ضوابط مشروعية المراقبة الإلكترونية (للصوت والصورة) في الاثبات الجنائي
أ. د. هادية الشامي1، م. زينة محمد سعدون2
1 كلية الحقوق /الجامعة الاسلامية / بيروت
2 كلية العلوم الاسلامية / جامعة تكريت
بريد الكتروني: Zinah.m.saadoon@tu.edu.iq
HNSJ, 2024, 5(11); https://doi.org/10.53796/hnsj511/29
تاريخ النشر: 01/11/2024م تاريخ القبول: 15/10/2024م
طريقة التوثيق
المستخلص
الحقيقة تحتاج دائماً إلى أدلة، وإذا كانت هذه الحقيقة قابلة للتطور فإن الأدلة التي تقدمها هذه الحقيقة لابد أن تتطور أيضاً، والمقصود بتطوير الأدلة ليس اكتشاف أدلة جديدة، وإنما المقصود بذلك هو تطوير أساليب الحصول على الأدلة الإلكترونية وفقاً لهذه الأدلة. حيث أن الجريمة الإلكترونية من الموضوعات الحديثة التي فرضت نفسها بقوة على المستويين الوطني والدولي، الأمر الذي يفرض على المشرع الجنائي ضرورة مواجهتها ومعاقبة مرتكبيها. ولذلك هدف هذا البحث الى دراسة ضوابط مشروعية المراقبة الالكترونية للصوت والصورة في الاثبات الجنائي.
الكلمات المفتاحية: الشرعية، المراقبة الإلكترونية، الإثبات الجنائي، الصوت والصورة.
Controls of the electronic surveillance project (audio and video) in evidence
Published at 01/11/2024 Accepted at 15/10/2024
Abstract
The truth always needs evidence, and if this truth is capable of development, then the evidence that this truth provides must also be developed, and what is meant by the development of evidence is not the discovery of new evidence, but rather what is meant by that is the development of methods for obtaining electronic evidence in accordance with this evidence. As electronic crime is one of the modern topics that has imposed itself strongly at both the national and international levels, which poses to the criminal legislator the necessity of confronting it and punishing its perpetrators.
Key Words: legality, electronic surveillance, criminal proof, video and video
المقدمة
إن عمليات البحث والتحري التي تقوم بها السلطات المختصة من اجل الحصول على الدليل الإلكتروني وتقديمه للقضاء ليس كافياً، فمجرد وجود دليل يثبت وقوع الجريمة وينسبها إلى شخص معين لا يفي للتعويل عليه، لإصدار الحكم بالإدانة أو البراءة، إذ يلزم أن يكون له قوة في الإثبات، ليعتد به دليلاً أمام القضاء، فمن المعلوم أن جهات التحري والتحقيق اعتادت الاعتماد في جمع الأدلة على الأساليب المعتمدة للإثبات المادي للجريمة ولكن الأمر في محيط الإلكترونيات مختلف، لأن جهات التحقيق قد تجد صعوبة في اتباع نفس الأساليب التقليدية لضبط هذا الدليل([1]).
فالحقيقة تحتاج دائما الى دليل، وإذا كانت هذه الحقيقة قابلة للتطور فإن الدليل الذي تقوم به هذه الحقيقة لا بد ان يكون هو الأخر متطوراً، وليس المقصود بتطور الدليل اكتشاف أدلة جديدة، وانما المقصود بذلك تطور أساليب الحصول على الدليل الالكتروني بما يتفق مع هذا الدليل، حيث أن الجريمة الالكترونية من الموضوعات الحديثة التي فرضت نفسها بقوة على المستوى الوطني والدولي على حد سواء، والتي تطرح على المشرع الجنائي ضرورة مواجهتها وعقاب مرتكبيها، إذا كان الأصل أن كل طرق الإثبات جائزة أمام القضاء الجنائي عملاً بمبدأ حرية الإثبات، إلا أن أي دليل يكون مقبولاً أمام هذا القضاء، إذ لا شك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ذلك لا يعني الذي يستقيم عليه بنيان القانون الجنائي الموضوعي والإجرائي، ينعكس على قواعد الإثبات الجنائي فيفرض خضوعها هي الأخرى لمبدأ الشرعية، والصورة والصوت كدليل في الإثبات الجزائي يخضع لمجموعة من الضوابط حتى يكون مقبولاً أمام القاضي الجزائي، وفي حال عدم مشروعيته يكون جزاءه البطلان، وهذا ما سنبحثه في هذا البحث.
أولاً: أهمية الدراسة
تتمثل أهمية الدراسة من عدة جوانب هي على النحو الاتي:
– أهمية موضوعية: يعد هذا الموضوع من المواضيع الحديثة التي افرزها التقدم العلمي إذ أصبح للصوت و الصورة أهمية بالغة في التحقق عن الشخصية من خلال ما يعرف ببصمة الصوت أو بصمة الصورة او الفيديو فيمكن تحديد هوية المتحدث من صوته، إذ ظهر أن بصمة الصوت كبصمة الإصبع لا تتطابق أبداً فكل منا يتميز بصوت فريد يختلف عن الآخر وتبرز أهمية الدراسة في بيان مدى إمكانية استخدام الصوت والصورة كدليل مادي في الإثبات باستخدام الوسائل العلمية ومدى إمكانية استخدام صوت المتهم المسجل والصور کدلیل ضده في الإثبات الجنائي .
– أهمية اجتماعية: غزت مواقع التواصل الاجتماعي من خلال تطبيقات الهواتف النقالة مجتمعنا الحالي وتحول نمط الحياة الى عالم رقمي بحت اخذنا من الواقع الى الرقمنة المليئة بالتحديات والمخاوف التي أدت بسبب سوء الاستخدام لهذه الوسائل والمواقع الى ظهور جرائم حديثة النوع صعبة الاثبات، لذلك سلطت الدراسة الضوء على الجرائم الالكترونية وبحثت سبل اثباتها من خلال أدلة الصوت والصورة التي هي أهم الأدلة المستخدمة في الوقت الحالي في الجرائم التي ترتكب عبر الانترنت.
ثانياً : اسباب اختيار الموضوع
تتخلص في معرفة مدى ما اذا كانت التشريعات والقوانين المقارنة كافية من ناحية النصوص العقابية و الاجرائية سواء بالنسبة للبلدان التي لديها تشريعات خاصة أو تلك التي عدلت تشريعاتها لمواكبة التطور أم أن هناك بلدان كبلدي العراق ليس لديه تشريع خاص بوسائل الاثبات الحديثة وكيف يتعامل سواء كنص عقابي أو اجراء قضائي في ظل تفشي الوسائل و التقنيات الحديثة و الجرائم الرقمية التي كاد العالم أن يخلوا من الجرائم التقليدية في ظلها، آملين أن تكون دراستنا مع من سبقنا في بحث الموضوع سببا في تشريع قانون خاص بهذا النوع من الجرائم وتحديد وسائل الاثبات الملائمة لها
ثالثا: إشكالية الدراسة
تنهض مشكلة الدراسة في إغفال بعض التشريعات الجنائية لتنظيم الإِثبَاتِ الجِنَائَّيِ بالصوت والصورة ومن هذه التشريعات المشرع العراقي حيث لم ينص صراحة على هذا النوع من الإثبات وكل ما أورده هو نص متواضع في قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1969 في المادة (104) منه والتي نصت على:- “للقاضي أن يستفيد من وسائل التقدم العلمي في استنباط القرائن القضائية”، وهذا النص لا يقطع بالأخذ بالصوت والصورة فضلاً عن صياغة النص وسياقه الذي اجاز الاستفادة من وسائل التقدم العلمي في استنباط القرائن القضائية، فهل يشمل ذلك أدلة الإِثبَاتِ الجِنَائَّيِ بالصوت والصورة؟ وهنا تتجسد مشكلة الدراسة من خلال الإجابة على السؤال الرئيس لهذه الإشكالية المتمثل بــ: “ما مدى مشروعية وحجية الدليل المستمد من تسجيل الأصوات والتقاط الصور في الإثبات الجنائي باعتبارها وسائل حديثة للمراقبة الالكترونية؟”،
رابعاً: منهجية الدراسة
وللإجابة عن الإشكاليات المطروحة فإن موضوع الدراسة هو أحد الموضوعات القانونية مما يتطلب إتباع المنهج القانوني للتحقق من فرضيات الدراسة، كما تم اعتماد المنهج الوصفي التحليلي الذي يقوم على وصف النصوص كما هي دون زيادة أو نقصان ومن ثم تحليلها لاستنباط الحكام منها، كما ضرورة الاستعانة بالمنهج المقارن لمقارنة النصوص التشريعية في العراق بغيرها من التشريعات المناظرة ولإضفاء الصبغة العلمية على الدراسة، ثم الاستشهاد بالأحكام القضائية ما وجد إلى ذلك سبيلا.
خامساً :ـ هيكلية الدراسة
سنقسم البحث على مطلبين يتضمن المطلب الأول ضوابط مشروعية المراقبة الالكترونية في الإثبات الجنائي أما المطلب الثاني سيكون عن الضوابط التي تحكم اقتناع القاضي الجزائي بمشروعية الدليل الصوتي والمرئي, ثم نختم بأهم الاستنتاجات والتوصيات وكما يأتي:-
المطلب الأول: ضوابط مشروعية المراقبة الالكترونية في الإثبات الجنائي
المطلب الثاني: الضوابط التي تحكم اقتناع القاضي الجزائي بمشروعية الدليل الصوتي والمرئي
المطلب الأول
ضوابط مشروعية المراقبة الالكترونية في الإثبات الجنائي
يقصد بضوابط المراقبة القيود التي ترد على السلطة التي تأمر بأجراء المراقبة وبقدر ما تكون هذه الضوابط كافية ومحددة وواضحة بقدر ما تكون مباشرة المراقبة مقيدة وفقاً للهدف منها وعلى العكس من ذلك فإن عدم تحديد الضوابط أو قصورها يفسح المجال لوجود سلطة تقديرية واسعة في اللجوء إلى المراقبة؛ والتي تختلف ممارستها من سلطة إلى أخرى مما يمثل خطراً كبيراً على حرمة الحياة الخاصة، وعلة تقرير ضوابط المراقبة هو إقامة توازن دقيق بين الحق في الحياة الخاصة وبين حق المجتمع في العقاب فلا تستباح الحرمات ولا تهدر الحريات وفي ذات الوقت لا تغل يد المجتمع عن تعقب الجرائم وإنزال العقاب على الجناة([2]).
ويمكن تقسيم ضوابط المراقبة إلى “ضوابط موضوعية” و”ضوابط شكلية” وتتعلق الضوابط الموضوعية بنشوء الحق في اللجوء إلى المراقبة في حين تتعلق الضوابط الشكلية والتنفيذية بصحة المراقبة وبضمان التعرف على نتائج المراقبة (التسجيلات) وصحة الأدلة الناجمة عنها، وعلى ذلك سنقوم من خلال هذا المبحث بشرح هذه الضوابط التي تفرض على المراقبة الإلكترونية للتأكد من سلامة الدليل الإلكتروني المستمد منها ومشروعيتها وعدم تعديها على الحقوق الشخصية والحياة الخاصة، وعلى ذلك سيكون تقسيم هذا المطلب على النحو الآتي:
الفرع الأول: الضوابط الموضوعية لمشروعية المراقبة الإلكترونية للصوت والصورة
تعتبر “المراقبة الإلكترونية” على الاتصالات الشخصية تعدياً صارخاً على الحياة الخاصة للفرد، مالم تعتمد المراقبة وفق القانون، وأصبح يستخدم فيها كما أشرنا وسائل تتنافى مع ما يقرره القانون، حيث أصبحت الأحاديث الشخصية والهاتفية ذات طابع خاص، كما أصبحت الصور عرضة للالتقاط بطريقة غير مشروعة، ومن هنا أصبحت المحادثات والصور بواسطة الأجهزة الإلكترونية عرضة للتسجيل والمراقبة والإفشاء([3]).
إن استخدام الصورة والصوت في الإثبات الجنائي يُعد استثناء عن القاعدة العامة حيث أن هذا الاستثناء مقيداً بعدة قيود، منها عدم تعارض التصوير المرئي والسمعي مع مبدأ الشرعية أي أنه يتعين ألا تكون وسيلة التصوير متعارضة مع نص قانوني، ويجب عدم تعارض التصوير مع حق المتهم في الدفاع، كما أن حجية التصوير المرئي والسمعي في الإثبات الجنائي تخضع لما يخضع له سائر الأدلة الجنائية الأخرى من وجوب توافر المشروعية في الدليل، فإن فقد التصوير هذه المشروعية كان دليلاً باطلاً ولا يجوز التمسك به، وربما يعرض من قام بالتصوير للمساءلة الجنائية لارتكابه فعلاً ينطوي تحت طائلة المسائلة الجنائية([4]).
أولا: الضوابط الموضوعية
ويمكن إجمال الضوابط الموضوعية للمراقبة في أربع ضوابط ، فائدة المراقبة في إظهار الحقيقة، وأن تتخذ المراقبة بصدد جرائم معينة ، وأن تنصب المراقبة على محل معين ، إضافة إلى الاختصاص بالمراقبة، وهذه الضوابط سيتم تناولها بالشرح والتفصيل من خلال تقسيم هذا المطلب وفق الآتي:
1: الجرائم التي يجوز فيها المراقبة
حين تقرر النصوص القانونية إجراءً فإنها تجعل لهذا الإجراء غرضاً يهدف إلى تحقيقه من وراء مباشرته، سيما إذا كان هذا الإجراء ينطوي على مساس بالحقوق والحريات، فوجود الهدف الذي يمكن أن ينتج عن إجراء معين هو الذي يبرر مشروعية هذا الإجراء، في حين أن تخلف الهدف يجعل الإجراء غير مشروع ويصبح إجراءً تحكمياً باطلاً([5]).
1- معيار كشف الحقيقة
إن المتتبع في التشريعات المعاصرة والتي تجيز اللجوء إلى “المراقبة” يلاحظ أن هذه التشريعات تقيد مباشرة “المراقبة” بكونها تفيد في ظهور الحقيقة، على النحو الذي يمكن أن نقرر معه أن “ضابط فائدة المراقبة في ظهور الحقيقة ” يعتبر السند الشرعي للمراقبة، حيث تكمن فلسفة الضابط المذكور في الطبيعة الاستثنائية للمراقبة، فهي أجراء يتضمن اعتداء جسيماً على حرمة الحياة الخاصة وسرية الأحاديث، فيباح استثناء، للفائدة المنتظرة منه، والتي تتعلق بإظهار الحقيقة يكشف غموض الجريمة وضبط الجناة([6]).
ولقد أنتقد جانب من الفقه([7]) هذا الضابط ووصفه بالعمومية والشمول والقصور عن كفالة حق الإنسان في سرية أحاديثه وحياته الخاصة التي لا يجوز لغيره الاطلاع عليها، وهذا الرأي غير سديد إذ ينم عن عجز هذا الجانب تحديد نطاق ضابط فائدة المراقبة في إظهار الحقيقة الذي أن تكون “المراقبة” ضرورية وتستهدف الوقوف على الحقيقة فضلاً عن توافر دلائل كافية على أن المراقبة ستكشف غموض الجريمة وتساعد على ضبط الأدلة والجناة مما يوفر ضمانة للحق في سرية الأحاديث الخاصة([8]).
كما أن ضابط فائدة المراقبة في ظهور الحقيقة ينطوي من ظاهر عباراته على قدر من الغموض، مما يستلزم تحديده بدقة لأن عدم التحديد يفسح المجال لوجود سلطة تقديرية واسعة في مباشرة الإجراء، يختلف ممارستها من محقق إلى آخر، مما يغاير بين أقدار المتهمين، ويفتح باب التحكم على مصراعيه ولاشك في أن ذلك يمثل خطراً كبيراً على حرمة الحياة الخاصة وسرية الأحاديث، لذلك نجد الاجتهادات الفقهية القانونية الكثيرة التي سعت من أجل تحديد نطاق هذا الضابط، حتى لا يساء استخدامه[9].
فالتعرف على الحقيقية هو غاية المراقبة، والحقيقة مشتقة من الحق، وهو نقيض الباطل والرأي مستقر في الفقه والقضاء على أن “المراقبة ” لا تكون مشروعة إلا إذا استهدفت التعرف على الحقيقة، أما إذا حادت وابتعدت المراقبة عن هذا الهدف كانت إجراءً تحكمياً، لا سند له من الشرعية، وعلى هذا لا تعد “المراقبة” مشروعة إن استهدفت مجرد التنصت على المتهم، أو التشهير به أو الانتقام منه([10])، أو الحصول على الأدلة التي يعتد بها قانوناً إلا أن شرط الاعتداد به أن يكون الحصول عليه قد تم بطريق مشروع، واقتناص الاعتراف عن طريق المراقبة وبغير علم المتهم ورضاه، ضرب من ضروب الغش والخداع، يفسد الاعتراف ويوجب رده لعدم مشروعية الطريقة التي تم بها الحصول عليه([11]).
بالنسبة للمشرع الفرنسي فقد أقر القانون رقم 19/646 بين الحرية الفردية وحق المجتمع في توفير الأمن للأفراد(42) أما بالنسبة للمشرع المصري فأنه وبعد صدور القانون رقم 37 لسنة 1972 لم يعد هناك خلاف بين الفقهاء حول مشروعية هذا الإجراء، إذ أنه ومن الواضح أن سياسة المشرع في هذا القانون هي إضفاء المشروعية على إجراء المراقبة وتأسيا لذلك نظم قانون الإجراءات المصري هذا الإجراء بالمادتين 95 مكرر و 206 إلا أنه أحاطه بمجموعة من الضمانات أهمها الحصول على إذن قضائي.[12]
ولهذا ألغت المحكمة العليا في سويسرا حكماً أصدرته محكمة “برن” لأنه أعتمد في الإدانة على حديث مسجل حصل عليه المحقق بوضع ميكروفون صغير في غرفة التحقيق التي غادرها، وفيها متهمان أحدهما بالسرقة والأخر بإخفاء أشياء مسروقة، وكان مبنى الحكم أن المحقق أستخدم وسائل قهر وخداع وغش بالنسبة إلى المتهمين للحصول على اعتراف، إذ خدع المتهمين فاعتقدا أنهما بغير رقيب، وقررت المحكمة أنه لا يجوز الوصول إلى اعتراف بطريق الغش، كما هو محرم الحصول عليه بطريق الإكراه”([13]).
2- شروط المراقبة الالكترونية
إن المراقبة الإلكترونية عند إقرارها يجب أن تكون هناك دلائل قوية وإمارات تشير إلى أن الشخص المعني بالمراقبة ذاته الجاني وبحاجة استخلاص أدلة من المراقبة التي ستفرض عليه، والواقع أن فكرة الدلائل الكافية فكرة مرنة، تستعصي على التحديد المجرد مقدماً ([14])، فهي أمر نسبي يختلف باختلاف الجرائم، فما يعد كذلك في جرائم قلب نظام الحكم والتجسس والارتشاء من دولة أجنبية مثلاً، لا يجدي في جرائم المخدرات والدعارة، بل أكثر من ذلك فهذه الدلائل تتفاوت تفاوتاً بيناً، بين الجرائم التي من نوع واحد تبعا للزمان والمكان، فما يعد كافياً منها في الماضي قد لا يجدي في وقتنا الحاضر، وما يعد كافياً منها في الريف لا يكفي في المدن.
وأول ملاحظة في هذا الصدد أن الدلائل لا ترقى إلى مرتبة الأدلة([15]) فهي قرائن ضعيفة، أي استنتاج لأمر مجهول من أمر معلوم، لما دلت عليه الخبرة الإنسانية من أن أموراً كثيرة ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً، بحيث يؤذن إحداها بحصول غيرها في أعقابها، أو يدل على انتفائها أو سبق حصولها وضعف هذه الدلائل يأتي من استنتاجها من وقائع قد لا تؤدي إلى ثبوت التهمة بالضرورة، ولا بحكم اللزوم العقلي فهي لا تصلح وحدها أمام محكمة الموضوع سبباً للإدانة، بل للبراءة وتؤسس البراءة في هذه الحالة على أساس عدم ثبوت الواقعة في حق المتهم، لأن هذه الدلائل لا تجزم بأن متهماً معيناً هو الذي أرتكب الجريمة، وإنما تثير الشكوك حوله ولكنها لا تكفي للحكم بإدانته[16].
فالدلائل إذن تختلف عن الأدلة، وفكرة الدلائل الكافية بشأن المراقبة تتضمن عنصرين: أولهما وجود الدلائل والثاني كفايتها، والدلائل وقائع محددة ظاهرة ملموسة، يستنتج منها أن شخصاً معيناً مرتكب الجريمة، وعلى ذلك لا يعد مطلق الشك أو الظن من قبيل الدلائل، لأنه لا يستند إلى واقعة محددة تعززه، وإنما هو مجرد حدس ورجم بالغيب([17]).
وعلى ضوء هذا الموقف ألغت الدائرة الجنائية بمحكمة روما تصريح ممنوح بالتنصت التليفوني، بعدما تبين أن أمر التنصت بني على دوافع وهمية، مؤكدة أنه من الضروري الحصول مسبقاً على دليل جادْ، إذ أن التنصت لا يجب أن يكون وسيلة بحث عن الأدلة، وإنما يجب أن يستخدم فقط لتأكيد الأدلة المتوافرة([18]).
ومن جانبها أيدت محكمة النقض المصرية ذلك الموقف، إذ قضت بأن الدستور وقانون الإجراءات لا يجيز اللجوء إلى مراقبة الأحاديث الخاصة لمجرد الظنون أو الشكوك أو البحث عن الأدلة، وإنما عند توافر أدلة جادة تقضي تدعيمها بنتائج المراقبة([19]).
وتعتبر الدلائل كافية إذا كانت على درجة من القوة والثراء به يستنتج منها إسناد جريمة معينة إلى شخص معين، مثل مشاهدة المتهم قبل وقوع جريمة القتل يقوم بشراء سلاح ناري، ذي مقذوف ناري معين هذا المقذوف في جسم المجنى عليه القتيل([20]).
أما إذا كانت الدلائل ضعيفة أو غامضة أو غير واضحة يأبى العقل معها أو لا يطمئن إلى نسبة الجريمة إلى شخص معين فإنها لا تكون كافية، مثل وجود الشخص بالقرب من مسرح الجريمة، ووجود خلاف بينه وبين المجنى عليه، أو سبق ارتكابه لجريمة مماثلة([21])، أو مجرد التبليغ عن الجريمة، مادام لم تعزز بتحريات تجري بمعرفة رجل الضبط القضائي، تؤيد ما جاء بالبلاغ([22]).
ولا يشترط أن تستمد هذه الدلائل من مصدر معين، فقد تستخلص من أقوال الشهود، أدو اليمين أم لا أو من اعتراف المتهم، أو من وجود بصمة للمتهم في غرفة نوم القتيل، أو وجود بقعة دم من فصيلة دم القتيل على ملابس المتهم، وقد يكون مصدر تلك الدلائل محررات أو تحريات توصل إليها مأمور الضبط القضائي([23]).
غير أنه يشترط في الدلائل أن تكون مشروعه أي ناتجه عن عمل مشروع سواء أكان من إجراء تحقيق أم من إجراء استدلال والدفع بعدم كفاية الدلائل هو دفع جوهري يتعين على محكمة الموضوع أن تقول كلمتها فيه بأسباب كافية وسائغة، وتخضع الدلائل الكافية في مجال الإثبات لقاعدة ” الشك يفسر ضد مصلحة المتهم”([24])، ذلك أن دور الدلائل يقتصر على السماح باتخاذ إجراء ينطوي على المساس بحرية المتهم، ولا تمتد قيمتها إلى تأسيس حكم الإدانة عليها، ما لم تسفر عن دليل يعتمد عليه القاضي فيما بعد([25]).
ويرى فقهاء القانون أن توافر الدلائل الكافية يجعلها صحيحة، حتى ولو تبين فيما بعد أن هذه الدلائل كانت شبهات ظالمة، لا أساس لها في واقع الأمر، متى كان لها ما يبررها في ذهن الجهة التي أمرت بالإجراء، وقدرت توافرها، ذلك أن الأعمال الإجرائية تجري على حكم الظاهر، ولا تبطل من بعد نزولا على ما قد يكتشف من أمر الواقع، فإذا كان الظاهر يدل على وجود دلائل كافية صحت المراقبة بغض النظر عن حقيقة الواقع، وبغض النظر عما يكشف عنه التحقيق بعد ذلك من وجود أو عدم وجود دلائل كافية، فما ينكشف من بعد لا ينال من صحة المراقبة ولا من سلامة نتائجها، وهذه النتيجة فرع من أصل عام سبقت الإشارة إليه، وهو يكفي لاعتبار الإجراء صحيح أن يشهد ظاهر الحال وقت أتخاذه على توافر كل شروط صحته، ولو كان بعض هذه الشروط متخلفاً في حقيقة الوقائع[26].
ويرى جانب آخر من الفقه ان المقصود بالدلائل الكافية “يتأتى من خلال استبعاد كل ما يخرج من نطاقها”، ويرى هذا الرأي ان اول تفرقة يجب اجراؤها هي تلك القائمة بين الادلة الجنائية الكاملة وبين الدلائل، اي ان تحديد الدلائل الكافية لا يتأتى الا باستبعاد ما لا يعد منها، ولذلك استبعد من نطاق الدلائل الكافية الادلة الجنائية الكاملة والتبليغ عن الجرائم والاشتباه.[27]
ويخضع تقدير كفاية الدلائل للمحقق (المدعي العام) تحت رقابة محكمة الموضوع والضابط الذي يحتكم إليه في تقدير مدى كفاية هذه الدلائل هو الخبرة و منطق العقل، فلا يكفي المنطق المجرد لتقدير كفاية هذه الدلائل([28]).
ويثور الجدل هنا حول تحديد المعيار الذي تقاس عليه مدى كفاية الدلائل وهل هو معيار شخصي (أي الخبرة الشخصية للمحقق)، أم أنه معيار موضوعي (أي خبرة ومنطق الرجل المعتاد)؟، ذهب الرأي([29]) إلى اعتناق المعيار الشخصي، بحجة أن لكل حالة ظروفها، فما يعد من الدلائل الكافية في وقت معين قد لا يعتبر كذلك في وقت آخر، كما أن ما يعد من الدلائل الكافية في نظر أحد المحققين قد لا يعد كذلك في نظر محقق آخر، بل إن تقدير المحقق قد يختلف عن تقدير الرجل العادي.
ويرى الباحث أن المعيار الموضوعي هو الأولى بالتأييد والاعتبار، إذ هو منطق رجل القانون العادي، الذي يحل نفسه محل المحقق، ثم يحكم على الدلائل بمقتضى المعلومات المتعلقة بارتكاب الجريمة ونسبتها إلى المتهم، أما المعيار الشخصي فلا نقره لأن فيه إجحافاً بحق المتهم، إذا كان المحقق أدنى مستوى من رجل القانون العادي فضلاً عن أن الأخذ بالمعيار الشخصي من شأنه المغايرة بين أقدار المتهمين، رغم ظروف ارتكاب الجريمة، لا لشيء وإنما لاختلاف شخصية المحقق.
أما دستور جمهورية العراق لعام 2005 فقد خصص مادتين مستقلتين الأولى تتعلق بحق الخصوصية الفردية بشكل عام إذ نص المشرع العراقي في المادة (7/أولاً) من الدستور العراقي على انه: “لكل فرد الحق في الخصوصية الفردية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين والآداب العامة”، والمادة الثانية تضمنت سرية المكالمات بكافة أشكالها بشكل خاص إذ نص المشرع العراقي في المادة (40) من الدستور على أنه: “حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية وغيره مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها أو الكشف عنها إلا لضرورة قانونية وأمنية وبقرار قضائي”.
وبهذا نجد أن المشرع الدستوري العراقي قد كفل صراحةً وبشكل منظم ومفصل الحق في حرية الاتصالات بكافة أشكالها والحفاظ على سريتها وعدم التجاوز عليها أو تقييدها بقيود إلا للضرورة وبموجب صدور قرار قضائي كأن تكون هناك مصلحة من مراقبة الاتصالات الهاتفية والإلكترونية في التحقيق.
بينما نجد أن المشرع العراقي لم يورد أي نص في قانون العقوبات أو قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 يتناول مشروعية مراقبة المحادثات الهاتفية وتسجيلها وفي حال أمتنع صاحبها تقديمها بحجة حقه في الاحتفاظ بأسراره الخاصة فإن بإمكان القاضي أن يأمر بإجراء التفتيش دون رضاه. هذا ويعني أنه من باب أولى إمكانية إطلاع قاضي التحقيق على المراسلات وضبطها ومراقبة المكالمات الهاتفية وتسجيلها إذا اقتضى الأمر ذلك بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى انتهاك خصوصية الفرد.
أما في التشريعات المقارنة فنجد أن بعضها نص صراحة على أن المراقبة لا تكون إلا إذا كانت ضرورية وفيها فائدة في التحقيق والكشف عن المجرم أو إقامة الدليل عليه، ففي فرنسا يجب عملاً بأحكام القانون الفرنسي رقم (91-646) الصادر في 10 يوليو 1991 أن تكون المراقبة “ضرورية لمصلحة التحقيق” ونصت المادة( المادة 100/1أ ج) من ذات القانون على انه : “…وتتحقق الضرورة حين يكون من الصعب معرفة الجناة وضبط أدلة الجريمة بوسائل التنقيب والتحري العادية وتقدير الضرورة من حيث قيامها من عدمه متروك لقاضي التحقيق وحده”([30]).
أما في القانون المصري فإن الرأي مستقر في الفقه([31]) والقضاء([32]) على أنه يشترط لمشروعية مراقبة الأحاديث الخاصة أن يكون للمراقبة فائدة في ظهور الحقيقة، وقد ردد المشرع هذا الشرط في المادتين (95 و 206) من قانون الإجراءات الجزائية المصري، إذ قرن مباشرة المراقبة بأن يكون لها فائدة في ظهور الحقيقة، وهذا يقتضي بطبيعة الحال توافر دلائل كافية على أن من شأن المراقبة كشف الحقيقة، وهو ما أدركته محكمة النقض المصرية حينما قضت بأنه: “يلزم لصحة تسجيل المحادثات أن تتوافر من الدلائل الكافية والشبهات المقبولة ما يبرر أتخاد هذا الإجراء، في سبيل كشف الحقيقة في شأن الجريمة…..”([33]).
ويجمع الفقه على أن الفصل في تقدير فائدة المراقبة في ظهور الحقيقة متروك لتقدير المحقق، ويخضع هذا التقدير لرقابة محكمة الموضوع، وعليه يتوقف الفصل في صحة إجراء المراقبة أو بطلانه، فإن أقرت محكمه الموضوع تقدير المحقق صحت المراقبة، وإلا بطلت وبطلّ تبعاً لذلك الدليل المستمد منها([34]).
ومن خلال ما سبق نجد أن التشريعات العراقية والمقارنة قد راعت احترام الحقوق الشخصية والحياة الخاصة ولم تجز المراقبة الإلكترونية إلا في حالات الضرورة، وفي حال تحققت الضرورة يكون الدليل المستمد من هذه المراقبة مشروعاً وفي حال لم تستند المراقبة للضرورة ولأحكام القانون بطلت وبطل الدليل المستخرج من المراقبة ولا يكون له قيمة ثبوتية ويمكن الطعن به.
3- الجرائم التي يمكن إجراء مراقبة إلكترونية لاستخلاص دليل الصوت والصورة في الإثبات
يمس إجراء المراقبة حق الإنسان في سرية حديثه، إذ يقتحم هذا الإجراء خلوة الإنسان، ويجرده من كل أسراره وخصوصياته دون أن يشعر هذا الأنسان بما يجري حوله، وبما يقع عليه ويمس أخص خصائصه، لذا فإن المشرع ومن خلال سعيه الدؤوب لإقامة التوازن بين مصلحة المتهم في الاحتفاظ بسرية أحاديثه، وبين مصلحة المجتمع في كشف الجرائم وضبط مرتكبيها، يرجح الأخيرة دون أن يغفل كلياً عن مصلحة المتهم، فأحاطها بضمانات عدة، من بينها أنه لم يجز “المراقبة” إلا إذا كانت الجريمة على قدر من الجسامة تبرر أتخاذ مثل هذا الإجراء([35]).
وتختلف التشريعات المعاصرة في تحديد الجرائم التي تبرر المراقبة تبعاً لفلسفة التشريع من ناحية، والسياسة الجنائية التي تتبناها من ناحية أخرى([36])، غير أن أغلب التشريعات تلتقي في إجازة “المراقبة” متى كانت الجريمة على قدر كبير من الخطورة كالجنايات بينما تحظر أتخاذ المراقبة إذا كانت الجريمة المرتكبة بسيطة كالمخالفات، وهو الأمر الذي يستوجب بيان المعيار الذي تعتمده التشريعات في هذا المجال، لذلك تلجأ التشريعات المعاصرة في سبيل تحديد الجريمة التي تجيز المراقبة إلى اعتماد أحد المعيارين، أما معيار جسامة العقوبة المقررة للجريمة، أو معيار طبيعة الجريمة ذاتها، أو تجمع بين المعيارين معاً، مع ملاحظة أن تطبيق هذا المعيار أو ذاك قد يترتب عليه بعض المشكلات العملية في تحليل الجريمة التي تجيز المراقبة([37]).
فمعيار جسامة العقوبة يعني هذا المعيار أن المراقبة لا تجوز إلا إذا كانت الجريمة المراد المراقبة من أجلها معاقب عليها بعقوبة على قدر معين من الجسامة، كالجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر بحيث إذا زادت عقوبة الحبس عن هذا القدر أو كانت مساوية له كانت المراقبة جائزة، أما إذا انخفضت العقوبة عن هذا القدر كانت المراقبة ممتنعة.
وتأخذ بهذا المعيار التشريعات التي تعتمد على جسامة العقوبة كمعيار تحديد نوع الجريمة، في إطار التقسيم الثلاثي للجرائم ( جنايات – جنح – مخالفات) وهي تشكل الغالبية العظمى من التشريعات، ومثالها القانون المصري([38]) والفرنسي([39]) وأغلب التشريعات، ويعلل هذا المعيار بأن المشرع يستشف خطورة الجريمة من جسامة العقوبة المقررة لها، فتكون العقوبة بمثابة الإرادة المعبرة عن التجريم([40]).
فالمشرع المصري حدد في المادتان (95 و 206) من قانون الإجراءات الجنائية الجرائم الجائز فيها “المراقبة”، وهي الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وقد بينت المواد ذات الأرقام (10 لغاية 12) من قانون العقوبات المصري الضابط في تقسيم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات، ويبدو هذا الضابط في نوع ومقدار العقوبة المقررة للواقعة الإجرامية([41])، فالجنايات المعاقب عليها بالإعدام والسجن المؤبد أو المؤقت، وتعد الجنايات أخطر أنواع الجرائم، وتفصح عن خطورة إجرامية كبيرة لدى مرتكبيها، وعادةً لا يسبغ المشرع هذا الوصف إلا على أفعال تعبر عن هذه الخطورة، كالقتل العمد والتجسس، ومحاولة قلب نظام الحكم، وما إلى ذلك من الأفعال والجرائم التي تنطوي على إخلال بأمن الدولة، وترويع للنفوس مما يبرر – من وجهة نظر المشرع – تخويل سلطات التحقيق الحق في مراقبة الأحاديث الخاصة عند تحقيقها. ويكفي لتخويل سلطة التحقيق الحق في “المراقبة” أن تكون الجريمة جناية بغض النظر عن نوع العقوبة المقررة لها قانوناً، فيستوي أن تكون هذه العقوبة هي الإعدام أو السجن. أما الجنح فهي الجرائم المعاقب عليها بالحبس أو بالغرامة التي يزيد حدها الأقصى على مائة جنيه، وقد أشترط المشرع لجواز المراقبة في الجنح أن تكون الجنحة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر، لذا تمتنع “المراقبة ” إذا كانت الجنحة معاقب عليها بالغرامة فقط، أو بالحبس لمدة أقل من ثلاثة أشهر([42])، ويستوي أن تكون عقوبة الحبس لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر وجوبية أو تخيريه مع الغرامة، حتى ولو حكم على المتهم بعد الغرامة، فكل ما يتطلبه القانون هو أن تكون العقوبة أكثر من ثلاثة أشهر.
أما معيار طبيعة الجريمة فيعني هذا المعيار أنه يكفي لإجازة المراقبة أن تكون الجريمة ذات طبيعة معينة يحددها المشرع بصرف النظر عن مقدار العقوبة المقررة لها، ووفقاً لهذا المعيار يقسم المشرع الجرائم إلى عدة طوائف استناداً الى نوع المصلحة المحمية التي تقع الجريمة اعتداء عليها([43]) أو استنادا إلى طبيعتها من حيث الركن المعنوي الذي تتطلبه الجريمة، أو بالنظر الى ما ينطوي عليه الفعل المكون لها من أذى اجتماعي، أي الضرر أو الخطر الذي يترتب على الجريمة، كالتمييز بين الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، والجرائم المضرة بمصالح الأفراد الخاصة، أو التمييز بين الجرائم العمدية وغير العمدية([44]).
ثم يقدر المشرع أن هناك من الجرائم ما تنطوي – بحسب طبيعتها – على خطورة خاصة، تستوجب أتخاذ إجراء المراقبة بصددها دون النظر إلى مقدار العقاب المقرر لها، مثال ذلك الجرائم المضرة بأمن الدولة، والجرائم المتعلقة بالمواد المخدرة، وجرائم السلاح، والمواد المتفجرة، وجرائم التهريب.
والمشرع العراقي لم يحدد أي معيار لإجازة المراقبة لا معيار جسامة العقوبة ولا جسامة الجريمة، بينما نص على إجازة المراقبة في حال كان هناك ضرورة أمنية وقانونية وذلك وفق ما نصت عليه المادة (40) من الدستور العراقي بأنه: “حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية وغيره مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها أو الكشف عنها إلا لضرورة قانونية وأمنية وبقرار قضائي”. كما أجازت المادة (79) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي للمحقق وعضو الضبط القضائي ضبط الأوراق أو الأشياء التي تفيد في كشف الحقيقة في الجرائم الخطيرة، ومن هذه الأوراق والأشياء من الممكن اللجوء إلى سجلات المراقبة الهاتفية.
ومن خلال ما سبق نجد أن المشرع العراقي قد كفل صراحة وبشكل منظم ومفصل الحق في حرية الاتصالات بكافة أشكالها والحفاظ على سريتها وعدم التجاوز عليها أو تقييدها بقيود إلا للضرورة وبموجب قرار قضائي، حيث منع مراقبة المراسلات البريدية والهاتفية والإلكترونية إلا للضرورة الأمنية والقانونية، وفي حال توافرت هذه الضرورة جازت المراقبة و الاستناد إلى الدليل الذي يستخرج منها في الإثبات الجنائي لأنه يكون قد راعى الضوابط القانونية.
وتأسيساً على ما سبق فإننا نؤكد على أن إجراء المراقبة من أخطر إجراءات التحقيق على الأطلاق، إذ ينطوي على انتهاك لحق الإنسان في سرية حديثه، ذلك، الحق الذي يعتبر جزءاً من الحياة الخاصة للإنسان، ومن ثم يجب أن تتميز الجريمة التي تبيح اللجوء إليه بخطورة خاصة تبرر الاستعانة بهذا الإجراء، ولقد أتضح لنا مما سبق أن التشريعات المقارنة تذهب في تحديد الجريمة التي تجيز المراقبة إلى اعتماد أحد المعيارين، إما معيار جسامة العقوبة المقررة للجريمة أو معيار طبيعة الجريمة ذاتها أو تجمع بين المعيارين معاً، و باعتقادنا أن الجمع بين معياري جسامة العقوبة وطبيعة الجريمة أولى بالتأييد والاعتبار، ونقترح في هذا على المشرعين اللبناني والعراقي قصر المراقبة على الجنايات وفق معيار جسامة العقوبة، إذ تعد الجنايات من أخطر أنواع الجرائم، كجرائم القتل والارهاب كونها من الجرائم الماسة بأمن المجتمع وتفصح عن خطورة إجرامية كبيرة لدى مرتكبها، وأما بالنسبة للجنح فيمكن الجمع بين معياري جسامة العقوبة وطبيعة الجريمة كونها لا تنطوي على خطورة إجرامية كجرائم الجنايات.
ثانياً: صفة الشخص المُراقب
مما لا ريب فيه أن أتهام الشخص بارتكاب جريمة جسيمة قد يكون مبرراً للتسلل إلى حياته الخاصة لكشف مدى اتصاله بالجريمة وجمع الأدلة ضده. أما غير المتهم فلا يوجد ما يبرر إخضاع أحاديثه للتنصت مهما كان بينه وبين المتهم من قرابة أو ودْ وكذلك الشأن بالنسبة للشاهد الذي لم يشأ أن يدلي بالحقيقة عند سؤاله في التحقيق([45]) إذ لا يجوز إخضاع محادثاته للتنصت بغية انتزاع شهادة منه بحقيقة ما يعرف.
وهناك اختلاف فقهي حول شرط صفة المتهم في جواز المراقبة، فمن الفقهاء من ينكر هذه الصفة، و منهم من يؤيدها، فالاتجاه المنكر لصفة المتهم يرى هذا الاتجاه([46]) أنه لا يلزم توافر صفة المتهم فيمن يخضع للتنصت والتسجيل، إذ يمكن لسلطة التحقيق أن تمد هذا الإجراء إلى غير المتهم، متى كان للتنصت فائدة في إظهار الحقيقة، ويجوز إذن لسلطة التحقيق – وفقاً لهذا الاتجاه – التنصت على الأحاديث الخاصة، سواء تعلقت بالمتهم أو بغير المتهم، متى كان التنصت مفيداً في كشف الحقيقة، غير أن جانب من أنصار هذا الاتجاه ذهب إلى التفرقة بين سلطة قاضي التحقيق والنيابة العامة، إذ يرى أن سلطة قاضي التحقيق تقتصر على الإذن بالتنصت على محادثات المتهم، أما النيابة العامة فتمتلك التنصت على محادثات غير المتهم بعد حصولها على إذن القاضي الجزائي، وبعبارة أخرى يصدر الإذن بالتنصت من قاضي التحقيق إذا ما تعلق الأمر بمحادثات المتهم، كما يصدر من القاضي الجزائي اذا ما تعلق بغير المتهم([47]).
أما الاتجاه المؤيد لصفة المتهم فإنه يستلزم هذا الاتجاه([48]) أن يكون المتهم طرفاً في الحديث الذي تجرى مراقبته، لأن القول بغير ذلك يعني إهدار حرمة الحياة الخاصة لشخص لم يتهم بجريمة، و هو ما يناقض الحماية التي كفلها الدستور والقانون لحرمة الحياة الخاصة وسرية الأحاديث.
ويحاول هذا الاتجاه تلافي ما يمكن أن يوجه إليه من نقد لعموم النص لا يصلح حجة للرأي المخالف، لأن المشرع حين نص على إجازة مراقبة الأحاديث وتسجيلها فإنما كان يعني أساساً تلك التي يكون المتهم طرفاً فيها، لأن اتهامه بالجريمة بناءً على دلائل جدية، يبرر التسلل إلى حياته الخاصة للكشف عن حقيقة ما أتهم به، أما غيره ممن لا شأن لهم بالجريمة فالأولى عدم انصراف الحكم إليهم، و الاستثناء جواز انصرافه، وامتداد الحكم إليهم لا يفهم من عموم اللفظ – فالأصل يقيده – بل يقتضي الامتداد أن يصرح به النص، وهو ما لم يحدث، ودليل ذلك أن المشرع حين يريد تعديه بعض إجراءات التحقيق التي تنطوي على مساس بالحرية الشخصية إلى غير المتهم، فإنه يعني بالنص على ذلك صراحةً، وفي أغلب الأحيان يكفل غير المتهم بضمانات خاصة، تفوق الضمانات المقررة للمتهم، والمثال واضح في تفتيش غير المتهمين سواء كان التفتيش منصباً على أشخاصهم أو على منازلهم([49]).
ويختلف موقف التشريعات المقارنة حول مدى لزوم توافر صفة المتهم في الشخص الخاضع للمراقبة فمن التشريعات ما ينص على هذا الشرط صراحةً ومنها من يلتزم الصمت نحوه مما يثير الخلاف بشأنه، فشرط صفة المتهم من الشروط المسلم بها في الغالبية العظمى من التشريعات المقارنة، وهو ما أخذ به القانون الفيدرالي الأمريكي لسنة 1968 وقانون مراقبة الاتصالات في المملكة المتحدة لسنة 1985، وفي فرنسا بموجب المادة 149(أ) من قانون الإجراءات الجنائية.
وفي فرنسا لم يحدد القانون رقم (91- 646) الصادر في 10يوليو 1991 الأشخاص الممكن إخضاع محادثاتهم للمراقبة، فذهب الفقه إلى ضرورة توافر دلائل كافية على قيام الشخص المراد إخضاع محادثة للمراقبة بارتكاب الجريمة، إلا أنه يلاحظ أن محكمة النقض الفرنسية قبل صدور هذا القانون ذهبت إلى أن المراقبة لا يخضع لها المتهم فحسب، بل يجوز إخضاع غيره لها([50]). أما القانون المصري فقد أشارت المادة (206) من قانون الإجراءات الجنائية خولت للنيابة العامة سلطة المراقبة على المحادثات وتسجيلها، كما بينت في فقرتها الخامسة أن الاطلاع على الحديث المسجل يجب أن يتم في حضور المتهم كلما أمكن ذلك، وهذا يعني أنه يجب أن يكون المتهم طرفا في الحديث المسجل، حتى يتسنى له الاطلاع عليه وإبداء ما يعن له بشأنه.
وباعتقادنا أن الاتجاه الثاني والذي يشترط ضرورة توافر صفة المتهم فيمن يخضع للمراقبة والتسجيل، هو الأجدر بالتأييد والأولى بالترجيح وذلك لأن هذا الشرط يمليه الحرص على حرمة الحياة الخاصة، ذلك أن التنصت على المحادثات وتسجيلها إجراء خطير، يمس حق الإنسان في سرية حديثه، فهو استثناء يرد على الأصل العام المتعلق بحق الإنسان في حرمة حياته الخاصة، و الاستثناء لا يتوسع في تفسيره، ويجب حصره في أضيق نطاق ممكن، مما يستوجب قصر أتخاذ هذا الإجراء على المحادثات التي يكون المتهم طرفاً فيها، كما أن المراقبة على المحادثات وتسجيلها إجراء من إجراءات التحقيق، وتلك الإجراءات يشترط لاتخاذها كقاعدة عامة توجيه الاتهام إلى شخص معين، فلا يجوز للمحقق أن يأمر بتسجيل محادثات أشخاص دون توجيه أتهام لهم بحثاً عن دليل جريمة، إذ يمثل ذلك إجراءً استبدادياً، لم يعد مقبولاً في القانون الحديث ومشكوك في قيمته الثبوتية.
الفرع الثاني: الضوابط الشكلية لمشروعية المراقبة الإلكترونية للصوت والصورة
المراقبة باعتبارها من أشد الإجراءات مساساً بحرمة الحياة الخاصة وسرية الأحاديث يجب أن تباشر وفقاً لأشكال معينه، بحيث إذا ما تركت هذه الشكليات كلها أو بعضها، كان أمر المراقبة باطلاً والدليل المستمد منها عرضة للبطلان ولا يكون له قيمة ثبوتية، والغرض من هذه الشكليات هو ضمان حسن إصدار أوامر المراقبة، فلا تكون مطبوعة بطابع التسرع، بل تكون مبنية على علم وزن الملابسات والظروف وبالتالي إقامة بعض الضمانات للمتهمين، لتكون ثقلاً يوازي إجراءً خطيراً كالمراقبة وبنفس الوقت يستخرج منها دليل كافي ووافي للإثبات الجنائي([51]).
ولكن هذا الاعتبار يجب ألا يضفي على اعتبار آخر، لا يقل عنه أهميته وهو عدم إغراق السلطة الآمرة بالمراقبة بالشكليات، فتعطل أوامر المراقبة عن الصدور، وتفوت الفرصة من التنصت والتسجيل، مما يكون له أثر بالغ السوء على المصلحة العامة، ومن هنا يتعين على المشرع أن يقيم التوازن بين رعاية حرمة الحياة الخاصة وسرية الأحاديث، يتطلب شكليات معينة وبين المصلحة العامة بعدم الإغراق في هذه الشكليات([52]).
والضوابط الشكلية للمراقبة حتى يستخرج منها دليل مشروع وله قيمة ثبوتية يجب أن تقتصر على ثلاث ضوابط أولها أن يكون أمر المراقبة مسبباً، والثاني: أن يقيد الأمر بمدة معينة، وأن يشتمل أمر المراقبة على بيانات معينة، ولذلك سوف نقوم بتقسيم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب نتناول فيها ما يلي:
أولاً: البيانات الواجب توافرها في أمر المراقبة الإلكترونية
تتفاوت البيانات الواجب توافرها في أمر المراقبة في الأهمية، فبعضها وجوبي، وبعضها جوازي، ومن البيانات الواجبة ما نص عليه القانون صراحة، ومنها ما تقتضيه طبيعة الأمر ذاته وإذا أفتقد الأمر أحد البيانات الواجبة كان باطلاً بخلاف البيانات الأخرى فهي لا تنال من صحته، وهذا ما نلمحه في بعض التشريعات المقارنة حيث ينص المشرع على بيانات معينة، يجب تضمينها في أمر المراقبة وإلا كان باطلاً وعلى العكس، من ذلك لم ينص التشريع العراقي ولا التشريع اللبناني أو التشريعات العربية صراحة على تضمين أمر المراقبة ثمة بيانات، وهو بلا شك يعد قصوراً يجب تداركه، بينما في الولايات المتحدة الأمريكية ينص القانون الفيدرالي الأمريكي الصادر سنة 1968 على بيانات معينة، يجب أن يشملها أمر المراقبة ويمكن إيجاز هذه البيانات فيما يلي:
1- أسم الشخص الخاضع للمراقبة
متى كان معروفاً، وقد أستقر عليه القضاء في هذا الصدد على أنه لا يقدح في صحة أمر المراقبة، أن يشتمل على عدةّ أشخاص مُعينين من المشتبه فيهم ممن لم تعرف أسماؤهُم بعد، متى كان من الواضح أن محادثات الأشخاص الذين لم يرد ذكر أسمائهم في الأمر هم المقصودون بالمراقبة ليس هذا فحسب، بل إن القضاء درج على أن التقاط أحاديث لأشخاص لم يرد أسماؤهم في أمر المراقبة لا غبار عليه دستورياً ومسموح به تشريعياً([53]).
2- تحديد الجهاز والمكان اللذين يخضعان للمراقبة([54])
الهدف من ذلك تضييق نطاق المراقبة، غير أن المشرع أدخل تعديلاً بموجب قانون حماية خصوصية الاتصالات الإلكترونية لسنة 1986 أغفل بمقتضاه هذا التحديد، وبالتالي أصبح من الممكن التنصت على محادثات شخص معين ذات علاقة بالجريمة، دون اعتبار للجهاز المستخدم في الاتصال أو المكان الذي يجري فيه الحديث وذلك بشرط توافر أسباب قوية تجعل تحديد جهاز الاتصال ومكان المحادثة أمراً غير عملي.
وقد استهدف المشرع من وراء هذا التعديل مكافحة الجريمة، ذلك أن المجرمين من ذوي الحنكة والعقلية الإجرامية المتمرسة درجوا إلى تغيير التليفونات التي يتصلون من خلالها بصفة مستمرة، وإلى حراسة وتامين اجتماعات الإجرام، بعناية وتغيرها من وقت لآخر لتفادي التنصت على اتصالاتهم، ونعتقد أن هذا التعديل محل نظر؛ لأنه قد يترتب عليه إخضاع أفراد إضافيين للتنصت، وقد لا يكون لهم علاقة بالجريمة وفي كل الأحوال فإن هذا التعديل يهدد بانهيار حماية الحق في حرمة الحياة الخاصة، لذا يجب النظر إليه بدقة وبعناية شديدة([55]).
أما في فرنسا فقد نص القانون الفرنسي رقم (91 – 646 ) في 10 يوليو 1991 يشترط في أمر المراقبة أن يكون مسبباً، وأن يحدد نوع الجريمة التي استدعت المراقبة والمدة اللازمة لهذه المراقبة، فضلاً عن جميع البيانات التي تحدد وسيلة الاتصال الخاضعة للمراقبة([56]) ويجب فضلاً عن ذلك كتابة محضر بما أسفرت عنه المراقبة وهذه ضمانة لحماية حقوق الدفاع واستبعاد المحادثات الغير متعلقة بالجريمة من التحقيقات([57]).
أما المشرع العراقي واللبناني والمصري فلم ينصا على البيانات الواجب توافرها في أمر المراقبة ومن ثم فلا مناص من الرجوع إلى القواعد العامة التي تحكم إجراءات التحقيق، وبما لا يتعارض مع طبيعة وذاتية المراقبة، ويمكن القول بأن أمر المراقبة يجب أن يصاغ في عبارة صريحة، وأن يكون ثابتاً بالكتابة ومؤرخاً وموضحاً والقاعدة أن إجراءات التحقيق يجب إثباتها بالكتابة، لكي تبقى حجة يعامل الموظفون الآمرون منهم و المؤتمرون بمقتضاها، ولتكون أساساً صالحاً لما يبنى عليها من النتائج([58]).
ويرى الفقه أن كتابة الأمر هي الدليل الوحيد على حصوله فلا يصح إثباته بوسيلة أخرى، لأن القاعدة في هذا الشأن هي ما لم يكتب لم يحصل([59])، بل يذهب الفقه إلى أبعد من ذلك، فالكتابة عنده ليس مجرد دليل يشهد على وقوع الإجراء بل هي شرط لوجوده قانوناً([60]).
ولا ينبغي الخلط في هذا الصدد بين عدم كتابة أمر المراقبة أصلاً وبين فقدان الورقة التي كتب فيها ففي الحالة الأولى يمتنع الاعتداد بالمراقبة وما أسفرت عنه ولو تضافرت الأدلة على حصولها، أما في الحالة الثانية فيمكن الاعتداد بها إذا تأكد حصولها وكتابتها وتحدد مضمونها، ولهذا يجري قضاء النقض([61]) مؤيدا من الفقه([62]) على أن عدم وجود أمر التفتيش في ملف الدعوى لا ينفي صدور هذا الأمر كتابة، ما دام أن المحكمة قد تحققت بالفعل من سابق صدور هذا الأمر.
ومتى كان أمر المراقبة مكتوباً فأنه يمكن في حالة الاستعجال إبلاغه بأي وسيلة من وسائل الاتصال([63]) سواء أكانت تقليدية كالتليفون أو التلغراف أو التلكس أو وسيلة حديثة كالفاكس أو البريد الإلكتروني، أما إذا أبلغ مأمور الضبط القضائي بأمر المراقبة ولم يكن الأمر مكتوباً، وقت التبليغ فإن الأمر لا يكون قائماً قانوناً، ولو أثبت التبليغ في دفتر الإشارات التليفونية([64]) وعلة ذلك أن إثبات التبليغ كتابة لا يغني عن كتابة أمر المراقبة، ولا يدل بحكم اللزوم على هذه الكتابة.
كما يجب أن يكون أمر المراقبة مؤرخاً ومحدداً المدة لنفاده وموقعاً عليه من مصدره([65])، وذلك تطبيقاً للقاعدة العامة التي توجب أن تكون الأوراق الرسمية مؤرخه([66])، وتحديد تاريخ أمر المراقبة يفيد في معرفة ما إذا كان مصدر المراقبة مختصاً بالدعوى وقت إصداره أم لا، ويفيد كذلك في حساب المدة التي يجب تنفيذ عملية المراقبة خلالها، ثم أن أمر المراقبة يقطع تقادم الدعوى الجنائية باعتباره إجراء تحقيق، وهذا يقتضي تحديد التاريخ الذي يبدأ منه هذا الأثر الهام. ويعتبر التاريخ من البيانات الجوهرية التي يترتب على إغفالها بطلان الأمر([67]).
كما يجب على مصدر أمر المراقبة أن يوقع عليه، وهذا البيان جوهري، إذ يفيد في التعرف على من أصدر الأمر ويشهد بصحة صدوره منه فضلاً عن أن أمر المراقبة ورقة رسمية، يجب أن يحمل بذاته مقومات وجوده وصحته([68]).
وقد تطلب المشرع الفرنسي من قاضي التحقيق أن يضع ختمه على الأمر بجانب توقيعه([69])، وقد خلا القانون المصري من هذا الشرط، لذا ذهبت محكمة النقض المصرية إلى القول بأنه لا يعيب الأذن خلوه من ختم النيابة التي ينتمي إليها مصدره([70]).
كما يجب أن يعين في أمر المراقبة الشخص المراد مراقبة أحاديثه، بحيث تقتصر المراقبة على أحاديث هذا الشخص، ولا تمتد إلى أحاديث غيره، كما يجب أن ينصب أجراء المراقبة على محل معين هو الأحاديث الخاصة سواء أكانت شخصية، أو تجري بوسائل الاتصال المختلفة، ومن المقرر انه يلزم أن يبين في أمر المراقبة طبيعة الحديث المراد التنصت عليه وتسجيله بشكل واضح ونافْ للجهالة وقت صدور الأمر، أو الصور والفيديو المراد سحبهم، فيجب أن يوضح ما إذا كان الحديث شخصياً، يجري في مكان عام أو خاص أو حديثاً يجري بوسائل الاتصال السلكية واللاسلكية أو عبر الأنترنت، وعلة ذلك أن نطاق الأمر بالمراقبة من حيث تنفيذه يتحدد بمحله، فإذا صدر الإذن بتسجيل الأحاديث الشخصية لمتهم معين لم يجز وضع تليفونه تحت المراقبة، وإذ صدر الإذن بتسجيل المحادثات التي تدور في مكان معين لم يجز تسجيل ما يدور في مكان آخر، ولو كان الحديث بين نفس الأشخاص الذي عينهم الإذن([71]).
ولما كانت المراقبة عملاً من أعمال التحقيق فإنه يجب تحرير محضر بها يثبت فيه ما تم من إجراءات بشأنها، وما أسفرت عنه من أدلة([72])، غير أن القانون لم يشترط شكلاً خاصاً في محضر المراقبة ومن ثم وجب لصحته أن تتوافر فيه الشروط الشكلية العامة في جميع المحاضر، فيجب أن يكون المحضر مكتوباً باللغة الرسمية، وأن يحمل تاريخ تحريره، وأسم وتوقيع محرره كما ينبغي أن يتضمن كافة الإجراءات التي اتخذت بشأن الوقائع التي يثبتها([73]) كأن يذكر القائم بالمراقبة ما قام به من إجراءات وما سمعه من محادثات وما أسفرت عنه المراقبة ….. الخ.
وبما أنه لم يرد نص خاص ينظم عمل المراقبة الإلكترونية في التشريعات العراقية فإنه كما أشرنا نرجع إلى القواعد العامة، وقد نص المشرع العراقي في المادة (40) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على هذه الشروط الشكلية من توقيع وتاريخ وقد جاء في النص ما يلي: ” أعضاء الضبط القضائي مكلفون في جهات اختصاصهم بالتحري عن الجرائم وقبول الاختبارات والشكاوى التي ترد إليهم بشأنها وعليهم تقديم المساعدة لحكام التحقيق والمحققين وضباط الشرطة ومفوضيها وتزويدهم بما يصل اليهم من المعلومات عن الجرائم وضبط مرتكبيها وتسليمهم الى السلطات المختصة، وعليهم أن يثبتوا جميع الإجراءات التي يقومون بها في محاضر موقعه منهم ومن الحاضرين يبين فيها الوقت الذي اتخذت فيه الإجراءات ومكانها ويرسلوا الاختبارات والشكاوى والمحاضر والأوراق الأخرى والمواد المضبوطة الى حاكم التحقيق فوراً.” ويقابلها ما نصه عليه المشرع اللبناني في قانون أصول المحاكمات الجزائية المادة (74) باشتراط التدوين المعلومات المتعلقة بالمتهم ومحل ولادته وإقامته وغيرها وفق ما جاء فيها: “تشمل مذكرة إلقاء القبض على اسم المتهم وشهرته وعمره ومحل ولادته وإقامته ومهنته وتشمل أيضاً تحت طائلة البطلان على بيان موجز للفعل المسند إلى المتهم وعلى وصفه القانوني”، ورغم الصياغة الملتبسة للنص السابق فلا شك أن المشرع اللبناني يقصد في حالة خلو مذكرة إلقاء القبض من وصف شخصية المتهم وصفاً كاملاً.
وتأسيساً على ما سبق يرى الباحث أن السائد في فقه القانون أن تنظيم العمل الإجرائي هو نوع من التنسيق بين مصلحة المجتمع في القصاص من مرتكبي الجرائم، ومصلحة الفرد في صيانة حقوقه الأساسية، لذلك هنالك شروطاً شكلية لازمة لصحة الإجراء لكي ينتج آثاره القانونية، وذلك من أجل ضمان إجراءات المراقبة من الطعن بها، وهذه الشروط الشكلية لا تهدف إلى تحقيق مصلحة العدالة في ضمان صحة الاجراءات التي تتخذ لجمع الأدلة فحسب، بل تقيم فضلاً عن الضمانات أو مفترضات الأجراء سياجاً يحمي الحريات الفردية.
ثانياً: أن يكون أمر المراقبة الإلكترونية مسبباً ومحدد المدة
يعد التسبيب من الضمانات المهمة المقررة في قوانين الإجراءات الجنائية، ويقصد به بيان العناصر التي أستخلص منها المحقق توافر الدلائل الكافية المبررة للتفتيش والتي أصدر أمره بناءً عليها، حتى يتاح لمحكمة الموضوع أن تراقب تقديره لجدية هذه الدلائل وكفايتها([74]).
والتسبيب هو الإفصاح عن السبب. وتسبيب الأمر بالمراقبة هو بيان الأسانيد الواقعية والقانونية التي أدت إلى إصداره([75])، فالتسبيب يتضمن من ناحية بيان الدلائل والقرائن التي قامت ضد المتهم، ومدى كفايتها وبيان الفائدة المتوخاة من المراقبة([76])، ويتضمن من ناحية أخرى بيان نوع الجريمة المسندة إلى المتهم والمدة اللازمة للمراقبة وتحديد الأحاديث محل المراقبة، وما إذا كانت شخصية أو تجري بوسائل الاتصال السلكية واللاسلكية([77]) أو عبر الإنترنت.
ويجب أن تكون أسباب الأمر جدية وكافية لحمله، فإن فقدت أحد الشرطين كان الأمر باطلاً لخلوه من الأسباب أو لقصور أسبابه، غير أنه لا يشترط لصحة التسبيب أن تذكر الأسباب تفصيلاً على نحو ما يتبع في صياغة الأحكام، بل يكفي الإشارة بإيجاز إلى الدلائل والقرائن التي تسوغ إصدار الأمر، كأن يذكر المحقق أن هناك تحريات جدية وكافية تحمل على الاعتقاد بأن محادثات وأحاديث المتهم تمس الجريمة المقترفة، وأنه مما يفيد في كشف الحقيقة مراقبتها وتسجيلها([78]).
ويلزم أن تفصح أسباب الأمر عن اقتناع المحقق شخصياً بالدلائل والقرائن المسوغة للمراقبة وعدم أرتكانه في القول بوجودها إلى تقدير مأمور الضبط وإنما أصدر الأمر بعد تمحيص ما قرره هذا المأمور. أما إذا أظهرت الأسباب أن الكلمة في الأمر بالمراقبة كانت أولاً وآخراً لمأمور الضبط في تقدير وجود الدلائل والأمارات المبررة للمراقبة كان الأمر بالمراقبة باطل.
وتبدو أهمية تسبيب الأمر الصادر بالمراقبة في أنه يعتبر الوسيلة المثلى لتقييد سلطة المحقق، حتى لا يطلق له العنان في إصداره دون رؤية أو دون التثبت من المبررات التي يستند إليها في أتخاذ الإجراء الخطير الذي يمس حريات الأفراد، وينتهك حقهم في السرية، فضلاً عن تمكين محكمة الموضوع من بسط رقابتها على المبررات التي أستند إليها المحقق في إصداره الأمر فتقره على تقديره، وتعتد بما ترتب على الإجراء من آثار أو لا تقره على ذلك فتهدر الإجراء ولا تعول على ما أسفر عنه من أدلة([79]).
وللاعتبارات السابقة أوجبت معظم التشريعات المعاصرة تسبيب الأمر الصادر بمراقبة الأحاديث الخاصة كالصوت والصورة بل إن بعض التشريعات أوردت هذا الضمان الشكلي في صلب الدستور، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يلزم وفقا لأحكام القانون الفيدرالي الأمريكي لسنة 1968 أن يكون أمر المراقبة مسبباً، فيجب على المحكمة المختصة بالإذن بالمراقبة أن تثبت في وقائع الأمر قناعتها بوجود سبب معقول بأن التنصت على اتصالات معينة سيؤدى للحصول على الدليل المطلوب، وإن إجراءات التحريات العادية أما غير مجدية للحصول على الدليل، أو أن هناك خطورة شديدة في الحصول على الدليل بالتحريات العادية([80]).
أما في فرنسا فإنه وفقا لأحكام القانون رقم ( 91 – 646) الصادر في 10 يوليو 1991 يجب أن يكون أمر المراقبة مسبباً، بأن يوضح فيه أن المراقبة استدعتها ضرورة التحقيق، بمعنى أن تحديد الجناة وضبطهم أضحى مستحيلاً، أو على الأقل صعباً بوسائل التنقيب والتحري المعتادة (المادة 100/1 أ. ج) ([81]).
أما المشرع المصري فقد نص في المادة (45) من الدستور على وجوب تسبيب الأوامر الخاصة بمراقبة الأحاديث التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال، وحذا قانون الإجراءات الجنائية حذو الدستور، فأورد الحكم في المادتين (95 و 206) بعد تعديلهما بالقانون رقم 37 لسنة 1972 وتسبيب الأمر لازم في كل الأحوال، وحتى ولو كان المتهم يخضع لقانون خاص يوجب الحصول على إذن جهة معينة قبل أتخاذ إجراءات التحقيق ضده. كما هو الشأن بصدد أعضاء مجلس الشعب والشورى ورجال القضاء، ومع ذلك ذهبت محكمة النقض المصرية في حكم لها إلى انه متى كان المتهم قاضياً فإنه لا يلزم تسبيب الأمر بإجراء التسجيلات الصوتية ذلك.
أن المادة 96/4 من قانون السلطة القضائية المصرية لم تتطلب أن يكون الطلب المقدم من النائب العام لمجلس القضاء الأعلى باتخاذ إجراءات التحقيق ضد القاضي مسبباً، أو أن يكون إذن المجلس مسبباً([82])، وهذا القضاء محل نظر، لان المشرع الدستوري المصري في المادة (45) أوجب تسبيب الأوامر الصادرة بالمراقبة، ومتى أورد الدستور نصاً صالحاً بذاته للإعمال بغير حاجة الى سن تشريع أدنى لزم إعمال هذا النص من يوم العمل به([83])، ولا يصح الاعتراض على ذلك بالاستناد إلى نص المادة (96/4) من قانون السلطة القضائية، وإلا أصبحت هذه المادة مشوبة بعيب علم الدستورية.
أما في التشريعيين العراقي واللبناني فنجد أنه لم ينص على تسبيب قرار المراقبة، بل أوجب أن يكون سبب صدوره مقتضيات قانونية وأمنية وفق ما ورد في الدستورين اللبناني والدستور العراقي وكذلك إذا كانت هناك مصلحة في التحقيق أن يتم وضع السبب والفائدة المرجوة من المراقبة وهذا يعتبر تسبيباً لقرار المراقبة.
كما أنه يجب أن تكون المراقبة الإلكترونية محددة المدة، فالأصل أن للإنسان الحق في سرية حديثه، ذلك الحق الذي ينبثق من الحق في حرمة الحياة الخاصة، ومن مقتضيات هذا الأصل وجوب النظر إلى كل إجراء من شأنه رفع ستار السرية عن الحديث على أنه إجراء استثنائي ومؤقت، ينقضي بزوال الضرورة التي دعت إليه.
وإذا كانت ضرورة التحقيق قد تقتضي أحياناً رفع ستار السرية عن الأحاديث بمراقبتها، فإن ذلك يعتبر اعتداء على حق الإنسان في ألا تنتهك أحاديثه، والمشرع الإجرائي في سبيل التوفيق بين مقتضيات فعالية الإجراءات وبين ضمان سرية الأحاديث وحرمة الحياة الخاصة يغلب المصلحة الأولى دون أن يغفل كلياً عن مصلحة المتهم، ومن ثم يضع شروطا وضمانات يجب أن تراعي عند مباشرة الإجراء الماس بسرية الأحاديث، وحرمة الحياة الخاصة ومن هذه الضمانات تقييد هذه الإجراءات بمدة محددة، تنتهى متى ما زالت الضرورة التي اقتضتها، فإذا كانت الضرورات التي تبيح المحظورات فأن الضرورة يجب أن تقدر بقدرها.
وقد اختلفت الآراء الفقهية حول ضابط تحديد أمر المراقبة، فمنهم من أكد على أنه يبطل الأمر بالمراقبة إذا صدر دون تحديد مدته، ومع ذلك ذهب رأي إلى أنه إذا خلا الأمر بالمراقبة من بيان المدة فإن ذلك لا يبطله بل يكون الأمر صحيحاً([84])، وهذا الرأي محل نظر لأن شرط المدة من الشروط الشكلية التي يجب أن يتضمنها الأمر بالمراقبة، فهو أحد مقومات الأمر التي لا يوجد بدونها ومن ثم فإن تخلفه يؤدي إلى بطلان الأمر.
كما يرى الفقه أن الغرض من تحديد مدة المراقبة هو منع التعسف وحصر المراقبة في نطاق الضرورة التي اقتضتها، وهي كشف الحقيقة في شأن الجريمة، تلك الضرورة التي تساعد كذلك المحقق في تقدير مدة المراقبة، فترتبط هذه المدة بالضرورة وجوداً وعدماً، فإذا لم تعد هناك ضرورة للاستمرار في المراقبة أمر المحقق بوقفها، حتى ولو لم تكن المدة المحددة لها لم تنته بعده([85]).
لهذا حرصت معظم التشريعات المعاصرة على تحديد مدة معينة للمراقبة منعاً من التعسف وإساءة استعمال السلطة غير أن هذه التشريعات لم تسر على وتيرة واحدة في شأن هذه المدة فمنها من حدد المدة بأمد قصير ومنها من أطال زمن المدة ومنها من لجأ إلى تقرير نظام تجديد مدة المراقبة، وهناك تشريعات أغفلت النص على تحديد مدة المراقبة إذ أجازت لسلطة التحقيق أتخاذ المراقبة دون اشتراط مدة زمنية معينة.
ولا شك صواب وجهة نظر التشريعات التي تحدد مدة المراقبة، لأن ذلك يتفق وطبيعة الأشياء فليس من الطبيعي أن يروع الإنسان بمراقبة أحاديثه وأن يتزعزع أمنه وسكينته، وإنما الطبيعي أن يحيا الإنسان أمناً ويسعى وادعاً فإن أضطرب أمنه وزايلته وداعته فذلك أمر شاذ وظاهرة غير طبيعية، يجب أن تكون لمدة محددة، لذا فأننا ننتقد بشدة مسلك التشريعات التي أغفلت تحديد المدة، لأنها من هذا المنطلق تفسح المجال للتحكم و الإفتات على سرية الأحاديث وحرمة الحياة الخاصة.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية طبقاً للقانون الفيدرالي الأمريكي لسنة 1968 يجب تحديد مدة المراقبة بما لا يجاوز ثلاثون يوما قابلة للتجديد لمدة أخرى، مساوية لها شرط أتباع الإجراءات المعتادة للحصول على الأمر لأول مرة، وفي حالة التجديد يجب عمل إقرار بنتائج المراقبة الجارية، مع توضيح معقول لأسباب الفشل في الحصول على نتائج إيجابية([86]). ووفقاً لتعديل القانون الأمريكي لسنة 1986 يبدأ سريان فترة الأمر بالمراقبة من لحظة مباشرة عملية المراقبة فعلاً أو بعد عشرة أيام من تاريخ الأمر بالمراقبة أيهما أسبق.
أما مدة المراقبة في القانون المصري ففي قانون الإجراءات الجنائية حدد هذه المدة بثلاثين يوماً، إلا أنه أجاز تجديدها لمدة أو مدد أخرى مماثلة وفق ما ورد في نص المواد (95 و206) من قانون الإجراءات الجنائية المصري. وتفريعاً على ذلك يقع الأمر بالمراقبة باطلاً إذا حدد المدة بأكثر من ثلاثين يوماً، حتى ولو وقع الضبط قبل نهاية اليوم الثلاثين، لأن البطلان عيب يشوب الإجراء لحظة أتخاذه، ويطلق على العمل القانوني وقت صدوره وعند صدور الأمر بالمراقبة كان باطلاً لتحديد مدته بما يجاوز الحد المقرر قانوناً.
ولا يكفي لتحقيق صحة مراقبة الأحاديث الخاصة أن ينص القانون على أسناد سلطة المراقبة إلى جهة تتمتع بقدر من الضمانات، يتحقق بها حيادها واستقلالها، وأن تتقيد تلك الجهة وهي بصدد مباشرة المراقبة، ببعض الضوابط الموضوعية والشكلية، وإنما يجب أن يحرص القانون – فضلاً عن ذلك – على النص على بعض الضوابط القانونية التي تتعلق بتنفيذ المراقبة، وتكفل حماية حرمة الحياة الخاصة للمتهم خلال تلك المرحلة، وتحترم حقوق الدفاع، وذلك حتى يمكن التعويل على الأدلة المتحصل عليها من المراقبة([87]).
وخلال مرحلة تنفيذ المراقبة يجب أن يعني القانون بقصر المراقبة على الأحاديث المتعلقة بالجريمة، متى كان ذلك ممكناً، وتفادي التنصت وتسجيل المحادثات التي لا تتعلق بالجريمة، واحتراماً لحقوق الدفاع يجب إخطار الشخص بمراقبة أحاديثه بعد انتهاء عملية المراقبة، وتمكينه من الاطلاع عليها كما تقتضى ضرورة سلامة التنفيذ تفريغ وتحريز التسجيلات المتحصل عليها من التنصت، حفاظاً لها من التلف ومنعاً للعبث بمحتوياتها أو تحريفها.
المطلب الثاني
الضوابط التي تحكم اقتناع القاضي الجزائي بمشروعية الدليل الصوتي والمرئي
إن وصول القاضي للحقيقة لابد أن يكون مبنياً على قناعته الشخصية بالأدلة المعروضة، سواء أكان الدليل الصوتي أو المرئي إلكتروني أو تقليدي، إذ لا يمكن أن يصل القاضي الجزائي إلى هذا الاقتناع إلا إذا كان الدليل حاسماً وقاطعاً، واستناداً إلى ذلك يُمكن للقاضي أن يقرر صحة الدليل وقوته ومصداقيته، فيستطيع أن يأخُذ بأقوال الشخص المتهم إذا اطمأن واقتنع بها([88]).
وعليه سوف نقسم هذا المطلب إلى فرعين حيث سنتناول الضوابط التي تحكم اقتناع القاضي الجزائي بالدليل الصوتي والمرئي الإلكتروني ثم سنتحدث عن مدى سلطة القاضي الجزائي بالقبول بالدليل الصوتي والمرئي الإلكتروني:
الفرع الأول
الضوابط التي تحكم اقتناع القاضي الجزائي بالدليل الصوتي والمرئي الإلكتروني
من أهم هذه الضوابط أن يكون الدليل الإلكتروني مقبولاً، فإن حرية القاضي الجزائي في الاقتناع، يجب أن تكون بالاستناد إلى أدلة مقبولة، وهذه المقبولية ذات حد لا يمكن تخطيه، لأن الدعوى الجزائية مبنية على أساس حريات المتهين وليس على إثبات سلطة الدولة في العقاب، وفي هذه الحالة يجب على القاضي أن يُثبت توافر هذه السلطة، من خلال إجراءات مشروعة، تؤمن فيها الضمانات التي وضعها القانون، وتحترم فيها الحريات([89])، ذلك أن القواعد القانونية تفرض على القاضي أن يعتمد في اقتناعه على دليل مقبول، وفي مقابل ذلك يستبعد من المرافعة كل الأدلة غير المقبولة، لأنه لا يمكن أن يعتمد عليها كعنصر من عناصر التقدير، فالمشروعية تعتبر ضماناً للعدالة وللحرية الفردية كذلك، كما إنها تحمل القائمين على جمع الأدلة على القيام بعملهم بنزاهة وذمة، لأن الغاية منها هي الكشف عن الحقيقة، ولا يهدم قرينة البراءة إلا الاقتناع اليقيني ذو الأدلة المقبولة([90]).
ويجب أن يكون الاقتناع قائماً على أدلة وضعية، إذ يطلق على هذه القاعدة مصطلح قاعدة شفهية المرافعات، وهي من قواعد الإجراءات الأساسية المتبعة أمام القضاء، حيث يمنع القاضي الناظر في الدعوى أن يحكم بناءً على دليل غير معروض أمامه في جلسات المحاكمة، سواء أكان دليل إدانة أم براءة، وذلك ليتمكن الخصوم من الاطلاع عليه وإدلاء رأيهم فيه، ويعتبر هذا الضابط مبدأ الإجراءات الجزائية؛ إذ إنه تكريس لمبدأ الشفوية في المحاكمة، والذي تقتضيه أولى بديهيات العدالة([91]).
وقد كرست هذه الضوابط الفقرة الثانية من المادة (179) من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني الجديد رقم 328 لعام 2001 بقولها: ” لا يمكن للقاضي أن يحكم إلا وفق الدليل المقدم إليه، ويُشترط أن تكون وضعت في نطاق المناقشة العلنية في المحاكمة “، كذلك نصت الفقرة الأولى من المادة (212) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لعام 1971 على أنه لا يجوز للمحكمة أن تستند في حكمها إلى دليل لم يطرح للمناقشة أو لم يشر إليه في الجلسة، ولا إلى ورقة قدمها أحد الخصوم من دون أن يتمكن باقي الخصوم من الاطلاع عليها.
كما يجب أن يكون الاقتناع القضائي متوائماً مع مقتضيات العقل والمنطق، إذ يجب أن يبني الاقتناع القضائي على عملية عقلية منطقية، تقوم على الاستنباط والاستقراء ليصل في النهاية إلى نتيجة معينة، كما إن القاضي لا يمكنه التحكم في الاعتقاد بقيمة الأدلة المطروحة أمامه، حتى وإن كان حراً في تكوين عقيدته، لأن المطلوب من القاضي أن يصل إلى اليقين بالاستناد إلى العقل والمنطق وبالتالي، يجب أن تكون الأدلة الإلكترونية التي توصل إليه القاضي واعتمدها في حكمه، متوافقة مع العقل والمنطق([92]).
ومن الضوابط أيضاً، تسبيب قرار الحكم، إذ يجب أن يشتمل الحكم على الأسباب والعلل الموجبة له، حتى يقتنع به القاضي، وفي حال لم يقتنع القاضي بأي دليل من الأدلة المقدمة في المحضر يجب عليه توضيح الأسباب، وخلاف ذلك يكون حكمه قابلاً للنقض، كما يتوجب عليه ذكر الأدلة التي كون منها اقتناعه، فالحكم بالبراءة مثلاً، يجب أن يبني على أسباب تبيح هذه البراءة، ويشترط ذكر الأسباب في الحكم([93]).
الفرع الثاني
مدى سلطة القاضي الجزائي بالقبول بالدليل الصوتي والمرئي المشروع
اتجهت أغلب التشريعات الى قبول استخدام الدليل الإلكتروني للصوت والصورة في الإثبات الجزائي، على أن هذه التشريعات بعضها نص صراحة على قبول استخدام هذا الدليل في الإثبات الجزائي وأما بعضها الآخر فإن قواعدها العامة قد سمحت بذلك لعدم وجود نصوص صريحة حول ذلك.
في العراق، إن قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لعام 1971 لم يتضمن نصاً يبرر أو يمنع قبول هذا النوع من الدليل الإلكتروني كما أنه لا يوجد تشريع خاص بهذا الموضوع([94])، إلا أن ذلك لا يعني عدم مقبولية هذا الدليل استناداً الى القواعد العامة المنصوص عليها في هذا القانون والتي كفلت مبدأ عدم الأدلة الجزائية ومبدأ حرية القاضي في الاقتناع واللذان يفهمان من نص المادة (213) التي جاء نصها على أن تحكم المحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها الأدلة المقدمة في أي دور من أدوار التحقيق أو المحاكمة . .. والمحاضر والكشوف الرسمية الأخرى وتقارير وهي الخبراء حصر من والفنيين والقرائن والأدلة الأخرى المقررة قانوناً.
ومن ثم فإنه طالما لا يوجد ما يمنع من قبول الدليل الإلكتروني وقد وضحنا لما لهذا الدليل من أهمية في كشف الجريمة لذا فإن القاضي الجزائي بما يتمتع به من حرية الاقتناع، أن يقبل الدليل المأخوذ من الإنترنت والهاتف الجوال، وكذلك فإنه ومن خلال نص المادة (74) من قانون أصول المحاكمات الجزائية المذكور آنفاً يُفهم بأن الدليل يوحي موضوع البحث له مقبولية من قبل القضاء الجزائي فإن ظاهر النص جاء مطلقاً، إذ باستيعاب مختلف الأشياء التي تساعد في إظهار الحقيقة إذ نصت على أنه إذا رأى قاضي التحقيق بامتلاك أي شخص لملفات أو أوراق أو أشياء تفيد عملية التحقيق، فيستطيع أن يأمر المالك بإحضارها في وقت معين، وإذا لم يحضر أو خُشي من تهريبها فيستطيع أن يصدر قرار التفتيش”، ومن ثم فإنه إن وجدت معلومات في الإنترنت والهاتف الجوال تفيد التحقيق فللقاضي أن يأمر بجلبها ويعتمدها كدليل في الدعوى([95]).
ومن التطبيقات القضائية العراقية حول القبول بالدليل الإلكتروني تذكر ما قضت به محكمة التمييز الاتحادية بأن المكالمات الصادرة والواردة على هاتف أدلة كافية المجني علية من هاتف الفاعل وأقوال المدعين بالحق الشخصي والشهود هي أدلة كافية ومقنعة على أدائه الفاعل([96])، وفي قرار آخر قضي بان إدانة الفاعل صحيح وموافق للقانون بعد أن اعتمدت الأدلة الكافية التي أظهرتها وقائع الدعوى تحقيقاً ومحاكمة المتمثلة …. ومحضر تفريغ الرسائل هي ومقنعة للتجريم([97]).
وفي قضية أخرى أصدرت محكمة استئناف بابل بصفتها التمييزية بانه “لا يوجد نص عقابي يجرم استعمال الرقم السري للبريد الإلكتروني للغير إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ألا أن ذلك لا ينفي مسؤولية الفاعل المدنية متى تحققت أركانها([98])، وفي قضية أخرى إذ كان على المحكمة مفاتحة شركة أسيا سيل للاتصالات لتزويدها بنصوص الرسائل المرسلة من قبل المدان الى المشتكي إن كان ذلك ممكناً من الناحية الفنية وان تعذر ذلك يصار الى تفريغ محتويات الرسائل في محضر أصولي من قبل قاضي المحكمة وبحضور الطرفين([99])، وفي أقاليم كردستان العراق أصدرت محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية قراراً يقضي بأن الظنين قد هدد المشتكي من خلال جهاز الهاتف فيطبق علية قانون منع إساءة استعمال أجهزة الاتصالات([100]).
من التطبيقات القضائية لمبدأ الاقتناع في الأدلة الصوتية في قضية عرضت على محكمة الجنايات العراقية، تتلخص وقائعها بأن المتهم الذي طلق زوجته كان يأخذ ابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات لمشاهدتها وعند إرجاعها إلى منزلها أخبرت الطفلة والدتها بأن والدها اعتدى عليها جنسياً، فقامت بالإبلاغ عنه، وقد حكمت المحكمة حسب القناعة الوجدانية لها ببراءة المتهم رغم وجود التقرير الطبي، وعندما أخذت المحكمة بأقوال المجني عليها عن طريق جهاز الفيديو المخصص لسماع أقوال الأطفال، وعند سؤالها عن اسمها اكتفت بالصمت وعبثت بالميكروفون وبالطاولة أمامها داخل الغرفة، فتوصلت المحكمة حسب قناعتها الوجدانية إلى أن والدتها كانت تلفنها، أما أقوال الأم فقد اعتبرت كيدية للتنتقم من زوجها الذي طلقها.
أما في لبنان، فإنه قبل صدور قانون المعاملات الإلكترونية رقم 81 لعام 2018 وعلى الرغم من خلو قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد رقم 328 لعام 2001 من نص يبرر أو يمنع قبول الدليل المرئي أو السمعي المستمد من الإنترنت والهاتف الجوال في الإثبات الجزائي، إلا أن ذلك لا يعني عدم مقبولية هذا الدليل استناداً الى المادة (179) التي منحت للقاضي حرية تكون قناعته الشخصية بخصوص فقد جاء نص هذه المادة على أنه يمكن إثبات الجرائم المدعى بها بطرق الإثبات كافة ما لم يرد نص مخالف … ولذا فإنه طالما لا يوجد نص يمنع القاضي الجزائي من قبول الدليل المستمد من الإنترنت والهاتف الجوال لما لهذا الدليل من أهمية في إزالة ستار الغموض وكشف الحقيقة لذا يكون للقاضي الجزائي أن يقبل الدليل المستمد من الإنترنت والهاتف الجوال، لا سيما انه قبل صدور قانون المعاملات الإلكترونية اللبناني قد صدرت بعض القوانين الخاصة التي تضمنت نصوصاً جزائية مرتبطة بالمعلوماتية والإنترنت كقانون حمايه الملكية الأدبية والفنية رقم 75/1999 الذي عدد برامج الحاسب الآلي (الكمبيوتر) مشمول بالحماية بموجب المادة (2) الخاصة بحق المؤلف وجرم الاعتداء عليها([101])، والقانون رقم 140/1999 المتعلق بصون سرية المخابرات([102]) التي تجري بأية وسيلة من وسائل الاتصال، والذي تضمن في المادة الأولى منه على أن البريد الإلكتروني من ضمن المخابرات المصانة سريتها، كذلك القانون رقم 431/2002 المتعلق بتنظيم قطاع خدمات الاتصالات على الأراضي اللبنانية، الذي نظم كيفية منح تراخيص خدمات الإنترنت وقضى بعقوبات على مخالفة أحكامه([103]).
أما بالانتقال إلى مرحلة ما بعد صدور قانون المعاملات الإلكترونية اللبناني رقم 2018/81 فنجد أن هذا القانون قد أخذ بمبدأ حرية اقتناع القاضي الجزائي وفق المادة (122) منه([104]).
ومن التطبيقات القضائية اللبنانية حول القبول بالدليل الصوري والسمعي الالكتروني نذكر ما قضت به محكمة التمييز اللبنانية بأن اعتماد محكمة الجنايات على الرسائل الصوتية والمصورة المرسلة من الظنين بواسطة هاتفه الخليوي (الجوال) كقرائن هو أمر متروك لتقدير محكمة الجنايات المطلق في تقييم الأدلة([105])، وفي هذا القرار تأييد واضح وصريح من قبل محكمة التمييز اللبنانية لمحكمة الجنايات في جواز اعتمادها على الدليل المستمد من الهاتف الجوال.
وفي قرار آخر لقضاء اللبناني جاء فيه: “تبين أن المدعى عليه هو الفاعل بدليل اكتشاف اسمه عبر متابعة (IP) ضمن لائحة الزبائن والذي تم من خلله فتح الحساب، واتشاف ذات الصور الإباحية (الرقمية) المرسلة على جهاز الكمبيوتر الخاص به، واتشاف الرسائل تتعلق بحساب التشهير وبالاستفسار عن رقم هاتف المدعية الموضوع على حساب التشهير، الذي لا يمكن الولوج إليه إلا عبر البريد الإلكتروني وكلمة المرور خاصة المدعى عليه، وفتح حساب التشهير على جهازه يتضمن ذات المعلومات الشخصية المدونة عن المدعية في حساب التشهير”([106]).
إذ استند القرار المذكور بشكل كبير على جهاز الكمبيوتر ومحتوياته من معلومات رقمية وملفات كما وإلى معلومات شبكة الإنترنت الخاصة بالظنين من اجل إثبات الإدانة، فأمام القاضي الجزائي تطبق قاعدة حرية الإثبات يقابلها قناعة القاضي الشخصية، وما ذهب إليه القرار المذكور كان في مكانه الصحيح لجهة استحالة أدائه المدعى عليه إلا باللجوء الى محتويات حاسوبه الشخصي من ملفات ذات صلة كبيرة وكلها تشكل المواد الجرمية الممهدة والمنفذة للجريمة([107])، ومما تقدم يتبين لنا أن القضاء قد اتجه في قراراته الى قبول استخدام الدليل الإلكتروني في الإثبات الجزائي وهما ما يعني مشروعية استخدام هذا الدليل.
الخاتمة
خلصنا في ختام بحثنا الموسوم ( ضوابط مشروعية المراقبة (الصوت و الصورة في الاثبات الجنائي) ) و يعد من المواضيع الحديثة التي أفرزها التقدم العلمي إذ أصبح للصوت والصورة أهمية بالغة في التحقق من شخصية المتهم، من خلال ما يعرف ببصمة الصوت فيمكن تحديد هوية المتحدث من صوته، وحاولنا من خلال البحث أن نسلط الضوء وأن نبرز ما للإثبات بالتقنيات الحديثة ومنها الصوت والصورة من أهمية وخطورة في نفس الوقت إذا ما تجاوز الحدود المرسومة له في القانون وما يترتب عليه من جزاءات تلحق الأدلة سواء كانت إجرائية مثل البطلان، وفي نهاية هذا الموضوع سنعرض ما خلصنا إليه من نتائج على هدى القانون والاجتهاد القضائي والفقهي في العراق ولبنان والأنظمة القانونية المقارنة، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: النتائج
- أن للقاضي الجزائي سلطات واسعة في القانون حيال الأشياء والأشخاص، وألقي على عاتقه جمع أدلة الإثبات وأدلة النفي على السواء في التحقيق فيما للمتهم وما عليه، ويقع عليه واجب تحري الحقيقة بغض النظر عن جمع الأدلة والمعلومات التي سبقته.
- إن تسجيل الأحاديث الشخصية ومراقبة المحادثات الهاتفية كإجراء تحقيقي يهدف إلي البحث عن الحقيقة، لا يجوز اللجوء إليه لغايات معينة وإنما لغايات قمعية. وبناءً عليه، لا يجوز اللجوء إليه لمنع الجرائم وإنما لكشفها وكشف مرتكبيها وكل ما يفيد في كشف الحقيقة فالتسجيل والمراقبة يجب أن يكونا لاحقين للجريمة، وعلى نحو تتوافر فيه أدلة قوية، أو يوجه فيه اتهام لشخص معين، فلا يجوز اللجوء إليهما قبل وقوعها
- إن وسائل المراقبة الإلكترونية على الرغم من أنها تشكل اعتداء على حياة الأنسان، وتمس حريته الشخصية، إلا أن بعض التشريعات أجازتها لبعض الجرائم، وخصوصاً الجرائم المنظمة، وذلك نظراً لتطور العلم والتكنولوجيا، واستغلال ذلك التطور في ارتكاب بعض الجرائم وإخفاء معالمها، وذلك مما استدعى اللجوء إلى وسائل أكثر فعالية لغرض مكافحتها وأن معظم التشريعات لم تتناول تلك الوسيلة بنصوص صريحة ومنها قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني وقانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي.
- أن سلطة القاضي الجنائي في قبول الصوت والصورة في الإثبات مقيدة بثلاث قيود، الأول (مشروعية الدليل) والثاني (أنظمة الإثبات) والثالث (الضوابط التي تحكم الاقتناع القضائي بالدليل الإلكتروني). لذلك للقاضي الجنائي السلطة المطلقة والكاملة في قبول الدليل الإلكتروني او رفضه على حساب أن مبدأ الاقتناع القضائي يهدف إلى الكشف عن الحقيقة، ويحرص في الوقت نفسه على صيانة حقوق الأفراد والمحافظة على حرياتهم، لذلك فإن المستخرجات الإلكترونية يمكن أن تعد أدلة يستند إليها القضائي الجنائي في حكمه.
- رغم أن وسائل المراقبة الالكترونية تشكل اعتداء على الحياة الخاصة للإنسان وتمس حريته الشخصية فقد اجازها بعض التشريعات لبعض الجرائم لاسيما المنظمة منها، نظراً لتطور العلم والتكنولوجيا، مما استدعى اللجوء إلى وسائل أثر فاعلية لمكافحتها، والتي لا يمكن الكشف عن مرتكبيها أو إثباتها بالوسائل الاعتيادية الأخرى، لذلك من الضروري أن تكون الأجهزة والمعدات المستخدمة في المراقبة معلناً عنها وألا تستخدم خلسة وذلك بالتنبيه مسبقاً عن وجودها وبالكيفية المناسبة.
- تجوز المراقبة الإلكترونية على الاتصالات الهاتفية في أمور محددة وهي تنفيذ الأوامر القضائية أو الإدارية أو متصلة بالأمن الوطني كالجرائم الإرهابية والجرائم الإلكترونية وغيرها من الجرائم الجسيمة التي تمس الأمن الوطني سواء في المجال الاقتصادي والسياسي.
- لا يجوز وفقا للرأي الراجح قبول الدليل المستمد من تصوير الشخص خلسة في مكان خاص متى جرى ذلك دون موافقته الصريحة أو الضمنية، أما فيما يخص الدليل المستمد من التصوير الذي يجري في مكان عام فهو مقبول في الإثبات الجنائي شأنه شأن ذلك المتولد عن التنصت على الأحاديث التي تدور في المكان المذكور، ذلك أن مجرد تواجد الشخص في مكان عام بدون تمييز يجعله عرضة لأنظار الكافة، وبالتالي لا يحق له الاعتراض على ما تراه العين المجردة، وبالتالي فالإجراء ليس فيه ما يمس خصوصيات الشخص محل الصورة، شريطة أن يكون المكان ذاته موضوع تلك الصورة الملتقطة، بصرف النظر عمن تواجد فيه، أما إذا كان الشخص هو موضوع الصورة الأساسي فإن التقاط صورته يصبح عندئذٍ غير جائز على الأرجح.
- انتشر في الآونة والأخيرة استخدام جهاز الفيديو في المجال الجنائي، وأصبحت أغلبية الجرائم يتم فيها تسجيل الصوت والصورة، ويترتب على ذلك أن توافر ذات الضمانات القانونية والفنية في تسجيلات الفيديو، والتي أشرنا إليها في التسجيلات الصوتية والهاتفية، يجعل الدليل المستمد منها دليلاً مشروعاً، ولكن يتوقف ذلك على وجود نص صريح يسمح لقاضي التحقيق بالتصوير خفية في مكان خاص ضمن هذه الضوابط والضمانات.
ثانياً: التوصيات
- نقترح على المشرعين العراقي واللبناني إضافة نص إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية يسمح باللجوء إلى كافة الوسائل العملية والفنية والتي يمكن أن تغير في كشف الحقيقة على أن لا يؤدي استعمالها إلى الإخلال بحق المشتبه به في الدفاع عن نفسه وانتهاك خصوصيات الإنسان وإهدار كرامته.
- ضرورة إي اد نصوص قانونية في التشريع العراقي واللبناني تنظم موضوع مراقبة الصوت والصورة وتوضح موقف المشرعين من حجيتها في الإثبات وتنظيم أحكم المراقبة لتحصيل الدليل الصوتي أو الصوري وبالأخص تحديد مدة المراقبة وسببها والآلات المستخدمة في رصد هذه الأدلة وعدم التنصت ومراقبة الأحاديث الشخصية والهاتفية إلا بإذن من الجهة المختصة التي يحددها القانون.
- تكريس دور القضاء بإيجاد الحلول القانونية فيما يتعلق بحجية الصورة والصوت في الإثبات، وكذلك مراجعة النصوص القانونية القديمة وجعلها تتماشى مع التطور الحاصل لأنهم الأقدر على توضيح ذلك من خلال الواقع العملي، وما تعرضوا له من إشكاليات في صحة أو بطلان المستخرجات الإلكترونية.
- من الأفضل أن تُحدد خصوصية الحديث على أساس طبيعة المكان من جهة، وطبيعة الحديث من جهة أخرى، أي وفقاً لمعيار مزدوج، فهو يُعد خاصاً متى دار في مكان خاص بصرف النظر عن موضوعه، كما يُعد كذلك متى تعلق بأمور شخصية للمتحدث أينما جرى ولو في مكان عام. وهذا الضابط المركب من شأنه أن الحديث في ذاته، كما يحمي كذلك المكان الخاص وما يدور فيه من أحاديث ولو كانت بطبيعتها عامة.
- يُعد التأكد من هوية صاحب الصوت المسجل أمرًا ضروريًا في العديد من القضايا الجنائية. ويُمكن تحقيق ذلك من خلال مطابقة الصوت المسجل مع صوت المتهم، وذلك بمساعدة خبير أصوات.
قائمة المصادر والمراجع
أولاً: الكتب
- ابراهيم حامد طنطاوي، التحقيق الجنائي من الناحيتين النظرية والعملية، دار النهضة العربية للنشر والتوزيع، مصر، 1998.
- احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020، ط2.
- رمسيس بهنام، الاجراءات الجنائية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1990.
- رؤوف عبيد، مبادئ قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989.
- سليمان عبيد عبد الله، المختار من قضاء محكمة التمييز الاتحادية، المكتبة القانونية، الجزء الأول، بغداد، 2009.
- عبد الرحيم صدقي، موسوعة صدقي في القانون الجنائي، المجلد الرابع، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998.
- عمار عباس الحسيني، التحقيق الجنائي والوسائل الحديثة في كشف لجريمة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2014.
- عمر السعيد رمضان، مبادئ قانون الإجراءات الجنائية، دار السنهوري، بيروت، 2010.
- عوض محمد عوض، المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2002.
- محمد عودة الجبور، الاختصاص القضائي لمأمور الضبط القضائي، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 1989.
- محمود نجيب حسني، شرح قانون الاجراءات الجنائية وفقا لأحدث التعديلات التشريعية، تنقيح: عبدالستار، فوزية، ج۱، ط4، دار النهضة العربية، القاهرة 2011.
- نبيل عبد المنعم جاد، أسس التحقيق والبحث الجنائي العلمي، مطابع كلية الشرطة، القاهرة، 2005.
- نوار دهام مطر الزبيدي، وعبد الكاظم فارس، أصول التحقيق الإجرامي، مطبعة بغداد، 1993.
- هشام محمد فريد رستم، الجوانب الاجرائية للجرائم المعلوماتية، مكتبة الآلات الحديثة، أسيوط، مصر، 2004،.
- ياسر الأمير فاروق، مراقبة الأحاديث الخاصة في الإجراءات الجنائية، الطبعة الأولى، دار المطبوعات، الجامعية، الإسكندرية، 2009.
- أحمد محمد موافي، المشروعية والضمانات القانونية لمراقبة المحادثات التليفونية، منشاة المعارف، الإسكندرية، 2012.
- لؤي عبد الله نوح، مدى مشروعية المراقبة الإلكترونية في الإثبات الجنائي وحجية مشروعية الدليل الإلكتروني المستمد من التفتيش الجنائي وعوامل حجية الصورة والصوت في الإثبات الجنائي: دراسة مقارنة: مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، الجيزة، مصر، 2018.
- محمد أمين الخرشة، مشروعية الصوت والصورة في الإثبات الجنائي، دار الثقافة للتوزيع والنشر، عمان، 2011.
- محمد زكي أبو عامر، الإثبات في المواد الجنائية: محاولة فقهية و عملية لإرساء نظرية عامة، الدار الفنية للطباعة والنشر، الإسكندرية، 1970.
- محمود عبد الغني جاد، دور الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي (دراسة مقارنة)، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2015.
- مصطفى محمد موسى، المراقبة الإلكترونية عبر شبكة الانترنت: دراسة مقارنة، المجلة الكبرى: دار الكتب القانونية، مصر، 2005.
- كامل شاكر ناصر، أمر الاعتقال وأثره على حقوق الإنسان، أطروحة دكتوراه ، جامعة النهرين، العراق، 2013.
- انظر المادة (2) من قانون حماية الملكية الأدبية والفنية اللبناني رقم 75 لعام 1999: حمي هذا القانون جميع إنتاجات العقل البشري سواء كانت كتابية أو تصويرية أو نحتية أو خطية أو شفهية مهما كانت قيمتها وأهميتها وغايتها ومهما كانت طريقة أو شكل التعبير عنها. وتعتبر الأعمال الآتية المذكورة على سبيل المثال لا الحصر مشمولة بالحماية: 9 رامج الحاسب الآلي مهما كانت لغاتها، بما في ذلك الأعمال التحضيرية.
- ) القانون اللبناني رقم 140 لعام 1999 المتعلق بصون سرية المخابرات متاح على الرابط الآتي:
http://77.42.251.205/LawView.aspx?opt-view&LawID-255880
- ) قانون تنظيم قطاع خدمات الاتصالات على الأراضي اللبنانية رقم 31 لعام 2002 متاح على الرابط الآتي: http://www.tra.gov.lb/Library/Files/Uploaded%20files/
- ) ينظر في تفصيل ذلك نص المادة (122) من قانون المعاملات الإلكترونية اللبناني رقم 81 لعام 2018 يعود للمحكمة تقدير الدليل الرقمي أو المعلوماتي وحجيته في الإثبات، ويشترط أن لا يكون قد تعرض لأي تغيير خلال عملية ضبطه أو حفظه أو تحليله. انظر أيضاً: حسن رحيمي جعفر الفاضلي، المشروعية الجزائية للإثبات بالتقنيات الحديثة، أطروحة دكتوراه، الجامعة الإسلامية في لبنان، بيروت، 2015، ص292.
رابعاً: المجلات والأبحاث المتخصصة
- أمال عبد الرحمن يوسف، الأدلة العلمية الحديثة ودورها في الإثبات الجنائي، مجلة جامعة الشرق الأوسط الأردن، 2012.
- جاسم خريبط خلف، التفتيش في الجرائم المعلوماتية، مجلة الخليج العربي، جامعة البصرة، المجلد (41)، العدد (3- 4)، لسنة 2013.
- لامية مجدوب، الإثبات الجنائي في البيئة الإلكترونية، دراسات، جامعة عمار ثليجي، الأغواط، الجزائر، المجلد2016، لعدد49.
- محمد أبو العلا عقيدة، التحقيق وجمع الأدلة في مجال الجرائم الإلكترونية، من بحوث المؤتمر العلمي الأول حول الجوانب القانونية والأمنية للعمليات الإلكترونية، أكاديمية شرطة دبي، مركز البحوث والدراسات، العدد 1، السنة 2003، دبي، الإمارات العربية المتحدة.
– نضال الشاعر، القوانين والاجتهادات ذات الصلة لمكافحة جرائم المعلوماتية، بحث منشور في المؤتمر الأول الإقليمي لمكافحة جرائم المعلوماتية، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 2015.
الهوامش:
-
) عمار عباس الحسيني، التحقيق الجنائي والوسائل الحديثة في كشف لجريمة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2014، ص183. ↑
-
) أحمد محمد موافي، المشروعية والضمانات القانونية لمراقبة المحادثات التليفونية، منشاة المعارف، الإسكندرية، 2012، ص23. ↑
-
) محمد عوده الجبور، الاختصاص القضائي لمأمور الضبط، ط1، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 1989، ص133. ↑
-
) هشام محمد فريد رستم، الجوانب الاجرائية للجرائم المعلوماتية، مكتبة الآلات الحديثة، أسيوط، مصر، 2004، ص25وما بعدها. ↑
-
) ابراهيم حامد طنطاوي، التحقيق الجنائي من الناحيتين النظرية والعملية، دار النهضة العربية للنشر والتوزيع، مصر، 1998، ص 673- 674. ↑
-
) محمد أبو العلا عقيدة، التحقيق وجمع الأدلة في مجال الجرائم الإلكترونية، من بحوث المؤتمر العلمي الأول حول الجوانب القانونية والأمنية للعمليات الإلكترونية، أكاديمية شرطة دبي، مركز البحوث والدراسات، العدد 1، السنة 2003، دبي، الإمارات العربية المتحدة، ص192. ↑
-
) عبد الحافظ عبد الهادي عابد، الإثبات الجنائي بالقرائن، دار النهضة العربية، 1991، القاهرة، ص638 – 640. ↑
-
) أحمد محمد موافي، مرجع سابق، ص25. ↑
-
عبد الحافظ عبد الهادي عابد، مرجع سابق، ص639 ↑
-
) محمد أبو العلا عقيدة، مرجع سابق، ص 352. ↑
-
) مصطفى محمد موسى، المراقبة الإلكترونية عبر شبكة الانترنت: دراسة مقارنة، المجلة الكبرى: دار الكتب القانونية، مصر، 2005، ص55.. ↑
-
) ياسر الأمير فاروق، مراقبة الأحاديث الخاصة في الإجراءات الجنائية، الطبعة الأولى، دار المطبوعات، الجامعية، الإسكندرية، 2009 ، ص 22 ↑
-
) مشار إليه لدى ابراهيم حامد طنطاوي، مرجع سابق، ص213. ↑
-
) هشام محمد فريد رستم، مرجع سابق، ص43. ↑
-
) محمود نجيب حسني، شرح قانون الاجراءات الجنائية وفقا لأحدث التعديلات التشريعية، تنقيح: عبدالستار، فوزية، ج۱، ط4، دار النهضة العربية، القاهرة 2011، ص 273. ↑
-
هشام محمد فريد رستم، مرجع سابق، ص 27. ↑
-
) ابراهيم حامد طنطاوي، مرجع سابق، ص 608. ↑
-
) المشار اليه لدى احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، دار النهضة العربية، مصر، 1989، ص 584. ↑
-
) قرار محكمة النقض المصرية 14/1/1996، مجموعة أحكام النقض، س 47 رقم 9 ص 72. ↑
-
) مصطفى محمد موسى، مرجع سابق، ص 265. ↑
-
) هشام محمد فريد رستم، مرجع سابق، ص65. ↑
-
) ابراهيم حامد طنطاوي، مرجع سابق، ص 608. ↑
-
) عبد الرحيم صدقي، موسوعة صدقي في القانون الجنائي، المجلد الرابع، دار النهضة العربية، القاهرة، 1998، ص201. ↑
-
) محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص 493. ↑
-
) ابراهيم حامد طنطاوي، مرجع سابق، ص 612. ↑
-
) رؤوف عبيد، مبادئ قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989، ص 338. ↑
-
( كامل شاكر ناصر، أمر الاعتقال وأثره على حقوق الإنسان، رسالة دكتوراه، جامعة النهرين، العراق، 2013، ص74 ↑
-
) هشام محمد فريد رستم، مرجع سابق، ص77. ↑
-
) ابراهيم حامد طنطاوي، مرجع سابق، ص611. ↑
-
) عوض محمد عوض، المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2002، ص 284. ↑
-
) عبد الرحيم صدقي، مرجع سابق، ص200. ↑
-
) محكمة النقض المصرية 14/1/1996، مجموعة أحكام النقض س 47 رقم 9، ص 72. ↑
-
) محكمة النقض المصرية 1/3/2000، الطعن رقم 7520 لسنة 62 ق. ↑
-
) محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص 699. ↑
-
) عبد الرحيم صدقي، الموسوعة، م 4، مرجع سابق، ص 200. ↑
-
) نبيل عبد المنعم جاد، أسس التحقيق والبحث الجنائي العلمي، مطابع كلية الشرطة، القاهرة، 2005، ص112. ↑
-
) وهذا ما أكدته الحلقات الدراسية التي عقدت بشان موضوع المراقبة ” إذ جاء بالحلقة الدراسية المعقودة في نيوزلندا عام 1996 “ان وجود جرائم خطيرة هو مبرر اللجوء الى المراقبة وجاء في الحلقة الدراسية التي عقدت في كامبيرا عام 1963 ان مشروعية المراقبة لا تقتصر فقط على جرائم أمن الدولة وإنما تمتد ايضا الى الجرائم الخطيرة. نقلاً عن: حسن صادق المرصفاوي، المرصفاوي في المحقق الجنائي، التحقيق. المحقق. مشروعية الاجراءات. ضمانات التحقيق. اجراءات التحقيق. شهادة الشهود، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1990، ص88. ↑
-
) انظر نصوص المواد (9، 10، 11، 12) من قانون العقوبات المصري. ↑
-
) انظر نص المادة (111/1) من قانون العقوبات الفرنسي الجديد الصادر سنة ۱۹۹۲ والمعمول به منذ اول مارس 1994. ↑
-
) أحمد فتحي سرور، مرجع سابق، ص169. ↑
-
) محكمة النقض المصرية 10/10/1996، مجموعة احكام النقض، ص 47، رقم 140، ص 987. ↑
-
) نبيل عبد المنعم جاد، مرجع سابق، ص 351- 352. ↑
-
) حسني، محمود نجيب، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، القاهرة، دار النهضة العربية، 1988، ص 5. ↑
-
) سرور، احمد فتحي، مرجع سابق، ص 10- 11. ↑
-
) نبيل عبد المنعم جاد، مرجع سابق، ص 351- 352. ↑
-
) رؤوف عبيد، مرجع سابق، ص 446. ↑
-
) محمد أمين الخرشة، ص132 وما بعدها. ↑
-
) محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص 563. ↑
-
) عوض محمد عوض، مرجع سابق، ص 502. ↑
-
) نبيل عبد المنعم جاد، مرجع سابق، ص213. ↑
-
) نبيل عبد المنعم جاد، مرجع سابق، ص 351- 352. ↑
-
) محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص 563. ↑
-
) عوض محمد عوض، قانون الإجراءات الجنائية، مرجع سابق، ص 511. ↑
-
) انظر للمادة 2518 (4) (ب) من القانون الامريكي الفيدرالي المعدل لسنة 1982. ↑
-
) محمد أمين الخرشة، مرجع سابق، ص43. ↑
-
) لؤي عبد الله نوح، مدى مشروعية المراقبة الإلكترونية في الإثبات الجنائي وحجية مشروعية الدليل الإلكتروني المستمد من التفتيش الجنائي وعوامل حجية الصورة والصوت في الإثبات الجنائي: دراسة مقارنة: مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، الجيزة، مصر، 2018، ص32. ↑
-
) جاسم خريبط خلف، التفتيش في الجرائم المعلوماتية، مجلة الخليج العربي، جامعة البصرة، المجلد (41)، العدد (3- 4)، لسنة 2013، ص 246. ↑
-
) نقض 8/5/1961مجموعة أحكام النقض س12 رقم 101 ص 541، نقض 3/6/1968، س19 رقم 124، ص 622، نقض 12/10/1970، س21 رقم 231، ص932. ↑
-
) أحمد فتحي سرور، مرجع سابق، ص479. ↑
-
) عوض، عوض محمد، مرجع سابق، ص120. ↑
-
) نقض 17/10/1955 مجموعة أحكام النقض س6 رقم 360 ص 1229. ↑
-
) احمد فتحي سرور، مرجع سابق، ص 386. ↑
-
) في نفس المعنى نقض 31/10/1960 مجموعة احكام النقض س 11 رقم 139، ص 73. ↑
-
) نقض 23/12/1940، مجموعة القواعد القانونية، ج5، رقم 173، ص 334. ↑
-
) ويلاحظ أن الخطأ المادي في التاريخ لا يترتب عليه بطلان الإذن ما دامت المحكمة قد أطمأنت إلى أن الاجراء قد تم بعد صدور الإذن وقبل نفاذ أجله. جاسم خريبط خلف، مرجع سابق، ص612. ↑
-
) محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص609. ↑
-
) احمد فتحي سرور، مرجع سابق، ص 398. ↑
-
) محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص 523. ↑
-
) لؤي عبد الله نوح، مرجع سابق، ص45. ↑
-
) محكمة النقض المصرية 29/12/1996، الطعن رقم 13362، لسنة 64 ق. ↑
-
) عوض محمد عوض، مرجع سابق، ص 173. محمد زكي أبو عامر، الإثبات في المواد الجنائية: محاولة فقهية و عملية لإرساء نظرية عامة، الدار الفنية للطباعة والنشر، الإسكندرية، ص647. ↑
-
) محمود مصطفى، الإثبات في المواد الجنائية في القانون المقارن، مرجع سابق، ص 51- 52. ↑
-
) ابراهيم حامد طنطاوي، مرجع سابق، ص480. ↑
-
) عمر السعيد رمضان، مبادئ قانون الإجراءات الجنائية، دار السنهوري، بيروت، 2010، ص380. ↑
-
) رؤوف عبيد، ضوابط تسبب الأحكام الجنائية واوامر التصرف في التحقيق، ط 3، 1986، ص 6 وما بعدها. ↑
-
) محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص 563. ↑
-
) ابراهيم حامد طنطاوي، مرجع سابق، ص 612. ↑
-
) رمسيس بهنام، الاجراءات الجنائية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1990، ص 592. ↑
-
) ابراهيم حامد طنطاوي، مرجع سابق، ص 615. ↑
-
) عمر السعيد رمضان، مرجع سابق، ص4 ↑
-
) لؤي عبد الله نوح، مرجع سابق، ص115. ↑
-
) محكمة النقض المصرية 23/12/1985مجموعة أحكام النقض، من 36 رقم 214 ص 1175 وفي هذه القضية دفع المتهم ببطلان الاذن الصادر من مجلس القضاء الاعلى بإجراءات التسجيلات الصوتية والمرئية لخلوه من الأسباب في حين ان المادة 206 من قانون الاجراءات الجزائية المصري اشترطت ان يصدر اذن القاضي الجزائي بالمراقبة والتسجيل مسببا الا ان محكمة النقض رفضت هذا النفع للأسباب الواردة في المتن. ↑
-
) محكمة النقض المصرية 20/11/1985 مجموعة احكام النقض، س 36، رقم 188، ص 1027. ↑
-
) عوض محمد عوض، مرجع سابق، ص 341. ↑
-
) محمد عقيدة، مرجع سابق، ص 193. ↑
-
) لؤي عبد الله نوح، مرجع سابق، ص112. ↑
-
) عمر السعيد رمضان، مرجع سابق، ص54. ↑
-
) محمود عبد الغني جاد، دور الدليل الإلكتروني في الإثبات الجنائي (دراسة مقارنة)، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2015، ص217. ↑
-
) جميل عبد الباقي الصغير، مرجع سابق، ص 16. ↑
-
) احمد زكي أبو عامر، مرجع سابق، ص 143 ↑
-
) لامية مجدوب، الإثبات الجنائي في البيئة الإلكترونية، دراسات، جامعة عمار ثليجي، الأغواط، الجزائر، المجلد2016، لعدد49، ص307. ↑
-
) أمال عبد الرحمن يوسف، الأدلة العلمية الحديثة ودورها في الإثبات الجنائي، مجلة جامعة الشرق الأوسط الأردن ، 2012، ص33. ↑
-
) سليمان عبيد عبد الله، المختار من قضاء محكمة التمييز الاتحادية، المكتبة القانونية، الجزء الأول، بغداد، 2009، ص132. ↑
-
) هناك بعض النصوص الخاصة التي تناولت المعلوماتية فالمادة (4) من قانون مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان العراق رقم 3 لعام 2006 قد بين أن من أذاع قصداً أخباراً مثيرة للإرهاب واستعمل وسائل الإعلام المرئية أو الإلكترونية أو نشر البيانات على الإنترنت التي تصل إلى حد التشجيع بطرق مباشرة لجرائم إرهابية. وكذلك صدر قانون رقم 6 لسنة 2008 الخاص بمنع إساءة استعمال أجهزة الاتصالات في الإقليم ذاته الذي وضع جزاء على كل من يسئ استعمال المكالمات الهاتفية والاتصالات البريدية والإلكترونية في حين إن المشرع العراقي لم يصادق على مشروع قانون الاتصالات والمعلوماتية الموجود في أروقة مجلس النواب منذ 2009 بسبب التجاذبات السياسية. ↑
-
) نوار الزبيدي وفارس عبد الكاظم، اصول التحقيق الاجرامي، وزارة التعليم العالي، بغداد، 1993 ص 88. ↑
-
)محكمة التمييز الاتحادية رقم 114 في 30/9/2013، نقلاً عن سلمان عبيد عبد الله الزبيدي، المختار من محكمة التمييز الاتحادية، ج8، مكتبة القانون المقارن، بغداد 2015، ص 145-147 ↑
-
) محكمة التمييز الاتحادية رقم 4965 في 14/4/2014 نقلاً عن خالد محمد جلال الأعرجي، المبادئ القانونية لقضاء محمة التمييز الاتحادية ومحاكم الاستئناف بصفتها التميزية مكتبة الصباح، بغداد 2015، ص 30-31 ↑
-
) قرار محكمة استئناف بابل بصفتها التمييزية رقم 120/ج/2011 في 28/4/2011، نقلا عن المرجع نفسه، ص 177 ↑
-
) قرار محكمة استئناف بغداد الكرخ بصفتها التمييزية رقم 4 في 22/1/2013، خالد محمد جلال الأعرجي المبادئ القانونية لقضاء محمة التمييز الإتحادية ومحاكم الاستئناف بصفتها التميزية مرجع سابق، ص 180 ↑
-
) قرار محكمة جنايات دهوك بصفتها التمييزية بالعدد 42 تاريخ 30/1/2011 عدنان زيدان حسون العنبكي قضاء محمة الجنايات (مختارات قانونية وأحكام قضائية)، مكتبة صباح بغداد 2015، ص 24 ↑
-
) انظر المادة (2) من قانون حماية الملكية الأدبية والفنية اللبناني رقم 75 لعام 1999: حمي هذا القانون جميع إنتاجات العقل البشري سواء كانت كتابية أو تصويرية أو نحتية أو خطية أو شفهية مهما كانت قيمتها وأهميتها وغايتها ومهما كانت طريقة أو شكل التعبير عنها. وتعتبر الأعمال الآتية المذكورة على سبيل المثال لا الحصر مشمولة بالحماية: 9 رامج الحاسب الآلي مهما كانت لغاتها، بما في ذلك الأعمال التحضيرية. ↑
-
) القانون اللبناني رقم 140 لعام 1999 المتعلق بصون سرية المخابرات متاح على الرابط الآتي:
-
) قانون تنظيم قطاع خدمات الاتصالات على الأراضي اللبنانية رقم 31 لعام 2002 متاح على الرابط الآتي: http://www.tra.gov.lb/Library/Files/Uploaded%20files/ ↑
-
) ينظر في تفصيل ذلك نص المادة (122) من قانون المعاملات الإلكترونية اللبناني رقم 81 لعام 2018 يعود للمحكمة تقدير الدليل الرقمي أو المعلوماتي وحجيته في الإثبات، ويشترط أن لا يكون قد تعرض لأي تغيير خلال عملية ضبطه أو حفظه أو تحليله. انظر أيضاً: حسن رحيمي جعفر الفاضلي، المشروعية الجزائية للإثبات بالتقنيات الحديثة، أطروحة دكتوراه، الجامعة الإسلامية في لبنان، بيروت، 2015، ص292. ↑
-
) القرار المرقم 83 في 27/2/2002، سمير فرنان بالي الإثبات التقني العلمي اجتهادات قضائية)، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2009، ص 170. ↑
-
) نضال الشاعر، القوانين والاجتهادات ذات الصلة لمكافحة جرائم المعلوماتية، بحث منشور في المؤتمر الأول الإقليمي لمكافحة جرائم المعلوماتية، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 2015، ص92 . ↑
-
) تعليق شريل القارح على قرار القاضي المنفرد الجزائي في كسروان رقم 927 تاريخ 11/5/2011 مجلة العدل ص 473-481 العدد ،1 السنة الثامنة والأربعون، مجلة نقابة المحامين في بيروت، 2014. . ↑