ظاهرة الإبدال في لهجة أنجمينا العربية العامية (دراسة تحليلية تطبيقية على مدينة أنجمينا)

د/ حسين محمد إشيقر1، د/ كاسر الصادق أحمد2

1 محاضر بالمعهد العالي لإعداد المعلمين بأنجمينا، ورئيسا لقسم اللغة العربية.

2 محاضر بجامعة الملك فيصل، وعميدا لكلية اللغة العربية.

HNSJ, 2024, 5(10); https://doi.org/10.53796/hnsj510/14

تحميل الملف

تاريخ النشر: 01/10/2024م تاريخ القبول: 20/09/2024م

طريقة التوثيق


المستخلص

إن ظاهرة الابدال في لهجة أنجمينا العربية العامية وما تتضمنه من لهجات محلية كثيرة، وعليه فإن هذا البحث يتناول عددا من الاحرف التي تغيرت وتبدلت معانيها بأحرف أخرى وكذلك الاصوات، لسبب أو أسباب، ساعدت في تبدلها أو تغيرها من حين لآخر، وفي مقدمتها: حرف الهمزة، وما يعتريها من تبدل وتغيير، وذلك في ثلاث مواضع، يليها حرف الثاء في ثلاث مواضع أيضا، ثم الابدال في الجيم، والحاء، ثم إبدال الذال في موضعين، ثم الابدال في الصاد، والطاء، ثم إبدال الظاء في ثلاث مواضع، ثم الابدال في العين، والغين، والفاء ثم إبدال في القاف في ثلاث مواضع، وأخيرا، الابدال في الباء والميم.

هذه هي أهم الحروف التي تناولها هذا البحث، مع الاهتمام بالأحرف الاخرى، دون سهو أو نسيان لدورها الفعال في العملية اللغوية التبادلية، والدراس لهذه اللهجة لا يقف عند حدود معينة، لان دائرتها أو سع مما يتصور، ومعاييرها متغيره، وإطارها المعرفي كبير، ومختلف باختلاف الازمنة والعصور، فمن هنا لا يمكن للباحث الاحاطة بهذه الفنون كلها في وقت واحد، لأنها قد تكون في تطور وتزايد مطرد، غير منتظم، مسايرة لبيئتها ولمكلميها، وسوف يكون هذا البحث خطوة على الطريق، وعلى القاريء الكريم استكمال بعض النقائص التي لم تحظ بحقها، لأنه عمل إنسان، قد يشيبه الزيادة أو النقصان، والكمال لله وحده، هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الكلمات المفتاحية: ظواهر – إبدال – لهجات – آمية

Research title

The phenomenon of substitution in the N’Djamena dialect Arabic colloquial

(An applied analytical study on the city of N’Djamena)

Dr. Hissein Mahamat Ichéguir1, Dr. Kassir Al Sadick Ahmat2

1 Lecturer at the Higher Institute for Teacher Training in Angemena, and Head of the Arabic Language Department

2Lecturer at King Faisal University, and Dean of the College of Language Arabic

HNSJ, 2024, 5(10); https://doi.org/10.53796/hnsj510/14

Published at 01/10/2024 Accepted at 20/09/2024

Abstract

The phenomenon of substitution in the dialect of N’Djamena Arabic colloquial and what it contains of many local dialects, and therefore this research deals with a number of letters that have changed and changed their meanings with other letters as well as sounds, for a reason or reasons, helped in changing or changing them from time to time, and in the foreground: the letter Hamza, and the change and change, in three places, followed by the letter Thaa in three places as well, then the substitution in the gym, and the H, then the replacement of the humiliation in two places, then the substitution in the sad, And Taa, then the substitution of Zaa in three places, then the substitution in the eye, the Ghain, and the faa, then the substitution in the qaf in three places, and finally, the substitution in the baa and the meem.

These are the most important letters addressed by this research, with attention to other letters, without oversight or forgetting their effective role in the linguistic process exchange, and the study of this dialect does not stop at certain limits, because its circle or the capacity of what is imagined, and its standards are variable, and its cognitive framework is large, and different according to times and eras, it is here that the researcher can not surround these arts all at once, because they may be in the development and steady increasing, irregular, keeping pace with their environment and their words, This research will be a step on the road, and the reader Karim complete some of the shortcomings that did not receive its right, because it is the work of a human being, may be tainted by increase or decrease, and perfection to God alone, this and the last of our prayers that praise be to God, Lord of the worlds.

Key Words: phenomena – substitution – dialects – illiterate

مقدمة

إن أهم التغيرات التي تطرأ على المتكلم في هذه اللغة (اللهجة) هي تغيير بعض الحروف والاصوات، وهذه الظاهرة تكاد تكون متأثرة باللهجات العربية القديمة في تبديل الحروف بعضها ببعض، وبهذا الصدد لا تعد ظاهرة جديدة، بل يمكن القول عنها: بأنه توارث اجتماعي لغوي خلفه السلف الصالح لهذه الامة، مروراً بأحقاب عديدة، حتى يتسنى للأمم اللاحقة أن تدخل فيه بعض التغيرات والتبدلات من عصر لآخر، تمشياً مع مقتضيات عصرها الحالي، ومع متطلبات البيئة التي يعيشها ذاتية المتغير.

وان التغيير أو التبديل الذي ورد في هذه اللهجة يشتمل على كثير من الحروف التي يتعامل بها سكان مدينة أنجمينا في أحاديثهم اليومية، من بيع وشراء، وزواج، ومناسبات دينية، كالذي يحدث في الدوائر الحكومية أو تلك التي تسمى بالمرافق العامة.

فمن خلال هذا العنوان: ظاهرة الإبدال في لهجة أنجمينا العربية العامية (دراسة تحليلية تطبيقية على مدينة أنجمينا)، تتناول الدراسة الكثير من الحروف، وكيفية نطقها أو توظيفها في لهجة أنجمينا العربية العامية، وفي مقدمة هذه الحروف: الهمزة، والثاء والجيم والحاء والذال، ثم الصاد والطاء والظاء والعين والغين، ثم الفاء والقاف واللام والميم، هذه اربعة عشر حرفاً من بين الاحرف الهجائية، وهي غالباً ما تكون مهمة، إذا نظرنا إلى الدور الذي تقوم به في الحديث اليومي من حيث العملية الخطابية لدى السكان، لاسيما أهل مدينة أنجمينا بوجه الخصوص، ويضم البحث خمسة مسائل لغوية:

ــ المسألة الاولى: التعريف بالإبدال وأسبابه وآراء العلماء حوله،

ــ المسألة الثانية: الابدال في الهمزة بمختلف أنواعها،

ــ المسألة الثالثة: الابدال في الثاء والجيم والحاء والذال،

ــ المسألة الرابعة: الابدال في الصاد والطاء والظاء والعين والغين،

ــ المسألة الخامسة: الابدال في الفاء والقاف واللام والميم،

وخلاصة الامر: أن هذا الابدال ليس مخالفا لما ورد في اللغة العربية، وإنما هو حدث نتيجة للتطور اللغوي( الصوتي) الذي يكون في هذه اللهجة من حين لآخر، مسايرة للعصر الذي تعيشه هذه اللهجة، وفي ظل التغيرات، والتأثير الذي يحدث عن طريق التزاحم اللغوي، الكائن بين القبائل الوافدة من المناطق التشادية بمختلف طبائها، وعاداتها، وقيمها اللغوية والاخلاقية.

أسباب إختيار الموضوع

رأى الباحث أن التغيرات الصوتية، والابدالات الحرفية، التي تحدث في المناسبات الدينية، وفي الدوائر الحكومية، وتلك التي تحدث في الاسواق العامة وغيرها، واختلاف لهجة الخلف عن لهجة السلف، كانت سببا لاختيار هذا الموضوع، لاظهار الفوارق اللغوية الدقيقة، التي تميز بها الخلف عن السلف.

مشكلة البحث:

تكمن مشكلة البحث، في أن لهجة أنجمينا العامية، حصل فيها تغيرات صوتية، وأخرى حرفية بسبب الابدال، وهذا النوع الجديد يخالف ماورد في لهجة الآباء القداماء، فعلى الداراس أو المتكلم بهذه اللهجة يلزمه معرفة ذلك، وحتى يتسنى للجميع التنبه إلى هذه الظاهرة، في حديثهم اليومي، والامل على تمييز الدخيل عن الاصيل.

أهداف البحث:

يهدف هذا البحث إلى معرفة ظاهرة الابدال التي حصلت في هذه اللهجة، بسبب الاحتكاك اللغوي الكبير، وهي التي نتجت عن الكثافة السكانية التي توجد بالمدينة، مما أدى بهذا الاحتكاك اللغوي إلى خلق أصوات جديدة في اللغة المنطوقة من حين لآخر.

أهمية البحث:

توضيح الظواهر الصوتية بل والابدالات الحرفية التي تأثرت بها لهجة أنجمينا في العصر الحالي، وإفادة الدارس لهذه اللهجة بأنه يجب الالمام بهذه التغيرات التي طرأت عليها، وكيفية نطقها، مع المحافظة على توظيفها في أماكنها الخاصة بها.

منهج البحث:

هوالمنهج الوصفي التحليلي التطبيقي، مع الاهتمام بالمنهج الاستقرائي.

مصطلحات البحث:

ظاهرة: جمع ظواهر وهي ما تكون خلاف الباطن، كما تفيد أعلى القمة في الجبل.

الابدال: وهو التغيير، الذي يكون خلاف الاصل، في الحروف والاصوات.

لهجة: من اللهيج، وتجمع على لهجات، وهي غالبا ما تكون طرف اللسان، وتكون بالفتحة والضمة، كما أنها تعد لسان لمنطقة معينة، مثل: لهجة أبشة، ولهجة بنقور وغيرهما.

أنجمينا: من الانجمام، الذي يكون خلاف التعب والمشقة.

العربية: نسبة إلى يعرب ابن قحطان ابن سام عليهما السلام، ويقصد بها اللسان العربي المتكلم في هذه المدينة.

العامية: هي من العموم، وهو إشارة إلى الالفاظ التي لاتخضع لقواعد نحوية أو صرفية.

المسألة الاولى: التعريف بالإبدال وأسبابه في لهجة أنجمينا العامية

تعريف البدل في اللغُّة العربيَّة: هوأنْ تقيم حرفاً مقام حرف.([1]) وهو من خصائص الاحرف الصَّحيحة.([2])

قيل في المعجم الوسيط: البدل من الشَّيء: الخلف والعوض، والبدل: الشَّريف الكريم، واحد الإبدال عند الصُّوفيَّة، والجمع أبدال([3]).

وهو في اللُّغة مصدر: بدَّل يبدل إبدالاً،كقول القائل: أبدلت كذا من كذا، إذا أقمته مقامه، ومنه البدل، أي بدل الشَّيء، كما يقال: بدلت الشَّيء إذا غيرته، وإنْ لم تأت له ببديل، وتبديل الشَّيء تغييره، وتبدل الشَّيء تغيره، والمبادلة والتبديل هما من أصلٍ واحد، أمَّا التَّبديل: فهو تغير الشَّيء عن حالته.([4])

وفي الاصطلاح: هو جعل حرف مكان حرف غيره، ويعرف بأمثلة اشتقاقه كتراث، وبقلة استعماله كالثعالي، وبكونه فرعاً والحرف زائد، وبكونه فرعاً وهو أصل كموية، ويلزم بناء مجهوله نحو: هراق, واصطبر وإدراك.([5])

ﭧ ﭨ ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ([6])، وجاء في الشَّريف عن الرَّسول صلَّى الله ـ عليه وسلَّم قال:

( من بدَّل دينه فاقتلوه) وفي رواية أخرى( اقْتُلُوا مَنْ بَدَّلَ دِينَه).([7])

قيل في الصاحبي:(من سنن العرب إبدال الحروف، وإقامة بعضها مقام بعض ويقولون: مدحه،ومدهه، وفرس، رفل، ورفن).([8])

وذكر عن الخليل أنَّه قال في قولهﭨ ﭽ ﮙ ﮚ ﮛﮜﭼ([9]) قال: إنَّما أراد فحاسوا، فقامت الجِّيم مقام الحَّاء.([10])

ويقول أبو الطيِّب اللُّغوي في المزهر: (ليس المراد بالإبدال أن العرب تتعمَّد تعويض حرف من حرف، وإنَّما هي لغات مختلفة لمعانٍ متَّفقة، تتقارب اللَّفظان في لغتين لمعنى واحد، حتى لايختلفان إلا في حرف واحد…) ([11])

كماعرِّفه دوسوسور: (على أنَّه مجموع التَّأثيرات السَّمعيَّة، والحركات النُّطقيَّة، للوحدات المسموعة، والوحدات المنطوقة، كُلٍّ منهما بشرط الآخر).([12])

مفهوم البدل في هذه اللَّهجة:

والبدل في هذه اللهجة: يفيد مجرد التَّغيير، ويكون في مجالات كثيرة واسعة، منها بدل العُملة، من ورق إلى حديد، ومنها بدل الثَّوب من طويل إلى قصير، ومنها بدل اللَّون بلون آخر، فعموماً تعني الكلمة أكثر من مدلول.

الأسباب الموجبة للبدل في اللغة العربية:

(1)ــ التَّماثل: وهو أنْ يتَّحد الحرفان مخرجاً وصفةً كالبَّاءين والتَّاءين.

(2)ــ التَّجانس: وهو أنْ يتَّحد الحرفان مخرجاً ويختلفان صفةً كالدَّال والطَّاء.

(3)ــ التَّقارب: وينقسم إلى العناصر الآتية:

أ/ أنْ يتقارب الحرفان مخرجاً ويتَّحدا صفةً كالحَّاء والهَّاء.

ب/ أنْ يتقارب الحرفان مخرجاً وصفةً كاللَّام والرَّاء.

ج/ أنْ يتقارب الحرفان مخرجاً ويتباعدا صفةً كالدَّال والسِّين.

د/ أنْ يتقارب الحرفان صفةً ويتباعدا مخرجاً كالشِّين.

(4)ــ التَّباعد: وقسموه إلى قسمين:

أ/ أنْ يتباعد الحرفان مخرجاً وصفةً كالمِّيم والفَّاء

ب/ أنْ يتباعد الحرفان مخرجاً ويتَّحدا صفةً كالنُّون والمِّيم([13]).

الاسباب الموجبة للبدل في هذه اللهجة:

1/ ناتج عن العامل البيئي أو الوراثي.

2/ ناتج عن العامل الخِلقي.

3/ ناتج عن صُعوبة الحرف نفسه مثل الاحرف الحلقية.

4/ ناتج عن انعدام الحرف في لغة الام نفسها، والتأثر بها أيما تأثر.

5/ ناتج عن فقدان الناطق للمبادئ الاولية للخلوة القرآنية.

صفوة القول: أنَّ من أبدل فله تفسير صوتي، أدَّى به إلى الإبدال وما من حرف مُبدل إلا وله علاقة مع المبدل منه، يمكن تفسيره صوتياً.

إنَّ البدل في هذه اللُّهجة كثير جداً،إلا أنَّ الكثير من العامِّيات فرَّت منه وأبعدته من كلامها، ومن أنظمتها الصَّوتيَّة، نسبةً لصعوبته في النُّطق أثناء الكلام، وهذه الدِّراسة تذكر الكثير من الحروفالتي تبدَّلت وتغيَّرت معانيها، بسبب العامل البيئي، أو الوراثي أو الفطري أو اللَّحن الَّذي وقعت فيه الأمة من عصرٍ لآخر، أو العُجمة التي طرأت على الألسن، بسبب التَّصاهر والتَّمازج بين القبائل العربيَّة، والأفريقيَّة من حين لآخر، هذه هي من أهمَّ العوامل المعدية إلى الابدال.

المسألة الثانية: الإبدال في الهمزة بمختلف أنواعها:

تحقيق الهمزة:

تميل اللُّغة العربيَّة إلى الخفَّة واليسر،ومن ذلك تجد أنَّ بعض الكلمات لا تظهر فيها علامات الإعراب، بل وتقدر فيها نتيجةً للثِّقل الَّذي منشأه تجاور بعض الحروف مكان بعض، وهكذا شأن كل ما يثقل على اللِّسان النُّطق به أو يتعسر.

فقد سلكت لهجة أنجمينا العامية، في أدنى ما وصلت إليه من درجة التَّخاطب اليَّومي، ممَّا أدَّى بهذه اللَّهجة إلى تبن منهج لغوي خاص،عرفت باسم المكان الَّذي تتعامل فيه، فيقال: لهجة أنجمينا العامية، ولهجة بنغور، وغيرهما، فلجأت هذه العاميَّة إلى وسائل أخرى بغية التَّخفيف والتَّيسير، وأبدلت من ذلك في حديثها، الهَّمزة على قياسٍ وعلى غير قياس، حيث إنَّ اللَّهجة لا تضبطها قاعدة، فاحتفظت بتحقيق الهَّمزة، وإنْ كان الأصل في الهَّمزة التَّحقيق والتَّسهيل مُسْتَحْسِنٌ([14]).

وهي التي تتَّصف عند المحدَثين ـ بأنَّها صوت شديد، لا هو بالمجهور ولا بالمهموز، لأنَّ فتحة المزمار معها تكون مغلقة تماماً، فلا يسمع لها ذبذبة الوترين الصَّوتيين، كما لا يسمع للهواء بالمرور إلى الحلق، إلا حين تنفرج فتحة المزمار، ذلك الانفراج الفجائي الَّذي ينتج الهَّمزة([15]).

ولذلك عدَّ بعض العلماء الهَّمزة بأنَّها أشقُّ الأصوات، فدرجت بعض اللَّهجات إلى التَّخلص منها، تارةً بإبدالها حرف مدٍّ من جنس حركة ما قبلها، وطوراً بحذفها دون تعويض، وآونة بتسهيلها بين بين وغير ذلك.

أمَّا التَّحقيق في اللُّغة فهو الإثبات والإيجاب، والحقُّ نغيض الباطل، وحققَّ حقوقاً وإحقاقاً، ويقال: حققَّ الأمر تحقيقاً، أي صار حقاً بمعنى ثبت، وقال الأزهري معناه: وجب يجب وجوباً، وحقَّ عليه القول،ثبت ووجب. ﭧ ﭨ ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ([16]) أي ثبت ووجب

وفي المعجم الوسيط: حققَّ الأمر: أثبته وصدقه، يقال: حققَّ الظنَّ، وحققَّ القول، ويقال: حققَّ الثَّوب، إذا أحكم نسجه، وكلام محقَّق: محكَّم الصنعة رصين([17]).

لقد احتفظت لهجة أنجمينا العامية، بكثيرٍ من الظَّواهر الصَّوتيَّة للُّغة العربيَّة الفصحى، ومن ثمَّ ذلك التَّحقيق، فقد حقَّقت هذه اللَّهجة العاميَّة لـمدينة (أنجمينا) الهَّمزة في جميع أقسام الكلمة الثَّلاثة من: اسمٍ، وفعلٍ، وحرفٍ، ويتناول هذا البحث كل التَّغيرات التي تطرأ على الهَّمزة باسطين الحديث بسطاً، متجاوزاً الإطالة.

يذكر ابن يعيش في حديثه عن الهَّمزة فقال: (أُبدلت الهَّمزة من خمسة أحرف وهي الألف، والواو، واليَّاء، والهَّاء، والعين).([18])

وجاء في لهجة أبشة العامية: (أنَّ القبائل العربيَّة مالت إلى تحقيق الهَّمزة بإبدالها ألفاً، وذلك إذا كانت الهَّمزة ساكنةً وقبلها فتحةً، فإذا أرادت أنْ تخفِّف أبدلت مكانها ألفاً، نحو: سَالَ، وبَاسَ، وقَرَاتَ).([19])

وقال ابن يعيش(أبدلت الهَّمزة من الألف في مواضيع فقالوافيها: دأبة وشاْبة) في دابَّة وشابَّة فهمزوا الألف، كأنَّهم كرهوا اجتماع السَّاكنين، فحركت الألف لالتقاء السَّاكنين، فانقلبت همزة، لأنَّ الألف حرف ضعيف واسع المخرج لا يحتمل الحركة، فإذا اضطرُّوا إلى تحريكه قلبوه إلى أقرب الحروف إليه وهو الهَّمزة ومن ذلك (أبْيَاض وأَدْهَأم)([20]).

وسمع أحد القرَّاء قراءة قول الله ﭧ ﭨ ﭽ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ([21])

قال: فظننته قد لحن، حتى سمعت العرب تقول: دأبة وشأبة، وهذا هو جنس من الإبدال.

وفي لهجة أنجمينا العامية: نجد أن أهالي مدينة أنجمينا يسْعون دائماً إلى إبدال الهمزة ألفاً

بحثاً عن التخفيف والتسهيل، فراراً من الثقل الموجود في الهمزة، وهو كثير في حديثهم اليومي ونسبة للتصاهر والتمازج الموجود داخل المدينة بسبب كثرة الالسن القادمة من مختلف الامصار التشادية، جعل من ذلك سبباً لإبدال الهمزة ألفاً.

ومن ذلك نجد أنَّ لهجة أنجمينا العاميَّة، اتَّخذت من أنواع الإبدال في الهَّمزة، ثلاثة أحرف رئيسيَّة، أدرجتها في حيثها، وأبدلت فيها وهي: أبدلت الهَّمزة ألفاً، وأبدلت الهَّمزة ياءً، وأبدلت كذلك الهَّمزة واواً.

إبدال الهَّمزة ألفاً:

الهَّمزة من الحروف التي تبدل في لهجة أنجمينا العاميَّة، وتحلُّ محلها الألف، وهي كثيرة في حديثهم اليَّومِي العامِّي، والأمثلة الآتية توضِّح مدى توظيفهم لهذه الألف في كلامهم اليومي:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

فَأْس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فاسْ(fa: soun)

رأْسٌ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ رَاسْ(ra: soun)

فَأْرٌـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فَارْ(fa:r)

ثَأْرٌـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ثَـــارْ (sa:r)

الأمثلة الساَّبقة، حلَّت فيها الألف محل الهَّمزة من هذه اللَّهجة، وأنَّ الهَّمزة والألف، هما من مخرج واحد، ولن يستطيع العامِّي تمييز ذلك، إلا من كان مختصاً في هذا الفن، وهم يفعلون ذلك فراراً من الشدِّة وبحثاً عن التَّخفيف والتَّسهيل، قال سيبويه:(واعلم أنَّ الهَّمزة التي يحقِّقها أهل التَّحقيق من بني تميم وأهل الحجاز، وتجعل في لغة التَّخفيف بين بين، وتبدل مكانها الألف، إذا كان ما قبلها مفتوحاً).([22])

وقد ثبت عن القدماء أنَّ تسهيل الهَّمزة واستبدالها ألفاً، هي لهجة لقبائل عربيَّة في الجزيرة العربيَّة، كانت تسعى للتَّخلص من الهَّمزة، أو قلبها حرفاً، وينسب ذلك إلى قبيلتي: قريش، وبني تميم.([23]) ﭧ ﭨ ﭽ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ([24])

إبدال الهَّمزة ياء:

أبدلت لهجة أنجمينا العاميَّة، حرف الهَّمزة ياء، ويلاحظ ذلك كثيراً في حديثها اليَّومِي، والأمثلة الآتية توضِّح ذلك:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

قِرَاءَةـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كِرَايَة(gi ra:ya )

مِاْئَة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مِيَة (mi ya)

صَائِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ صَايِمْ (sa yim)

عِبَاءَة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عِبَايَة ( iba ya)

الأمثلة السَّابقة، وضّحت مكانة الهَّمزة وقلبها ياءً في لهجة أنجمينا العاميَّة، وذلك بحثاً عن الخفَّة والتَّسهيل في هذه اللَّهجة، وهي ظاهرةٌ تكاد تكون عالميَّة في هذا الشأن، فاليَّاء أخفُّ درجةً من الهَّمزة وبذلك سعو إلى إبدالها بالهَّمزة ليسهِّل النُّطق عندهم في هذه العاميَّة، فراراً من الثِّقل الموجود في الهَّمزة، إلى التَّخفيف الَّذي يتمشَّى مع هذه اللَّهجة العريقة، عندها أبدلوا الهَّمزة ياءً.

قال ابن يعيش: (وأبدلوا اليَّاء المفتوحة كما أبدلوها من الواو، وهي أقل درجةً من الواو، فقالوا: قطَّع الله أديه، يريدون يديه).([25])، ﭧ ﭨ ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎﭼ)[26]) أبدلت فيها الهَّمزة(مِأْئَة) إلى ياء(مِيَة).

إبدال الهَّمزة واواً:

تبدل الهَّمزة واواً في لهجة أنجمينا العاميَّة، في كُلُّ كلمةٍ عربيَّةٍ بها همزة ومسبوقة بضَّمة، وفي الهَّمزة الاستفهاميَّة التي في أوَّل الكلام، ويظهر هذا المعنى في الأمثلة الآتية:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

مُؤْمِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مُومِنْ(mou min)

لُؤْلُؤْــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لُولُو ( lou lou)

الشُّؤْمْ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشُّومْ( ?A choum)

أَيْنَ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وَيْن؟ (wen)

أبدلت لهجة أنجمينا العاميَّة الهَّمزة واواً، في أحايين كثيرة، وذلك إذا وقعت في أوَّل الكلام تارةً، وإذا سبقت بضمَّة تارةً أخرى، كما في الأمثلة السَّابقة، ففي الاستفهام وهو الَّذي له الصَّدارة في الكلام، قالوا:(ويْن أبوك؟)، و(وين مشيت؟)، فهذان الاستفهامان يسأل بهما عن المكان، في معنى)أين أبوك؟ وأين ذهبت؟ )،كما صرّفت هذه اللَّهجة الفعل الماض ومشتقاته: أدَّى، يؤدِّي، أدِّ، فأبدلت هذه اللَّهجة همزات هذه الأفعال كلَّها واواً، ﭧ ﭨ ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ)[27])

وفي الأمثلة الأخرى التي قلبوا فيها الهَّمزة واواً، من هذه اللَّهجة بحثاً عن التَّخفيف والتَّسهيل، كقولهم(مُومِنْ) قلبوا الهَّمزة واواً، وهي ظاهرة تكاد تكون موروثة عن اللَّهجات العربيَّة القديمة ، وقولهﭨ ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ)[28]) فقرأت كلمة (مؤمن) بالواو بدل الهَّمزة.

المسألة الثالثة:الإبدال في كل من:الثاء، والجيم، والحاء والذال:

يتناول البحث هذه الحروف، بطريقةٍ مجملةٍ، خوفاً من الإطالة التي قد تؤدِّي إلى الزيغ والملل ومن ذلك:

أ/ إبدال الثَّاء في لهجة أنجمينا العاميَّة:

الثَّاء من الحروف التي تبدل في هذه اللَّهجة، وهي التي تبدل ويحلُّ محلَّها التَّاء أو السِّين في هذه العاميَّة كما في الامثلة الآتية.

إبدال الثَّاء تاء:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

ثَوْرٌــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تُورْ( to:r)

ثَمَنْ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تَمَنْ(taman)

حَرْثٌ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هَرْتْ(hart)

إبدال الثَّاء سيناً:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

ثِمَارٌــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سِمَارْ( (sima:r

مِثِلْ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مِسِلْ(misil)

ثَعْلَبٌ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سَعْلَبْ(sa? lab)

إبدال الثَّاء طاء:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

ثمانيةـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ طَمانية( sa maniya)([29])

المخارج السَّابقة أصواتها متقاربة جداً(ث، ت، س، ط) وأنَّها متَّفقة في صفة الهَّمس، غير أنَّها اختلفت في الاحتكاك وعدمه، فالثَّاء والسِّين احتكاكيان، والتَّاء انفجاري، فاستعملت هذه اللَّهجة صوت السِّين محلَّ الثَّاء، توهُّماً بأنَّه صوت مناسب، كما احتلت صوت التَّاءمحلَّ الثَّاء ميلاً إلى الشدّة، وبذلك ذكر: الأيسر أنْ تنتقل الأصوات من الرّخاوة إلى الشدّة.([30]) وقد حدث ذلك نتيجة تراجع مخرجيهما إلى الوراء عن مخرج الثَّاء.([31])

وممّا ورد في إبدال الثَّاء سيناً قوله ﭨ ﭽ ﮖ ﮗﭼ([32])ونقل عن الصِّحاح(جثمان الرَّجل وجسمانه، في معنى واحد).([33]) وفي إبدال الثَّاء تاءً قولهﭧ ﭨ ﭽ ﭙ ﭚ ﭼ([34])وفي الحديث (من حجَّ ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمُّه).([35])

قال الدكتور إبراهيم آدم إسحق (والثَّاء في كُلِّ عامِّيات السُّودان صارت تنطق تاءً.([36])، وقال عبد التَّواب:(وجاءت كلمات كثيرة تعاقبت فيها الثَّاء والفَّاء مثل: اللِّثام واللِّفام… يوم الثُّلاثاء يوم الفُلاَفَة).([37])

وفي إبدال الثَّاء طاء،ﭧ ﭨ ﭽ ﮎ ﮏ ﭼ([38])

إبدال الجيم في لهجة أنجمينا العاميَّة:

الجيم من الحروف التي تبدل في اللُّغة العربيَّة، ويحلُّ محلَّها في هذه اللَّهجة الدَّال، ويتَّضح ذلك في الأمثلة الآتية:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

شَجَرَةٌ ــــــــــــــــــــــ شَدَرَة( cha:da: ra)

دَجَاجَةٌ ـــــــــــــــــــــ جِدَادَة( dji:da?da)

جَيْشٌ ــــــــــــــــــــــــ دَيْش(day:che

في الأمثلة السَّابقة نجد أنَّ الجيم والدَّال يتفقان في الصِّفة، ويتقاربان في المخرج، وبذلك جاز في هذه اللَّهجة بأنَّ تحلَّ الدَّال محلَّ الجيم، طناً منهم أنَّ الدَّال التي أثبتوها في كلامهم اليومي،وهي الجيم نفسه ولاغير،ﭧ ﭨ ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﭼ( ([39]

إبدال الحاء في لهجة أنجمينا العاميَّة:

الحَّاء من الحروف التي تبدل في لهجة أنجمينا العاميَّة، ويحلُّ محلَّه الهَّاء في هذه اللَّهجة، الأمثلة:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

حِمَارْــــــــــــــ هِمَارْ( (hi?mar

طَاحُونَة ــــــــــ طَاهُونَة( ta houna)

حَاكُومَةـــــــــــــ هَاكُومَة(ha kouma)

سِحِرْـــــــــــــــــ سِهِرْ(sihir)

مُحَمّدـــــــــــــــ مُهَمّد(mou hammad)

بَحَرْــــــــــــــــ بَهَرْ(bahar)

الحَّاء من الحروف الصَّامتة، وهو حلقي احتكاكي مهموس، ويشاركه في صفة الهَّمس حرف الهَّاء غير أنَّه حنجري، فالحرفان متقاربان ومتَّحدا الصِّفة، هذا القرب جعلهم في هذه اللَّهجة يؤثرون الهَّاء على الحاء، بسبب خفة الهَّاء أحياناً، والتَّوهُّم في نطقه أحياناً أخرى، والحَّاء أخت الهَّاء([40])

وهذا هو واحداً من إيثارهم الهَّاء على الحَّاءﭧ ﭨ ﭽ ﯾ ﯿ ﰀﰁﭼ([41])

إبدال الذَّال في لهجة أنجمينا العاميَّة:

تبدل هذه اللَّهجة حرف الذَّال، ويحلُّ محلَّه الدَّال مرَّةً، والزَّاي مرَّةً أخرى، ويظهر ذلك جلياً في الأمثلة الآتية:

إبدال الذَّال دالاً:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

ذَنّبْ ــــــــــــــــــــ دَنَبْ( danab)

ذِقِنْ ـــــــــــــــــــــ دِكِنْ(digin

ذَبَحْ ــــــــــــــــــــــ دَبَحْ( dabah)

إبدال الذَّال زايا:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

ذَكَرْ ــــــــــــــــــــــ زَكَرْ (zakar)

ذُلْ ـــــــــــــــــــــــــ زُلْ(zoul)

في الأمثلة السَّابقة يلحظ تقارب مخارج هذه الأصوات(ذ، د، ز) واتفاقها في الجهر، غير أنَّ الذَّال والدَّال احتكاكيان،وبناءً على ذلك أبدلت الذَّال زاياً في هذه اللَّهجة،توهُّماً منهم أنَّه الصَّوت الأفصح والمناسب في هذا النُّطق، وأبدلت الذَّال كذلك دالاً ميلاً إلى الشدّة التي هي أيسر في النُّطق من الرّخاوةﭧ ﭨ ﭽ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ([42])

وقيل: (وتكاد تكون العامِّيات العربيَّة المعاصرة، تجمع على إبدال الذَّال دالاً، عدا عامِّيات البلاد السُّعودية، إذ ما يزال هذا الصَّوت ينطق فيها صحيحاً.([43])

و جاءت كلماتٌ كثيرةٌ في لهجة أنجمينا العاميَّة، أبدلت فيها الذَّال دالاً مثلاً: (دَهَبْ) من (ذَهَبْ)، ودلول من ذلول، وكدَّاب من كذَّاب، هذا فيما يختصُّ بالذَّال دالاً، وورد كذلك إبدال الذَّال زاياً كما في الأمثلة السَّابقة وغيرها،وفي الدُّعاء:(ولاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدِّ).([44])

المحور الرابع: الإبدال في:الصاد، الطاء، الظاء، العين، الغين:

إبدال الصاد في لهجة أنجمينا العامية:

لهجة أنجمينا العاميَّة تبدل في حديثها من حرف الصَّاد، وذلك ليحلَّ محلَّه حرف السِّين، وتبيِّنه الأمثلة الآتية:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

صَقُرْـــــــــــــــــــــــــ سَكُرْ( sa gour)

صَدُرْــــــــــــــــــــــــــ سَدُرْ(sa dour

صَبُرْـــــــــــــــــــــــــــ سَبُرْ(sa bour)

الصَّاد هي نظيرة السِّين ومفخم، وهو صوت رخويٌّ، مهموس يشبه السِّين في كُلِّ شَيءٍ، غير أنَّه من أحرف الإطباق([45])، ومن ثمَّ فقد تعاقب السِّين على الصَّاد في القرآن الكريمﭧ ﭨ ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱﭼ([46])وقوله أيضاً:ﭧ ﭨ ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ([47]) بالسِّين والصَّاد، ويذكر صاحب المزهرعن السِّين التي تحلُّ محلَّ الصَّاد قائلاً:(اختلف رجلان في الصَّقر، فقال أحدهما بالسِّين، وقال الآخر بالصَّاد، فتحاكما إلى أعرابي ثالث فقال: أمَّا أنا فأقول: الزّقر بالزَّاي، قال ابن خالوية: فدلَّ على أنَّها ثلاث لغات).([48])

جاء في لهجة دار فور(أنَّ النُّطق بالصَّاد لغة قريش الأولين التي نزل القرآن بها، وعامَّة العرب تجعلها سيناً).([49])

إبدال الطَّاء في لهجة أنجمينا العاميَّة:

الطَّاء من الحروف المبدلة في اللُّغة العربيَّة، ويحلُّ محلَّها صوت التَّاء في هذه اللَّهجة، الأمثلة:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

طَبَقٌ ــــــــــــــــــ تَبَقْ( ta bak)

طَمَاطِمٌ ــــــــــــــ تَمَاتِمْ(tama tim)

طَعَنْ ـــــــــــــــــ تَئَنْ(ta? an)

في الأمثلة السَّابقة حلَّت فيها التَّاء محلَّ الطَّاء، فالفرق بينهما هو أنَّ الطَّاء مطبق، والتَّاء غير مطبق، ولما كانت اللَّهجة تفرُّ عن الإطباق، عند ئذٍ حلّ محلَّ الطَّاء التَّاء لأنَّه قريب إليه في المخرج، ويتَّحد معه في الصِّفة، وهناك بعضاً من النَّاس تغلب عليهم العُجمة فيتأدى ذلك إلى اللَّحن في القرآن الكريم، فينطقون الطَّاء تاءً توهُّماً منهم أنَّهم يحسنون صنعاً ﭧ ﭨﭽﮞ ﭼ([50]) فنطقوها في هذه اللَّهجة بالتَّاء، وقولهﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭼ([51]) نطقت عند بعض الأهالي، طَاءً.

إبدال الظَّاء في لهجة أنجمينا العاميَّة:

الظَّاء في الكلمات العربيَّة يحلُّ محلَّه الزَّاي، وهي تعدُّ من الحروف المفخمَّة، ومرَّةً أخرى تحلَّ محلَّه الدَّال ، ومرَّةٌ ثالثة تبدل ضاداً، في هذه اللَّهجة العربيَّة، بطرق متعددة من ذلك:

إبدال الظَّاء زاياً:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

ظَالِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــ زَالِمْ( za:lim)

مَظَلَة ـــــــــــــــــــــــــــــ مَزَلَّ (mazalla)

ظَنّ ــــــــــــــــــــــــــــــــ زَنّ( zanna)

نطقت الظَّاء في الأمثلة السَّابقة(زاياً) مفخمَّة ، وهي ظاهرة عامَّة شائعة في كُلُّ الأراضي التَّشاديَّة، وفي دولة السُّودان المجاورة، خاصة منطقة دار فور الحدودية المجاورة لتشاد، ﭧ ﭨﭽ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭼ([52]) فنطقت (العزم) بالزَّاي والظَّاء.

إبدال الظَّاء دالاً:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

ظُهُرْ ـــــــــــــــــــــــــــــ دُهُرْ(dou: hour)

ظَهَرْــــــــــــــــــــــــــــــــ دَهَرْ(da: har)

َظُمْ ــــــــــــــــــــــــــــــــ أَدُمْ(a:doum

في الأمثلة الماضية نطقتها لهجة أنجمينا العاميَّة، الظَّاء دالاً، وهي ظاهرة مختصَّة بأصوات لهجة أنجمينا العامية خاصَّة، وربَّما يكون لها أنصارا في بعض المناطق.

إبدال الظَّاء ضاداً:

اللغة العربية لهجة أنجمينا العامية

ظَهَرْــــــــــــــــــــــــــــــــ ضَهَرْ(da har)

ظَلَامْ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ضَلاَمْ(da lam)

ظِلْفْ ــــــــــــــــــــــــــــــــ ضِلِفْ( dilif)

ظَابِطْ ــــــــــــــــــــــــــــــــ ضَابِطْ( da bite)

في الأمثلة السَّابقة نطقت لهجة أنجمينا العاميَّة حرف الظَّاء(ضَاداً) محضّةً، وهي ظاهرة اختصَّت بها لهجة هذه المدينة، فهذه الصَّوامت الثَّلاثة تتقارب مخارجها، فالظَّاء صامت بين أسناني مطبق([53])، وبسبب غياب الإطباق في بعض الأصوات، والمخرج بين الأسناني مفقودين في هذه اللَّهجة، عندها نطق أهل أنجمينا حرف الظَّاء زاياً مفخمَّة توهُّماً منهم، ونطقوها كذلك دالاً ميلاً إلى الشدّة التي هي أيسر في النُّطق من الرّخاوة.([54])

قال سيبويه: (لولا الإطباق في الظَّاء لكانت ذالاً).([55])

ﭧ ﭨ ﭽ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭼ([56])

إبدال العين في لهجة أنجمينا العاميَّة:

حرف العين من الاحرف التي تبدل في اللغة العربيَّة، ويحلُّ محلَّها صوت الهَّمزة،من هذه اللَّهجة، نسبة للأمثلة الآتية:

اللغة العربية لهجة أنجمينا

عِرِسْ ــــــــــــــــــــــ إِرِسْ( ?iris)

بَعَرْـــــــــــــــــــــــــــ بَأَرْ ( ba?ar)

َبِدْــــــــــــــــــــــــــ أَبِدْ(? Abid)

َفِنْ ــــــــــــــــــــــــ أَفِنْ (? Afin)

تختلف العَّين عن الهَّمزة في بعض الصِّفات، غير أنَّ مخرجهما متقارب، فالعَّين من الحروف المعدول عنها في هذه العاميَّة، وهي حلقيَّة والهَّمزة حنجريه، هذا القرب من المخرج، جعل من اللَّهجة التَّشاديَّة، إلى صوت الهَّمزة لتحلَّه محلَّ العَّين الثَّقيلة، وهذا الثِّقل أطلق عليه العلماء(عقدة العين).([57])

وأبدلت العين ياءً محضَّةً في كثير من كلامهم اليومي من لهجة أنجمينا العاميَّة، ويظهر ذلك جلياً في الأمثلة الآتية:

اللغة العربية لهجة أنجمينا

قَاعِدْـــــــــــــــــــــــــــــ كَايِدْ(ga yid)

بَائِعْ ــــــــــــــــــــــــــــــ بَايِي(ba yi)

وأبدلت لهجة أنجمينا العاميَّة كذلك في حديثها العامِّي، العَّين ألفاً محضَّةً في أحايين كثيرة، كما في المثالين الآتيين:

اللغة العربية لهجة أنجمينا

بَعْشُومْ ـــــــــــــــــــــــــــ بَاشُوم(ba chom)

شَعْلُومْ ـــــــــــــــــــــــــــ شَالُوبْ( cha lob)

وأبدلت لهجة أنجمينا العاميَّة، العَّين كذلك في الفعل (أَعْطَى)، والَّذي حلَّت فيه النُّون محلَّ العَّين، من هذه اللَّهجة العاميَّة، وذلك في الفعل الماض ومشتقاته غير المصدريَّة والامثلة الآتية تبين ذلك:

اللغة العربية لهجة أنجمينا

أَعْطَى ـــــــــــــــــــــــــــــــ أَنْتَ(?Anta)

يُعْطِي ـــــــــــــــــــــــــــــــ يَنْتِ(yan ti)

نَنْطِي ــــــــــــــــــــــــــــــــ نَنْتِ (nan ti)

تَنْطِي ـــــــــــــــــــــــــــــــــ تَنْتِ ( tan ti)

أَعْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ أَنْتِ (? An ti)

الأمثلة السَّابقة توضِّح أنَّ العَّين في الأفعال السَّابقة استبدلت، وهي عين ساكنة تجاور طاءً أو تاءً، وهي ظاهرة شائعة في اللَّهجة التَّشاديَّة كُلِّها، بل وتكاد تكون عالميَّة، حيث وُجد لها أثر في كثير من الدُّول العربيَّة خاصَّة اليمن، وسوريا، ولبنان، والسُّودان العربي، ممَّا أطلق عليها العلماء قديماً لقب(الاستنطاء)، والشَّارع التشادي بكامله مختصٌّ بهذا الاستعمال، وتنسب هذه اللَّهجة إلى بعض القبائل العربيَّة بالحجاز منها:

سعد بن بكرٍ، وهذيلٍ، وقيسٍ، وأهل المدينة، ﭧ ﭨ ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ([58])

إبدال الغين في لهجة أنجمينا العاميَّة:

من الأصوات التي لم يستقر نطقها في لهجة أنجمينا العاميَّة، حرف الغَّين الَّذي يحلُّ محلَّه حرف الخَّاء في لهجة أنجمينا العامية، وإليكم هذه الأمثلة:

اللغة العربية لهجة أنجمينا

َرِبْ ـــــــــــــــــــــــــــــ خَرِبْ(xari:b)

غَسَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــ خَسَلْ ( xasa:l)

غُرَابْ ـــــــــــــــــــــــــــــ خُرَابْ( koura:b)

غَلْبَانَة ــــــــــــــــــــــــــ([59])خَلْبَانَة( kha:l bana)

تشترك الخَّاء مع الغَّين في صفات كلٌّ منهما(صوت رخوٌ، ومخرجهما واحد)([60])غير أنَّهما يختلفان في صفة الجَّهر والهَّمس، فالخَّاء مهموس، والغَّين مجهور، ولمَّا كان الأمر كذلك مالت لهجة أنجمينا العاميَّة إلى الهَّمس بالغَّين فصارت خاءً، وأنَّ الخَّاء أخفُّ نطقاً من الغين.

المسألة الرابعة: الإبدال في: الفاء، القاف، اللام، الميم:

إبدال الفَّاء في لهجة أنجمينا العامية:

الفَّاء من الحروف التي يقلُّ وُرُودها في لهجة أنجمينا العاميَّةإلا نادراً، فقد ترد كنايةً أو تحلُّ محلَّ حرف آخروهو شاذٌ، وهي من الأحرف اللَّثوية، وصحّ عند الإمام السُّيوطي بأنَّها تبدل كافاً، وهذه الأمثلة توضِّح ما قيل من رأي:

اللغة العربية لهجة أنجمينا

فَجَّ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ شَجَّ( chad: ja)

فُشَارْـــــــــــــــــــــــــــــــــ تَفَاخُرْ( ta fa khour)

نِصْفْ ـــــــــــــــــــــــــــــ نُصْ (nouse)

ففي الأمثلة السَّابقة نجد أن هنالك معاني متعدِّدة،الفَّاء في المثال الأوَّل: أفادت معنى الشِّين، وفي المثال الثَّاني: أفادت معنى التَّاء، بينما في المثال الثَّالث: حذفت وضمّن معناها الصَّاد.

قال الإمام السُّيوطي: (ومن الفَّاء والكَّاف في صدره على حسيفةً وحسيكةً)([61])

وثبت عند عبد التَّواب بأنَّ هنالك لهجة عربيَّة في منطقة القطيف شرق الجزيرة العربيَّة، يبدلون في كلامهم الثَّاء فاءً، فيقولون: يوم الثُّلاثاء: يوم الفُلافاء، وعنب الثَّعلب: في عنب الفعلب، والثأر: في الفار).([62]) وهذا الَّذي ذكر لا أثر له في لهجة أنجمينا العاميَّة.

إبدال القَّاف في لهجة أنجمينا العاميَّة:

القَّاف من الحروف العربيَّة التي يحلُّ محلَّها صوت الكَّاف، في الكلمات أو الخَّاء من هذه اللَّهجة، ويمكن توضيح ذلك بأمثلة:

إبدال القَّاف كَا(g):

اللغة العربية لهجة أنجمينا

قَامَ ـــــــــــــــــــــــــ كَامَ (ga:m)

رَقَبَة ــــــــــــــــــــــ رَكَبَة(ragaba)

حَرَقَ ـــــــــــــــــــــ هَرَكَ( haraga)

إبدال القَّاف كاف:

اللغة العربية لهجة أنجمينا

قَتَلَ ــــــــــــــــــــــــــ كَتَلَ(katala)

فَرِيق ــــــــــــــــــــــــ فَرِيك( fari:k)

إبدال القَّاف خاء:

اللغة العربية لهجة أنجمينا

قَبُرْـــــــــــــــــــــــــــ خَبُرْ( kha bour)

فَقِيرْـــــــــــــــــــــــــ فَخِيرْ (fakhi:r)

قَرْيَةــــــــــــــــــــــــ خَرْيَ ( khar:ya )

القَّاف في لهجة أنجمينا العاميَّة، ذات ثلاثة أحوالٍ مختلفةٍ، تارةً تنطق() قاهريَّة، وتارةً ثانيةً تنطق كافاً، وتارةً ثالثةً تنطق خاءً، كما في الأمثلة السَّابقة.

والقَّاف حرف صامت لهوي، انفجاري مهموس، يتقارب مع الصَّوامت السَّابقة في المخرج، وأنَّ الظَّواهر الموروثة عند سكان مدينة أنجمينا أثَّرت على لهجتهم، ممَّا جعلهم يتفننون في نطق القَّاف، فهُمِّست به مرَّةً، وهجِّرت به مرَّةً أخرى، ممَّا نتج عن الأولى كاف قاهريَّة، وفي الثَّانية كاف عادية، وبذلك توهَّم بعضاً منهم فنطقوها خاءً أحياناً، ظناً منهم أنَّ نطقهم هذا هو الصَّائب والصَّحيح، وهكذا وجد في هذه اللَّهجة أنَّ القَّاف تنطق بثلاثة أحوال في لهجة أنجمينا العاميَّة، ﭧ ﭨ ﭽ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ([63])ﭧ ﭨ ﭽ ﮬ ﮭ ﭼ([64])

إبدال اللاَّم في “أَلْ” ميماً في لهجة أنجمينا العاميَّة:

في هذه اللَّهجة يبدل فيها اللاَّم(أل) ويحلَّ محلَّه المِّيم، وهو كثير في حديثهم اليَّومِي، ويكون على النَّحو الآتي:

اللغة العربية لهجة أنجمينا

البَاكِرْ ـــــــــــــــــــــــــ أمْ بَاكِرْ(?Am ba: kir)

البَعَامْ ـــــــــــــــــــــــــ أَمْ بَعَامْ(?Am ba :m)

الكَفْ ـــــــــــــــــــــــــ أَمْ كَفْ (?Am kaf)

في الأمثلة السَّابقة، حلَّت فيها المِّيم محلَّ اللاَّم( ألْ) من لهجة أنجمينا العربيَّة، خصوصاً عندما يلي اللاَّم البَّاء، عندها يقلبون اللاَّم ميماً، وشاءت هذه الظَّاهرة في لهجة أنجمينا جميعها، وهي صورة تدعو إلى القرابة والدَّهشة، وذكر عن الحميريين أنَّهم يبدلون لام التَّعريف ميماً، وهي فصيلة كبيرة من ألقاب اللَّهجات العربيَّة القديمة التي عرفت عندهم ب(الطَّمْطُمَانِيَّة).([65]) وجاء في الأثر فيما رواه النّمر بن تولب، أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم نطق في هذه اللُّغة في قوله: (لَيْسَ مِنْ أَمْبِرْ أَمْصِيَامْ فِي أَمْسَفَرْ)([66]) يريد ليس من البِّر الصِّيام في السَّفر.([67])

فالمِّيم أسهل الصَّوامت الشَّفويَّة نطقاً، وهذا ما أدَّى بلهجة أنجمينا العاميَّةبأنْ تحلَّ في كلامها(أَمْ) محلَّ اللاَّم لمجاورتها للباء الشَّفويَّة، طلباً للخفَّة وعدم إكثار الجهد، ﭧ ﭨ ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ([68])

إبدال الميم في لهجة أنجمينا العامية:

الميم من الحروف التي تبدل في لهجة أنجمينا العاميَّة، وذلك في حرف واحد فقط وهو البَّاء، ويتمُّ توضيحه من خلال الأمثلة الآتية:

اللغة العربية لهجة أنجمينا

أَمْ بَعُوضَةـــــــــــــــــــــــــــــ بَعُوضَة(ba ouda)

مَنْبَرْ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بَنْبَرْ(bam bar)

مَشِيمَة ــــــــــــــــــــــــــــــــــ بَشِيمَة(ba chima)

مَكَّةـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بَكَّــة(ba:ka)

مَكَانْ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بَكَانْ (ba: kan)

ففي الأمثلة السَّابقة، استبدلت فيها المِّيم في لهجة أنجمينا العامية وغيرها، بحرف البَّاء، وذلك لقرب العلاقة بين المِّيم والبَّاء في المخرج، وأنَّهما حرفان شفهيان، مع وجود الاختلاف في الصِّفة والشدَّة والرَّخاوة، والمِّيم أخت البَّاء، تشاركها في الكثير من المعاني([69])، ورد في قوله ﭧ ﭨ ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ([70]) وقوله أيضاً:ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ([71])

خلاصة الأمر:إنَّ الإبدال الَّذي مرَّ بنا، ماهو إلا محاكاة الإنسان للُّغة بطريقةٍ أو بأخرى، وقد يكون ممَّن لايملك زمامها، بل ربَّما يكون من عامَّة النَّاس، وهو يحاول إرجاع العاميَّة إلى نمط اللُّغة الأدبية، وهو في محاولته هذه لايفرِّق بين الظَّواهر اللُّغويَّة الحديثة والقديمة في لغة التَّخاطب.([72])

فالإبدال اللُّغوي، إنَّما هو ظاهرة صوتيَّة ومردُّها تقارب الأصوات المبدلة، أو الخطأ في السَّمع عند النَّقل، أو الاستعمال غير الجيِّد، ولا يخفى على أحد منَّا، أنَّ اللَّهجات المحليَّة وما تقوم به من دور لغوي في التَّطور الصَّوتي للُّغة بمنطقة أو بأخرى، وهذا العامل يعدُّ من الرَّوافد الأساسيَّة التي تساعد في إثراء اللُّغة العربيَّة.

وقد اختلف العلماء كثيراً حول ظاهرة الإبدال منهم من رجَّع سببه إلى اختلاف اللَّهجات العربيَّة([73])،والبعض الآخر يرى أنَّ سبب الإبدال ناتج عن تعدُّد الأصوات في البيئة الواحدة.([74])

أمّا المحدَثون، فإنَّ نظرتهم حول الإبدال، تختلف عن الرَّأْيين السَّابقين من ذلك قيل الآتي: (حين نستعرض تلك الكلمات التي فسَّرت على أنَّها من الإبدال حيناً، أو من تباين اللَّهجات حيناً آخر، لانشكًّ لحظةً في أنَّها جميعاً نتيجة التَّطوُّر الصَّوتي).([75])

الخاتمة:

فقد تم بحمد الله وعونه، حيث إن ظاهرة الابدال في الحروف والاصوات، فقد أحدثت مجرى جديدا في اللغة المتكلمة والمنطوقة من حين لآخر، بمعنى أن لغة الخلف حصل فيها تغيرا كبيرا عن لغة السلف، وهذا التغير له أسباب عدة منها: ما يلاحظ في الكثافة السكانية الموجودة بالمدينة، التي كان لها بالغ الاثر في تغيير الالفاظ من حي لآخر، ومنها: البعد المكاني أي الفجوة الزمنة التي طالت بين الاجيال(الجيل القديم والجيل الحديث)، ومنها كذلك هجرات القبائل الافريقية والعربية من مختلف الدول والمناطق بل وحتى الاقاليم التي توجد داخل الدولة التشادية، ومنها: أيضا الاختلاط مع القبائل غير العربية، والذي يحدث في المناسباب الدينية، والاسواق، أوالدوائر الحكومية بصفة عامة، كان لذلك كله أهمية قصوى في تغيير الحروف والاصوات من وقت لآخر.

ومن هنا نجد أن البحث قد جمل وأحاط بهذه التغييرات، ذاكرا في ذلك الاسباب الدالة لذلك دون سهو أونسيان، كما تناول البحث الحروف نفسها،ذاكرا في ذلك الانواع المتغيرة في كل حرف، موضحا الحرف المتغير وكيفية نطقه، والاسباب التي أدت إلى إبداله الحرفي والصوتي، وهكذا ختم البحث، بأن لهذه العملية أثر كبير في الدراسات اللهجية الحديثة، لا يمكن لاي باحث تحديد أبعادها من وقت لآخر، إذ أنها متطورة، ومسايرة لعصرها، في الحل والترحال، دون كسل أو ملل، وهي ظاهرة تلاحظ عند الباحثين أوالدارسين، بل والمختصين بهذه الدراسات اللهجية الحديثة.

النتائج:

الدراسات اللهجية ذات نتائج كثيرة ومتعددة، منها:

1ــ إن ظاهرة الابدال الحرفي أو الصوتي، الذي حصل في لهجة أنجمينا العربية العامية، ليس جديدا على هذه اللهجة، إذ أنها تعد جزءا من اللهجات العربية القديمة، ولذلك لا يمكن اعتباره بأنه أثر جديد أو دخيل.

2ــ إن ظاهرة الا بدال بنوعية الحرفي والصوتي، ليست جديد ة على العملية اللهجية، بل هو توارث اجتماعي قديم، كان موجودا، منذ أن أوجد الله البشرية على وجه الارض، وكان له كذلك قيمته اللغوية في الحديث المتكلم.

3ــ نتج من خلال البحث أن الكثافة السكانية التي توجد بالمدينة، تقوم بأدوار كبيرة في خلق الاصوات اللغوية والابدالات الحرفية، من وقت لآخر، من حيث التزاحم السكاني الكبير الذي وجد بمدينة أنجمينا في الحاضر والماضي.

4ــ أثبتت الدراسة أن الحروف تتغير، وعند تغيرها يحصل تغير الصوت اللغوي، تبعا لتغير الحرف وكذلك نطقه أيضا، وأن لهذا التغير أسباب عدة، ذكرت في خاتمة هذا البحث.

5ــ أثبتت الدراسة أن لهجة أنجمينا، هي جزء من اللهجات العربية القديمة، وانها ظلت تسير على خطى اللهجات العربية القديمة، أمثال اللهجة الحميرية، والمعينية، وحتى السبئية، إذ أنها تعد المنبأ الرئيسي لهذه اللهجة.

6ــ فقد ثبت من خلال هذه الدراسة، أن لهجة أنجمينا العربية العامية، كانت مختلطة بلهجات عربية، وأخرى إفريقية، وهذا الاختلاط قلل كثيرا من السمات العربية، وارجاءها إلي سمات غير عربية، تلا حظ في كتابة الكلمة ونطقها.

التوصيات:

تو صي الدراسة الباحثين والقائمين والمهتمين بدراسة اللهجات، بالعناصر الآتية،

1ــ الوصية الاولى: أن لهجة أنجمينا هي عبارة عن مزيج من اللهجات العربية والافريقية، فعلى الباحث التفكر في ذلك، حتى يتسنى له تمييز الخبيث من الطيب.

2ــ الوصية الثانية: الدراسات اللهجية تحتاج إلى نظرة ثاقبة، وبصيرة باصرة، وهذا الابدال الحرفي والصوتي، كان لهما دورا كبيرا في هذه اللهجة، يجب التنبه لمثل هذا، في هذه الدراسة اللهجية المباركة، ومعرفة الاصيل عن الدخيل.

3ــ الوصية الثالثة: الاهتمام بدراسة اللهجات الوطنية كلها، لان بها الكثير من الثراء اللغوي الاصيل، وهذا الثراء كان مدفونا فيجب أن ننفض الغبار عنه واظهاره للآخرين للاستفادة منه.

4ــ الوصية الرابعة: إن دراسة اللهجات، تعد دراسة أمة بأثرها، فلن يكون معرفة أمة من الامم، مالم تدرس لهجتها، من جميع نواحيها، من حيث التقدم والرقي، والنهوض أو الانحطاط، فعلى الباحثين الاسراء في ذلك.

5ــ الوصية الخامسة: اللهجات تعطي الصورة الحقيقية للمجتمع من حيث القيم الاخلاقية، والتمسك والانحلال، فعلى الباحثين لفت أنظار المجتمع تجاه هذه الدراسات اللهجية، لمعرفة تلك القيم.

المقترحات:

تقترح الدراسة العناصر الآتية:

1ــ على الدولة إعطاء عناية خاصة بدراسة اللهجات الوطنية، بحيث يتم عبرها برمجة ليومين أو ثلاثة أو أسبوعا، لدراسة لهجة من اللهجات في منطقة من المناطق، إذ يكون من خلال هذه الدراسة نتائج استكشافية، تساعد الدولة في معرفة الجوانب العقلية لهذة المنطقة وما تتمتع به من خصال إيجابية أو غيرها.

2ــ على الوزارة إعطاء عناية خاصة للباحثين في هذا المجال اللغوي الحي، بجعل نقود مالية للبحوث اللهجية، لانها عملية تساعد في رفع عجلة التنمية المستدامة لهذه الامة.

3ــ على الوزارة التفكير في طباعة البحوث اللهجية من حين لآخر، بحيث يكون عبر مجلة أو جريدة اللهجات الوطنية، واظهار الجديد في كل بحث لافادة الامة، وتنوير الباحثين القادمين علن الطريق، وتوجيههم نحو الافضل.

قائمة المصادر والمراجع

المصادر:

أ/ القرآن الكريم

ب/ السنة النبوية المطهرة:

1ـ صحيح مسلم ، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله ،المؤلف مسلم بن الحجاج ، المحقق : محمد فؤاد عبد الباقي ، داراحياء التراث العربي بيروت .

2ــ مسند الشافع، محمد بن إدريس بن العباس، دار الكتب العلمية، بيروت ــ لبنان، عام1400هـ.

3ــ مسند أبي داود العباسي، تحقيق: محمد عبد الله عبد المحسن التركي، المجلد الرابع.

ج/ المراجع الكتبية:

1- الأصول العربية للهجة دارفور العامية(القرويَّة): إبراهيم اَدم إسحق، الجزء الأول، الطبعة الأولى، جامعة أم درمان الإسلامية، عام 2002م.

2ــ جامع الدُّروس العربيَّة: مصطفى الغلاييني، إخراج: محمَّد فريد، المكتبة التَّوقيفيَّة.

3ــ الخصائص: أبو الفتح عثمان بن جني، تحقيق: عبد الحكيم بن محمَّد، المكتبة التَّوقيفيَّة، بدون تاريخ نشر، وبدون مكان نشر.

4ــ شرح المفصَّل:موفق الدِّين بن علي بن يعيش النَّحوي، تحقيق: أحمد السَّيد أحمد، مراجعة: إسماعيل عبد الجواد عبد الغني، المكتبة التَّوقيفيَّة، بدون تاريخ نشر.

5ــ شافية ابن الحاجب: شيخ رضى الدين بن الحسن الاستربادي، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

6ــ الصاحبي في فقه اللُّغة: أحمد ابن فارس، تحقيق: الشَّيخ أحمد صقر، مؤسَّسة المختار للنَّشر والتَّوزيع، الطَّبعة الأُولى، عام 2005م.

7ـ فصول في فقه العربيَّة: رمضان عبد التَّواب، الطَّبعة السَّادسة، مكتبة الخانجي ـ القاهرةـ 1999م.

8ــ فقه اللُّغة مناهله ومسائله:المكتبة العصريَّةـ صيداـ بيروت، عام2008م.

9ــ لهجة أبَّشة العاميَّة: عثمان محمَّد آدم، ماجستير في علم اللُّغة، جامعة أم درمان الإسلاميَّة، عام1997م.

10ــ لهجة أنجمينا العاميَّة: هارون عبد الله أحمد، دبلوم الدِّراسات المعمَّقة، جامعة الملك فيصل، عام2006م.

11ــ لحن العامَّة في ضوء الدِّراسات اللُّغويَّة الحديثة: عبد العزيز مطر، القاهرةـ الدَّار القوميَّة للطَّباعة والنَّشر، عام1966م.

12ــ مجمل اللُّغة:لأبي الحسن أحمد بن زكريا بن فارس، تحقيق: عبد المحسن بن سلطان، مؤسَّسة الرِّسالةـ بيروت ـ لبنان، بدون تاريخ نشر.

13ــ مغني اللَّبيب عن كتب الأعاريب: جمال الدِّين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن هشام، تحقيق: صلاح عبد العزيز علي السَّيد، الجزء الأَوَّل، الطَّبعة الأُولى، دار السَّلام، عام2004م.

14ــ المزهر في علوم اللُّغة وأنواعها: عبد الرَّحمن بن جلال الدِّين السُّيوطي، شرح وتعليق: محمَّد أحمد جاد المولى بك، وآخرون، منشورات المكتبة العصريَّةـ صيداـ بيروت، بدون تاريخ نشر.

15ــ المعجم الوسيط: إبراهيم أنيس وآخرون، مجمع اللُّغة العربيَّة بالقاهرة، بدون تاريخ نشر، وبدون مكان نشر.

الهوامش:

  1. ــ ابن يعيش, موفق الدين بن علي: شرح المفصل, تحقيق: أحمد السيد أحمد, مراجعة:إسماعيل عبد الجواد عبد الغني, 10/331.

  2. ــ جامع الدروس العربية, مرجع سابق, 2/67.

  3. ــ المعجم الوسيط, حرف الباء, مادة(بدن).

  4. ــ مجمل اللغة: لأبي الحسن أحمد بن زكريا بن فارس, تحقيق: عبد المحسن بن سلطان, مؤسسة الرسالةـ بيروت ـ لبنان, حرف الباء, مادة(بدل).

  5. ــ شافية ابن الحاجب: شيخ رضي الدين بن الحسن إلا ستربادي, دار الكتب العلمية بيروتــ لبنان, ص197.

  6. ــ سورة البقرة الآية:59.

  7. ــ مسند الشافع، محمَّد بن إدريس بن العباس، دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان ـ عام 1400هــ ،ص320.

  8. ــ ابن فارس, أبي الحسن أحمد بن زكريا:الصاحبي في فقه اللغة, تحقيق: الشيخ أحمد صقر, مؤسسة المختار1,2005م,ص343.

  9. ــ سورة الإسراء الآية: 5

  10. ــ المرجع السابق نفس الصفحة.

  11. ــ المزهر, 1/460.

  12. ــ المرجع السابق, ص121.

  13. ــ صبحي الصالح: دراسات في فقه اللغة, ص216.

  14. ــ لهجة أنجمينا العامية, ص 33.

  15. ــ فقه اللغة مناهله ومسائله, مرجع سابق, ص173.

  16. ــ سورة القصص: 62.

  17. ــ المعجم الوسيط, حرف الحاء, مادة(حق).

  18. ــ شرح المفصل 10/333.

  19. ــ لهجة أنجمينا العامية, ص35.

  20. ــ شرح المفصل, 1/339.

  21. ــ سورة الرحمن الآية: 39

  22. ــ اللهجات العربية في كتاب سيبويه، ص328.

  23. ــ عبد التواب..، فصول في فقه العربية، ص116.

  24. ــ سورة الواقعة الآية: 18

  25. ــ شرح المفصل 5/344.

  26. ــ سورة البقرة الآية: 261

  27. ــ سورة البقرة الآية: 96

  28. ــ سورة غافر الآية:28

  29. ــ لهجة توجد عند ساكني مدينة أم التيمان، وهي فرع من الطمطمانية.

  30. ــ مطر،عبد العزيز، لحن العامة في ضوء الدراسات اللغوية الحديثةـ القاهرةـ الدار القومية للطباعة والنشر، عام 1966م، ص227.

  31. ــ لهجة أبشة العامية، ص160.

  32. ــ سورة الأعراف الآية: 54

  33. ــ المزهر، 1/561.

  34. ــ سورة البقرة الآية: 197.

  35. ــ مسند أبي داوود السياسي، تحقيق/ الدكتور محمَّد عبد الله عبد المحسن التركي، 4/253.

  36. ــ الأصول العربية للهجة دار فور العامية، ص176.

  37. ــ عبد التواب: فصول في فقه العربية، ص47.

  38. ــ سورة الحاقة الآية: 17.

  39. ــ سورة الأعراف الآية: 19

  40. ــ الخصائص لابن جني 2/149.

  41. ــ سورة المائدة الآية:50

  42. ــ سورة النحل الآية: 94

  43. ــ الأصول العربية للهجة دار فور العامية، ص111.

  44. ــ صحيح مسلم،المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل عن رسول الله، المؤلف: مسلم بن الحجاج، تحقيق: محمَّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي بيروت، 1/343.

  45. ــ الأصوات اللغوية، مرجع سبق ذكره، ص76.

  46. ــ سورة البقرة الآية: 247

  47. ــ سورة الغاشية الآية: 22

  48. ــ المزهر للسيوطي

  49. ــ الأصول العربية للهجة دار فور العامية، ص113.

  50. ــ سورة الطّور الآية:1

  51. ــ سورة التّين الآية:1

  52. ــ سورة الأحقاف الآية:35

  53. ــ علم اللغة…د. محمود السعران، ص 174.

  54. ــ لحن العامة… د. عبد العزيز مطر، ص 227.

  55. ــ الكتاب لسيبويه 1/435.

  56. ــ سورة النحل الآية: 58

  57. ــ لحن العامة: د. عبد العزيز مطر، ص241.

  58. ــ سورة الكوثر الآية: 1

  59. ــ خلبانة: تفيد هذه الكلمة في لهجة أنجمينا العامية المرأة الحاملة أي التي لم تلد بعد، خلافاً لمعناها الحقيقي في اللغة العربية التي تفيد معنى عجز عن حمل الشيء.

  60. ــ الأصوات اللغوية، إبراهيم أنيس، ص88.

  61. ـــ المزهر للسيوطي 1/468.

  62. ــ عبد التواب، فصول في فقه العربية، ص47.

  63. ــ سورة القلم الآية:1

  64. ــ سورة البلد الآية:13

  65. ــ عبد التواب…، فصول في فقه العربية، ص128.

  66. ــ مسند الامام الشَّافع ، محمَّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، دار الكتب العلمية بيروت، عام 1400هـ .

  67. ــ مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن هشام، تحقيق: أـ د. صلاح عبد العزيز علي السيد، المجلد الأول، الطبعة الأولى ـ دار السلام ـ عام2004م، ص48.

  68. ــ سورة البقرة الآية:177

  69. ــ الخصائص لابن جني، 1/530.

  70. سورة آل عمران الآية: 96

  71. ــ سورة الفتح الآية: 24

  72. ــ عثمان محمد آدم: لهجة أبشة العامية، ص161.

  73. ــ رأي أبو الطيب اللغوي، ينظر المزهر1/460.

  74. ــ أحمد بن فارس: الصاحبي، ص173.

  75. ــ إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة، ص75.