الحضورُ الأسطوريُّ في الشعر الجاهليّ – دراسةٌ تحليليّةٌ في شعر “لَبيد بن ربيعة”

د. يوسف الرايس1

1 الأكاديمية الجهويّة للتربية والتكوين جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، المملكة المغربيّة

البريد الإلكترونيّ: raissyoussef2017@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(10); https://doi.org/10.53796/hnsj510/9

تحميل الملف

تاريخ النشر: 01/10/2024م تاريخ القبول: 20/09/2024م

طريقة التوثيق


المستخلص

يسعى الباحث في هذه الدراسة النقديّة النصّيّة إلى دراسة وتحليل الحضور الأسطوريّ أو التجلّيات الأسطوريّــة في النتاج الشعريّ لشاعر من شعراء المعلّقات؛ الشاعر الفحل “لَبيد بن ربيعة العامريّ”، من خلال ركنين أساسيْن:

-جانب نظريّ، إذ استهلّ مقاربة الموضوع بمهاد نظريّ تطرّق من خلاله إلى دراسة إشكاليتين عامّتين؛ وهما: -ما الأسطورة؟ -والشعر العربيّ والأسطورة، أيّة صلة علاقيّة؟

-وفي الشقّ الثاني من الدراسة، وهو قسمٌ تطبيقيٌّ إجرائيٌّ، يقوم الباحث باستقصاء شامل، واستقراء كامل لديوان “لَبيد بن ربيعة العامريّ، بشرح الطوسي” محاولاً من خلاله رصد النصوص الشعريّة المتضمّنة لأساطيرَ أو بقايا أساطير، أو التي تحمل سماتٍ وملامحَ ورموزاً ذاتَ أبعاد أسطوريّة لكشفها ودراستها وتحليلها وَفق منظور النقد الأسطوريّ.

الكلمات المفتاحية: الأسطورة -الشعر الجاهليّ -لَبيد بن ربيعة.

Research title

Mythological Presence in Jahiliyya Poetry

An analytical study in the poetry of “Lubaid ibn Rabia”

Dr. Youssef Raiss1

1 Regional Academy of Education and Training, Tangier-Tetouan-Hoceima Region, Kingdom of Morocco

Email: raissyoussef2017@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(10); https://doi.org/10.53796/hnsj510/9

Published at 01/10/2024 Accepted at 20/09/2024

Abstract

In this critical textual study, the researcher seeks to study and analyse the mythological presence or mythological manifestations in the poetic output of one of the poets of the Maalakat poets, Lubaid ibn Rabia al-Amiri, through two main pillars:

-Theoretical aspect, in which he began his approach to the topic with a theoretical approach, through which he addressed two general issues, namely: -What is myth? -Arabic poetry and myth, what is the relationship?

In the second part of the study, which is an applied and procedural section, the researcher conducts a comprehensive survey of the poem ‘Lubaid bin Rabia al-Amiri, with Tusi’s commentary’ in an attempt to identify poetic texts that include myths or remnants of myths, or that bear features, features and symbols with mythological dimensions in order to uncover, study and analyse them according to the perspective of mythological criticism.

Key Words: Mythology -Jahiliyya poetry -Labid ibn Rabia.

*مقدّمة:

يعدّ الشعر الجاهليّ من الدُّرَر اللوامع، واللآلئ السواطع في يمّ الشعر العربيّ السحيقة أغوارُه، والمترامية سواحلُه، والممتدّة عصورُه، إن لم نقل هو أساس الأدب العربيّ كلّه، وعنوان فحولته، ومعدن أصالته، ومفتاح أسراره. وليس بمقدور أيّ دارس النفاذ إلى عبقريّة الإنسان العربيّ وخباياها الدفينة، ودراسة تاريخه الحضاريّ والفكريّ والسياسيّ ما لم يُحِط علماً وخُبْراً بشعره القديم. شغل، منذ القديم، بال العلماء والأدباء المهتمّين، ولا تزال قضاياه الشعريّة وإشكالاتُه النقديّة الشائكة تثير الفضول المعرفيّ للباحثين والدارسين الغيورين، ممّا يدلّ على أنّه لم يزلْ غضّاً طريّاً، لا ينضب مَعينُه، ولا يتسرّب العقمُ إلى صوره ومعانيه، ومجالا مفتوحا ومرتعا خصبا لاجتهادات مختلفة وقراءات متجدّدة. فهو، دائما، حيٌّ متجدّدٌ، عبر الأزمنة والأمكنة، وإنْ كثرت المقاربات التي تصدّت لفهمه وتفسيره، وتنوّعت مناهج المهتمين به.

ومن أغزر الشعراء الجاهليّين شعرا، وأطولهم عمرا، وأعلاهم فحولة وقدرا، وحاملي لواء هذا الشعر العربيّ الأنموذج الخالد ذكرا “لَبيد بن ربيعة العامريّ”، المحتفى بشعره في هذه السطور المتواضعة. إذ سيتناول الباحث في هذه الدراسة النصّيّة التحليليّة بالدرس والتحليل الحضور الأسطوريّ أو التجلّيات الأسطوريّة في نتاجه الشعريّ مستهلاًّ مقاربة الموضوع بمهاد نظريّ حاول من خلاله، في إلماعة، الوقوفَ على الجانب اللغويّ والإشكال الاصطلاحيّ والمفهوميّ للأسطورة. ثمّ مناقشة العلاقة الإشكاليّة الجدليّة بين الشعر، وتحديدا الشعر العربيّ الجاهليّ، والأسطورة.

وفي الشقّ الثاني من الدراسة، وهو قسمٌ تطبيقيٌّ إجرائيٌّ، سيقوم الباحث باستقصاء شامل، واستقراء كامل لـ “ديوان لَبيد بن ربيعة العامريّ، بشرح الطوسي” وتحقيق وتقديم: د. إحسان عبّاس، البالغ عدد نصوصه الشعريّة أربعة وثمانين نصّاً؛ بين قصيدة ومقطّعة ونتفة وبيت مفرد، والتي يمتدّ نفَسُها الشعريّ ويتوزّع على مدى ألفٍ ومائتين وخمسة وخمسين بيتاً. وسيحاول من خلاله رصد النصوص المتضمّنة لأساطيرَ أو بقايا أساطير، أو التي تحمل سماتٍ وملامحَ ورموزاً ذاتَ أبعاد أسطوريّة لكشفها ودراستها وتحليلها وَفق منظور النقد الأسطوريّ. وهي، بالمناسبة، كثيرةٌ في الديوان لا يسعها المقام، هنا، لاعتبارات منهجيّة تنظيميّة موضوعيّة تقتضيها خصوصية هذه الدراسة وطبيعتها، بل سيكتفي، فقط، بانتقاء شذرات أنموذجيّة دالّة منها.

‎ولا بدّ من الإيماءة، في هذا الصدد، إلى أنّ الباحث اقتصر في دراسته هذه على النصوص الشعريّة التي تنتمي تاريخيّا إلى الحقبة الجاهليّة من حياة الشاعر الفحل المخضرم “لَبيد بن ربيعة العامريّ” فحسب، وهي التي تشكّل الأغلب الأعمّ في ديوانه، ومستثنياً النصوص التي تنتمي إلى الحقبة الإسلاميّة من حياته لكون كثيرٍ من الأساطير أصبحت مع ظهور الإسلام ونزول القرآن الكريم حقائقَ يقينيّة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وخاصّة فيما يتعلّق بأساطير وقصص الأمم البائدة. خلافاً، كما تذكر بعض المصادر والمضانّ، للرواية التي تدّعي أنّ الشاعرَ، بعد إسلامه، انقطع عن نظم الشعر، ولم ينظم إلا بيتا وحيدا ويتيما، وهذا البيتُ نفسه قد اختلف فيه، وفي نسبته لـ “لبيد”.

وتنطلق هذه الدراسة النصّيّة التحليليّة من إشكالات نقديّة رئيسة، يحاول الباحث الإجابة عليها قدر مستطاعه، ومنها: -ما حجم الإشارات والمضامين الأسطوريّة التي نفذت إلى النصّ الشعريّ الجاهليّ لدى “لَبيد بن ربيعة العامريّ”؟ وما هي حدود تجلّياتها؟

– وهل يتضمّن شعره الجاهليّ أساطيرَ أو بقايا أساطيرَ قديمةٍ، أو يحمل سماتٍ وملامحَ ورموزاً ذاتَ أبعاد أسطوريّة؟ وكيف استطاع استلهامها وتوظيفها؟

وقد قارَب في هذا القسم التطبيقيٌّ الإجرائيٌّ: -الدلالة الأسطوريّة للمقدّمة الطلليّة في شعر لبيد، والرمزيّة الأسطوريّة للناقة في شعره، وصورة المرأة، وصورة الثور الوحشيّ والمهاة في شعره، وأساطير متفرّقة ومختلفة وردت في شعر لبيد؛ كأسطورة الجنّ، وأسطورة الحيّة، وأسطورة الغول والسعلاة، وأسطورة الأمم البائدة…

‎ في الختام، خلص إلى عرض أهمّ النتائج والخلاصات المتوصّل إليها في هذه الدراسة.

*مهادٌ نظريٌّ:

1) -ما الأسطورة؟

بادئ ذي بدء، لابدّ أن نشير، هنا، أنّه من الصعب جدّا تعريف ماهية الأسطورة تعريفا محدّدا ودقيقا، فقد تناولها الفلاسفة والمفكّرون والباحثون من زوايا نظر مختلفة، ومن هنا تعدّدت التعاريفُ واختلفت باختلاف المناهج والمرجعيات، وتكوثرت المفاهيمُ وتداخلت وتشابكت (الأسطورة، والخرافة، والحكاية الشعبيّة). فلهذا، فإنّنا ارتأينا أنّه من الأجدى ألاّ نخوض في هذه المتاهات المفهوميّة والجدالات التعريفيّة لأنّ هذا المقامَ ليس مقامَه.

كلّ شعوب الأرض عرفت الأسطورة والتقت عندها، فهي، تراثُ الإنسان حيثما كان وأينما كان وعلى بُعد المكان، وعلى اختلاف الزمان. ومن الأسطورة تسرّبت ألوان التعبير الأدبيّ، ومنها فكّر الإنسان ليخلق مختلف أشكال الأدب والإبداع البشريّ.

فالبشريّة، على امتداد عهودها، لم تعرف أقدم ولا أعرق من الأسطورة لتحكيَ أحلامها وآمالها، وترسم دنياها المليئة بالتطلّع والتوّاقة إلى المعرفة. فـــــ «في البدء كانت الأسطورة، لأنّنا لا نعلم بدءاً قبلها»[1]. و«في غَلَس التاريخ كانت الأسطورة، وفي قالبها صبّ الإنسان القديمُ وعيه بالزمن والتاريخ واللغة والوجود والطبيعة، وظلّ يفعل، حتّى استنبط الفلسفة والعلم، وكلّ أشكال التفكير العقلانيّة والتجريديّة»[2].

ومن هنا كانت الأسطورة في البدء منبع الإلهام الأدبيّ، وفي النهاية دافعا إلى علوم حديثة كثيرة كعلوم الأنثروبولوجيا والإثنولوجيا والسيكولوجيا[3].

فمن الناحية المعجميّة، اشتقّت “الأسطورة” من الجذر اللغويّ “س ط ر”، وتفيد دلالتها اللغويّة معنى الأباطيل والأوهام والأحاديث الملفّقة والأكاذيب التي لا أصْلَ لها، وتنأى عن الواقع، وتدنو من الخرافة. وتؤكّد النصوصُ الشرعيّة هذه الدلالةَ اللغويّة، فقد وردت الكلمةُ في القرآن الكريم، في مواضعَ كثيرةٍ، بصيغة الجمع ومقترنة بكلمة “الأوّلين”، كقوله سبحانه: «وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ اُلَاوَّلِينَ اَكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاۖ»[4].

وجاء في “لسان العرب”: «الأساطيرُ: الأباطيل. والأساطيرُ: أحاديثُ لا نظام لها، واحدتها إسْطارٌ وإسْطارةٌ، بالكسر، وأُسْطِيرٌ وأُسْطيرةٌ وأُسْطورٌ وأُسْطورةٌ، بالضمّ… وسَطّرها: ألّفها. وسطّر علينا: أتانا بالأساطير. الليْثُ: يقال سَطّر فلانٌ علينا يُسَطِّرُ إذا جاء بأحاديثَ تشبه الباطل… يقال: هو يُسَطِّر ما لا أصلَ له، أي يؤلّف… يقال: سَطّر فلانٌ على فلانٍ؛ إذا زَخْرف له الأقاويل ونمّقها، وتلك الأقاويل الأساطيرُ والسُّطُرُ»[5].

أمّا من الناحية المصطلحيّة، فيجب الإقرارُ أوّلاً، كما قلنا آنفا، بأنّه من المتعذّر جدّاً تعريف الأسطورة تعريفاً جامعاً ومانعاً، فقد تعدّدت التعريفاتُ التي أعطيت لمصطلح الأسطورة وتنوّعت بتنوّع المناهج العلميّة والمرجعيات الفكريّة والإيديولوجيّة[6]. وذهب العلماء والباحثون في تعريف ماهيتها مذاهب شتّى، فمنهم من عدّ الأسطورة بأنّها «التاريخ في صورة متنكّرة»[7]، ومنهم من نظر إليها بكونها «فكرة بدويّة تاريخيّة صيغت بصيغة الإطناب والمغالاة؛ لإظهار أهمية الحادثة الحقيقيّة في جيل زال أثرُه من ذهن الناس»[8]، ومنهم من رأى أنّ «الأسطورة نصٌّ أدبيٌّ، وُضع في أبهى حلّة فنّيّة ممكنة، وأقوى صيغة مؤثِّرة في النفوس»[9]. ويحاول الباحثُ المتخصّص في الميثولوجيا وتاريخ الأديان “فراس السواح” أن يلخّص لنا القول مستجمعاً الآراءَ المختلفة والمتشعّبة، وموضِّحاً رؤيته الخاصّة للأسطورة، فيقول: «الأسطورة نظامٌ فكريٌّ متكامل، استوعب قلق الإنسان الوجوديّ، وتَوقه الأبديّ لكشف الغوامض التي يطرحها محيطه، والأحاجي التي يتحدَّاه بها التنظيم الكونيّ المحكم الذي يتحرَّك ضمنه. إنّها إيجاد النظام حيث لا نظام، وطرح الجواب على ملحاح السؤال، ورسم لوحةً متكاملةً للوجود؛ لنجد مكاننا فيه ودَورنا في إيقاعات الطبيعة. إنّها الأداة التي تزوِّدنا بمرشد ودليل في الحياة، ومعيار أخلاقيّ في السلوك. إنّها مجمع الحياة الفكريّة والروحيّة للإنسان القديم»[10].

2) -الشعرُ العربيُّ والأسطورةُ، أيّة صلةٍ علاقيّةٍ؟

الشعرُ، عموما، إبداعٌ إنسانيٌّ. والشاعرُ المبدع، قبل كلّ شيء، إنسانٌ واعٍ يتأثّر بما يتأثّر به غيرُه، إن لم نقل أكثر من غيره بحكم حساسية مشاعره الجيّاشة، ورهافة أحاسيسه الفيّاضة، وكما أنّه محمّلٌ بتمثّلات مسبقة وتصوّرات قبْليّة، ومزوّدٌ بحُمولات سيكولوجيّة وسوسيوثقافيّة تؤثّر، بشكل أو بآخرَ، في شخصيّته الفنّيّة، وتتجلّى، بطريقة أو بأخرى، في نتاجاته الشعريّة والإبداعيّة. ومن هذه المؤثّرات الثقافيّة التي يمتح الشاعر من مَعينها الأسطورةُ؛ التي لم يستطع الشاعر العربيّ الجاهليّ الفِكاكَ من قبضتها الفولاذيّة أو على الأقلّ من ملامحها وسماتها الخفيّة التي تسلّلت، بشكل أو بآخرَ، في نصوصه الشعريّة.

يقول، في هذا الصدد، “مارك شورر” “Mark Schorer”: «الأسطورة أساسٌ لا غنى للشعر عنه»[11]، ويقول “ريتشارد تشيز” “Richard Chase”: «الشعر أساسٌ لا غنى للأسطورة عنه»[12]. إذاً، هناك علاقةٌ تبادليّةٌ وصلةٌ جدليّةٌ بين الشعر والأسطورة.

وتوظيف الأساطير في الشعر العربيّ هو عودةٌ طبيعيّةٌ إلى أحد منابعه البكر، لأنّ الشعر، في مبدئه، هو: ذلك «النتاجُ الفطريُّ والنشاطُ الأوليُّ للعقليّة البشريّة، والإنسانُ البدائيُّ كان يشكّل صور خياله قبل تشكيل الكلّيّات؛ غنّى قبل أن يتكلّم، وتحدّث شعراً قبل أن ينثر، واستخدم المجازاتِ قبل التعبيرات الفنّيّة، والمجازيُّ هو الفطريُّ بمعنى الكلمة»[13].

وهكذا، نستنتج أنّ بين الشعر والأسطورة علاقاتٌ لا تخفى على النقّاد والدارسين، سواء من حيث طبيعة مكوّناتها وبواعثها، أو من حيث لغتها الوجدانيّة الرمزيّة التي تومئ ولا توضّح، فهما معا «ينشآن من الحاجات الإنسانيّة نفسها، ويمثّلان نوعا واحدا من البنية الرمزيّة، وينجحان في أن يخلعا على التجربة نوعا واحدا من الرهبة والدهشة السحريّة، وينجزان الوظيفة التطهيريّة ذاتها»[14]. ويبقى أهمُّ ما يصل بين الشعر والأسطورة هو أنّ الأداةَ التي ينهضان عليها ويتشكّلان منها هي خصوبة الخيال وثراؤه.

‎إضافة إلى كلّ هذا، فقد ارتبط الإبداع الشعريُّ العربيُّ، في الوعي الجمعيّ العربيّ القديم، بعالم السحر والجنّ والكهانة، وكانت بدايتُه النشوئيّة وجذوره التأسيسيّة -كما يرى الباحث “حسين عطوان”- دينيّةً خالصة أو سحريّة[15]. ونفس الرأي يتبنّاه كثير من الباحثين؛ ومن بين هؤلاء العلاّمةُ “عبد الله الطيّب” حيث يقول في “مرشده”: «والشعر في أوّل أمره يرتبط عادة بالسحر والكهانة والدين، بل يكاد يكون محصورا في هذه الدائرة في البدء. ثمّ بعد ذلك ينتقل من رَبْع الدين والكهانة، فيتصرّف فيه الشعراء وينوّعون في أوزانه، بحيث يجعلونها تصلح للرقص والغناء والفخر وغير ذلك»[16]. وقد أحاط العرب الشاعر بهالة خرافيّة أسطوريّة، ووصفوه بأنّه “عبقريٌّ”، نسبة إلى “أرض عَبْقَر” أو”وادي عبقر”[17]. بل وصفوا كلّ أمر عظيم بـــ “عبقريّ”. إيماناً منهم، بأنّ الشعر سحرٌ إيحائيٌّ وفعلٌ خارقٌ للعادة لا يمكن للبشر إبداعُه، ولكن يُمليه القرينُ من الجنّ على قرينه من البشر حتّى ينفذَ إلى القلوب، ويسطوَ على الألباب، وتطربَ له المسامعُ والأرواح. بحيث جعلوا الشياطين أرباباً للإبداع، وأصحاباً للشعراء يلهمونهم قول الشعر؛ ففحول شعراء العرب، من أمثال: امرئ القيس، ولَبيد، وعَبيد بن الأبرص، والنابغة الذبيانيّ، والأعشى الكبير… يستدعون الشياطين في شعرهم، بل لكلّ شاعر فحلٍ، كما يزعمون، شيطانُه يستلهم منه قول الشعر[18]. واستمرّ هذا الاعتقادُ الميتافزيقيّ الميثولوجيّ إلى العصر الأمويّ، وفي هذا الصدد، نجد “أبا النجم العِجْليّ” يقول[19]:

إنّي وكلّ شاعر من البشرْ // شيطانُه أنثى وشيطاني ذكرْ

فما رآني شاعرٌ إلاّ اسْتَتَرْ // فِعْل نجوم الليل عـــــايَنَّ القَمَرْ

ولا يرتبط هذا بمصادر الإلهام ومنابع الإبداع فحسب، كما رأينا، بل يمتدّ هذا الارتباطُ إلى الطقوس الإجرائيّة لأداء العمل والإلقاء الشعريّ، فإذا كان الساحر لا يمارس عمله إلاّ إذا قام بطقوس خاصّة كإحضار النار وقراءة بعض الطلاسم والتعاويذ المبهمة، فإنّ الشاعر كذلك عند استعداده لإلقاء قصيدته، يقوم بطقوس معيّنة التي تختلف حسب أغراض الشعر من هجاء ومدح… وفي “أمالي المرتضى” قصّةٌ تاريخّيةٌ وأدبيّةٌ مشهورةٌ تكشف عن بعض هذه الطقوس الغريبة والشعائر العجيبة اللازمة في مواقف الإنشاد، وملخّصها: أنّ “لبيداً” في صباه انتدبه قومه العامريّون لهجاء “الربيع بن زياد العبسيّ”، فدخل على “النعمان” وأنشده شعره، وهو مُرْتَدٍ حُلّةَ ساحر، وقد حلّق رأسه عدا ذُؤابتين على ناصيته، ودهن أحد شقّيْ رأسه، وأرخى إزاره، وانتحل نعلاً واحدة. وكان هذا سببا في إبعاد “ابن زياد” عن “النعمان” إلى الأبد[20].

وهكذا، يصبح الشعرُ المتّحد مع الرقص والطقس والموسيقى لوحةَ المفاتيح العظيمة للطاقة الغريزيّة للقبيلة البدائيّة حيث الشعرُ هو السحر والصلاة والتاريخ[21].

*الحضورُ الأسطوريُّ أو التجلّياتُ الأسطوريّةُ في شعر “لبيد بن ربيعة العامريّ”.

في هذا الشقّ التطبيقيّ الإجرائيّ من الدراسة سنقوم يرصد الأبيات التي تحمل سماتٍ وملامحَ أسطوريّةً ومحاولة كشفها وتحليلها ومقاربتها وَفق منظور النقد الأسطوريّ. وهي، بالمناسبة، كثيرةٌ في الديوان لا يسعها المقام، هنا، لاعتبارات منهجيّة وتنظيميّة وموضوعيّة اقتضتيها خصوصية هذه الدراسة وطبيعتها، بل سنكتفي، فقط، بانتقاء شذرات أنموذجيّة دالّة منها.

1) –الدلالةُ الأسطوريّةُ للمقدّمة الطَّلَلِيّة في شعر لَبيد.

‎الطلل مكوّنٌ بنيويٌّ في نسيج النصّ الشعريّ الجاهليّ، وفي هرميّة البناء لشكل القصيدة العربيّة القديمة. إذ نُلفي أنّ أغلبَ النصوص الشعريّة الجاهليّة، ولا نقول كلَّها حتّى لا نسقط في تعميم تجريديّ مَعيب، لأنّ هناك كثيرٌ منها لم يلتزم أصحابها بهذا البناء النمطيّ[22]، قد اُستهلّت بمقدّمات طلليّة، قبل أن يتمّ الخروج منها، بسلاسة، إلى الغرض الرئيس (حُسن التخلّص)، والذي غالبا ما يكون مديحا، ثمّ تُختم بخاتمة (مقطع) تكون أبقى في النفس كالأمثال والحِكم. وهكذا، أضحتِ المقدّماتُ الطلليّةُ تقليداً فنّيّاً نمطيّاً يُحتذى، وعرفاً شعريّاً متوارثاً يُقتدى. ولقد تعدّدتِ الدراساتُ الأدبيّةُ والنقديّةُ المعاصرةُ المستندةُ، خصوصا، إلى علم النفس والاجتماع والإناسة (الأنثربولوجيا)، التي تناولت اللحظةَ الطلليّة في القصيدة الجاهليّة، وخاصّة المادحة منها، بتعدّد اتّجاهات أصحابها ومرجعيّاتهم الفكريّة والعلميّة ومذاهبهم الأدبيّة والنقديّة. وتباينتِ المواقفُ حولها[23]: -فمنهم من ذهب إلى أنّها مجرّد تقليدٍ شعريٍّ شائعٍ وكليشيه فنّيٍّ متوارثٍ ذائعٍ لا غير. الغرض منها، هو: استمالةُ المتلقّي وصرفُ انتباهه واستدراجُه للغرض الأساس.

-ومنهم من عدّها تعبيرا عن تجربة حياتيّة صادقة وانعكاساً صريحاً للواقع الجاهليّ الـمَعيش القائم على الحلّ والتَّرحال الدائمين. وفي هذا الصدد، يقول “حسين عطوان”: «إنّ المقدّماتِ جميعاً لا تعدو أن تكون ذكرياتٍ وضرباً من الحنين إلى الماضي والنزاع إليه، فإنّ الشعراءَ دائما يرتدّون بأبصارهم وأنظارهم إلى الوراء، إلى أغلى جزءٍ مضى وانقضى من حياتهم». فالإنسان -حسب دعاة الحتميّة- ابن بيئته. وهنا، نسقط في إشكالية نقديّة أعمق، وهي: إشكالية “الصدق الفنّيّ والواقعيّ في الشعر” أو الأدب عموما.

-بينما ذهب فريقٌ آخرَ إلى أنّ الوقوف على الأطلال هو بكاءٌ على ماضي شبه الجزيرة العربيّة التليد، وتعبيرٌ عن التهدّم الحضاريّ والمحْل الطبيعيّ الذي حلّ بها، بعدما كانت، في سابق عهودها التاريخيّة وحِقبها الجيولوجيّة، أرضاً معطاء تنعم بالخصوبة والنماء، وتتمتّع بالعمران والرخاء. فالموقفُ الطلليُّ -حسب “يوسف اليوسف”- هو «توليفٌ اندغاميٌّ للحظاتٍ ثلاث، هي: التهدّم الحضاريّ، والقمع الجنسيّ، وقحل الطبيعة»[24]. والوقوف على الديار والبكاء على رسومها الخوالي، واستحضار ماضيها وأطياف ساكنيها الأحبّة الظاعنين، ما هو في حقيقته، كما يرى الباحث، إلاّ «ترجمةٌ لا شعوريّةٌ للرغبة في الخلاص من ظرف حضاريّ متهدّم، والتحوّل إلى مرحلة حضاريّة أرقى»[25].

-في حين يرى الآخرون أنّ اللحظة الطلليّةَ هي تعبيرٌ وجوديٌّ عن المصير الإنسانيّ ودلالةٌ رمزيّة عن الصراع الأبديّ بين ثنائية الموت والحياة، والتي تشكّل للشاعر الجاهليّ قلقاً وجوديّاً عبر العصور والأزمنة، فالطللُ في الشعر الجاهليّ رمزٌ للموت والخراب، وفي نفس الآن رمزٌ لإمكانية تفجُّر الحياة وتجدّدها من بعد الموت، فهو يجمع بين نقيضين في موقف واحد، بحيث يشتمل على عنصرَيْ الوقوف على الأطلال وذكر المحبوب، حيث يُذكِّر الأوّل بالفناء والثاني بالحياة والانبعاث بعد الممات[26]. يقول “مصطفى ناصف”: «فهو رمزٌ للزمن الذي يتّسم -رغم ما يشوبه من قسوة المضيّ والانفلات- بالإيجابيّة الواضحة»[27].

وعند تأمّلنا في ديوان “لبيد”، سنجد أنّ الشاعر وقف على الأطلال في ثلاثة عشر نصّا شعريّا من بين أربعة وثمانين نصّاً، وهو ما يشكّل نسبة ستّة عشَر فاصلة ستّة وستّين في المائة (%16،66)، وهي نسبة مهمّة كما نلاحظ، لأنّ هذا النوعَ من المقدّمات الفنّيّة يرتبط بالقصائد فحسب، لا بالمقطوعات والنُّتَف التي تعبّر عن مواقفَ طارئةٍ أو حالاتٍ عابرة؛ بل ينخرط في نسيج طويل من الأبيات، بينها تفاعلٌ وتكاملٌ، ويكون الطلل مؤشّرا أوّل على ذلك.

‎ وكعادة كثير من الشعراء الجاهليّين، فإنّ لبيدا قد شبّه الطلل بالوَشْم أكثر من مرّة، كما في قوله[28]:

لِهِندٍ بأعْلام الأغرِّ رُسُومُ // إلى أُحُـــــــــــــــــــــــــــد كأنَّهُنَّ وُشُومُ

‎وفي قوله[29]:

طَلَلٌ لِخَولَةَ بِالرَسيسِ قَديمُ // فَبِعاقِلٍ فَالأَنْعَمَيْنِ رُســـــــــــــــــــومُ

فَكَأَنَّ مَعروفَ الدِيارِ بِقادِمٍ // فَبُراقِ غَوْلٍ فَالرِّجـــــــــامِ وُشومُ

‎وأيضاً في قوله[30]:

أوْ رَجْعُ واشمةِ أُسّفَ نَؤُورُها // كِفَفاً تعرَّض فوقَهُنَّ وِشامُها

وكذلك في قوله[31]:

‎ أَوْ مُسْلَمٌ عمِلَتْ لهُ عُلْوِيّةٌ // رصَنَتْ ظهورَ رواجِبٍ وبَنانِ

والوشم عادةٌ اجتماعيّةٌ وثقافيّة كانت متفشّيةً في المجتمع الجاهليّ، وما زالت إلى يومنا هذا في بعض المناطق، ذات أبعادٍ أسطوريّة، بحيث كان يُعتقد أنّ لها فوائدَ سحريّةً منها دفعُ الأذى والحفظ من العين الشرّيرة. وربط الطلل بالوشم هو إشارةٌ رمزيّةٌ وتعويذةٌ سحريّةٌ له بالبقاء، وحمايته من عوادي الزمان ونوائب الدهر.

وكما شبّه لبيدٌ الأطلال في قصائدَ أخرى بالخطّ والكتابة، كما في قوله[32]:

وجَلاَ السيولُ عن الطلول كأنّها // زُبُر تُجِدُّ مُتَونَها أقْلامُها

‎وفي قوله[33]:

دَرَسَ الْـمَنا بِمُتالِعٍ فَأَبانِ // وَتَقادَمَتْ بِالحُبْسِ فَالسُّـــــــوبانِ

فَنِعافِ صارَةَ فَالْقَنانِ كَأَنَّها // زُبُرٌ يُرَجِّعُـــــــــــــــها وَليدُ يَمانِ

مُتَعَوِّدٌ لَحِنٌ يُعيدُ بِكَفِّهِ // قَلَماً عَلى عُسُبٍ ذَبُلــْــــــــــــنَ وَبانِ

والكتابة، في الوعي الجمعيّ العربيّ، ترتبط، دائما، بكلّ شيء مقدّس، لأنّها أداة العلم والمعرفة، فبها يرتقي المرء من طور إلى طور، وينتقل من عالم إلى آخر. وهي إمّا نقوشٌ على الرقوق والحجارة، أو رموزٌ فوق شواهد القبور، أو خطوطٌ وخربشاتٌ على صحائفَ مقدّسةٍ بيد الرهبان توحي بالاعتقادات الغيبيّة والأساطير الدينيّة، وتنبئ عن الوقائع التاريخيّة والحوادث المستقبليّة. وفي تشبيه الطلل بالكتابة وبقايا خطوط لمحاتٌ من هذه القداسة التي تبقى على مرّ الزمن وتخلّد على الدهر. ودلالاتٌ رمزيّةٌ على صمود الإنسان العربيّ وتحديه لنوائب الدهر من أجل الاستمراريّة والبقاء في بيئة قاحلة تنذر بالموت والفناء في كلّ أوان وحين. ويفسّر الباحث “يوسف اليوسف” تشبيه الطلل بالكتابة على الرقوق بكونه دليلا على انتشار حركة الكتابة في المرحلة الجاهليّة العليا. وفي تشبيه الطلل بالكتابة على الحجر إثباتٌ على انتشار آثار حضريّة غابرة ترقى إلى عهود سحيقة في التاريخ[34].

2) -الرمزيّةُ الأسطوريّةُ للناقة في شعر لبيد.

كان الشاعرُ العربيُّ الجاهليُّ في حلّ وتَرحال دائمين بحثا عن شروط الحياة الضروريّة من مساقط الغيث ومنابت الكلأ في بيئة صحراويّة مُقْفِرةٍ جدباء. وفي ظلّ هذه الظروف العصيّة كانتِ الناقةُ في حياته كلّ شيء، ولشدّة ارتباطه بها فقد كرّمها وبجّلها أيّما تكريمٍ وتبجيلٍ إلى حدّ التقديس. فلهذا فقلّما نجد قصيدة جاهليّة ليس فيها وصف للرحلة والناقة، فهي رمزٌ للحياة والأمومة والخصوبة في عالم قاحل يُنذر بالدمار والاندثار من كلّ جانب: جوعٌ وقحطٌ، وحروبٌ قبليّةٌ على أوهى الأسباب، وإغاراتٌ ليليّة، ووحوش ضارية… يقول “مصطفى ناصف” «فإذا كان في الفرس أبوّةٌ وما يرتبط بالأبوّة والرجولة من عنف وزحام، فقد كانت هذه الناقةُ أشبه الأشياء بالأمومة القويّة»[35].

ولتمرّ هذه الرحلةُ في أحسن ظروفها لا بدّ للناقة من أن تكون مثاليّةً في أوصافها (النموذج المثال الكامل)، فهي قويّةٌ عظيمةٌ صُلبةٌ. وفي هذا الصدد، يقول لبيد[36]:

عُــــذافِرةٌ تقمّصَ بالرُّدافى //  تَخَوَّنَها نُزولي وارتحالي

كَعَقْر الهاجِرِيّ إذا ابْتَناهُ //  بأشباهٍ حُذِيْنَ على مِثال

‎فلبيدٌ، هنا، شبّه ناقته في تمام خِلقتها وحصانة جِبِلَّتها بذلك القصر المبنيّ بالآجر الأحمر، وشبّه قوائمها بالسواري والأساطين.‎ ويقول أيضا[37]:

عُذافرةٌ حَرَفٌ كأنّ قتُودَها // تضَمّنَهُ جَوْنُ السَّرَاةِ عَدُومُ

فناقة الشاعر قويّةٌ شديدةٌ كأنّها جبلٌ في صلابتها وضخامتها، وكما أنّها نشيطةٌ لا تعرف الملل والكلل.

يقول لبيد[38]:

كأخْنَسَ ناشِطٍ جادت عليه // بِبُرْقةِ واحِفٍ إحدى الليالي

فهنا، الشاعر شبّه ناقته بحمار وحشيّ نشيط لا يعرف الكللُ والملل طريقا إلى أوصاله. إضافةً إلى هذا، فناقةُ “لبيد” سريعةُ الخطو، متحمّلةٌ للشدائد والنوائب، يقِظةٌ حذرةٌ تنجو من المهالك التي تعترضها، وتنتصر على أعدائها.

وَجْناءٌ تُرْقِلُ بعد طولِ هِبابِها // إرْقالَ جَأْبٍ مُعْلَمٍ بِكُدومِ[39]

ولإكمال بناء هذا الترميز النموذج والتمثال المثال للناقة، فقد أضفى الشاعرُ على هذا المثال مزيداً من الصور الرمزيّة ذات الأبعاد الأسطوريّة، فنُلفيه قد شبّهها حيناً أ بالنّخلة المقدّسة رمز الخصوبة والعطاء.

بين الصَّفا وخليج العَين ساكنةٌ // غُلْبٌ سَواجِدُ لم يدخلْ بها الحَصَرُ[40]

شبّه الشاعر ناقته بالنخلات الطِّوال الغلاظ المائلة الرؤوس المثقلة بالثمار والمشبعة ارتواءً طَوال أيّام السنّة. والعرب، قديما، قد قدّسوا الأشجار الكبار الخُضْرَ الوارفاتِ الظلال، ولا سيّما النخلة، وعبدوها كنخلة “نجران”، ونخلة منْفوحة بـ “اليمامة” وشجرة ذات أنْواطٍ في “حُنَيْنٍ” وغيرها. وهذا ربّما من بقايا أساطيرَ قديمةٍ التي تزعم أنّ الإنسان الأوّل خرج من شجرة[41].

‎وشبّهها حيناً أخرى بالسّحابة:

فَلَها هِبابٌ في الزِّمام كأنّها // صَهْباءُ خفَّ مع الجنوب جَهامُها[42].

‎ونحن نعلم رمزيّة السحاب في الوعي الجمعيّ العربيّ، فهو رمزُ الخصوبة والنجاة والحياة.

‎وكما شبّهها أحايين أخرى بالنّعامة المخصّبة[43]:

أفَذاكَ أَمْ صَعْلٌ كأنّ عِفاءَهُ // أَوْزَاعُ أَلْقاءٍ عَلَى أغْصـــانِ

حتّى إذا أفِدَ العَشِيُّ تروَّحا // لمبيتِ رِبْعِيِّ النِّتاج هَجـــانِ

‎فالشاعر “لبيدٌ” شبّه ناقته بالنعامة التّي وضعت بيضها الأبيضَ في أوّل الربيع وسط الشتاء، وتحتضنه انتظاراً لفقْسه. وتشبيه الناقة بالنعامة «التي تحتضن بيضها دليلٌ على المحافظة على الحياة واستمرارها، فالبيض هو الأجيالُ القادمةُ، والنعامةُ -أي الناقة – هي الأمُّ مانحةُ هذه الحياةَ الموكلةَ بها»[44].

وشبّبها تارة بالسّفينة:

كسفينةِ الْهِنْديٍّ طابَقَ دَرْءَها // بسقائِفٍ مشْبوحةٍ ودِهانِ[45]

‎ والسفينة رمزٌ للخصوبة والنجاة وإعادة الحياة بعد الطوفان (الانبعاث) عند العرب وغيرهم من الشعوب القديمة؛ كالسومريّين والبابليّين والعبرانيّين والفنيقيّين. وترتبط في مخيّلة العرب بسفينة “نوح” (عليه السلام). وعبادتها أمرٌ موغلٌ في القدم عند بعض الأمم (الفنيقيّين)[46].

‎ولتأكيد هذه الرمزيّة الموحية بالخصوبة والحياة، نجد أنّ “لبيداً” لم يتوانَ في تشبيه عملية نزول المطر بعملية حلب الناقة.

حيث نجده يقول[47]:

مَرَتِ الجنوبُ لهُ الغمامَ بِوابِلٍ // ومُجَلْجِلٍ قَرِدِ الرَّباب هزيمِ

إذاً، فـ «الواقع أنّ فكرة الناقة من أكثر الأفكار تنوّعا، فالناقةُ منْبتُ كلّ ما أهمَّ وأقْلَقَ وأحزن الشاعرَ الجاهليّ، والناقةُ هي خالقةُ الأساطير التي أخرجتِ الشّعر من الغناء الساذج إلى التصدّي الملحّ لفكرة المشكلات، أو لنقل إنّ الناقة هي التي نقلت الفكر العربيّ قبل الإسلام ممّا نسمّيه طبيعة الملاحم إلى طبيعة الدراما والصراع، فالعلاقات الأساسيّة بين الشاعر والعالم في شكل مزاج من الرفض والقَبول تكمن في هذه الناقة»[48].

وكما لا ننسى، في هذا الصدد، أسطورة أو قصّة “ناقة صالح” التي كان عقْرُها سبباً في إهلاك “ثمودَ” وتدميرهم.

3) -صورة المرأة في شعر لبيد:

كان من المنطقيّ دراسة صورة المرأة في شعر “لبيد” ضمن الفِقْرة السابقة من هذه الدراسة، والمتعلّقة بالدلالة الأسطوريّة للمقدّمة الطَّلَلِيّة في شعر لَبيد، ولكن لاعتبارات تنظيميّة وموضوعيّة اقتضتها طبيعة الدراسة وموضوعها فقد أفردنا لهذه الصورة حيّزا خاصّا به.

‎إنّ للمرأة في الشعر الجاهليّ حضورا متميّزاً. ولا يكاد شاعرنا “لبيد” يخرج عن هذه الصورة النمطيّة خاصّة في المقدّمات الطلليّة. فمن أجلها يرحل الشاعرُ ويطوي المسافاتِ، وعلى رسوم ديارها وأطلال منازلها يقف ويبكي، وعلى أطيافها الغائبة يتحسّر ويتوجّع… فلهذا نجدهم يضفون على المرأة صورا مثاليّة «لا توحي بالحسن والجمال فحسب، بل تدلّ على الخصب والنماء، وترمز للاحترام والتقديس، حتّى تغذوَ آلهةً للحبّ والجمال، ومعبودةً تمنح الحياة والكمال»[49]. ويتجلّى هذا بوضوح في الأوصاف والصور والمقاييس الجماليّة التي حرص الشعراء الجاهليّون على رسمها للمرأة النموذج المثال، فهي، دوماً، ضخمةٌ بدينةٌ، ممتلئةٌ مكتنزةٌ. وفي هذا الصدد، يقول لبيدٌ[50]:

وفي الحُدوج عَروبٌ غيرُ فاحشةٍ // ريّا الروادِف يَعْشى دونها البصرُ

لم تكن صورة المرأة الممتلئة الجسم المائلة إلى البدانة عند الإنسان القديم قضيةَ ذوق جماليّ فحسب، بل هي -كما يرى “عليّ البطل”- قضيةٌ مترسّبةٌ عن معتقد دينيّ موغل في بدائيّته، لأنّه من كمال صورة المثال المعبود أن تتحقّق فيه الشروط المثاليّة التي تؤهّله لأداء وظيفته التي عُبد من أجلها؛ وهي وظيفة الأمومة، والخصوبة الجنسيّة[51].

وكما تتجلّى هذه الرمزيّة الأسطوريّة في ارتباط المرأة بالنّخلة حينا، كقوله[52]:

فكأنّ ظُعْنَ الحيِّ لمّا أشرفت // بالآلِ، وارتفعت بهنّ حُزُومُ

نخلٌ كوارعٌ في خليج مُحَلِّمٍ // حملت فمنها مُـــــــــــــــــوقِرٌ مَكْمومُ

ْسُحُقٌ يُمتِّعها الصَّفا وسَرِيُّهُ // عُمٌّ نواعمُ بينهُنّ كُــــــــــــــــــــــــــــــــــــرومُ

وفي ارتباطها بالأشجار المثمرة تارة أخرى. يقول لبيد[53]:

‎كأنّ أضعانَهم في الصُّبْح غاديةً // طَلْحُ السلائل وسَط الرّوْض أوْ عُشَرُ

أوْ باردُ الصيف مسْجورٌ، مزارعُه // سُودُ الذوائب مما متّعت هَجَـــــــــــــــــــــــــــــرُ

أو في تشبيهها بالبقرة الذي ترتعي في مزارعَ فسيحةٍ حشيشُها لمْ يُوطَأْ أبداً.

‎ كأنّ أضعانَهم في الصُّبْح…

بقَرٌ مساكنُها مساربُ عازبٍ // وارْتَبّــَهُنَّ شقائقٌ وصريمُ[54]

والبقرُ، كما هو معلومٌ، مازال مقدّساً يُعبَد في أماكنَ كثيرةٍ من العالم، وقد عبدته قديما العرب. وفي هذا الصدد، نجد “مصطفى الجوزو” يقول: «من هنا، إنّ العرب، كسائر سكان الشرق الأوسط، عبدوا البقر أو قدّسوه، وقد ارتبطت عبادة البقر بعبادة القمر خاصّة»[55].

أو في تشبيهها بالظّباء، يقول لبيد[56]:

ترُوحُ إذا راح الشَّروبُ كأنّها // ظباءُ شقيقٍ ليس فيهنّ عاطلُ

وهذه التشبيهاتُ كلُّها صورٌ فنّيّةٌ وسماتٌ أسطوريّةٌ غابرةٌ ترشح بدلالات وإشارات رمزيّة موحية على الأمومة والخصب والعطاء والحياة. فهذه الحيواناتُ والنباتات السالفةُ الذكر كانت ترمز للمرأة الجميلة التي هي رمزٌ للشمس الآلهة المعبودة[57]. والعرب عبدوا الشمس كما عبدها أكثر الساميّين[58].

‎وهنا، يمكننا أن نتساءل: فإذا كانتِ المرأةُ في الجاهليّة تحظى بكلّ هذا التقدير والتكريم إلى حدّ التقديس والتأليه -وهذا من بقايا أساطيرَ مندثرةٍ في أغوار التاريخ- في إبداعاتهم الشعريّة ومخيّلتهم الفنّيّة، فإنّ التاريخ يشهد بأنّ الواقع كان نقيض هذا تماما، فهي كانت مهضومة الحقوق، مكسورة الجناح، تُوأَدُ في صغرها، وتباعُ وتُبْتاعُ سلعةً متداولةً في كبرها، وتُوَرَّث كالبهائم وسائر الأواني والأمتعة عند وفاة زوجها. فلماذا، إذاً، هذا التناقضُ بين الواقع والفنّ؟ أو بين الواقع والمثال !!!؟؟؟

4) -صورة الثور الوحشيّ والمَهاة في شعر لبيد:

لقد دأب الشعراءُ الجاهليّون على تشبيه الناقة بالثور الوحشيّ وحينا بالمهاة -الأمّ- المسْبوعة، وأحيانا أخرى بالحمار الوحشيّ. وأصبحت هذه الصورُ صوراً نمطيّةً تتكرّر في أكثر من قصيدة جاهليّة، وهذا التَّكرارُ النمطيّ لم يكن عبثا، بل له دلالاتٌ وإيماءاتٌ رمزيّةٌ وأصولٌ أسطوريّةٌ ضاعت تفاصيلُها، كما ضاعت جلّ إن لم نقل كلّ الأساطير العربيّة، التي كانت تحمل معانيَ دينيّةً وتوحي بطقوسٍ وشعائرَ تعبديّة[59].

يقول لبيد[60]:

‎کأخْنسَ ناشطٍ جادتْ عليه // بِبُرْقةَ واحفٍ إحْدى الليالي

أضلّ صِوارَهُ وتَضَيَّفَتْهُ // نُطوفٌ أمرُها بِيـــَـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد الشَّمال

فبات كأنّهُ قاضي نذورٍ // يلوذُ بغَرْقَدِ خَضِــــــــــــل وضـــــــــــــــــــــــــــــال

‎ إذا وَكَفَ الغُصونُ على قَراهُ // أدارَ الرَّوْقَ حالاً بعــــــــــــــــد حال

جُنوحَ الهالِكيِّ على يديْه // مُكِبّاً يَجْــــــــــــــــــــــــــــتلَى نُقَبَ النّصــــــــــال

فباكَرَهُ مع الإشْراق غُضْفٌ // ضَواريها تـــــــــــــخُبُّ مع الرِّجــــــــــال

فجالَ، ولم يجُلْ جبناً، ولكنْ // تعرُّضَ ذي الحـــــــــــــــفيظة للقتال

فغادَرَ مُلْحَماً وعَدَلْنَ عنهُ // وقد خضَبَ الفـــــــرائصَ من طِحال

يشُكُّ صٍفاحها بالروْق شَزْراً // كما خــــــــــــــــــرج السِّرادُ من النِّقال

وولَّى عامداً لِطِيات فَلْجٍ // يُــــــــراوِحُ بين صَـــــــــــــــوْنِ وابتـــــــــــــــــــذال

تشُقُّ خمائلَ الدَّهْنا يداهُ // كما لــــــــــــــــــــــــــــعِبَ المُقامِرُ بالفِيـــــــــــــــــــال

وأصبح يَقْتري الحَوْمانَ فرداً // كنصْل السيف حودِثَ بالصِّقال

وهي قصّةٌ طويلة تبلغ اثنَيْ عشر بيتا، وقد استطرد الشاعر، في هذه الأبيات، في وصف ثور وحشيٍّ وحيدٍ قويّ أبيض اللون كحدّ السيف المصقول حديثا، أظلّه سوادُ الليل، وجادت عليه السماءُ بالمطر فلاذَ إلى أصل شجرةٍ ليحميَ نفسَه من المطر. وفي الصباح هاجمته كلابٌ ضاريةٌ، فثبت لها ثبوتَ الأبطال؛ فقتل أوّلها وجرح الباقي بقرنَيْه، ثمّ غادر ساحة المعركة مسرعا كفرس الرهان يتخطّى الكثبان ويقطع الخمائل.

نستشفّ من هذه القصّة الشعريّة الصراعَ الأبديّ بين (قُوى الشرّ وقوى الخير) (الثور ≠ الكلاب، الليل)، والتدافعَ الجدليَّ بين ثنائية (الموت والحياة). وفي انتصار الثور انتصارٌ للحياة وتجدُّدٌ للأمل الباسم. لأنّ الثور يمثّلُ إله الخصب والقوّة والمطر، فلا ينبغي للإله أن يُقتل.

وهذا المشهدُ القصصيُّ الدمويُّ يتكرّر في شعر “لبيد”، وفي الشعر الجاهليّ عموما، أكثر من مرّة حتّى أضحى صورةً نمطيّةً مألوفةً في الشعر العربيّ القديم. وقد ذكر “الجاحظ” هذا العراك المشهور بين الثور والكلاب في كتابه “الحيوان”[61].

إذاً، نحن -كما يقول “عليّ البطل” – «أمام أسطورة ضاع أصلُها، وبقيت منها هذه العناصرُ التّي تشير إلى بعض ملامح هذه الأسطورة الضائعة، فالثور، كما نعلم، رمز الإله القمر، ولا يبدو ظهوره في الصورة إلاّ مع قدوم الليل، وهو يظهر دائما قريبا من شجرة أرْطى ليحتميَ بها من البرد والريح والمطر»[62]. وقد رمز عربُ الجاهليّة بالثور والبقرة أيضا للشمس، كما رمزوا للقمر بالثور “إله بعل”، إله الخصب والمطر. ويذكر “كراب” بأنّ الثور القمر أصبح الثور الشمس، بعد أن غلبت عبادة الشمس على عبادة القمر[63]. وكان عرب الجنوب يعبدون الشمس كما أكّد ذلك القرآن الكريم[64].

أمّا المهاة، فقد صاغ “لبيدٌ” قصّةً طويلة لها، وخاصّة المسبوعة[65] منها. وهذه القصّةُ أو الصورة تتكرّر بصيغة متقاربة في شعره وشعر كثير من الشعراء الجاهليّين، وهي تجسّد معانيَ الأمومة وتوظّف رموز التقديس. يقول لبيد[66]:

أفَـتِــلْـكَ أَمْ وحْــشِـيَّـةٌ مــسْبـوعَـةٌ // خَـذَلتْ وهـاديـةُ الصِّـوارِ قِــــــــــــــــوَامُـها

خَـنْسـاءُ ضَـيَّـعَـتِ الفَـريرَ فلمْ يَرِمْ // عُـرْضَ الشَّـقـائِـقِ طَوْفُها وبُغامُها

لِــمُـعَـفَّـرٍ قَــهْــدِ تَــنَــازَعَ شِــلْـوَهُ // غُـبْـسٌ كـواسِـبُ لا يُـمَـنُّ طَــــــــــــــــــــــعَامُها

صَـادَفْـنَ مـنـهـا غِـرَّةً فَـأصَـبْـنَهَا // إنَّ الـمــــــــــــنـايـا لا تـطـيـشُ ســـهـامُـهَا

بـاتَـتْ وَأسْبَـلَ واكـفٌ مِـنْ ديـمـة ٍ // يـُروِي الـخـمـائـلَ دائــــــــماً تَسْجامُها

يـعْـلو طـريـقـةَ مـتـْنِـهَـا مـُتـواتِرٌ // فـي لـيـلـةٍ كَـفَـرَ الـنُّـجــــــــــــــــــــــــــــومَ غَمَامُهَا

تـجْـتـافُ أصْـلاً قـالِـصـاً مُـتَـنـَبِّذاً // بـعُـجـوبِ أنْـقـاءٍ يـمـيـلُ هُـيَـامُــــــــــــــــــــــها

وتُضـيءُ في وَجْـهِ الظـلام مُنِـيرةً // كـجُـمـانَـةِ البـحريِّ سُـلَّ نـظامُــــــــــــها

حتّى إذا انحـسَرَ الظلامُ وَأسْفَرَتْ // بـكـــــــــــــرتْ تـزِلُّ عـن الثَّرَى أزْلامُها

عَـلِـهَـتْ تَـرّدَّدُ فـي نِـهاءِ صَعَائِـدٍ // سَـبُـــــــــعــاً تُــؤامــاً كـامــــــــــــــــــــــــــلاً أيَّـامُـهـا

حـتـّى إذا يَـئسَـتْ وأسْـحَقَ حَالِقٌ // لـــــــــــــــم يُـبـْلـهِ إرْضـاعُـهـا وفــــــــــطَـامُـها

وتـوجـسَّـتْ رِزَّ الأنـيـسِ فَرَاعَها // عن ظهرِ غَيْبٍ، والأنيـــــــسُ سَـــقَامُها

فَـغَـدَتْ كـلا الفَرْجَينِ تَحْسَبُ أنَّهُ // مَـوْلـى المخـافة خلفُـــــــــــــــــــــها وأمـامُهـا

حتّـى إذا يئـسَ الـرُّماةُ وأرْسَلُوا // غُـضْــــــــــــــفـاً دواجِـنَ قافلاً أعْصـــــــــــــامُها

فَـلَـحِـقْـنَ واعْـتـَكـرتْ لها مَدَرِيَّةٌ // كـالـسَّـمْـهَـريَّـةِ حَــــــــــــــــدُّهَـا وتَمَـــــــــــــــــــــــــــــامُهَا

لِـتَـذُودَهُـنَّ وَأيـقـنـتْ إنْ لم تَـذُدْ // أن قد أُحِمَّ منَ الحُتوفِ حِمـــــــــــــــــــــــــامُها

فتقصَّدَتْ منها كَسابِ فَضُرِّجتْ // بدمٍ، وغودرَ في المَكَرِّ سُخَـامُـــــــها

وتتكرّر هذه القصّةُ الشعريّةُ في مواضعَ كثيرةٍ من الديوان، كقوله[67]:

كأنّهَا بَعْدَما أفْنَيْتُ جُبِلْتَها // خَنْساءُ مَسْبُوعَةٌ قَـــــــــــــــــــــــــــــــد فاتَها بَقَرُ 

باتَت إلى دَفِّ أرْطاةٍ تُحَفِّرهُ // في نَفْسِها مِنْ حَبيبٍ فــــاقِدٍ ذِكَــــــــــــرُ 

إذا اطمَأنَّتْ قَليلاً بَعدَما حَفَرَتْ // لا تَطْمَئِنُّ إلى أَرْطاتِها الحُـــــفَرُ

تَبْني بُيُوتاً على قَفْرٍ يُهَدِّمُها // جَعْدُ الثّرَى مُصْعَبٌ] في دَفِّـه زَوَرُ 

لَيْلَتَها كُلَّها حتّى إذا حَسَرَتْ // عَنها النّجومُ، وكادَ الصُّبحُ يَنسَفِرُ

غَدَتْ على عَجَلٍ، والنّفسُ خائفَةٌ // وآيَةٌ مِنْ غُدُوٍّ الخـــــــائِفِ البُكَرُ

وفي جميع هذه المشاهدِ القصصيّةِ، تبدو المهاةُ الثكلى عن جُؤْذرها الذي افترسه مفترسٌ، وهي بيضاء اللون متلألئة كأنّها درّةٌ لُجَينيّةٌ. وفي لحظة يأسٍ وحلول الظلام يأتي المطرُ رمز الخصب والحياة، وفي الصباح تطاردها الكلابُ الضارية. وغالبا ما تنتهي المعركة بانتصارها ونجاتها. ويتجسّد هذا الصراعُ الأبديُّ الجدليُّ بين الخير والشرّ، وبين الموت والحياة. يقول “عليّ البطل”: «البقرة قرينةٌ للشمس ورمزٌ لها لذلك لا يأتي الليل عليها كما يأتي على الثور الذي هو رمزٌ للقمر، وإن كان هناك احتمالٌ آخرَ إنّ الشاعر يعتمد على أصل أسطوريّ مباين لغيره، إذ أنّه يصوّر البقرة بعنصر من عناصر المرأة وهو الدرّة التي تضيء بالليل، وعلى أيّة حال، فالمصادر الأسطوريّة تتعدّد ويندمج بعضها ببعض تاركا آثار التعدّد القديمة في الروايات المختلفة للأسطورة الواحدة»[68].

5) -أساطيرُ متفرّقةٌ ومختلفةٌ في شعر لبيد:

5-1) -أسطورة الجنّ:

ذكر “لبيدٌ” الجنّ في شعره أكثر من مرّة، وفي هذا إشارةٌ واضحةٌ على الاعتقاد السائد بوجود قُوى غيبيّة خارقة، وهو اعتقاد قديمٌ جدّاً، له جذورٌ في أعماق المخيّلة البشريّة، ولا تكاد الميثولوجيا العالميّةُ تخلو منه. وخاصّة، وأنّ البيئة الاجتماعيّة والطبيعيّة القاسية التي كان يحياها الشاعرُ الجاهليُّ من تَرحال دائم في الفيافي، ووحشة الزمان، ووعورة المكان ساعدت على تناسُل مثل هذه الأوهام والاعتقادات السَّلبيّة. يقول “لبيدٌ” مشبّهاً ناقته في جموحها وحدّتها ونفارها بجنّة “عبقر”[69]:

‎درى باليَسارى جَنّةً عبقريّةً // مسطَّعةَ الأعناق بُلْقَ القوادِم

كما يقول مشبّهاً بقايا وأطلالَ أحبّائه ووحشتها بحيٍّ من الجنّ، الذي يصيب كلّ مقتربٍ منه بالهول والفزع الشديدين:

كأنّي في نديّ بني أُقَيْشٍ// إذا ما جئتَ نادیَهم تُهالُ [70]

وفي موضعٍ آخرَ، يتوجّع الشاعر على فراق أحبّته الذين رحلوا عن ديارهم، ولم يخلّفوا وراءهم سوى العرار والعزْف بعد ما كانت عامرةً تضجّ بالحركة والحياة:

تحمّلَ أهلُها إلاّ عِراراً // وعزْفاً بعد أحياءٍ حِلال[71]

‎ وربّما يكون مصدر هذه الاعتقادات بقايا أسطوريّة راسخة في المخيال الجمعيّ للإنسان الجاهليّ من عبادة قديمة، وقد أشار القرآن الكريم في أكثر من آية إلى هذه العبادة. يقول سبحانه وتعالى: «وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاٗ ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلَٰٓئِكَةِ أَهَٰٓؤُلَآءِ إيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَۖ 40 قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ اَ۬لْجِنَّۖ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّومِنُونَۖ»[72].

5-2) -أسطورة الحيّة:

يقول لبيد[73]:

همُ حيّةُ الوادي فإن كنتَ راقياً // فدونك أَدْرِكْ ما ازْدَهَوْا من فِنائكا

يومئ “لبيدٌ” في هذا البيت إلى أسطورة الأفعى حارسة المكان، التّي تحمي الوادي وتحرسه من كلّ غريب مقترب، حيث شبّه قومه العامريّين وحذَرهم واستعدادهم الدائم للهيْجاء بحيّة الوادي اليقِضة المتأهّبة دوماً للانقضاض على كلّ من سوّلت له نفسه الاقتراب من حماها. وقد ذهبت الدكتورة “ثناء أنس الوجود” إلى أكثر من ذلك، حينما أقرّت بوجود علاقة بين الأفعى والعبادة القديم، بناءً على اللاشعور الجمعيّ الذي قد أسقط من الإشارات المقدّسة على الأفعى ما يحمل على هذا الاعتقاد، فالوظيفة المزدوجة التي اكتسبتها الحيّةُ في التراث الدينيّ العربيّ كالأفعى الحارسة والأفعى الشرّيرة لا توحي إلاّ بتقديس هذا الحيوان وتأليهه[74].

والأفعى عند العرب رمزٌ للخبث والشرّ والدهاء والعذاب. بينما عند البابليّين واليونانيّين رمزٌ للخلود[75]. وتذكر الأسطورة التكوينيّة أنّها هي التي حملت إبليس سرّاً بين نابَيْها إلى الجنّة حيث يغوي حواء وآدم بأكل ثمر شجرة الخلد، فكان هذا سبباً في طردهما من الجنّة، وأصلاً للعداء الأبديّ المتأصّل بين الأفعى وبني آدم[76].

5-3) -أسطورة الغول:

الغول كائنٌ خرافيٌّ أسطوريٌّ لا وجود له إلاّ في الذهنيّة الجمعيّة العربيّة كالعنقاء، حيث كانوا، ولايزالون في أماكنَ عديدةٍ، يخيفون به الأطفال الصغار المشاغبين. وقد عُدّ من المستحيلات الثلاثة، كما يقول الشاعر “صفيّ الدين الحِليّ[77]:

لَمّا رَأَيتُ بَني الزَمانِ وَما بِهِم // خِلٌّ وَفِيٌّ لِلشَدائِدِ أَصْــطَفي

أَيقَنتُ أَنَّ المُستَحيلَ ثَلاثَةٌ // الغولُ وَالعَنقاءُ وَالخِـــــــــلُّ الوَفي

والعرب كانت تتوهّم الغول سبُعاً من سباع الجنّ، وهو يبدو رمزا لأسطورة الشرّ[78].

يقول لبيدٌ[79]:

لِيَبْكِ على النُّعْمانِ شَرْبٌ وقَيْنَةٌ // ومُخْتَبِطاتٌ كالسَّعالي أرامِلُ[80]

‎حيث شبّه الشاعرُ السائلاتِ الفقيراتِ والأراملَ والأسيراتِ في سوء حالهن وقبح منظرهنّ بالغيلان. ويقول أيضا[81]:

عليهن ولدانُ الرِّهانِ كأنّها // سَعالِ وعِقْبانٌ عليها الرْحائلُ

وهنا، شبّه خيوله في قوّتهنّ ونشاطهنّ وسرعتهنّ الخاطفة بالسعالي والعِقبان. ولم يصف العربُ بالسّعْلاة إلاّ العجائز والخيل[82]. وهذه الصور الشعريّة كثيرة الورود في الشعر الجاهليّ، استنادًا إلى تغلغل المشبّه به في الثقافة الشعبيّة والمخيال الجمعيّ العربيّ، وتوارثه عبر الأجيال.

5-4) -أسطورة الأمم البائدة:

5-4-1) -أسطورة “لُقْمانَ بنَ عادٍ”:

أورد “الميدانيّ” في قصّة مَثَلٍ: “طال الأبَدُ عن لُبَدَ”، «أنّ لُقمان بنَ عادٍ خُيِّر بين بقاء سبع بَعَراتٍ سُمْرٍ من أَظْبٍ عُفْرٍ في جبل وعْر لا يمسُّها القطْر، وبين بقاء سبعة أَنْسُرٍ، كلّما هلك نسرٌ خلف بعده نسر، وكان يأخذ فرخ النسر فيجعله في جَوْبة (فجوة) الجبل فيعيش الفرخُ خمسمائة سنةٍ أو أقلّ أو أكثر. فإذا مات أخذ آخرَ مكانه، حتّى هلكت كلُّها إلاّ السابعَ فوضعه في ذلك الموضع، وسمّاه “لُبَداً”، وكان أطولها عمراً، فضربت العرب به المثل فقالوا: “طال الأبد على لبد”، و”لبد” معناه بلسانهم الدهر، فلمّا انقضى عمْرُ “لبد” رآه لقمان واقعا، فناداه: انهض “لبد”، فذهب لينهض فلم يستطع، فسقط ومات، ومات لقمان معه، فضرب به المثل فقيل: “طال الأبد على لبد”، أو “أتى أبَدٌ على لُبَد”»[83].

في هذا الصدد، يقول لبيد[84]:

ولقد جرى لُبَدٌ فأدرَك جرْيَهُ // رَيْبُ الزمان وكان غيرَ مُثَقَّل

لمّا رأى لُبد النسورَ تطايَرَتْ // رفَع القَوادِمَ كالفـــــقير الأعْزَلِ

مِنْ تحته لقمانُ يرجو نهْضَهُ // ولقد رأى لقمانُ أنْ لا يَأْتَلي

ويقول كذلك في موضعٍ آخَرَ[85]:

وأخْلَفْنَ قُسّاً ليتني ولَوْ انّني // وأعْيا على لقمانَ حُكْمُ التدبُّر

ويعني الشاعر، هنا، أنّ بنات الدهر: الأيام والليالي أخلفت وخانت “قُسّ بنَ ساعدة الإياديّ” خطيب العرب. كما خانت من قبله “لقمان” صاحب النسور الذي أعيَته الحيلةُ والتدبّر.

5-4-2) -أسطورة “إرَم ذات العِماد”:

وهي أسطورةٌ لها ارتباطٌ بتاريخ العرب البائدة. و “إِرَمُ ذاتُ العِماد” مدينةٌ عظيمةٌ بناها ملك قوم عادٍ “شدّاد بن عاد” ليضاهيَ بها الجنّة لمّا سمع بوصفها في الكتب القديمة. يقول الله تعالى: «اَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ 6 اِرَمَ ذَاتِ اِلْعِمَادِ 7 اِلتِے لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِے اِلْبِلَٰدِ»[86]. وقد استغرق بناؤها ثلاثَ مائة سنة. وقد بنيت بلبنات الذهب والفضّة والرخام الأبيض، ودام إعدادُها وتهييئها بالفرُش والأواني الفاخرة مدّة عشر سنين، فلمّا أراد دخولها أرسل الله له مَلكا، فخَيَّره بين شرط الإيمان لدخول المدينة أو الهلاك، إلاّ أنّ شدّاداً طغى وكفر فصاح عليه ذلك الملَك صيْحة ما توا أجمعين عن آخرهم، ولم يدخل أحدٌ منهم إلى تلك المدينة[87].

يقول لبيد[88]:

ألم ترى أنّ الحوادثَ أهلكت // إرَماً ورامت حِمْيَراً بعظيم

ويقول أيضا[89]:

ولقد بلًتْ إرَمٌ وعادٌ كيْدَه // ولقد بَلَتْهُ بعد ذاك ثمــــــودُ

خَلُّوا ثيابَهُمُ على عَوْراتهمْ // فَهُمُ بِأَفنِيَةِ البُيُوتِ هُمودُ

‎وفي هذين البيتين يشير الشاعر إلى قصص “إرم ذات العماد”، وقوم “عادٍ” بُناة “إرَمَ”، وكانوا مشهورين بالقوّة والتعملق الجسديّ وطول الأعمار، إلاّ أنّهم طغوا في الأرض وتجبّروا فكان مآلهم كما رأينا، وكما يشير إلى قصّة “ثمودَ” قوم “صالح” الذين عقروا الناقة/المعجزة فأهلكهم الله تعالى بصيحة من السماء «وَأَخَذَ اَلذِينَ ظَلَمُواْ اُلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِے دِيارِهِمْ جَٰثِمِينَ»[90].

5-4-3)أسطورة “ذي القرنين”:

يقول لبيد[91]:

‎والصّعْبُ ذو القرنين أصبح ثاوياً // بالحِنْو في جَدَثٍ، أُمَيْمَ، مُقيمُ

قبل هذا البيت، يستعرض “لبيدٌ”، في أبيات طويلة، الأممَ السابقة التي عمّرت الأرض في زمان من الأزمنة، فأصبحت الآن وكأنّها أبداً لم تكن.

و”ذو القرنين” شخصيّةٌ واقعيّةٌ تاريخيّةٌ ذكرها القرآن الكريم: «وَيَسْـَٔلُونَكَ عَن ذِے اِلْقَرْنَيْنِۖ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراًۖ»[92]. إلاّ أنّه أحاطت بأخباره كثيرٌ من الأساطير؛ فقيل في شأنه أنّه كان عبداً صالحاً “وهب بن منبه”، وقيل كان نبيّاً مرسلاً إلى أهل “بابل” “عکرمة”، وقيل کان ملكاً مسلماً على ملّة “إبراهيمَ” الخليل عليه السلام “الحسن البصريّ” إلى غير ذلك[93]. وليراجع هذا في مصادره ومظانّه.

‎ 5-4-4) -قصة “داود”:

يقول لبيد[94]:

وما نسجت أسْراد داود وابنه // مضاعفةٌ من نَسْجه إذ يقابِلُ

ويقول أيضاً[95]:

ونزعْنَ من داودَ أَحْسَنَ صُنْعِهُ // ولقد يكون بقوّةٍ ونــــــــــــــــــــــعيم

صنَع الحديدَ لحفظه أَسْرادَهُ // لينالَ طول العيش، غير مَرومِ

‎يشير لبيدٌ، هنا، إلى نبيّ الله “داود” عليه السلام صاحب الدروع، الذي ألاَنَ الله تعالى له الحديد حتّى كان يفتله بيده مثل العجين، فكان يصنع منه الدروع، وكان يأكل من ذلك، ويقال بأنّه أوّل من صنع دروع الزرد، وكانوا قبله يستعملون دروع الصفائح[96]. قال تعالى: «وَأَلَنَّا لَهُ اُلْحَدِيدَ»[97]. وقال جلّ وعلا: «وَعَلَّمْنَٰهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِيُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْۖ فَهَلَ اَنتُمْ شَٰكِرُونَۖ»[98].

5-5) -أساطيرُ مختلفةٌ:

5-5-1) -طقوس الرثاء:

من الممارسات الطقوسيّة والشعائر الجنائزيّة عند العرب، قديماً، في الرثاء وفاجعة الموت النياحةُ، والندب، ولبس السواد، وتحليق الرؤوس، وتلطيم الوجوه، وحبس الرذايا أو البلايا على القبور، ورمي البعرات، ونكاح المقت، وخروج الهام…[99]. وقد يرتبط هذا ويتزامن مع القيام بحركاتٍ غريبة شبيهة بالرقص البدائيّ، وهذه كلُّها طقوسٌ جاهليّةٌ وبقايا أسطوريّةٌ تتعلّق بمعتقدات قديمة موغلة في القدم الإنسانيّ ترتبط بشعائر التقرّب إلى الآلهة[100]. و«كان شعر الرثاء -كما يلاحظ بروكلمان بحقّ- ذا غاية سحريّة في أصل نشأته، إذ يكمّل الطقوس الجنائزيّة التي سبق التطرّق لها آنفا، والتي يقصد منها أن يستقرّ الميّت في عالمه الذي انتقل إليه، حتّى لا يتعرّض بالضرر للأحياء»[101].

يقول “لبيدٌ” في أرجوزة يرثي فيها عمّه “أبا براء عامر” ملاعب الأسّنة[102]:

قُومَا تَجُوبــــــــــــــــــانِ مَعَ الأَنْـــــــــــــــوَاحِ[103]

في مَأتَمٍ مُهَجِّرِ الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرَّواحِ

يَخْمِشْنَ حُرَّ أَوجُهٍ صِحــــــــــــــــــــــــــــــاحِ

في السُلُبِ السّودِ وَفي الأَمْســــــــــــــاحِ[104]

وأَبِّــــــــــــــــــــــــــــنا مُلاعِبَ الرّمـــــــــــــــــــــــــــــــــاح

يقول أيضاً[105]:

ونائحتان تنْدُبان بِعاقلٍ // أخا ثقةِ لا عَيْنَ منه ولا أَثَر

5-5-2) -أسطورة الهامة:

كان الإنسانُ العربيُّ في صراع دائم مستميت لا يكاد يتوقّف من أجل البقاء في بيئة قاحلة موحشة تنذر بالموت والدمار كلّ أوان وحين، وفي قتال مستمّر حول موارد الماء والكلأ، فأضحى لا يؤمن إلاّ بالقوّة والشجاعة والفروسيّة إلى حدّ التقديس في واقع كالح لا لغة تعلو فيه إلا لغة السيف والموت الزُّؤام. وهذا ما عبّر عنه “زهير بن أبي سُلْمَى” في معلّقته الشهيرة بقوله:

ومَنْ لم يَذُذْ عن حوضه بسلاحه // يُهَدَّمْ ومن لا يَظْلِم الناسَ يُظْلَمِ

ممّا حتّم عليه الاعتقاد بوجوب الأخذ بالثأر تنفيذا لنداء طائر “الهامة”، واستجابة لصداه. والهامةُ طائرٌ خرافيٌّ تزعم العرب بأنّ «الإنسان إذا قُتل، ولم يطالَبْ بثأره، خرج من رأسه طائرٌ يسمّى: الهامة، وصاح على قبره: اسقوني! اسقوني! إلى أن يُطلب بثأره»[106]. وفي هذا الصدد، يقول لبيدٌ[107]:

‎ وليس الناسُ بعدك في نَقيرٍ// ولا هُمْ غيرُ أَصْدَاءٍ وهام

أي أنّ الناس بعد وفاة الممدوح ليسوا في شيء، بل هم في عداد الموتى، الذين تصيح الهامة على قبورهم، فيصيرون صدًى. ولهذا الاعتقاد جذورٌ في أديان الشعوب القديمة ومعتقداتها الميثولوجيّة. يقول “محمّد عبد المعيد خان”: «أمّا تصوّر الروح في شكل الطير، فليس بشيء غريب خاصّ بالعرب لأنّه يوجد عند الأمم جميعاً في دور بداوتها. فقبائل الهنود في أمريكا يعتقدون أنّ الطيور التي تحلّق في الجوّ ما هي إلاّ أرواح آبائهم الأوّلين، وكذلك الأزدكيّون والبوهاتيّون في أرجينيا يقولون إنّ أرواح الشهداء تكسى لباس الطيور المغرّدة، وتقفز من زهرة إلى زهرة في ضوء الشمس»[108]. وكما يستشفّ من هذا الاعتقاد البدائيّ المتوارث ملامحُ وسماتٌ عن بقايا أساطيرَ قديمةٍ آمنت بها العربُ متأثّرةً بديانات جيرانها من الأمم كالزرادَشْتيّة والهندوسيّة والفرعونيّة، وهي الإيمان بمبدأ “تناسخ الأرواح”، وعودة الروح بعد فَناء الجسد[109].

5-5-3) -التمائم:

يقول لبيد[110]:

‎ وأنْبُشَ من تحت القبور أُبُوَّةً // كِراماَ هُمُ شَدُّوا عليَّ التمائما

والتمائم، جمع تميمةٍ؛ وهي عوذةٌ تُعلّق على الطفل، وتكون على شكل قلادة يُجعل فيها سور وتعويذات. وهي من العادات البدائيّة والمعتقدات الأسطوريّة المتأصّلة في الإنسان العربيّ منذ الجاهليّة، إذ كانتِ العرب قديما، وما زالت هذه العادةُ متفشيّةً إلى اليوم في البوادي، تعتقد بأنّها تحمي معلِّقها وتحصّنه من العين والجنّ وكلّ أنواع الشرور الخفيّة. وفي هذا توسُّلٌ إلى الآلهة بالحصن والحماية، والعرب قديما، كما رأينا آنفا، عبدت الجنّ.

5-5-4) -النذور:

يقول لبيدٌ[111]:

 تَوَجَّسُ النُّبُوحَ شُعْثاً غُبْراً // كالنّاسكاتِ ينتظرْنَ النَّذْرا

الشاعر، هنا، يوميء إلى صورة من الشعائر الجاهليّة في حال النذر الذي يُنتظَرُ قضاؤه، بحيث يقف الناذرُ أو الناسك أشعث أغبر في الشمس الحارقة حارماً نفسَه من كلّ مُتَع الدنيا وملذّاتها منتظراً قضاء النذر. وهذه الشعائرُ بقايا أسطوريّةٌ لمعتقدات بدائيّة قديمة مرتبطة بشعائر التقرّب إلى الآلهة.

وسأكتفي بهذا القدر تحاشياً للإطالة أو مزيد من الإطالة لأنني قد أطَلْت فعلاً نظرا لخصوبة الموضوع وسيولته في ديوان “لبيد”، مع أنّني قد غضضت الطرف عن كثير من السمات والملامح الأسطوريّة مراعاةً للاعتبارات التنظيميّة والمنهجيّة والموضوعيّة التي تقتضيها طبيعة المقالة وخصوصيّته.

*خاتمة:

وهكذا نستنتج في الأخير، أنّ الشعر العربيّ الجاهليّ يرشح في كثيرٍ من نصوصه بسماتٍ وملامحَ أسطوريّةٍ، وهذا شيءٌ طبْعِيٌّ، وأمرٌ بَدَهِيٌّ باعتبار أنّ الأسطورة مبدأ كلّ الآداب والفنون، ومصدر إلهامها. ففي حضنها الدافيء نمت وترعرعت جلّ الفلسفات والعلوم، وتشكّلت أصولُها ومبادِئُها.

فالشاعرُ العربيُّ الجاهليُّ وإنْ لم يكن قد نظم الشعر الأسطوريَّ أو الملاحم الأسطوريّة، كما في الشعر اليونانيّ والرومانيّ مثلاً، نظراً لاختلاف المرجعيّات التاريخيّة والخصوصيّات الثقافيّة، ولتبايُن الحاجات الإنساّنية الجماليّة والنفسيّة التي يحاول الشعرُ تلبيتها والتعبير عن مكامنها من أمّة لأخرى، وهذا فيه نظرٌ. إلاّ أنّه قد وجد في الأسطورة مَعيناً لا ينضب يمتح من جداوله الرقراقة الصافية لإحياء روح القصيدة العربيّة، وتطعيمها بأسرار التوهُّج والجمال، ومدّها بإكسير الخلود. ولا يعني هذا، ارتباطاً بما سبق، أنّنا نجزم بما قلناه حول غياب الشعر الأسطوريّ ‎نوعاً وجنساً شعريّاً مستقلاًّ في الشعر العربيّ الجاهليّ جزماً قاطعاً بل يبقى مجرّد افتراضاتٍ وتخميناتٍ وتمثّلات، قد تكون صائبةً أو خاطئة، لأنّه أوّلاً، أغلب الشعر العربيّ ضاع واندثر ممّا اندثر من كنوز التراث العربيّ مع عوادي الزمان ونوائب الدهر حاملاً معه كثيراً من أسراره وخباياه، ولم يصلنا منه إلاّ النزْر اليسير، كما يؤكّد “ابن سلاّم” في “طبقاته”[112].

‎ثانيا، أنّ جلّ الأساطير العربيّة الجاهليّة قد ضاعت وأبادها الدينُ الإسلاميُّ والتيار الدهريّ قبله، كما يقول الباحث الدكتور “جعفر ابن الحاج السُّلّميّ”[113].

ثالثا، أنّه ما زال في الشعر العربيّ الجاهليّ نصوصٌ تتضمّن أساطيرَ كاملةً حول خلق العالم والطوفان وغيرها لـ “أميّة بن الصَّلْت” و”عُدَيّ بن زَيد الحيريّ” وغيرهما. وفي هذا، ربّما دليلٌ على أنّه كانت هناك قصائدُ ونصوصٌ أخرى أو شعرٌ أسطوريٌّ كاملٌ ضاع فيما ضاع من تراثنا الشعريّ. ومن يدري؟؟؟ !!!

*قائمة المصادر والمراجع[114]:

– القرآن الكريم، برواية ورش.

– ابن إيّاس الحنفيّ، محمّد بن أحمد، (د. ت)، بدائع الزهور في وقائع الدهور، (د. ط)، الدار البيضاء، المغرب، دار الكتاب. – ابن قُتيْبة الدّيْنوري، أبو محمّد عبد الله بن مسلم، (2003)، الشعر والشعراء، (د.ط)، ج. 2، تحقيق: أحمد محمّد شاكر، القاهرة، مصر، دار الحديث.

– ابن منظور، محمّد بن مكرم، (2011)، لسان العرب، (ط.7)، (طبعة محقّقة)، بيروت، لبنان، دار صادر.

– إسماعيل، عزّ الدين، (1978)، روح العصر، (د.ط)، بيروت، لبنان، دار الرائد العربي.

– امرئ القيس، (1990)، الديوان، (ط. 5)، شرح وتحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، مصر، دار المعارف.

– أنس الوجود، ثناء، (1984)، رمز الأفاعي في التراث العربيّ، (ط. 1)، القاهرة، مصر، مكتبة الشباب.

– البطل، عليّ، (1981)، الصورةُ في الشعر العربيّ حتّى آخر القرن الثاني الهجريّ: دراسة في أصولها وتطوّرها، (ط. 2)، بيروت، لبنان، دار الأندلس.

– الجاحظ، عمرو بن بحر، (1965)، الحيوان، (ط. 2)، ج. 2، وج. 6، تحقيق وشرح: عبد السلام محمّد هارون، القاهرة، مصر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابيّ الحلبيّ وأولاده.

– الجُمَحيّ، محمّد بن سلاّم، (1974)، طبقات فحول الشعراء، (د. ط)، ج. 1، قراءة وشرح: محمود محمّد شاكر، جدّة، المملكة السعوديّة، الناشر: دار المدنيّ، القاهرة، مصر، مطبعة المدنيّ.

– الجوزو، مصطفى، (1980)، من الأساطير العربيّة والخرافات، (ط. 2)، بيروت، لبنان، دار الطليعة.

– الحِليّ، صفيّ الدين، (2008)، الديوان، ط. 2، بيروت، لبنان، دار صادر.

– الحَمَويّ، شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت، (1397ه-1977م)، معجم البلدان، (د.ط)، ج. 4، بيروت، لبنان، دار صادر.

– خورشيد، د. فاروق، (غشت 2002)، أديب الأسطورة عند العرب: جذور التفكير وأصالة الإبداع، الكويت، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، عدد: 284.

– السلَّميّ، د. جعفر ابن الحاج، (1423-2003)، الأسطورة المغربيّة: دراسة نقديّة في المفهوم والجنس، تطوان، المغرب، منشورات الجمعية المغربيّة للدراسات الأندلسيّة.

– السواح، فراس، (1996)، مغامرة العقل الأولى، دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين، (ط. 11)، دمشق، سوريا، دار علاء الدين.

– الشريف المرتضى، عليّ بن الحسين، (1954)، أمالي المرتضى، أو (غُرَر الفوائد ودُرَر القلائد)، (ط. 1)، ج. 1، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، مصر، دار إحياء الكتب العربيّة، عيسى البابي الحلبيّ وشركاؤه.

– الشورى، مصطفى عبد الشافي، (1996)، الشعرُ الجاهليُّ، تفسير أسطوريّ، (ط.1)، الجيزة، مصر، الشركة المصريّة العالميّة للنشر.

– صبحي، محيي الدين، (1988)، النقد الأدبيّ الحديث بين الأسطورة والعلم، دراسات مترجمة، (د. ط)، مصراتة، الجماهيريّة العربيّة الليبيّة الشعبيّة الاشتراكيّة العظمى، الدار العربيّة للكتاب.

– الطوسي، (1962)، شرح ديوان لَبيد بن ربيعة العامريّ، (ط. 1)، تحقيق وتقديم: د. إحسان عبّاس، الكويت، وزارة الإرشاد والأنباء الكويتيّة، مطبعة حكومة الكويت، سلسلة التراث العربيّ، رقم: 8.

– الطيّب، عبد الله، (1970)، المُرشد في فهم أشعار العرب وصناعتها، (ط.2)، ج.1، بيروت، لبنان، دار الفكر.

– عبد الفتاح محمّد، أحمد، (1987)، المنهج الأسطوريّ في تفسير الشعر الجاهليّ: دراسة نقديّة، (ط.1)، بيروت، لبنان، دار المناهل.

– عبد المعيد خان، د. محمّد، (2007)، الأساطير والخرافات عند العرب، (ط. 4)، دمشق، سوريا، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربيّة السوريّة، سلسلة آفاق ثقافيّة، عدد: 47.

– عطوان، حسين، (1970)، مقدّمة القصيدة العربيّة في العصر الجاهليّ، (د. ط)، القاهرة، مصر، دار المعارف، مكتبة الدراسات الأدبيّة رقم: 50.

– القرَشيّ، أبو زيد محمّد بن أبي الخطّاب، (1981)، جمهرة أشعار العرب في الجاهليّة والإسلام، (د. ط)، ج. 1، تحقيق وضبط وشرح: عليّ محمّد البجاوي، القاهرة، مصر، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع.

– القعود، د. عبد الرحمن محمّد، (مارس 2002)، الإبهام في شعر الحداثة: العوامل والمظاهر وآليات التأويل، الكويت، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، عدد: 279.

– كنون، محمّد عبد الحفيظ، (2007)، السّماتُ الأسطوريّة في الشعر الجاهليّ، (ط. 1)، تطوان، المغرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة، جامعة عبد المالك السعديّ.

– مسكين، حسن، (2005)، الخطابُ الشعريُّ الجاهليُّ: رؤيةٌ جديدةٌ، (ط. 1)، الدار البيضاء، المغرب، بيروت، لبنان، المركز الثقافيّ العربيّ.

– الميدانيّ، أبو الفضل، (1973)، مجمع الأمثال، (ط. 3)، ج. 1، تحقيق وتعليق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، بيروت، لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر.

– ناصف، مصطفى، (1981)، قراءة ثانية لشعرنا القديم، (ط. 2)، بيروت، لبنان، دار الأندلس.

– النُوَيري، شهاب الدين بن أحمد، (2004)، نهاية الأرَب في فنون الأدب، (ط. 1)، ج. 3، تحقيق: د. حسن نور الدين، بيروت، لبنان، منشورات محمّد عليّ بيضون، دار الكتب العلميّة.

– اليوسف، يوسف، (2001)، مقالات في الشعر الجاهليّ، (ط. 3)، رام الله، فلسطين، منشورات وزارة الثقافة الفلسطينيّة، سلسلة كتاب القراءة للجميع، عدد: 6.

*الدوريات والمقالات:

– مقال: الديك، إحسان، (1999)، “الهامة والصدى، صدى الروح في الشعر الجاهليّ”، مجلّة جامعة النجاح للأبحاث-العلوم الإنسانيّة، جامعة النجاح الوطنيّة، نابلس، فلسطين، المجلّد 13، العدد: 2.

 

 

  1. – السلَّميّ، د. جعفر ابن الحاج، (1423-2003)، الأسطورة المغربيّة: دراسة نقديّة في المفهوم والجنس، تطوان، المغرب، منشورات الجمعية المغربيّة للدراسات الأندلسيّة، ص: 9.

  2. – نفسه، والصفحة نفسها.

  3. – خورشيد، د. فاروق، (غشت 2002)، أديب الأسطورة عند العرب: جذور التفكير وأصالة الإبداع، الكويت، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، عدد: 284، ص: 20.

  4. – سورة الفرقان، الآية: 5. لقد جاءت “أساطير الأولين” في كثير من آيات القرآن الكريم، انظر -على سبيل المثال لا الحصر-: -سورة الأنعام، الآية: 26، وسورة الأنفال، الآية: 31، وسورة النحل، الآية: 24 وسورة المؤمنون، الآية: 84 إلى غير ذلك.

  5. – ابن منظور، محمّد بن مكرم، (2011)، لسان العرب، (ط.7)، (طبعة محقّقة)، ج. 7، بيروت، لبنان، دار صادر، مادة: سطر، ص: 182.

  6. – من أجل الاطّلاع على تعدّد هذه التعريفات -حسب المدارس والاتّجاهات- واختلافها، انظر -على سبيل المثال لا الحصر-: -السواح، فراس، (1996)، مغامرة العقل الأولى، دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين، (ط. 11)، دمشق، سوريا، دار علاء الدين، ص: 13 -18. -عبد المعيد خان، د. محمّد، (2007)، الأساطير والخرافات عند العرب، (ط. 4)، دمشق، سوريا، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربيّة السوريّة، سلسلة آفاق ثقافيّة، عدد: 47، ص: 16 وما بعدها.

  7. – عبد المعيد خان، د. محمّد، (2007)، ص: 17.

  8. – نفسه، ص: 20.

  9. – السواح، فراس، (1996)، ص: 27.

  10. – نفسه، ص: 26.

  11. – القعود، عبد الرحمن محمّد، (مارس 2002)، الإبهامُ في شعر الحداثة: العوامل والمظاهر وآليات التأويل، الكويت، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، عدد: 279، ص: 49.

  12. – نفسه، والصفحة نفسها.

  13. – عبد الفتاح محمّد، أحمد، (1987)، المنهجُ الأسطوريُّ في تفسير الشعر الجاهليّ: دراسة نقديّة، (ط.1)، بيروت، لبنان، دار المناهل، ص: 56.

  14. – صبحي، محيي الدين، (1988)، النقد الأدبيّ الحديث بين الأسطورة والعلم، دراسات مترجمة، (د. ط)، مصراتة، الجماهيريّة العربيّة الليبيّة الشعبيّة الاشتراكيّة العظمى، الدار العربيّة للكتاب، ص: 106.

  15. – عطوان، حسين، (1970)، مقدّمة القصيدة العربيّة في العصر الجاهليّ، (د. ط)، القاهرة، مصر، دار المعارف، مكتبة الدراسات الأدبيّة رقم: 50، ص: 68.

  16. – الطيّب، عبد الله، (1970)، المُرشد في فهم أشعار العرب وصناعتها، (ط.2)، ج.1، بيروت، لبنان، دار الفكر، ص: 17.

  17. – ورد في “معجم البلدان”: «عبْقَرٌ: بفتح أوّله، وسكون ثانيه، وفتح القاف…هي أرضٌ كان يسكنها الجنّ، ويقال في المثل: كأنّهم جنّ عبقر…ولعلّ هذا بلدٌ كان قديما وخرّب، وكان يُنسب إليه الوَشْيُ فلمّا لم يعرفوه نسبوه إلى الجنّ» انظر: -الحَمَويّ، شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت، (1397ه-1977م)، معجم البلدان، (د.ط)، ج. 4، بيروت، لبنان، دار صادر، ص: 79 وما بعدها.

  18. – وقد أفرد “أبو زيد محمّد القرشيّ” في كتابه: “جمهرة أشعار العرب” فصلاً بعنوان: “في قول الجنّ الشعر على ألسنة العرب”، وهو الفصل الرابع منه، ذكر فيه ما شاع بين العرب من هذه الأقاويل والمزاعم. انظر: -القرَشيّ، أبو زيد محمّد بن أبي الخطّاب، (1981)، جمهرة أشعار العرب في الجاهليّة والإسلام، (د. ط)، ج. 1، تحقيق وضبط وشرح: عليّ محمّد البجاوي، القاهرة، مصر، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، ص: 47-63.

  19. – ابن قُتيْبة الدّيْنوري، أبو محمّد عبد الله بن مسلم، (2003)، الشعر والشعراء، (د.ط)، ج. 2، تحقيق: أحمد محمّد شاكر، القاهرة، مصر، دار الحديث، ص: 588.

  20. – انظر: -الشريف المرتضى، عليّ بن الحسين الموسويّ العلويّ، (1954)، أمالي المرتضى، أو (غُرَر الفوائد ودُرَر القلائد)، (ط. 1)، ج. 1، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، مصر، دار إحياء الكتب العربيّة، عيسى البابي الحلبيّ وشركاؤه، ص: 190 وما بعدها. وقد أورد المحقّق البحّاثة الدكتور “إحسان عباس” هذه القصّة الشهيرة في مقدّمة تحقيقه لكتاب: “شرح ديوان لَبيد بن ربيعة العامريّ” الذي نحن بصدد دراسته. انظر: -الطوسي، (1962)، شرح ديوان لَبيد بن ربيعة العامريّ، (ط. 1)، تحقيق وتقديم: د. إحسان عبّاس، الكويت، وزارة الإرشاد والأنباء الكويتيّة، مطبعة حكومة الكويت، سلسلة التراث العربيّ، رقم: 8، ص: 20.

  21. – عبد الفتاح محمّد، أحمد، (1987)، ص: 77.

  22. – هناك قصائد كثيرة لكبار الشعراء وفحولهم، كــ “امرئ القيس”، و”النابغة الذبيانيّ”، و”لبيد بن ربيعة”… كقول “امرئ القيس”:

    أرانا مُوضِعِينَ لأَمْرِ غَيْبٍ // ونُسَّحَرُ بالطّعام وبالشّراب. انظر: -امرئ القيس، (1990)، الديوان، (ط. 5)، شرح وتحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، مصر، دار المعارف، ص: 97.

    وقوله: الْخَيْرُ ما طلَعَتْ شمسٌ وما غَرَبَتْ // مُطَـــلَّبٌ بنواصي الْخَيْل مَعْصُوبُ. انظر: -امرئ القيس، (1990)، ص: 225.

  23. – استعرض هذه المواقفَ والدراساتِ وناقشها بإسهاب كثيرٌ من الباحثين، ومن هؤلاء: د. حسن مسكين، ود. محمّد عبد الحفيظ كنون الحسنيّ وغيرهما. انظر -على سبيل المثال لا الحصر-: -مسكين، حسن، (2005)، الخطابُ الشعريُّ الجاهليُّ: رؤيةٌ جديدةٌ، (ط. 1)، الدار البيضاء، المغرب، بيروت، لبنان، المركز الثقافيّ العربيّ، ص: 23-67. -وكنون، محمّد عبد الحفيظ، (2007)، السّماتُ الأسطوريّة في الشعر الجاهليّ، (ط. 1)، تطوان، المغرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة، جامعة عبد المالك السعديّ، ص: 303-312.

  24. – اليوسف، يوسف، (2001)، مقالات في الشعر الجاهليّ، (ط. 3)، رام الله، فلسطين، منشورات وزارة الثقافة الفلسطينيّة، سلسلة كتاب القراءة للجميع، عدد: 6، ص: 17، 93 – 143.

  25. – نفسه، والصفحات نفسها.

  26. – انظر: -إسماعيل، عزّ الدين، (1978)، روح العصر، (د.ط)، بيروت، لبنان، دار الرائد العربي، ص: 20.

  27. – ناصف، مصطفى، (1981)، قراءة ثانية لشعرنا القديم، (ط. 2)، بيروت، لبنان، دار الأندلس، ص: 61.

  28. – الطوسي، (1962)، ص: 95.

  29. – نفسه، ص: 118.

  30. – نفسه، ص: 299.

  31. – الطوسي، (1962)، ص: 139.

  32. – نفسه، ص: 299.

  33. – نفسه، ص: 138.

  34. – اليوسف، يوسف، (2001)، ص: 136.

  35. – ناصف، مصطفى، (1981)، ص: 99.

  36. – الطوسي، (1962)، ص: 76.

  37. – نفسه، ص: 96.

  38. – نفسه، ص: 76.

  39. – نفسه، ص: 116.

  40. – نفسه، ص: 60.

  41. – وقد فصّل الدكتور “مصطفى الجوزو” القول في هذا الأمر في كتابه. انظر: -الجوزو، مصطفى، (1980)، من الأساطير العربيّة والخرافات، (ط. 2)، بيروت، لبنان، دار الطليعة، ص: 17.

  42. – الطوسي، (1962)، ص: 304.

  43. – نفسه، ص: 147.

  44. – الشورى، مصطفى عبد الشافي، (1996)، الشعرُ الجاهليُّ، تفسير أسطوريّ، (ط.1)، الجيزة، مصر، الشركة المصريّة العالميّة للنشر، ص: 105.

  45. – الطوسي، (1962)، ص: 142.

  46. – السواح، فراس، (1996)، ص: 161– 197.

  47. – الطوسي، (1962)، ص: 112.

  48. – ناصف، مصطفى، (1981)، ص: 115.

  49. – كنون، محمّد عبد الحفيظ، (2007)، ص: 257.

  50. – الطوسي، (1962)، ص: 61.

  51. – انظر: -البطل، عليّ، (1981)، الصورةُ في الشعر العربيّ حتّى آخر القرن الثاني الهجريّ: دراسة في أصولها وتطوّرها، (ط. 2)، بيروت، لبنان، دار الأندلس، ص: 58.

  52. – الطوسي، (1962)، ص: 119- 120.

  53. – الطوسي، (1962)، ص: 58.

  54. – نفسه، ص: 120.

  55. – الجوزو، مصطفى، (1980)، ص: 15.

  56. – الطوسي، ص: 264.

  57. – عبد الفتاح محمّد، أحمد، (1987)، ص: 182.

  58. – انظر: -الجوزو، مصطفى، (1980)، ص: 14.

  59. – انظر -مثالا لا حصرا-: -محمّد عبد الحفيظ، (2007)، ، ص: 141. -والبطل، عليّ، (1981)، ص: 123 وما بعدها.

  60. – الطوسي، (1962)، ص: 76 وما بعدها.

  61. – يقول “الجاحظ”: «ومن عادة الشعراء إذا كان الشعر مرثية أو موعظة، أن تكون الكلاب التي تقتل بقر الوحش. وإذا كان الشعر مديحا، وقال كأنّ ناقتي بقرةٌ من صفتها كذا، أن تكون الكلاب هي المقتولة…». انظر: -الجاحظ، عمرو بن بحر، (1965)، الحيوان، (ط. 2)، ج. 2، تحقيق وشرح: عبد السلام محمّد هارون، القاهرة، مصر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابيّ الحلبيّ وأولاده، ص: 20.

  62. – البطل، عليّ، (1981)، ص: 130.

  63. – انظر: -الجوزو، مصطفى، (1980)، ص: 16.

  64. – كقوله تعالى -على لسان الهُدْهُد- : «فَقَالَ أَحَطْتُّ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِۦ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإِ بِنَبَإ يَقِينٍۖ 22 اِنِّے وَجَدتُّ اُمْرَأَة تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَےْءۖ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌۖ 23 وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اِللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ اُلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ اِلسَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ» سورة النمل، الآيات: 22- 24.

  65. – المهاة المسْبوعة: هي البقرةُ الوحشيّة التي أكل السَّبُعُ ولدها.

  66. – الطوسي، (1962)، ص: 307 – 312.

  67. – الطوسي، (1962)، ص: 67 -69.

  68. – البطل، عليّ، (1981)، ص: 135 وما بعدها.

  69. – الطوسي، (1962)، ص: 295.

  70. – نفسه، ص: 267.

  71. – نفسه، ص: 72.

  72. – سورة سبأ، الآيتان: 40 -41.

  73. – الطوسي، (1962)، ص: 231.

  74. – انظر: -أنس الوجود، ثناء، (1984)، رمز الأفاعي في التراث العربيّ، (ط. 1)، القاهرة، مصر، مكتبة الشباب، ص: 49.

  75. -والجوزو، مصطفى، (1980)، ص: 33.

  76. – انظر: -ابن إيّاس الحنفيّ، محمّد بن أحمد، (د. ت)، بدائع الزهور في وقائع الدهور، (د. ط)، الدار البيضاء، المغرب، دار الكتاب، ص: 35-37.

  77. – الحِليّ، صفيّ الدين، (2008)، الديوان، ط. 2، بيروت، لبنان، دار صادر، ص: 669.

  78. – الجوزو، مصطفى، (1980)، ص: 24.

  79. – الطوسي، (1962)، ص: 257.

  80. – السعالي: جمع سِعْلاة، وهي: «الغول، وقيل: هي ساحرة الجنّ. واستسعلتِ المرأة: صارت كالسعلاة خُبثا وسلاطة، يقال ذلك للمرأة الصّخّابة البَذيّة؛ قال أبو عدنان: إذا كانت المرأة قبيحة الوجه سيّئة الخُلُق شبّهت بالسعلاة، وقيل: السعلاة أخبث الغيلان، والجمع سَعالى وسَعالٍ وسِعْلَيات، وقيل: هي الأنثى من الغيلان». انظر: -ابن منظور، محمّد بن مكرم، (2011)، ج.7، مادة: سعل، ص: 191. -والجاحظ، عمرو بن بحر، (1965)، ج. 6، ص: 159 وما بعدها.

  81. – الطوسي، (1962)، ص: 259.

  82. – انظر: -ابن منظور، محمّد بن مكرم، (2011)، ج.7، مادة: سعل، ص: 191.

  83. – الميدانيّ، أبو الفضل، (1973)، مجمع الأمثال، (ط. 3)، ج. 1، تحقيق وتعليق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، بيروت، لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر، ص: 429. مثَل رقم: 2265.

  84. – الطوسي، (1962)، ص: 274.

  85. – نفسه، ص: 56.

  86. – سورة الفجر، الآيات: 6-8.

  87. – ابن إيّاس الحنفيّ، محمّد بن أحمد، (د. ت)، ص: 60-61.

  88. – الطوسي، (1962)، ص: 108.

  89. – نفسه، ص: 34.

  90. – سورة هود، الآية: 66.

  91. – الطوسي، (1962)، ص: 109.

  92. – سورة الكهف، الآية: 82.

  93. – ابن إيّاس الحنفيّ، محمّد بن أحمد، (د. ت)، ص: 136 وما بعدها.

  94. – الطوسي، (1962)، ص: 262.

  95. – نفسه، ص: 109.

  96. – ابن إيّاس الحنفيّ، محمّد بن أحمد، (د. ت)، ص: 120.

  97. – سورة سبأ، الآية: 10.

  98. – سورة الأنبياء، الآية: 79.

  99. – انظر: -النُوَيري، شهاب الدين بن أحمد، (2004)، نهاية الأرَب في فنون الأدب، (ط. 1)، ج. 3، تحقيق: د. حسن نور الدين، بيروت، لبنان، منشورات محمّد عليّ بيضون، دار الكتب العلميّة، ص: 115 وما بعدها.

  100. – انظر: -كنون، محمّد عبد الحفيظ، (2007)، ص: 350.

  101. – البطل، عليّ، (1981)، ص: 218.

  102. – الطوسي، (1962)، ص: 332.

  103. – يجوب: يقدّ جيب القميص.

  104. – السُّلب: ثيابٌ سودٌ تلبسها النساءُ في المآتم.

  105. – الطوسي، (1962)، ص: 213.

  106. – النُوَيري، شهاب الدين بن أحمد، (2004)، ج. 3، ص: 116. وانظر: -ابن منظور، محمّد بن مكرم، (2011)، ج.15، مادة: هوم، ص: 111-112.

  107. – الطوسي، (1962)، ص: 209.

  108. – عبد المعيد خان، د. محمّد، (2007)، ص: 57-58. وانظر: -مقال: الديك، إحسان، (1999)، “الهامة والصدى، صدى الروح في الشعر الجاهليّ”، مجلّة جامعة النجاح للأبحاث-العلوم الإنسانيّة، جامعة النجاح الوطنيّة، نابلس، فلسطين، المجلّد 13، العدد: 2، ص: 640 وما بعدها.

  109. – انظر: -كنون، محمّد عبد الحفيظ، (2007)، ص: 36. -والديك، إحسان، (1999)، ص: 640 وما بعدها.

  110. – الطوسي، (1962)، ص: 237.

  111. – نفسه، ص: 336.

  112. – الجُمَحيّ، محمّد بن سلاّم، (1974)، طبقات فحول الشعراء، (د. ط)، ج. 1، قراءة وشرح: محمود محمّد شاكر، جدّة، المملكة السعوديّة، الناشر: دار المدنيّ، القاهرة، مصر، مطبعة المدنيّ، ص: 25-26.

  113. -انظر: -السلَّميّ، د. جعفر ابن الحاج، (1423-2003)، مقدّمة الكتاب، ص: 11-12.

  114. – تمّ ترتيب المصادر والمراجع في هذه الفهرسة حسب ترتيبها الهجائيّ الألفبائيّ لأسماء مؤلّفيها.