أثر النشوز على نفقة الزوجة والمعالجة التشريعية له

سربست عبد الله رشيد1

1 كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، الجامعة الاسلامية في لبنان.

إشراف الأستاذ الدكتور خليل خير الله

HNSJ, 2024, 5(11); https://doi.org/10.53796/hnsj511/30

تحميل الملف

تاريخ النشر: 01/11/2024م تاريخ القبول: 15/10/2024م

طريقة التوثيق


المستخلص

هدف هذا البحث الى دراسة مدى قدرة القوانين المقارنة في معالجة النشوز وآثاره المتعلقة بالنفقة وذلك من خلال التطرق إلى أثر النشوز على حق النفقة ، وكذا المعالجة التشريعية للنشوز. توصل البحث الى أن بعض قوانين الاحوال الشخصية قد ركزت وبينت فقط نشوز الزوجة وبينت حالات نشوز الزوجة دون أن تعطي تعريف المعنى النشوز، إلا أنه في بعض قوانين الاحوال الشخصية للدول العربية عند عدم وجود نص أو وجود نقص في القانون يكون الرجوع إلى الشريعة فيكون تعريف النشوز بحسب الشريعة التي يستد إليها قانون الاحوال الشخصية.

ويمكن نستخلص تعريف للنشوز من خلال اطلاعنا على آراء الفقهاء في أغلب المذاهب الإسلامية واطلعنا على مسألة النشوز في بعض قوانين الاحوال الشخصية العربية إذ يمكن تعريف النشوز بمعناه العام هو تعالي أحد الزوجين على الآخر بامتناعه القيام بالواجبات المفروضة عليه بمقتضى عقد الزواج.

الكلمات المفتاحية: النشوز، نفقة الزوجة، المعالجة التشريعية.

 

المقدمة

يندر في الواقع أن يعيش الزوجان حياتهما الزوجية دون خلافات، قصر أمدها أو طال، فهذا من طبيعة المعايشة وعوامل الاحتكاك ومقدار الوعي والصبر، لذا على قّيم الأسرة “الزوج” على ما أُوتي من مؤهلات شرعية ونفسية أن يدير الأزمة بحكمة واقتدار لنبذ الخلاف، لأن الخلاف كله شر، يعكر صفو النفوس ويذوي بهجة الحياة الزوجية، فلا يلجأ إلى الطلاق لأسباب يمكن علاجها وتغيير مناطها وحلها .

ولقد وضع الإسلام إجراءات وقائية لصيانة الأسرة من الهدم، حين يلاحظ من الزوجة بوادر الإعراض والنشوز، وجعل تلك الإجراءات بيد الزوج لما بينه وبين الزوجة من التقارب تحقيقاً للستر وسعياً للم الشمل .

ومن هنا فإن الإشكالية التي نطرحها في تناول دراسة هذا الموضوع هي: إلى أي مدى إستطاعت القوانين المقارنة معالجة النشوز وآثاره المتعلقة بالنفقة؟.

وفي هذا السياق سوف يتم التطرق إلى أثر النشوز على حق النفقة (المطلب الأول)، وكذا المعالجة التشريعية للنشوز (المطلب الثاني).

المطلب الأول

أثر النشوز على حق النفقة

تمثل النفقة حق من حقوق الزوجة الأساسية ولقد بينا فيما سبق حق النفقة الخاص بالزوجة وما يهمنا الآن هو الأثر الذي يرتبه النشوز فيما يتعلق بالنفقة؟ وهل تسقط النفقة بمجرد الحكم بنشوز الزوجة للحديث عن ذلك يجب في بادئ الأمر أن نوضح سبب استحقاق الزوجة نفقتها؟

لقد اختلفت وتباينت آراء الفقهاء في أسباب وجوب النفقة وقد تمثلت في ثلاثة اتجاهات مختلفة على النحو الآتي:

الاتجاه الأول: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن سبب وجوب النفقة على أساس التسليم والاستمتاع، والتمكين من الوطء، وهو رأي الحنابلة([1]) والشافعية([2]) والمالكية([3]) والجعفرية إذ تجب النفقة لدى الجعفرية بالتمكين الكامل وليس فقط بعقد الزواج الصحيح.

الاتجاه الثاني: إذ يرى أصحاب هذا الاتجاه أن سبب وجوب النفقة هو استحقاق الحبس الثابت بالنكاح وهذا ما سلكه الحنفية([4]) ومن شروط الاحتباس التسليم وهي التخلية والتي يقصد بها أن تختلي بينها وبين زوجها أو الاستمتاع بها حقيقة.

الاتجاه الثالث: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن سبب استحقاق النفقة هو عقد النكاح نفسه وهذا ما سلكه الظاهرية إذ أن سبب وجوب النفقة لديهم عقد النكاح نفسه سواء تبعه تسليم من الزوجة نفسها أو لا وكذلك هذا ما سلكه الزيدية.

أما ما سلكته بعض قوانين الاحوال الشخصية مثل كل من العراق ولبنان ومصر، فقد أخذ المشرع العراقي بالاتجاه الثاني، وهذا ما يظهر من خلال المادة (25) في فقرتها الأولى من قانون الاحوال الشخصية العراقي التي بينت حالات سقوط النفقة التي تتمثل بحالات النشوز بالإضافة إلى حبس الزوجة، أي أن علة وجوب النفقة مقابل احتباس الزوجة لاستيفاء المعقود عليه عملاً بذلك الأصل الكلي كل من كان محبوساً بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه لأنه احتسبه لينتفع به فيجب عليه كفايته، أما في لبنان فقد سار قانون حقوق العائلة على وفق ما سار به الاتجاه الثاني الذي سلكه الفقه الحنفي وذلك ما يظهر من خلال المادة (101) من قانون حقوق العائلة التي قضت أنه في حال تركت الزوجة بيت زوجها دون سبب مشروع أو كانت في بيتها ومنعت زوجها من الدخول عليها دون أن تطالبه بالنقلة سقطت نفقتها مدة دوام هذا النشوز يظهر من هذا النص أن سبب وجوب النفقة للزوجة على الزوج هو احتباس الزوجة لاستيفاء المعقود عليه أي أن مناط وجوب استحقاق النفقة للزوجة على الزوج هو احتباس الزوج اياها لاستيفاء المعقود عليه ما دامت الزوجة في طاعته ولم يثبت نشوزها، وهذا أيضاً ما سلكه قانون الاحوال الشخصية للطائفة الدرزية في لبنان إذ بينت المادة (22) وكذلك (36) من القانون الحالات التي تسقط فيها النفقة إذ قضت م (22) من القانون أن الزوجة تجبر بعد استيفاء مهرها المعجل وإجراء عقد الزواج الشرعي على الاقامة في بيت زوجها في حال إذا كان البيت مسكناً شرعياً، وكذلك الذهاب معه إذا كان أراد الذهاب إلى بلد أخر ولم يكن هناك مانع جدي، وكذلك نصت المادة (36) من نفس القانون أنه حال تركت الزوجة بيت زوجها دون سبب مشروع أو منعت زوجها من الدخول إليها قبل طلب نقلها إلى بيت أخر تسقط نفقتها مدة دوام هذا النشوز، وبالتالي فأن عدم طاعة الزوجة لزوجها تصبح الزوجة غير مستحقة لحق النفقة لأنها قد فوتت حق الزوج عليها باحتباسها لأسباب غير مشروعة.

نرى أن قوانين الاحوال الشخصية في كل من العراق وقانون حقوق العائلة في لبنان وكذلك أغلب قوانين الاحوال الشخصية التي يكون مصدرها الشريعة الاسلامية قد جعلت سبب استحقاق النفقة للزوجة هو احتباس الزوجة لاستيفاء المعقود عليه أي أنها قد أخذت بالاتجاه الثاني من الاتجاهات الثلاثة آنفة الذكر.

نؤيد الاتجاه القائل بوجوب النفقة بمجرد انعقاد عقد الزواج، وبما أن هذا العقد شروطه وأثاره معروفة لدى طرفي العقد فيصبح نافذ بحق الطرفين وبما يترتب عليه من احتباس الزوجة ودخول الزوجة في طاعة زوجها وكذلك التزام الزواج بحقوق الزوجة ومن هذه الحقوق الإنفاق على الزوجة.

وفيما يتعلق بأثر النشوز على النفقة فلا بد من بيان هذا الأثر اتجه عليه الفقه وبالذات الفقه الاسلامي مع بيان باختصار آراء المذاهب المسيحية واليهودية، لما يمثله حق النفقة بكونه من الآثار المهمة لعقد الزواج وكذلك بالنظر إلى الطابع الانساني الذي يمثله هذا الحق، لذا فأن سقوط نفقة الزوجة ليس بالأمر الهين ويقتضي بنا أن نعرج إلى آراء الفقهاء وكذلك قانون الاحوال الشخصية العراقي والقانون المقارن والاجتهادات القضائية فيما يتعلق بأثار النشوز على نفقة الزوجة كالآتي:

الفرع الأول

موقف الفقه من أثار النشوز على النفقة

الأصل أن الزوجة تستحق النفقة من سكنى وطعام وكساء وغير ذلك من مستلزمات المعيشة الأخرى في حال إذا كانت الزوجية قائمة وكانت الزوجة مطيعة لزوجها وكانت ربة بيت حريصة على شؤونه، إذ لا تغادر البيت إلا بأذن الزوج أو لحالة الضرورة، فأن لم تلتزم بذلك كأن تعصي أو تخالف زوجها أو تنشز سقطت نفقتها. يرى فقهاء الحنفية إلى أن الزوجة الناشز لا تستحق نفقة لها ولا سكنى، لأن النفقة تستحق لها في مقابل تمكينها وبدليل ذلك أنها لا تستحق قبل تسليمها إليه وكذلك إذا لم ينفق عليها يكون لها منعه من التمكين وإذا منعته من التمكين كان له الامتناع عن الإنفاق عليها كما قبل الدخول([5]).

قال فقهاء الحنفية أنه لا نفقة للناشز لفوات التسليم من جهة الزوجة أي بنشوز الزوجة فأنه سبق وأن بينا أن فقهاء الحنفية قد أخذو بالاتجاه الثاني واشترطوا لاستحقاق النفقة للزوجة هو استحقاق الحبس الثابت بالنكاح ومن شروط الاحتباس التسليم وهي التخلية، والنشوز عند الحنفية نوعان نشوز في العدة ونشوز بالنكاح، وتسقط بالنشوز النفقة المفروضة وليست المستدانة أي إذا كانت لها عليه نفقة أشهر مفروضة ثم نشزت سقطت تلك الماضية، بخلاف إذا كان قد أمرها بالاستدانة فاستدانت عليه لا تسقط بنشوزها، هذا ما جاء في الرد المختار إذ بين أن سقوط النفقة المفروضة منصوص عليه في الجامع، أما النفقة المستدانة فذكر أن في الذخيرة أنه يجب أن يكون على الروايتين في سقوطها بالموت والاصح منهما هو عدم السقوط([6]).

وذهب الحنفية إلى أن الزوجة الناشز في حال الحمل لا تستحق النفقة، معللين ذلك إلى أن سبب وجوب النفقة للزوجة سواء كانت حائلاً أو حامل هو الاحتباس لذا فأن زوال سبب استحقاق النفقة يسقط تبعاً له نفقة الزوجة.

كان الاتجاه السائد لدى الحنابلة إلى أن الزوجة الناشز لا تستحق نفقة ولا سكنى، لأن النفقة تستحق في مقابل تمكينها بدليل أنها لا تجب قبل تسليمها إلى الزوج، فإذا منعها من النفقة كان لها منعه من التمكين وإذا منعته من التمكين كان له منعها من النفقة كما قبل الدخول وفي حال كان له ولد منها فيكون عليه نفقة ولده لأنها واجبة عليه بغض النظر عن نشوز زوجته وعلى الزوج أن يعطي ايها إذا كانت هي المرضعة له أو الحاضنة له وكذلك اجر ارضاعها يلزمه تسليمها إليها، وذلك لأنه أجر ملكته عليه بالإرضاع لا في مقابل الاستمتاع ولا يزول بزواله([7]). قال الشافعية أن النفقة تسقط بنشوز الزوجة أي الخروج عن طاعة زوجها وان لم تخرج من بيته أو استطاع تسلمها، لو بمنع نظر أو لمس ونحو ذلك، وتسقط نفقة كل يوم بالنشوز بلا عذر في كله وكذا الأمر في بعضه في الاصح، وفي حال صرف الزوج للزجته المؤن غير عالم بنشوزها ثم علم به فيمكن له استرداد ما صرف ولو تصرفت فيها لا يصح لأنها باقية في ملكه([8]).

اختلف المالكية في سقوط نفقة الزوجة الناشز في رأيين أولهما ذهب أصحاب هذا الرأي وهو المشهور أنه في حال منعت الزوجة زوجها من الوطء أو الاستمتاع بغير عذر سقطت نفقتها في اليوم الذي منعته من ذلك وتسقط نفقة الزوجة في حال خروجها من بيت أو محل طاعة زوجها من غير اذنه([9])، يظهر من القول الأول أن في حال ظهرت امارات النشوز على الزوجة فلا تستحق النفقة، أما الرأي الثاني ذهب أصحاب هذا الرأي أن النفقة لا تسقط بالنشوز بعد التمكين، بدليل أن النشوز لا يسقط مهر الزوجة فكذلك نفقتها([10]).

أما ما سلكه فقهاء الجعفرية فأنه ينص على أن الزوجة لا تستحق النفقة في حال عدم التمكين الكامل على وجه يتحقق فيه نشوز الزوجة، فلو بذلت نفسها في مكان دون أخر أو في زمان دون أخر مما يسوغ فيه الاستمتاع لم يحصل أي التمكين فلا تجب النفقة للزوجة لتحقق نشوزها([11]).

كما بينا فيما سبق أن فقهاء الشيعة قالو أن سبب استحقاق النفقة للزوجة هو التمكين الكامل وليس فقط بعقد الزواج الصحيح، هذا وأن خروج الزوجة دون سبب مشروع أو أنها كانت في بيتها ومنعت زوجها من الدخول عليها قبل أن تطالبه بالانتقال إلى بيت أخر تسقط نفقتها خلال مدة نشوزها لدى الطائفة الدرزية.

يظهر من ذلك أن الفقه الاسلامي قد اعتبر أن الزوجة الناشز لا تستحق النفقة مع أن هناك اختلاف بسيط في الحالات التي لا تستحق فيها الزوجة النفقة، أما فيما يتعلق بوجوب النفقة للزوجة الحامل فقد اختلف الفقهاء في المذاهب الاسلامية فيما يتعلق بوجوب النفقة للزوجة الناشز في حال إذا كانت حاملاً فالفقهاء الذين لا يفرقون بين الحائل والحامل في الاحكام كالحنفية، فانهم لا يوجبون لها النفقة لأن نفقتها تسقط بالنشوز، أما جمهور الفقهاء الذين يفرقون بين الحائل والحامل في الاحكام فأنهم قد اختلفوا في هذه المسألة، تبعاً لاختلافهم في مسألة لمن تستحق النفقة هي للحامل أم لحمل؟ فمن قال: أن النفقة تجب لها لأجل الحمل قال: بعدم استحقاقها للنفقة، ومن قال: أن النفقة تجب للحمل قال: باستحقاقها لنفقة الحمل، وبناء على ذلك يمكن القول أن الفقهاء قد اختلفوا في استحقاق الزوجة الحامل للنفقة في حال النشوز إلى مذهبين:

المذهب الأول: ذهب الحنفية ووافقهم الحنابلة والشافعية إلى أن النفقة للحامل من أجل الحمل إلى أن الزوجة الناشز لا تستحق النفقة في حال إذا كانت حاملاً، وعللوا ذلك أن علة وجوب النفقة للزوجة سواء كانت حامل أو غير حامل هو الاحتباس، فإذا نشزت الزوجة زالت علة وجوب النفقة.

المذهب الثاني: ذهب المالكية وقياس مذهب الشافعية على القول، والحنبلية على المذهب بأن النفقة للحمل وليس للزوجة الناشز وتجب نفقة الولد على ابيه، لذلك تجب نفقة الزوجة الناشز الحامل على الزوج ولا تسقط بنشوز أمه.

أن نفقة الزوجة الناشز تعود لها في حال رجعت عن نشوزها، إذ ذهب الفقهاء القائلين بسقوط النفقة بالنشوز أنه في حال رجعت الزوجة عن نشوزها وعادت إلى زوجها، تعود بذلك نفقتها الزوال السبب المسقط للنفقة.

هذا وتقضي شريعة الاقباط أن حق الزوجة يسقط في النفقة إذا تركت زوجها بدون مسوغ شرعي أو امتنعت من السفر معه إلى الجهة التي نقل إليها محل إقامته دون سبب معقول، وكذلك تقضي شريعة الارمن بأسقاط نفقة الزوجة إذا غادرت منزل الزوجية دون اذن الزوج، ويسقط حق الزوجة في النفقة لدى الطوائف المسيحية في لبنان كجزاء في حال امتناع الزوجة عن تنفيذ حكم المطاوعة([12]).

الخلاصة مما تقدم أن الزوجة الناشز لا تستحق النفقة أي أنه في حال أظهرت الزوجة بعض امارات النشوز فلا تستحق النفقة في مدة نشوزها، وذلك لأن النفقة توجب للزوجة على أساس التمكين والتسليم، وأنه في حال نشوز الزوجة يسقط السبب الأساسي الموجب للنفقة، وبالتالي يسقط حق الزوجة في النفقة.

الفرع الثاني

موقف قوانين الأحوال الشخصية المقارنة

1-موقف قانون الاحوال الشخصية العراقي:

بين قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 في المادة (23) من الفقرة 1 أن النفقة تجب للزوجة بالعقد الصحيح ولو كانت مقيمة في بيت أهلها إلا إذا طالبها زوجها بالنقلة فامتنعت دون حق، يظهر من هذه الفقرة أنها قد جعلت موجب النفقة للزوجة من ساعة العقد عليها، وأن يكون هذا العقد صحيح شرعاً، لأنه إذا كان العقد باطل أو فاسد فلا نفقة للزوجة ولأن الافتراق واجب فلا يرتب العقد الفاسد أو الباطل اثاره من جملتها احتباس الزوجة لمصلحة الزوج، والذي قد بينا فيما سبق أن النفقة تجب للزوجة في قانون الاحوال الشخصية العراقي مقابل الاحتباس.

وقد بين المشرع العراقي الحالات التي لا تستحق بها الزوجة النفقة وهي حالات التي تعبر بها الزوجة ناشز ولا تستحق النفقة، فلقد بينا فيما سبق أن المشرع لم يعط تعريف للنشوز وإنما اقتصر على بيان الحالات التي تعتبر بها الزوجة ناشز وبالتالي تسقط نفقة الزوجة لنشوز في قانون الاحوال الشخصية العراقي وأبرز هذه الحالات هي إذا رفضت الزوجة الانتقال إلى بيت زوجها إذا طالبها زوجها بالانتقال لذلك بعد العقد وكذلك إذا كان الزوج يقيم مع زوجته في بيتها بموافقتها ومنعته من الدخول ولم تطلب منه الانتقال إلى بيت أخر، وهذا ما سلكته محكمة التمييز في إحدى قرارتها الحديثة إذ تبين للمحكمة أن المدعية وهي الزوجة كانت قد طردت زوجها المدعى عليه المقيم معها ومنعته من الدخول لدار الزوجية لذلك فأنها لا تستحق النفقة، لأن العلة بحسب قول المحكمة من فرض النفقة على الزوج هو التزام الزوجة بمتطلبات عقد الزواج والحياة الزوجية وبذلك يكون حكم المميز برد دعوى المدعية للمطالبة بالنفقة صحيحاً وصدر القرار بالاتفاق([13]).

ولأهمية حق النفقة المفروض للزوجة وسقوط هذا الحق في حال اعتبرت الزوجة ناشز فأن المشرع قد أكد في الفقرتين 3 و 4 من المادة (25) في قانون الاحوال الشخصية العراقي على الزام المحكمة أن تتريث في اصدار الحكم بنشوز الزوجة حتى تقف على الأسباب التي منعت الزوجة من مطاوعة زوجها إذ أن المحكمة ملزمة أن تستنفذ جميع مساعيها في إزالة الأسباب التي تمنع الزوجة من المطاوعة وفي حال فشلت كل هذه المساعي يمكن لها أن تحكم بنشوز الزوجة وبالتالي سقوط حقها في النفقة، وقد أحسن فيما يتعلق بحكم هاتين الفقرتين الخطورة نتائج النشوز المترتبة على الزوجة وخاصة فيما يتعلق بنفقة الزوجة.

فيما يتعلق بعودة النفقة للزوجة في حال رجعت الزوجة عن نشوزها فلم يبين قانون الاحوال الشخصية العراقي ذلك، وأن المشرع لم يصرح بأن النفقة تسقط عن الزوجة في حال نشوزها كما ورد في المادة (25) من قانون الاحوال الشخصية العراقي وإنما يمكن للزوج أن يقيم دعوى على زوجته وفي حال اثباتها يمكن للمحكمة أن تصدر قرار بأسقاط النفقة المفروضة للزوجة عن زوجها، وكذلك يلاحظ أن الفقرة الثانية من المادة (25) قد نصت أن هناك حالات يمكن للزوجة من خلالها أن لا تطاوع زوجها ولا تعتبر ناشز ولا تأثر على نفقتها ومن هذه الحالات أن يكون الزوج متعسفاً في طلب المطاوعة قاصداً الاضرار بها أو التضييق عليها([14]).

تجدر الملاحظة أن المشرع قد نص في قانون الاحوال الشخصية أن المطلقة تستحق نفقة العدة وأن كانت ناشز هذا ما جاء في المادة (50) من القانون والتي أكدت أيضاً أنه لا نفقة لعدة الوفاة.

يظهر من خلال ما تقدم أن المشرع العراقي ذهب فيما يتعلق بأثر النشوز على نفقة الزوجة إلى سقوط نفقة الزوجة في حال ثبوت أن الزوجة ناشز.

2- موقف القوانين اللبنانية

إن أثر نشوز الزوجة فيما يتعلق بنفقتها في قوانين الاحوال الشخصية لطوائف الاسلامية في لبنان هو سقوط نفقة الزوجة إذ قضي قانون حقوق العائلة في لبنان في المادة (101) أن الزوجة تسقط في حال نشوزها، وذكرت هذه المادة الحالات التي لا تستحق بها الزوجة النفقة أي أن الزوجة في هذه الحالات تصبح ناشز ولا تستحق النفقة، وهذه الحالات هي خروج الزوجة من بيت زوجها دون سبب مشروع أو كانت في بيتها ومنعت زوجها من الدخول عليها دون أن تطالبه بالانتقال إلى بيت أخر، وأن نفقة الزوجة تسقط مدة دوام هذا النشوز أي نفقة الزوجة تعود لها في حال رجعت عن نشوزها.

حيث أن أحكام الاحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية وما يجري عليه العمل في المحاكم الشرعية الاسلامية اللبنانية تقضي أن كل زوجة خارجة عن طاعة زوجها ناشزة أي عاصية لزوجها فلا تستحق النفقة. وتكون كذلك لو منعت زوجها من الدخول عليها في بيتها المقيم فيه معها دون أن تطالبه بالانتقال إلى بيت أخر أو تركت الزوجة بيت زوجها دون سبب مشروع([15]).

ذهبت المحاكم الشرعية في لبنان عندما يطلب الزوج زوجته لمطاوعة عن طريق المحاكم الشرعية بدعوى تسمى دعوى المطاوعة فيطلب القاضي الشرعي من الزوجة الحضور وفي حال رفضت الزوجة الحضور تعتبر الزوجة ناشز وبالتالي تسقط نفقتها وكذلك في حال حضرت الزوجة ورفضت الرجوع إلى زوجها دون أن تكون هناك أسباب تمنعها من الرجوع إلى زوجها تسقط بذلك نفقتها([16]).

هذا وقد ذهب قانون الاحوال الشخصية لطائفة الدرزية في المادة (36) من القانون إلى أن الزوجة لا تستحق النفقة في حال خروجها من بيت زوجها دون سبب مشروع أو كانت في بيتها وكان زوجها مقيم معها بموافقتها ومنعته من الدخول عليها دون أن تطالبه بالانتقال إلى بيت أخر فتكون بذلك الزوجة ناشزة ولا تستحق النفقة، وفي حال خروج الزوجة من بيت زوجها فعلى الزوج يقع عبء إثبات خروج الزوجة دون مبرر شرعي أو قانوني حتى يمكن الحكم بعدم استحقاق الزوجة النفقة، وكذلك في حال منعت الزوجة زوجها المقيم معها من الدخول إلى البيت كذلك يقع عبء إثبات على الزوج بأن الزوجة تتصرف بشكل غير مبرر([17]).

يمكن إيجاز ذلك أن الزوجة تكون ناشز ولا تستحق النفقة في قوانين الاحوال الشخصية للطوائف الاسلامية في لبنان في الحالات التالية:

1- إذا تركت الزوجة بيت زوجها دون سبب مشروع.

2- إذا منعت الزوجة زوجها المقيم معها في بيتها من الدخول إلى بيتها دون أن تطالبه بالانتقال إلى بيت أخر.

3- إذا رفضت الزوجة الانتقال إلى بيت الزوجية الذي أعده الزوج المستوفي الشروط الشرعية والقانونية دون سبب مشروع. وكذلك لا تستحق الزوجة النفقة في حال رفضت الزوجة السفر مع زوجها دون سبب مشروع ما لم ينص عقد الزواج على غير ذلك، وتقدير الاسباب المشروعة في هذه الحالات متروك للقاضي وفق احكام الشريعة والقانون.

وأثار نشوز الزوجة على النفقة في قوانين الاحوال الشخصية لدى الطوائف المسيحية في لبنان فقد ذهب قانون الاحوال الشخصية لبطريركية وسائر المشرق للروم الارثوذكس لسنة 1951 في المادة (28) من القانون على أن الزوج هو رأس الأسرة وعلى الزوج اعاشة الزوجة على نسبة أمثاله ما لم تعتبر الزوجة ناشزة بحكم روحي، وكذلك قد قضي قانون الاحوال الشخصية لسريان الارثوذكس لسنة 1951 في المادة (34) من القانون أن الزوج يلتزم بالإنفاق على زوجته لغرض الطعام والسكن والكسوة وكذلك عند مرض الزوجة وذلك بحسب الحالة المالية، إلى ذلك فقد ذهب قانون الاحوال الشخصية للطائفة الإنجيلية في المادة (30) من القانون أن نفقة الزوجة ديناً في ذمة الزوج.

يمكن الحكم على الزوجات بالنشوز أمام المحاكم الروحية وسقوط حقوقهن في النفقة الزوجية لخروج الزوجة من بيت الزوجية ورفض السكن مع زوجها دون سبب مشروع، ومن سلطة القاضي التقديرية أن يقيم ماهية السبب المشروع.

وتثار قضية النشوز في النصوص المسيحية في سياق الدعاوى الفسخ أو البطلان أو الهجر أو الطلاق وفى انتظار المحاكمة في دعوى إنهاء الزيجة، يجوز للزوجة رفع دعوى للحصول على نفقة مؤقتة يتبين خلال ذلك أن الزوجة يسقط حقها في النفقة من مسكن وطعام وغيرها من متطلبات المعيشة في المحاكم الروحية في حال رفضت دعواها لإنهاء الزيجة وصدر حكم المساكنة ورفضت الزوجة الامتثال له.

ويتضح من ما سبق أن هناك فوارق بين قوانين الاحوال الشخصية للطوائف الاسلامية والمسيحية في لبنان إذ أن قوانين الاحوال الشخصية للطوائف الاسلامية وما يجري عليه العمل في المحاكم الشرعية تسمح للزوجة بإرغام زوجها على دفع النفقة من خلال دعوى مستقلة وهذا بخلاف ما يجري عليه الأمر في المحاكم الروحية في لبنان إذ أن الزوجة في الزيجات المسيحية لا يمكنها رفع دعوى مستقلة لحصول على النفقة وإنما تكون مرفقة مع دعوى الهجر أو البطلان أو الفسخ أو الطلاق.

المطلب الثاني

المعالجة التشريعية للنشوز

الزواج هو عقد، والعقد شريعة المتعاقدين، وفي حالة أخلال أي من الطرفين، له الحق في إقامة دعوى التفريق كما أن المرأة هي إنسان محكومة بقدراتها العقلية والنفسية وقد تكون معرضة في أحيان كثيرة إلى التقلبات الجسمية والنفسية التي ترافق الحيض عندها، فتغير بعض أخلاقها وتفكيرها لذلك يجب أن يتحملها الزوج وتكون معاملتها مختلفة في تلك الأيام عنها في أيام الطهر، أحياناً نجد بعض القوانين هي صلح للزوجين لكن ما نشاهده في نص المادة 25 من قانون الأحوال الشخصية العراقي لسنة 1959 في الفقرة الخامسة مجحف بحق الزوجة، إذ تنص على اعتبار النشوز سبباً من أسباب التفريق وذلك على النحو التالي:

1- للزوجة طلب التفريق بعد مرور سنتين من تاريخ اكتساب حكم النشوز درجة البتات…

2- للزوج طلب التفريق بعد اكتساب حكم النشوز درجة البتات وعلى المحكمة أن تقضي بالتفريق.

بغض النظر عن الحقوق التي ترجعها الزوجة فأننا نجد أن ترك الزوجة لمدة سنتين هو اجحاف بحقها والأدهى من ذلك لا يحق للناشز طلب التفريق ألا بعد مضي سنتين من تاريخ النشوز، في حين الرجل له حق طلب التفريق مباشرة بعد اكتسابه حكم النشوز، أليس هذا تمييزاً وانتهاكاً لكرامة المرأة؟ وهل تحل المشاكل بمشكلة أكبر منها؟ كيف تحرم الزوجة من النفقة لمدة سنتين؟ وكيف بها إذا لم يكن لها معيل أخر ينفق عليها وليس لها تحصيل علمي يؤهلها للعمل لسد حاجاتها؟ هل تدفع للشارع وللهاوية؟ أم كيف ستعتاش؟ وإذا كان الغرض من تنشيز الزوجة هو العقوبة لعدم طاعتها زوجها، فيفترض أن تكون العقوبة لغرض الإصلاح والتأهيل وليس لغرض الانحراف والانتقام، ولو كانت الزوجة تريد الاستمرار في حياتها الزوجية لما نشرت أصلاً وما كان أصلاً من داعي لإجراءات حكم النشوز كما أن الزواج هو عقد، وبما أنه العقد شريعة المتعاقدين وأن خالف أحد طرفي العقد الالتزامات المترتبة عليه يحق للطرف الآخر حل الرابطة الزوجية، كما أن القوانين الدولية تناهض العنف ضد المرأة كونه أحد الآثار الناجمة عن التمييز بين المرأة والرجل.

ويفترض إلغاء التمييز بين المرأة والرجل ومنح المرأة الحق بالزواج بعد اكتساب قرار حكم النشوز الدرجة القطعية وانتهاء مدة العدة، وعدم تحميل المرأة ما يفوق طاقتها من التحمل بحرمانها من النفقة والزواج لمدة سنتين لتتمكن من أن تعايش زوجاً أخر بدل انتظار هذه المدة شأنها شأن الرجل.

ومن ناحية أخرى نجد أن القانون هو سند للزوجة كما هو في قرارات محكمة التمييز لا تلزم الزوجة بمطاوعة زوجها ولا تعتبر ناشزاً إذا كان الزوج متعسفاً في طلب المطاوعة قاصداً الاضرار بها والتضيق عليها ويعتبر من قبيل التعسف والاضرار ما يلي:

1- عدم تهيئة الزوج لزوجته بيتاً شرعياً يتناسب مع حالة الزوجين الاجتماعية والاقتصادية.

2- إذا كان البيت الشرعي المهياً بعيداً عن محل عمل الزوجة بحيث يتعذر معه التوفيق بين التزاماتها البيتية والوظيفية أي أن يكون البيت قريباً من عمل الزوجة وذلك للتمكن من تأدية واجباتها البيتية والوظيفية، لكن ليس موجباً في بعض الاحيان أن ترفض الزوجة مطاوعة زوجها بحجة أن الدار بعيدة عن محل عملها إلا إذا ثبت القصد الاضرار بها من قبل الزوج.

3- إذا كانت الأثاث المجهزة للبيت الشرعي لا تعود للزوج، لأنه لكي يكون البيت مستوفياً للشروط الشرعية يجب أن تكون محتوياته من أثاث وأدوات ولوازم بيتيه تعود ملكيتها للزوج حيث يقع عليه تأسيس بيت شرعي غير متنازع على ملكيته وإلا تلزم الزوجة بمطاوعة زوجها إذا كانت الأثاث المجهزة للبيت الشرعي متنازع عليها ولا تعود للزوج لأن ذلك يعد أضراراً أو تضييقاً على الزوجة.

4- إذا كانت الزوجة مريضة بمرض يمنعها من مطاوعة زوجها لأن مطالبة الزوج لزوجته وهي في هذه الحالة يعتبر تعسفاً في حقها ولا تلزم الزوجة بمطاوعته وأن ما ذكره المشرع من هذه الحالات والتي تضمنتها المادة (25) في الفقرة (2) لم يرد على سبيل الحصر وإنما على سبيل المثال لأن حالات التعسف والتضييق من قبل الزوج على زوجته لا يمكن أن تحصر حيث لكل واقعة أسبابها والتي تتوضح وتنكشف أمام المحكمة من خلال الوقائع والظروف المعروضة أمامها والتي تكون أعذاراً شرعية للزوجة في عدم مطاوعتها لزوجها وبالتالي استحقاقها للنفقة، كذلك لا طاعة له عليها إذا ما طلب منها أي شيء مخالف لأحكام الشرع أو القانون وللزوجة الحق في هذه الحالة الخروج عن طاعته ولها النفقة وهذا ما نصت علية المادة (33) من القانون بقولها: “لا طاعة للزوج على زوجته في كل أمر مخالف لأحكام الشريعة وللقاضي أن يحكم لها بالنفقة”([18]).

5- عدم دفع الزوج لزوجته معجل مهرها أو إذا لم يتفق عليها وهو ما نصت عليه المادة (23- ثانياً) من قانون الاحوال الشخصية يعتبر امتناعها بحق ما دام الزوج لم يدفع لها معجل مهرها أو لم ينفق عليها([19]).

كما ونصت المادة (24 – أولاً) من قانون الأحوال الشخصية العراقي “تعتبر نفقة الزوجة غير الناشز ديناً في ذمة زوجها من وقت امتناع الزوج عن الإنفاق..” ([20]) وبالمفهوم المخالف لهذه المادة أن نفقة الزوجة الناشز ليست ديناً في ذمة الزوج، لأنه لا نفقة لها أصلاً لكونها ناشز، والمحكمة تحكم بنشوز الزوجة إذا رفضت تنفيذ ما ورد بقرار الحكم في المطاوعة الحائز درجة البتات ويثبت رفضها المطاوعة من خلال الاضبارة التنفيذية، لأن امتناع الزوجة عن تنفيذ قرار المطاوعة الحائز درجة البتات مع امهالها فترة مناسبة لتنفيذه موجب لنشوزها، ولكن اسقاط النفقة لنشوز الزوجة لا يكون إلا بعد صدور حكم باعتبارها ناشزاً فإذا استحصل المدعي على قرار الحكم بنشوز زوجته فأن الحكم بنشوز هذا يؤدي إلى اسقاط نفقة الزوجة عملاً بأحكام المادة (23 – أولاً).

يرى البعض أن اسقاط النفقة من تاريخ تنفيذ حكم المطاوعة قد يكون الرأي الراجح أن قطع النفقة يكون من تاريخ صدور حكم بالمطاوعة([21])، هذا ما قضت به محكمة التمييز العراقية والتي أكدت على أن الزوجة لا تستحق النفقة المستمرة من تاريخ الحكم بالمطاوعة بحق الزوجة([22]). وإذا أقامت الزوجة دعوى نفقة ، وأقام الزوج دعوى مطاوعة ، فيجب توحيد الدعويين ، لأن دعوى المطاوعة تُعتبر دفعاً لدعوى النفقة([23]).

نحبذ الرأي أن تقطع النفقة بعد التنفيذ لأن صدور الحكم لا يعني أن الزوج قد وفر لها ما تريد، قد يتأخر في التنفيذ([24]) مثلاً أو قد يستحصل الحكم بالمطاوعة ومن ثم لا يحتفظ بما فرض عليه الدعوة زوجته لبيت الطاعة، كأن يهياً بيتاً وبعد اكتساب الحكم يبيع البيت، وعند اقامة الدعوى من قبل الزوج للحكم بنشوز الزوجة عليه ملاحظة بعض الأمور منها الاطلاع على الحكم الصادر بالمطاوعة والاطلاع على اضبارة دعوى المطاوعة وربط صورة ضوئية منها في دعوى النشوز والاطلاع على الكشف الذي أجرته المحكمة على الدار المهيأة من قبل المدعي في دعوى المطاوعة، كذلك مفاتحة دائرة التنفيذ لغرض ارسال الاضبارة التنفيذية الخاصة بتنفيذ حكم المطاوعة والاطلاع عليها وربط صورة ضوئية منها في دعوى النشوز، لأن حكم المطاوعة يجب أن يكون قد تم تنفيذه في دائرة التنفيذ أصولياً وذلك بتنبيه الزوجة بمطاوعة زوجها استناداً إلى أحكام المادة (11) من قانون التنفيذ.

على المحكمة إجراء الكشف على البيت المهيأ من قبل الزوج فى دعوى المطاوعة للوقوف عما إذا كان ما زال قائماً وبالوصف الثابت في محضر الكشف من عدمه لأنه لا حاجة لتكليف الزوج بتهيئة دار أخرى غير الدار السابقة، وعلى المحكمة أن تتريث في اصدرا الحكم بالنشوز حتى تقف على أسباب رفض الزوجة مطاوعة زوجها وأن تستنفذ كافة مساعيها لإزالة الأسباب التي تحول دون المطاوعة، لأن الزوجة قد يكون لديها اعذار جديدة لعدم المطاوعة، بل قد يكون لديها سبب مشروع في ذلك، وإذا استكملت المحكمة تحقيقها ووجدت أن الزوجة لا ترغب بمطاوعة زوجها رغم ما بذلته المحكمة من مساع في سبيل ذلك فيجب على المحكمة أن تحكم بنشوز الزوجة المدعى عليها([25]).

استناداً إلى ذلك هنالك مبدأ أصدرته محكمة التمييز الاتحادية في حال نشزت الزوجة وهو توجيه إلى قضاة محاكم الاحوال الشخصية إذ يقضي المبدأ “أن امتناع الزوجة عن مطاوعة زوجها رغم استئناف جميع المساعي في إزالة الأسباب التي تحول دون المطاوعة يجعل من قرار الحكم بنشوزها صحيحاً”([26]).

في بعض الأحيان تقيم الزوجة دعوى للتفريق ويقابلها الزوج بدعوى مطاوعة من أجل استئخار دعوى التفريق إلا أن محكمة التمييز الاتحادية تصدت لمثل تلك الحالات بقرار صدر إلا وهو “أن دعوى النشوز لا تؤثر على نتيجة دعوى التفريق للضرر ويقتضي السير فيها وحسمها حسب الاصول”([27])، وهو بادرة خير لضمان استمرار الزوجة المتضررة من قبل زوجها في دعوى التفريق الذي يلحق بالزوجة.

ومن الآثار التي تترتب على نشوز الزوجة كالتالي:

الفرع الأول

أثر النشوز على حق السكنى

في ما خص أثر حق السكني على النشوز فقد نص قانون المطلقة في السكنى رقم 77 لسنة 1983 والتي جاء فيها تحرم الزوجة من هذا الحق في إحدى الحالات الآتية:

1- إذا كان سبب الطلاق أو التفريق خيانتها الزوجية أو نشوزها.

2- إذا رضيت بالطلاق أو التفريق.

3- إذا حصل التفريق نتيجة المخالعة.

4- إذا كانت تملك على وجه الاستقلال داراً أو شقة سكنية([28]).

من الواضح في الفقرة (1) من المادة أعلاه الأثر الذي يرتبه الحكم بنشوز الزوجة على حقها في السكنى إذ تحرم من حق السكنى الذي هو من حق الزوجة في حالات معينة غير التي أشرنا لها في المادة الثالثة، إذ تصدر المحكمة التي تنظر في دعوى الطلاق الزوجية أو تفريقها قرار بناء على طلبها بإبقائها بعد الطلاق أو التفريق ساكنة من دون زوجها في الدار أو الشقة التي تسكنها معه إذا كانت مملوكه له ويصدر هذا القرار ضمن حكم التفريق أو الطلاق، علما يكون حق السكني لمدة ثلاث سنوات كما جاء في المواد أولاً وثانياً من قانون حق الزوجة المطلقة بالسكن.

الفرع الثاني

أثر النشوز على المهر

من جانب آخر فأن للنشوز أثر على المهر وقد بينا هذا الأثر من قبل إذ يمكن ملاحظته أثر النشوز على المهر عند طلب التفريق من قبل الزوج بعد اكتساب الحكم الصادر بدعوى النشوز درجة البتات أو من قبل الزوجة بعد مرور سنتين من تاريخ اكتساب الحكم الصادر بدعوى النشوز درجة البتات والذي يتمثل بما يلي:

1- قبل الدخول تلزم الزوجة برد ما قبضته من مهرها المعجل ويسقط مهرها المؤجل إذا لم تكن قد قبضته فأن كانت قبضت جميع المهر ألزمت برده كله.

2- بعد الدخول يسقط المهر المؤجل وتلزم الزوجة برد نصف ما قبضته إذا كانت قد قبضت جميع المهر.

وعليه مما تقدم نجمل تفصيلاً ما تم ذكره، هو أن دعوى النشوز تقام بعد إصدار قرار حكم بالمطاوعة والزوجة تمتنع عن تنفيذ قرار الحكم بعد تنبيهها عن طريق كاتب العدل.

علماً أنه لا يوجد تنفيذ جبري على الزوجة بالمطاوعة، إلا أن امتناعها عن المطاوعة تصبح ناشز، بعد استنفاذ جميع المساعي من قبل محكمة الاحوال الشخصية من خلال الكشف والاطلاع على تهيئة الزوج كل ما تحتاجه الزوجة والتي لأجله نفرت منه. بعد نشوز الزوجة يحق للزوج طلب التفريق من الزوجة مباشرة وبهذه الحالة تسقط حقوق الزوجة مثل النفقة وحق السكن وغيرها من الآثار التي تترتب على نشوزها، باستثناء الحضانة التي تبقى للزوجة ويبقى الزوج هو الذي ينفق على الاطفال، أما الزوجة الناشز، فلا يحق لها طلب التفريق إلا بعد مرور سنتين عن نشوزها، علماً أن استحصال الزوج على قرار النشوز ليس بالأمر اليسير بل هو من القرارات الصعبة جداً، حيث يستلزم توافر عدة شروط كالبيت الزوجي الملائم والقريب على عمل الزوجة إذا كانت تعمل مع توفير الأثاث غير المتنازع عليه وغيرها من الشروط المكلفة مادياً، من ثم إذا وفر تلك الشروط عليه الذهاب إلى كاتب العدل لتنبيهها من خلال ورقة رسمية، وإذا رفضت اعتبرت ناشز ومن ثم الذهاب إلى القاضي مع ورقة الامتناع من الزوجة ومن ثم يسال القاضي الزوجة هل تريد العودة، فإذا رفضت يثبت ذلك الكلام في محضر المرافعة ويصدر قرار بنشوز الزوجة.

في حين تركز المحاكم الشرعية في لبنان([29]) جهدها لأنهاء الخلافات الزوجية وذلك عن طريق التحقق فيما إذا كان الزوج متعسفاً في طلب مطاوعة الزوجة وتستنفذ كافة مساعيها لوقوف على الأسباب التي تمنع الزوجة من المطاوعة والعمل على التصالح بين الزوجين.

إن المحاكم الدرزية لا تقبل دعاوى المطاوعة والمساكنة أي أنه حال خرجت الزوجة من بيت زوجها يحق للزوج في هذه الحالة الامتناع عن الإنفاق دون أن يكون له الحق في مطالبة الزوجة بالرجوع إلى بيت الزوجية عن طريق دعوى المطاوعة، إذ أن محاكم المذهب الدرزي ترى أن ضرب الزوجة يعد سبباً للتفريق في حال أصرت الزوجة على ذلك لأن الضرب في الوقت الحاضر ليس وسيلة مثلى لحل الخلافات الزوجية، وأصبح القضاء هو المرجع الصالح لمعالجة الشقاق بين الزوجين بالوفاق أو الطلاق([30]).

الخاتمة

في ختام ماتقدم، تم ايضاح النشوز من خلال آراء الفقهاء وعرضنا كذلك موقف قوانين الاحوال الشخصية لبعض الدول العربية من النشوز بما يتعلق بالتعريف والمقصود بالنشوز نجد أن بعض قوانين الاحوال الشخصية قد ركزت وبينت فقط نشوز الزوجة وبينت حالات نشوز الزوجة دون أن تعطي تعريف المعنى النشوز، إلا أنه في بعض قوانين الاحوال الشخصية للدول العربية عند عدم وجود نص أو وجود نقص في القانون يكون الرجوع إلى الشريعة فيكون تعريف النشوز بحسب الشريعة التي يستد إليها قانون الاحوال الشخصية.

ويمكن نستخلص تعريف للنشوز من خلال اطلاعنا على آراء الفقهاء في أغلب المذاهب الإسلامية واطلعنا على مسألة النشوز في بعض قوانين الاحوال الشخصية العربية إذ يمكن تعريف النشوز بمعناه العام هو تعالي أحد الزوجين على الآخر بامتناعه القيام بالواجبات المفروضة عليه بمقتضى عقد الزواج.

قائمة المصادر والمراجع

أولاً: القرآن الكريم

ثانياً: الكتب

  1. الكتب الشرعية الفقهية

منصور بن يونس بن ادريس البهوتي، كشاف القناع، ج 3، عالم الكتب، الرياض، 2014.

محمد بن إدريس الشافعي، الشافعي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط 2، 1973م، ج 5.

محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996.

ابن الهمام الحنفي، شرح فتح القدير، ج 3، مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده، مصر، 1970.

الموسعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2001م، ط 1، ج 40.

ابن عابدين، شرح رد المحتار على الدر المختار، ج 5، دار البابي الحلبي، مصر، 1966.

جلال الدين عبد الله بن نجم بن شاش، عقد الجواهر الثمينة في عالم المدينة، تح محمد أبو الاجفان، عبد الحفيظ منصور، دار الغرب الإسلامي، 1995م، ط 1، ج 2.

محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تح محمود القوجاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون سنة نشر، ط 7، ج 31.

الكتب القانونية

محمد حسين منصور، قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين في مصر ولبنان، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005.

  1. ربيع محمد الزهاوي، حوار بين قرار القاضي والمبدأ التمييزي والشروحات، دار السنهوري، بيروت، 2017.
  2. حسن خالد، عدنان نجا، أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية ويجري عليه العمل في المحاكم الشرعية الإسلامية اللبنانية، المكتب التجاري لطباعة والتوزيع والنشر، بيروت، 1964م، ط 1.
  3. سلمان أحمد بركات، دعوى النفقة، مكتبة بدران الحقوقية، بيروت، 2017.
  4. كميل ملا، المرشد في الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية، إصدار المحاكم الدينية الدرزية، بيروت، 2018.
  5. مازن داود موسى، أحكام النشوز شرعاً وقانوناً، بحث مقدم إلى المعهد القضائي العراقي، بغداد، 2011.
  6. عدنان مايح بدر، الإجراءات العملية لدعاوى الاحوال الشخصية، المكتبة القانونية، بغداد، 2016م.
  7. عبد الحسين صباح صيوان الحسون، أحكام النفقة في الشريعة الاسلامية والقانون، المكتبة القانونية، بغداد، 2022.
  8. عدنان محمود الغريري، أحكام الطلاق، مكتبة صباح، بغداد، 2016م.
  9. مرسل نصر، الأحوال الشخصية لطائفة الدرزية، دار مؤسسة التراث الدرزي، لندن المملكة المتحدة، 2009م، ط 1.

ثالثاً: القرارات والأحكام القضائية

قرار محكمة التمييز العراقية ، المرقم 1476، هيئة الأحوال الشخصية، لسنة 2019، غير منشور.

قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية، المرقم 1213/شخصية/2013 بتاريخ 10/2/2013 غير منشور.

قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية، المرقم 3965 بتاريخ 19/5/2013 غير منشور.

قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية، المرقم 228 بتاريخ 29/6/2010 غير منشور. كذلك قرارها المرقم 5068/شخصية أولى/2010، بتاريخ 2/11/2010. كذلك قرارها المرقم 2939 بتاريخ 6/6/2011.

قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية، المرقم 9610 بتاريخ 24/1/2018.

قرار محكمة التمييز العراقية المرقم 5646، في 17/7/2013 غير منشور.

قرار محكمة التمييز العراقية المرقم 3050، في 10/9/2008 المنشور على موقع مجلس القضاء الاعلى.

حكم محكمة الإستئناف الشرعية السنية في لبنان، بتاريخ 12/3/2012.

الهوامش:

  1. () منصور بن يونس بن ادريس البهوتي، كشاف القناع، ج 3، عالم الكتب، الرياض، 2014، ص 473.

  2. () محمد بن إدريس الشافعي، الشافعي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط 2، 1973م، ج 5، ص 227.

  3. () محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996، ص 508.

  4. () ابن الهمام الحنفي، شرح فتح القدير، ج 3، مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده، مصر، 1970، ص 321 – 322.

  5. () الموسعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2001م، ط 1، ج 40، ص 290.

  6. () ابن عابدين، شرح رد المحتار على الدر المختار، ج 5، دار البابي الحلبي، مصر، 1966، ص 280.

  7. () البهوتي، مرجع سابق، ج 5، ص 473.

  8. () الموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق، ج 40، ص 291.

  9. () الدسوقي، مرجع سابق، ج 2، ص 514.

  10. () جلال الدين عبد الله بن نجم بن شاش، عقد الجواهر الثمينة في عالم المدينة، تح محمد أبو الاجفان، عبد الحفيظ منصور، دار الغرب الإسلامي، 1995م، ط 1، ج 2، ص 309.

  11. () محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تح محمود القوجاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون سنة نشر، ط 7، ج 31، ص 303.

  12. () محمد حسين منصور، قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين في مصر ولبنان، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005، ص 265، 266، 272.

  13. () قرار محكمة التمييز العراقية ، المرقم 1476، هيئة الأحوال الشخصية، لسنة 2019، غير منشور.

  14. () ربيع محمد الزهاوي، حوار بين قرار القاضي والمبدأ التمييزي والشروحات، دار السنهوري، بيروت، 2017، ص 544.

  15. () حسن خالد، عدنان نجا، أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية ويجري عليه العمل في المحاكم الشرعية الإسلامية اللبنانية، المكتب التجاري لطباعة والتوزيع والنشر، بيروت، 1964م، ط 1، ص 132.

  16. () سلمان أحمد بركات، دعوى النفقة، مكتبة بدران الحقوقية، بيروت، 2017، ص 27.

  17. () كميل ملا، المرشد في الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية، إصدار المحاكم الدينية الدرزية، بيروت، 2018، ص 48.

  18. () مازن داود موسى، أحكام النشوز شرعاً وقانوناً، بحث مقدم إلى المعهد القضائي العراقي، بغداد، 2011م، ص 36- 37.

  19. () عدنان مايح بدر، الإجراءات العملية لدعاوى الاحوال الشخصية، المكتبة القانونية، بغداد، 2016م، ص 257.

  20. () قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية، المرقم 1213/شخصية/2013 بتاريخ 10/2/2013 غير منشور.

  21. () عدنان مايح بدر، الإجراءات العملية لدعاوى الاحوال الشخصية، مرجع سابق، ص 256.

  22. () قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية، المرقم 3965 بتاريخ 19/5/2013 غير منشور.

  23. () قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية، المرقم 228 بتاريخ 29/6/2010 غير منشور. كذلك قرارها المرقم 5068/شخصية أولى/2010، بتاريخ 2/11/2010. كذلك قرارها المرقم 2939 بتاريخ 6/6/2011.

  24. () قرار محكمة التمييز الاتحادية العراقية، المرقم 9610 بتاريخ 24/1/2018 غير منشور. كذلك: عبد الحسين صباح صيوان الحسون، أحكام النفقة في الشريعة الاسلامية والقانون، المكتبة القانونية، بغداد، 2022، ص 194.

  25. () عدنان محمود الغريري، أحكام الطلاق، مكتبة صباح، بغداد، 2016م، ص 44 – 45.

  26. () قرار محكمة التمييز العراقية المرقم 5646، في 17/7/2013 غير منشور.

  27. () قرار محكمة التمييز العراقية المرقم 3050، في 10/9/2008 المنشور على موقع مجلس القضاء الاعلى.

  28. () أنظر قانون حق الزوجة المطلقة بالسكن المرقم 77 لسنة 1983 المادة الثالثة.

  29. () حكم محكمة الإستئناف الشرعية السنية في لبنان، بتاريخ 12/3/2012.

  30. () مرسل نصر، الأحوال الشخصية لطائفة الدرزية، دار مؤسسة التراث الدرزي، لندن المملكة المتحدة، 2009م، ط 1، ص 56.