تقنيات حصاد مياه الأمطار بالمناطق شبه الجافة (حوض كرت شمال شرق المغرب نموذجا)

عزوزي عبد العزيز1

1 دكتوراه تخصص جغرافيا طبيعية وبيئة، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة ابن طفيل المغرب

البريد الالكتروني: azzouzigeo86@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(10); https://doi.org/10.53796/hnsj510/18

تحميل الملف

تاريخ النشر: 01/10/2024م تاريخ القبول: 20/09/2024م

طريقة التوثيق


المستخلص

دفعت محدودية الموارد المائية من جهة والحاجة إلى الماء المنزلي وتوسيع المساحات المزروعة من جهة أخرى، الإنسان بحوض كرت وعلى غرار باقي المناطق الواقعة في النطاقات الجافة وشبه الجافة إلى العمل بشكل فردي أو جماعي على تطوير أنظمة “تقنية – اجتماعية” للتكيف مع وضع الندرة المائية، أنظمة قائمة على تجميع وتخزين مياه الأمطار والجريان السطحي خلال الفترة الرطبة للاستفادة بها خلال الفترات الجافة.

ضمن هذا السياق، عملت الدراسة على رصد وتوثيق تقنيات التدبير المحلي للموارد المائية وتحديد طبيعة الاختيارات التي يتوفر عليها إنسان حوض كرت في ظل الندرة الطبيعية وضعف الربط بالشبكة العمومية للماء الصالح للشرب. كما أن هذا الرصد والتوثيق ليس هدفا في حد ذاته، بل الغرض منه إعادة إحياء الموروث المائي التقليدي بشكل يضمن تحقيق الحاجيات المائية بشكل آمن ومستمر.

الكلمات المفتاحية: المناطق شبه الجافة – الحاجة إلى الماء- –تدبير مياه الأمطار – المهارات التقليدية

Research title

Rainwater Harvesting Techniques in Semi-Arid Regions The Kort Basin in Northeastern Morocco as a Model

Published at 01/10/2024 Accepted at 20/09/2024

Abstract

The limited water resources on the one hand, and the need for domestic water and the expansion of cultivated areas on the other hand, prompted people in the Kert Basin, and similar to other areas located in the arid and semi-arid ranges, to work individually or collectively to develop “technical-social” systems to adapt to the situation of water scarcity. Systems based on collecting and storing rainwater and surface runoff during the wet period to benefit from it during the dry periods.

Within this context, the study worked to monitor and document local management techniques for water resources and determine the nature of the choices that people in the Kert Basin have in light of the natural scarcity and poor connection to the public drinking water network. Moreover, this monitoring and documentation is not a goal in itself, but rather its purpose is to revive the traditional water heritage in a way that ensures the fulfillment of water needs in a safe and continuous manner.

Key Words: Semi-arid areas – the need for water – rainwater management – traditional skills

مقدمة

يعتبر الماء عنصرا محفزا للاستقرار وأحد وسائل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتزداد أهميته في المناطق شبه الجافة التي يعتمد مخزونها المائي على التساقطات المطرية، مما جعل إنسان هذه المناطق يعمل منذ القدم على استثمار أفكاره وخبراته وعناصر بيئته لبلورة أنظمة وتقنيات فردية وجماعية فاعلة لتدبير مياه الأمطار واستثمارها.

وعليه، يحاول المقال كشف مهارات إنسان حوض واد كرت (الريف الشرقي) في تجميع مياه الأمطار وطرق استغلالها واستثمارها، والتي مكنته من الاستقرار والاستمرار في منطقة شبه جافة لا يتعدى متوسط تساقطاتها المطرية 300 ملم/ السنة وتضم مجاليا أعلى الكثافات السكانية على المستوى الوطني، ولم تستفد من منشآت حديثة لتجميع وتخزين الماء، مما زاد من حدة مشكل الندرة الطبيعية للماء نتيجة طابع الجفاف الهيكلي الذي يميز المنطقة.

مشكلة البحث

يندرج مناخ حوض كرت ضمن النطاق المناخي شبه الجاف الذي يتميز بضعف تساقطاته المطرية (أقل من 300 مم/السنة) وعدم انتظامها الزمني وبالتساقطات الرعدية والفجائية، هذه الخصائص المناخية دفعت الساكنة إلى اعتماد مجموعة من التقنيات المحلية لتجميع وحصاد مياه التساقطات المطرية خلال فترات الوفرة من أجل الاستفادة منها خلال فترات الندرة التي تعتبر الأكثر ترددا، إلا أن هذه التقنيات تتجه نحو الاندثار تحت ضغط مجموعة من المعيقات الطبيعية والتقنية والبشرية. لذلك حاولت الدراسة أن تجيب على التساؤلات التالية:

  • ماهي التقنيات المحلية التي اعتمدتها الساكنة لتجميع وحصاد الماء؟
  • هل تتوافق هذه التقنيات مع خصائص الوسط الطبيعي؟
  • وماهي المشاكل والمعيقات التي تواجهها هذه التقنيات؟
  • وما السبيل إلى ضمان استمرار هذه التقنيات؟

فرضيات البحث

تتمثل فرضيات البحث في:

– تتنوع تقنيات حصاد مياه الأمطار بحوض كرت.

– ساهمت تقنيات حصاد مياه التساقطات المطرية في تلبية معظم حاجيات الحوض المائية المنزلية والزراعية.

– تواجه تقنيات حصاد المياه بحوض كرت إمكانية الاندثار.

أهمية البحث

تكتسي الدراسة أهميتها من كونها تضع بين أيدي الباحثين والمسؤولين تعريفا بتقنيات حصاد مياه التساقطات المطرية وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فبالنسبة للباحث يمكن أن تولد لديه هذه البيانات مجموعة من التساؤلات التي ستساهم في انطلاق دراسات بيئية أخرى حول المنطقة، أما بالنسبة للمسؤول فيمكن أن تعينه على معرفة تقنيات التدبير المحلي للماء والمشاكل التي تواجهها هذه التقنيات وذلك بهدف إحياء هذا الموروث التقليدي وتطويره خاصة وأن قانون الماء أشار في بعض بنوده إلى أهمية بعض هذه التقنيات ووجه الإدارات العمومية المعنية إلى تقديم المساعدات للساكنة من أجل تطوير هذه التقنيات.

أهداف البحث

تتلخص أهداف هذه الدراسة في:

  • رصد التقنيات المحلية المعتمدة من طرف الساكنة المحلية لحصاد مياه التساقطات المطرية
  • تحليل درجة ملائمة هذه التقنيات مع عناصر الوسط الطبيعي من مناخ وطبوغرافية ….
  • الوصول إلى المعيقات التي تواجه هذه التقنيات
  • اقتراح الحلول والتوصيات التي من شأنها تثمين وتطوير هذه التقنيات.

منهجية البحث:

اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي، فبعد دراسة خصائص المنطقة الطبيعية وخاصة تلك المتعلقة بالمناخ والطبوغرافيا باعتبارها محددا رئيسا لكيفية تعامل الانسان مع خصائص النظام المطري بالمنطقة، انتقلت إلى رصد أهم التقنيات التقليدية التي استعملها إنسان حوض كرت في حصاد مياه الأمطار والجريان السطحي، وذلك للوقوف على نقاط الضعف والقوة في هذه الأنظمة التقليدية ومحاولة فهم طرق اشتغالها وتطويرها.

هيكلة البحث

انتظم هذا البحث في ثلاثة مباحث رئيسية، فالمبحث الأول خصصناه لإبراز خصائص الحوض الطبيعية ووضعية موارده المائية، ثم أفردنا المبحث الثاني لتوضيح مفهومي “التقنيات المحلية” و”حصاد مياه الأمطار” ومظاهر اعتماد مثل هذه التقنيات في حوض كرت، أما المبحث الثالث والأخير فخصص لتحليل المشاكل التي تحد من فعالية هذه التقنيات وتعيق استمرارها في توفير الماء المنزلي والزراعي.

منطقة الدراسة

يقع حوض كرت شمال شرق المغرب، يتواجد بين خطي عرض 38 درجة و15 دقيقة، و39 درجة شمال خط الاستواء، وبين خطي طول 3درجات و20دقيقة، و4 درجات و25 دقيقة غرب خط غرينيتش.

يمتد حوض كرت على أربعة أقاليم إدارية، ثلاثة منها تنتمي لجهة الشرق وهي: إقليم الدريوش الذي يغطي %61 من مساحة الحوض وإقليم الناضور بنسبة %18,47 وإقليم كرسيف بنسبة 7,25%، والإقليم الرابع ينتمي لجهة فاس – مكناس، ويتعلق الأمر بإقليم تازة الذي يغطي %13 من عالية حوض كرت.

خريطة (1): مجال الدراسة

C:\Users\Minfo\Desktop\مقالات حوض كرت\خرائط المقال\localisation.jpg

نتائج الدراسة

المبحث الأول: الخصائص الطبيعية ووضعية الموارد المائية بحوض كرت

المطلب الأول: الخصائص الطبيعية

الفرع الأول: الخصائص التضاريسية

تحيط بحوض كرت كتل جبلية متفاوتة الارتفاع والانحدار؛ ككتلة بني توزين في الجنوب الغربي والتي تشكل قممها الأكثر ارتفاعا في المنطقة (جبل القرن 1100م جبل تزيمي 1083 م) خطا لتقسيم المياه بين حوض كرت من جهة وحوضي بودينار والنكور من جهة أخرى، وكتلة بني سعيد في الشمال الغربي إضافة إلى مرتفعات تيزي وسلي جنوبا التي يصل أقصى ارتفاعاته إلى 2010 متر كأعلى قمة بجبل أزرو أقشار، وتشكل مرتفعاته الشديدة الانحدار (30 و45 درجة) التي لا تقل عن 1200 مترا إلا نادرا، شعاب تعمق مجاريها على شكل خوانق عميقة تتجاوز في بعض الأحيان 100 مترا، لتفرغ حمولتها في واد أمقران أهم أودية عالية حوض كرت[1].

أما من حيث الأحواض يمكن أن نميز في هذا المجال بين ثلاثة أحواض داخلية وهي: حوض كرت الأوسط أو سهل ميضار- الدريوش الذي يتميز بامتداد الأراضي المنبسطة التي شكلت مجالا ملائما للاستيطان البشري، أما الحوض الثاني فيتعلق الأمر بحوض عين الزهرة – أولاد بوبكر الذي يشكل منخفضا يمتد على مساحة مهمة من الأراضي المرتفعة التي تزيد ارتفاعاتها عن 500 متر، وأخيرا حوض أزلاف وهو حوض صغير لا تتجاوز مساحته 210 كم2 ولا تتعدى ارتفاعاته 500م، وحوض ساحلي وحيد هو حوض بني سعيد الذي يعتبر امتدادا لسهل كرت ولا تتعدى ارتفاعاته 300 متر.

الفرع الثاني: الخصائص الجيولوجية

تتميز جيولوجيا المنطقة بتكون قاعدة سميكة جدًا من الحجر الرملي الشستي من العصر الجوراسي مغطاة بطبقة كلسية تعود إلى العصر الطباشيري. وفوق هذين التكوينين، نجد طبقة من الحجر الجيري من العصر الميوسيني، وأخيرا مستويات من المرن من الزمن الرباعي على مستوى سهل كرت. ويمكن التمييز بين وحدتين جيولوجيتين هما[2]:

– سهل كرت: تشتمل طبقات السهل عند قاعدته على تكوين من الحجر الرملي الشستي الأحمر السميك للغاية (500 م)، من عصر كالوفو-أكسفورد ويعلوه تكوين من الحجر الجيري المارني يعود إلى العصر الجوراسي. بينما تظهر تكوينات العصر الطباشيري باتجاه الشرق في عالية وادي إيغان، ويتغلب على هذه التكوينات الميوسين الذي يكون إما متكتلاً أو متكتلاً صغيراً أو على شكل حجر جيري فتاتي.

تظهر في وادي شمار سطوح حمراء مكونة من أحجار المارن الأحمر، مقطوعة بواسطة ضفاف متكتلة خشنة للغاية وغير مجمعة في بعض الأحيان. من أعلى وأفقيًا، نمر إلى سحنة الحجر الرملي والمارن الأسود. اما عند ضفاف الأودية، فتبرز تكوينات العصر الرباعي ربما تعود إلى مرحلة فيلافرانشيان (villafranchien ) وهي من أقدم مراحل الزمن الرباعي .

– الكتل الجبلية: ويتعلق الأمر بكتلتي تمسمان وبني توزين اللتان تشكلان خط تقسيم المياه مع الأحواض المجاورة من جهة الشرق، فكتلة تمسمان تبدأ طبقاتها بتكتلات الكلوريت (chloriteux ) والحجر الجيري البني، يسبقه في بعض الأحيان صخور خضراء مسحوقة ومتحولة، ويعلو هذه الطبقات الميوسين المتحول على سلسلة الحجر الرملي – الشيستي، بشكل غير متوافق. أما كتلة بني توزين ذات الامتداد الكبير فيتشكل جزئها الشرقي المطل على حوض كرت من تكوينات الميوسن.

الفرع الثالث: الخصائص المناخية

يصنف مناخ حوض كرت ضمن نطاق المناخ شبه الجاف، إذ تبين دراسة متوسطات التساقطات السنوية لمحطات الرصد الأربع بالحوض (محطات الدريوش، ميضار، تفرسيت، أزلاف) أن معدل التساقطات المطرية خلال الفترة الممتدة من 1972 إلى 2016 لم يتجاوز 300 ملم إلا في محطة وحيدة وهي محطة تفرسيت نظرا لتواجده على ارتفاع مهم (أزيد من 500 متر). ويشير (Barathon1989) إلى هذا الأمر متحدثا عن مناخ الريف الشرقي بقوله: “يندرج مناخ الريف الشرقي ضمن نوع المناخات المتوسطية شبه الجافة التي تتميز بفصل شتاء دافئ”.

شكل (1): التوزيع البيسنوي للتساقطات المطرية بمجال الدراسة خلال الفترة الممتدة من 1972 إلى 2016

 

المصدر: معطيات وكالة الحوض المائي لملوية ومركز الاستشارة الفلاحية بميضار.

ويتبين من خلال الشكل (2) هيمنة فئة التساقطات المطرية (100 – 300 ملم) على التوزيع السنوي بنسب تتراوح بين 54 و %80، وتأتي في المرتبة الثانية فئة التساقطات (300 – 500 ملم) بنسب تتراوح بين 13 و %40، بينما تمثل فئة التساقطات أقل من 100ملم وفئة أكثر من 500 ملم نسبا ضعيفة تنحصر بين 0 و %7.

شكل (2): فئات التساقطات المطرية السنوية خلال الفترة الممتدة من 1972 – 2016

مصدر المعطيات: وكالة الحوض المائي لملوية، بتصرف

أمن من حيث النظام الحراري فتبين دراسة متوسطات درجة الحرارة الشهرية للفترة 1999 – 2016 تعاقب فصلين:

– الفصل بارد: يمتد من شهر نونبر إلى أبريل، تتراوح معدلاته الحرارية بين (°C12,87) كأقل معدل وسجل خلال شهر فبراير، و(°C 15,46) كأعلى معدل سجل خلال شهر نونبر، مع انخفاض درجة الحرارة الدنيا إلى مستويات قياسية في يناير (°C 2,53).

– الفصل الجاف: يمتد من ماي إلى غاية أكتوبر، وتتراوح متوسطات الحرارة الشهرية خلال هذه الفترة بين (°C 21,43) كأقل متوسط شهري سجل خلال شهر ماي و(°C 28,45) كأعلى متوسط شهري سجل خلال شهر غشت، ويتميز هذا الفصل بتردد الحرارة العليا القصوى التي تزيد عن 40 درجة، وخاصة خلال شهري يوليوز وغشت، ومن أمثلة هذه الحالات القصوى ما تم تسجيله خلال شهر غشت: °C44,6 موسم 2003-2004، °C44,2 موسم 2011-12، °C42,3 موسم 2002-2003

تساهم ارتفاع درجة الحرارة وخاصة خلال الفصل الجاف في ارتفاع معدلات التبخر حيث يصل حجم التبخر السنوي إلى 1926,4 ملم/السنة أي بمعدل 5,28 ملم/اليوم، ويسجل شهر يوليوز أعلى كمية بــ 262,3 ملم، بالمقابل يسجل شهر دجنبر أقل كمية تبخر بــ 82,40 ملم.

المطلب الثاني: وضعية الموارد المائية

تقدر حجم الثروة المائية بحوض كرت بــ( 133 مليون/م3)[3]، 21 مليون/م3 مياه جوفية و112 مليون/م3 مياه سطحية:

– المياه الجوفية: تتشكل من فرشتين أساسيتين هما: فرشة كرت التي تمتد على مساحة 400 كم2 ويقدر مخزونها المائي ما بين بـ 18 و21 مليون م3/السنة، وفرشة أزلاف التي تمتد على مساحة 60كم2 ولا يتعدى مخزونها المائي 3 مليون متر3/السنة. تواجه الفرشة المائية بحوض كرت عدة إكراهات، على رأسها طول الفترة الجافة وتزايد الضخ العشوائي غير المراقب مما أدى إلى تعمق مستوى المياه بمعدل 0.5 متر سنويا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بالإضافة إلى مشكل جودة المياه، حيث تصنف الجودة العامة لمياه فرشة كرت ضمن النوعية السيئة نتيجة ارتفاع قيمتي التوصيلية الكهربائية والكلوريد، ففي تقرير حول جودة المياه الجوفية على المستوى الوطني أنجز سنة 2014، أدرجت مياه فرشة كرت ضمن فئة المياه السيئة جدا[4].

– المياه الجوفية: يصرف واد كرت معظم مساحة حوض كرت إلا أنه يتميز بضعف صبيبه الذي لم يتعد متوسطه(0,646 متر3/الثانية) عند محطة أزلاف خلال الفترة الممتدة بين 1969 و2015 و(0,765 متر3/الثانية) عند محطة الدريوش خلال نفس الفترة. ومن خصائص هذا الواد كذلك، التدفقات القصوى الفجائية الناتجة عن التساقطات الرعدية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تجاوز صبيب واد كرت عند محطة الدريوش 2400 متر3 /الثانية يوم 24 أكتوبر 2008 و2310 متر3 /الثانية يوم 7 ماي 1976 (معطيات وكالة الحوض المائي لملوية). وتتشكل الموارد المائية السطحية كذلك من العيون المنتشرة في القسم الغربي للحوض عند قدم كتلة بني توزين وجنوب الحوض عند قدم جبال تيزي وسلي، فإلى عهد قريب كانت العيون تشكل مصدرا أساسيا لتزود الساكنة بمياه الاستعمال المنزلي، إذ بلغت نسبة الأسر التي كانت تعتمد على مياه العيون حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004 (% 26) من مجموع الأسر القاطنة بالجماعات المنتمية لحوض كرت، وتجاوزت هذه النسبة %50 بالجماعات التي تتواجد في عالية الحوض (%54 بجماعة اتسافت و%60 بجماعة تيزي وسلي). فضلا عن بعض المواقع الطبيعية التي تعتبر مستجمعات طبيعية للمياه خلال فترة التساقطات كموقع أزلاف وموقع حوض واد الشمار، بالإضافة إلى سد تلي وحيد في منطقة أولاد بوبكر شيد على واد ايغان سنة 1986 والذي تقلصت طاقته التخزينية التي كانت تقدر بـ 2.5 مليون متر3 نتيجة التوحل. ومن المنتظر أن يتعزز المخزون المائي السطحي بالمنطقة بعد الانتهاء من تشييد سد عزيمان على واد كرت بطاقة تخزينية تقدر بـ 44 مليون متر3.

المبحث الثاني: التقنيات المحلية وحصاد مياه التساقطات المطرية

المطلب الأول: مفهومي” التقنيات المحلية” و”حصاد المياه”

الفرع الأول: التقنيات المحلية /التقليدية

يطلق الباحثون والمهتمون على التقنيات المحلية أو التقليدية تسميات متنوعة ومختلفة: “المهارات والتقنيات المحلية”، “المهارات التقليدية”، “مهارات المزارعين”، “المهارات الذاتية”، وتعددت التعاريف بشأنها؛ فالمعهد الدولي للتنمية المستدامة يعرف المهارات التقليدية على أنها مهارات وممارسات ومنتجات ترتبط بالشعوب الأصلية ويتم اكتسابها وممارستها وتثمينها ونقلها عبر الأجيال. لها مرجعيات سياسية وثقافية ودينية وبيئية محددة، وهي نتاج لتفاعل المجتمع مع البيئة الطبيعية[5]. وتشير اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي ( (UNCBD إلى أن المعارف أو المهارات التقليدية هي معارف وابتكارات وممارسات المجتمعات المحلية التي تجسد أنماط الحياة التقليدية التي تتميز بالحفظ والاستخدام المستدام وبالتنوع البيولوجي…، وتستمد هذه المعارف والابتكارات مباشرة من الاستخدام المعتاد للموارد الطبيعية.

يركز التعريفين السابقين على مبادئ التجربة والحفظ والاستدامة والنقل بين الأجيال وعلى مبدئ التطور الذي يلحق المهارات التقليدية أو المحلية، وعلى أهمية الظروف الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والطبيعية التي تنشأ وتتطور فيها هذه المهارات. من هذا المنطلق نميل في هذه الدراسة إلى تبني مفهوم التقنيات “المحلية” بدل “التقليدية”، لكونه أكثر مرونة وملائمة مع مفهوم التكيف الذي يضمن استمرارية هذه التقنيات وتطويرها وقبولها اجتماعيا. فمفهوم “التقليدية” يمكن ان يلغي خاصية التطور التي يمكن أن تلحق هذه المهارات.

الفرع الثاني: حصاد مياه الأمطار

يشير مصطلح “تجميع المياه” أو “حصاد الماء” حسب المنظمة العربية للتنمية الزراعية، إلى كل عملية مورفولوجية أو كيميائية أو فيزيائية تنفذ على الأرض من أجل الاستفادة من مياه الأمطار، سواء بطريقة مباشرة عن طريق تمكين التربة من تخزين أكبر قدر ممكن من مياه الأمطار الساقطة عليها وتخفيف سرعة الجريان الزائد عليها، وهذا الأمر من شأنه أن يقلل من الانجراف، أو بطريقة غير مباشرة، وذلك بتجميع مياه الجريان السطحي في منطقة تصريف وتخزين غير معرضة للانجراف واستخدامها لأغراض الري التكميلي للمحاصيل الزراعية أو للشرب أو سقاية الحيوان أو تغذية المياه الجوفية[6]. بينما اكتفت1991) CritchleyW ( بتعريف موجز لعملية حصاد الماء، حيث ترى أنه: “جمع لمياه الجريان قصد استعمالها بشكل إنتاجي، وتشمل هذه الاستخدامات الإنتاجية توفير المياه المنزلية وتخزين المياه، بالإضافة إلى توجيه الجريان السطحي للمحاصيل وإنتاج الأعلاف والأشجار”[7].

تتفق هذه التعاريف على أن تجميع مياه الأمطار هي عملية تحويل المياه من مورد طبيعي إلى مورد اقتصادي إنتاجي متعدد الاستعمالات، يمكن أن يتوفر بشكل مجاني. فالاختلاف يلاحظ فقط على مستوى تصنيف تقنيات جمع وحصاد هذه المياه، ونحن في هذا البحث اعتمدنا على تصنيف هذه التقنيات إلى تقنيات حصاد غير مباشرة؛ أي الاحتفاظ بمياه الأمطار داخل خزانات مختلفة الأشكال والأحجام لتستعمل عند الحاجة، وتقنيات تخزين مياه الأمطار مباشرة في التربة.

تتكون منظومة تجميع وتخزين مياه الأمطار من ثلاثة عناصر[8]:

  • منطقة المستجمع المائي: وهي جزء من الأرض يسهم في بعض أو كامل حصته من مياه الأمطار لصالح المنطقة المستهدفة الواقعة خارج حدود ذلك الجزء.
  • مرفق التخزين: وهو المكان الذي تحتجز فيه المياه الجارية من وقت جمعها وحتى استخدامها. ويمكن أن يكون التخزين في خزانات سطحية أو تحت أرضية، أو في التربة ذاتها كرطوبة التربة، أو في مكامن المياه الجوفية.
  • المنطقة المستهدفة: وهي المنطقة التي تستخدم فيها المياه التي جرى حصادها، ففي الإنتاج الزراعي يتمثل الهدف في النبات أو الحيوان، بينما في الاستخدام المنزلي، فإن احتياجات الإنسان أو المشرف هي الهدف.

بالنسبة لحوض كرت، يمكن القول أن الساكنة القروية بذلت مجهوداتها فيما يتعلق بتشييد منشآت التخزين وأعمال تهيئة المناطق المستهدفة، لكن لاتزال الجهود ضعيفة أو شبه منعدمة فيما يخص تحديد أو إنشاء المستجمعات المائية؛ فباستثناء المستجمعات التي تشكلها أسقف المنازل، معظم المستجمعات المائية بقرى حوض كرت هي مستجمعات طبيعية تشكلت دون تدخل الإنسان، كالمنحدرات والأسطح العارية من الغطاء النباتي.

المطلب الثاني: تتنوع تقنيات تجميع وتخزين مياه التساقطات والجريان السطحي بحوض كرت.

تتم عملية تجميع وحصاد مياه الأمطار والجريان السطحي كما ذكر في التعريف السابق بطريقتين، إما بتحويل مياه التساقطات المطرية والجريان السطحي مباشرة باتجاه الأراضي الزراعية للرفع من رطوبة التربة، أو بطريقة غير مباشرة؛ إذ من الضروري أن تمر هذه المياه بمرحلة التخزين قبل توجيهها للاستخدامات المختلفة.

 

الفرع الأول: تجميع وتخزين مياه الأمطار بطرق غير مباشرة

تختلف تقنيات تجميع وتخزين مياه التساقطات المطرية باختلاف المستجمعات المائية والإمكانات المادية والتقنية، وكذلك باختلاف القطاع المستهلك لهذه المياه؛ إذ يتم حفظ المياه بإحكام إذا كانت موجهة للاستهلاك المنزلي، بينما تقل إجراءات الحماية إذا كانت موجهة للسقي أو لإرواء الماشية.

تجميع مياه الأمطار المتساقطة على أسطح المنازل

تقوم هذه التقنية على تجميع مياه الأمطار التي تتساقط على أسطح المنازل، وهي تقنية قديمة ظهرت لضرورتين اثنتين: الأولى لحماية أسطح المنازل الريفية المبنية بأعمدة الخشب والطين؛ حيث تبنى الأسطح بشكل مائل لكي لا تتسرب المياه إلى داخلها. تصل مياه الأمطار التي تتساقط على هذه الأسطح عبر أنابيب معدنية أو بلاستيكية إلى صهاريج (الجوب باللهجة المحلية) معدة لهذا الغرض بالنسبة للذين يتوفرون على الإمكانيات المادية، أو تصرف مباشرة لسقي الأشجار إذا انعدمت إمكانيات التخزين. وتتمثل الضرورة الثانية في الدور الذي تلعبه هذه المياه كمصدر احتياطي يتم استعماله خلال فترات الجفاف، حيث يتم تجميع مياه الأمطار وإيصالها عن طريق أنابيب بلاستيكية إلى خزانات تحت أرضية (الجوب) مغلقة بإحكام لتفادي تبخر الماء أو تلوثه (صورة رقم1).

صورة (1): خزان تحت سطحي لتجميع المياه المتساقطة على أسطح المنازل

تستعمل المياه المخزنة في الاستعمالات المنزلية المختلفة (دورة المياه، الطهي…) في المناطق القروية التي لم تستفد بعد من الربط بالشبكة العمومية للماء الصالح للشرب، وتسمى هذه المياه محليا بــ” الغدير”، ويصرف الفائض عن الاستعمال المنزلي لسقي الزراعات المعيشية التي تستقر بالقرب من المسكن القروي.

تنتشر هذه التقنية بكثرة في أرياف حوض كرت على الرغم من أنها مكلفة، وذلك نظرا لكونها من المصادر الأساسية للتموين بالحاجيات المائية المنزلية. أما في المدن والمراكز الحضرية الصغرى فهذه المياه غير مستغلة وتصرف مباشرة في قنوات الصرف الصحي.

تجميع مياه الأمطار المتساقطة على المستجمعات المائية الطبيعية

تعتمد هذه التقنية على تجميع وتخزين مياه الأمطار داخل خزانات مائية مغطاة تحت الأرض تسمى بالمطفية (صورة رقم 2)، وتستعمل مياهها لإرواء الماشية. تعتبر هذه الخزانات أكبر حجما وأكثر تعقيدا بالمقارنة مع تلك التي تخزن مياه الأمطار التي تتساقط على أسقف المنازل.

وتتكون المطفية من أربعة عناصر[9]:

  • مستجمع مائي طبيعي أكثر أو أقل تهيئة يتكون من المنحدرات التي تعلو المطفية
  • قناة تربط بين منطقة تجميع المياه والخزان المائي
  • حوض يستعمل لترسيب المواد الصلبة
  • صهريج أو خزان تحت الأرض مصنوع من الحجر ومبلط بالطين أو الجير أو الاسمنت، وتتراوح سعة هذا الخزان بين 100 و300 م3 وذلك حسب عدد السكان وحجم القطيع المراد إروائه.

صورة (2): نموذج مطفية لتجميع مياه الجريان السطحي

المصدر: البحث الميداني، منطقة سيدي إدريس جماعة مطالسة، إقليم الدريوش بتاريخ 20/07/2020

يتطلب إنشاء المطفيات إمكانيات مالية وبشرية مهمة، لذلك فهي تشيد بشكل تعاوني وفي بعض الأحيان بدعم من الدولة إذا تبنت جمعية أو مجموعة معينة المشروع، إذ تعتبر كما أشار إلى ذلك الكركوري وآخرون: “أكثر تطورا وتحتاج إلى استثمارات مهمة والتي لا يمكن إنشاؤها إلا في إطار تعاون اجتماعي أو بدعم من الدولة”[10].

تستقبل المطفيات مياه الجريان السطحي من المستجمعات المائية التي تتواجد في عالية الخزان، وعلى عكس خزانات تجميع مياه الأمطار التي تتساقط على الأسقف التي لا تتطلب إزالة مستمرة للمواد الصلبة التي تحملها المياه لكون المياه المصطادة تجري فوق أسطح غالبا ما تكون نظيفة ومبلطة، تتطلب المطفيات التي تخزن المياه المتساقطة على المستجمعات الطبيعية إزالة دورية للأوحال والمواد الصلبة لكي تحافظ على قدرتها الاستيعابية وخاصة تلك التي تفتقر إلى أحواض ترسيب المواد الصلبة التي تعتبر من بين المكونات الأساسية للمطفية.

يعاب على بعض المطفيات أنها تشيد بدون دراسة تقنية، فكمية المياه التي يمكن أن يستقبلها المستجمع غير معروفة وكذلك الأمر لكمية المواد الصلبة التي يحملها التيار المائي مما يحد من كفاءتها وفعاليتها، خصوصا عندما تكون غير مجهزة بأحواض الترسيب.

تخزين مياه الجريان السطحي في الحفر المائية

تنتشر البرك في المناطق الجافة وشبه الجافة حيث تنعدم الفرش المائية، وخاصة بالريف الشرقي والأوسط وفي عبدة ودكالة وجرادة وفي الشرق، وتتركز بمناطق الرعي الجماعي بالقرب من المسارات والمسالك التي ترسمها القطعان[11]، وهي عبارة عن أحواض مائية صغيرة تأخذ في العادة أشكالا هندسية مستطيلة لا تتجاوز مساحتها 5 أمتار مربعة، ولا يتعدى عمقها المتر الواحد. تدعم جوانبها أحيانا بالأحجار المستخرجة من الحقول، ويتم تشييدها في المناطق الضعيفة الانحدار وفوق أسطح ذات تربات ضعيفة النفاذية. تنقل إليها مياه العيون والأودية عن طريق قنوات ترابية في حالة قربها من مصدر الماء، وبأنابيب بلاستيكية في الحالات التي يكون فيها مصدر الماء بعيدا. لا تتعدى مدة ملئها ليلة واحدة، ويتم تصريف مخزونها كل يوم لسقي مساحات صغيرة تتواجد بالقرب من هذه البرك.

لا يتطلب إنشاؤها تكلفة مالية مرتفعة ولا يدا عاملة خبيرة، بالمقابل تتمثل مشاكلها في ضعف مقاومتها للامتطاحات والتساقطات الغزيرة، بالإضافة إلى إمكانية ضياع المياه المجمعة عن طريق التسرب والتبخر. ويعاب على هذه التقنية كذلك توحل الأنابيب بالأتربة التي يحملها التيار المائي، وتعرضها للإتلاف نتيجة الفيضانات بالنسبة للأنابيب التي تمتد عبر الأودية لمسافات طويلة.

Description : IMG-20190311-WA0017 صورة (3): مستجمعة مائية

تأخذ شكلا مستطيلا يتم تغذيتها باستقدام مياه أحد الأودية عبر أنابيب بلاستيكية تربط بين الرافد والواد لأزيد من1000 متر. ويستغرق تعبئة هذه الحفرة المائية ليلة واحدة، ويتم تصريفها لسقي المزروعات والأشجار صبيحة كل يوم.

 

 

الفرع الثاني: تقنيات تخزين المياه مباشرة في التربة

تجمع هذه التقنيات المنفذة على التربة بين المحافظة على الموارد المائية وعلى التربة في نفس الوقت، ولو أن أولوية هذه التقنية هي الرفع من رطوبة التربة في المناطق الجافة والمتضرسة، عن طريق تسوية السفوح والمنحدرات للسماح للماء بالنفاذ إلى داخلها.

تقنية الخنادق (رفوسي باللهجة المحلية)

تنتشر بحوض كرت وعلى طول منحدر لا يتجاوز %2، خطوط لجريان المياه بشكل متواز مع المسالك وفي مسارات منتظمة ومتجهة نحو حقول القمح، أو تحول عبر قنوات ترابية لسقي أشجار الزيتون، فبالإضافة إلى دورها في الحماية من خطر الفيضانات والتعرية وسقي الحقول والأشجار، تساهم كذلك في عرقلة الحركة، كما أنها تحتاج إلى صيانة مستمرة[12]. ولتسريع الجريان يتم تنقية وتنظيف هذه الخنادق بشكل موسمي من الأوحال العالقة باستعمال الآليات (صورة رقم 4) أو بشكل يدوي، وأحيانا بتدخل من الدولة إذا تعلق الأمر بالخنادق الموازية للطرق المعبدة قصد حماية هذه الطرق من قوة السيول. بالمقابل يتولى المزارع بالموازاة مع أعمال الإعداد الزراعي، صيانة الخنادق والقنوات الترابية القريبة من حقله.

صورة (04): خندق على طول الطريق الإقليمية الرابطة بين تفرسيت والدريوش

المصدر: الباحث، جماعة تفرسيت بتاريخ 15/03/2019

تقنية الأحواض

تنتشر تقنية الأحواض الصغيرة بحوض كرت على نطاق واسع، وذلك لبساطتها وانخفاض تكلفتة إنجازها، حيث تحاط الأشجار المثمرة وخاصة أشجار الزيتون بأحواض صغيرة لتجميع المياه. تتراوح مساحاتها تبعا لاختلاف مراحل نمو الشجرة بين 2 و4 م2 وتنقل إليها مياه الجريان السطحي عن طريق قنوات ترابية (ساقية) تربط بينها وبين الأسطح الملساء (مسالك، مستجمعات مائية كبيرة، خنادق…). وتساهم هذه الأحواض في زيادة رطوبة التربة بنحو 5 بالمائة، وتخزين كمية مهمة من المياه تصل إلى 150 مم/السنة”[13].

تتخذ الأحواض الصغيرة حسب طبيعة الانحدار شكلين اثنين: الأول عبارة عن حوض دائري أو مربع مغلق من جميع الجوانب (صورة رقم06) في المناطق المنبسطة الضعيفة الانحدار، والثاني حوض هلالي مواجه لأعلى المنحدر في المناطق الضعيفة أو المتوسطة الانحدار (صورة رقم 07) بشكل يسمح باعتراض مياه الجريان السطحي الناتج عن التساقطات المطرية. يعتبر الشكل الثاني أكثر عرضة للإتلاف نتيجة قوة السيول وأهمية الانحدار، لذلك فهي –أي الأحواض الهلالية- في حاجة إلى صيانة مستمرة، إما عن طريق دعم حوافها بالأحجار المستخرجة من الحقل أو بإزالة الخدات والخدوش التي تنتج عن السيول التي تخترق الحوض بعد كل عاصفة مطرية، أو بربط الأحواض فيما بينها بشكل أفقي بقنوات ترابية تسمح بانتقال الماء من حوض ممتلئ إلى آخر لم يمتلئ بعد.

صورة (06):نموذج أحواض مربعة صورة (07): نموذج أحواض هلالية

 

IMG-20200420-WA0015

IMG-20190314-WA0083

المصدر: الباحث، جماعة سيدي علي بورقبة بتاريخ 12/04/2020

تسوية السفوح عل شكل مدرجات

تشمل المدرجات جميع الحواف الأرضية التي تنجز على السفوح أو في الأودية لاعتراض الجريان السطحي وحمولته الصلبة للحفاظ على استقرار التربة وتحسين الإنتاج…[14]، وتقوم هذه التقنية في المناطق المرتفعة بحوض كرت على تسوية السفوح على شكل مدرجات متساوية الطول والعرض تعلو بعضها البعض، وتدعم جدرانها أحيانا بالأحجار المستخرجة من الحقل أو بجذور الأعشاب والأشجار المغروسة عند نهاية كل مدرج، وتترك مساحة مهمة في عالية المنحدر دون تسوية لتعمل كمستجمع مائي طبيعي يزود المدرجات أسفله بالمياه، فالتربة في هذه الحالة تستفيد من المياه التي تسقط فوق هذه المدرجات ومن المياه التي تسقط على المستجمع المائي وتتحرك باتجاه المدرجات.

تختلف مساحة هذه المدرجات وأبعادها الهندسية الأخرى وفق طبيعة الانحدار (صورة 08و09)، فتكون ذات مساحة مهمة وارتفاع ضعيف في المنحدرات الضعيفة والمتوسطة، بينما تقل مساحاتها ويتزايد ارتفاعها في المنحدرات القوية. يتمثل دورها بالإضافة إلى المحافظة على التربة من الانجراف والتعرية والإنغسال في تنظيم الجريان السطحي والرفع من فرص نفاذية المياه إلى داخل التربة وتحسين خصائصها الفيزيائية والكيميائية.

صورتان (08) و (09): نموذج مدرجات مستغلة في غرس أشجار الزيتون وبعض الزراعات المختلطة

Description : Description : C:\Users\Minfo\Desktop\صور الدكتوراه\CIMG0009.JPG Description : Description : C:\Users\Minfo\Desktop\صور الدكتوراه\CIMG0011.JPG

المصدر: البحث الميداني، دوار بني امحمد جماعة سيدي علي بورقبة بتاريخ 17/12/2017

جدول (01) مزايا ومساوئ تقنية المدرجات[15]

مزايا المدرجات

مساوئ المدرجات

التخفيف من التعرية والانجرافات

تساعد على تسرب الماء إلى داخل التربة

حماية الطرق والمسالك من الانزلاقات

تزود المزروعات بالإمدادات المائية

تحسين مردودية الأرض

ارتفاع التكلفة لذلك لا تنتشر بكثرة

صغر المساحات المستهدفة

تتعرض للتلف بسبب السيول وبالتالي تتطلب صيانة مستمرة.

تحتاج إلى يد عاملة مهمة

فقدان ما بين 5 و %25 من المساحة القابلة للزراعة حسب درجة الانحدار

وتم اعتماد هذه التقنية في الماضي لارتفاع عدد السكان وتزايد الحاجة إلى أراضي زراعية جديدة تلبي الحاجيات الغذائية في وسط يتميز بالتضرس الشديد. ويلاحظ حاليا التخلي عن استغلال هذه المدرجات وإهمالها على الرغم من توفر التقنية، وذلك إما لضعف مردوديتها نتيجة ندرة الموارد المائية، أو لاعتماد الساكنة على بدائل اقتصادية أخرى أكثر فعالية وتأثيرا في المستوى المعيشي من الفلاحة المعيشية كعائدات الهجرة الدولية، أو نتيجة الهجرة القروية والخارجية التي أفرغت البوادي من اليد العاملة الضرورية، فإنجاز مثل هذه التقنية يتطلب حسب ERIC 1994) ( استثمارات ضخمة تقدر بــ 600إلى 1200 يوم عمل للهكتار الواحد، وإلى يد عاملة وفيرة ورخيصة[16].

يعاب على نظام المدرجات وعلى باقي الأراضي المخصصة للزراعة بحوض كرت، غياب نظام لتصريف المياه الزائدة بين المدرجات، من المدرج الأعلى إلى المدرج الأسفل. ونفس الأمر ينطبق على الأراضي الزراعية في المناطق المنبسطة التي تعرف تشبعا مائيا خلال الفيضانات، مما يضعف قدرة الأراضي على مقاومة السيول وما يترتب عن ذلك من انجراف للتربة وضياع للمحاصيل الزراعية. ولعل هذا الأمر يعود بشكل رئيس لخاصية شح التساقطات المطرية بالمنطقة والتي استحوذت على تفكير الفلاحين؛ فهم في العادة يفكرون في الحصول على المياه أكثر من تفكيرهم في التخلص منها، ويبقى جل ما يفعله المزارعون أثناء فترة الفيض هو تصريف المياه عن الأراضي بشكل آني ومتزامن مع توقيت حدوث الفيضانات أو ما يمكن أن نسميه بــ “ردة الفعل الآنية” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التربة والمزروعات، يعني أنه ليس سلوكا ونهجا استباقيا كما هو الشأن بالنسبة لتجميع وتخزين المياه، ومنه فاحتمالية حدوث الأضرار واردة بشكل كبير.

الحواف الترابية

عبارة عن حواف ترابية متوازية مع بعضها البعض ومتعامدة مع خطوط الجريان، تقام في المناطق المنحدرة المهيأة لاستقبال الأشجار المثمرة (الزيتون، اللوز…). يتم تنفيذها إما يدويا بآلة يجرها الحيوان أو بواسطة الجرار، بشكل لا يسمح للمياه بالاتجاه إلى أخفض نقطة نظرا لما قد يترتب عن ذلك من اختراق الحواف الأعلى وإتلاف باقي الحواف المتواجدة في الأسفل. وتعتبر الحواف أكثر انتشارا بحوض كرت بالمقارنة مع المدرجات المستوية، لكونها أقل تكلفة من هذه الأخيرة.

بالإضافة إلى دورها في التخفيف من الانجراف، تسمح تقنية الحواف كذلك باعتراض الجريان ومضاعفة فرص تسرب المياه إلى مستوى الجذور لتساعد على نمو الشجيرات الفتية.

صورة (10): نموذج من الحواف الترابية

المصدر: مديرية الفلاحة بالناضور

تشييد حواجز إعاقة لتحويل مياه الأودية

تقوم هذه التقنية على تشييد حاجز أو معيق للجريان في أضيق المناطق وأقلها انحدارا بعرض الوادي، وتبنى عادة من الأحجار والتربة المدكوكة، تتميز هذه الحواجز (السدود) بأهمية ارتفاعها وطولها اللذين يمكنانها من مقاومة السيول (صورة رقم 13). تشيد بهدف تغيير مسارات الجريان وتصريف السيول عن الأراضي الزراعية، وكذلك بهدف الاستفادة من التربة الغرينية التي تنقلها الأودية لتوسيع المساحة المزروعة؛ حيث تتوقف حمولة الواد من الأتربة عند هذا الحاجز لتتشكل أراضي زراعية جديدة، “فعمليات التهيئة المنجزة على الأودية تتم للاستفادة من تسطح التضاريس ووفرة المياه، وكذلك للاستفادة من تربتها الغرينية الخصبة. ويمكن أن نصنف أعمال التهيئة هذه حسب أهدافها إلى صنفين: الصنف الأول لحماية الأراضي الزراعية من الفيضانات المتكررة للأودية ذات الأنظمة الغزيرة، أما الصنف الثاني فلدعم واستقرار المساحات التي يتم إنشاؤها”[17]

يعتبر انتشار مثل هذه التقنيات بحوض كرت جد محدود لارتفاع تكاليف إنشائها وصيانتها، فهي تتطلب مهارات فنية عالية ويد عاملة مهمة توفرت في الماضي في إطار العمل الجماعي، وتقلصت حاليا بفعل إفراغ البوادي من السكان. ويشير تقرير الفاو 2016 إلى أن إنجاز هذه الحواجز يتطلب توفر المزارعين على معرفة فنية عالية، فغالبا ما تتعرض بنى تحويل مجرى المياه للإتلاف بفعل الفيضانات الشديدة، ومنه فإعادة إنشائها تتطلب جهودا كبيرة وعملا جماعيا ومجتمعيا[18]. ويمكن كذلك تفسير اختفاء هذه التقنية المحلية التقليدية أو ضعف انتشارها، بالاعتماد حاليا على الحواجز الإسمنتية التي تنجز في إطار الإعداد العصري الذي تشرف عليه أجهزة الدولة.

صورة (11): حاجز لإبطاء الجريان

Description : حاجز

المصدر: الباحث، جماعة تفرسيت (وسط الحوض)، بتاريخ 15/03/2019

حاجز على مجرى واد بني يوسف منطقة تفرسيت، مصنوع من الأحجار والتربة يزيد طوله بقليل عن 10 أمتار وارتفاعه 2,5 متر، ويزيد سمكه عن المتران، أنشئ لحماية الأرض الزراعية على الضفة اليسرى للواد ولتجميع المياه. تختلف روايات كبار السن الذين استجوبناهم حول تاريخ تشييد هذا السد، لكن يتفق الجميع على أنه شيد قبل دخول الاستعمار الاسباني إلى المنطقة، والبعض الآخر يؤكد من خلال تناقل الرواية الشفوية أن تاريخ تشييد السد يعود إلى العهد المريني

تكمن أهمية “التقنيات المحلية” في دورها الاقتصادي والاجتماعي، إذ تساهم في زيادة المحاصيل الزراعية وتوفير فرص العمل من خلال تجميع مياه التساقطات المطرية وتوجيه مياه الجريان السطحي لسقي المزروعات والأشجار ولإرواء الماشية. ففي حوض كرت تمثل نسبة السقي بالاعتماد على مياه الفيض حوالي %33 من مجموع المساحة المسقية، وبلغت نسبة المساحة المسقية بمياه الأودية حوالي % 45، واستغلال هذه المياه لم يكن ممكنا لولا مهارات الفلاحين، وتعبيرا عن هذه الأهمية تعتبر اليونيسكو أن إتقان هذه المهارات تمثل في مناطق الزراعة المعيشية سبيلا لكسب الرزق، ومصدرا للمرونة في أوقات عدم اليقين والتغيرات[19]. بالإضافة إلى أهميتها الاقتصادية والاجتماعية، تضطلع تقنيات التدبير المحلي بوظائف بيئية عدة، فهي تساهم في تنظيم الجريان السطحي والتخفيف من قوة السيول والجريان بشكل يحافظ على التربة من الانجراف والتعرية ويخفف من آثار الفيضانات على الأراضي الزراعية. كما لا ينبغي إغفال دور هذه التقنيات في تغذية الفرشة المائية الجوفية، وخاصة تلك التي تتعلق بتشييد سدود الإعاقة على الأودية؛ فعلى سبيل المثال إن كانت مياه الفيضانات تساهم بشكل طبيعي -أي بدون تدخل الإنسان- في تغذية فرشة كرت الجوفية بمعدل يتراوح بين 5 و 7,5 مليون متر3 في السنة، أي بنسبة تتراوح بين %30و 35% من مجموع المياه التي تستقبلها الفرشة، فإن تطبيق المهارات المحلية في تغذية الفرشة الجوفية والتي تعتبر حاليا شبه غائبة، يمكن أن ترفع من نسبة استفادة الفرشة المائية من مياه الأودية التي تنتهي معظمها في البحر.

المبحث الثالث: معيقات ومشاكل التقنيات المحلية

تتجه التقنيات المحلية أو التقليدية التي اعتمدها إنسان حوض كرت لتدبير الندرة وتلبية حاجياته المائية نحو الاندثار، وهذا ما أشار إليه تقرير منظمة التغذية والزراعة متحدثا عن تقنيات حصاد المياه في المغرب وبعض الدول الإفريقية، حيث جاء في التقرير: “للمغرب تقاليد قديمة في حصاد المياه وتدبير التربة… غير أن كثيرا من تقنيات حصاد المياه التقليدية بالمغرب توجد في حالة متدهورة بفعل تدهور الأراضي وموارد المياه، فضلا عن العوامل الزراعية والاجتماعية والاقتصادية من قبيل الهجرة الخارجية”[20].

المطلب الأول: المعيقات الطبيعية

تتمثل المعيقات الطبيعية التي تحد من فعالية الأنظمة المائية المحلية في تبديد الماء عن طريق التسرب والتبخر، يمكن تفسير التحدي الأول –أي التسرب- بضعف الإمكانات المادية اللازمة لتهيئة وإعداد مثل هذه التقنيات، إذ على الرغم من المجهودات الفردية المبذولة للتخفيف من الفواقد الناتجة عن التسرب، كدعم القنوات المائية بالأحجار أو الاسمنت وتغطية جوانب وقيعان الأحواض المائية الصغيرة باستعمال الأغطية البلاستيكية أو بالطين أو بالمواد الإسمنتية، إلا أن هذه العمليات لم تشمل إلا مناطق محدودة من وسط الحوض، وهي في الغالب المناطق التي تتم فيها أعمال الإنجاز والصيانة بشكل جماعي، لما تتطلبه هذه العمليات من يد عاملة كثيرة وإمكانات مادية وتقنية مهمة.

أما التحدي الثاني المرتبط بالتبخر، فيعتبر من أبرز العوامل التي يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على كميات المياه المخزنة، إذ تقدر حجم المياه المتبخرة بــــ 1926,40 ملم/السنة بمعدل 5,28 ملم / اليوم، وهي كمية جد مرتفعة تفوق الواردات المطرية السنوية. تبقى التدخلات الموجهة للتخفيف من تبديد الماء نتيجة هذه الظاهرة محدودة، وذلك ربما لكونها ظاهرة غير مرئية يستعصي إدراكها وفهمها في وسط فلاحي يكاد ينعدم فيه الإرشاد الفلاحي وتنتشر فيه الأمية بشكل مخيف، ففقط المنشآت المائية القريبة من المنازل يمكن أن تستثنى من مشكل التبخر، حيث يتم تغطية الخزانات المائية بإحكام لكون المياه المخزنة بداخلها موجهة للاستعمال المنزلي (الشرب، الطهي…)، وما يتطلب الأمر من حفاظ على جودة الماء.

كما تؤدي تغايرية التساقطات المطرية، وتأثير تردد سنوات الجفاف إلى إتلاف الأنظمة التقليدية؛ فمع توالي سنوات الجفاف تتكون قناعة لدى المزارعين بأن نتائج الاستثمار في هذه التقنيات تكون ضئيلة فيتم التخلي عنها بشكل مؤقت أو نهائي، وخاصة المنشآت التقليدية (الخزانات المائية، المدرجات أحواض التجميع الصغيرة…) البعيدة عن المسكن القروي إذ تعتبر الأكثر تضررا وعرضة للإتلاف بالمقارنة مع تلك القريبة من المسكن والتي لا تزال تقوم بدورها في توفير المياه. كما تؤدي قوة السيول الناتجة عن الأمطار الغزيرة والفجائية إلى تدمير بعض المنشآت المائية.

المطلب الثاني: المعيقات الديمغرافية والاجتماعية

تساهم التحولات الاجتماعية المرتبطة بتفضيل نمط العيش العصري والهجرة للاستقرار بالخارج أو بالمدن، في نقص اليد العاملة الضرورية لحماية واستمرار وتطوير الموروث المائي، فمعظم الجماعات القروية المنتمية لحوض كرت عرفت معدلات نمو ديموغرافية سلبية تراوحت بين 0 و %2,5- خلال الفترة الممتدة بين 2004 إلى 2014.

تميزت منطقة حوض كرت كغيرها من مناطق الريف الشرقي باستقرار بشري قديم وبكثافة سكانية مرتفعة، إلا أنه منذ بداية التسعينات وبسبب هشاشة الوسط الطبيعي غير المساعد على الاستقرار وضعف المرافق والخدمات العمومية وضعف البنيات الإنتاجية، بدأت تتباطأ وتيرة النمو السكاني في معظم الجماعات المشكلة لحوض كرت، حيث تراجع مجموع عدد سكانها عدد سكانها من 171330 نسمة سنة 1994 إلى 166586 نسمة سنة 2014.

جدول (02): الوزن الديموغرافي بحوض كرت

2014

2004

1994

السنة

111471

124018 

171330

عدد السكان القرويين

11096

10365

عدد سكان المراكز القروية المحددة

44019

34056

عدد سكان المدن

166586

168439

171330

مجموع سكان الحوض

26,42

20,21

0,00

نسبة التمدين (%)

مصدر المعطيات: الإحصاءات العامة للسكان والسكنى لسنوات 1994 و2004 و2014

يلاحظ انطلاقا من الجدول (02) أن الانخفاض الملاحظ على مستوى الحوض هم بشكل أساسي ساكنة الوسط القروي، حيث انخفض عددها من 171330 نسمة سنة 1994 إلى 111471 سنة 2014، ومعظم الجماعات القروية المنتمية للحوض سجلت معدلات نمو سلبية انحصرت بين 0,54- و2,44- خلال الفترة الممتدة من 2004 إلى 2014. بينما شهدت المراكز القروية المحددة أو التي يمكن اعتبارها مراكز حضرية صغرى (قاسيطة، دار الكبداني، تفرسيت، تيزي وسلي) ارتفاعا طفيفا في عدد السكان. مقابل نمو مهم لساكنة المدن التي انتقلت من 34056 نسمة سنة 2004 إلى 44019 سنة 2014، وأصبحت تمثل بذلك %27 من مجموع ساكنة الحوض سنة 2014 مقابل %20 سنة 2004.

عرفت المنطقة مجموعة من تيارات الهجرة بعد الاستقلال، كان أولها نحو الجزائر للعمل في ضيعات المعمرين، ونحو المدن نتيجة سنوات الجفاف التي ضربت المنطقة خلال الثمانينيات، وأخرى نحو دول أوربا الغربية والتي تعتبر أشد تأثيرا على الأنظمة الإنتاجية بالمقارنة مع تأثيرات الهجرات الأخرى؛ فالهجرات الأولى باتجاه الجزائر لم يكن لها تأثير سلبي على استغلال الأرض حسب من عايشوا هذه المرحلة، فعملية استغلال الأرض وما يرتبط بها من عمليات الإعداد لم تتوقف، لأن الهجرة كانت تقتصر على رب العائلة أو أحد أفرادها، ولم تشمل الأبناء والزوجات الذين كان يوضع على عاتقهم مسؤولية الاهتمام بالأرض واستغلالها، على عكس الهجرات باتجاه دول أوربا الغربية التي كانت تتم في البداية بشكل فردي، ثم أخذت فيما بعد شكلا جماعيا لتشمل جميع أفراد العائلة في إطار ما يسمى بالتجمع العائلي، فبالإضافة إلى كون هذه الهجرات الجماعية ساهمت في إفراغ البوادي من اليد العاملة، لعبت كذلك دورا مهما في القضاء على أعمال التهيئة والإعداد، وساهمت في اختفاء التنظيمات الاجتماعية القائمة على التضامن والتآزر (ثويزة باللغة المحلية) لصالح المبادرة الفردية المدعومة بالمكننة والتي غيرت نظرة الإنسان المحلي إلى مجاله الجغرافي ووسطه الاجتماعي، وما ترتب عن ذلك من اندثار للمهارات المحلية وتدهور للمنشآت المائية التقليدية-المحلية، خاصة مع تطور الأنماط الحياتية.

تطرح هذه التحولات وغيرها، سؤال قدرة محافظة الأجيال المقبلة على هذه التقنيات وكذا قدرتهم على التأقلم مع التقلبات المناخية كما فعل الأسلاف، خصوصا أن إقبالهم على خدمة الأرض وحبهم لها تراجع بشكل كبير بالمقارنة مع ما كان عليه الآباء والأجداد، وهو ما يؤكده العباسي الذي يرى أن الإنسان وتعلقه بالأرض ودور المهاجرين من خلال استثمار جزء من رأسمالهم، يعتبران من بين العوامل الأساسية التي يمكن أن تحدد مدى استدامة وتطور هذه التقنيات. إلا أن هذين العنصرين يعتبران حاليا بمثابة مشاكل، نتيجة تراجع إحساس التعلق بالأرض، واستثمار الرأسمال المترتب عن الهجرة الدولية في قطاعات أخرى، وخاصة بالنسبة لفئة الشباب الذين يفضلون الحياة العصرية على كل شيء يتعلق بالفلاحة[21].

المطلب الثالث: المعيقات التقنية

يعاب على تقنيات التدبير المحلية بحوض كرت افتقارها إلى الأسس العلمية في جوانب عدة، يتمثل أبرزها في صعوبة تحديد المواقع الصحيحة لتنفيذ تقنيات حصاد الماء، بالإضافة إلى الجهل بالمعطيات الهيدرولوجية وخصائص الأرض (حجم الصبيب، التربة، درجة الانحدار…)، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تدمير السيول لهذه المنشآت المائية خصوصا تلك المتواجدة بالأودية أو على ضفافها.

وهذا المشكل التقني يتفاقم مع زيادة تعقد الوضع التضاريسي، فحوض كرت الأعلى يعرف عجزا تقنيا واضحا أمام مواجهة عناصر الطبيعة الصعبة: الانحدار، التعرية المائية في السفوح، الأمطار الغزيرة التي تساهم في تدمير وإتلاف المنشآت المائية التقليدية. ففي ظل هذه المعطيات الطبيعية وغياب الإمكانات التقنية يصعب التكهن باستمرارية عمليات الإعداد المائي التقليدي مستقبلا.

المطلب الرابع: المعيقات الإدارية والمؤسساتية

بالإضافة إلى المعيقات السابقة، نسجل ضعف تثمين الجهات الرسمية لهذه التقنيات التي خففت عنها لفترة طويلة عبء تحمل تكاليف توفير مياه الشرب والسقي لمثل هذه المناطق الهامشية شبه الجافة. وتتمثل مسؤوليات الدولة في هذا الجانب في جرد هذا التراث المائي وتقييمه، وتحسيس المزارعين بأهمية تطبيق تقنيات حصاد مياه الأمطار مع مدهم بالوسائل المادية والتقنية الضرورية لضمان استمراريتها، خصوصا وأن الإطار القانوني تنبه إلى أهمية التقنيات المحلية، واستثنى جهود استغلال مياه التساقطات المطرية من الحصول على ترخيص مسبق كما هو معمول به في استغلال باقي مصادر الماء التي تعتبر ملكا عموميا كالآبار والعيون والأودية ومياه البحر والمياه المستعملة؛ حيث نص قانون الماء السابق 95-10 على أن الملاكين لهم الحق في استغلال وتجميع وتخزين المياه التي تسقط على أراضيهم دون الحاجة إلى ترخيص مسبق من وكالة الحوض المائي، ووجه القانون الجديد حول الماء 15-36 الباب الرابع المتعلق بتثمين واستعمال مياه الأمطار، المادة 62، وكالة الحوض المائي أو الإدارة على أن تقدم المساعدة المالية والتقنية وفق الإمكانيات المتاحة لكل شخص ذاتي أو اعتباري يقوم بإنجاز منشآت لاستعمال أو تثمين مياه الأمطار، وأن تساعد كل شخص يقوم بإصلاح وترميم منشآت قائمة لتجميع وتخزين واستعمال أو تثمين مياه الأمطار[22].

على العموم، تبين هذه المعيقات أن استمرار المهارات التقليدية وإدراجها مستقبلا ضمن استراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية، ينبغي أن يتم بحذر شديد، وهذا الحذر تبرره درجة حضور محددات مفهوم التكيف نفسه، والمتمثلة في المهارة والاستمرارية والقدرة على الإبداع بشكل فعال وكفء. فإذا كانت هذه المحددات قد وجدت في الماضي وبقوة في إطار الأنظمة التقليدية القائمة على التعاون، فإنها بدأت تتراجع حاليا بسبب تطور الأنماط الحياتية وتحسن المستوى المعيشي. وعليه، سيؤدي تراجع اهتمام السكان القرويين بهذه التقنيات إلى اندثارها بشكل نهائي، فضمان فعالية واستدامة استراتيجيات التكيف على المديين المتوسط والطويل يتطلب حسب ” Adjer”[23] حاضنة اجتماعية وقبولا شعبيا.

خاتمة وتوصيات

تمكن الانسان القروي بحوض كرت من أن يكيف الطبيعة وفقا لإمكاناته المادية والتقنية، حيث حاول قدر المستطاع الاستفادة من كل قطرة مائية يمكن التحكم فيها، عبر توجيه مياه السيول لسقي الأشجار المثمرة أو تجميعها في سدود تلية صغيرة واستعمالها في السقي التكميلي خلال الفترات الجافة، وتجميع مياه الأسطح في صهاريج داخلية (تحت الأرض: الجوب) تستعمل لتلبية الاحتياجات المنزلية المختلفة لفترة طويلة من السنة، ويكون بذلك قد أنتج عن طريق التجربة ثلاثة أنظمة استغلال مختلفة ومتداخلة تكمل إحداها الأخرى، ويتعلق الأمر بما يلي :

  • أنظمة التجميع والتخزين: هدفها تجميع المياه السطحية المتاحة (الحفر المائية، الجوب…)
  • أنظمة التصريف: تصريف المياه نحو الحقول لسقي المزروعات (القنوات الترابية، الأنابيب البلاستيكية…) أو للاستعمالات الأخرى، وغالبا ما تكون على شكل قنوات ترابية “الساقية”، أو عبر الأنابيب البلاستيكية بالنسبة لنقل المياه لمسافات طويلة تتجاوز في بعض الأحيان الكيلومتر الواحد.
  • أنظمة الحماية: ويتعلق الأمر بحماية الأرض أو حماية المزروعات من خطر السيول (المدرجات، الحواجز الترابية…) والتي تقوي كذلك فرص نفاذ الماء.

ولتثمين الموروث المائي التقليدي وضمان اشتغاله بفعالية نوصي بـ:

– تدخل الدولة لمواكبة وتتبع المزارعين، وتوفير المعلومات والخبرة التقنية الضرورية المتعلقة بكميات التساقطات المطرية ونوعية التربة وهندسة المستجمعات المائية الكبيرة.

– تأهيل المدرجات القديمة وإقامة أخرى جديدة

– تفعيل المادة 62 الباب الرابع من قانون الماء 15-36 المتعلق بتثمين واستعمال مياه الأمطار، والذي يوجه وكالة الحوض المائي أو الإدارة على أن تقدم المساعدة المالية والتقنية وفق الإمكانيات المتاحة لكل شخص ذاتي أو اعتباري يقوم بإنجاز منشآت لاستعمال أو تثمين مياه الأمطار، وأن تساعد كل شخص يقوم بإصلاح وترميم منشآت قائمة لتجميع وتخزين واستعمال أو تثمين مياه الأمطار.

– إعادة النظر في موقع جمعيات مستخدمي المياه الفلاحية ضمن المنظومة المائية الزراعية وجعلها شريكا أساسيا في اختيار وتنفيذ وتتبع وتقييم المشاريع المائية، وتشجيعها على أعمال الصيانة والحفظ، ودعمها بالإمكانات المادية والتقنية والبشرية (تأطير وتدريب منخرطيها) الضرورية لضمان استمراريتها.

– استغلال تطور التقنية في تحديد مناطق حصاد الماء وخاصة المستجمعات المائية ومد الساكنة وخاصة الفلاحين بالمعطيات التقنية الضرورية، المناخ، درجة الانحدار لضمان الإنجاز السليم.

المراجع:

المراجع باللغة العربية

عزوزي عبد العزيز (2024). الخصائص المورفومترية والهيدرولوجية لحوض كرت شمال شرق المغرب. مجلة الشرق الأوسط للعلوم الإنسانية والثقافية4(3), 192–176

عويس ذيب وحاجم أحمد )2005(حصاد المياه للزراعة في المناطق الجافة، مجلة الاستثمار الزراعي العدد 3 من إصدار الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي.

المملكة المغربية، الجريدة الرسمية عدد 6494 – 21 ذو القعدة 1437 (25 أغسطس 2016).

المنظمة العربية للتنمية الزراعية (2002) دراسة سبل تطوير الري السطحي والصرف في الدول العربية (140 صفحة)، السودان.

المراجع باللغة الفرنسية

-A LAOUINA, Eric ROOSE et Mohammed SABIR (2006) SPATIALISATION DE LA GESTION CONSERVATOIRE DES EAUX ET DES SOLS AU MAROC, LES FACTEURS ECOLOGIQUES, SOCIAUX ET CULTURELS P 53- 62 P54. Actes de la session VII organisée par le Réseau E-GCES de l’AUF au sein de la conference ISCO de Marrakech (Maroc), du 14 au 19 mai 2006.

– É Mollard., A Walter. (éd.), (2008). Agricultures singulières. Paris, IRD Editions.

– E Roose (1994) Introduction à la gestion conservatoire de l’eau, de la biomasse et de la fertilité des sols (GCES). Bull. Pédol. FAO, 70.

– H AL ABASSI (2000) : Le savoir-faire des populations locales et gestion des eaux et des sols dans une moyenne montagne méditerranéenne semi-aride du Rif oriental (Maroc). Bull. Réseau Érosion.

H EL YADARI, M. CHIKHAOUI, M. NAIMI, M. SABIR, D. RACLOT (2019) techniques de Conservation des eaux et des sols au Maroc : aperçu et perspectives, Rev. Mar. Sci. Agron. Vét. 7 (2).

-J AL KARKOURI, A. WATFEH, M. ADERGHAL, (2002). Techniques de CES dans une zone semi-aride méditerranéenne du Rif central (Béni Bouffrah), Maroc. Bull. Réseau Érosion, 21.

– M Sabir., Roose É, AL karkouri J, (2010) : Les techniques traditionnelles de gestion de l’eau, de la biomasse et de la fertilité des sols, Ouvrage collectif : Gestion durable de l’eau et des sols au Maroc, Valorisation des techniques traditionnelles méditerranéennes. IRD Éditions Marseille, FRANCE.

المراجع باللغة الانجليزية

-Adger, W.N., (2003) Social Capital, Collective Action, and Adaptation to Climate Change, Economic Geography, vol. 79, 4,

– Critchley, W. and Siegert, C. (1991) Water Harvesting Manual. FAO Paper AGL/MISC/17/91, FAO, Rome.

– FAO (2016) : Strengthening agricultural water effi­ciency and productivity on the African and global level, Status, performance and scope assessment of water harvesting in Uganda, Burkina Faso and Morocco

– UNESCO & UNU (2012) Traditional Knowledge & Climate Change.

– Zafar A.)2008(Promoting Traditional Water Management in Drylands: Adapting Traditional Knowledge to Meet Today’s Challenges. Publisher : United Nations University

الهوامش:

  1. عزوزي عبد العزيز (2024) الخصائص المورفومترية والهيدرولوجية لحوض كرت شمال شرق المغرب. مجلة الشرق الأوسط للعلوم الإنسانية والثقافية4(3). ص179-180

  2. ROYAUME DU MAROC MINISTERE DE L’AGRICULTURE, DU DEVELOPPEMENT RURAL ET DES PECHES MARITIMES, DIRECTION PROVINCIALE DE L’AGRICULTURE DE NADOR , (2004) ETUDE DU SCHEMA DIRECTEUR DE DEVELOPPEMENT AGRICOLE DE LA PLAINE DE MIDAR-DRIOUCH. P 8

  3. موقع وزراة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، قطاع الماء على شبكة الأنترنيت (معطيات 2016)

  4. المملكة المغربية، الوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالماء (2014) حالة جودة الموارد المائية بالمغرب، ص 11

  5. Zafar A.)2008(Promoting Traditional Water Management in Drylands: Adapting Traditional Knowledge to Meet Today’s Challenges. Publisher : United Nations University. p5

  6. المنظمة العربية للتنمية الزراعية (2002) دراسة سبل تطوير الري السطحي والصرف في الدول العربية، السودان. ص 16

  7. Critchley, W. and Siegert, C. (1991) Water Harvesting Manual. FAO Paper AGL/MISC/17/91, FAO, Rome.,p6

  8. عويس ذيب وحاجم أحمد )2005(حصاد المياه للزراعة في المناطق الجافة، مجلة الاستثمار الزراعي العدد 3 من إصدار الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي ص 51.

  9. EL YADARI.H, CHIKHAOUI. M, M. NAIMI, M. SABIR, D. RACLOT (2019) techniques de Conservation des eaux et des sols au Maroc : aperçu et perspectives, Rev. Mar. Sci. Agron. Vét. 7 (2) p 348

  10. AL KARKOURI. J, WATFEH. A, ADERGHAL. M, (2002). Techniques de CES dans une zone semi-aride méditerranéenne du Rif central (Béni Bouffrah), Maroc. Bull. Réseau Érosion, 21. p79

  11. SABIR.M, É ROOSE, AL KARKOURI J (2010) Les techniques traditionnelles de gestion de l’eau, de la biomasse et de la fertilité des sols, Ouvrage collectif : Gestion durable de l’eau et des sols au Maroc, Valorisation des techniques traditionnelles méditerranéennes. IRD Éditions Marseille, France, p 137

  12. Sabir M., Roose É, AL karkouri J, (2010) : Les techniques traditionnelles de gestion de l’eau, de la biomasse et de la fertilité des sols, Ouvrage collectif : Gestion durable de l’eau et des sols au Maroc, Valorisation des techniques traditionnelles méditerranéennes. IRD Éditions Marseille, FRANCE 137, p 129

  13. FAO (2016) : Strengthening agricultural water effi­ciency and productivity on the African and global level, Status, performance and scope assessment of water harvesting in Uganda, Burkina Faso and Morocco, p 38

  14. Mollard É., Walter A. (éd.), (2008). Agricultures singulières. Paris, IRD Editions, p 157

  15. Mohomed SABIR., Éric ROOSE, Jamal AL KARKOURI op cit p137

  16. Roose. E, 1994 – Introduction à la gestion conservatoire de l’eau, de la biomasse et de la fertilité des sols (GCES). Bull. Pédol. FAO, 70, p 137.

  17. SABIR M., (2002) Quelques techniques traditionnelles de GCES dans le bassin versant de Sidi Driss, Haut Atlas, Maroc. Bull. : 224-231 Réseau Érosion, 21, p228

  18. FAO (2016) : Strengthening agricultural water effi­ciency and productivity on the African and global level, Status, performance and scope assessment of water harvesting in Uganda, Burkina Faso and Morocco , p 35

  19. UNESCO & UNU (2012) Traditional Knowledge & Climate Change p6

  20. FAO ( 2016), op cit, p 11

  21. AL ABASSI, H, 2000 : Le savoir-faire des populations locales et gestion des eaux et des sols dans une moyenne montagne méditerranéenne semi-aride du Rif oriental (Maroc). Bull. Réseau Érosion, 20, p 426

  22. المملكة المغربية، الجريدة الرسمية عدد 6494 – 21 ذو القعدة 1437 (25 أغسطس 2016)

  23. Adger, W.N., (2003) Social Capital, Collective Action, and Adaptation to Climate Change, Economic Geography, vol. 79, 4, p 387