آثار قانونية ترتبها قواعد القانون الدولي الإنساني، منها أن يكون من حقهم المشاركة المباشرة في العمليات العدائية، مع عدم جواز مساءلتهم عن هذه المشاركة، وكذلك تمتعهم بوضع أسرى الحرب عند وقوعهم في قبضة العدو، مع اعتبار هؤلاء الموظفين أهدافا عسكرية يجوز مهاجمتها من قبل قوات العدو. لذلك نتناول بالدراسة تحديد ماهية المقاتل والشروط اللازمة لوجود هذه الصفة كما حددتها قواعد القانون الدولي الإنساني، لمعرفة مدى انطباق هذه الصفة على موظفو هذه الشركات، وذلك على النحو التالي:
الفقرة الأولى: تعريف المقاتل:
لقد كان تعريف المقاتلين تتنازعه نظريتان في ظل اتفاقية لاهاي لعام 1907، حيث كانت الدول الكبرى ترى حصر المقاتلين في أفراد القوات المسلحة النظامية، أما الدول الصغرى فكانت ترى توسيع النطاق القانوني حتى يشمل جميع أفراد المقاومة أيضا، ولعل السبب هو رغبة الدول الكبرى آنذاك في وأد حركات التحرير والمقاومة المسلحة ضد الاستعمار، والعمل على عدم استفادة الثوار والمقاومين من وضع أسير الحرب، وهذا ما تداركته فيما بعد اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949([23]).
وأعطت قواعد القانون الدولي الإنساني للمقاتل معنى محدد، وهذا ما يمكن استخلاصه من نص المادتين (50-43) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، والمادة (4/أ) من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949.
فالمادة (50) من البروتوكول المذكور أعلاه، خاصة بتعريف المدنيين، حيث نصت في فقرتها الأولى على أن: “المدني هو أي شخص لا ينتمي إلى فئة من فئات الأشخاص المشار إليها في البنود الأول والثاني والثالث والسادس من الفقرة (أ) من المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، والمادة (43) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977”([24]).
ويتضح من خلال الربط بين نصوص هذه المواد الثلاث، أن المقاتل هو كل شخص يندرج تحت أي طائفة من الطوائف الأربع التالية([25]):
1-أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع والميليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءا من هذه القوات.
2-أفراد الميليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى ولو كان هذا الإقليم محتلا.
3-أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة.
4-سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو دون أن يحملوا السلاح جهرا وأن يراعوا قوانين الحرب وعاداتها.
ومما سبق، يتضح أن المادة (50) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، قد حصرت طوائف المقاتلين في الطوائف الأربع المذكورة أعلاه، إلا أن إمعان النظر فيها لإضفاء صفة المقاتل على موظفو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، سيقتصر على أفراد الطائفتين الأولى والثانية لأنهما الأقرب لأن يندرج تحت أي منهما العاملون في هذه الشركات، إذا توافرت الشروط والضوابط اللازمة لذلك.
ويعرف المقاتل بأنه ذلك “الشخص المخول من قبل القانون الدولي الإنساني باستخدام القوة في حالات النزاع المسلح، وبالمقابل يمثل المقاتل هدفا عسكريا في أوقات ذلك النزاع”. وهو بمقتضى هذه الصفة له مهاجمة العدو ومقاومته، وفي نفس الوقت يكون هدفا مشروعا لمقاتلي الطرف الثاني من أطراف النزاع المسلح، ولكن لا يمكن محاكمته بسبب مشاركته في الأعمال العدائية إذا استخدم القوة وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني.
وتجدر الإشارة إلى إن المقاتلين الذين يتمتعون بامتياز المقاتل يسمح لهم باستعمال القوة، وهذا الامتياز بمثابة رخصة لقتل أو جرح مقاتلي العدو من الطرف الآخر، تدمير أهدافه العسكرية والتسبب في إحداث أضرار مدنية جانبيه. كما أنه يتمتع بحصانة أمام المحاكم الداخلية عن الأفعال المرتبطة باستخدام القوة، طالما كانت هذه الأفعال تتفق وقانون الحرب من جهة، وإذا ما وقع هذا المقاتل في قبضة الخصم فله كامل الحق في الاستفادة من وضع أسير الحرب من جهة أخرى([26])، وهذا الحق وارد ذكره في المادة (43/2) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، وهي مسألة بالغة الأهمية في تحديد الحماية التي يحق لموظفي هذه الشركات التمتع بها، كما تعتبر الفاصل في فقدان المدنيين للحماية والحصانة الممنوحة لهم وللتكييف القانوني على أنهم مدنيين.
أما بالنسبة لوضع المقاتل في المادة (4/أ) من اتفاقية جنيف الثالثة بشأن حماية اسرى الحرب لعام 1949، والمتممة بنص المادة (43) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1977، حيث يستفيد المقاتل من وضع أسير الحرب إذا كان ينتمي إلى الفئات التالية:
1-أفراد القوات المسلحة: لكي يتمتع الشخص بوصف المقاتل لا بد وأن يكون عضوا في القوات المسلحة النظامية لأحد أطراف النزاع، ويقصد بالقوات المسلحة (البرية والبحرية والجوية) للدولة المحاربة.
وتجدر الإشارة إلى أنه يستفيد من وصف المقاتل الأفراد في القوات المسلحة التابعة للأمم المتحدة (قوات الطوارئ الدولية، قوات حفظ السلام، قوات المراقبة الدولية، قوات الميدان التابعة للأمم المتحدة …الخ) وأفراد القوات المسلحة التابعة للمنظمات الدولية (قوات حفظ السلام الإفريقية، قوات حلف الأطلسي …الخ) ([27]).
ورغم بساطة هذا الطرح إلا أنه يحمل أبعاد مختلفة وشروط أساسية يجب توفرها لاعتبار موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أفراد في القوات المسلحة لإحدى الدول، أهمها تعاقد هذه الشركات مع الدول دون أشخاص أو كيانات أخرى من غير الدول ما يطرح بنفسه إشكالية إبعاد النزاعات الداخلية والاضطرابات والتوترات الداخلية من قائمة النزاعات التي تفرض وضعية المقاتل، على كل موظف من بين موظفي هذه الشركات الذين يشاركون في هذا النزاع، كما لا يمكن اعتبار التعاقد مع هذه الشركات من قبل الدول كافيا لإضفاء هذه الصفة، فالعبرة تكون بعلاقة الانتماء المفروض قيامها بين هذه الأطراف والمشاركة المباشرة في العمليات([28]).
ومما سبق، يتبنى البعض فكرة ضرورة عدم توحيد إضفاء صفة المقاتل من عدمها على كل موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، بل يجب أخذ كل عينة على حدى، إذ لا يمكن الجزم أن كل هؤلاء مقاتلين أو العكس، لأن التعاقد مع هذه الشركات لا يكون دائما مع الدول، إن لم نقل أن الأغلبية منها تتعاقد مع أشخاص من غير الدول، كالجماعات المسلحة المنشقة أو الجماعات الإرهابية، أو حتى من قبل المنظمات الحكومية وغير الحكومية، وبالتالي فإن صفة المقاتل لا تنطبق إلا على فئة محدودة من موظفي هذه الشركات([29]).
2-أفراد الهيئات شبه العسكرية (قوات الشرطة): يتمتع هؤلاء بصفة المقاتل وفقا للمادة (43/3) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، فهناك بعض الدول مثل ألمانيا الاتحادية تدمج الشرطة في قواتها العسكرية في حالة النزاع المسلح، وبالتالي يمكن لها المشاركة في العمليات العدائية، أما وقت السلم فهي تعمل فقط على حراسة الحدود، بل أن هناك دول مثل بلجيكا تكون فيها الشرطة جزء من القوات المسلحة حتى في حالات السلم، إلى جانب مهمتها في حفظ النظام([30]).
3-أفراد الميليشيات والقوات المتطوعة: تنص اتفاقية لاهاي لعام 1907 على أن قوانين الحرب تنطبق على أفراد الميليشيات والوحدات المتطوعة([31])، وهي جماعات من الأفراد يعملون إلى جانب القوات المسلحة النظامية لدولتهم بدافع الوطنية، وتتكون هذه الميليشيات والوحدات من أفراد متطوعين ينتمون للدولة الطرف في النزاع أو وحدات الاحتياط غير النظامية([32]).
ويأخذ أفراد الميليشيات والقوات المتطوعة صفة المقاتل ويتمتعون بنفس حقوق وواجبات المقاتلين في القوات النظامية إذا توافرت فيهم الشروط التالية:
أ-أن يكون على رأسها شخص مسؤول عن مرؤوسيه.
ب-أن تكون لها شارة مميزة ثابتة يمكن التعرف عليها من بعد.
ج-أن تحمل الأسلحة علنا.
د-أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وأعرافها.
4-الأفراد المرافقون للقوات المسلحة النظامية: نصت على هذه الفئة المادة (4/أ/4) من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، حيث جاء فيها ما يلي: “الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءا منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، ومتعهدي التموين، وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين، شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها”.
فكل هؤلاء الأشخاص، رغم أنهم لا ينتمون إلى القوات المسلحة النظامية وليسوا مقاتلين، إلا أنهم يشكلون استثناء عن القاعدة العامة، حيث أنه من حقهم أن يعاملوا كأسرى حرب إذا ما تم القبض عليهم، بشرط أن يكونوا حائزين لبطاقة هوية وتصريح من القوات التي يرافقونها([33]).
الفقرة الثانية: مدى انطباق وصف المقاتل على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة :
إذا كانت صفة المقاتل تنطبق بشكل أساسي على أفراد القوات المسلحة النظامية للدول الأطراف في نزاع مسلح، لكن هل يمكن تصور إدراج موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ضمن الفئات التي يمثلها المقاتل؟.
أولا: أفراد في القوات المسلحة أو الهيئات شبه العسكرية لإحدى الدول: يجيز القانون الدولي الإنساني لأفراد القوات المسلحة في دولة تكون طرفا في نزاع مسلح دولي الاشتراك مباشرة في العمليات العدائية، ويعد هؤلاء بشكل عام مقاتلين شرعيين أو متمتعين بامتيازات، ولا تجوز مقاضاتهم لاشتراكهم في العمليات العدائية ما داموا يحترمون القانون الدولي الإنساني، وحين يلقى القبض عليهم يمنحون وضع أسرى الحرب.
إن الأفراد إذا كانوا مقاتلين فإن لمقاتلي الطرف الآخر الحق في استهدافهم ومهاجمتهم، لأنهم يشاركون في الأعمال العدائية، وسيكون لهم حق التمتع بوضع أسير الحرب، ولا يجوز مقاضاتهم بتهمة المشاركة في الأعمال القتالية([34]).
إلا أنه ليس هناك من موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة من يمكن أن يعدوا مقاتلين سوى أولئك الذين تستخدمهم الدول، لأن الجيوش الوطنية تتكون من أفراد دائمو الخدمة ضمن القوات المسلحة للدول وبصفة رسمية، في حين أن موظفو هذه الشركات حتى في حال قيامهم بالعمليات القتالية إلى جانب دولة طرف في نزاع دولي، فإن خدمتهم هذه مبنية فقط على “عقد تقديم خدمة”، فهم لا يخضعون للسلم الرتبي العسكري، وفي غالب الأحيان لا يرتدون الزي العسكري والشارة العسكرية، والمنصوص عليهما في اتفاقية لاهاي واتفاقية جنيف، وكذلك موظفو هذه الشركات لا يمتلكون وثيقة الهوية العسكرية المنصوص عليها في اتفاقية جنيف الثالثة لعلم 1949.
والواقع أن حتى الذين يملكون جنسية الدولة المحاربة، وكانوا أفرادا ينتسبون للجيوش النظامية الوطنية، فبعد تركهم لمناصبهم وانضمامهم للعمل في هذه الشركات كموظفين متعاقدين، فإن علاقتهم بالقوات المسلحة للدولة تنقطع، لأنهم حينها يصبحون من المشطوبين من سجلات الجيش.
ومما سبق، طالما أن موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ليس أطرافا في القوات المسلحة الوطنية أو الهيئات شبه العسكرية التابعة لها، فإن هؤلاء الموظفون لا يمكن إضفاء صفة المقاتل لهم، ولا يحق لهم التمتع بالحقوق التي ترتبها المعاهدات الدولية زمن النزاعات المسلحة الدولية، لا سيما وضع أسير الحرب([35]).
ثانيا: أفراد في الميليشيات والقوات المتطوعة: إذا كانت قواعد القانون الدولي الإنساني قد جاءت واضحة في إطلاق صفة المقاتل على أفراد القوات المسلحة للدول، فإنها لم تأت بالضوابط أو الشروط التي يمكن من خلالها اعتبار فرد ما عضوا في القوات المسلحة لدولة ما، ولم تتضمن كذلك تحديدا للشروط الواجب توافرها في الميليشيات ووحدات المتطوعين، حتى يمكن أن يشكلوا جزءا من القوات المسلحة لهذه الدولة، حيث تتكفل القوانين الوطنية في الغالب بتحديد هذه الشروط أو تلك الضوابط([36]).
ولكي يصبح الشخص مقاتلا في الميليشيات والقوات المتطوعة يجب أن يتقيد بالشروط الأربعة التي أوردتها المادة الأولى من اتفاقية لاهاي لعام 1907 السالفة الذكر، باستثناء شرط حمل السلاح علنا، فإن غالبية موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لا يتقيدون بتلك الشروط الثلاثة الأخرى.
فبالنسبة للشرط الأول المتمثل في “أن يكون على رأسها شخص مسؤول عن مرؤوسيه”، فلا وجود لمسؤول ميداني يرأس موظفي هذه الشركات، بحيث تعطى لهم مهام محددة ويتصرفون وفقا لما تمليه عليهم ظروف المهمة وواقعها، بل أن بعض الشركات تحجم عن تعيين مسؤول على رأس هؤلاء الموظفين لأن “… الشركات الأكثر تمرسا في العمل تفتقر إلى الهيكل الإشرافي المطلوب”.
ولا يعني القول بضرورة وجود مسؤول على مرؤوسيه وجوب أن يتولى القيادة ضابط عسكري، وإنما المهم وجوب وجود شخص يتحمل المسؤولية عن الفعال التي تتم بناء على أوامر صادرة عنه، والهدف طبعا هو كفالة الانضباط داخل المجموعة واحترام القانون الدولي الإنساني.
أما الشرط الثاني والمتمثل في “أن تكون لها شارة مميزة ثابتة يمكن التعرف عليها من بعد” أو الزي العسكري، فغالبية المتعاقدين العسكريين والأمنيين لا يلتزمون بهذا الشرط، ويرتدون لباسا مموها شبيها باللباس العسكري أو لباسا مدنيا، والواقع أنهم لا يرتدون زيا محددا أو شارات واضحة المعالم، مما يجعل من الصعب تحديدها وبالتالي مراقبتها، بينما يرتدي البعض شعارات الشركة المرئية أو القمصان أو حتى الزي الرسمي، ويرتدي آخرون ملابس مدنية ولا يعرضون هوية الشركة على الإطلاق، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان تمييزهم عن الفاعلين غير العسكريين الآخرين، وبالتالي عدم إمكانية رفع دعاوى قضائية ضدهم من قبل المتضررين من بعض سلوكياتهم وتجاوزاتهم.
أما الشرط الثالث المتمثل في “أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وأعرافها” فلا يعتقد أن شركة عسكرية أو أمنية خاصة تولي اهتمامًا لتلك القوانين والأعراف، فموظفو تلك الشركات يتصرفون كما يشاؤون ولا يحكمهم لا قانون ولا أخلاق ولا ضمير، فهم مجرمون حقيقيون يتجردون من كامل إنسانيتهم في سبيل تحقيق الأهداف المرسومة لهم من قبل مسيري الشركة التي تستخدمهم، وخير دليل على ذلك الممارسات التي وقعت من قبلهم في العراق وأفغانستان([37]).
إن الاستعانة بهذه الشركات لتأدية أنشطة كانت حكرا على القوات المسلحة للدولة تهدف إلى خفض أعداد القوات المسلحة، وما يترتب على ذلك من خفض في النفقات، وهو ما يدل على قلة الحالات التي يتم فيها اللجوء إلى إلحاق موظفي هذه الشركات بالقوات المسلحة إلى الحد الضروري، واعتبارهم من أفرادها فقط حين يستلزم الأمر تحديد وضعهم وفقا للقانون الدولي الإنساني([38]).
ثالثا: الأفراد المرافقون للقوات المسلحة النظامية: أن الأفراد المدنيين المرافقين للقوات المسلحة إذا ما وقعوا في الأسر، فإنهم يجب أن يعاملوا معاملة أسير الحرب، بشرط أن يكونوا حائزين لبطاقة هوية وتصريح من القوات التي يرافقونها. ولكن هل تنسحب هذه القاعدة على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة؟ وكيف يصبح وضعهم في حال مشاركتهم في العمليات القتالية؟.
إن وضع “المدني المرافق للقوات المسلحة” يمكن أن يمنح لموظفي هذه الشركات في أوقات النزاع المسلح، طالما ان القوات المسلحة أذنت لهم بذلك، وأن يتم استخدام العقد المبرم بينهما كإذن، لكن هل تكفي حيازة بطاقة الهوية الوارد ذكرها في المادة (4/أ/4) من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949؟ أم لا بد من تصريح صادر من القوات المسلحة لهؤلاء المرافقين؟.
بعد مناقشات حادة حول مسألة بطاقة الهوية وأثرها على وضع “المدنيين المرافقين للقوات المسلحة” تقرر في النهاية الإجماع على أن حيازة هذه البطاقة يعد ضمانة إضافية لحماية الأشخاص، وليس شرطا لأزما لمنحهم وضع أسير الحرب، وبالتالي لا بد أن يمنح تصريح، بالموازاة مع بطاقة الهوية، لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة من قبل القوات المسلحة التي يرافقونها، حتى يمكن لهم الاستفادة من وضع أسير الحرب([39]).
إن وضع “المدني المرافق للقوات المسلحة” يجعل من الممكن –بشكل غير مباشر- إدانة أي مشاركة مباشرة في نزاع مسلح من قبل موظف في شركة عسكرية أو أمنية خاصة، لأن مشاركة هؤلاء المرافقين في العمليات القتالية يخرجهم من دائرة المستفيدين من وضع أسير الحرب، لأنهم حينئذ يصبحون مقاتلين غير شرعيين، كقاعدة عامة، لأن العبرة بالمشاركة في العمليات القتالية.
لكن هذا الموقف لا يحظى بالإجماع، حيث ورد هناك رأي مخالف في شكل تعليمات صدرت عن وزارة الدفاع الأمريكية (06/09/2006)، مفادها أن المدنيين المرافقين للقوات المسلحة حتى وإن شاركوا مشاركة مباشرة في العمليات القتالية، إلا أنهم يحتفظون بحقهم في الاستفادة من وضع أسير الحرب، إن هذا الموقف في الحقيقة محاولة من الولايات المتحدة الأمريكية لحماية مواطنيها في مناطق وبؤر النزاعات المسلحة الدولية عبر العالم، والتفاف واضح على مختلف القوانين والأعراف الدولية، لأن النسبة الكبيرة من “المتعاقدين الأمنيين” يحملون الجنسية الأمريكية([40]).
ومما سبق، يتضح أن موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة المرافقين للقوات المسلحة، وهم في الأصل مدنيون، والذين تناولتهم المادة (4/أ/4) من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، يعتبرون الاستثناء الوحيد من حيث استفادتهم من وضع أسير الحرب، رغم أنهم غير مقاتلين، أما إذا اشتركوا في العمليات العدائية بصورة مباشرة، فإنهم بالتالي يخرجون من دائرة المستفيدين من هذا الوضع.
الفرع الثاني: إضفاء صفة المدنيين على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة
يعتبر المدني هو ذلك الشخص الذي لا يشارك في الأعمال القتالية إلى جانب أي طرفي من أطراف النزاع في حالة النزاعات المسلحة الدولية، عكس المقاتل الذي مهمته الأولى هي المشاركة في تلك الأعمال القتالية.
وكما سبق القول أن موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لا يمكنهم التحلي بصفة المقاتل، والتمتع بالحقوق التي ترتبها المعاهدات الدولية زمن النزاعات المسلحة الدولية، لا سيما وضع أسير الحرب لأنهم لا يمكن أن تتوفر فيهم شروط المقاتل مجتمعة، كما وردت في اتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، لكن هل ينسحب وصف المدني على موظفي تلك الشركات؟.
لذلك نتناول بالدراسة تعريف المدني في مختلف المحاولات التي قامت بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكذلك مختلف النصوص القانونية الدولية، ثم نبحث في مدى انطباق تلك النصوص على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وذلك على النحو التالي:
الفقرة الأولى: تعريف المدني:
أن اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 لم تعط تعريفا واضحا ودقيقا للمدنيين، فقد ورد في المادة (4/1) من اتفاقية جنيف الرابعة أن “الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها”.
والحقيقة أن هذا التعريف من الغموض ما يمنع من حماية هذه الفئة من كل صور الانتهاكات أثناء النزاعات المسلحة، وكان هذا الغموض الجلي دافعا قويا لتوجه اللجنة الدولية للصليب الأحمر لبذل جهود جبارة في هذا المجال، حيث قدمت تعريفا للسكان المدنيين خلال مؤتمر جنيف الدبلوماسي المتعلق بالحد من الآثار التي يتكبدها المدنيون وقت الحرب عام 1956 جاء فيه ما يلي: “يقصد بالسكان المدنيين في القواعد الراهنة جميع الأفراد الذين لا يمتون بصلة إلى الفئات التالية:
1-أفراد القوات المسلحة، أو التنظيمات المساعدة، أو المكملة لها.
2-الأشخاص الذين لا ينتمون للقوات المشار إليها في الفقرة السابقة، ولكنهم يشتركون في القتال”.
إن هذا التعريف انتقد في العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية، حيث من الصعوبة بمكان التمييز بين المدنيين وبعض الأفراد الذين يوجدون مؤقتا في حالة عسكرية، كما تفيد تلك العبارة إدخال بعض العسكريين في دائرة للمدنيين.
وقد وجه النقد لهذا التعريف، لأنه يدخل فئات لا تحمل الصفة العسكرية ضمن المقاتلين ما ينزع عنهم الحماية المقررة للمدنيين، كالعاملين في المصانع الحربية، وكل من يساهم في الحرب حتى وإن كان بشكل مؤقت، وهو ربما ما دفع باللجنة الدولية لاقتراح تعريفين جديدين بمناسبة انعقاد مؤتمر الخبراء الحكوميين في دورته الأولى سنة 1971، فركزت على الاقتراحين على الاشتراك المباشر في العمليات العسكرية، مما يجعلها كالتعريفات السابقة خاصة التعريف الأول الذي جاء بعبارة المجهود الحربي، فهو واسع يشمل كل شخص يساهم في النزاع حتى وإن كان بعيد عن الساحة، ولا يشارك مشاركة مباشرة، بل يكفي أن تكون له صلة بالمجال الحربي، أما في التعريف الثاني فأكتفى بالمشاركة المباشرة في العمليات ذات الطابع العسكري الذي يعد مصطلح محدود مقارنة بمصطلح المجهود الحربي.
وفي الدورة الثانية للجنة الدولية سنة 1972 جاءت بتعريف آخر، إذ اعتبرت المدنيين بأنهم: ” كل شخص لا ينتمي للقوات المسلحة ولا يشترك مباشرة في العمليات العدائية”([41]).
ورغم الانتقادات الموجهة لهذا التعريف، وهي منطقية تماما، فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر عاودت البحث في المسألة، وطرحت تعريفا جديدا خلال مؤتمر الخبراء الحكوميين ما بين سنتي 1974/1975 جاء فيه أن “السكان المدنيين هم أولئك الذين لا يشكلون جزءا من القوات المسلحة أو الهيئات المرتبطة بها”([42]).
وعرفت المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 السكان المدنيين على أنهم: “الأشخاص الذين ليس لهم دور إيجابي في الأعمال العدائية بما فيهم أفراد القوات المسلحة الذين سلموا سلاحهم أو أبعدوا عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الأسر أو لأي سبب آخر”.
وقد وجه النقد لهذا التعريف، على الرغم من نجاحه في تحديد المدنيين، إلا أن هذا التحديد جاء ناقصا في توضيحه للأسباب وعدم كفاية حجية المشاركة في العمليات القتالية المباشرة، خاصة في ظل التطورات المهمة الحاصلة على وسائل وأساليب القتال الحديثة التي يمكن توظيفها حتى عن بعد، كالطيارات من دون طيار، ناهيك عن وسائل التكنولوجيا المهيمنة على الحروب الحديثة([43]).
استمرت الجهود من كل جانب أوائل سبعينيات القرن الماضي في سبيل التوصل إلى وضع تعريف دقيق وواضح للسكان المدنيين إلى غاية عام 1977، إلى أن تم اعتماد البروتوكول الإضافي الأول، حيث جاء فيه تعريف السكان المدنيين في المادة (50) على النحو التالي:
“1-المدني هو أي شخص لا ينتمي إلى فئة من فئات الأشخاص المشار إليها في البنود الأول والثاني والثالث والسادس من الفقرة (أ) من المادة الرابعة من الاتفاقية الثالثة، والمادة (43) من هذا البروتوكول”. وإذا ثار الشك حول ما إذا كان شخص ما مدنيا أم غير مدني فإن ذلك الشخص يعد مدنيا.
2-يندرج في السكان المدنيين كافة الأشخاص المدنيين.
3-لا يجرد السكان المدنيون من صفتهم المدنية وجود أفراد بينهم لا يسرى عليهم تعريف المدنيين”([44]).
وقد وجه النقد لهذا التعريف، بأنه وسع من نطاق وفئة المدنيين، إلا أنه يبقى غامضا وناقصا في إلمام وحصر كافة المدنيين، فعلى سبيل المثال تركت الفقرة الثانية من المادة (50) تساؤلا عن هؤلاء المدنيين المقصود بهم من عبارة “كافة الأشخاص المدنيين”، كما تثير الإشكال نفسه الذي سبق وأن أثارته المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربعة ألا وهو “المشاركة أو عدم المشاركة في العمليات القتالية”، الذي يبقى معيارا ناقصا في ظل المتغيرات الجديدة لوسائل وأساليب القتال([45]).
الفقرة الثانية: مدى انطباق وصف المدني على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة:
أن الأشخاص المدنيين هم أولئك العزل الذين لا يشاركون في العمليات القتالية بأي شكل من الأشكال، وبالتالي يستفيدون من الحماية المقررة لهم بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني، إلا أن من خصائص الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أنها في معظم الحالات تمنع الاعتراف بالعاملين فيها كمقاتلين، وتسعى دوما لإظهارهم كمدنيين يقومون بتنفيذ عقد تقديم خدمة للدول التي تطلب تلك الخدمة.
والجدير بالذكر، أن المتفق عليه في القانون الدولي الإنساني قانونا وعرفا، أن المدنيين إذا لم يشاركوا في العمليات العدائية وقت النزاع المسلح، فإنهم يستفيدون من الحماية المقررة لهم في هذه الحالة، وهذا ينطبق على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، فإذا كانوا مدنيين فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكونوا هدفا للهجوم من قبل الطرف الآخر للنزاع، أما إذا شاركوا في العمليات القتالية بصورة مباشرة فيجوز حينها استهدافهم، ويصبحون أهدافا مشروعة للهجوم، لأنهم بمشاركتهم في الأعمال العدائية أصبحوا مقاتلين وخرجوا من دائرة المدنيين([46]).
وفي محاولة إسقاط المعطيات السابقة على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لتحديد مدى انتمائهم إلى فئة المدنيين، يتضح أن العملية تعتمد على الأخذ والاستناد إلى مجموعة من المعايير الأساسية والحاسمة كالمشاركة الفعلية والمباشرة في العمليات العسكرية، وطبيعة الخدمات التي تقدمها، فإذا كانت المشاركة في المهام القتالية فإن موظفي هذه الشركات يندرجون تحت طائفة المرتزقة أو المقاتلين الشرعيين أو غير الشرعيين، أما إذا اقتصرت أدوارهم على تأدية مهام بعيدة عن القتال كالحماية والتحقيق، فإنهم في هذه الحالة يعتبرون من قبيل المدنيين العاديين([47])، أو المدنيين الذين يرافقون القوات المسلحة([48])، والذين يقف أمرهم على التصريح الذي يمنح لهم من قبل السلطات العسكرية، ليكتسب مركز المدني المرافق للقوات المسلحة، ومن ثم تحدد صفة الشخص وبالتالي القانون الذي يحكمه.
لذا فإن الوضع القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة الذين يرافقون القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، ويقدمون لهذه القوات خدمات لا ترقى لدرجة المشاركة في الأعمال القتالية، كالفنيين والتقنيين أو الإداريين أو غيرهم من الموظفين، ففي هذه الحالة يمكن إدراجهم ضمن الفئة الواردة في المادة (4/أ/4) من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 والمتعلقة بالمدنيين الذين يرافقون القوات المسلحة شريطة حصول هؤلاء على الترخيص أو التصريح اللازم لمرافقة القوات المسلحة.
ومما سبق، يتضح أن الوضع القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة يمكن أن يختلف حتى داخل الشركة الواحدة بين مجموعة الموظفين، تبعا لنوعية وطبيعة المهام التي يؤديها كل موظف، وفي حال انطباق صفة المدنيين على موظفي تلك الشركات، فإنهم يتمتعون بالحماية المقررة لفائدة الأشخاص المدنيين، حيث لا يمكن اعتبارهم أهدافا عسكرية، ولا يجوز استهدافهم من قبل اطراف النزاع، كما يكفل لهم هذا الوضع حماية منشآتهم ومعداتهم، ما لم يثبت بأي شكل من الأشكال مشاركتهم المباشرة في الأعمال القتالية، وفي هذه الحالة يكون من حقهم التمتع والاستفادة من الضمانات الأساسية الواردة في المادة (75) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977([49]).
إن تحديد طبيعة الأنشطة التي ترقى إلى مستوى المشاركة المباشرة في العمليات القتالية، رغم عدم تعريفها في مختلف المعاهدات ذات الصلة بالقانون الدولي الإنساني، إلا أن هذا الأمر يعد حاسما في تحديد الحماية المقررة لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة. لكن هل قيام هؤلاء الموظفين بتقديم المساعدات الضرورية والتعاطف مع المقاتلين من أحد أطراف النزاع بعد مشاركة مباشرة في القتال، وبالتالي يفقدهم وصف المدنيين؟.
وللإجابة على هذا السؤال في نقطتين هما([50]):
1-إن القول بأن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لا تقدم سوى خدمات دفاعية، ولا تشارك في العمليات القتالية مباشرة، أمر مردود على أصحابه، ذلك أن القانون الدولي الإنساني لا يفرق بين الأعمال الدفاعية والأعمال الهجومية، فكلها أعمال عنف ضد الخصم، فإذا كان الطرف الأول في حالة هجوم، كان الطرف الثاني في حالة دفاع، والعكس صحيح.
2-على الرغم من أن أفراد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة قد لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية، إلا أنهم كثيرا ما يعملون بالقرب من أماكن تواجد القوات المسلحة النظامية والأهداف العسكرية، مما قد يعرضهم لخطر الأضرار الجانبية المسموح بها عند حدوث الهجمات.
وتجدر الإشارة إلى أن فئة المدنيين غير المشمولة بالتمتع بوضع أسير الحرب، إذا ما وقعت في قبضة العدو في نزاع مسلح دولي، لأن التمتع بهذا الوضع حكر فقط على المقاتلين كقاعدة عامة، وهذا ينسحب على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة المدنيين منهم، فإذا وقعوا في الأسر فإنهم يعاملون وفقا للقواعد المنصوص عليها في اتفاقية جنيف الرابعة في المادة (4/1-2) بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب لعام 1949.
أما في حالة اعتقال موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بعد مشاركتهم مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية، سواء في نزاع دولي أو غير دولي، فإنه يجوز محاكمتهم فقط على تلك المشاركة بمقتضى القانون الداخلي للدولة التي اعتقلتهم([51]).
وصفوة القول، أن قواعد القانون الدولي ليست كافية لتحديد الوضع القانوني الدقيق والشامل لكل موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، فتزايد الاعتماد على الخدمات التي تقدمها هذه الشركات في أوقات النزاعات المسلحة، يتطلب من الدول والمنظمات الدولية المعنية أن تسعى لصياغة القواعد القانونية المناسبة لتنظيم عمل هذه الكيانات الجديدة، وتحديد الوضع القانوني السليم والدقيق لموظفيها.
المبحث الثاني
المسؤولية عن تصرفات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في القانون الدولي
تمهيـد وتقسيم :
إن اعتماد الدول على الشركات العسكرية والأمنية الخاصة للقيام ببعض المهام المرتبطة بالنزاعات المسلحة، لا يعفيها من الالتزام بقواعد القانون الدولي –قواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان- لذلك فإن الدولة المتعاقدة مع تلك الشركات ملتزمة بضمان احترام موظفيها لقواعد القانون الدولي، شأنهم في ذلك شأن أفراد قواتها المسلحة النظامية، وفي حالة حدوث أي انتهاكات لقواعد القانون الدولي من قبلهم، فإن الدولة المتعاقدة مع تلك الشركات العسكرية والأمنية الخاصة تتحمل المسؤولية عن انتهاكات موظفيها، كما قد تثار المسؤولية الجنائية لهؤلاء الموظفين إذا ما شكلت هذه الانتهاكات إحدى صور جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية، التي تدخل في إطار الجرائم الدولية المعاقب عليها في العديد من الأنظمة الأساسية المنشئة للمحاكم الجنائية الدولية([52]).
وقد حدد مشروع اتفاقية ممكنة “بشأن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة” الذي وضعه مجلس حقوق الإنسان التابع الأمم المتحدة عام 2011([53])، نطاق تطبيق الاتفاقية في المادة الثالثة منه حيث نصت على أن: “1- تطبق هذه الاتفاقية على الدول والمنظمات الحكومية الدولية في حدود اختصاصها فيما يتعلق بالشركات العسكرية والأمنية الخاصة وأنشطتها وموظفيها …”. ونصت المادة الرابعة على مسؤولية الجهة المتعاقدة والدول المعنية تجاه الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، حيث نصت على أن: “1- تتحمل كل دولة طرف المسؤولية عن الأنشطة العسكرية والأمنية للشركات العسكرية والأمنية الخاصة المسجلة أو العاملة في ظل ولايتها القضائية، سواء أكانت هذه الكيانات متعاقدة مع الدولة او لا. 2- على كل دولة طرف أن تكفل امتلاك الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي تتعاقد معها تدريبا في مجال القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي واحترامها لهذا وذاك”.
ونصت المادة السابعة من مشروع الاتفاقية على أن: “تتخذ كل جهة معنية ما قد يلزم من التدابير التشريعية والقضائية والإدارية وغيرها لضمان مساءلة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وموظفيها وضمان مراعاة وحماية القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني”.
وهذا ما سنتناوله بالدراسة من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: مسؤولية الدولة المتعاقدة عن انتهاكات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة .
المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
المطلب الأول
مسؤولية الدولة المتعاقدة عن انتهاكات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة
على الدول الأطراف في أي نزاع مسلح التزام باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني في علاقاتها المتبادلة، وضمان احترام أفراد قواتها المسلحة، أو كل من يعمل مع هذه القوات لتلك القواعد، لذلك فإن أي إخلال أو انتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني من قبل تلك القوات أو من يعمل معها سيترتب عليه مسؤولية الدولة التي ينسب إليها ذلك الانتهاك، وهذا ما أكدت عليه المادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والتي نصت كل منها في فقرتها الأولى على أن: “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة أن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال”. وكذلك هذا ما أكدت عليه الفقرة الأولى من المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، والتي جاء بها أن: “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم وتفرض احترام هذا الحق –البروتوكول- في جميع الأحوال”. ويتضح من هذا النص أن الالتزام لا يقتصر على احترام الدول لقواعد القانون الدولي الإنساني، وإنما يمتد إلى ضمان احترام قواعد هذا القانون كل من تمارس عليه سلطاتها، سواء كان أحد أفراد قواتها المسلحة، أو أحد موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي تعاقدت معها الدولة، أو كان أحد مواطنيها العاديين، وغيرهم ممن يشاركون في العمليات العسكرية بجانب هذه الدولة، بحيث تكون تصرفاتهم متفقة مع قواعده([54]).
لذلك فإن مسؤولية الدولة عن أنشطة وتصرفات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة تتوقف على العلاقة التي تربط موظفي هذه الشركات بالدولة، وما إذا كانوا يشكلون جزءا من قواتها المسلحة أم لا، وهذا ما سنتناوله بالدراسة في الفرع الأول، ثم نتناول بالدراسة مسؤولية الدولة المتعاقدة عن انتهاكات موظفي الشركات العسكرية والأمنية نتيجة عدم قيامها ببذل العناية الواجبة في الفرع الثاني.
الفرع الأول: العلاقة بين مسؤولية الدولة المتعاقدة وانتهاكات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة
نتناول بالدراسة في هذا الفرع مسؤولية الدولة المتعاقدة عن انتهاكات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بصفتهم يشكلون جزءا من قواتها المسلحة في الفقرة الأولى، ثم مسؤولية الدولة المتعاقدة عن انتهاكات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بصفتهم لا يشكلون جزءا من قواتها المسلحة في الفقرة الثانية، وذلك على النحو التالي:
الفقرة الأولى: مسؤولية الدولة المتعاقدة عن انتهاكات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بصفتهم يشكلون جزءا من قواتها المسلحة:
تسأل الدولة الطرف في النزاع المسلح عن كل الانتهاكات التي يقوم بها أفراد قواتها المسلحة أثناء النزاع، حيث نصت المادة الثالثة من لائحة لاهاي للحرب البرية لعام 1907 على مسؤولية الدول عن أعمال القوات المسلحة بقولها: “يكون الطرف المتحارب الذي يخل بأحكام اللائحة المذكورة ملزما بالتعويض إذا دعت الحاجة، كما يكون مسؤولا عن جميع الأعمال التي يرتكبها أشخاص ينتمون إلى قواته المسلحة”. وهذا ما أكدته أيضا المادة (91) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، حيث نصت على أن: “يسأل طرف النزاع الذي ينتهك أحكام الاتفاقيات أو هذا البروتوكول عن دفع تعويض إذا أقتضى الحال ذلك، ويكون مسؤولا عن كافة الأعمال التي يقترفها الأشخاص الذين يشكلون جزءا من قواته المسلحة”.
وعلى الرغم من أن تقرير مسؤولية الدولة عن انتهاكات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، أكثر صعوبة عنه في حالة مسؤوليتها عن انتهاكات أفراد قواتها المسلحة، إلا أن هذه المسؤولية يمكن تقريرها في جانب الدولة المتعاقدة مع تلك الشركات استنادا للقواعد العامة لمسؤولية الدولة([55]).
وفي هذا الإطار تقرر الفقرة الأولى من المادة الرابعة من مشروع مواد لجنة القانون الدولي حول مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليا لعام 2001([56])، أنه: “يعد تصرف أي جهاز من أجهزة الدولة فعلا صادرا عن هذه الدولة بمقتضى القانون الدولي، سواء كان الجهاز يمارس وظائف تشريعية أم تنفيذية أم قضائية أم أية وظائف أخرى، وأيا كان المركز الذي يشغله في تنظيم الدولة، سواء كانت صفته أنه جهاز من أجهزة الحكومة المركزية أم جهاز من أجهزة وحدة إقليمية من وحدات الدولة”.
وهذه القاعدة أكدت عليها محكمة العدل الدولية في رأيها الصادر عام 1999 بشأن النزاع المتعلق بحصانة المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان من الإجراءات القانونية، والتي اشارت فيه إلى أنه: “طبقا لإحدى قواعد القانون الدولي الثابتة، يجب اعتبار التصرف الصادر عن أي جهاز من أجهزة الدولة صادرا عن هذه الدولة، وهي قاعدة ذات طابع عرفي”([57]).
وطبقا لما تضمنته المادة الرابعة سالفة الذكر، وما أكدته محكمة العدل الدولية، فإن الدولة تسأل عن تصرفات أي جهاز من أجهزتها أيا كان المركز الذي يشغله في تنظيم الدولة، وبالتالي لا فرق بين التصرفات التي يقوم بها الرؤساء أو تلك التي يقوم بها المرؤوسين، طالما أنهم قاموا بها بصفتهم الرسيمة، حتى ولو كان ذلك قد تم بطريقة تعسفية، أو كان الشخص الذي قام بهذا التصرف قد تجاوز حدود صلاحياته. أما إذا كان التصرف قد قام به الشخص المعني بصفته الشخصية وليس بصفته الرسمية، فإنه لا يمكن نسبة هذا التصرف إلى الدولة، ولا تثار مسؤوليتها عنه([58]).
ومما سبق، فإن الدولة الطرف في نزاع مسلح تكون مسؤولة عن تصرفات وأفعال أفراد قواتها المسلحة التي يقومون بها أثناء مشاركتهم في هذا النزاع، كما تكون هذه الدولة مسؤولة كذلك عن تصرفات وأفعال موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، إذا كان هؤلاء الموظفين ينطبق عليهم وصف المقاتلين الذين يشكلون جزءا من قواتها المسلحة، أو أمكن اعتبارهم أعضاء في ميليشيا أو في وحدات من المتطوعين الذين يشكلون جزءا من هذه القوات، ففي مثل هذه الحالات تسأل الدولة المتعاقدة مع هذه الشركات عن تصرفات هؤلاء الموظفين بصفتهم تابعين لأحد الأجهزة التي تسأل الدولة عن تصرفاتها، وهي قواتها المسلحة التي تمارس الدولة عليها قدر من السيطرة أكبر مما تمارسه على غيرها من الأجهزة التابعة لها([59]).
الفقرة الثانية: مسؤولية الدولة المتعاقدة عن انتهاكات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بصفتهم لا يشكلون جزءا من قواتها المسلحة:
على الرغم من صعوبة تقرير مسؤولية الدولة المتعاقدة مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة عن تصرفات وأفعال وانتهاكات موظفي هذه الشركات بصفتهم لا يشكلون جزءا من قواتها المسلحة، عنه بصفتهم يشكلون جزءا من هذه القوات، إلا أنه يمكن تقرير هذه المسؤولية من خلال الاستناد إلى القواعد المتعلقة بمسؤولية الدولة، حيث يمكن أن تثار مسؤولية الدولة عن هذه التصرفات إذا شكلت انتهاكا لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان أو قواعد القانون الدولي الإنساني، وأمكن نسبة هذه التصرفات إلى هذه الدولة، وذلك إذا أعتبر هؤلاء مخولين بموجب قانون هذه الدولة بممارسة بعض عناصر السلطة الحكومية، أي إذا ثبت أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة كانت مخولة بموجب قوانين الدولة المتعاقدة معها بأداء بعض المهام التي تدخل عادة في اختصاص أجهزة الدولة، أو إذا ثبت أن هذه الشركات كانت تتصرف في الواقع بناء على تعليمات الدولة المتعاقدة معها، أو بتوجيه منها أو تحت إشرافها ورقابتها([60])، وذلك على النحو التالي:
أولا: إذا كانت الشركة العسكرية أو الأمنية الخاصة مخولة بممارسة بعض عناصر السلطة الحكومية:
نصت على ذلك المادة الخامسة من مشروع مواد لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدولة عن الأفعال غير المشروعة دوليا، بعنوان “تصرفات الأشخاص او الكيانات التي تمارس بعض اختصاصات السلطة الحكومية”، على أن: “يعتبر فعلا صادرا عن الدولة بمقتضى القانون الدولي تصرف شخص أو كيان لا يشكل جهازا من أجهزة الدولة بمقتضى المادة الرابعة، ولكن يخوله قانون تلك الدولة صلاحية ممارسة بعض اختصاصات السلطة الحكومية، بشرط أن يكون الشخص او الكيان قد تصرف بهذه الصفة في هذه الحالة المعنية”.
وبالتالي فإن وجود الشركة كصلة وصل بين الدولة والمتعاقدين مما قد يقطع ظاهريا صلة الدولة بهم، وعدم إمكان اعتبار هذه الشركات مخاطبة مباشرة بقواعد القانون الدولي الإنساني، لا يحول دون نسبة المسؤولية عما يرتكبه هؤلاء من مخالفات للقانون الدولي الإنساني إلى الدول المستخدمة لهم، من خلال هذه الشركات والمستفيدة من نشاطهم ما دام يقوم هؤلاء بمهام هي في الصل جزء من مهام الدولة في سياق نزاع مسلح([61]).
ويشير تعليق لجنة القانون الدولي على هذا النص أن الهدف منه يتمثل في مواجهة ظاهرة الكيانات شبه الحكومية التي ازداد عددها بشكل ملحوظ، والتي اصبحت تمارس بعض عناصر السلطة الحكومية نيابة عن أجهزة الدولة، وكذلك مواجهة الحالات التي تمت فيها خصخصة شركات كانت تابعة للدولة، مع استمرارها في ممارسة وظائف عامة أو تنظيمية.
كما أشار تعليق اللجنة على هذا النص أن مصطلح كيان الذي تضمنه النص، يشمل الهيئات التي يمكن أن يخولها القانون الداخلي للدولة سلطة ممارسة عناصر من السلطة الحكومية، ويمكن أن تشمل هذه الهيئات شركات حكومية وكيانات شبه حكومية، ووكالات عامة بمختلف أنواعها، كما يمكن أن يشمل كذلك شركات خاصة، ولكن بشرط أن تكون هذه الكيانات، مخولة بموجب قانون الدولة المعنية بممارسة وظائف عامة تمارسها عادة أجهزة هذه الدولة، وأن يكون لهذا التصرف صلة بممارسة السلطة الحكومية المعنية([62]).
وتجدر الإشارة إلى أن قيام موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بالاشتراك في العمليات العسكرية، بجانب القوات المسلحة لهذه الدول في نزاع مسلح هي طرف فيه، حيث تعتبر الأعمال أو المهام العسكرية من بين عناصر السلطة الحكومية، في إطار نص المادة الخامسة سالفة الذكر، طالما أن الشركة العسكرية أو الأمنية الخاصة مخولة بموجب قانون الدولة المتعاقدة معها للقيام بهذه المهام التي تدخل في إطار عناصر السلطة الحكومية([63])، وكان موظفو هذه الشركة يتصرفون على أساس أنهم يؤدون بعض اختصاصات السلطة الحكومية.
ثانيا: إذا كانت الشركة العسكرية أو الأمنية الخاصة تتصرف بناء على تعليمات الدولة المتعاقدة معها أو بتوجيه منها أو تحت إشرافها ورقابتها:
تسأل الدولة المتعاقدة مع الشركة العسكرية أو الأمنية الخاصة، عن تصرفات موظفي هذه الشركات إذا ثبت أن هذه الشركات وموظفيها كانوا يتصرفون بناء على تعليمات هذه الدولة، أو بناء على توجيهاتها، أو كانت هذه التصرفات تحت إشرافها ورقابتها، وهذا يمكن استخلاصه من نص المادة الثامنة من مشروع المواد لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول عن الأعمال غير المشروعة دوليا لعام 2001، حيث نصت على أن: “يعتبرا فعلا صادرا عن الدولة بمقتضى القانون الدولي تصرف شخص أو مجموعة أشخاص إذا كان الشخص أو مجموعة الأشخاص يتصرفون في الواقع بناء على تعليمات تلك الدولة أو بتوجيهات منها أو تحت رقابتها لدى القيام بذلك التصرف”([64]).
ويتضح من خلال هذا النص أنه يمكن نسبة تصرفات الأشخاص أو الكيانات إلى الدولة إذا ثبت وجود علاقة حقيقية محددة، بين الشخص أو الكيان القائم بالتصرف والدولة المعنية، وقد أشارت المادة السابقة إلى حالتين يمكن فيهما إثبات وجود هذه العلاقة تتمثل أولهما: في حالة ما إذا قام الشخص المعني بالتصرف بصفته الفردية بناء على تعليمات من الدولة، وتتمثل ثانيهما: في حالة ما إذا تصرف هذا الشخص بصفته الفردية بناء على توجيه من الدولة أو تحت رقابتها وإشرافها.
والجدير بالذكر، أن أكثر الحالات تطبيقا لما تضمنته هذه المادة ربما تلك التي تقوم فيها أجهزة الدولة بتجنيد أو تحريض أشخاص عاديين أو مجموعات من الأفراد للعمل كمساعدين لهذه الأجهزة، مع بقائهم خارج الهيكل الرسمي للدولة، مثال ذلك قيام هذه الأجهزة بتعيين أفراد عاديين في قوات الشرطة أو القوات المسلحة، أو إيفادهم كمتطوعين إلى بلد مجاور، أو إعطائهم تعليمات للقيام بمهام معينة في الخارج، وذلك على الرغم من أن هؤلاء الأشخاص ليس لديهم تفويضا محددا من الدولة، ولا يشكلون جزءا من قواتها المسلحة، حيث تنسب تصرفات هؤلاء الأشخاص إلى الدولة إذا ثبت أن هذه التصرفات غير المشروعة جاءت بناء على تعليمات من هذه الدولة، أو جاءت بناء على توجيهاتها أو رقابتها أو إشرافها([65]).
ومما سبق، فإن الدولة المتعاقدة مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة تكون مسئولة عن تصرفات موظفي هذه الشركات، التي تشكل انتهاكا لقواعد القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، حتى ولو لم يكن اعتبار هؤلاء الموظفين جزءا من قواتها المسلحة، أي ليسوا من أجهزتها القانونية، ولم يمكن اعتبارهم مخولين بموجب قوانين هذه الدولة للقيام ببعض عناصر السلطة الحكومية، وذلك إذا ثبت أن موظفي هذه الشركات قاموا بتصرفاتهم هذه بناء على تعليمات هذه الدولة أو بتوجيه منها أو تحت رقابتها، أي باعتبارهم تابعين لهذه الدولة، وفي هذه الحالة لا يشترط أن يكون هناك تعليمات أو توجيهات أو رقابة فعلية على تصرفات كل فرد من أفراد الشركة العسكرية أو الأمنية الخاصة، حيث أن التنظيم والتسلسل القيادي المتبع في هذه الشركات يجعل أفرادها يتصرفون في ضوء القواعد العامة التي تنظم العلاقة بين أفرادها، وبالتالي يكفي لكي تسأل الدولة عن تصرفات أفراد هذه الشركات، أن تكون هذه التصرفات قد تمت بناء على توجيهات أو تعليمات من الدولة المتعاقدة أو تحت رقابتها العامة، خصوصا في حالة ما إذا كانت الدولة المتعاقدة مع الشركة العسكرية أو الأمنية الخاصة متواجدة على الإقليم الذي تباشر عليه هذه الشركات مهامها، أو كان التعاقد مع هذه الشركات قد تم من قبل الدولة التي تعمل على إقليمها هذه الشركات([66]).
وتجدر الإشارة إلى أن تطبيق معيار الرقابة العامة([67]) على تصرفات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، يسد الثغرات التي قد تلجأ إليها الدول المتعاقدة مع هذه الشركات للإفلات من المسؤولية عن تصرفات موظفي هذه الشركات التي تشكل انتهاكا لقواعد القانون الدولي، لا سيما أن من بين الأهداف التي تسعى الدول إلى تحقيقها من وراء التعاقد مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، الرغبة في عدم تحمل المسؤولية عن تصرفات هذه الشركات التي تشكل انتهاكا لقواعد القانون الدولي الإنساني أو قواعد قانون حقوق الإنسان، استنادا إلى أن هذه الشركات لا تشكل جهازا من أجهزة الدولة، أو الادعاء بأنها غير مخولة بموجب قوانين هذه الدولة للقيام بممارسة بعض مظاهر السلطة الحكومية([68]).
الفرع الثاني: مسؤولية الدولة المتعاقدة عن انتهاكات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة نتيجة عدم قيامها ببذل العناية الواجبة([69])
يكمن أساس مسؤولية الدولة المتعاقدة مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة عن تصرفات موظفي هذه الشركات، حتى ولو لم يمكن نسبة هذه التصرفات إلى هذه الدولة، إلى إخلال الدولة بالتزاماتها الدولية وعدم بذلها العناية الواجبة لكفالة احترام قواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد حقوق الإنسان، من قبل موظفي هذه الشركات.
وفي هذا الإطار تنص المادة (87/1) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977على أن: “يتعين على الأطراف السامية المتعاقدة وعلى أطراف النزاع أن تكلف القادة العسكريين بمنع الانتهاكات للاتفاقيات ولهذا البروتوكول، وإذا لزم الأمر، بقمع هذه الانتهاكات وإبلاغها إلى السلطات المختصة، وذلك فيما يتعلق بأفراد القوات المسلحة الذين يعملون تحت إمرتهم وغيرهم ممن يعملون تحت إشرافهم”، وكذلك تضمنت الفقرة الثالثة من هذه المادة التزاما آخر مفاده أنه: “يجب على الأطراف السامية المتعاقدة وأطراف النزاع أن يتطلبوا من كل قائد –يكون على بينة من أن بعض مرؤوسيه أو أي أشخاص أخرين خاضعين لسلطته على وشك أن يقترفوا انتهاكات للاتفاقيات أو هذا البروتوكول- أن يطبق الإجراءات اللازمة ليمنع مثل هذا الخرق للاتفاقيات أو لهذا البروتوكول، وأن يتخذ عندما يكون ذلك مناسبا، إجراءات تأديبية او جنائية ضد مرتكبي هذه الانتهاكات”.
وهذا ما يستفاد كذلك من نص المادة الأولى من اتفاقيات جنيف لعام 1949، والتي تنص على أن: “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة أن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال”، حيث يكون على الدول الأطراف والتي تتعاقد مع شركات عسكرية أو أمنية خاصة بأن تكفل ضمان احترام هذه الشركات وموظفيها لكل الالتزامات الواردة في هذه الاتفاقية، وتكون هذه الدول مسؤولة عن الانتهاكات التي يرتكبها موظفي هذه الشركات للقواعد والالتزامات التي وردت في هذه الاتفاقيات.
ولا شك أن ما ورد في الفقرتين السابقتين من المادة (87) يمثل التزاما على عاتق الدول الأطراف في أي نزاع مسلح، بضمان احترام أفراد قواتها المسلحة وغيرهم من الأشخاص الذين يعملون تحت إشراف قادتها العسكريين، لقواعد القانون الدولي الإنساني التي تضمنتها اتفاقيات جنيف لعام 1949، وكذلك ما تضمنه البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، والقيام بقمع أي انتهاكات لهذه الاتفاقيات أو هذا البروتوكول، وهذا الالتزام الواقع على الدولة ببذل العناية الواجبة لمنع هذه الانتهاكات أو الحيلولة دون وقوعها وعقاب مرتكبيها لا يقتصر فقط على أفراد قواتها المسلحة، وإنما يشمل علاوة على ذلك، كل من يعمل تحت إشراف القادة العسكريين لهذه الدولة، ومن بينهم أفراد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي تؤدي مهام عسكرية لصالح الدولة.
والجدير بالذكر، أن وثيقة “مونترو” أشارت إلى أنه: “3- يقع على عاتق الدولة المتعاقدة التزام، في حدود سلطاتها، بكفالة تقيد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي تتعاقد معها بالقانون الإنساني الدولي، ولا سيما بما يلي: أ- كفالة توعية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وموظفيها بالتزاماتهم في هذا المجال، وتدريبهم على ذلك؛ ب- عدم تشجيع موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة على ارتكاب أي انتهاكات للقانون الإنساني الدولي أو المساعدة على ارتكابها، واتخاذ التدابير الملائمة لمنع ارتكابها؛ ج-اتخاذ التدابير الكفيلة بمنع موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة من انتهاك القانون الإنساني الدولي، وذلك بالوسائل المناسبة، مثل الأنظمة العسكرية والأوامر الإدارية، وغيرها من التدابير التنظيمية، فضلا عن فرض عقوبات إدارية وتأديبية وقضائية، حسب الاقتضاء. 4-وتتحمل الدولة المتعاقدة المسؤولية عن تنفيذ التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بوسائل منها اعتماد وتدابير قانونية أخرى، حسب الحاجة، لإعمال تلك الالتزامات، وتحقيقا لهذه الغاية، على عاتق هذه الدول التزام، في ظروف محددة، باتخاذ التدابير الملائمة لمنع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وموظفيها من ارتكاب أي سلوك في هذا المجال، ولإجراء التحقيقات وتوفير سبل الانتصاف الفعالة بشأنه”([70]).
ومما سبق، تسأل الدولة عن تصرفات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي تشكل انتهاكا لقواعد القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، ليس استنادا إلى نسبة هذه التصرفات إلى الدولة المتعاقدة مع هذه الشركات، وإنما استنادا لإخلال الدولة بالتزاماتها وعدم قيامها ببذل العناية الواجبة لمنع هذه الانتهاكات، كعدم قيامها بسن التشريعات وقواعد السلوك التي يجب أن تسير عليها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، التي تمارس عليها هذه الدولة اختصاصاتها أثناء النزاع المسلح، أو عدم قيامها بتوعية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وموظفيها بالتزاماتهم طبقا لقواعد القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، أو تمثل ذلك في عدم قيامها بتدريب موظفي هذه الشركات على كيفية تنفيذ التزامات هذه الدولة طبقا لقواعد القانون الدولي الإنساني، خصوصا إذا كانت مهام هؤلاء الموظفين تتعلق بالتعامل مع أسرى الحرب، أو التعامل مع غيرهم من الأشخاص المحميين بموجب اتفاقيات جنيف وغيرها من قواعد القانون الدولي الإنساني.
فإذا كانت الدولة قد تعاقدت مع شركة عسكرية أو أمنية خاصة ببعض المهام العسكرية أثناء النزاع المسلح، كان هناك التزام على عاتق هذه الدولة بضمان احترام هذه الشركات وموظفيها لقواعد القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان، فإذا انتهكت هذه الشركات أو موظفيها هذه الالتزامات تكون الدولة قد انتهكت بدورها الالتزام بكفالة احترام هذه الشركات وموظفيها لهذه القواعد، مما يترتب عليه مسؤولية الدولة لإخلالها بالتزامها ببذل العناية الواجبة لضمان احترام هذه القواعد ومنع انتهاكها([71]).
المطلب الثاني
المسؤولية الجنائية لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة
تثار المسؤولية الجنائية الفردية لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، لكل من يثبت تورطه في ارتكاب انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، أيا كان وضعه القانوني؛ أي سواء كان مقاتلا أم لا، طالما ارتكبت هذه الانتهاكات في سياق نزاع مسلح دوليا كان أم محليا.
أن ما يحدث من انتهاكات صارخة للقوانين والأعراف الدولية، والتي تورط فيها عدد من موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وعدم ملاحقتهم جنائيا، أثار مخاوف الكثيرين من إفلات هؤلاء الموظفين من العدالة، حال ارتكابهم جرائم حرب أو غيرها من الجرائم التي تشكل انتهاكا جسيما لقواعد القانون الدولي الإنساني أو قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، أثناء مشاركتهم في نزاع مسلح أيا كانت طبيعته، وتتزايد هذه المخاوف من إفلات موظفي تلك الشركات من العقاب، إذا تبين أن الدول المتعاقدة مع هذه الشركات والمستفيدة قد لا يكون لديها الإرادة السياسية في الملاحقة الجنائية لموظفي هذه الشركات([72])، لذلك نتناول بالدراسة المسؤولية الجنائية لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة عن الجرائم المرتكبة أثناء مشاركتهم في النزاع المسلح في الفرع الأول، ثم نتناول بالدراسة المسؤولية الجنائية لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أمام المحكمة الجنائية الدولية في الفرع الثاني.
الفرع الأول: المسؤولية الجنائية لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة عن الجرائم المرتكبة أثناء مشاركتهم في النزاع المسلح
نتناول بالدراسة في هذا الفرع مسؤولية موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة عن الجرائم المرتكبة أثناء مشاركتهم في النزاع المسلح في الفقرة الأولى، ثم نتناول بالدراسة مسؤولية الرؤساء المباشرين لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والذين يمارسون سلطة وسيطرة فعلية أثناء النزاع المسلح على هؤلاء الموظفين في الفقرة الثانية، ثم نتطرق إلى الصعوبات التي تواجه ملاحقة موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة جنائيا في الفقرة الثالثة، وذلك على النحو التالي:
الفقرة الأولى: مسؤولية الموظفين:
أن الالتزام باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني أثناء النزاع المسلح، هو التزام يقع في الأساس على عاتق الأفراد المشتركين في هذا النزاع، أيا كانت درجة أو طبيعة مشاركتهم فيه، طالما كانت هناك رابطة حقيقية بينهم وبين أحد أطراف النزاع، وكان سلوكهم مرتبطا بهذا النزاع، وكانوا في وضع يسمح لهم بانتهاك هذه القواعد، أي كانوا مقاتلين أو مدنيين([73])، فالالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني يسري في مواجهة كل من المقاتلين والمدنيين على حد سواء، طالما وجدت رابطة بينهم وبين النزاع المسلح، وأن المدنيين يسألون عن أي انتهاكات لقواعد القانون الدولي الإنساني، وهذا أحد المبادئ الراسخة منذ محاكمات طوكيو.
ويتضح من خلال ذلك أن موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي يتم التعاقد معها من قبل أحد أطراف النزاع المسلح، توجد بينهم وبين هذا الطرف الرابطة الحقيقية، التي تطلبتها المحاكم الجنائية الدولية في مثل هذه الحالات، سواء كان هؤلاء الموظفين يمارسون بعض اختصاصات السلطة الحكومية أم لا، أيا ما كانت الصفة القانونية أو الوضع القانوني الذي يتمتع به هؤلاء الموظفين في الحالة المعروضة، سواء تم اعتبارهم مقاتلين أم مدنيين أم غير ذلك، وبالتالي فإن التكييف القانوني للتجاوزات والانتهاكات التي يرتكبها أفراد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في هذ الحالة بأنها جرائم حرب، أما إذا كان التعاقد قد تم بين الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وإحدى شركات البترول أو إحدى المنظمات غير الحكومية التي تضطلع بمهام إنسانية، فإن الرابطة أو الصلة الحقيقية أو الواقعية لا تكون متوافرة، ولذلك فإن التكييف القانوني للتجاوزات والانتهاكات التي يرتكبها أفراد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في هذه الحالة بأنها جرائم عادية في إطار القانون الداخلي.
ويفهم من ذلك، حتى نكون بصدد جرائم حرب وليس مجرد جرائم عادية، يجب أن تكون هناك رابطة بين الفعل المرتكب، والذي يشكل انتهاكا لقواعد القانون الدولي الإنساني، والنزاع المسلح، بأن يكون النزاع المسلح قد لعب دورا أساسيا في ارتكاب هذا الفعل، سواء تمثل ذلك في قرار ارتكابه أو في طريقة ارتكابه، أو الغرض الذي ارتكب الفعل من أجل تحقيقه، وتكون هذه العلاقة واضحة إذا ارتكب الركن المادي للفعل المشكل للجريمة أثناء سير العمليات القتالية، ولذلك فإن الانتهاكات أو التجاوزات التي يقوم بها موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة الذين يشاركون في العمليات العسكرية بجانب القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع أو بديلا عنها، يمكن أن تشكل جرائم حرب.
وتجدر الإشارة إلى أن قواعد القانون الدولي الإنساني تستمر في التطبيق على كل الأقاليم الواقعة تحت سيطرة أحد أطراف النزاع، سواء كانت العمليات القتالية لا تزال مستمرة في المكان الذي ارتكبت فيه الأفعال المعنية أم لا، حيث يكفي في هذه الحالة أن تكون الأفعال محل الاعتبار قد ارتكبت نتيجة أو آثرا للعمليات القتالية، أو أنها جاءت تأكيدا للوضع الذي أوجدته العمليات القتالية، لذلك فالبحث ينصب على ما إذا كانت هذه الأفعال قد جاءت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنزاع المسلح ككل أم لا، دون أن يكون للمكان أو الزمان الذي ارتكبت فيهما الفعل الذي يشكل انتهاكا لقواعد القانون الدولي الإنساني، أي تأثير على تكييف هذا الفعل وما إذا كان يشكل إحدى صور جرائم الحرب أم لا.
لذلك فإن التجاوزات التي يقوم بها أفراد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في أماكن اعتقال أسرى الحرب الكائنة خارج مسرح العمليات القتالية، داخلة في إطار جرائم الحرب، التي يجب أن يسأل عنها هؤلاء الأفراد جنائيا، بصرف النظر عن مكان وزمان ارتكابها، طالما أنها جاءت مرتبطة بالنزاع المسلح الذي تعاقدت هذه الشركات الخاصة للاشتراك فيه([74]).
والجدير بالذكر، أن موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة قد يكونوا فاعلين أصليين لأي من جرائم الحرب، كما يمكن أن يكونوا كذلك شركاء أو مساهمين في ارتكاب هذه الجرائم، سواء تمثلت هذه المشاركة في تقديم المساعدة أو القيام بالتحريض أو الإغراء أو الحث على ارتكابها([75]).
وإلى جانب الركن المادي للجريمة، يجب توافر ركنها المعنوي من قبل موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة حتى يسألوا عن جرائم الحرب أو غيرها من الجرائم التي يرتكبونها أثناء مشاركتهم في النزاع المسلح، حيث يجب أن يكون هؤلاء الموظفين على علم بطبيعة سلوكهم، وأن من شأنه أن يحدث النتيجة التي يريدونها من ورائه، وأن يكونوا على علم كذلك بأن الشخص أو الأشخاص المعتدى عليهم هم من الأشخاص المحميين باتفاقية أو أكثر من اتفاقيات جنيف لعام 1949، أو أن سلوكهم يشكل انتهاكا جسيما للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية أو غير الدولية، حسب طبيعة النزاع الذي يشاركون فيه، فإذا انتفى الركن المعنوي المتمثل في العلم والإرادة، فلا يسأل الشخص المعني جنائيا عن أفعاله التي يرتكبها أثناء النزاع المسلح، سواء كان ذلك بصفته فاعلا أصليا للجريمة محل الاعتبار، أو بصفته شريكا أو مساهما في ارتكابها([76]).
والجدير بالذكر، أنه من الممكن مقاضاة موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أمام محاكم دول عدة، منها الدولة التي وقع فيها الجرم، والدولة التي ينتمي إليها الضحايا، والدولة التي ينتمي إليها المتهم بارتكاب الجرم، والدولة التي تحمل جنسيتها الشركة التي يعمل لديها مرتكب الجرم. وبالتالي يجب على كل دول العالم باعتبارها صدقت على اتفاقيات جنيف لعام 1949 أن تتعقب الأشخاص المشتبه في ارتكابهم انتهاكات جسيمة للاتفاقيات، أو للبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 بالنسبة للدول التي صدقت عليه، وأن تقوم بمقاضاة هؤلاء الأشخاص أو تسليمهم، ولها أن تمارس في ذلك الاختصاص العالمي أن أقتضى الأمر([77]).
الفقرة الثانية: مسؤولية الرؤساء :
لا تقتصر المسؤولية الفردية على موظفي الشركات العسكرية أو الأمنية الخاصة الذين يتورطون في ارتكاب انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وإنما تمتد لتشمل أيضا الرئيس المباشر الذي يمارس سلطة وسيطرة فعلية، على الشخص المتهم بارتكاب الفعل محل الاعتبار في ميدان القتال، وذلك إذا ثبت أن هذا الرئيس أو القائد المباشر لم يقم بممارسة سيطرته على أفراد الشركة الخاضعين لسيطرته وإمرته ممارسة سليمة وجدية، كما لو ثبت أنه كان يعلم أو كان يفترض أن يعلم من واقع الظروف المحيطة آنذاك أن الأشخاص الخاضعين لسيطرته وإمرته ارتكبوا أو على وشك أن يرتكبوا مثل هذه الانتهاكات، ولكنه لم يتخذ التدابير اللازمة والمعقولة لمنع وقمع مثل هذه التجاوزات، أو أنه لم يتخذ الإجراءات اللازمة لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمحاكمة على هذه الانتهاكات أو التجاوزات، حيث أن سلطات الرئيس المباشر على موظفي الشركات العسكرية أو الأمنية الخاصة المشتركين في النزاع المسلح مماثلة إلى حد كبير مع تلك السلطات التي يتمتع بها القادة العسكريون في ميدان القتال، باستثناء الرئيس الإداري في الشركة، فإنه لا يمارس سيطرة فعلية على هؤلاء الموظفين في ميدان القتال، ومن ثم فإنه لا يكون مسئولا عن أفعالهم والتي تشكل انتهاكا لقواعد القانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الإنسان، وذلك لعدم وجود القدرة الفعلية لمنع هذه الانتهاكات والعقاب عليها([78]).
الفقرة الثالثة: الصعوبات التي تواجه ملاحقة موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة جنائيا:
تواجه ملاحقة موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ومساءلتهم جنائيا عن الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، بعض الصعوبات القانونية والعملية والسياسية، والتي تتمثل في ما يلي([79]):
أولا: قد يتمتع موظفو الشركات العسكرية أو الأمنية الخاصة بحصانة ضد الملاحقة القضائية أمام محاكم الدول التي يعملون على إقليمها، على سبيل المثال الأمر رقم (17) الصادر في عام 2004 عن سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق، والذي يقضي بمنح المتعاقدين الخاصين حصانة من الخضوع للقوانين العراقية عما يرتكبونه من مخالفات، كما قد يمنحون الحصانة ضد ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية، على سبيل المثال ما قامت به الولايات المتحدة من إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بحصانات جنودها ومن تعاقدت معهم من المتعاقدين العسكريين، بهدف حمايتهم من الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية([80]).
ثانيا: قد يتوقف الجهاز القضائي في الدول التي تعمل فيها الشركات العسكرية أو الأمنية الخاصة، نتيجة لظروف النزاع المسلح، وهو المكان الذي يرجح اللجوء إليه لاتخاذ الإجراءات القانونية لملاحقة هؤلاء الموظفين قضائيا، عما قد يرتكبونه من انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني.
ثالثا: أن الدول المتعاقدة مع الشركات العسكرية أو الأمنية الخاصة، حين تكون هي المستفيدة من خدمات هذه الشركات، قد تكون عاجزة عن ممارسة اختصاصها القضائي تجاه موظفي هذه الشركات، إذا كانت هذه الشركات تعمل خارج أقاليم هذه الدول، وذلك لافتقارها إلى التشريع الوطني اللازم، الذي يمكنها من ملاحقة هؤلاء الموظفين قضائيا خارج حدود إقليمها. كما أنه حتى في حالة وجود التشريعات الداخلية التي تسمح بمثل هذه الملاحقة، قد لا تكون لدى هذه الدول الرغبة أو الإرادة السياسية للقيام باتخاذ الإجراءات للمقاضاة على انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وقعت في الخارج.
رابعا: أنه حتى في الحالات التي تكون فيها دول أخرى قادرة على أتخاذ هذه الإجراءات وراغبة في ذلك، بمعنى لديها تشريعات تسمح بالملاحقة القضائية عن الجرائم الواقعة خارج إقليم الدولة، فإن السير في الدعوى يكون معقدا؛ نظرا لوجود معظم الأدلة والشهود في البلد الذي وقعت فيه الانتهاكات، مما يصعب الحصول عليها لإجراء محاكمة عادلة.
الفرع الثاني: المسؤولية الجنائية لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أمام المحكمة الجنائية الدولية
أن تحقيق العدالة الجنائية في مواجهة موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، يستلزم اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك للحيلولة دون إفلاتهم من المساءلة عما يرتكبونه من جرائم، على الرغم من أن نظام عمل هذه المحكمة وطريقة إحالة الدعوى إليها، قد يؤدي إلى عدم استطاعتها ملاحقة كل موظفي هذه الشركات، خصوصا إذا كان هؤلاء الموظفين يحملون جنسية دولة ليست طرفا في النظام الأساسي للمحكمة، أو إذا كانت الجرائم التي ارتكبوها قد وقعت على إقليم أو على متن طائرة أو سفينة تابعة لدولة ليست طرفا في نظامها الأساسي، أو كانت الدولة التي يعملون لحسابها قد أبرمت اتفاقيات حصانات مع الدول الأطراف في النظام الأساسي لهذه المحكمة للحيلولة من ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لهؤلاء الموظفين.
وعلى الرغم من ذلك، فإن قيام المحكمة الجنائية الدولية في الحالات الداخلة في اختصاصها، بملاحقة موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، يؤدي إلى تحقيق العدالة الجنائية في مثل هذه الحالات، نظرا لما تتمتع به هذه المحكمة من إمكانية تؤهلها للاضطلاع بهذه المهمة، منها: قدرة المحكمة على التحقيق فيما ينسب لهؤلاء الموظفين من جرائم، قد تحتاج إلى جهة لديها من الإمكانات ما يؤهلها لجمع الأدلة واستقدام الشهود الذين قد يكونوا منتمين إلى جنسيات مختلفة، كما أن انتماء قضاة المحكمة إلى جنسيات مختلفة، وما يتمتعون به من كفاءة عالية، سيؤدي إلى إجراء محاكمات نزيهة وعادلة لهؤلاء الموظفين.
وتجدر الإشارة إلى أهمية اضطلاع المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، من حيث ترسيخ وتأكيد بعض السوابق القضائية فيما يتعلق بمساءلة وملاحقة هؤلاء الموظفين، على عكس ما تصدره المحاكم الوطنية من أحكام ضد هؤلاء الموظفين، التي قد لا تشكل السوابق القضائية التي يمكن الاهتداء بها في ملاحقة هؤلاء الموظفين، كما أن أحكام المحاكم الوطنية نظرا لعدم إعلانها بشكل كاف على المستوى الدولي، قد لا تكون رادعة لموظفي هذه الشركات، مثلما هو الحال بالنسبة لأحكام المحكمة الجنائية الدولية.
ومن الواضح أن اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، يكون أمرا ممكنا في حالة ما إذا كانت الجرائم المنسوبة لهؤلاء الموظفين قد ارتكبت على إقليم إحدى الدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة، أو إذا كان المجني عليه ينتمي إلى جنسية إحدى الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي، أو إذا قام مجلس الأمن بما له من سلطات طبقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حالة وضع ما إلى الحكم، وأثبتت التحقيقات التي أجراها المدعي العام للمحكمة تورط موظفي بعض هذه الشركات، المتعاقد معها من قبل إحدى الدول الأطراف في النزاع المسلح، في جرائم حرب أو جرائم إبادة أو جرائم ضد الإنسانية .
كما يمكن للمحاكم الجنائية للدول التي تأخذ بنظام الاختصاص الجنائي العالمي، ملاحقة موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة جنائيا حال ارتكابهم جرائم حرب أو جرائم إبادة أو جرائم ضد الإنسانية، أيا كان مكان ارتكابها وأيا كانت جنسية مرتكبيها.
ومما سبق، يعد اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية إحدى الطرق التي يمكن من خلالها التوصل إلى معالجة جزئية للثغرة المتعلقة بملاحقة موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، على ما يتورطوا فيه من انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الإنسان، أثناء مشاركتهم في النزاعات المسلحة بجانب القوات المسلحة فحدى الدول الأطراف في هذا النزاع، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار أن الدول المستفيدة من خدمات هذه الشركات الخاصة، غالبا ما لا يكون الإرادة السياسية لملاحقة موظفي هذه الشركات جنائيا أمام محاكمها الوطنية، كما أن النظام القضائي في الدول التي تعمل هذه الشركات على إقليمها أحيانا ما يكون غير قادر على ملاحقة هؤلاء الموظفين جنائيا، نظرا لما قد يترتب على النزاع المسلح من تأثير على فاعلية النظام القضائي في هذه الدول.
وبالتالي أن ضمان عدم إفلات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة من المساءلة الجنائية عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الإنسان، يجب على كل من الدول التي تتعاقد مع هذه الشركات والدول التي تعمل على إقليمها، وكذلك دول المنشأ لهذه الشركات، أن تعمل كل منها على تضمين تشريعاتها الوطنية ولاية قضائية جنائية، تسمح لها بملاحقة موظفي هذه الشركات حال تورطهم في جرائم دولية أثناء مشاركتهم في النزاعات المسلحة، أو جرائم منصوص عليها في قوانينها الوطنية، بالشكل الذي تضمن فيه سد الثغرات المتعلقة بملاحقة موظفي هذه الشركات، لتحقيق العدالة الجنائية([81]).
الخاتمة
أن الوضع القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، يختلف حسب طبيعة نشاطهم ومشاركتهم في النزاعات المسلحة الدولية، فقد ينطبق عليهم وصف المرتزقة والمدنيين، ولكن لا يمكن أن ينطبق عليهم وصف المقاتلين، وبالتالي يحرمون من وضع أسير الحرب، وتسأل الدولة المتعاقدة عن تصرفات موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، سواء بصفتهم يشكلون جزءا من قواتها المسلحة، أو بصفتهم لا يشكلون جزءا منها، أو نتيجة عدم قيامها ببذل العناية الواجبة، ويسأل جنائيا موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة عن الجرائم المرتكبة أثناء مشاركتهم في النزاع المسلح، وكذلك يسأل الرؤساء عن انتهاكات هؤلاء الموظفين لقواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد قانون حقوق الإنسان، وذلك رغم الصعوبات التي تواجه ملاحقة هؤلاء الموظفين جنائيا، إلا أنه يمكن مساءلتهم جنائيا أمام المحكمة الجنائية الدولية عن تصرفاتهم إذا شكلت انتهاكا لقواعد القانون الدولي.
وفي ما يلي نذكر أهم ما تم التوصل إليه خلال دراسة موضوع البحث كالتالي:
أولا: النتائج:
1-أن موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة هم في النهاية مرتزقة، رغم وصفهم بالموظفين الأمنيين أو المتعاقدين العسكريين، حيث أنهم لا يدافعون عن قضايا عادلة يؤمنون بها، بل يقبلون الاشتراك في نزاع مسلح لا ينتمون بجنسيتهم لأي من أطرافه، بهدف تحقيق الربح المادي.
2-أن موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لا ينطبق عليهم صفة المقاتلين، وذلك لعدم اعتبارهم أفراد ينتمون إلى القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، كما أنهم ليسوا أفرادا في ميليشيات أو وحدات متطوعة أخرى تابعة لأي دولة طرف في النزاع، وإن كانت لا تشكل جزءا من قواتها المسلحة، وبالتالي لا يمكنهم التمتع بالحقوق التي ترتبها المعاهدات الدولية زمن النزاعات المسلحة الدولية، لا سيما وضع أسير الحرب، وذلك لعدم توافر شروط المقاتل فيهم.
3-أن موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة المرافقين للقوات المسلحة، وهم في الأصل مدنيون، والذين تناولتهم المادة (4/أ-4) من اتفاقية جنيف الثالثة، يعتبرون الاستثناء الوحيد من حيث استفادتهم من وضع أسير الحرب، رغم أنهم غير مقاتلين، أما إذا اشتركوا في العمليات العدائية بصورة مباشرة، فإنهم بالتالي يخرجون من دائرة المستفيدين من هذا الوضع.
4-إن تقرير الحماية لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وتحديد مركزهم القانوني يتوقف على مدى مشاركتهم المباشرة والفعالة في العمليات القتالية، دفاعية كانت أو هجومية، إلى جانب أحد أطراف النزاع المسلح.
5-أغلب النصوص القانونية التي تم الاسترشاد إليها لا تنطبق إلا على النزاعات المسلحة الدولية، دون النزاعات المسلحة غير الدولية التي تعد البيئة الخصبة لتدخل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
6-على الرغم من كون أكثر النزاعات المسلحة الراهنة التي تنشط فيها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، هي نزاعات مسلحة غير دولية، إلا أن الأحكام المتعلقة بالمرتزقة وردت في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1977 المتعلق بالنزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي فقط، مما يبعد مسألة تكييف بعض موظفي هذه الشركات الناشطين في النزاعات المسلحة غير الدولية.
7-تسعى الدولة المتعاقدة مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة إلى التحلل من المسؤولية عن سلوك وتصرفات موظفي هذه الشركات، استنادا لكونهم لا يشكلون جزءا من قواتها المسلحة، ولا يدخلون في عداد الأجهزة التابعة للدولة، والتي تسأل عن تصرفاتها على المستوى الدولي، إلا أن قواعد القانون الدولي ذات الصلة، وما رسخه القضاء الدولي في العديد من أحكامه، إلى أن الجهات المستفيدة من خدمات هذه الشركات دولا كانت أو منظمات دولية، تسأل عن سلوك وتصرفات موظفي هذه الشركات أيا كان وضعهم القانوني.
8-أن التجاوزات والانتهاكات لقواعد القانون الدولي الإنساني التي قد يتورط فيها موظفو هذه الشركات، يمكن أن تشكل جرائم حرب أو غيرها من الجرائم الدولية، التي يجب أن يسأل عنها هؤلاء الموظفين جنائيا، بصرف النظر عن الجهة التي تتولى ملاحقتهم قضائيا.
9-ضرورة ضمان الحماية اللازمة لحقوق الإنسان، وضمان حصول ضحايا انتهاكات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة على تعويضات لحقوقهم المنتهكة إعمالا بمبدأ الإنصاف.
ثانيا: التوصيات:
1-ضرورة إعادة النظر في تعريف المرتزقة بمعناه التقليدي، من خلال توسيع هذا المفهوم بما يتفق والتطورات الحديثة التي طرأت على الأطراف الفاعلة في النزاعات المسلحة المعاصرة، وإدخال نشاط الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ضمن ذلك المفهوم، لأن موظفي هذه الشركات هم مرتزقة جدد.
2-إيجاد حل للإشكالية القانونية المرتبطة بالوضع القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، لا سيما تحديد وبدقة المقصود بالمشاركة المباشرة في العمليات القتالية.
3-إعادة تنظيم الأطر القانونية التي تحكم نشاط الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وذلك بسن تشريعات للسيطرة عليها، وتحديد عقود موظفيها، وتحميلها المسؤولية القانونية في حالة انتهاكها حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني.
4-يجب أن يكون هناك التزام على الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، بتقديم أي فرد من افرادها يتورط في ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو غيرها من الجرائم الدولية إلى المحاكمة الجنائية، سواء تمت هذه المحاكمة أمام محاكم الدولة التي تعمل على إقليمها الشركة، أو محاكم الدولة المتعاقدة معها، إذا كان لديها من التشريعات الداخلية ما يسمح لها بملاحقة هؤلاء الموظفين، أو قيام الشركة بتسليم هؤلاء الأشخاص إلى دولهم لتتولى محاكمتهم عن هذه الجرائم، وعليها أن تقدم كل المساعدة والدعم لأي محكمة دولية يحال إليها أي من أفراد هذه الشركات لمساءلته جنائيا عما ينسب إليه من جرائم.
5-ضرورة قيام الدول التي تعمل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة على أراضيها، بوضع الإجراءات والتدابير المناسبة لضمان مساءلة موظفي هذه الشركات، عما ينسب إليهم من تجاوزات أو انتهاكات لقواعد القانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الإنسان، أثناء تنفيذهم للمهام المتعاقد عليها، وضمان تحمل الشركة المسؤولية الكاملة عن مثل هذه الانتهاكات أو تلك التجاوزات.
6-ضرورة العمل إلى التوصل لاتفاقية دولية تنظم عمل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، بصورة متكاملة لا يعتريها النقص والغموض، ترسم سياسة موحدة تنظم عملية التعاقد معها، خصوصا فيما يتعلق بضوابط وشروط مشاركتها في النزاعات المسلحة، مثل حظر تقديم خدماتها لأية قوات غير حكومية، أو المشاركة في أية عمليات عسكرية تهدف إلى الإطاحة بالحكومات القائمة، وبشكل عام حظر استخدام هذه الشركات في أية أعمال تتعارض مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة، وكذلك تضمن مساءلتها موظفيها في حالات انتهاك القانون على جميع المستويات، لا سيما في ضوء تزايد اللجوء إلى التعاقد معها من قبل الدول أو المنظمات الدولية.
قائمة المصادر والمراجع
أولا: الكتب:
1-السيد أبو الخير، الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة “دراسة قانونية سياسية”، الطبعة الأولى، إيتراك، 2008.
2-صلاح الدين عامر، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة مجرمي الحرب، منشور في القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على المستوى الوطني، إصدار اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، دار المستقبل العربي، 2003.
3-محمد عبدالكريم حسن عزيز، مسؤولية المقاتل عن انتهاك القانون الدولي الإنساني، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، مصر، 2018.
ثانيا: الرسائل:
1-بن عزيزة محمد، ولد يحيى محمد، مشكلة المرتزقة في النزاعات المسلحة، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة يحيى فارس بالمدية، الجزائر، 2021-2022.
2-بركاني خديجة، حماية المدنيين في النزاعات المسلحة غير الدولية، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة قسنطينة، الجزائر، 2008.
3-نمر محمد الشهوان، مشكلة المرتزقة في النزاعات المسلحة، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط، الأردن، 2012.
ثالثا: الدوريات
1-بسمة خليل توم، الشركات الأمنية الخاصة بين حدود المسؤولية القانونية وواقع الممارسة في دول ثورات الربيع العربي 2011-2020، الأبحاث-الدراسات، ربيع 2021.
2-تواتي حليمة، الوضع القانوني للشركات الأمنية والعسكرية الخاصة في ظل قواعد القانون الدولي الإنساني، المجلة الأكاديمية للبحث القانوني، المجلد (11)، العدد (02)- (عدد خاص)، 2020.
3-خديجة عرسان، الشركات الأمنية الخاصة في ضوء القانون الدولي الإنساني، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد28، العدد1، 2012.
4-عادل عبدالله المسدي، الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في ضوء قواعد القانون الدولي “دراسة للوضع القانوني لموظفي هذه الشركات والمسئولية عن تصرفاتهم”، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد65، العدد65، 2009.
5-عبد علي محمد سوادي، المركز القانوني للشركات الأمنية في القانون الدولي الإنساني، مجلة رسالة الحقوق، السنة السادسة، العدد الثالث، 2014.
6-طالب ياسين، المركز القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أثناء النزاعات المسلحة الدولية، حوليات جامعة الجزائر1، المجلد 35، العدد2، 2021.
7-ماهر جميل أبوخوات، الوضع القانوني للمرتزقة وموظفي الشركات الأمنية الخاصة أثناء النزاعات المسلحة، دراسات علوم الشريعة والقانون، المجلد 39، العدد1، 2012.
رابعا: الاتفاقيات:
1-البروتوكول الإضافي الأول 1977 المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني.
2- النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
3- اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949.
4-اتفاقية لاهاي لعام 1907 الخاصة بالحرب البرية.
خامسا: الوثائق:
1-الوثيقة A/HRC/WG.10/1/2
2-الوثيقة: Supplement No 10(A/56/1) الفقرتين (7-13).
3-مشروع مواد لجنة القانون الدولي حول مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليا لعام 2001، تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الثانية والخمسين، حولية لجنة القانون الدولي، المجلد الثاني، الجزء الثاني، 2001.
4-وثيقة “مونترو” بشأن الالتزامات القانونية الدولية والممارسات السليمة للدول ذات الصلة بعمليات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أثناء النزاع المسلح، الملحقة برسالة الممثل الدائم لسويسرا إلى أمين عام الأمم المتحدة في 2 أكتوبر 2008، الوثيقة: A./467-S/2008/636
الهوامش:
-
)) بسمة خليل توم، الشركات الأمنية الخاصة بين حدود المسؤولية القانونية وواقع الممارسة في دول ثورات الربيع العربي 2011-2020، الأبحاث-الدراسات، ربيع 2021، ص195، ينظر أيضا: السيد أبو الخير، الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة “دراسة قانونية سياسية”، الطبعة الأولى، إيتراك، 2008، ص132 وما بعدها. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في ضوء قواعد القانون الدولي “دراسة للوضع القانوني لموظفي هذه الشركات والمسئولية عن تصرفاتهم”، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد65، العدد65، 2009، ص20. ↑
-
)) خديجة عرسان، الشركات الأمنية الخاصة في ضوء القانون الدولي الإنساني، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد28، العدد1، 2012، ص490. ↑
-
)) بسمة خليل توم، الشركات الأمنية الخاصة بين حدود المسؤولية القانونية وواقع الممارسة في دول ثورات الربيع العربي 2011-2020، مرجع سابق، ص196. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في ضوء قواعد القانون الدولي “دراسة للوضع القانوني لموظفي هذه الشركات والمسئولية عن تصرفاتهم”، مرجع سابق، ص21. ↑
-
)) المرجع السابق، ص22. ↑
-
)) المرجع السابق نفسه، ص47-48. ↑
-
)) تواتي حليمة، الوضع القانوني للشركات الأمنية والعسكرية الخاصة في ظل قواعد القانون الدولي الإنساني، المجلة الأكاديمية للبحث القانوني، المجلد (11)، العدد (02)- (عدد خاص)، 2020، 419. ↑
-
)) ينظر: نص المادة (47/2) في البروتوكولان الإضافيان إلى اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 أغسطس 1949، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيف، الطبعة الرابعة، 1977، ص39. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في ضوء قواعد القانون الدولي “دراسة للوضع القانوني لموظفي هذه الشركات والمسئولية عن تصرفاتهم”، مرجع سابق، ص65. ↑
-
)) اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية للقضاء على الارتزاق في إفريقيا، اعتمدت ووقعت في ليبرفيل، الغابون في 3 يوليو 1977، دخلت حيز التنفيذ في 22 أبريل 1985. ↑
-
)) ماهر جميل أبوخوات، الوضع القانوني للمرتزقة وموظفي الشركات الأمنية الخاصة أثناء النزاعات المسلحة، دراسات علوم الشريعة والقانون، المجلد 39، العدد1، 2012، ص166. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في ضوء قواعد القانون الدولي، مرجع سابق، ص67. ↑
-
)) نمر محمد الشهوان، مشكلة المرتزقة في النزاعات المسلحة، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط، الأردن، 2012، ص24. ↑
-
)) بن عزيزة محمد، ولد يحيى محمد، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة يحيى فارس بالمدية، الجزائر، 2021-2022، ص15. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في ضوء قواعد القانون الدولي، مرجع سابق، ص69. ↑
-
)) تنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من هذه الاتفاقية على أن: “وفي حالة وجود أي شك بشأن انتماء أشخاص قاموا بعمل حربي وسقطوا في يد العدو إلى إحدى الفئات المبينة في المادة (4)، فإن هؤلاء الأشخاص يتمتعون بالحماية التي تكفلها هذه الاتفاقية لحين البت في وضعهم بواسطة محكمة مختصة”. ↑
-
)) طالب ياسين، المركز القانوني لموظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أثناء النزاعات المسلحة الدولية، حوليات جامعة الجزائر1، المجلد 35، العدد2، 2021، ص680. ↑
-
)) المرجع السابق، ص680-681. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص78. ↑
-
)) وأكد على هذا المقرر الخاص بشأن “استخدام المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان وإعاقة ممارسة حق الشعوب في تقرير المصير”، حيث أشار إلى ضرورة ان يشمل التعريف القانوني الجديد عمل المرتزقة لدى الشركات الخاصة التي تقدم خدمات الاستشارة والمساعدة والأمن العسكري على الصعيد الدولي، والتي توظفهم عادة في بلدان تدور فيها نزاعات مسلحة، ينظر: المرجع السابق، ص79. ↑
-
)) طالب ياسين، مرجع سابق، ص861. ↑
-
)) المرجع السابق، ص862. ↑
-
)) تنص المادة (43) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 على أن: “1-تتكون القوات المسلحة لطرف النزاع من كافة القوات المسلحة والمجموعات والوحدات النظامية التي تكون تحت قيادة مسئولة عن سلوك مرؤوسيها قبل ذلك الطرف حتى ولو كان ذلك الطرف ممثلا بحكومة أو بسلطة لا يعترف الخصم بها. ويجب أن تخضع مثل هذه القوات المسلحة لنظام داخلي يكفل فيما يكفل إتباع قواعد القانون الدولي التي تطبق في النزاع المسلح. 2-يعد أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع “عدا افراد الخدمات الطبية والوعاظ الذين تشملهم المادة 33 من الاتفاقية الثالثة” مقاتلين معنى أن لهم حق المساهمة المباشرة في الأعمال العدائية. 3-إذا ضمت القوات المسلحة لطرف في نزاع أو هيئة شبه عسكرية مكلفة بفرض احترام القانون وجب عليه إخطار أطراف النزاع الخرى بذلك”.
ينظر: نص المادة (43) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 إلى اتفاقيات جنيف الثالثة المعقودة في 12 أغسطس 1949، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيف، الطبعة الرابعة، 1998، ص36. ↑
-
)) ينظر: نص الفقرات “6،3،2،1″من الفقرة “أ” من المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، المرجع السابق، ص95-96. ↑
-
)) طالب ياسين، مرجع سابق، ص862. ↑
-
)) محمد عبدالكريم حسن عزيز، مسؤولية المقاتل عن انتهاك القانون الدولي الإنساني، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، مصر، 2018، ص53-54. ↑
-
)) تواتي حليمة، مرجع سابق، ص417. ↑
-
)) المرجع السابق، ص418. ↑
-
)) محمد عبدالكريم حسن عزيز، مرجع سابق، ص53. ↑
-
)) تنص المادة الأولى فقرة “1” من اتفاقية لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 على : “أن قوانين الحرب وحقوقها وواجباتها لا تطبق على الجيش فقط، بل تطبق أيضا على أفراد الميليشيات والوحدات المتطوعة …”. ↑
-
)) عبد علي محمد سوادي، المركز القانوني للشركات الأمنية في القانون الدولي الإنساني، مجلة رسالة الحقوق، السنة السادسة، العدد الثالث، 2014، ص83. ↑
-
)) طالب ياسين، مرجع سابق، ص862-863. ↑
-
)) تواتي حليمة، مرجع سابق، ص417. ↑
-
)) طالب ياسين، مرجع سابق، ص864. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص84-85، ينظر أيضا: عبد علي محمد سوادي، موجع سابق، ص83. ↑
-
)) طالب ياسين، مرجع سابق، ص864-865. ↑
-
)) عبد علي محمد سوادي، مرجع سابق، ص82-83. ↑
-
)) لمزيد من التفصيل ينظر: المرجع السابق، ص87-88. ↑
-
)) طالب ياسين، مرجع سابق، ص866. ↑
-
)) بركاني خديجة، حماية المدنيين في النزاعات المسلحة غير الدولية، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة قسنطينة، الجزائر، 2008، ص87-93. ↑
-
)) طالب ياسين، مرجع سابق، ص867. ↑
-
)) تواتي حليمة، مرجع سابق، ص414. ↑
-
)) ينظر: نص المادة (50) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة الصادرة في 12 أغسطس 1949، المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة والصادر في 08/06/1977. ↑
-
)) تواتي حليمة، مرجع سابق، ص415. ↑
-
)) طالب ياسين، مرجع سابق، ص867. ↑
-
)) لمزيد من التفصيل ينظر: عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص103 وما بعدها. ↑
-
)) المرجع السابق، ص99 وما بعدها. ↑
-
)) تواتي حليمة، مرجع سابق، ص416-417. ↑
-
)) طالب ياسين، مرجع سابق، ص868. ↑
-
)) عبد علي محمد سوادي، مرجع سابق، ص90. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص106-107. ↑
-
)) ينظر: الوثيقة A/HRC/WG.10/1/2، ص3-4. ↑
-
)) خديجة عرسان، الشركات الأمنية الخاصة في ضوء القانون الدولي الإنساني، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد28، العدد الأول، 2012، 499-500. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص111. ↑
-
)) ينظر: مشروع مواد لجنة القانون الدولي حول مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليا لعام 2001، تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الثانية والخمسين، حولية لجنة القانون الدولي، المجلد الثاني، الجزء الثاني، 2001، ص53.
وقد اعتمد مشروع لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول عن الفعال غير المشروعة دوليا بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 كانون الثاني 2002، -A\56\589 ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص113. ↑
-
)) ينظر: التعليق على نص المادة الرابعة في الوثيقة: Supplement No 10(A/56/10)
الفقرتين (7-13)، ص61،63 على التوالي. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص114-115. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص116، ينظر أيضا: عبد علي محمد سوادي، مرجع سابق، ص100 وما بعدها. ↑
-
)) خديجة عرسان، مرجع سابق، ص502. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص118. ↑
-
)) تجدر الإشارة إلى أن ذلك الأمر، لا يستلزم قانونا خاصا بكل شركة عسكرية أو أمنية خاصة يعطيها هذا التخويل، وإنما يكفي أن يكون التعاقد مه هذه الشركة الخاصة قد تم من قبل سلطات الدولة المتعاقدة، في إطار قواعد القانون الداخلي التي تعطيها هذه السلطة في التعاقد، فالعقد المبرم بين سلطات الدولة والشركة الخاصة كافيا لتوافر هذا المطلب، حيث لا يمكن اشتراط قانون خاص بكل شركة عسكرية أو أمنية خاصة يعطيها هذا التفويض. ينظر: المرجع السابق، ص119.
وإن كان البعض يرى عكس ذلك، ضرورة وجود نص صريح يعطي للشركة العسكرية أو الأمنية الخاصة سلطة الاضطلاع ببعض وظائف السلطة الحكومية. ينظر: عبد علي محمد سوادي، مرجع سابق، ص101. ↑
-
)) ينظر: مشروع مواد لجنة القانون الدولي حول مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليا لعام 2001، تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الثانية والخمسين، حولية لجنة القانون الدولي، مرجع سابق، ص59. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص121. ↑
-
)) المرجع السابق، ص128، ينظر أيضا: تواتي حليمة، مرجع سابق، ص421-422. ↑
-
)) كان ذلك بمناسبة حكم الدائرة الاستئنافية التابعة للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة جمهورية يوغسلافيا الاتحادية السابقة والصادر في 15يوليو 1999، الذي اسند مسؤوليتها عن التصرفات التي قام بها “صرب البوسنة” في مدينة “سريبرينتشا” عام 1995 لما كانت تمارسه حكومة بلغراد من رقابة وإشراف على هذه القوات، استنادا إلى الرقابة العامة، وهذ الحكم عكس حكم محكمة العدل الدولية في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية 1986، حيث حدد مسؤولية الولايات المتحدة عن الأفعال التي قام بها مقاتلو الكونترا إلى الرقابة الفعلية وليس الرقابة العامة للدولة على تلك الأفعال، وقد اعتبرت الدائرة الاستئنافية أن معيار الرقابة الذي تبنته محكمة العدل الدولية في هذه القضية الأخيرة، لا يبدو متفقا مع المنطق الذي يقوم عليه قانون مسؤولية الدولة، مشيرة إلى أن مبادئ القانون الدولي المتعلقة بنسبة أفعال الأشخاص أو الكيانات الخاصة لا تستند إلى معيار واحد وجامد، وأن الأساس المنطقي الذي يكمن وراءه نص المادة الثامنة من مشروع المواد الخاصة بمسؤولية الدولة، يتمثل في منع الدول من التهرب أو الإفلات من المسؤولية الدولية، من خلال قيامها بالاعتماد على الكيانات الخاصة لأداء بعض المهام التي تقوم بها عادة أجهزتها الرسمية، والادعاء بان هذه الكيانات ليست جهازا يتصرف باسم الدولة، أو أنها لا تمارس طبقا لقوانينها الداخلية بعض مظاهر السلطة الحكومية، هادفة من ذلك تبرئة نفسها من أية مسؤولية عن تصرفات هذه الكيانات عندما تشكل انتهاكا لقواعد القانون الدولي، لمزيد من التفصيل ينظر: عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص121 وما بعدها. ↑
-
)) وتجدر الإشارة إلى ضرورة وجود علاقة أو صلة بين التعليمات أو التوجيهات التي تقوم بها الدولة المتعاقدة أو رقابتها العامة على تصرفات أفراد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، وبين التصرف الذي يشكل انتهاكا لقواعد القانون الدولي الإنساني أو قانون حقوق الإنسان، حتى تسأل الدولة عن هذا التصرف باعتباره تصرفا صادرا من أحد أجهزتها الواقعية، أما إذا ثبت عدم وجود هذه العلاقة أو تلك الصلة، فلا تسأل الدولة عن هذا التصرف، وإن كان يثير المسؤولية الجنائية الفردية لمن قام بهذا التصرف، إلا إذا ثبت عدم قيام الدولة المعنية ببذل العناية الواجبة لمنع هؤلاء الأشخاص من ارتكاب هذه الانتهاكات أو إهمالها في ملاحقتهم قضائيا، حيث تسأل الدولة في هذه الحالة استنادا لإخلالها بالتزاماتها الدولية، وليس استنادا لنسبة تصرفات موظفي هذه الشركات إليها، ينظر: المرجع السابق، ص129-130. ↑
-
)) المرجع السابق نفسه، ص131 وما بعدها.
وتجدر الإشارة إلى أن الالتزام ببذل العناية الواجبة لا يقع فقط على عاتق الدولة المتعاقدة مع الشركة العسكرية أو الأمنية الخاصة، وإنما يقع كذلك على عاتق كل من الدولة التي تعمل على إقليمها هذه الشركة، وأيضا الدولة المسجلة فيها، حيث يترتب على عدم قيام أي من هذه الدول الثلاث ببذل العناية الواجبة لكفالة احترام هذه الشركات أو موظفيها لقواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد قانون حقوق الإنسان مسؤولية كل دولة من هذه الدول لإخلالها بالتزاماتها الدولية، لمزيد من التفصيل ينظر: عبد علي محمد سوادي، مرجع سابق، ص103 وما بعدها. ↑
-
)) ينظر: وثيقة “مونترو” بشأن الالتزامات القانونية الدولية والممارسات السليمة للدول ذات الصلة بعمليات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أثناء النزاع المسلح، الملحقة برسالة الممثل الدائم لسويسرا إلى أمين عام الأمم المتحدة في 2 أكتوبر 2008، الوثيقة: A./467-S/2008/636، ص8. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص133-134. ↑
-
)) وخير مثال على ذلك، ما حدث في سجن أبو غريب 2003، من بعض موظفي شركتي (CACI) و (Titan Corp)، لمزيد من التفصيل ينظر: المرجع السابق، ص135. ↑
-
)) صلاح الدين عامر، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة مجرمي الحرب، منشور في القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على المستوى الوطني، إصدار اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، دار المستقبل العربي، 2003، ص457،455. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص140 وما بعدها. ↑
-
)) ينظر: نص المادة (25) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي أشارت في فقرتها الثالثة إلى صور المشاركة في ارتكاب أي من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة. ↑
-
)) وهذا ما أكدت عليه المادة (30) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي أشارت في فقرتها الأولى إلى أنه: “ما لم ينص على غير ذلك، لا يسأل الشخص جنائيا عن جريمة تدخل في اختصاص المحكمة ولا يكون عرضة للعقاب على هذه الجريمة، إلا إذا تحققت الأركان المادية مع توافر القصد والعلم”. ↑
-
)) ينظر: نص المادة (49) من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة (50) من اتفاقية جنيف الثانية، والمادة (129) من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادة (146) من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة (85) من البروتوكول الإضافي الأول، واتفاقيات جنيف توجب على الدول قمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني التي لا تندرج في عداد الانتهاكات الجسيمة. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص143-144، ينظر أيضا: عبد علي محمد سوادي، مرجع سابق، ص93.
وهذا ما أكدت عليه الفقرة الثانية من المادة (86) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، حيث ذكرت صراحة مسؤولية الرؤساء عن المخالفات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني. ↑
-
)) عبد علي محمد سوادي، مرجع سابق، ص91 وما بعدها. ↑
-
)) عادل عبدالله المسدي، مرجع سابق، ص151-152. ↑
-
)) المرجع السابق، ص154 وما بعدها. ↑