الفكر الفلسفي عند اخوان الصفا
م.م . نجلاء محمود حميد1
1 جامعة البصرة، مركز دراسات البصرة والخليج العربي، العراق.
بريد الكتروني: Najlamahmod76@gmail.com
HNSJ, 2024, 5(10); https://doi.org/10.53796/hnsj510/3
تاريخ النشر: 01/10/2024م تاريخ القبول: 17/09/2024م
طريقة التوثيق
المستخلص
من خلال المعطيات التاريخية واستعراض فكر اخوان الصفا وخلان الوفا نعلن انهم جماعة ارتقت سلما رفيعا للعلم ودراسة جميع المعارف الفلسفية ضمن اطار فكر اسلامي منفتح مزج تحت عباءته تنوع ثقافة الشعوب من شرقية وغربية عبرت عنها جماعة اخوان الصفا برسائل ظاهرها علوم ومعارف قيمة تعبر عن نهضة عقلية متطورة اثرت في الكثير من العلماء بعد ظهورها وتحمل في طياتها مضامين واسرار عقائدية باطنية ومضامين فلسفية يجهل الكثير معارفها وفهمها رغم تقدم الزمن وهم بذلك يعكسون مشروعا في غاية الدقة من الانسجام والتنظيم يعبر عن ابرز مثل ضرب في السرية والكتمان ليومنا هذا.
Philosophical thought of the Brethren of Purity
Asst.Lecturer. Najlaa mahmood hamead1
1 Universty Of Basrah – Basrah & Arabin Gulf studies Center
HNSJ, 2024, 5(10); https://doi.org/10.53796/hnsj510/3
Published at 01/10/2024 Accepted at 17/09/2024
Abstract
Through historical data and a review of the thought of the Brethren of Purity and the Loyal Friends, we declare that they are a group that has ascended a high ladder of knowledge and the study of all philosophical knowledge within the framework of an open Islamic thought that blended under its cloak the diversity of the culture of peoples from the East and the West, which the Brethren of Purity expressed in messages that appear to be valuable sciences and knowledge that express an advanced intellectual renaissance that influenced many scholars after its appearance and carries within it esoteric doctrinal contents and secrets and philosophical contents that many are ignorant of their knowledge and understanding despite the passage of time. In doing so, they reflect a project of the utmost precision in harmony and organization that expresses the most prominent example of secrecy and concealment to this day.
المقدمة :
ان الكتابة عن اخوان الصفا يجعلنا نستذكر الحقبة التاريخية التي كانت سائدة في زمانهم او السابقة لهم , وذلك لوقوع الاختلاف في تاريخ ظهورهم, مما دعت الضرورة الى اعطاء البحث لمحة تاريخية مختصرة , والتعرف على المؤثرات التاريخ والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وما لها من دور مهم في تكوين ونشوء الفرق او التيارات الفكرية او ظهور جمعية سرية مثل جمعية اخوان الصفا وخلان الوفا , فهي وليدة تلك السلسلة من الحوادث والاسباب وهذا يدفعنا الى طرح العديد من الاسئلة , ما الغرض من هذا الاسم والسرية , هذا ما سيوضحه لنا السرد التاريخي البسيط للوقوف على بعض الاجابات ’ ومنها سبب التسمية بالجمعية السرية او اخوان الصفا , او اضافة لقب خلان الوفا . فأن لهذه المسميات معاني عميقة تستدعي الفهم والوقف عليها, اخوان الصفا وخلان الوفا جمعية سرية , ظهرت في القرن الثالث الهجري ومنهم من يحدد ظهورها بالقرن الرابع الهجري , كان شعارها الالفة والمحبة كتبوا رسائل عديدة سميت برسائل اخوان الصفا , وحتى هذا الرسائل تتطلب الدراسة والفهم لماذا كانت رسائل لا كتب , او ما شابه ذلك من مدونات سبقت عصرهم مثل كتب الفلاسفة او المعتزلة او الاشاعرة و غيرهم ؟
ان الخلل الذي اصاب السلطة في مجالها السياسي والاجتماعي كان حافزا في ظهور تيارات فكرية تحاول البحث عن خلق نوع من التوازن او وضع اسس صحيحة لعهدا جديد , فكانت تلك الثمرة الا وهي ” جمعية اخوان الصفا ” ساهمت تلك الاحداث في تكوينها وحددت اهدافها المطلوبة , ان الضعف والوهن والانفكاك الذي صاحب الدولة الاموية وما بعدها في عهد الخلافة العباسية وظهور الدويلات والامارات المستقلة في المشرق الاسلامي عن الدولة المركزية كان السبب الأول في هدم الدولة , فوجود الطابع التعصبي لدولة بني امية ولد نزعة الحقد والكره عند الموالين لحكمهم , و وجود الخلاف القائم بينهم والعلويين كان سببا اخر بل من اعظم الاسباب والاحداث وافظعها رزء على الاسلام والدولة, وما الت عليه الدولة بعد استأثر العباسيين الملك وحدثت الحرب الطاحنة بين جيش المنصور والعلويين فقتل فيها النفس الزكية ساهم في خلق اجواء الانفكاك اكثر, واعتماد العباسيون على الفرس في اساس بناء الدولة , ومن ثم ثقة المعتصم بجند الاتراك كل تلك الاحداث كان لها اثر عظيم في تقويض تاريخ السلطة واخذت نتائج ذلك الانهيار ينضج في القرن الرابع الهجري(1).
في سنة 334 هـ حلت الضربة القاضية بدخول احمد بن بويه غازيا بغداد وقتله الخليفة المستكفي بالله بعد أربعين يوما ثم ولي الامر للمقتدر في زمن الوزير معز الدولة والذي ساءت احوال الدولة في زمنه في بغداد وعموم العراق كالبصرة والكوفة , ومع وجود تلك التداعيات السياسية الا انها لم تؤثر على الحياة الثقافية بل انتشرت العلوم المختلفة بسبب الانفتاح الفكري على الحضارات والفلسفات المتنوعة وبرز ابان تلك الفترة مفكرون ساهموا في التوفيق بين الفلسفة والدين الاسلامي امثال ( الكندي , والفارابي , وابن سينا) فلم يشهد عصرا كهذا العصر الذي نبحث فيه , قدم اطيب ثمار العلم والمعرفة والترجمة فلم يترك علم الا ودرسه هؤلاء النخبة واخذ المسلمون كل لون من الوان المعرفة التي وصلت اليهم عن طريق الترجمة والانفتاح على الدول المجاورة سواء بالغزوات او الاختلاط , وكان لإخوان الصفا نصيبا من هذا العلم والثقافة وقيل انهم اخذوا من الكندي الكثير من فلسفته , ومن الفارابي معرفة احصائه العلوم.
ان ما شهده تاريخ الساحة الاسلامية من احداث نتج عنه ظهور حركات ثورية او جماعات سرية وهذه اسباب طبيعية تساعد على ظهور مثل تلك الحركات , وكان لإخوان الصفا نصيبا من تلك الاحداث بل سببا للظهور, اختلاف حولهم الباحثين والمفكرين والدارسين في معرفة ماهية شخصيتهم ومذهبهم ؟ وحقيقة دورهم الذي لعبوه في الحياة العامة الفكرية او السياسية في تلك الفترة ؟ , فمن الباحثين من يراهم رواد الفكر والاصلاح , ومنهم من يكن لهم الاعجاب في تقدير نتاجهم , ومنهم من يشك فيهم ويعاديهم.
ورغم كثرة ما كتب وتعرض له الباحثون طيلة المئات من السنين الا ان البحث عن تاريخ نشوء هذه الجماعة او رسائلهم هو غامض ويشوبه الشك , حيث لم يصادف التاريخ جماعة كهذه بات امرها مخفيا , وكثير ما نعرف ان العالم عندما يشوبه الاضطراب وتظهر فيه حركات او جماعات سرية , مع الزمن تتضح معالم تلك الحركة واصولها وسنة تأسيسها , وعلى ما يبدوا للقارئ ان جماعة اخوان الصفا كانت مختلفة تماما عن بقية الحركات والجماعات حيث كان من ضمن اسس بنائها وشروط تشكيلها وضع معاهدة مع بعضهم البعض تنص على التزام السرية فيما بينهم وعدم افشاء سرهم خوفا من السلطة الحاكمة وبطش المخالفين لهم وقد كان لهم ذلك.
ليس بالأمر اليسير ان نقدم دراسة نهائية او واضحة حول هذه الجماعة ومجال فكرهم لكثرة الاختلاف الذي وقع في الرأي والحكم عليهم من قبل الباحثين , وكذلك تكمن الصعوبة في اسلوبهم وطريقة عرضهم لمنهجهم وآرائهم فرسائلهم التي تعبر عن خفايا افكارهم كان تضم موضوعات متعددة واغلبها تتكرر في اماكن مختلفة ونلاحظ تشعب واسترسال في عرض الموضوع واحيانا يبتعدون عنه كثيرا , ليذكروا موضوعا اخر وان الالمام بفكرهم ينتج عنه صعوبة كون اغلب عناوين رسائلهم لا تحمل اصل الموضوع بل تحمل مضامين اخرى مختلفة.
ان الغاية من كتابة هذا البحث الحقيقة ان كل ما بذل من الباحثين في موضوع أخوان الصفا فهو لا يقدم ما نرجوه من التعرف عليهم اكثر والوصول الى منهج فكرهم وما الهدف من تشكيل تلك الجماعة؟, وما الجديد في منهجهم؟ وحقيقتهم وغايتهم؟ , وهل هم فلاسفة ام رجال دين او حركة فلسفية دينية او سياسية؟, سنحاول قدر الامكان تسليط الضوء على ابرز معطيات منهجهم الفكري وما وصلوا اليه من تطور عقلي مكنهم من تقديم افكارا جديدة في تلك الحقبة الزمنية وكيف ساهمت في حركة التطور والتنوير والتغيير الفكري وما الت اليه من اثر وتأثير في عوامل النهضة وتحقيق الانسجام المعرفي بين الدين والفلسفة.
البحث يتضمن تعريفا للفكر وتطوره على مر الزمان وماهي الفلسفة وماذا تعني عند اخوان الصفا ثم نقدم تعريفا عنهم وعن اصل اسمهم واشتقاقه وننتقل الى تحديد تاريخ ظهورهم ثم نذكر ابرز عناصر فكرهم الفلسفي ومصادره والغاية من وراء انشاء هذه الجماعة واراء بعض الباحثين حول اصل غايتهم وهل هي غاية دينية ام فلسفية ام سياسية , وان كانت اغلب الآراء تصنف اهدافهم بالسياسية سنحاول دراستها بدقة عالية ونخرج بنتائج حسب المعطيات المتوفرة لدينا من دراسات سابقة.
الكلمات المفتاحية : اخوان الصفا , الفلسفة , الفكر , السياسة , المدينة الفاضلة.
مفهوم الفكر الفلسفي :
بداية الامر دعنا نتعرف قليلا على مفهوم الفكر لننطلق بالبحث عن مكامن فكر اخوان الصفا والذي ابتدأ من قوة ارادتهم واتفاقهم ووحدتهم في اخفاء اصلهم وحقيقتهم وبالتالي كانت له نتائج واثر على عدم تحديد تاريخ نشأتهم ومعرفة مقاصد اسمهم واهدافهم.
الفكر يعني الادراك والعقل , اي انه يعطي معنى واحد , وله اسماء متعددة لهذا المسمى الواحد’ ويطلق عليه التفكير والمقصود منها العملية التفكيرية , او ما انتجه التفكير وهو خاص بالانسان ومتعلق به. فالفكر هو اعمال الخاطر في الشيء , والتفكر هو التأمل(2).
ومن المعلوم ان الفكر البشري اخذ ينمو شيئا فشيئا ويتدرج حتى اصبح اكثر نضجا وعلى مر الزمان , ومع ظهور الاسلام ونزول القران الكريم ’ اكتسب الفكر البشري قوة جارفة بما يحمله القران من قضايا خارقة للعادة منها الكونية والطبيعية والعلمية وحتى قضايا فلسفية ’ رغم انه كتابا سماويا روحيا مقدسا الا انه يحمل الكثير من دلالات الدعم للتفكير الانساني. الفكر الفلسفي اخذ ابعاده في البيئة الاسلامية وكانت له اطوار مختلفة وهو متشعب الجوانب ولا يمكننا ان نلم به من جميع المناحي(3).
والفلسفة هي: علم الاشياء بمبادئها وعللها الاولى(4), واخوان الصفا يعرفونها : ” اولها محبة العلوم , واوسطها معرفة حقائق الموجودات بحسب الطاقة الانسانية , واخرها القول والعمل بما يوافق العلم”(5).
تعريفات الفلسفة عند اخوان الصفا كثيرة منها ما تعني : الحكمة ومحبة النفس , وهو تعريف مشتق من حيث المعنى من كلمة ( فيلا صوفيا ) وهي كلمة يونانية وتعني المحب للحكمة . كما عرفوها بمعنى التشبه بالإله حسب الطاقة الانسانية ومعناها اجتهاد الانسان بان يتحرر من الكذب ويتجنب الباطل وان يحسن اخلاقه ويبتعد عن الشر في افعاله , نلاحظ في تعريفهم لموضوع الفلسفة وجود اللمسة الفيثاغورية ’ فالفلسفة تعني “معرفة حقائق الاشياء بعللها , وماهية طباعها التي اصبحت عليه” ’ وعند الفلسفة الفيثاغوري تعني ” البحث عن طبائع الاشياء ’ وحقائق الموجودات “(6).
اما التفكير الفلسفي : ” هو على الضدّ من الاعتقاد النهائي المغلق، التفكيرُ الفلسفي متحرّر من الحدود والقيود والشروط والأسوار المغلقة وكلُّ شيء يخضع لمُساءَلة العقل ونقده وتمحيصه، العقل نفسه يخضع لمساءلةِ العقل، وتمحيصِ مفاهيمه، وغربلةِ أحكامه، وطريقة تعريفه لنفسه، وتفسيره لحقيقة معرفته، ومصادرها، وقيمتها. لا يضع الحدودَ للعقل إلا العقلُ، العقل يرسم حدودَه وما هو داخلٌ في فضائه، ويتدخل ببيان حقيقةِ ما هو خارج حدوده. لا يصدق التفكيرُ فلسفيًّا إلا لحظةَ يكتفي العقلُ في تصديقاتِه وحججِه وأحكامِه بذاته، فيكون هو مرجعية تمحيصِ تفكيره، ومرجعية ما سواه، والحكم عليه إثباتًا أو نفيًا. عندما يصمت العقلُ ويكفُّ عن وظيفته، تدخلُ الروحُ والعاطفةُ في متاهات. العقل يريد ألا نستمع منه إلا إلى صوته الخاص، من دون أن تشوّش عليه وتربكه وتنهكه أصواتٌ خارجَ حدوده. العقل يحكم بعدم إمكان أن يتخلصَ الإنسانُ من تأثيرٍ خفيّ لذاته وعواطفه ومشاعره والمحيط الذي يعيش فيه بشكلٍ تام. والعقل يحكم بوجود الدين في الحياة ويحدّد مجالاته، ووجود المتخيّل ويحدّد مجالاته، والميثولوجيا والأساطير ويحدّد مجالاتها، ويعلن بأنها من الثوابت الأبديَّة في الثقافات البشرية. العقل هو الذي يتولى تصنيفَ وتوصيفَ هذه الموضوعات ويحكم عليها إثباتًا أو نفيًا، ويرسم خرائطَها ويضع حدودَه “(7).
تعريف ” اخوان الصفا ” :
اخوان الصفا وخلان الوفا اغرب واعظم ظاهرة في تاريخ الفلسفة الاسلامية بل وحتى الان , من الباحثين من يطلق عليهم اسم موسوعيون اكثر مما قيل عنهم انهم ينتمون الى فرق او جهة مثل الاسماعيلية او الباطنية او الحركة الشيعية , امتازوا بنزعة طبيعية نجد صداها في عصرنا الحديث بالموسوعيين الفرنسيين ’ الا ان موسوعية اخوان الصفا تميزت بعبق الشرق ولمسته الدافئة , مثلوا دائرة معارف شاملة جمعت كل عناصر الثقافة الاسلامية , ممزوجة بثقافة الفلسفات المتنوعة(8).
هم جماعة من الفلاسفة المسلمين من العرب تألفوا على التوفيق بين ما جاء في العقائد الاسلامية مع الحقائق الفلسفية(9), تصافت وتألفت واجتمعت على العشرة والصداقة والقدس والطهارة والتعاون وفي رسائلهم كلمات كثيرة تدل على التأخي والتعاون ’ وضعوا لهم مذهبا يزعمون انه الطريق الذي يقربهم من رضى الله , وقالوا ان الشريعة تعرضت للجهالة واختلطت فيها الضلالات ولا يوجد سبيل لتطهيرها الا الفلسفة ’ لان الفلسفة تحوي على الحكمة الاعتقادية , وبها تكون المصلحة الاجتهادية(10).
واما عن اصل اللفظ ’ والمعنى فهو يعود الى بعد وفاة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد حزن اصحابه لفراقه حيث ” تفرق شملهم وطمع فيهم عدوهم “(11)., وفي القران الكريم جاء لفظ الصفا في قوله تعالى : ” ان الصفا والمروة من شعائر الله .. “(12)., وفريقا من المؤرخين يرى ان هذا اللفظ ورد في الادب العربي زمن الشعر الجاهلي ’ واقدم ما عرف من القول كان ل < مالك المازني التميمي أوس بن حجر (ت 620 ميلادية) حين قال > :
وودع اخـــوان الـصـفــــــا بقــــــرزل يمـــــر كـمريــــــخ الـــولـيــــــد المقـــــــــزع(13).
نعود ونسئل لماذا اتخذوا هذا الاسم ؟ ان تلك الفترة التاريخية والتي سبق التوضيح عنها كان لها الاثر الملموس على تلك الجماعة فقد اثرت الاضطرابات السياسية والقلق الاجتماعي على ما بين الافراد من صلة فذهب عهد الاخوة وتناسى دور الصداقة ’ وسمع من احد اصدقاء اخوان الصفا وهو ابو حيان التوحيدي(14), ويراه البعض انه احد افرادهم الكثير من الكلام الدال على مفهوم الصداقة والالفة وكذلك ظهور الشر وتفشيه بين الخاصة من الناس والحسرة من فناء الوفاء , تلك الفترة وما صاحبها من تدهور وتسلط سياسي تفتقر لعنصر الاخوة والالفة , مما قد يكون استدعت اليه الضرورة لنشر مفهوم الاخوة والتذكير به لعله يكون عنوانا للوعي والتنبيه., فيقول :<< سمع مني في وقت بمدينة السلام كلام في الصداقة والعشرة والمؤاخاة والالفة وما يلحق بها من الرعاية …الخ >> , بينما نرى التوحيدي في موقف اخر ينفي اي معنى وشعور بالصداقة الحقيقية وخاصة عند ملوك عصره والقادة والخدم وكذلك الامر عند التجار واصحاب الاملاك , الا اللهم ندر عند بعض رجال الدين اذا خلت نفوسهم من الحسد والتماحق فصحت لهم الصداقة وربما القليل من الوفاء, ويقول في رسالة الصداقة والصديق التي كتبها ابو حيان في عام 301 هـ : << وفي النفس من الحرق والاسف والحسرة .. >>(15).
ومن الباحثين من يرى , انهم قد يكونوا استوحوا اسمهم من كلمة (التصوف) وهذه ما اشتهر به وشاع من الدعوة في المشرق ان التصوف هو صفاء القلب حيث قالوا: ” قال ابو الحسن القتاد , الصوفي مأخوذة من الصفاء وهو القيام لله عز وجل في كل وقت وبشرط الوفاء “(16).
ويرى اخرون ان صيغة الاسم قد تكون مقتبسة من كتاب ” كليلة ودمنة ” في باب الحمامة المطوقة وكان الاخوان معجبين بهذا الكتاب واقتبسوا منه الكثير من الحكايات , وفي الحقيقة ان اصل التسمية جاءت من اتحادهم واتفاقهم وامتزاجهم واحاطتهم بسياج متين من السرية خوفا من الملوك وسطوتهم في عهدهم ’ ورسائلهم خير دليل على اتحادهم وعدم ذكر اسمائهم او الاعلان عن اي عمل يقومون به , وقيل في اصلهم الكثير فمنهم من يقول انهم معتزلة ومنهم من يقول انهم من الشيعة او قرامطة او اسماعلية وغيرها ذلك , لكن ما تستعرضه بعض رسائلهم من نصوص تستبعد كونهم من تلك الجهات(17).
تاريخ نشــأتـهــم :
يرى العلماء والمفكرين ان تكتم هذه الجماعة جعلنا نجهل السنة التي قام افرادها بنشر افكارهم وحتى البلد الذي كان مركز نفوذهم الا انهم يستنتجون من الفترة التي جاءت بعد عهد المعتزلة وانتهت بانتصار الاشاعرة و كان عهدا يتوسم فيه مبدأ التقية والتستر اساسا للعيش , ما ان تغلب حكام ال بويه على السلطة في بغداد في عام 334 هـ , اخذنا نسمع بهذه الجماعة ويمكن القول ان تاريخ نشوء هذه الجماعة وتأليفها هو ما بين سنة 334 هـ وسنة 373 هـ لانهم لم يذكروا اي سنة مدونة في رسائلهم ولا اماكن تواجدهم(18).
ومنهم من يقول ان تاريخ ظهور اخوان الصفا كان في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري , واعتبارهم المؤسسين للفلسفة الاسماعيلية(19). ومن الدارسين من يرجع نشأة اخوان الصفا الى منتصف القرن الثالث الهجري على خلاف ما ذهب اليه الباحثون انهم ظهروا في منتصف القرن الرابع الهجري(20).
ويذكر لنا الدكتور عمر فروخ ان هناك اراء مختلفة تنسب رسائل اخوان الصفا وتأليفها الى احمد بن عبد الله ’ وهو جد عبيد الله المهدي وهذا النسب يتطلب ان يكون المنسوب اليه احمد بن عبد الله من احياء القرن الثالث الهجري, وفي هذا الرأي اضطراب كون ان هناك رسالة جامعة وهي غاية الرسائل كلها والتي لم تحظى بالطباعة كنسخة تتداول بين ايدي الناس , وكانت معروفة بلا شك قبل انتهاء القرن الثالث الهجري ’ بينما توجد رواية تقول ان الرسائل نسبت في التأليف الى المجريطي وقد توفي اواخر القرن الرابع الهجري(21).
ومنهم من يستنتج من الحوار الذي جرى بين ابو حيان التوحيدي مع وزير الدولة البويهي صمصمام في حدود سنة 372-373 هـ ’ وهو يسئله قائلا: “حدثني عن شيء هو اهم من هذا الى واخطر على بالي ! … اني اسمع من زيد بن رفاعة قولا يريبني , ومذهبا لا عهد لي به , وكناية عما لا أحقه , واشارة الى ما لا يتوضح شيء منه , فما حديثه ؟ وما شأنه ؟ فقد بلغني يا ابا حيان انك تغشاه , وتجلس اليه وتكثر عنده , ولك معه نوادر معجبة , … , فقلت : ايها الوزير ! انت الذي تعرفه قبلي قديما وحديثا , لاختبا , ولاستخدام , وله منك الامرة القديمة , والنسبة المعروفة. ” قال الوزير: دع هذا وصفه لي ! فقلت : ذكاء غالب وذهن وقاد , ومتسع في قول النظم والنثر , مع الكتابة والبارعة في الحسابة , والبلاغة , وحفظ ايام الناس وسماع المقالات , … ” ثم يقول ابو حيان عن زيد انه اقام في البصرة وعرف وصادق جماعة امتازت بمعرفة اصناف العلوم منهم “ابو سليمان محمد بن معشر البستي ويعرف بالمقدسي , وابو الحسن ابن هارون الزنجاني , وابو احمد المهرجاني , وابو الحسن العوفي واخرين” وكان مذهبهم التألف بالعشرة والتصافي بالصداقة وان يجتمعوا على الطهارة والقدس والنصح وهو طريق يقربهم بالفوز برضى الله(22).
من حيثيات ذلك الحوار الذي حدث بين ابو حيان والوزير, وعليه يبنى ان للوزير علم بهم وقد ذاع صيتهم وبانت رسائلهم واشخاصهم , وعلى هذا الاساس وهذه المحادثة يحدد الباحثون سنة ظهورهم والتعرف عليهم رغم ان الاغلبية يرى انهم اسبق من ذلك بكثير(23).
ومن الباحثين من يرى في اسلوب التوحيدي وطريقته بالحديث عن زيد بن رفاعة انها تعبر عن صيغة للماضي وان الرسائل كانت مبثوثة في وقت اسبق من المحاورة التي جرت بين التوحيدي والوزير, وان الرسائل قد دونت من قبل التوحيد عندما كان شابا ويجلس الى زيد ويملي له في اواسط القرن الرابع الهجري , فان التنظيم السري لإخوان الصفا لا بد ان يكون تأسيسه قد تم في فترة اسبق من هذا الزمن التي دونت فيه الرسائل , وعليه ان تنظيمهم على الغالب يعود الى القرن الثالث الهجري(24). ومنهم من يحدد تاريخ ظهورهم من خلال رسائلهم التي بثت وانتشرت وكانت خير كاشف عن توجههم العام للفلسفة الاسلامية والتي اتت خيرها مع اوج الحضارة الاسلامية والتي كانت في القرن الرابع الهجري(25).
وخلاصة القول الذي توصل اليه اغلب الباحثين انهم نشأوا في البصرة موطن رجال الفكر والعلم والفلسفة حيث كان مجتمع البصرة مركزا للفكر الاسلامي وفيها العديد من الفرق الكلامية التي كانت زاخرة بالمعرفة وهذا امرا قطعي ان مركزهم البصرة , وفي القرن الرابع الهجري انتشرت آرائهم وافكارهم حتى وصلت هذه الجماعة الى بغداد ومنها انتشروا في كل رقعة ومكان في العراق , وان اضطهاد الدولة العباسية ومطاردتها قسم من الاخوان كان السبب الرئيسي في زيادة سريتهم فشكلوا خلايا وجماعات انتشرت على طول البلاد وكانت الرسائل هي الكتب والنسخ المتداولة بينهم وكان يسهل عليهم توزيعها(26).
فكر اخوان الصفا و فلسفتهم :
كان للانفتاح الثقافي في زمن المأمون دور مهم في دخول الكتب الفلسفية الى بلاد الاسلام , حيث ارسل المأمون الى ملك الفرس يطلب منه كتب الحكمة ولا سيما كتب ارسطو طاليس ,كانت تلك الالتفاتة اكبر نقلة فكرية ثقافية تشهدها الساحة الاسلامية استفادة منها المفكرين والفلاسفة ولا سيما اخوان الصفا بعد ان درست ومزجت بأفكار المعتزلة وغيرهم من الفلاسفة العرب , صنف الاخوان كتابا في الحكمة الاولى وكان على شكل مقالات مشوقة , وكأنها للتنبيه والايماء وعلى المقصود حملت ,وهو طلب انواع الحكمة(27).
قدم اخوان الصفا للفكر الانساني اكبر موسوعة فلسفية وعلمية وادبية, فكانت موسوعاتهم التي جمعت من رسائلهم تعد بمثابة تراثا فكريا للإسلام والعالم(28), شغلت فكر الباحثين والعلماء والدارسين منذ نشوئها والى الان حملت مفاهيم معرفية انسانية حية ومتجدد بحثت رسائلهم في قضايا مهمة تجدر العناية بها كالبحث عن الله والحقيقة ’ والوجود والعالم , والانسان والمعرفة , والسياسة والادب فبحوثهم لا تزال تشكل محط اهتمام المفكرين والباحثين في جميع العصور(29).
للإخوان احدى وخمسين رسالة بالإضافة الى الرسالة الجامعة وهي ملخص ما كتب من الرسائل السابقة قسمت الى اربع اقسام متضمن كل قسم رسائل متنوعة فالقسم الاول الرياضي ويشمل اربع عشر رسالة , اما الجسماني الطبيعي فله سبعة عشر رسالة , والقسم النفسي والعقلي يضم عشرة رسائل, واخيرا الناموسي الالهي الشرعي له من الرسائل احد عشر , تضم رسائلهم علوما متنوعة منها المادية والروحية والمنطق والبرهان الفلسفي وغيرها(30).
ان هذه الخطة التي وضعها الاخوان لتقسيم علومهم الفلسفية وخاصة تقديمهم القسم الرياضي على بقية الاقسام هو قريبا من خطة افلاطون وارسطو , بل هو عينه حيث كانت العلوم الرياضية عند اليونان تتقدم العلوم التجريبية ’ وذلك لقناعتهم التامة ان العقل قادر على ان يدرك المعقولات دون الحاجة للتجربة(31).
حمل فكر اخوان الصفا مضمون التقريب بين الدين والفلسفة، وقد أكدوا على أن علومهم التي طرحوها في الرسائل هي مفاتيح للمعرفة، وان الفلسفة اليونانية لا تتعارض مع الدين وبانسجامهما يتحقق الكمال وهذا ما حال اليه فيلسوف العرب الكندي والذي اخذوا منه الكثير من فلسفته ’ فيقول : << ان ظاهر الشريعة انما يصلح للعامة , فهو دواء النفوس المريضة الضعيفة , والنفوس القوية غذائها النظر الفلسفي العميق >>, وعند التأمل في رسائلهم نلاحظ الاثر الفيثاغوري واثر افلاطون واضحا , والارجح انهم تأثروا بأفلاطون كثيرا وخاصة في فكرة الجمهورية الفاضلة وكذلك نلاحظ ان مذهبهم اقرب للطريقة الفيثاغورية من جانب اتخاذهم الطريقة السرية في عملهم , والفيثاغورية كانت تضم جماعات سرية تحاول الوصول للسلطة ’ ونلاحظ تأثرهم بأرسطو , وافلوطين في نظرية الفيض وكذلك يظهر في رسائلهم من قصص وامثال انهم متأثرين بديانات مختلفة كاليهودية والهندية والزرادشتية(32).
من خلال النصوص الموجودة في رسائلهم يتعين علينا ان نقول ان لهم فلسفة خاصة تميزت عن غيرها من التجارب الدينية والفلسفية السائدة في الاوساط الاسلامية , نظروا في جميع العلوم , خاطبوا جميع الفئات بخطة معارف منتظمة ارادت الوصول للجميع خاطبة الصديق والقريب والانصار والعامة فهم لم يعادوا علما او دينا او مذهبا او فلسفة , فقالوا : ” ينبغي لاخواننا , ايدهم الله تعالى , ان لا يعادوا علما من العلوم , او يهجروا كتابا من الكتب , ولا يتعصبوا على مذهب من المذاهب , ومذهبنا يستغرق المذاهب كلها ويجمع العلوم جميعها , وذلك انه هو النظر في جميع الموجودات بأسرها , الحسية والعقلية , من اولها الى اخرها ,… الخ “(33).
دون اخوان الصفا علومهم الفلسفية على شكل رسائل وقد عبرت عن رقي فكرهم الثقافي وكان للفلسفات المختلفة اثرا ملموسا ومدوننا في رسائلهم ويعترفون بفضل تلك الفلسفات ولا ينكرونها , وهذه ميزة اضيفت لهم كفضيلة حسنة في عملهم , فأصبحت تلك العلوم له صدى واسع على مستوى الفلسفة العربية والاجنبية , وتأثر بهم بعض الفلاسفة من بعدهم.
علومهم وعلو همت فكرهم شملت وباختصار المواضيع التالية :
- الرياضيات : قسم الاخوان الرياضيات اربع اقسام ونلاحظ كيف يقومون بربط قسم من تلك العلوم بفكر فلسفي مع قسم اخر متوجهين نحو فكر ديني بينما ظاهر الفكرة فلسفية بحتة مثلما سنلاحظ في القسم الاول من الرياضيات وهو:
- الارثماطيقي : ” وهي معرفة ماهية العدد ’ وكمية انواعه وخواص تلك الانواع ’ وانه ينشأ من الواحد الذي يكون قبل الاثنين , وما يعرض لها من المعاني ان تمت اضافة بعضها الى بعض “(34). هذا الذي يسمى بعلم العدد او الحساب وهو علم مقدم على سائر العلوم الرياضية لأنه مركز كل نفس بالقوة , ويحتاجه الانسان من خلال قوة التأمل الفكرية. وهنا تكمن فلسفة التأمل الفكري لدى الاخوان ممزوجة بفلسفة فيثاغورس ونيوماخس , والتي يعبر عنها الاخوان بالقول : ” الارثماطيقي هو معرفة خواص العدد وما يطابقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس ونيقوماخس , فأول ما يبتدأ بالنظر به في العلوم الفلسفة الرياضيات معرفة خواص العدد لانه اقرب العلوم تناولا , ثم الهندسة والتأليف والتنجيم “(35).
تأثر اخوان الصفا بالفيثاغوريين كثيرا ’ اكثر من اي فلسفة اخرى وخاصة في رسالة الارثماطيقي فكانت فاتحة رسائلهم ومفتاح فكرهم(36), وفلسفة الاعداد هذه ترتبط بفلسفة الوجود عند اخوان الصفا وهذا ما يدعون به الاخوان بان مذهبهم في الوجود هو مذهب فيثاغورس فكان هذا الاهتمام بالعدد وبه تستبان الحكمة الالهية , ” اذ في معرفة الاعداد معرفة موجودات الباري ” , لذلك قالوا : “ان الموجودات بحسب طبيعة العدد وخواصه , فمن عرف طبيعة العدد وانواعه وخواص تلك الانواع , تبين له اتقان الحكمة”(37).
- والجومطريا: اي الهندسة والغاية من تعلمها هي ليتمكن الانسان من رياضة العقل وفهم الفلسفة على العموم والالهيات خصوصا(38) , وهي تؤكد على معرفة ماهية المقادير وذوات الابعاد ’ وكمية انواعها وخواص الانواع , وما يعرض لها من معاني وما يكون عليها اذا اضيف بعضها لبعض وكيفية مبدئها اي النقطة والتي تعني رأس الخط ’ وهي مع صناعة الهندسة تعني كالواحد في صناعة العدد. يعبر عنها الاخوان قائلين ,: “اعلم ايها الاخ البار الرحيم , أيدك الله وايانا بروح منه , ان الهندسة على نوعين , عقلية وحسية , فالحسية معرفة المقادير وما يعرض فيها من المعاني , اذا اضيف بعضها الى بعض , وهي ما يرى بالبصر , ويدرك باللمس , والعقلي بضد ذلك ” وهم بذلك يؤكدون على نوعين من المعرفة هي الحسية والعقلية , فالحسية معانيها البصر واللمس , والعقلية هي تختلف عن الحسية وتعرف بالفهم ويرمزون للمعرفة العقلية بالشيء الثقيل فالمعرفة الحسية تدرك الطول والعرض والعمق وتسمى بالسطحية , اما العقلية فتعرف بضرب من الهندسة العقلية والثقيل فيها هي معرفة الابعاد , وما تعرض لها من المعاني , وما يضاف بعضها لبعض وهذا ما يطلق عليه ما يتصور في النفس من خلال الفكر , وان اول الوصف يبدأ بالهندسة العقلية كونها الاقرب لفهم المتعلمين(39).
- الاسطرنوميا : وهي لها علاقة بالنجوم ومعرفة الكواكب والافلاك والبروج , وابعادها ومقادير اجرامها وكيف يكون تركيبها والسرعة المتعلقة بحركة تلك النجوم ودورانها وماهية طبائعها , وما لها من دلائل على الكائن قبل ان يكون(40), وما لها من دلالة على عظيم هندستهم الفكرية مستخدمين اروع الكلمات وانواع المعرفة وصعود النفس الى ذلك العالم , اذ يقولون في هذا : “ان العاقل الفهم اذا نظر في علم النجوم , وفكر في سعة هذه الافلاك , وسرعة دورانها , وعظم هذه الكواكب وعجيب حركتها… , تشوقت نفسه الى الصعود الى ما هناك بهذا الجسد الثقيل الكثيف ,… “.
واذا امعنا النظر في رسائلهم في علم النجوم لوجدناها لا تخلوا من وجود اسماء الفلاسفة القدامى ولا من فلسفتهم , اذ قالوا : << ان بطليموس كان يعشق علم النجوم , وجعل علم الهندسة سلما صعد به الفلك , فمسح الافلاك وابعادها … , وانما كان ذلك الصعود بالنفس لا بالجسد >>.
ومن الاسباب التي دعت الاخوان الى الاهتمام بذكر باب علم النجوم والاهتمام به بالإضافة الى اهميته , لانهم يرون ان الكثير من اهل زمانهم ومن الناظرين في النجوم والافلاك شاكون في امر الحياة الاخرة , ومتحيرون في امور الدين واحكامه , ويجهلون الكثير عن النبوة واسرارها , فكانت هذه افكارهم للدلالة على صحة الدين من خلال صنعة المنكرين , وكانت حججا على اهل الافلاك والنجوم من ضمن عملهم , ليكون اقرب لفهمهم ولبيانها.
واما عن مبدأ انسجام الدين والفلسفة عند اخوان الصفا هو مبدأ لطيف نشاهد فيه تدرج فكري مستخدمين العلوم الفلسفية والفلكية المتنوعة والتي يربطونها بالآيات القرآنية وذكر الانبياء’ وهي فلسفة غير متعارضة تعبر عن وعي معرفي بعلوم الدين والفلسفة. , يقول الاخوان :”ويحكى عن هرمس المثلث بالحكمة , وهو ادريس النبي , عليه السلام , انه صعد الى فلك زحل ودار معه ثلاثين سنة ,…, ثم نزل الى الارض فخبر الناس بعلم النجوم”(41) ويستشهدون بقوله تعالى : ” ورفعناه مكانا عليا “(42).
واما فلسفة ارسطوطاليس فنعلم انها جزء لا يتجزأ من رسائلهم وفلسفتهم وتعبر عن مدى استيعابهم لجميع الفلسفات واطلاعهم ودراستهم لجميع كتب الفلسفة , فرسالتهم تقول:<< قال ارسطوطاليس في كتاب الثالوجيا شبه الرمز اني ربما خلوت بنفسي وخلعت بدني , وصرت كأني جوهر مجرد بلا بدن , …, فأعلم اني جزؤ من اجزاء العالم الاعلى الفاضل الشريف >>.
وللفيثاغورية دور مهم في رسائلهم وما اشتملت عليه من فلسفة في تجسيد مفارقة الروح للبدن وصيرورتها نحلا في الكون , حيث ذكروا : ” وقال فيثاغورس في الوصية الذهبية : اذا فعلت ما قلت لك يا ديوجانس , وفارقت هذا البدن حتى تصير نحلا في الجو , فتكون سائحا غير عائد الى الانسانية “.
لقد قدم لنا الاخوان بعد استعراضهم للفلسفات الدارجة في فكرهم العنصر الديني المتنوع والاثر المسيحية الدارج في خطبهم ممزوجا بوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم , قالوا: << وقال المسيح , عليه السلام , للحواريين في وصية له : اذا فارقت هذا الهيكل فأنا واقف في الهواء عن يمنة عرش ربي , .. >> , وقولهم :” وقال رسول الله , صلى الله عليه وسلم , لأصحابه في خطبة له طويلة انا واقف لكم على الصراط وانكم ستردون على الحوض غدا فأقربكم مني منزلا يوم القيامة من خرج من الدنيا على هيئة ما تركته ..”(43).
- الموسيقى فيصفها الاخوان بانها جوهر روحاني وتعرف : بأنها علم التأليف وماهية النسب , وكيف يمكن للأشياء ان تتألف بجواهر مختلفة , متباينة في الصور , متضادة في القوى , متنافرة الطبائع , وكيفية اجتماعها والتأليف بينها , ولم لا تتنافر , وتألفت وتتحد , وتصبح شيئا واحدا(44)., وقالوا عنها : << الصناعة الموسيقية فان الهيولى الموضوعة فيها , كلها جواهر روحانية , وهي نفوس المستمعين >>(45), فللموسيقى تأثيرات جمة في نفوس المستمعين في كل الامم وحتى عند الحيوانات , والدليل على ذلك استعمال الناس لها في الافراح والاحزان وبيوت العبادة وفي الاسفار والاسواق وعند الراحة والتعب وغيرها(46), وقد ربط الاخوان اصل تلك الموسيقى وصناعتها بالحكماء ومنهم انتقلت بعد ذلك واصبحت بيد العامة , فقالوا :” فصناعة الموسيقى استخرجها الحكماء بحكمتها , وتعلمها الناس منهم , واستعملوها كسائر الصنائع في اعمالهم , … استعملها داود النبي , عليه السلام , عند قراءة مزاميره , وكما يفعل النصارى في كنائسهم , والمسلمون في مساجدهم , و كل ذلك لرقة القلوب “(47).وللكندي شأن وطريقة مهمة في الموسيقى يستخدمها للعلاج ويقسم لها اوقاتا, فيقول:” و الاوجب على الموسيقي ان يستعمل في كل زمن من ازمان اليوم ما شاكل ذلك الزمن من الايقاع , مثل استعمالها في ابتداءات الازمان للإيقاعات المجدية والكرامية والجودية..وفي اوسطها وعند قوة النفس ..”(48).
- اما المنطقيات : وفهي تحمل خمسة انواع :
- انولوطيقا وتعني صناعة الشعر .
- ريطوريقا صناعة الخطب .
- طوبيقا وهي معرفة الجدل .
- بولوطيقا وهي متعلقة بالبرهان ,
- سوفسطيقا وهي لمعرفة المغالطين في المناظرات والجدل.
وعنها تكلم الحكماء الاولون والمتأخرون ايضا وصنفوا فيه كتبا كثيرة , فلارسطاطاليس ثلاث كتب وهي كانت مقدمة لكتابه البرهان كان اولها قاطيغورباس وهو كتاب المقولات لارسطو , وباريمنياس وهو كتاب العبارة لأرسطو , والثالث انولوطيقا الاول.وقد اهتم ارسطو بكتاب البرهان لأنه ميزان الحكماء وبه يعرف الصدق من الكذب(49) (والقاطيغورياس وهي المقولات واحدة منها تعتبر جوهر , والتسعة البقية اعراض . وباري ارمينياس وهي معرفة العشرة الفاظ التي هي في قاطيغورياس وما يكون عليها من دلالة في المعاني اثناء التركيب , حتى تصبح كلمات وقضية ويتبين منها الصدق والكذب , واما انالوطيقا الاولى وهي تدل على كيف تركب الالفاظ مرة اخرى حتى تكون مقدمات , وكيفية استعمالها ليكون منها المحسوس , لنصل الى اقتران القضية ومعرفة نتائجها وهي ما تعرف بالقياس . والتاسعة هي ايساغوجي مدخل لعلم المنطق الفلسفي وغرضه معرفة معاني الالفاظ الستة التي يتداول استعمالها عند الفلاسفة عند قولهم مثل النوع والشخص , والفصل والجنس , والخاص ’ والعرض ’ والعام.
هذه التقسيمات في المنطقيات عمل مثلها فلاسفة سبقوا الاخوان مثل عمل فرفريوس الصوري في كتاب اسماه ايساغوجي , والفارابي قسم المنطق الى ثمانية اقسام اقل من الاخوان وفق ما جاءت من تقسيمات ارسطو في مؤلفاته وهم بذلك يعلنون انسجامهم وتقبلهم وانفتاحهم الفكري العميق للفلسفة مؤكدين على ان تفكيرهم فلسفي عمبق ممتد الى جذور قوية غير سطحية تبنت الفلسفة بجميع مفاهيمها ومقاييسها وجعلوا منها ومن علوم الدين خطا واحدا ينسجم مع ما يرونه مناسب ولا يشكل اي اختلاف مع الشريعة(50).
يرى اخوان الصفا ان علومهم الفلسفية هي مدارج بعضها لبعض وان اي دراسة لبعض تلك العلوم هو مقدمة لدراسة الفروع وعليه فان العلم الرياضي غرضه :” التطرق منه الى علوم الطبيعيات , والغرض من النظر في الطبيعيات هو الصعود الى العلوم الالهية ” , مما يعني ان العلم الرياضي هو اصل فلسفتهم وفكرهم ومقدمة لبقية العلوم من طبيعية والهية , اما المنطق فهو مقدمة للفلسفة واداة الفيلسوف وهذا الرأي قريب من رأي ارسطو والمشائية(51).
اما تقسيمهم للعلوم فهو يلفت الانتباه وعلى غير ما كان متعارف عليه في زمانهم ودارج عند غيرهم من الفلاسفة فهم لا يقسمون العلوم الى نظري وعملي , وهم يجعلون العلم الالهي من ضمن الجانب العملي في بحوثهم , والامر الاخر الذي لم يسبقهم اليه احد هو ادخالهم المعاد و السياسة النبوية جزءا من الفلسفة وهذا الامر جديد وينسب لهم فقط وهم بذلك خالفوا ارسطو ومن تبعه في تقسيم الفلسفة , وهذا التقسيم احد اسس التوفيق لديهم بين الدين والفلسفة.
والذي يعني عدم التعارض بين الدين والفلسفة وهو رأيا صريح وقد وضعوا له شروح وتعريفات فهم يرون ان الدين اعلى مقاما من الفلسفة وان لكل منهما وسيلة مختلفة عن الاخر لكن الغرض واحد ومتفق عليه , فكلا منهما له غاية الاولى اولية والغاية الثانية وهي المطلوبة وتعني النهائية , يقول اخوان الصفا :<< غرض الانبياء عليهم السلام وضع النواميس ’ والشرائع , وغرض الحكماء وضع السياسات وتعني الجمع بين اصلاح الدين والدنيا , اما الغاية والغرض الاقصى من ذلك هو نجاة النفوس من محن الدنيا وشقاوة اهلها , وايصالهم الى سعادة الاخرة والنعيم >>.
اخوان الصفا يرون في الدين الفلسفة اربع خصال متشابهة, هي :” معرفة حقائق الموجودات , واعتقاد الآراء الصحيحة , والتخلق بالأخلاق الجميلة والحميدة , والرابعة الاعمال الزكية والافعال الحسنة , والغرض الاقصى من كل هذه الخصال هو تهذيب النفس والترقي من حال النقص الى التمام , والخروج من حد القوة الى الفعل بالظهور , لتنال بذلك البقاء والدوام والخلود في النعم مع ابناء جنسها من الملائكة ” , واما غرض النبوة وكل ما يتعلق بالناموس هو :” تهذيب النفس الانسانية واصلاحها , وتخليصها من جهم عالم الكون والفساد , وايصالها الى الجنة ونعيم اهلها في عالم الافلاك وسعة السموات , والتنسم من ذلك الروح والريحان المذكور في القران”(52).
هذا النوع من التوفيق بين الدين والفلسفة عند اخوان الصفا هو ليس محاولة للجمع بين حقائق الفلسفة مع حقائق الدين وايجاد حقيقة ثالثة تجمع المشتركات والحقائق المتناسقة , انما هو تعاون بينهما ورفع بعض النزاعات وتقديم بعض الشروحات للنصوص الدينية بمعاني فلسفية والتي تتضمن علوا في اعلى مراتب الفكر الانساني , جعلوا الفلسفة مرتبطة بعلم الرياضيات والطبيعة , اما المعارف الغيبية والميتافيزيقيا فأن معرفة حقيقتها تحال الى الوحي , لان العقل عاجز عن ادراكها , وبذلك فالفلسفة تعني عند اخوان الصفا منهجا عقليا لفهم الدين , وهذا الرأي يراه الباحثون يتفق مع رأي القديس اوغسطين الذي يقول ان الايمان بالتعقل , والفلسفة اداة التفقه في الدين(53). , فمنهج اوغسطين الفلسفي يعني ان الفلسفة وسيلة للسعادة التي يطلبها الانسان وبالسعادة نطلب الله لأننا صنعنا لأجل الرب ’ وان لللفلسفة علاقة بالدين والايمان , فيقول : ” اذا قال الذين يسمون فلاسفة شيئا حقا ومطابقا لإيماننا ,وجب ان نأخذه منهم كما يؤخذ الشيء من غاصبه “(54).
من هذا الاستعراض لمشروعهم الفكري نلاحظ ان مصادر معارفهم تنقسم الى :
- كتب الحكماء والفلاسفة الرياضية والطبيعية .
- الكتب المنزلة والتي نادى بها الانبياء كالفرقان والتوراة والانجيل وغيرها من صحف الانبياء ’ والمأخوذة معانيها من الوحي والملائكة وما تحويه من اسرار خفية .
- الكتب الطبيعية والمتضمنة علم البروج والافلاك والكائنات والمعادن والنبات والحيوان وغيرها من العلوم .
- الكتب الالهية المطهرة .
اذن يمكننا القول ان مصادر الفكر عند اخوان الصفا هي (مصادر فلسفية) , و(مصادر دينية) , حيث اخذت الفلسفة اليونانية المساحة الاكبر في منهجهم مثل اقوال فيثاغورس وافلاطون وارسطو , ونرى ان البنية المعرفية لهم تبنى على ادراج اقوال هؤلاء الفلاسفة متضمنة شواهد من اقوال الرسل والانبياء والآيات القرآنية مقدمة بشروحات فلسفية(55).
أثرت رسائل اخوان الصفا وفكرهم تأثيرا واسعا على اغلب المثقفين من بعدهم , وخير دليل على ذلك وجود مخطوطات جديدة العهد تبحث في اراء اخوان الصفا , تأثر بفكرهم وفلسفتهم كثير من الفلاسفة امثال الغزالي رغم انتقاده لهم الا اننا نجد تأثره بهم واضح ,فمبدأ التربية والتعليم والمعلم من اهم المسائل التي اولها الغزالي عناية في بحثه وهو راي سبقه اليه اخوان الصفا وهو يتفق معهم بان اغراض التعليم هي فضيلة توصلنا الى الله تعالى , وان للمعلم صفة الارشاد على طلابه توصيهم بطرق طلب العلوم للتقرب الى الله(56).
يقول دي بور (ان الغزالي واخرون غيره قد استفادوا من رسائل و فلسفة اخوان الصفا اكثر مما يعترفون به , او مدون في مؤلفاتهم ) (ويقول ايضا ان اراء اخوان الصفا ظهرت عند فرق كثير من العالم الاسلامي كالباطنية والاسماعيلية والحشاشين والدروز وقد افلحت الحكمة اليونانية ان تستوطن الشرق عن طريق اخوان الصفا)(57). ومن المدهش ما ذهب إليه – دي بور – إلى أن إخوان الصفا قد أطلقوا نظرية التطور قبل ان ينشرها داروين باسم نظرية النشوء والارتقاء في كتابه ” أصل الأنواع ” بعد اكثر من ثمانية قرون. ورغم أن ما أطلقوه الاخوان ليس بالشكل الحرفي والنصي كما طرحه داروين ’ ولكن يستخلص منه كثير من المبادئ التي تعتبر الآن من الدعامات الأولية في مذاهب النشوء عامة ، واصطلحوا على تسميتها باصطلاحات أقل ما فيها أنها تنم عما يُقصد منها علميا ، مثل : الفرق بين الجماد والنبات ، الوراثة ، الانتخاب الطبيعي ، الانقراض ، الطفرة…. فهم أول القائلين في رسالتهم العاشرة : ” بأن عالم الحيوان والنبات والجماد واحد يفصل بينها حدود انقلابية دقيقة ” .كما قالوا: “إن الحكمة الإلهية لم تعط الحيوانات عضوا لا تحتاج إليه وإلا كان وبالاً عليها في حفظها وبقائها ” .فما يسميه إخوان الصفا (حكمة إلهية ) هنا يسميه داروين (انتخابا طبيعيا )(58).
ومن الباحثين من يرى ان ابن سينا قد تأثر بفكرة اخوان الصفا حيث ادخل النبوة والمعاد ضمن القسم الالهي لفلسفته(59), ويرى بندلي جوزى : (ان الفلسفة مدينة لرسائل اخوان الصفا … حيث شكلت اول دائرة معارف في العالم .., فيها مبادئهم العلمية ونظرياتهم الخاصة المتعلقة بالطبيعة والانسان واراء فلاسفة اليونان , هم مهدوا السبيل لفلاسفة الاسلام كالفارابي وابن سينا وغيرهم)(60). ويرى تيسير جيروم ان للإخوان الصفا يرجع الفضل في ظهور مفهوم المدينة الفاضلة ونشرها في الثقافة العربية , وان مدينة الفارابي الفاضلة مأخوذة من اخوان الصفا , وقد طور الفارابي المفهوم والفكرة وهيئة لها كتاب اسماه “اراء اهل المدينة الفاضلة”(61).
ويرى الباحثون ان رسائل اخوان الصفا قد انتقلت في كل بلاد الاندلس وتأثر بها المفكرين والعلماء , حتى وصلت لحكام الافرنج فأخذت عندهم المكانة الرفيعة, حيث تعرف عليها ابو الحكم عمرو بن عبد الرحمن الكرماني(ت 458 هـ) وهو مهندس ورياضي من قرطبة كان يدرس في بغداد, اوصل رسائل اخوان الصفا الى الاندلس(62). والباحثون يرون ان لبحوث اخوان الصفا في البيئة و المناخ على المجتمعات اثرا كبيرا على الدراسات الحديثة حيث شوهدت العديد من تلك الدراسات في هذا الشأن في فترة لاحقة لهم مثل بحث فريدريك بلاي , وديمولان , وراتزل , وبوكل وغيرهم اخرين(63).
غايـتـهـم :
اختلف الباحثون والمفكرون في اصل غاية اخوان الصفا وتعددت آرائهم فمنهم من قال ان اهدافهم وغايتهم سياسية خالصة ومنهم من استبعد ذلك ومنهم من رجح تناولهم المواضيع السياسية غرضه تحقيق انقلاب سياسي ومنهم من حاول ربط الغاية بمباحثهم المتعلقة بالنجوم والافلاك ودورانها , سنبحث في ادناه بعض الآراء ونلاحظ عمق الغاية المطلوبة في فكر اخوان الصفا هل هي منسجمة وتنطبق عليها اراء المفكرين بأنها سياسية ام انها ابعد من ذلك وتكمن فيها افكارا فلسفية ممزوجة بمطالب فئة مثقفة تناشد التغيير وفق معطيات تنويرية تحاول تصحيح الواقع الاجتماعي لتنطلق نحو اصل وجود البشرية من تحقيق كمال طبيعي يتناغم مع غاية الوجود للوصول الى الكمال الكلي والنهائي.
يرى المفكرون ان لإخوان الصفا غاية معينة من تشكيلهم لمجموعتهم السرية وانسجامهم مع مختلف الديانات وتحقيق ذلك التوافق بين دينهم والفلسفة , وهذه الغاية تبدوا سرية ايضا مثل سر جمعيتهم الغامضة الا انهم في بعض الاحيان يصرحون بغرض نبيل خالص لمشروعهم المثالي , الا انه في نفس الوقت يخفون الغرض الحقيقي لمشروعهم ويشيرون اليه بمخاطباتهم بطريقة خفية , فصريح القول منهم نلاحظه يخاطب الفكر ويعمل على تنبيهه من الغفلة وان يجتهد ويحيى بروح المعارف العقلية النافعة وينصحوا بمعرفة الخير والابتعاد عن الشر وان مركز خطابهم هو صلاح دينهم وحياتهم وان يقتدوا بالحكماء وان يستفيدوا من الفلسفة الفيثاغورية , وان جل اهتمامهم ومحور مذهبهم الالمام بجميع العلوم الطبيعية ومنها الرياضية والالهية وهم بذلك يقولون انهم يتقبلوا كل العلوم ولا يعادوها ويتقبلوا جميع المذاهب(64).
ويرى جبور عبد النور ومن خلال الاقوال التي يكررها اخوان الصفا في رسائلهم ان غايتهم هي كغاية الفلاسفة الاشراقيين , حيث بينوا في رسائلهم ان الباعث الاول هو التصافي والتألف والاخوة وانهم يسعون جاهدين لتطهير الشريعة كونها دنست بالجهالات ولا سبيل لذلك من تطهيرها الا بالفلسفة وهي غاية ظاهرية على ما يبدوا , وخلف هذه الرسائل تكمن الغاية الحقيقية او الباطنية وهم حذرين لا يذكرونها بصريح العبارة , وهي تصويب نحو الدعوة العلوية , والتمهيد لوضع نظام سياسي جديد , او غاية مجوسية فارسية مختلطة بالوثنية الاغريقية(65). ومنهم من يرى انهم اصحاب فكر ثوري وان تلك الجماعة كانت تحاول تغيير النظام العقلي للمجتمع تمهيدا لانقلاب سياسي متأثرين بذلك بما كان سائد في الوسط اليوناني من محاولات الفلاسفة السياسية مثل الفيثاغورية ’ والسقراطية والتي انطلقت من الواقع الاجتماعي من خلال توظيف فكرا قائما على المعرفة والفلسفة(66).
ويرى يوحنا قمير ان غايتهم ملموسة من اسمهم ومبادئهم التي تنص على التعاون والتأخي والمؤازرة , فهم لم يعتنوا بالفلسفة لمتعة عقلية خالصة بهم , او مجرد تقديم بحوث نظرية , بل كان تناول تلك العلوم وسيلة لغاية ما وفلسفتهم سبيلا لتلك الغاية الا وهي تحقيق المنفعة العامة التي تخصهم وتخص الاخرين في مجتمعهم(67).
ويرى بعض العلماء ان غاية اخوان الصفا هي نصرة عقائدهم وتنظيمها ويذهب (جرجي زيدان) ان غايتهم فلسفية بحتة محتاطة بمبدأ الطهارة واعلى درجات القدسية والتضحية , بينما يقول طه حسين ان السمة الغالبة عليهم هي سياسية بعقلية منظمة هدفهم قلب نظام الحكم المسيطر على الدولة الاسلامية في زمانهم , ممزوجا بقلب النظام الفكري في مجتمع المسلمين وفتح افاق التطور العقلي , هذا الرأي يذكره (دي بور) ويؤكده على ان نزعة اخوان الصفا سياسية دينية , بينما يذهب اخرون الى انهم اقرب للفكر الاعتزالي بل ينسبون اليه , ومنهم من يقول ان حركة اخوان الصفا اقرب للصيغة الماسونية وغايتهم عقلية اخلاقية(68).
ومنهم من يقول ان غاية اخوان الصفا لم تستهدف تأسيس دولة ذات مذهب معين بقدر ما تعلق الامر بالتمهيد لتأسيس مجتمع ثقافي فاضل موحد مبني على الاخاء والتعاون علماني اشتراكي , لم يكونوا هم قادة تلك التغيرات بل يعدون الجيل الشبابي لتلك المهم وعلى المدى البعيد, وان الاخوان كانوا متأثرين بأرسطو ونظريته في المجتمع المدني بالإضافة الى التعاليم الدينية الاسلامية التي تنص على السلام والمواطنة والمحبة , كذلك كانت اراء افلاطون لها الاثر الواضح حيث كانت فكرة الصفوة المفكرة خير اشارة اناطت لهم بمهمة التمهيد للتغيير لتشكيل دولة علمانية موحدة تضمن حقوق العدل الاجتماعي لمختلف رعاياها وعلى اختلاف قومياتهم ومللهم واجناسهم ولغتهم(69).
وعليه يمكننا ان نستعرض فكر اخوان الصفا السياسي ونرى ان كانت الغاية منه فلسفية او سياسية او اخلاقي او ديني وبعدها نتوجه الى الاستنتاج الاخير.
السياسة عند اخوان الصفا :
اهتم اخوان الصفا بموضوع السياسة ووضعوها ضمن القسم الاجتماعي , وكانت سياستهم هذه انعكاس لسياسة افلاطون الناتجة من رغبته في اتخاذ سياسة اجتماعية ’ تحتل مرتبة مثالية مبنية على العدالة واتباع الخير(70). لقد اخذت السياسة حيزا واسعا في رسائلهم واهتموا في المجتمع وطبقاته وعلاقة افراده وعلاقة المجتمع بالدولة , قسم اخوان الصفا السياسة الى نوعين نبوية تتعلق بالدين , وملوكية تتعلق بإدارة الدنيا وبذلك التقسيم يتضح انهم يتطلعون الى سياسة علمانية , اضافوا على تقسيمهم الديني والدنيوي اقسام اخرى للتصنيف السياسي(71), على خلاف ما قسم افلاطون دولته الى ثلاث طبقات (الذهبية ويقودها الحاكم العادل العاقل , والفضية ويقودها الجنود والامراء ممن يتصفون بالشجاعة , والنحاسية وهي للعامة من العمال)(72).
اقسام السياسة عند اخوان الصفا هي :
اولها : السياسة النبوية :
وهذه السياسة خاصة بالأنبياء والرسل فقط تتعلق بوضع الشريعة المرضية اي مداواة النفس المريضة من ما يشوبها من ديانة فاسدة واراء غير صحيحة , عن طريق افهام الناس بعيوب ديانة ما او راي غير صائب وتتخذ طريقة القمع لتهديد النفس الشريرة(73).
ثانيها : السياسة الملوكية :
الفئة التي تختص بهذه السياسة هم خليفة الانبياء من ائمة واوصياء مهديون, ودورها يكون ايضاح الشريعة والعمل بالمعروف والنهي عن المنكر والاهتمام بالعناصر الجيدة من الناس لاتباعهم الطريق الصالح وبناء وضع الامة واستقامتها ودفع المظالم ورد كيد الاشرار ومعاقبتهم . وهذه السياسة ترتبط بالرئاسة ويذكرها الاخوان بأقوالهم , والتي قسموها الى نوعين روحانية وهي التي تخص هذا القسم ومرتبطة بأصحاب الشريعة كونهم اهل العدل والتعبد, اما النوع الثاني وهي الرئاسة الجسمانية فهي مرتبطة بالسياسة العامة(74). “وهي رئاسة اصحاب الشرائع الذين يملكون النفوس والارواح بالعدل والاحسان , ويستخدمونها في الملل والشرائع واقامة السنن والتعبد,…,والفوز والنجاة والسعادة في المعاد”.
ثالثها : السياسة العامة :
وهذه السياسة مختص بها قادة الجيش وامراء البلدان وتتعلق بأحوال الناس وطبقاتهم وسلوكهم واعمالهم وتهتم بمعرفة مطالب هذه الطبقة وتقديم الممكن من التوجيهات والتسهيلات الصالحة , وارتبطت بهذه السياسة الرئاسة الجسمانية حيث تتمتع سلطة هؤلاء السلاطين والجبابرة بالسيطرة على الاجسام بالجور والظلم والقهر حيث يجعلون الناس كالعبيد لهم لمنفعة امور دنياهم , حيث يقولوا عنها الاخوان انها : << الرياسة الجسمانية مثل رياسة الملوك والجبابرة الذين ليس لهم سلطان الا على الاجسام والاجساد بالقهر والغلبة والجور والظلم , …>>(75).
رابعها : السياسة الخاصة :
مرتبطة بتدبير امور المعيشة والسكن ورعاية الاطفال واولي الامر والجار وكذلك الاهتمام بالخدم والغلمان , وهي متعلقة بالسياسة النفسية وعلاقة الانسان بربه وما حوله من اناس كالزوجة والاطفال وما الى ذلك , وتقسم هذه السياسة النفسية الى اقسام منها :
- علاقة الانسان بخالقه وفيها مضامين العبادة , وهي نوعين (عبادة ناموسية) تتعلق بالصلاة والصوم والاحكام الشرعية, و(عبادة الهية فلسفية) اول شروطها التوحيد وثانيها ادراك الحقائق والموجودات بكل اسرارها.
- سياسة الانسان باهل بيته : اي الزوجة وهم منها وجلون حذرون لولا النسل منهن لانفردوا بأرواحهم دون الزواج , ويقولوا بالنساء :” يتغيرن مع الساعات .. يضطربن على الاوقات .. وان استفسادهن سهل يسير الا من عصمها الله تعالى منهن , وقليل ما هم “(76), رايهم هذا قريب من راي الفلسفة الفيثاغورية وراي الافلاطونية والتي تدعي مبدأ العفة والتي كان لها تأثير على المذهب الغنوصي(77), لان الاخير يرى ان المادة شر , وهذا يذكرنا ايضا براي ديانة ايزيس , وعبادة مترا اللتين التي كانت سائدة زمن الامبراطورية الرومانية(78).
- سياسة الانسان بأولاده واخوته وغلمانه : وينصح الاخوان ان تكون هذه السياسة على وتيرة واحدة بين هؤلاء لأنها ان تغيرت تقل منزلة الاب الرئيس بينهم ويقل مقامه ولا تقم له هيبة(79).
- سياسة الاصحاب : يرى اخوان الصفا ان هذا النوع من السياسة ليس بالسهل اليسير لان معرفة الصديق واتخاذه صاحبا يتطلب معرفة احواله وسلوكه وكل ما يخصه , وهم ينصحون بتجربة الصديق بأمور قاسية حتى يعرف منه ما خفي من خير او شر’ وينصحون بان يبادر الصديق للقرب من صاحبه ان ابتعد او اظهار اللين بعد الغلظة وان يكرمه ويبادر اليه بالرحمة(80), فيقولوا :”واعلم انك من كنت جاهلا بمعرفتهم لم تتم لك سياستهم ولم تبلغ رضاءهم , لا يكونوا لك اصحابا , او ما علمت ان صاحب الناموس لا يصاحب الا من عرفهم وخبرهم ..” , ويقولوا ايضا :” يجب ان تظهر لهم القرب بالبعد , واللين بالغلظة , والانس بالوحشة , .. , والرحمة بالسخط “(81).
خامسها : السياسة الذاتية :
اما السياسة الاخيرة فهي تتعلق بكل ما يخص الانسان ومعرفته بنفسه واخلاقه وسلوكه واقواله وحتى حالته النفسية سواء كانت غاضبة او تتمتع بالرضا ’ وهم بهذه السياسة فعلوا عين الصواب من خلال نفسك تستطيع التعرف على الاخرين وان تتصرف معهم وفق مقياسك لنفسك وما يرضيها او يجعلها تنفر من غيرها(82).
فكرة اقسام السياسة وبناء الدولة والاسس التي وضعت عليها ولا سيما السياسة الخاصة عند الاخوان تجعلنا نتذكر سياسة ارسطو القائلة ان للحياة الاجتماعية اكثر من نحل وان بناء الدولة من العناصر الطبيعية المطلوبة لتلك الجماعات الاجتماعية وهي كمال من ائتلاف قوى كثيرة , فالدولة الاولى هي البيت وسلطته وملكيته يملكه عليه كبيرها ,والدولة بالطبيعة مقدمة على الاسرة وعلى الفرد , لأنه من الضروريات ان يتقدم الكل على الجزء ,وسلاح الفرد الفهم اي كمال العقل ,والفضيلة والتي تجعل الانسان يبتعد عن التمرغ في العهر , ولتلك السياسة مبدأ هو العدل والذي ينطلق من الفضيلة كون الفضيلة صفة اجتماعية تحقق العدالة والتي تعني نظاما مدنيا يعنى بالوصل الى الحق(83).
شروط السياسة عند اخوان الصفا :
وضع اخوان الصفا شروطا للسياسة بعد ان جعلوا السياسة او ما يرمز لها ب “بولو طيقا ” والتي تعني علم البرهان ,في اعلى مرتبة من مراتب العلوم المنطقية لديهم ومن اجل تحقيق كمال السياسة لا بد من كمال الرياسة , و قالوا في السياسة : ” لا تتم الا بعد وجدان الرياسة “, والرياسة عندهم تعني شهوة نظرية في الجبلة اي انها غير مكتسبة تكون موجودة في داخل الانسان وفي هذا المعنى يذكرون :” علو الهمة جعل في جبلة النفس لطلب الرياسة , من اجل السياسة”(84), اي انها غريزة من غرائز النفس موجودة بالفطرة , وهم بهذا الراي يكونون اقرب لمنطق افلاطون في حب الرياسة(85).
فالرئاسة من اهم شروط السياسة , وتلك الرئاسة لها شروط اهمها ان تكون منطلقة من غريزة موجودة في داخل الانسان اي امكانيات داخلية غير مكتسبة , اضافة الى ذلك يضع اخوان الصفا شروطا للرئاسة, تعبر عن عمق معارفهم الفكرية واهدافهم المطلوبة وان العقل هو ميزان العدل وتحقيق الرئاسة, فيقولون : << واعلم انه ما من جماعة تجتمع على امر من امور الدين والدنيا , وتريد ان يجري امرها على السداد , وتكون سيرتها على الرشاد , الا ولا بد لها من رئيس يرئسها ليجمع شملها ويحفظ نظام امرها , ويراعي تصرف احوالها ويرم على الانتشار جماعتها , ويمنع من الفساد صلاحها , وذلك ان الرئيس ايضا لا بد له من اصل عليها يبنى عليه امره ويحكم بيه بينهم ,…,والحكم بيننا , العقل , الذي جعله الله تعالى رئيسا على الفضلاء من خلقه الذين هم تحت الامر والنهي,… ,ومن لم يرضى بشرائط العقل .. , ولم يقبل تلك الشرائط .., فعقوبته في ذلك ان نخرج من صداقته ونتبرأ من ولايته , .. >>(86).
بعد العقل يأتي دور القوة اي ان يحكم الرئيس الرعية من منطلق قوي ويمنع الظالم من التعدي على الضعيف حتى يحفظ الناموس ويأمر بتطبيق موجبات كل ما يفرضه وهو رأي وشرط جدير النظر فيه(87).
هذه الشروط التي سبق ذكرها في تقسيمات السياسة هي شروط فكرية تضع اسس في انتقاء الرئيس ,اما الجانب الشرعي فهو الشرط الاول والرئيسي وهو اساس الفكرة السياسية وابرز متطلباتها ان يكون للدولة والرئيس دين يدين به اتباعه , “ان الدين والملك اخوان توأمان لا يفترقان , ولا قوام لاحدهما الا بأخيه , غير ان الدين هو الاخ المقدم والملك هو الاخ المؤخر المعقب له , فلا بد للملك من دين يدين به الناس , ..” , يقول تيسير جيروم هذا النص من الرسالة (22) لإخوان الصفا يرجع الى ابن المقفع الذي يذكر التراث الفارسي وسياسته والذي ذكره في احد كتبه المسمى “خدينامه” هنا يعطي الملك الفارسي ’مؤسس دولة الساسانية, الاولوية للدولة , اما اخوان الصفا فمنحت الدور الاول للدين وله الاولوية على الدولة(88).
ان كان الامر كذلك وهذه شروط السياسة , رئاسة , و وجدان رياسي , وعقل وحكمة , ومنطق قوة , ودين فهذا يجعلنا نسلط الضوء قليلا على مفهوم المدينة الفاضلة عند اخوان الصفا حتى يكون الامر اكثر وضوحا ونستطيع من خلاله الحصول على تخمين و نتائج تمكننا من القول بانهم فعلا جماعة سياسية هدفها تغيير نظام الحكم او هدفها اصلاحي يعبر عن محاولات لتغيير الواقع الاجتماعي والعمل على توعية العقل البشري وتحصينه بما يخدم و المرحلة القادمة من حياتهم.
المدينة الفاضلة عند اخوان الصفا :
اشتهر مصطلح ومفهوم المدينة الفاضلة في الوسط الفلسفي العربي , وخاصة عن الفارابي واراء اهل المدينة الفاضلة ’ بعض المفكرين يرون ان الفارابي اخذ مفهوم المدينة الفاضلة من اخوان الصفا ,وانهم اصحاب الفضل في ظهور هذا المفهوم في الثقافة العربية , ومنهم من يرى العكس من ذلك , الا ان المتعارف عليه والاكيد ان هذا المصطلح يرجع لفلسفة افلاطون وتخيله لتلك المدينة واطارها السياسي ومن المؤكد ان كل من الفارابي والاخوان قد اخذا اصول الفكرة من الفلسفة اليونانية وكلاهما يعترفان بذلك(89).
تتطلع جماعة اخوان الصفا اقامة دولة فاضلة للمجتمع تعتمد على فلسفة خاصة بهم وجديدة تمتاز بانفتاح على كل مصادر المعرفة , وكذلك انفتاح وانسجام مع كل الاديان والمذاهب ومختلف الفلسفات , تنسجم مع القوميات المتنوعة في المجتمع باختلاف لغاتهم , وفلسفتهم هذا الاطلاع يمثل ايديولوجيا جديدة للمجتمع(90).
يرى اخوان الصفا ان (مدينتهم) هي اصغر وحدة اجتماعية متكاملة ’ ولهم في ذلك تشبيه في تركيب المدينة يقرب مفهوم الفكرة للجميع , حيث يرون ان المدينة اشبه ببنية الجسد وتركيبه وكل اجزائه وبما فيها اعضائه ايضا , ويطلقون شبها اخر على اهل المدينة بأنهم اقرب للنفس التي تسكن ذلك الجسم , وان اعمال اهل المدينة تشبه تصرف اعمال النفس بالجسد , اما اجزاء المدينة من منازل وبيوت ومحال فهي تشبه اعضاء الجسم ومفاصله وما ارتبط به من واعيته. فالمدينة تمثل مركزا لوحدة الجانب الاجتماعي المتكامل , تأثر الاخوان بآراء الفلاسفة اليونان امثال افلاطون ’ وارسطو , الا انهم اختلفوا عنهم بل حددوا وحدات اجتماعية اعمق من المدينة تمثلت في (الامة) (والدولة العالمية) , وهو استنتاج لم يخطر في بال الفلاسفة اليونانيين رغم تأثرهم بهم , الا انه يمكن ان يرجح تأثر اخوان الصفا بهذا الوحدات واستنتاجه يعود الى تمسكهم بالتعاليم الدينية وخاصة الاسلامية منها(91).
تميزت مدينة اخوان الصفا الفاضلة الروحانية عن مدينة افلاطون والفارابي بأنها اقرب الى الواقع على النقيض من مدنهم الخيالية والتي لم يحدد لها هدف واضح , على عكس ما امتازت به مدينة الاخوان من هدف الوصول الى الحكم بشرط تحقيق كل مبادئها وشروطها وان اي خلل يصيب تلك الشروط ليست من السهولة اقامتها او قبولها(92)., الا انهم جميعا كانت لهم نفس الرغبة في اتباع سياسة اجتماعية مثالية مبنية على الحكمة , والعدالة , والخير(93).
حدد اخوان الصفا شروط مدينتهم الفاضلة وبخطوط عريضة برسالة من رسائلهم حيث قالوا : ” ينبغي ان يكون لأهل المدينة سيرة جميلة كريمة حسنة يتعاملون بها فيما بينهم , وان يكون لهم سيرة اخرى يعاملون بها اهل المدن الجائرة , ولا ينبغي ان يكون بناء هذه المدينة في الارض حيث تكون اخلاق اهل سائر المدن الجائرة , ولا ينبغي ايضا ان يكون بناؤها على وجه الماء لأنه يصيبها من الامواج والاضطراب ما يصيب اهل المدن التي على السواحل من البحار , ولا ينبغي ان يكون بناء هذه المدينة في الهواء مرتفعا لكيلا يصعد اليها دخان المدن الجائرة فتكدر اهويتها , وينبغي ان تكون مشرفة على سائر المدن ليكون اهلها يشاهدون حالات اهل سائر المدن في دائم الاوقات , وينبغي ان يكون اساس هذه المدينة على تقوى الله كيلا ينهار بناؤها , وان يشيد بناؤها على الصدق في الاقاويل والتصديق في الضمائر , وتتم اركانها على الوفاء والامانة كيما تدوم ويكون كمالها على الغرض في الغاية القصوى التي هي الخلود في النعيم “(94).
ان مدينة اخوان الصفا الروحانية تقوم على المشاركة في العلم والمال , وتبنى بشرط الصداقة والنصيحة وحسن التعامل ’ تستوعب فكرة النظر لجميع الموجودات وعللها ووجودها , وان العبادة لديهم لا تعني صلاة وصوم , بل من شروطها ان نعمر الدين والدنيا وان الصوم والصلاة لها غاية قصوى , والنجاة الحقيقية عندهم تعني الاحاطة بكل العلوم والمعارف والالمام بفضائل الاديان والامم(95).
ويبدو ان لإخوان الصفا شروطا في بناء مدينتهم الفاضلة واسس فلسفتهم السياسي وهي كثيرة وتحتاج الى بحث مستقل فهي تتضمن التأكيد على أهمية الاخلاق بين جماعتهم وان تكون كل طبقاتها ضمن ميولهم وطبائعهم وتتطلب تلك الشروط ضرورة التعاون البعيد عن الانانية حتى يتم التوافق والاخاء , ويشترطوا ان تكون تلك الصداقة بطبقات متنوعة وفي بلاد مختلفة وضمن فئة الشباب ممن يكونوا من اولاد الملوك او امراء او من ضمن ابناء الوزراء والولاة ’ او اولاد علماء او ادباء او فقهاء , وكذلك من ابناء العمال والتجار, ويؤكدون على العلم والتعلم وان يكون اساس منهجهم , واما عن مكان انشاء هذه المدينة فيحدد الاخوان مكانا بين الحقيقة والوهم لا على ساحل بحر فتنهار ولا تكون في ابراج عالية فيغطيها سحاب الادخنة فتختفي بل يجب ان تكون مشرفة على جميع المدن وحاضرة في جميع الاوقات , يتوسم تلك المدينة المبدأ القائم على تقوى الله وهو اساس تلك المدينة(96) .
لإخوان الصفا فلسفتهم الخاصة التي كانت متأثرة الى حد ما بفلسفة افلاطون اوالفارابي وتميزت عن مدنهم في البرنامج والمنهج والغاية والطريقة , فقد كانت مدينة افلاطون مبنية على نظرية المثل وهي مجرد وهم لم تصل الى الحقيقة , والحقيقة المطلقة عند افلاطون هي النفس وعليها ان تتخلص من كل متعلقات العالم المادي لتصل الى السعادة الابدية وهي تكون في العالم الاول الذي جاءت منه.
اما مدينة الفارابي الفاضلة فكانت مبنية على دعامتين اولها العقائد الدينية والثانية الدعامة الاجتماعية ’ وقد اهتم الفارابي كثيرا بالجانب الاجتماعي واكد على اهمية رئيس تلك المدينة والخصال التي يجب ان تتوفر فيه , وكان للإخوان رايا مطابق لراي الفارابي في توفر مجلس رئاسي يتوفر فيه شروط تنصيب الحكماء وفق خصال الانبياء ’ الا ان الفارابي لم يضع لمدينته تلك منهج او وسيلة للوصول اليها وابتعد عن مفهوم جمهورية افلاطون بافتقار مدينته للجانب التربوي والذي يعد من اهم العوامل المهمة لقيام المدن الفاضلة , وقد انتبه اليها اخوان الصفا الذين قيل انهم كانوا متأثرين كثيرا بفلسفة الفارابي وان التربية هي الوسيلة الوحيدة للوصول الى قمة المدينة الفاضلة(97).
اما اسلوب اخوان الصفا كان مبني على ( التواضع والترغيب ) للتأثير بالأخرين , وهو اسلوبا ناجح في ذلك الوقت وقد تميز به اعضائهم البارزين الذين شكلوا تلك الجمعية السرية فقد كانوا محبوبين جدا عند الناس لما امتازوا به من تواضع كبير وهذا الاسلوب هو الذي زاد من نفوذهم (98).
وذهب بعض الباحثين الى ان اخوان الصفا اتبعوا ايضا الاسلوب التعبيري في منهجهم وكان له الدور البارز لتوضيح فكرتهم عن مدينتهم الفاضلة وترغيب الناس اليها والى الدين ’ ويرى الدكتور فؤاد معصوم ان اسلوبهم تضمن غايتهم والتي تهدف الوصول الى الانسان ومخاطبته ليتخلص من كل ما تطلبه الحياة الجسدية منه ’ لألى تسيطر عليه وتسحبه الى الرذيلة فهم يضعون فلسفة عميقة الى مدينتهم وينفون عنها تعلقها بالعناصر الاربعة والتي اشاروا اليها مسبقا في قولهم عن مكان وجودها على ان لا يكون بنائها في التراب ’ ولا ماء , ولا هواء , ولا نار , وهي عناصر الوجود المادي ومنها تكون الانسان ولها اثر كبير في توجيه سلوك الانسان وهي لا تتفق مع المضامين الاخلاقية , لان مهمة النفس البشرية هي الاشراف على تلك القوى التي تنتمي للموجودات المادية بصلة وان تتحلى بروح الايمان لان فلسفة بناء مجتمعهم لا تتم الا مع الايمان(99).
أكد اخوان الصفا على اسلوب التعاون بعد ان حددوا طبقات المجتمع الى عدد من الطبقات والوارد ذكرها ادناه , وراو ان هذه الطبقات تتطلب انسجاما وعملا مبني على التعاون , يرى الاخوان : (ان مناقب وفضائل العقلاء لا يحصى عددها ولا يمكن ان تكون في شخص واحد , والاعمال كثيرة جدا لا يمكن ان يحققها انسان معين ولا يمكنه ان يبلغها بالكامل)(100),لذلك انصرفوا الى القول ان الانسان محتاج غيره من الناس الاخرين يعيش معهم ولا يمكن ان يعيش من دون تعاون مشترك بينه والاخرين , هذا التعاون الذي يهدف لتحقيق السعادة هو نفس الرأي الذي ذكره الفارابي في اراء اهل المدينة الفاضلة(101).
فقد قسم اخوان الصفا طبقات المجتمع والناس التي ستعيش في مدينتهم الفاضلة الى اربع طبقات وهي :
- اصحاب الصناعة والعمال .
- اصحاب الرئاسة وهم السياسيون وهؤلاء عملهم مراعات شؤون الاخوان ومساعدتهم .
- اصحاب الامر والنهي وهؤلاء هم الملوك وعملهم التنسيق بين طبقات المجتمع وازالة الخلاف ’ واتباع وسيلة اللطف مع المخالفين للمحافظة على مدينتهم وطبقاتهم .
- الالهيون وهم اصحاب المشيئة والارادة.
اضف الى ذلك من تلك الطبقات اصحاب العلم والتربية والمفكرين فهؤلاء لهم شأنا كبير ضمن تلك المدينة الروحانية الفاضلة لان مدينتهم لا يدخلها من كان جاهلا وان فيما بينهم اسوارا وخندقا يفصل بين جهالات الناس بسبب آرائهم الفاسدة واخلاقهم(102).
ان الاسس العامة لفلسفة اخوان الصفا السياسية ووضع مدينتهم الفاضلة والتي لم يعبر عنها بصريح العبارة في اغلب رسائلهم والتي كانت مبثوثة في طياتها والتي التقت مع فلسفة افلاطون بان المعرفة اساس الفضيلة وبها يكون رقي الانسان وتطوره , وان للتربية دور اهم من المهم في اعداد الحكام والصالحين لترسيخ بناء المدينة ’ وان الدول تمثل مؤسسة تربوية وفيها تكمن صلاح المواطنين , وان السلطة لا تتم وتكون الا بيد النخبة التي تحمل الثقافة وهم يكونون في مرتبة عالية من النضج الاخلاقي المصحوب بالتطور العلمي, وان للتأهيل المهني دور في تحديد مناصب الاشخاص في الدولة ’ وان اعلى مراكز الدولة يتأهلها كل فرد كان يتمتع بكفاءة عالية وخبرة متميزة وتعليم عالي ’ وان المدينة تتحرر بالتجاوز عن فكرة التعصب الطبقي , وان فكرة الاصلاح في النظام لا تحدث الا بمهاجمة السلطات وهذه الاخيرة انفردت بها فلسفة اخوان الصفا عن افلاطون الذي كان يرى في الحياة السياسة عقبة لسبيل الاصلاح لم يضع لها طريقة للتخلص من الفساد(103).
اذن بعد تتبع غاية اخوان الصفا ومحور فكرهم السياسي وفلسفتهم حول السياسة وتشكيل المدينة الفاضلة وما قيل فيها من اراء انها غاية مبطنة تكمن ورائها اهداف سياسية , بل غايات متعددة منها الفلسفية و الدينية بل حتى وثنية , نرى في خلاصة الامر ان من الباحثين من يرى ويرجح غرض الاخوان وغايتهم هي اجتماعية تهدف لتحقيق سعادة الافراد بشكل كامل , وتتحقق تلك الغاية بالتعاون الذي يؤدي الوصول للسعادة(104).
ومن المفكرين من يرى ان بناء مدينتهم الفاضلة والتي لم يحددوا لها اخوان الصفا فصلا او رسالة خاصة يضمنون فيها مفهوم تلك المدينة وبشكل منفصل ومفصل على خلاف ما وجد عند افلاطون والفارابي وهذا التخصيص يدل على علو همة وانفتاح واطلاع وخبرة وتمكن وعليه خصصت له كتب خاصة , على عكس مفهوم السياسة والدولة عند الاخوان كان نضجا كثير المفاهيم تنقصه وسائل الاخراج اقتصر على نصوص مبثوثة في رسائل متداولة , الا انهم حددوا برنامج غاية مدينتهم كعادتهم في كتابة رسائلهم وتناثر آرائهم واسترسالها ضمن مشروعهم في اعداد الانسان فكريا واخلاقيا ’ واجتماعيا ونفسيا لينعم بالسعادة ولا شيء سوى السعادة غايتهم والتي تكون متوجة بعرش الشريعة الاسلامية ومبادئها السمحاء(105).
ويرجح الدكتور عمر فروخ رأيه القائل ان الغاية السياسية لإخوان الصفا وقلب الحكم هي بعيدة جدا عنهم , ويبدوا له انهم جماعة من المتفلسفين الاخلاقيين ويرى في نزعتهم الاجتماعية الاصل ومنطلق سياسي وديني تعود الى وجود التعدد المذهبي والديانات وكذلك القوميات في عصر الخلافة العباسية , وانهم احبوا ان يذيبوا كل ما اشكل من خلافات وان يجعلوها في مذهب واحد قائما فيه جميع الاديان والمذاهب(106).
وقال اخرون : كان محور اهتمام اخوان الصفا هو تأسيس مجتمع مبني على التوفيق بين القيم الدينية والافكار الفلسفية متخذين طريق التنوير والارشاد سبيلا لهم , وعملهم هذا ردت فعل طبيعية لما يعانيه مجتمعهم في تلك الفترة من انتهاكات للشريعة وشلل للعقل البشري تحت سلطة قمعية مشلولة لا تعرف اي معنى للقيادة والسلطة والدولة , فكانت محاولات الاخوان دعوة للتنوير ومحاولة لتجاوز ذلك التشرذم الطائفي والسياسي والعنصري الاليم فكانت دعواهم بناء مجتمع علماني تنعم فيه طبقات الشعب من الرعية على اختلاف دياناتها ومللها واصولها بقيم وفضائل مستمدة من عناصر الشريعة اولا والحكمة ثانيا(107).
ومن هذا القول نصل الى خلاصة مفادها ان غايتهم مثالية واقعية عالية المعاني يمكن السعي لتحقيقها من خلال عدم الجري وراء السلطة والحكم وان كان الامر كذلك ولا بد منه فعليه شروط وله واجبات وان الغاية المطلوبة هو انارة الفكر بكل طبقاته وعليه تحيا الشعوب وتعيش اهدافهم ومبادئهم وشرائعهم وتنجو بمحبة الله.
الخاتمة :
رغم كل الدراسات التي قدمت عن اخوان الصفا تبقى تلك الجماعة تمثل لغزا مخفيا على مر الزمان والتاريخ وكل ما دون هو مجرد استنتاجات غير قطعية تعبر عن اراء ما يجول في خاطر الباحثين من افكار , وما يمكننا قوله انهم نشأوا وظهروا نتيجة الخلل في التوازن السياسي في تلك الفترة وما كان له من اثر على الاوضاع العامة من اجتماعية واقتصادية كان بمثابة حافز لتشجيع الفكر بإيجاد نوع من التوازن يساعد على وضع اسس جديد مختلفة بعد فشل انظمة الدولة السابقة بأن تحقق الاستقرار, حمل اخوان الصفا على انفسهم تقويم العقول وتهذيب النفوس على امل ان المحاولة الصادقة لنشر فكر معرفي يصنع جيل مثقف مسلح بأدوات العلم والفلسفة والالفة والاخوة.
ليس هنا شك من القول ان قضية الجزم بتاريخ ظهورهم لا يمكن تحديدها لان الاحداث السياسية التي ساعدت على ظهورهم كثيرة ومن مفهوم اسمهم الذي كان يحمل تطلعهم لحكم الرسول واصحابه ومناشدة تلك الفترة السمحاء الجميلة , يدل على انهم اقرب لذلك القرن او ما تلاه , ان الحسرة على الفت الاصحاب والاخوة وتبني العودة اليها خير دليل على وجود رابط يربطهم بذاك الزمن الجميل , والتذكر والتذكير به وافتقاره يدل على وجود روحا للشيوخ الذين ادركوه , واستشهادهم برواية كليلة ودمنة وباب الحمامة المطوقة يعلن عن ازمة سياسية قوية يمر بها البلد وهم بأمس الحاجة للأخوة , وتبنيهم مفهوم عدم تعارض الديانات والمذاهب يعطي انطباع انهم يؤمنون بمبدأ التعددية الذي كان سائدا ايام الرسول , وكذلك حبهم للفلسفة والحكمة وعدم تعارضها مع الشريعة والعقل ميزانها والقول بنظرية السياسة واليتها وتهذيب النفس وتحقيق العدالة وتشجيعهم فكرة حرية الفرد , تأخذنا هذه الافكار الى مذهب المعتزلة والذي كان ينادي بالعدل والحرية, ولا سيما فيلسوف المعتزلة والاسلام ابراهيم بن سيار النظام, لم يجد في الفلسفة تعارض مع الدين رجح مبدأ العقل نادى بمبدأ الحرية لم يعادي المذاهب والاديان التي تؤمن بالتوحيد , وقال وهو يجود بنفسه :” اللهم ان كنت تعلم اني لم اقصر في نصرة توحيدك ولم اعتقد مذهبا من المذاهب اللطيفة الا لأشد به التوحيد , فما كان منه يخالف التوحيد فأنا منه بريء,..”(108),اراء المعتزلة قريبة من آرائهم بل حتى اسمهم فهم يلقبون بانهم اخوان الصفا وخلان الوفا واهل العدل, وابناء الحمد(109).
رسائلهم تحمل لنا مفهومين : الاول انهم كانوا اكثر من شخص تفصلهم مسافات كبيرة عن بعضهم , الا انهم يحملون نفس التفكير وهم متفقين على نسق واحد في الاسلوب والمنهج والغاية وهذا وارد, واي توارد افكار هذه التي تحمل نفس الخطاب وباختلاف بسيط وبتعليق موسع ! ,او انهم ايضا كانوا اكثر من شخص لكن تفصلهم عن بعضهم فترات زمنية , فطريقة تكرار الموضوع الواحد في اكثر من رسالة وباسترسال كثيف وكأننا نطالع نسخة قد صححت وعلق عليها وحققت من قبل باحثين اخرين وعلى نفس الطريقة والمنهج يدفعنا لذلك التخمين.
اما عن القول ان الفارابي كان متأثرا بهم قد يكون ذلك وقد لا يكون , الا ان عوامل الشك واردة كون اخوان الصفا يعترفون ويدونون بمن تأثروا واخذوا عنهم تأثر الاخوان بالفلسفة اليونانية والهندية والفارسية وكل مذهب اخذوا منه, ومن المعلوم ان الفلسفة كلما نضجت في فكر امة اتت بثمار ناضجة طيبة, لذلك مكن للفارابي ما لم يمكن لإخوان الصفا وبنفس الفكر والطريقة وبقليل من الاختلاف عنهم , فدون الفارابي مدينته وبكتاب اسماه اراء اهل المدينة الفاضلة ولم يخشى السلطات, على العكس من الاخوان اخفوا انفسهم ولم يدونوا مدينتهم ولا نظرياتهم.
اخوان الصفا مذهبهم فلسفي فالفلاسفة تصنف حسب عطائهم الفكري وعطائهم كثير ,هدفهم التوفيق بين العقائد الدينية والحقائق الفلسفية, , غايتهم تعاليم اخلاقية واجتماعية ودينية ارشادية لا تحمل مفهوما غامضا اوعلنا يوحي بحمل السلاح او احداث انقلاب على الحكم , اي حكم ارادوا الانقلاب عليه؟ لم نسمع او سجل التاريخ حركة انقلاب واحدة باسم اخوان الصفا, ارادوا دحض الباطل والانحطاط واستأناف القوة والنشاط ووضع اسس منهجية لطريقة الحكم والسلطة, وقدموا انواعا متعددة من برامج السياسة ومنحوا لكل منها الدور المثالي الواقعي المطلوب, ارادوا بالأمة خيرا كما ارد بها الانبياء والرسل كانوا للناس ناصحون والى شريعة الله يريدون , كانوا لطريق الحق قاصدون, واي حق ومغريات الدنيا كثيرة وحب الكراسي والمناصب يسيرة , قالوا ,ونقول من سلك طريقا للسياسة عليه ان يحفظ التاريخ اولا وان يراجع برامج السياسة ويستفاد من الفلاسفة وان يتحلى بروح واخلاق الحكماء ان لم يكن الانبياء وهم عنها مبتعدون ! “اعلم يا اخي انه ليس من علم ولا عمل ولا صناعة ولا تدبير ولا سياسة مما يتعاطاه البشر هو اعلى منزلة ولا اسنى درجة , ولا في الاخرة اكثر ثوابا , ولا بأفعال الملائكة اشد تشبها ,ولا الى الله اقرب قربة , ولا لرضاه ابلغ طلبا , من وضع الشرائع الالهية “(110).
الهوامش :
- المسعودي , التنبيه والاشراف ,ص 264. ومن يشأ المزيد يطالع (ابن الطقطقي , الفخري في الآداب السلطانية والدول الاسلامية ,ص 113 , وص 149 وما بعدها)
- ابن منظور ,جمال الدين , لسان العرب , ج5 , ص 65.
- ينظر: محمود , عبد الحليم , التفكير الفلسفي في الاسلام , ج1, ص 5 – 6.
- صليبا, جميل ,تاريخ الفلسفة العربية , ص 14.
- عبد الرزاق , مصطفى , تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية , القسم الاول , ص 877.
- ينظر : معصوم , فؤاد , اخوان الصفاء فلسفتهم وغايتهم , ص 177- 178.
- الرفاعي , عبد الجبار , مقال في جريدة التنويري ,العقل يخضع لمساءلة العقل , 10 أغسطس، 2024.
- الخولي , يمنى طريف , الطبيعيات في علم الكلام , ص 109.
- عبد الرزاق , مصطفى , تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية , القسم الاول , ص 87.
- فروخ, عمر , اخوان الصفا , ص 13.
- الطيباوي, عبد اللطيف , جماعة اخوان الصفا , ص9.
- سورة البقرة , الآية 153.
- الخيون , رشيد , اخوان الصفا المفترى عليهم اعجاب وعجب , ص 53.
- ابو حيان التوحيدي هو على بن محمد بن العباس الصوفي , كان متمكننا من جميع العلوم , حتى شبه بشخصية الجاحظ في العلم والادب , يقال انه من المتصوفة بل شيخهم وفيلسوف الادب , واديب الفلاسفة , قال ياقوت عنه : كان يتأله والناس والناس تثق بدينه , حكم عليه بالزندقة في وقت متأخر, طلبه الوزير المهلبي , درس الفلسفة على يد عدى بن زيد والمنطق على يد ابي سلمان محمد ابن طاهر , كانت سنة وفاته في 380 هـ وقيل اكثر من ذلك في سنة 400 هـ وافاه الاجل ببغداد فقيرا . ( الدسوقي , عمر , اخوانا الصفا , ص 44).
- الطيباوي, عبد اللطيف , جماعة اخوان الصفا , ص 10.
- المصدر نفسه , ص 13.
- ينظر الدسوقي ,عمر, اخوان الصفا , ص 44.
- ينظر :الطيباوي, عبد اللطيف , جماعة اخوان الصفا , ص15 , و ص 18.
- حجاب , محمد فريد , الفلسفة السياسية عند اخوان الصفا, ص 44.
- اسماعيل , محمود , اخوان الصفا رواد التنوير في الفكر العربي ,ص 21.
- فروخ , عمر , اخوان الصفا , ص 4.
- القفطي , اخبار الحكماء , ص 68.
- الخيون , رشيد , اخوان الصفا المفترى عليهم اعجاب وعجب ,ص 13 , و ص 27.
- السواح , فراس , طريق اخوان الصفا , ص 25.
- الخولي , يمنى طريف , ص 110.
- البعلى , فؤاد , فلسفة اخوان الصفاء الاجتماعية والاخلاقية ,ص 27.
- ينظر : القفطي , اخبار الحكماء ,ص30 ,و ص 67.
- ينظر : تيسير, جيوم ديفو, رسائل اخوان الصفا , ص 4.
- عجوب , منال اسماعيل , الانسان والادب في رسائل اخوان الصفا ,ص 14.
- . ينظر : فروخ , عمر , تاريخ الفكر, دار العلم للملايين , ص 383.
- صليبا , جميل , تاريخ الفلسفة العربي , ص 22.
- ينظر: البعلى , فؤاد , فلسفة اخوان الصفاء الاجتماعية والاخلاقية , ص 44- 46.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا (المجلد الاول), ص 10.
- العوا, عادل , حقيقة اخوان الصفا , ص 117.
- اخوان الصفا : رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا ,مج1, القسم الرياضي, ص 49.
- الخيون , رشيد , اخوان الصفا المفترى عليهم اعجاب وعجب , ص 57.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا ,مج1 ,القسم الرياضي, ص 140.
- فروخ , عمر, اخوان الصفا , ص 51.
- ينظر : اخوان الصفا : رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا ,مج1, ص 79-80.
- ينظر : الخيون , رشيد , اخوان الصفا المفترى عليهم اعجاب وعجب, ص 59.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا ,مج1 , ص 137-140.
- سورة مريم , الآية 56.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا ,مج1, ص 138.
- معصوم , فؤاد , اخوان الصفا فلسفتهم وغايتهم , ص 180.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا , مج1, ص 183.
- جمعة, محمد لطفي, تاريخ فلاسفة الاسلام ,ص 264.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا ,مج1 , ص 186.
- الاهواني , احمد فؤاد , الفلسفة الاسلامية ص 44-45.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا ,مج1 , ص 268.
- معصوم , فؤاد ,اخوان الصفا فلسفتهم وغايتهم , ص 181.
- ينظر : العوا , عادل , حقيقة اخوان الصفا , ص 142),(ينظر: معصوم , فؤاد , اخوان الصفا فلسفتهم وغايتهم , ص 185-188.
- ينظر : معصوم , فؤاد ,اخوان الصفا فلسفتهم وغايتهم , ص 127.
- ينظر : المصدر نفسه , ص 131 .
- كرم , يوسف ,تاريخ الفلسفة الاوربية في العصر الوسيط , ص 26 , و ص 29.
- السواح , فراس , طريق اخوان الصفا , ص 32.
- عبد الرحمن , عبد الرحمن بن سعد , الفكر التربوي عند الغزالي , ص 504.
- دي بور , تاريخ الفلسفة في الاسلام , ص 124.
- سكري , مصطفى , مقال نشر على الفيس , موقع مثقفو حلب.
- ابن سينا , الشفاء – الالهيات , ص 441.
- جوزي , بندلي , من تاريخ الحركات الفكرية في الاسلام , ص 150.
- تيسير جيروم , رسائل اخوان الصفا , ص 221.
- الخيون , رشيد , اخوان الصفا , ص 30.
- البعلى , فؤاد , فلسفة اخوان الصفا الاجتماعية والاخلاقية ,ص 64-65.
- فروخ, عمر , اخوان الصفا , ص 16.
- ينظر: عبد النور, جبور, نوابغ الفكر العربي اخوان الصفا , ص 14-17.
- البعلي , فؤاد , , فلسفة اخوان الصفاء الاجتماعية والاخلاقية, ص 336.
- ينظر : قمير , يوحنا , اخوان الصفا دراسة- مختارات, ص 5.
- العوا , عادل , حقيقة اخوان الصفا , ص 57.
- اسماعيل , محمود , اخوان الصفا رواد التنوير في الفكر العربي, ص 96-97.
- صليبا , جميل , تاريخ الفلسفة العربية ,ص 39.
- ينظر : الخيون, رشيد ,اخوان الصفا المفترى عليهم , ص 210.
- صليبا, جميل , تاريخ الفلسفة العربية ,ص 53.
- البعلي , فؤاد , , فلسفة اخوان الصفاء الاجتماعية والاخلاقية, ص 71.
- ينظر : فروخ , عمر , اخوان الصفا , ص 119.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا , مج4 , ص 128,.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا , مج 4 , ص 259.
- الحفني , عبد المنعم , موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب الاسلامية , ص 22.
- بدوي , عبد الرحمن ,تاريخ التصوف الاسلامي من البداية حتى نهاية القرن الثاني , ص 125.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا , مج4 , ص 259.
- البعلي, فؤاد , فلسفة اخوان الصفاء الاجتماعية والاخلاقية ,ص 75.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا , مج4 , ص 260.
- البعلي, فؤاد , فلسفة اخوان الصفاء الاجتماعية والاخلاقية ,ص 72.
- ينظر : ارسطو, السياسات , الفصل الاول , ص 8-10.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا, مج1 , ص 565 , و ص 353.
- ينظر: حجاب, محمد فريد, الفلسفة السياسية عند اخوان الصفا, الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1982, ص 344-346.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا, مج 4, ص 127.
- ينظر : البعلي , فؤاد , فلسفة اخوان الصفا الاجتماعية والاخلاقية, ص 76 , ص 78, 80.
- تيسير, جيروم , رسائل اخوان الصفا , ص 209.
- المصدر نفس , ص 221.
- مروة, حسين, النزعة المادية في الفلسفة العربية , تقديم وتلخيص : غازي الصوراني , المجلد الثاني , ص 248.
- ينظر: حجاب , محمد فريد , الفلسفة السياسية عند اخوان, ص 359.
- ينظر : البعلي , فؤاد , فلسفة اخوان الصفا الاجتماعية والاخلاقية , ص 91-92.
- صليبا , جميل , تاريخ الفلسفة العربية , ص 39.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا , مج4 , ص 172.
- فروخ , عمر , تاريخ الفكر العربي , ص 380.
- ينظر ,امال , قحام , رسالة ماجستير : التصور الحضاري عند اخوان الصفا , ص 2.
- ينظر: معصوم , فؤاد ,اخوان الصفا فلسفتهم وغايتهم , ص 320 , و ص 326.
- البعلي, فؤاد , فلسفة اخوان الصفا الاجتماعية والاخلاقية , ص 93.
- ينظر: معصوم , فؤاد , اخوان الصفا فلسفتهم وغايتهم , ص 321.
- البعلي, فؤاد , فلسفة اخوان الصفا الاجتماعية والاخلاقية , ص 69.
- الفارابي , ابو نصر محمد , اراء اهل المدينة الفاضلة ومضاداتها , ص 69.
- ينظر : البعلي , فؤاد , فلسفة اخوان الصفا الاجتماعية والاخلاقية , ص 90.
- ينظر : معصوم , فؤاد ,اخوان الصفا فلسفتهم وغايتهم ,ص 324.
- ينظر: حجاب , محمد فريد , الفلسفة السياسية عند اخوان الصفا , ص 363.
- معصوم , فؤاد , اخوان الصفا فلسفتهم وغايتهم , ص 327.
- فروخ , عمر , تاريخ الفكر العربي ,ص 379.
- اسماعيل , محمود, اخوان الصفا , ص 95.
- امين ,احمد , ضحى الاسلام , ج3 , ص 778.
- الخيون , رشيد , اخوان الصفا المفترى عليهم , ص 11.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا , مج 4 , ص 128.
المصادر :
- القران الكريم .
- ابن الطقطقي , الفخري في الآداب السلطانية والدول الاسلامية, دار صادر –بيروت .
- ابن سينا , الشفاء – الالهيات , راجعه وقدمه الدكتور ابراهيم مدكور.
- ابن منظور , جمال الدين , لسان العرب , دار صادر –بيروت , 1414هـ, ج5 ,ط3.
- اخوان الصفا , رسائل اخوان الصفا وخلان الوفا , المجلد الاول , مكتب الاعلام الاسلامي- قم , 1405 .
- ارسطو, السياسات , اللجنة الدولية لترجمة الروائع الانسانية , الفصل الاول ,بيروت , 1957.
- اسماعيل , محمود , اخوان الصفا رواد التنوير في الفكر العربي, عامر للطباعة والنشر – المنصورة , 1996, ط1.
- امال , قحام , رسالة ماجستير : التصور الحضاري عند اخوان الصفا ,جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم .
- امين ,احمد , ضحى الاسلام , مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة – مصر.
- الاهواني , احمد فؤاد , الفلسفة الاسلامية ,مؤسسة هنداوي , 2023.
- بدوي , عبد الرحمن ,تاريخ التصوف الاسلامي من البداية حتى نهاية القرن الثاني , وكالة المطبوعات – الكويت , 1975 , ط 1.
- البعلى , فؤاد , فلسفة اخوان الصفاء الاجتماعية والاخلاقية , مطبعة المعارف – بغداد , 1958.
- تيسير, جيوم ديفو, رسائل اخوان الصفا, الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- جمعة, محمد لطفي, تاريخ فلاسفة الاسلام ,مؤسسة هنداوي , 2014.
- جوزي , بندلي , من تاريخ الحركات الفكرية في الاسلام ,الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ,1981, ط2.
- حجاب , محمد فريد , الفلسفة السياسية عند اخوان الصفا ,الهيئة المصرية العامة للكتاب , 1982 .
- الحفني , عبد المنعم , موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب الاسلامية , دار الرشاد , 1993, ط1.
- الخولي , يمنى طريف , الطبيعيات في علم الكلام ,دار الثقافة للنشر والتوزيع – القاهرة , 1995.
- الخيون , رشيد , اخوان الصفا المفترى عليهم اعجاب وعجب, دار مدارك , 2013 , ط1.
- الدسوقي , عمر, اخوان الصفا , عامر للطباعة والنشر – المنصورة , 1996م , ط1.
- دي بور , تاريخ الفلسفة في الاسلام , ترجمة عبد الهادي ابو ريدة, لجنة التأليف والترجمة والنشر , 1948, ط2.
- الرفاعي , عبد الجبار , مقال في جريدة التنويري ,العقل يخضع لمساءلة العقل , 10 أغسطس، 2024.
- سكري , مصطفى , مقال نشر على الفيس , موقع مثقفو حلب
- السواح , فراس , طريق اخوان الصفا , مؤسسة هنداوي , 2022.
- صليبا, جميل , تاريخ الفلسفة العربية , الشركة العالمية للكتاب , 1989.
- الطيباوي, عبد اللطيف , جماعة اخوان الصفا ,1931.
- عبد الرحمن , عبد الرحمن بن سعد , الفكر التربوي عند الغزالي , مجلة دراسات في الخدمة الاجتماعية والعلوم الانسانية – مصر , المجلد 2 , العدد 21, 2006.
- عبد الرزاق , مصطفى , تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية ,مكتبة الاسكندرية – مصر , 2010.
- عبد النور, جبور, نوابغ الفكر العربي اخوان الصفا, مكتبة الجامعة الأمريكية في القاهرة.
- عجوب , منال اسماعيل , الانسان والادب في رسائل اخوان الصفا , منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب – دمشق , 2010 م.
- العوا, عادل , حقيقة اخوان الصفا, الاهالي للطباعة والنشر – دمشق , 1993, ط1.
- الفارابي , ابو نصر محمد , اراء اهل المدينة الفاضلة ومضاداتها ,مؤسسة هنداوي , 2016 .
- فروخ , عمر , تاريخ الفكر, دار العلم للملايين , بيروت – لبنان , 1972, ط1 .
- فروخ, عمر , اخوان الصفا , مكتبة منيمنه – بيروت,1953م , ط2.
- القفطي , جمال الدين , اخبار العلماء بأخبار الحكماء ,دار الكتب العلمية – بيروت,2005, ط1.
- قمير , يوحنا , اخوان الصفا دراسة- مختارات, المطبعة الكاثوليكية –بيروت , 1950.
- كرم , يوسف ,تاريخ الفلسفة الاوربية في العصر الوسيط, مؤسسة هنداوي , 2014.
- محمود , عبد الحليم , التفكير الفلسفي في الاسلام , مكتبة الانجلو المصرية – القاهرة ,ج 1, 1955 ..
- مروة, حسين, النزعة المادية في الفلسفة العربية , تقديم وتلخيص : غازي الصوراني , المجلد الثاني.
- المسعودي , التنبيه والاشراف , مكتبة الشرق الاسلامية – مصر , 1938.
- معصوم , فؤاد , اخوان الصفاء فلسفتهم وغايتهم , دار المدى للثقافة والنشر- سوريا , 1998,ط1.