المصلحة الفضلى للطفل والآفاق المنتظرة من إصلاح مدونة الأسرة المغربية

اعويش مصطفى1

1 طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية جامعة الحسن الثاني المحمدية، الدار البيضاء المملكة المغربية.
بريد الكتروني: rhali-abdallah@hotmail.com
HNSJ, 2024, 5(2); https://doi.org/10.53796/hnsj52/11
تنزيل الملف
تاريخ النشر: 01/02/2024م تاريخ القبول: 12/01/2024م

المستخلص

يلقي هذا البحث الضوء على المصلحة الفضلى للطفل المغربي ومجالاتها المتنوعة، من خلال مدى مسايرة المشرع المغربي للتطورات والمتغيرات الاجتماعية في تقرير مصلحة الطفل الفضلى وتكريس حمايتها، ثم من خلال الأحكام والقرارات ذات الصلة والصادرة عن العمل القضائي واجتهاداته، كما أن هذا البحث قد عرج على جملة مهمة من المرتكزات ذات الطابع المحلي أو الكوني، التي من شأنها تدعيم المصلحة الفضلى للطفل، وتجويد الممارسات المتعلقة بها، وضمان أفق استشرافي جيد فيما يخص المصلحة الفضلى للطفل، من قبيل توافر جل الشروط القمينة لوضوح الرؤية، وتأمين شفرة التواصل، وفهم الخطاب المتداول منهجا وتطبيقا بين مختلف الفاعلين في مجال حقوق الطفل، وكذلك التركيز على أن مصلحة الطفل الفضلى، ماهي إلا حلقة ضمن سلسلة حلقات مرتبطة أشد ارتباط بإصدار تشريع مغربي متوازن، يراعي بالموازاة بين المرجعية الدستورية والقانونية والحقوقية الوطنية والدولية، وما بين الغايات والمقاصد الاجتماعية، الكفيلة بضمان واستمرار حماية المصلحة الفضلى للطفل.

Research title

The best interest of the child and the prospects expected from reforming the Moroccan Family Code

AOUICH MOSTAFA1

1 A doctoral research student at the Faculty of Legal, Economic and Social Sciences of Mohammedia, Hassan II University of Mohammedia, Casablanca, Kingdom of Morocco. Email: rhali-abdallah@hotmail.com

HNSJ, 2024, 5(2); https://doi.org/10.53796/hnsj52/11

Published at 01/02/2024 Accepted at 12/01/2024

Abstract

This research sheds light on the best internes of the Moroccan child and its various fields, through the extent to which the Moroccan legislator keeps pace with social developments and changes in determining the best interest of the child and devoting its protection, and then through the relevant rulings and decisions issued by judicial work and its jurisprudence. This research also included a number of An important pillar of a local or global nature, which would support the best interest of the child, improve practices related to it, and ensure a good forward-looking horizon regarding the best interest of the child, such as the availability of most of the necessary conditions for clarity of vision, securing the communication code, and Under standing the circulating discourse in method and application. Be tween various actors in the field of children’s rights, as well as focusing on the fact that the best interest of the child is only a link within a chain of links closely linked to the issuance of balanced Moroccan legislation that takes into account the parallel between national and international constitutional, legal and human rights references, and between social goals and objectives, ensuring and continuing the protection of children. The best interest of the Child.

مقدمة:

يعتبر موضوع المصلحة الفضلى للطفل المغربي بين النص والواقع ذا راهنية، وذلك في إطار النقاش العمومي الدائر حاليا حول تعديل مدونة الأسرة، بمختلف الأوساط المهتمة بشأن الأسرة المغربية داخل المملكة وخارجها، وكذلك أن المصلحة الفضلى للطفل من الحقوق الأكثر إثارة للجدل وللتفسير والتأويل شأنه شأن التجاذبات الكلاسيكية بين خصوصيات المجتمعات والتقاليد الموروثة وبين المرجعيات الدولية التي تعطي مثالا مقبولا ومنطقيا وإن كان يلامس ويتصادم مع الديني والمعتقد.

ومن باب إثراء النقاش لهذه المطارحات العلمية، والتي تأخذ لنفسها مسافة الأمان من كل سجال ذي طبيعة إيديولوجية أو…، سواء ما تعلق منه بانتعاش خطاب التخويف من كل مستجد حداثي، أو ما ارتبط باستعداد وقابلية تأثر المجتمع بالمفاهيم المستجدة دون الاهتمام بالبنى والنظم الاجتماعية الماضوية.

حيث أن هذا النقاش العلمي، جعل جملة من الأفكار والتساؤلات ذات صلة بكنه مدونة الأسرة المغربية ومضمونها وبالمصلحة الفضلى للطفل على وجه التحديد، تطفو على موائد علمية متنوعة، وتثير الكثير من الأسئلة والعديد من الأفكار، واختلفت وجهات النظر إزاء الموضوع، وطرحت صيغ قيمية وقانونية وحقوقية….

وفي خضم هذا النقاش العلمي، وعلى ضوء إرادة المملكة المغربية، التي فضلت الاستقرار على قضية إصلاح متون نصوص مدونة الأسرة المغربية الحالية، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأخيرة أضحت تواجه إكراهات جمة تتعلق بأجرأة بنودها، ولا سيما الأعداد المهولة في حالات التطليق للشقاق، ثم إشكالات تتعلق بالنفقة، والحضانة، والنسب، وغيرها….

فإن معالجتنا لتيمة المصلحة الفضلى للطفل والآفاق المنتظرة من إصلاح مدونة الأسرة المغربية مؤطر بالمرجعية القانونية والحقوقية الدولية وبالمقتضيات الدستورية المغربية، ذات الامتداد الثقافي الحضاري، ويبتغي سبل التطوير والنجاح والتكيف مع كل جديد مفيد، ومد جسر التواصل التوافقي والتعاون مع الجميع، من أجل تحقيق المصلحة الفضلى للطفل، بحيث كانت المملكة المغربية من بين البلدان الأولى، التي بادرت إلى الانخراط في اتفاقية حقوق الطفل سنة 1989، وعلى الإعلان العالمي من أجل الحفاظ على حياة الطفل ورعايته وتنشئته سنة 1999، وتم إحداث المرصد الوطني لحقوق الطفل سنة 1995، وفي سنة 1999 إحداث برلمان للطفل باعتباره فضاء لتعزيز مشاركة الأطفال وانخراطهم في مناقشة وبلورة التدابير والبرامج التي تعنيهم، بالإضافة إلى ما دأب عليه الملك محمد السادس، عنايته الخاصة، فكان لحضور جلالته في أشغال الجلسة الافتتاحية للدورة الاستثنائية الـ 27 للجمعية العامة للأمم المتحدة المخصصة للطفل، ب ماي 2002، ووضع خطة أطلق عليها “المغرب جدير بأطفاله” لما بين 2006 – 2015 “، حيث تأكد ذلك في العديد من الخطب والرسائل الملكية السامية.

إن الحديث عن إشكالية المصلحة الفضلى للطفل بين مدونة الأسرة والاجتهاد القضائي بالمملكة المغربية، مع ما سبقت الإشارة له في هذا البحث من مبادرات تتعلق بالانخراط المعنوي والفعلي في الصكوك الدولية، وإحداث المرصد الوطني للطفل، وبرلمان الطفل…، يؤكد إلى حد ما إيمان المجتمع المغربي بفلسفة حقوق الطفل، وجعل مدونة الأسرة المعروضة للتعديل والإصلاح والتي ينتظر منها أفقا جديدا، باعتبارها نصا مجتمعيا وتوافقا مغربيا من إبداع علماء وفقهاء وسياسيين وحقوقيين قانونيين وفاعلين اجتماعيين…، لذلك فطبيعة هذه المدونة هي تقنين للجانب الفقهي لصلتها الوثيقة بالشريعة الإسلامية التي هي دين الدولة الرسمي، وبالتالي الملمح الأساس هو أن تبني الخلية الأولى للمجتمع (الأسرة) على كتاب الله وسنة رسوله، وما يؤكد هذه الهوية للمدونة، هي نفسها التي تؤكد سريانها على كل المغاربة وتحيل على قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية التي تطبق على اليهود المغاربة.(المادة 2 من مدونة الأسرة المغربية) وما يثبت هذا أيضا، فالمدونة تنص في مادتها 400 “ما لم يرد به نص في هذه المدونة يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”. فهي لا تحيل على الفقه الإسلامي بل أضيق من ذلك تحيل على المذهب المالكي لأن هناك فقها آخر ونحن مع الاجتهاد الذي يمارسه الفقهاء، هو اجتهاد جماعي ونحن نعتز بغنى هذا المذهب الذي له 17 عشر أصل.

ولعل من بين أبرز الأسئلة التي يمليها علينا هذا البحث، مايلي:

  • هل المدونة المعروضة للإصلاح حققت الحماية لكل الأطراف خصوصا الطفل، باعتباره ثمرة الأسرة وهو الحلقة الأضعف، والذي يحتاج للرعاية أكثر من غيره؟
  • إلى أي مدى يتم تفعيل المبادئ الناظمة لحقوق الطفل من مواثيق دولية ناظمة لحقوق الطفل ومبادئ عامة لحمايتها (حقوق الطفل)؟

إذا كانت من خواص صياغة القاعدة القانونية يطبعها العموم والتجريد، فهل هذه الصياغة تسهل على القاضي ايجاد الحل لكل القضايا المعروضة عليه فيما يخص حقوق الطفل ومصلحته الفضلى، أم يلجأ إلى التفسير والتأويل للنصوص الغامضة أحيانا من أجل تحقيق عدالة قانونية وقضائية لمصلحة الطفل وإعمال مصلحته الفضلى؟ ونحن نعلم جميعا أن القاضي مطلوب منه الإلمام بالأعراف والتقاليد المجتمعية والأحكام الفقهية والاجتهادات القضائية، ولملامسة مختلف جوانب هذا البحث سأعتمد تارة على المنهج الوصفي وتارة على المنهج التاريخي لقراءة السياقات والمرجعيات، وتارة أخرى سأسلك المنهج التحليلي للنظر في العمل القضائي وقراراته، متوخيا الربط وإيجاد العلاقات ما بين كل ما سبق والمصلحة الفضلى للطفل …

أما الخطة، التي ستسعفنا للإحاطة بمختلف هذه الحيثيات والأسئلة السابقة، تقسيم بحثنا إلى ثلاث نقاط استفهامية مهمة، سيتم الاشتغال وفقها:

– أولا: ماهي المرجعية الدولية للمصلحة الفضلى للطفل المغربي؟

– ثانيا: إلى أي حد استطاع المشرع أن يساير التطورات والمتغيرات الاجتماعية في تقرير مصلحة الطفل الفضلى؟

– ثالثا: إلى أي حد استطاع العمل القضائي أن يحقق المصلحة الفضلى من خلال الأحكام والقرارات ذات الصلة؟

أولا: ماهي المرجعية الدولية للمصلحة الفضلى للطفل المغربي؟

بداية، يمكن أن تنتظم الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل وفق أربعة مبادئ أساسية

  • مبدأ عدم التميز المنصوص عليه في المادة 02 من الاتفاقية [1]
  • مبدأ المصلحة الفضلى للطفل المنصوص علية في المادة 03
  • مبدأ حق الطفل في الحياة والبقاء والنمو المنصوص عليه في المادة 06
  • مبدأ احترام أراء الطفل ومشاركته في إبدا الرأي المنصوص عليه في المادة 12

ولعل من المبادئ الأكثر تأويلا هو مبدأ المصلحة الفضلى وكان مبدأ مصلحة الطفل الفضلى قد أُثير للمرّة الأولى في إعلان حقوق الطفل لعام 1959 الذي نصّ على أنّه: يجب أن يتمتّع الطفل بحماية خاصّة وأن يُمنح، بالتشريع وغيره من الوسائل، الفرص والتسهيلات اللازمة لإتاحة نموّه الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نموّاً طبيعياً سليماً في جوّ من الحرّيّة والكرامة. وتكون مصلحته العليا محلّ الاعتبار الأوّل في سَنّ القوانين لهذه الغاية.

  1. نحو مفهوم المصلحة الفضلى للطفل

عرف الفقهاء هذا المعيار تعريفات متعـددة، فحسب الفقيه ( Jean Zermatten ) فإن : « المصلحة الفضلى للطفل هي الأداة القانونية التي تسمح بتحقيق رفاه الطفل على المستوى البدني والنفسي والاجتماعي ويضع الواجب على المؤسسات والهياكل العامة والخاصة في تطبيق هذا المعيار وفي التحقق من أخذه بعين الاعتبار عنـد اتخاذ أي قرار بشأن طفل ما وبأن هذا القرار في مصلحته على المدى القريب والبعيد حيث إنه يمثل وحدة القياس التي يجب الأخذ بها عندما يكون هناك تنافس بين عدة مصالح » .

وعليه، فهي تتصرف لدلالة إلى مجموع الامتيازات المادية (والمعنوية) التي وجب مراعاتها والسهر على حمايتها من طرف الأسرة، التشريع، القضاء وحتى مؤسسات الرعاية الاجتماعيـة وفق أساليب قانونية وقضائية لوقايته من اللجوء إلى الجنوح في حالة الضرر.

فإن الاختلاف في مفهوم المصلحة الفضلى للطفل وعدم إيجاد تعريف موحد وواضح لها، يطرح إشكالات عملية، وفي الغالب ما يترك للقاضي تحديد ما يعتبر من المصلحـة الفضلى للطفل، وذلك حسب الوضعية التي يتواجد فيها هذا الأخير. فالطفل هو صاحب كينونة مستقلة وله حاجيات خاصة بشكل يفرض نفسه على المجالات التشريعية والقانونية، حيث أصبحت معه المحاكم تبني قراراتها على هذا المفهوم، وبذلك أصبح يؤسس لتشريع خاص بالطفل.

  1. التعليق العام لسنة 2013

حسب التعليق العام رقم 14(2013) المتعلِّق بحقّ الطفل في إيلاء الاعتبار الأول لمصالحه الفُضلى (الفقرة 1 من المادة 3)

  • يتمتع الطفل، بموجب الفقرة 1 من المادة 3 من اتفاقية حقوق الطفل، بحقه في تقييم مصالحه

الفُضلى وإيلاء الاعتبار الأول لها في جميع الإجراءات أو القرارات التي تعنيه في المجالين العام والخاص. وإضافةً إلى ذلك، تجسد الفقرة إحدى القيم الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقية. وقد حددت لجنة حقوق الطفل الفقرة 1 من المادة 3 بوصفها مبدأ من المبادئ العامة الأربعة للاتفاقية اللازمة لتفسير جميع حقوق الطفل وإنفاذها ( ) ويمثل تطبيقها مفهوماً دينامياً يقتضي تقييم السياق المحدد على النحو المناسب.

  • ولا يعد مفهوم “مصالح الطفل الفضلى” مفهوماً جديداً، والواقع أنّه سابق لظهور الاتفاقية، وهو

مكرس بالفعل في إعلان عام 1959 لحقوق الطفل (المادة 2)، وفي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (المادتان 5(ب) و16، الفقرة 1(د))، وكذلك في الصكوك الإقليمية وفي كثير من القوانين الوطنية والدولية.

  • وتشير الاتفاقية أيضاً صراحةً إلى مصالح الطفل الفضلى في موادّ أخرى أي المادة 9:

عدم فصل الطفل عن والديه، والمادة 10: جمع شمل الأسرة، والمادة 18: مسؤولية الوالدين، والمادة 20: الحرمان من البيئة العائلية والرعاية البديلة، والمادة 21: التبنّي، والمادة 37(ج): فصل الأطفال عن البالغين في السجن، والمادة 40، الفقرة 2(ب)‘3‘: الضمانات الإجرائية، بما في ذلك حضور والدي الطفل أثناء جلسات الاستماع في المحكمة في القضايا الجنائية التي تشمل الأطفال المخالفين للقانون. ويُشار أيضاً إلى مصالح الطفل الفُضلى في البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلِّق ببيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية (الديباجة والمادة 8) وفي البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلِّق بإجراء تقديم البلاغات (الديباجة والمادتان 2 و3).

  • ويرمي مفهوم مصالح الطفل الفُضلى إلى ضمان التمتُّع الكامل والفعلي على السواء

بجميع الحقوق المعترف بها في الاتفاقية والنماء الشمولي للطفل. وقد أشارت اللجنة بالفعل إلى أن “تقدير شخص بالغ لمصالح الطفل الفضلى لا يجوز أن يسقط واجب احترام جميع حقوق الطفل المنصوص عليها في الاتفاقية”. وتذكِّر اللجنة بعدم وجود ترتيب هرمي للحقوق في الاتفاقية وبأن جميع الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية هي لخدمة مصالح الطفل الفضلى ولا يمكن المساس بأي حقّ بتفسير مصالح الطفل الفضلى تفسيراً سلبياً.

  • ويقتضي التطبيق الكامل لمفهوم مصالح الطفل الفضلى وضع نهج قائم على الحقوق وإشراك جميع

الجهات المعنية لضمان السلامة البدنية والنفسية والمعنوية والروحية الشاملة للطفل، سواء أكان ذكراً أم أنثى، وتعزيز كرامته الإنسانية

ثانيا: إلى أي حد استطاع المشرع أن يساير التطورات والمتغيرات الاجتماعية في تقرير المصلحة الفضلى للطفل؟

تخضع المدونة للضوابط الشرعية المتمثلة في المرحعية الإسلامية باعتبارها دين الدولة الرسمي، كما أنها مؤطرة بالمرجعية الدولية المصادق عليها من طرف المملكة.

فالمصلحة الفضلى للطفل تتجلى في المدونة من خلال الأبعاد الاجتماعية والإنسانية تماشيا مع الاتفاقيات الدولية، وفي احترام تام للمرجعية الإسلامية، وتتضح هذه المصالح الفضلى للطفل في المادة 54 بل عبر كتب المدونة، حيث نجد كثرة النصوص التي تراعي مصلحة الطفل الفضلى مما يجعل من الصعوبة استقراؤها كلها لذا نكتفي بالوقوف عند البعض منها:

  1. زواج القاصر:

فيما يخص زواج الصغير دون سن الرشد، فكما هو معلوم فالبلوغ أمر لا يدرك بالحس ويتفاوت من ناحية وقت الثبوت والمقدار على ما فيه من خفاء و اختلاف من شخص لآخر، لهذا أقرت الفقرة الأولى من المادة 20 من مدونة الأسرة إمكانية اللجوء إلى خبرة طبية لتقرير مدا تحقق الاستعداد النفسي والفيزيولوجي لطالبي الزواج فيما دون سن الأهلية: ( للقاضي المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية، أو إجراء بحث اجتماعي)، وهذا مسلك جديد أقره المشرع المغربي بما فيه من مرونة وتوسعة، بالإضافة إلى قربه من طبيعة الخلق في الاختلاف والتعدد، والاستعداد البدني والنفسي و الاجتماعي للزواج.

  1. مصلحة الطفل المحضون:

الحضانة شرعا في اصطلاح الفقهاء هي تربية الطفل ورعايته والقيام بجميع شؤونه من طعام ولباس ونوم… ممن له حق تربيته شرعا ، أما مدونة الأسرة فقد عرفت الحضانة في الفقرة الأولى من المادة 163 بقولها: (الحضانة حفظ الولد مما يضره، والقيام بتربيته ومصالحه)، والحضانة بهذا المعنى تكون نوعا من الولاية على النفس فقط[2]

وتجد الحضانة أساسها الشرعي في القرآن الكريم، في قول الله تعالى: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهر هما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) [3] هاتين الآيتين الكريمتين تذكير الابن بما قدمه والداه من تربية وحضانة ورعاية في مرحلة الطفولة، وفيهما ما يفيد معنى الرعاية والحضانة [4].

فالإنسان يولد ضعيفا الأمر الذي يستلزم على والديه رعايته وتفقد أحواله في سن يكون الصغير غير قادر على فعل أي شيء وفي السنة النبوية ما رواه ابن عمر أن امرأة جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: “يا رسول الله: هذا ابني، كان بطني له وعاء وحجري له دواء، وثديي له سقاء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، فقال رسول الله: أنت أحق به ما لم تتزوجي.”[5]

وهذا ما أشارت إليه مدونة الأسرة في المواد: من المادة 163 إلى المادة 186، حيث تنص هذه الأخيرة على أنه (تراعي المحكمة مصلحة المحضون في تطبيق هذا الباب المتعلق بالحضانة).

وهذه الصلاحيات المخولة للمحكمة إنما هي من أجل مراعاة الأبعاد لإنسانية والسيكولوجية والاجتماعية للطفل، على اعتبار أن القاضي هو المؤهل لملامسة مشاعر الطفل.

  1. النفقة على الأطفال:

لقد جاءت مدونة الأسرة بمجموعة من المقتضيات ذات الأبعاد الاجتماعية والإنسانية لصالح الأطفال، وتم إدماج العديد من المقتضيات الواردة في اتفاقية حقوق الطفل ضمن موادها، وذلك ضمن موادها، وذلك في إطار الملائمة بين التشريع الوطني والدولي.

وهكذا فقد خصصت المواد من 198 إلى205 للنفقة على الأولاد، فقد اعتنى المشرع بنفقة الطفل واعتبر على أن كل توقف ممن تجب عليه نفقة الأولاد عن الأداء لمدة أقصاها شهرا دون عذر مقبول تطبق عليه أحكام إهمال الإمرة المنصوص عليها في المادة 202 هذا الإهمال الذي جرمه المشرع المغربي 479-182 القانون الجنائي.

من خلال ما سبق يتضح إذا أن مصلحة الطفل الفضلى يتداخل فيها ما هو سيكولوجي بما هو اجتماعي وقانوني…مما يفرض عل القاضي تكوين قناعته في هذه النوازل اعتمادا على النص القانوني والاجتهادات الفقهية، والمواثيق الدولية، لأنها تصب جميعها في مصلحة الطفل.

وقد تختلف الأحكام أحيانا في نفس النازلة، وهو أمر صحي وسليم، وهو منهج القاضي الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يقضي في نفس النازلة بفتوى مختلفة مراعاة لأحوال المستفتين وما يناسب كل حالة على حدة، حديث أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي ﷺ أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، وقال: قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله[6]

وقد سئل ﷺ –مثلا-في مناسبات عن أي العمل أفضل؟

  • وتارة يقول: «إيمان بالله ورسوله”[7]
  • وتارة يقول: «عليك بالصوم”[8]

– وتارة يسأل عن أي العمل أحب إلى الله؟ فيقول “أدومها وإن قل”[9]

فالمفتي أو القاضي هو الأعلم بأحوال المستفتين، لذلك كانت الغاية من كل تشريع هي تحقيق مصلحة الناس ودرء المفاسد عنهم، ويتجلى هذا البعد المقاصدي أكثر في التشريعات الاجتماعية باعتبارها لصيقة بالحياة الخاصة للأفراد.

إن لكل نص من النصوص الشريعية والقانونية روحا ومقصدا وضع لأجله، فلابد من استحضاره حتى يتم تطبيقها على النحو الأمثل بعد فهمها فهما سليما، لذا وجب التطرق إلى مساهمة الاجتهاد القضائي في إنشاء قواعد قانونية لتحقيق مصلحة الطفل الفضلى.

ثالثا: إلى أي حد استطاع العمل القضائي أن يحقق المصلحة الفضلى من خلال الأحكام والقرارات ذات الصلة؟

يبدو أن منطوق الدستور بجعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها [10]، أضاف تحديات جديدة للعمل القضائي الوطني ، و يتمثل إحدى التحديات في المزاوجة بين المرجعية الدولية لحقوق الإنسان و القوانين الوطنية و بين التطبيقات العملية و الوضعيات التي يمكن أن يكون القانون لا يمثل الحق.

وعليه سنحاول عرض عملين قضائيين ويتعلق الأمر بأحقية الأم في القيام بالمصالح المستعجلة لطفلها من خلال نموذجين

  1. قرار النيابة العامة بالقضاء المغربي بمدينة ميسور

تأذن النيابة العامة بميسور لأمّ بتغيير مدرسة ولديها، حيث أصدر القاضي أنس الشتيوي نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بميسور، ورئيس الخلية المحلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف إذنا بانتقال طفلين من مؤسسة تعليمية بناء على طلب الأم.

ويعود ملخص القضية وفصولها إلى شهر أكتوبر 2021، حينما تقدّمت أمّ بطلب للنيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بميسور، تعرض فيه أنها توجد في خلاف مع زوجها، واضطرت على إثره لمغادرة بيت الزوجية للاستقرار مع عائلتها، مصطحبة معها طفليها، اللذين يتابعان دراستهما. وأضافت أنّها حينما أرادتْ الحصول على شهادة المغادرة للطفليْن من طرف إدارة المدرسة، لتسجيلهما في المدرسة القريبة من محل إقامة عائلتها، تفاجأت برفض مدير المدرسة الذي اشترط ضرورة حضور النائب الشرعي وهو الأب. وأضافت أن من شأن تمسّك الإدارة بهذا الشرط أن يعصف بحق الطفلين في متابعة دراستهما، ملتمسة تدخل النيابة العامة.

فكان موقف النيابة العامة واضحا، حيث استجابت النيابة العامة للطلب، وأصدرت إذنا للأم بالحصول على شهادة الانتقال لطفليها. وكان لافتا في الإذن أنه جاء معللا، ومعززا بمقتضيات من الدستور ومن الاتفاقيات الدولية، حيث اعتمد على العلل التالية:

  • الحقّ في التعليم من الحقوق المكفولة دستوريا والمشمولة بحماية المواثيق الدولية لا سيما اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي صادق عليها المغرب سنة 1993؛
  • المشرّع المغربي عمل على ملاءمة تشريعه الداخليّ مع اتفاقية حقوق الطفل من خلال نصّ المادة 54 من مدوّنة الأسرة التي تلزم الأبويْن معا باتخاذ كافة التدابير لتوفير حياة كريمة للطفل بما في ذلك حقه في التعليم والتكوين الذي يؤهله للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع، وتهيئ الظروف الملائمة لمتابعة دراسته حسب استعداده الفكري والبدني؛
  • مسؤوليّة الدولة في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون، وذلك من خلال دور النيابة العامة كطرف رئيسي في قضايا الأسرة وفي ضمان تنفيذ حقوق الطفل وعلى رأسها الحق في التمدرس؛
  • مبدأ المصلحة الفضلى للطفل والحد من الهدر المدرسي يستوجب الاستجابة للطلب خاصة بعدما تبين من نتائج البحث الاجتماعي الذي أنجزته النيابة العامة أن الأب غير قادر على تحمل مصاريف الأسرة بما في ذلك مصاريف تمدرس الأبناء.
  1. تعليق على الإذن القضائي

تكمن أهميّة هذا “الاذن” القضائي في كونه وعلى عكس أحكام قضائية سابقة يكرس دور النيابة العامة كطرف رئيسي في قضايا الأسرة لتمكين الأم من القيام بالمصالح الاستعجالية لأطفالها أمام مماطلة بعض الإدارات دون حاجة للجوء إلى القضاء الاستعجالي أو قضاء الموضوع.

يعتبر هذا الإذن نموذجا عمليا للصعوبات، التي تواجه بعض الأمهات (الزوجات) في القيام بالأمور الاستعجالية لأطفالهن: فوفق مدونة الأسرة المغربية الحالية، يبقى الأب هو الولي الشرعي على الأبناء، ولا تنتقل الولاية إلى الأم إلا استثناء في حالة عدم وجود الأب أو فقد أهليته؛

ورغم أن القانون يعطي الأم إمكانية القيام ببعض المصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب، إلا أن تفعيل هذا المقتضى التشريعي على أرض الواقع يواجه بمماطلة الإدارات العامة ومؤسسات القطاعات الحكومية، التي تشترط على الأمهات ضرورة الإدلاء بحكم قضائي، وهو ما يستغرق وقتا طويلا قد يُفوّت إمكانية القيام بالمصالح المستعجلة للأطفال، خاصّة إذا تعلّق الأمر بحقّ أساسي كالتعليم أو الصحة…؛

وفي المقابل، يتشبث مدراء المؤسسات والمدارس الرافضون لتسليم الأمهات شواهد المغادرة، الخاصة بأطفالهن بمضمون مذكرة وزارية، تجعل الحق في الحصول على هذه الشواهد مقصورا على الأب لكونه وليا شرعيا طبقا لمقتضيات مدونة الأسرة، وهو ما دفع عدة أصوات حقوقية من داخل المملكة المغربية للمناداة بإعادة النظر في المذكرة الوزارية المذكورة؛

ويبقى من المؤمل جدا، أن يسهم هذا التوجه الجديد في تقليص الصعوبات التي تواجه الأمهات في القيام بالمصالح المستعجلة لأطفالهن، وذلك بتكريس التدخل التلقائي للنيابة العامة كطرف رئيسي في قضايا الأسرة، وهو دور يمكن تعزيزه من خلال آلية التنسيق داخل خلايا التكفّل بالنساء والأطفال بالمحاكم والتي تترأسها النيابة العامة ومن أعضائها ممثلين عن مختلف القطاعات الوزارية من بينهم مؤسسات حكومية كمؤسسات التربية والتعليم.

ولعل هذه المعضلات إلى جانب أخرى، كانت من وراء المطالبة بمراجعة مدونة الأسرة وإقرار الولاية المشتركة للزوجين على الأطفال.

  1. الاجتهاد القضائي

رغم كل هذه المواقف التي تعرفها مدونة الأسرة المغربية الحالية، فهي مستلهمة ومستقاة من الفقه الإسلامي، ومسايرة للتوجه الدولي من خلال مصادقة المملكة المغربية على اتفاقيات حقوق الطفل، وجدير بالذكر أنها أولت اهتماما بالغا لمصلحة الطفل الفضلى، حيث أصبح للقضاء دورا محوريا في الرقابة والإشراف على تطبيق نصوصها لتوفير الحماية لأفراد الأسرة عامة وللأطفال القاصرين خاصة.

فالمشرع بدا في نصوص هذا القانون (مدونة الأسرة)، وكأنه يستغيث ويستنجد بالقضاء، لأنه من الصعب إيجاد حلول لكل النوازل وضبطها في نصوص جاهزة، فالحالات تختلف والظروف تتغير، خاصة إذا تعلق الأمر بعلاقات إنسانية واجتماعية حميمة[11]، تراعى فيها المصلحة الفضلى للطفل.

لذلك يعتبر الاجتهاد القضائي مصدرا من مصادر الشريعة الإسلامية، بدلبل أن رسولَ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_: بعث معاذًا إلى اليمنِ فقال : كيف تقضي ؟ فقال : أقضي بما في كتابِ اللهِ, قال : فإن لم يكن في كتابِ اللهِ ؟ قال : فبسنةِ رسولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم- ، قال : فإن لم يكن في سنةِ رسولِ اللهِ _صلى الله عليه وسلم_ ؟ قال : أجتهدُ رأيي قال : الحمدُ للهِ الذي وفَّقَ رسولَ رسولِ اللهِ.[12] وسمي هذا بالاجتهاد الفردي.

وعلى مستوى التشريع الوضعي فمهمة القاضي لا تنحصر فقط في تطبيق النص القانوني على النازلة المعروضة عليه، بل تتعداها إلى الاجتهاد لحماية حقوق الناس ومنها المصلحة الفضلى للطفل.

إذ لولا تدخل القضاء لتعطلت كثير من الأحكام على ما يستجد من الأحداث التي ينعدم فيها النص. فلاجتهاد القضائي يقوم على ثلاثة أسس وهي: أدوات الصياغة القانونية، والتكييف القانوني، والتفسير القضائي. في حين اعتبرت معظم القوانين الحديثة القضاء مصدرا تفسيريا لا غير، يستند عليه للاستئناس، وهذا الموقف جاء نتيجة التفسير الخاطئ الذي تبناه رجال الثورة لمبدأ فصل السلط، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك فكثيرا ما يلجأ القاضي إلى الاجتهاد حتى لا يكون منكرا للعدالة فتتواتر هذه الأحكام، ويأخذ بها في الحالات المماثلة، فتوجد بذلك القاعدة القانونية.

فاللغة مهما بلغت دقتها تبقى قاصرة عن التعبير لا تستطيع دائما أن تسع كل ما يريد الواضع أن يحملها من المعلومات، وبشرية المشرع تعرضه للخطأ والسهو والنسيان، ولا تستطيع هيأة تشريعية مهما بلغت فطنتها أن تضع نصوصا لا تختلف المحاكم في تطبيقها، ولا يختلف الفقهاء في فهمها وشرحها. فالقضاء وحده الذي يبث الحركة في القاعدة القانونية. وهذا ما كرسته المادة 186 من مدونة الأسرة السالفة الذكر التي تحث على أنه تراعي المحكمة مصلحة المحضون في تطبيق مواد هذا الباب، وهو ما تبناه القرار الصادر عن المجلس الأعلى عدد 146 بتاريخ 26/06/1971 منشور بمجلة المجلس الأعلى عدد 25 ص 155 وما يليها [13]، وكذا القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 29/08/1077 تحت عدد 111.

إن الرأي السائد في الفقه أن زواج الحاضنة يسقط حقها ويسلم المحضون لمن يليها من المستحقين[14] فقد ذهب المالكية أنه إذا تعلق المحضون بأمه المتزوجة وكان سيلحقه ضرر في نزعه منها لا تسقط حضانتها ولو تزوجت أجنبيا درء للضرر الذي يلحق الولد.

إن من أهم مظاهر الحماية القانونية للمحضون والتي جاءت بها مدونة الأسرة في الفقرة الأولى والثانية من المادة 175 بأن زواج الأم لا يسقط حضانتها مطلقا متى كان المحضون صغيرا لم يتجاوز سن سبع سنوات أو تجاوز هذا السن وتم التأكد بأن هذا الطفل قد يلحقه ضرر من مفارقته لأمه أو كانت بهذا المحضون علة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غير الأم[15]، واشتراط عدم تجاوز لسبع سنين جاء على خلاف مقتضيات الأحوال الشخصية، الملغاة والتي كانت تعطي في الفصل 105 للأم الحضانة بعد زواجها حق الاحتفاظ بالمحضون خلال مدة الرضاعة فقط.

كما لا يسقط حق الأم في الحضانة طبقا للمادة 175 السابق الإشارة إليها إذا كان زوجها قريبا محرما أو نائبا شرعيا للمحضون، وهما حالتان تشترك فيهما الحاضنة الأم مع الحاضنة غير الأم عند الزواج، وفي جميع الأحوال يتعين على المدعي إثبات واقعة الزواج ولا يكفي مجرد العقد بل لابد من الدخول وتطبيقا للمقتضيات السابقة يعمل القضاء إما على تثبيت الحضانة للأم أو إسقاطها عنها عندما يختل شرط من شروط استحقاق الحضانة ويتوفر سبب من أسباب السقوط المشار إليها سابقا، ونقف عند بعض التطبيقات القضائية وكيف راعت المصلحة الفضلى للطفل:

  1. ذهب المجلس الأعلى إلى إسقاط الحضانة عن الأم بدعوى “…أن هذه الأخيرة تزوجت

بأجنبي عن المحضون وصرحت تبعا لذلك بسقوط حضانتها بعد أن تبين أن مصلحة المحضون تكمن في ضمه لوالده الذي هو الأولى برعايته والسهر على تربيته نظرا لسنه، تكون المحكمة قد طبقت مقتضيات المادتين: 174 و175 من مدونة الأسرة الواجبة التطبيق في النازلة تطبيقا سليما”[16]

  1. كما قضت محكمة الاستئناف بطنجة[17] لفائدة الأب لحضانة ابنه وإبعادها عن الأم

لارتكابها لجريمة الخيانة الزوجية والحكم عليها بثلاثة أشهر حبسا نافدا، ومن بين الحيثيات التي استندت عليها المحكمة في بناء قرارها: ” وحيث إن التمسك بالدفع المتعلق بكون المستأنف عليه لا تتوفر فيه شروط الحضانة فإن هذا الدفع لا مبرر له، ذلك أن المشرع لما جعل الأب في المرتبة الثانية من مستحقي الحضانة كان يعلم أن الرجل لا يمكن له أن يقوم بشؤون المحضون بنفسه طالما أنه مكلف بنفقته ،فالأولى أن يدير أمور ابنه في حضانته، كما أن التمسك بالمادة 175 من المدونة نظرا لكون الولد لم يبلغ بعد سن سبع سنوات، ذلك أن مصلحة القاصر تقتضي إبعاده عن أمه لما فيه من مصلحته على اعتبار أن الفعل المشين الذي أقدمت عليه سيطارده مدى حياته والذي كان السبب في فراق أبويه”.

بل إن اجتهادات قضائية خرجت عن النص القانوني للمدونة تكريسا للمصلحة الفضلى للطفل مثال ذلك زواج الأم الحاضنة لا يسقط حضانتها الذي كرسه الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بميدلت[18] في الملف عدد 63 الصادر بتاريخ 29/09/2022 حيث اعتمد في تعليله لهذه النازلة على التفسير الواسع لمفهوم الضرر الذي يلحق الطفل في حالة إسقاط حضانة الأم، وتبنى فكرة الضرر النفسي المحتمل الناجم عن تغيير بيئة حضانته، رغم بلوغه ثلاث سنوات.

ومن الاجتهادات القضائية التي تفترض في القاضي أن يتقلد أدوار عالم الاجتماع وعالم النفس حتى يتوغل في نفسية القاصر ويرى مدى استيعابه للمسؤوليات التي يلقيها الزواج على المقبل عليه ويكون قراره يتماشى مع ما يحقق مصلحة القاصر وحقوقه[19] هذا ولو اقتضى الأمر الخروج على النص القانوني بحجة رعاية المصلحة، وهذا ما تجلى في رفض طلب زواج القاصر الذي أثبتت الخبرة الطبية قدرته على الزواج وهو القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بطنجة[20] 401 في الملف رقم 164/05 /7 بتارخ 09/06/2005. الذي أيد فيه مقرر قاضي الأسرة المكلف بالزواج رفض منح الإذن الذي برر فيه ولي القاصر المولى عليها خوفا من العنت حيث جاء في فإن شهودها لم يبينوا يوضحوا ما هو السبب الداعي إلى تزوج البنت مكتفين بالقول بأنها محتاجة إلى تزويجها كما يخشى عليها من العنت وهذه الشهادة غير كافية لتبرير الطلب كما أن الشهادة الطبية وإن كانت من صالح البنت ترى خلاف ما يهدف إليه الطلب لكون البنت لازالت في سن مبكرة 14 سنة وإن مصلحتها تقتضي عدم الزج بها في مشاكل الحياة الزوجية حتى يكتمل نضجها، وإن الإسراع في تزويجها قد يؤدي بها إلى ما لا تحمد عقباه، الأمر الذي يكون معه الحكم المستأنف الذي قضى برفض الطلب قد صادف الصواب في ما قضى به ويتعين تأييده.

يتضح جليا أن مصلحة القاصر في الزواج من خلال النصوص القانونية في مدونة الأسرة ترتكز على التعاون والتوافق بين المشرع الذي يضع نصوصا قانونية عامة ومجردة وبين القاضي الذي يفسرها وفق ما يحقق مصلحة القاصر.

هذه مجرد أمثلة على الاجتهادات القضائية، التي لا يسعفنا النص القانوني في تحقيق مصلحة الطفل الفضلى مما يجعلها تبحث عن مرتكزات أخر سواء وطنية أو دولية لتكريس المصلحة الفضلى للطفل.

نخلص أخيرا إلى:

  • أن مصلحة الطفل الفضلى لا يمكن أن تتحقق إذا لم يراعي أي تعديل للمدونة أحوال المجتمع من خلال إصدار تشريع متوازن يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الأم والطفل والأب تماشيا مع مقتضيات الفصل 32 من الدستور.
  • كذلك على جميع التيارات المكونة للمجتمع أن تراعي هذا التوازن في الاقتراحات التي تقدمها لتعديل مدونة الأسرة الحالية تجنبا لكل احتقان اجتماعي قد يضر بالمصلحة العامة للبلاد.
  • على الاجتهاد القضائي أن يراعي البعد المقاصدي لشرع في حماية المصلحة الفضلى للطفل.
  • على جميع هيئات المجتمع المدني السياسية والمدنية والمؤسسات العلمية أن تجعل مصلحة الطفل الفضلى في صلب اهتماماتها وما هذه الندوة العلمية المباركة إلى دليل على الانخراط الإيجابي لهذه الكلية في هذا الموضوع الحساس، الذي لا شك أنه سيعود بالنفع على الطفل والمجتمع عامة.

على سبيل الختم:

يتضح جليا مما سبق ان القضاء الوطني دخل في مرحلة جديدة، أملتها السياقات المحلية والدولية وما تعرفه كل منهما، من نقاش حول الحقوق والحريات، وحول أدوار التي يضطلع بها القضاء كحامي للحقوق والحريات طبقا لمنطوق الفصل 117 من دستور 2011 للمملكة المغربية، حيث يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون، غير أن العبء ثقيل، باستحضار شتى التحولات المجتمعية والحقوقية، فصار من المحتم على جهاز القضاء خلق أحكام قضائية، تؤسس لحضارة إنسانية مغربية غير مستكينة لماضيها العتيد ولا منسلخة من قيمه النبيلة، بل مواكبة في ثبات وتؤدة، وتتفاعل مع تطورها المستجد والقائم حولها، لذلك فالمأمول من إصلاح مدونة الأسرة المغربية الجديدة إيجاد حلول ناجعة لكل هذه الصعوبات، وبالتالي صيانة كيان الأسرة المغربية، ومنه حماية المصلحة الفضلى للطفل.

قائمة المصادر والمراجع:

  • القرآن الكريم
  • صحيح البخاري، وصحيح مسلم
  • سنن الترمذي، ومختصر سنن أبي داود
  • لسان العرب لابن منظور، ومعجم مصطلحات العلوم الاجتماعية
  • دستور المملكة المغربية 2011
  • قرار المجلس الأعلى عدد 146 بتاريغ 26-6-1971 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 25
  • قرار المجلس الأعلى في ملف عدد : 215/ 2/1/2005 بتاريخ 1/2/2006 منشور في المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة
  • إعلان حقوق الطفل لسنة 1959، واتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989
  • مجلة العلوم القانونية للدراسات القانونية والقضائية والسياسية، عدد مزدوج 4 /5 ج 2
  • فاتن الدويرية-تجليات البعد الدولي لحقوق الإنسان في الاجتهاد القضائي المغربي والمقارن-المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية –سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية عدد 139 مطبعة المعاريف الجديدة الرباط
  • -محمد ضياء الدين خليل إبراهيم حقوق الطفل مفهومها وتطورها عبر التاريخ -مجلة جيل حقوق الإنسان العام الثاني العدد الرابع
  • مجلة جيل حقوق الإنسان العام الثاني العدد الرابع
  • حكم منشور بجريدة بيان اليوم العدد 9449 الأربعاء 9 فبراير 2022
  • حقوق الأولاد في الشريعة الإسلامية والقانون، مؤسسة شباب الجامعة لبدران أبو العينين بدران
  • مدونة الأحوال الشخصية، الولادة ونتائجها، مطبعة شركة بابل للطباعة والنشر بالرباط لخالد بنيس
  • التعليق على قانون الأحوال الشخصية) ج 2 آثار الولادة والأهلية والنيابة القانونية، ط الأولى، مطبعة المعارف الجديدة بالرباط لأحمد الخمليشي
  • حقوق الطفل بين المعاهدات الدولية والقانون الجزائري مـذكرة تـخرج لـنـيل شهــــــادة الماستر في الحقوق جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم-السنة الجامعية 2017/2018 لبوفادن عبد المالك
  • البهجة في شرح التحفة، ج 1، دار الرشاد البيضاء، للتسولي.
  • قرار محكمة الاستئناف بطنجة في الملف رقم 257-07/7 و717-07/7 بتاريخ 22/05/2008 منشور بمجلة قضاء الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، العدد الرابع.
  • قرار محكمة الاستئناف رقم 401/5/2007، ملف رقم 64/5/7، بتاريخ 9/6/2005، منشور “بالعمل القضائي الأسري، إدريس الفاخوري“، الجزء الأول، الزواج، مطبعة الأمنية الرباط الطبعة الأولى
  • حكم المحكمة الابتدائية بميدلت عدد 63 صادر بتاريخ 29/09/2022. غير منشور.
  • قانون الأسرة بين طموح المشرع وصعوبات الواقع العملي: كتاب الزواج رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص جامعة عبد الملك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة لإيمان البراق.
  • الدليل العملي لمدونة الأسرة المغربية
  • أحكام الحضانة دراسة في الفقه المالكي وفي مدونة الأسرة، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة باالبيضاء لمحمد الكشبور
  • انحلال الرابطة الزوجية في مدونة الأسرة مع رصد أهم التوجهات الصادرة عن محكمة النقض ومحاكم الموضوع، مكتبة المعرفة، الطبعة الثانية، لإدريس الفاخوري
  • شرح مدونة الأسرة، الزواج، انحلال ميثاق الزوجية وآثاره، الولادة ونتائجها، مطبعة دار النشر المغربية بالدار البيضاء، لمحمد الأزهر
  • دور القضاء في تفعيل مقتضيات قانون الأسرة، الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة سلسلة الندوات واللقاءات و الأيام الدراسية لزهور الحر
  • www.humanium.org/fr/histoire-des-droits-de-l-enfant

الهوامش:

  1. المادة 2 من اتفاقية حقوق الطفل:

    1. تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الاثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مرآز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم

  2. خالد بنيس، مدونة الأحوال الشخصية، الولادة ونتائجها، مطبعة شركة بابل للطباعة والنشر بالرباط 1989، ص 164.
  3. سورة الإسراء، الآيتان 23 -.24
  4. محمد الأزهر: شرح مدونة الأسرة، الزواج، انحلال ميثاق الزوية وآثاره، الولادة ونتائجها، مطبعة دار النشر المغربية بالدار البيضاء، 2006 ص 387.
  5. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي، انظر مختصر سنن أبي داود ج 3، دار المعرفة بيروت، لبنان 1980 ص 185.
  6. خرجه البخاري، كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [العنكبوت:8]، (8/ 2)، برقم: (5970)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، (1/ 89)، برقم: (85)
  7. أخرجه البخاري (1519)، ومسلم (83) بنحوه
  8. أخرجه النسائي (2223) واللفظ له، وأحمد (22149)
  9. أخرجه البخاري (6465)، ومسلم (783) واللفظ له.
  10. ديباجة الدستور ظهير شريف رقم 91-11-1 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور 2001 الجريدة الرسيمة عدد5964
  11. زهور الحر: دور القضاء في تفعيل مقتضيات قانون الأسرة، الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة سلسلة الندوات واللقاءات والأيام الدراسية شتنبر 2004 ص 112.
  12.   سنن الترمذي الرقم 1327 
  13. قرار المجلس الأعلى عدد 146 بتاريغ 26-6-1971 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 25_1980
  14. أحمد الخمليشي (التعليق على قانون الأحوال الشخصية) ج 2 آثار الولادة والأهلية والنيابة القانونية، ط الأولى، مطبعة المعارف الجديدة بالرباط، 1994، ص 169.
  15. راجع دليل عملي لمدونة الأسرة ص 110
  16. قرار اللمجلس الأعلى في ملف عدد: 215/ 2/1/2005 بتاريخ 1/2/2006 منشور في المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة الأسرة، ص 308.
  17. قرار محكمة الاستئناف بطنجة في الملف رقم 257-07/7 و717-07/7 بتاريخ 22/05/2008 منشور بمجلة قضاء الأسرة ، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، العدد الرابع فبراير 2009 ، ص 296.
  18. يتعلق الأمر بحكم المحكمة الابتدائية بميدلت عدد 63 صادر بتاريخ 29/09/2022. غير منشور.
  19. إيمان البراق: قانون الأسرة بين طموح المشرع وصعوبات الواقع العملي: كتاب الزواج رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص جامعة عبد الملك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة 2009/2010 ص 50 – 51.
  20. قرار محكمة الاستئناف رقم 401/5/2007، ملف رقم 64/5/7، بتاريخ 9/6/2005، منشور “بالعمل القضائي الأسري، إدريس الفاخوري“، الجزء الأول، الزواج، مطبعة الأمنية الرباط الطبعة الأولى 2009، ص 35.