مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية مجلة علمية محكمة (التصنيف: NSP)، معامل التأثير للعام 2022 = 4.91

HNSJ Humanities & Natural Sciences Journal

ISSN: (e) 2709-0833

www.hnjournal.net

عنوان البحث

في بنيوية المقاربة الوظيفية للعلوم الاجتماعية

د/عصام الحكماوي1

1 كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب

بريد الكتروني: elhakmaouiissam@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(3); https://doi.org/10.53796/hnsj53/14

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/03/2024م تاريخ القبول: 20/02/2024م

المستخلص

يُعنى هذا المقال برهان إبراز “بنيوية المقاربة الوظيفية للعلوم الاجتماعية”، بما يشترطه من ضرورات الإجابة عن الإشكالات المركزية المتعلقة بهذه البنية النظرية والمنهجية والمعرفية، قصد تعيين وظائفها وتحديد أدوارها، وأبرزها الجواب عن:

ما المعاني والدلالات التي يحملها مفهوم “العلوم الاجتماعية”؟ وعلى أي اعتبارات منهجية ومعرفية يمكن تحديد مجال عمل هذه العلوم في ظل التقارب الكبير الحاصل بينها وبين عديد التخصصات الأخرى الشبيهة والمجاورة؟ وما هي أهم الموضوعات والاتجاهات التي تشكل مجال الاهتمام المركزي لهذه الدراسات المعنية بالاجتماع البشري؟ وهل بالإمكان الحديث عن العوائق المنهجية والمعرفية التي تواجه شرط تحقيق العلمية والموضوعية في دراسة الظواهر والموضوعات ذات الصلة بالعلوم الاجتماعية؟ وأي الأدوار والوظائف التي يمكن لهذه العلوم القيام بها حتى تحوز معناها وقيمتها العلمية والمعرفية؟

الكلمات المفتاحية: المقاربة الوظيفية، العلوم الاجتماعية، العلوم الحقة، الوظيفية

مقدمة

إن الحديث عن المقاربة الوظيفية للعلوم الاجتماعية، هو حديث يتطلب العودة إلى السعة النظرية التي يخضع لها هذا التخصص، وهو ما يفرض الانطلاق من المحددات النظرية لهذا التخصص، إجابة على سؤال “الوظيفة”، ذلك أن هذا التحديد يبقى أساسيا من أجل تعيين مجال عمل الدرس الاجتماعي ومستوياته المنهجية والمعرفية، ما دام أنه يبقى محسوبا على مجال “العلوم الاجتماعية” باعتباره مجالا موسعا يلم شتات القضايا الإنسانية المعنية بدراسة الوضعيات البشرية ومستوياتها.

وعلى هذه الاعتبارات سيكون من المفيد جدا الانتقال من هذا المعنى العام للعلوم الاجتماعية الذي يحتضن فيما يحتضنه التاريخ والتربية والنفس والانتروبولوجيا وغيرها، للحديث عن هذه البنيوية التي تلم أفق هذه التخصصات. وهو الاعتبار الذي يدفعنا قبل الانتقال للحديث عن “المقاربة الوظيفية” للعلوم الاجتماعية، إلى وضع هذا التخصص في إطاره العام من خلال الإشارة إلى دلالات العلوم الاجتماعية ومعانيها ومدارسها واتجاهاتها وقضاياها المعرفية والمنهجية، وصولا إلى مستوى التعرف على وظائفها.

فما المعاني والدلالات التي يحملها مفهوم “العلوم الاجتماعية”؟ وعلى أي اعتبارات منهجية ومعرفية يمكن تحديد مجال عمل هذه العلوم في ظل التقارب الكبير الحاصل بينها وبين عديد التخصصات الأخرى الشبيهة والمجاورة؟ وما هي أهم الموضوعات والاتجاهات التي تشكل مجال الاهتمام المركزي لهذه الدراسات المعنية بالاجتماع البشري؟ وهل بالإمكان الحديث عن العوائق المنهجية والمعرفية التي تواجه شرط تحقيق العلمية والموضوعية في دراسة الظواهر والموضوعات ذات الصلة بالعلوم الاجتماعية؟ وأي الأدوار والوظائف التي يمكن لهذه العلوم القيام بها حتى تحوز معناها وقيمتها العلمية والمعرفية؟

  1. العلوم الاجتماعية: النشأة والدلالات والأصول

عرف القرنين السادس عشر والسابع عشر تسارع الإنجازات العلمية وكثرة الاكتشافات والاختراعات، حيث تضاعف عدد العلماء والباحثين بمعدلات مذهلة، وتفرغ أغلبهم للبحث العلمي ضمن مراكز الأبحاث والمعاهد والمختبرات والجامعات وبنزعة تخصصية، تركز على علم واحد أو بالأحرى على جانب واحد من جوانب هذه التخصصات، ويتم بعدها إحداث تكامل وتعاون من خلال تبادل الخبرات والمعلومات ونتائج التجارب والأبحاث العلمية بين العلماء في شتى أرجاء العالم، هذا الأمر أنتج تسارعا هاما في الاهتمام بالتطبيقات العلمية للعلوم في عديد القطاعات والمجالات، حيث اتجهت المؤسسات الصناعية إلى تطوير إنتاجاتها من خلال إنشاء مراكز البحث العلمي والمختبرات وتكوين وتجنيد الخبراء والعلماء للعمل لحسابها، وأثمرت هذه المظاهر وغيرها تحقق شرط الإيمان المطلق بالعلم والعلوم الحقة، لا سيما حين بدأت نتائجها تتوضح وتظهر على شكل تقنيات جديدة جعلت الحياة سهلة ويسيرة.

هذه العلمنة الممنهجة لكل مجالات الحياة وضعت العلوم الإنسانية والفلسفة في ورطة حقيقة، فأصبحت تتخبط تحت وطأة سؤال الفائدة والجدوى والمعنى[1]، فكان لزاما على العلوم الإنسانية أن تخرج من هذا الاحراج التاريخي، فاتخذت من العلوم الحقة منهجا لها لدراسة الظواهر الإنسانية، لتسمح بعدها بظهور ما يسمى بعلمي النفس والاجتماع بعد تحقق شرط الانفصال عن الفلسفة، من خلال الاقتداء بالمناهج الأمبريقية التي تتعامل مع الظاهرة الإنسانية بطرق علمية بعيدا عن التأمل الخالص.

وبما أن تطبيق المنهج العلمي على الظواهر الاجتماعية يتطلب أولا تحديد الموضوع، فقد اتخذت العلوم الاجتماعية المجتمع الإنساني وما تطرحه الاجتماعات البشرية من وقائع ومسائل اجتماعية موضوعا أساسيا لها، حيث تعمل العلوم الاجتماعية على دراسة الجماعات من حيث هي مجموعة من الأفراد تربطهم علاقات اجتماعية مختلفة عن الفئة الإحصائية التي تشير إلى أشخاص لا علاقة بينهم. وعلم الاجتماع، من خلال هذا التوجه يهدف إلى معرفة حياة الناس ووضعياتهم البشرية، عن طريق الحصول على معطيات صارمة من الواقع، من خلال آليات وأدوات تتطور وتتغير مع تطور العلوم الحقة، اعتمادا على فكرة أن العلم هو عبارة عن معارف مرتبة بطريقة عمل واضحة، ويمكن أن تُخضع الظواهر الاجتماعية للنظر العلمي الصارم إذا ما استُند في معالجتها على منهج علمي يطابق في مبادئه وأسسه ما هو معتمد في علوم أخرى.

وبهذا المعنى يكون علم الاجتماع هو التخصص المعني بمعالجة السلوكات الاجتماعية ذات البعد الإنساني المشترك، وهو بهذا المعنى يسلط الضوء على الترابطات المتبادلة في الحياة الاجتماعية، بقصد البحث عن الظواهر والنظم المؤطرة لها، والكشف عن الأسس التي تحدد طبيعتها، ليصل عالم الاجتماع إلى مقارنة البيانات الإحصائية من جوانبها المختلفة وفي أوقات متعددة، وبذلك تتضح له معالم الحياة والوقائع والشروط والعلاقات الاجتماعية، ويتعرف على النظم السائدة، فيمكنّه ذلك من إصدار الأحكام والقواعد والقوانين العامة التي تخضع لها تلك الظواهر[2].

كما أن الجماعة تشكل الوحدة الأساسية لعلم الاجتماع، حيث يعمل الباحثون ضمن هذا التخصص على دراسة التفاعل الاجتماعي؛ أي كيف يتصرف الأفراد داخل جماعة معينة، وكيفية إستجابة الآخرين لهم، وكيف يؤثر كل شخص على الآخر، لهذا يعتبر هذا العلم من حيث المبدأ أحد فروع العلوم الإنسانية المتخصصة، رغم أنه الأكثر بنيوية وشمولية من غيره من العلوم ذات الصلة بالشرط الإنساني، حيث يتناول جميع جوانب الحياة الاجتماعية.

وتشير عديد المراجع إلى أن علم الاجتماع في تعامله مع الأشكال الاجتماعية والعلائقية والتنظيمية يقترب من الدراسات الفلسفية والتاريخية والاقتصادية والسياسية، ولكن بموضوعه ومنهجه المتميز فهو يهتم بدراسة الوقائع والظواهر والنظم المتعلقة بوالوعي الجماعي لفئة أو جماعة معينة. ويتجذر مفهومه في دراسة الحراك والنشاط البشريين، وموضوعيا في علوم السياسة والأخلاق والدين والأنثروبولوجيا، وفي المعارف البشرية والتجارب المعيشية، وفي الثورة التكنولوجية باعتبارها إنتاجا بشريا اجتماعيا بامتياز.

وعلى هذه الاعتبارات يرى أغلب الباحثين أن تعريف العلوم الاجتماعية يمكن حصره في حقيقة كونه علما يدرس فاعليات الإنسان ككائن اجتماعي مدني بطبعه. ويرجح أغلبهم أن العلوم الاجتماعية بدأت مع ابن خلدون، فقد عرفه هذا الأخير بعلم العمران البشري، ويقصد به ما يحدث في المجتمع من علاقات التكافل والتعاون الذي هو أساس العمران البشري، مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض.

وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع، وجميع ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال[3]، وأيضا تطور المعلومات والعلم والأحداث السياسية وما ينتج عنها من تغييرات في البنيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات، بتحديد الصراع والنزاع لرصد التعاقب التاريخي، ومراحل نمو وانهيار الدول في إطار ما سماه بالتغالب والمعاندة والعصبية. وهو بهذا المعنى العلم المتخصص في فهم طرق البشر في الحياة والعيش، كما اعتبره ابن خلدون من العلوم[4] التي تهتم بدراسة تأثير العناصر الجغرافية والمناخية على السلوكات الاجتماعية والعلاقات البشرية، وكذا الظروف الاقتصادية التي يسميها في مقدمته باختلاف أحوال العمران في الخصوبة والمجاعات وما ينتج عن ذلك من الآثار على أجساد الأفراد وأخلاقهم.

إلى جانب دراسة التمايز والاختلاف بين الشعوب في عاداتهم وتقاليدهم، وهذا ما يعبر عنه من خلال قوله: اعلم أن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم من المعاش فإن اجتماعهم إنما هو للتعاون على تحصيله والابتداء بما هو ضروري منه ونشيط قبل الحاجيّ والكمالي[5]. وقد اتخذ ابن خلدون من الوقائع منطلقا له في منهجه، وهذا المنهج ناتج عن خبرته واطلاعه على أحوال العمران المختلفة واعتمادا على الأخبار التي اطلع عليها وسمع بها ويقيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب[6]، وبهذا الأمر يكون قد نأى بنفسه عن كل التفسيرات الخرافية التي كانت سائدة في حقبته، وقد حاول استثمار أهم النتائج التي توصل إليها العلم حينها حجة ودليلا لتفسيراته.

واعتبر أوغست كونت من خلال توجهه الوضعي الذي يحصر نفسه في حدود التجربة وحدها، بحيث لا يجاوز عالم الأشياء العينية التي تدركها الحواس[7]، أن علم الاجتماع هو العلم الذي يهتم بالمعالجة الموضوعية لمجمل القوانين الأساسية التي تنظم الظواهر الاجتماعية، وارتبط لديه بدراسة الإحصاءات الاجتماعية والثبات الاجتماعي النسبي، والديناميكا الاجتماعية والحراك والتغير الاجتماعي وفهم المراحل الثلاث التي تمر بها المجتمعات في تغيرها وتقدمها وتطورها. ويشمل العناية بتفسير الطبيعة العضوية للمجتمع البشري. ومن الناحية المنهجية فهو العلم الذي يطبق منهج الملاحظة العلمية والتجربة والمقارنة للمراحل المتعاقبة لتطور المجتمعات البشرية.

في حين يتعبر ماكس فيبر أن علم الاجتماع هو العلم الذي يهتم بدراسة العلاقات والسلوكات الاجتماعية ووصفها وتحليلها، وهو علم تجريدي يدرس العلاقات الاجتماعية، والبناءات والأنماط الاجتماعية. وبما أن الفرد هو أساس الحياة الاجتماعية حسب فيبر، فإنه يشكل المجتمع بإرادته الواعية (النظرة الطوعية)، وهو معنى أصبحت بموجبه مهمة علم الاجتماع تتوجه نحو دراسة فعل هذا الانسان وتأويل بواعثه وفهم وفهم أهدافه ومقاصده[8].

وقد ركز إميل دوركهايم على علم الاجتماع التطبيقي وعلى تنمية القواعد والتوجيهات الاجتماعية بالمناهج المناسبة؛ للوصول للأهداف العامة للجماعة والمجتمع، من خلال منهج الملاحظة العلمية والبحوث الميدانية، وإيجاد معايير دقيقة تسهم في تفسير رفاه الحضارات الإنسانية والصحة والأمراض الاجتماعية كالمخدرات والجريمة والتفكك، باعتبار أن الوضع الطبيعي في المجتمع هو الوضع السوي، وأيّ انحراف يعتبر ظاهرة مرضية تشتغل ضد نموذجية الكيانات الاجتماعية الثابتة أو المستقرة نسبيا، وووضح في كتابه قواعد المنهج في علم الاجتماع أن هذا التخصص شأنه شأن كثير من العلوم الاجتماعية له من الفروع بقدر التنويعات الموجودة في ظواهره واتجاهاته وموضوعاته، ومع هذا الالحاح في التقسيمات الفرعية للعلم، كان يصف علم الاجتماع بأنه علم دراسة المجتمعات[9]

  1. علم الاجتماع ورهان تحديد الخصوصية عن العلوم الحقة

عرفت العلوم الإنسانية والاجتماعية منذ ظهورها كعلوم مستقلة عن الفلسفة- أو على الأقل أنها تحاول ذلك- إشكاليات مرتبطة بالمواضيع التي تعالجها والطرق والمناهج التي تتبعها في النظر للظواهر الاجتماعية التي تتعمق بالبحث فيها، وكذلك طبيعة العلاقة التي تجمع الباحث والموضوع المدروس، اعتبارا لفكرة أن هذه القضايا وغيرها قد أدخلت أغلب المفكرين والفلاسفة في جدالات علمية كثيرة، انطلقت من المناهج التي يتبعها العالم في دراسة الظواهر الإنسانية والاجتماعية، فتعددت وجهات النظر حول مدى ملاءمة هذا المنهج أو ذاك، وكل واحد منها لديه مبرراته الخاصة[10].

وفي هذا السياق سيطر اتجاهين كمحاولة منهما لتحديد المنهج المناسب في دراسة الظواهر الاجتماعية والإنسانية: يرى التوجه الأول أنه من الضرورة تطبيق المنهج العلمي التجريبي المعتمد في العلوم الطبيعية، في دراسة الظواهر الإنسانية وباستخدام الإطار النظري المبني على فكرة العزل المنهجي في المختبرات، قصد تحقيق الشروط العلمية الخاصة بالوضوح المنهجي والصرامة المعرفية، تماما كما هو حال باقي التخصصات الفيزيائية التي تقترن بالمنهج الإمبريقي في تعاطيها مع موضوعاتها[11].

والتوجه الثاني يرى أنه ليس من الضروري أن يتم تقليد نفس منهج العلوم الطبيعية، بل يجب أن تكتفي هذه التخصصات بالسعي نحو بلوغ مستوى العلوم الحقة، وذلك بأخذ خصوصية الظاهرة الإنسانية بعين الاعتبار. فإذا كان الوصف في العلوم الإنسانية أرقى درجة يمكن التوصل لها، فإن التفسير المتكامل هو صفة العلوم الحقة لوحدها، وبالتالي يمكن اعتماد المناهج الكيفية كبدائل أو مكملات للمناهج الكمية في تفسير نتائج الإحصاء التي تم التوصل إليها من خلال تتبع المنهج الكمي ووسائله، وذلك من أجل الحصول على المعطيات والبيانات لتأكيد أو نفي الحقيقة العلمية.

ورغم الخلاصات التي قد ينشأ عنها هذا الجدل بين المدرستين، فإن الثابت في الأمر هو أن العلوم الحقة شكلت ولا زالت مرجعا أساسيا تقتدي به كل العلوم الأخرى[12] لا من ناحية الموضوع ولا من الناحية المتعلقة بالمنهج، وذلك لكونها قطعت أشواطا كبيرة في مجال البحث العلمي واستطاعت أن تقدم نفسها باعتبارها فتحا إنسانيا عظيما، بالنظر إلى كم النجاحات التي راكمتها كل التخصصات التجريبية في الزمن المعاصر، بداية من اللحظة التي أعلن فيها ولادة العلم في الزمن الحديث وانبثاق الذات الحرة والمفكرة مع ديكارت ومعه الروح التجريبية لفرانسيس بيكون وغيره[13]، وهو الذي دفع بأوغست كونت إلى اعتبارها مرجعا للعلوم الاجتماعية لأنها تسمح بالإفصاح عن المبادئ العامة[14] التي توجه طرق التفكير.

ثم إن هذا التطور لم تنعكس نتائجه فقط على هذه التخصصات بل كذلك على غيرها من المجالات المعرفية الأخرى، خصوصا منها التي لـم تبرز إلا مؤخرا ونقصد العلوم الإنسانية بشكل خاص، على اعتبار أن السبب الرئيسي في ظهورها هو سعيها إلى الوصول إلى نفس درجة الدقة واليقينية التي وصلت إليها العلوم الطبيعية، من خلال الاقتداء بالمنهج العلمي التجريبي من مجـال الظاهرة الطبيعية إلى مجال الظاهرة الإنسانية.

ومن خلال التجارب الماضية يظهر أن هناك اختلافا بين موضوع العلوم الحقة وموضوع العلوم الاجتماعية، فموضوع العلوم الحقة هو الظاهرة الطبيعية، أما موضوع العلوم الاجتماعية فهو السلوك البشري، وهو تمايز يترتب عنه بالضرورة تمايز في المنهج الـمتبع في دراسة الموضوع. وبناء عليه، فإن أهم مشكل مطروح في العلاقة بين العلوم الحقة والعلوم الاجتماعية هي مشكلة التجربة، أي إمكانية دراسة الظاهرة الاجتماعية بمنهج علمي تجريبي وبالتالي التنبؤ بنتائجها وبإمكانية حدوثها مستقبلا. وقد تصور بعض العلمـاء فـي بداية الأمر أن الإمكانية مطروحة، وأنه يمكن التجريب على الظاهرة الاجتماعية، وبالتالي الوصول إلى معرفة القواعد التـي تحكم عوامل وقوعها من خلال معرفة الترابطات التي تجمع بين الظواهر الاجتماعية.

وقد حققت الفيزياء الحديثة تطورات إلى أن أمست نموذجا للعلوم الحقة، وتعود هذه الإنجازات إلى المنهج التجريبي، الذي أسهم في اكتشاف القوانين العلمية التي أزاحت الطابع الغرائبي عن الطبيعة، والذي يمثل حسب رودلف كارناب “من أهم الملامح التي تميز العلم الحديث بالمقارنة بعلم العصور القديمة، ولقد كان مثمرا إلى حد دفع فيه الفيزياء إلى تقدم عظيم في المائتي سنة الأخيرتين، لقد فهم العلمـاء وفلاسـفة العلـم أن تطـور العلوم مستحيلا إن لم يتم استخدام المنهج التجريبي.[15]

ويقوم المنهج العلمي على خطوات أساسية وهي: الملاحظة والفرضية والتجربة ثم الاستنتاج، وإن كان أغلب العلماء يتفقـون على أهمية الاعتماد على هذه الخطوات كاملة، إلا أن هناك من يعتبر إمكانية الاستغناء عن الخطوة الثانية وهي الفرضية، بحجة أنها تمثل ما هو عقلي وليست تجريبية، وإذا أردنا تحديد طبيعة هذه الخطوات قلنا إن المنهج التجريبي: “يبدأ بالملاحظة المنظمة للظواهر الطبيعية التي يراد بحثها. أما الفرضية فهي تفسير علمي يضعه العالم ثم يحاول التحقق منه تجريبيا. أما مرحلة التجريب فتوضع الظواهر في ظروف يمكن التحكم فيها، مع تنويعها إذا أمكن ذلك، ومن مجموعـة من التجارب يتكون لدينا عدد من القوانين الجزئية التي تبدوا مستقلة عن بعضها البعض، وهي تمهد لنا الطريق للوصـول إلى ما يمكنه وضعه تحت إطار القانون العام[16].

كما تجدر الإشارة إلى أن خطوات المنهج التجريبي يجب أن تحتوي على بعض الشروط لكي تقوم بمهمتها على أكمل وجه، فيجب أولا التمييز بين الملاحظة في معناها العامي والعادي، والملاحظة العلمية؛ فهذه الأخيرة هي ما يجب أن يتوفر عليها العالم، أما الملاحظة العامية عادية وسطحية لا تهدف إلى تفسير الظواهر وهي متاحة لدى الجميع، في حين أن الملاحظة العلمية ليست متاحة إلا للعالم، حيث تهدف إلى معرفة الخصائص والمميزات للظاهرة موضوع الدراسة. وهذه الأخيرة يجب أن تكون قابلة للملاحظة، إما بالعين المجردة أو عن طريق الوسائط المخبرية، وكذلك يجب أن يكون العالم سليما في حواسه وعقله.

أما فيما يخص الخطوة الثانية من المنهج التجريبي، أي الفرضية، يجب أن تنأى عن التفسيرات الخرافية والخيالية والميتافيزيقية التي يستحيل معها تطبيق المنهج الجريبي، وباعتبارها تفسيرا أوليا للظاهرة، فيجب على العالم أن يأخذ بعين الاعتبار المعارف العلمية السابقة. أما بخصوص التجربة فهي إعادة تمثيل الظاهرة الطبيعية مخبريا، وهي أكيد أو نفي مباشر للفرضية الموضوعة في البداية، وهذا النفي أو التأكيد يأتي بعد عدة محاولات، يقوم فيها العالم بتغيير الظروف المنتجة للظاهرة، وإذا ما تم تأكيد الفرضية يتم إنتاج القانون العام الذي يمكن تطبيقه في كل زمان ومكان، ويجعل العالم قادرا على التنبؤ بحدوث ظواهر مشابهة لها في المستقبل القريب.

من هنا يمكن أن نستنتج أن خطوات المنهج التجريبي مترابطة ببعضها البعض، وفي حال غياب خطوة من هذه الخطوات، يقع خلل معين في النتائج المتوصل إليها. وهذا الأمر هو ما حدث مع ظهور ظواهر الميكروفيزياء، حيث تستحيل الملاحظة العينية كخطوة أولية في المنهج العلمي كما فعل نيوتن[17]. وهذا ما وضعها أمام أزمة حقيقية، أطلق عليها أزمة الفيزياء الحديثة، والتي نتج عنها بروز الفيزياء المعاصرة بمناهج مستجدة، تختلف بشكل جذري عنما كان متداولا في الفيزياء الحديثة. حيث تم اعتماد المنهج الفرضي الاستنباطي بدل المنهج العلمي، حيث برزت ظواهر لا يمكن أن معالجتها بواسطة المـنهج التجريبـي. وهذا ما أكد عليه كارل بوبر حين اعتبر أن اختبار الفرض عن طريق الاستنباط المنطقي أمر ضروري، حيث نصوغ فرضية علمية أولا ثم نستنبط منها النتائج، ثم نقارن هذه النتائج مع بعضها لنكشف علاقـات منطقيـة بينهـا[18].

وعليه، فإن العلوم الحقة استطاعت الوصول إلى أعلى مراتب الدقة باستعمالها للمنهج التجريبي في دراسة الظواهر الطبيعية، حتى أصبح العالم قادر علـى التنبـؤ بوقوع الظواهر في المستقبل، وهذا التقدم جعل العلوم الأخرى في سعي دائم للاحتذاء بالعلوم الحقة، بغية بلوغها معرفة يقينية وعلمية، ومن بين هذه العلوم نجد العلوم الاجتماعية، التي أراد لها كونت أن تتخلص من الانفعالات النفسية[19]، وأن تتخذ في المقابل نظاما أشبه ما يكون بالفيزياء الاجتماعية[20] للدلالة على روحها العلمية.

وبالمختصر؛ فإن موضوعات علم الاجتماع اهتمت بالإنسان وواقعه وعلاقاته الاجتماعية المتشابكة، لكن من خلال الرهان على الروح العلمية التي استمدتها من العلوم الحقة وفي مقدمتها الفيزياء التي سميت على إسمها في البداية كفيزياء اجتماعية، وهـو وفق هذا الإطار علم يهتم بدراسة موضوعات تتعلق بالواقع البشري بغاية فهمه وتفسيره وتحديد ثوابته، وعلى هذا تكون العلوم الاجتماعية علوما تـدرس فاعليـات الإنسـان المختلفـة[21]، لكن تحديد هذه الخصوصية التي تميزها عن العلوم الحقة باعتبارها دراسة لهذه الفاعليات في صورتها الإنسانية كذوات لا في دراستها للموضوعات والأشياء، يتطلب الخوض في إشكالاتها المركزية ومجالات اهتمامها الدقيق ما دامت علمية لكن بمعناها الخاص المتميز عن الفيزياء وباقي العلوم التجريبية الأخرى ذات الصلة.

  1. العلوم الاجتماعية: المجالات البحثية والمآزق المنهجية

يشمل مفهوم العلوم الاجتماعية جوانب ومجالات الانسان الاجتماعية والثقافية، ويُستعمل في بعض الأحيان للإشارة إلى علم النفس والاجتماع، وعلم السياسة والاقتصاد، والتاريخ، والقانون، وغالبا يضم الجغرافيا الاجتماعية والاقتصادية، ومن هنا فقد اكتست مجالات العلوم الاجتماعية أهمية بالغة، الأمر الذي جعلها تستوعب كل جوانب الحياة الاجتماعية، وعلى هذا الأساس حضيت باهتمام بالغ في كل ما يتعلق بثقافة الرعاية الاجتماعية، والعدالة، ودراسة الأعمال والتكافل الأسري وأشكال التضامن والتفاعل وغيرها من الموضوعات ذات الصلة.

كما تهتم العلوم الاجتماعية بمختلف جوانب الظواهر الاجتماعية وذلك من خلال تطبيق المنهج العلمي، قصد تفسير الظاهرة الاجتماعية، وفهمها فهما حقيقيا وكاملا، ففيها ما هو نظري يهدف إلى فهم وتفسير الظاهرة، وبالتالي إلى وضع القوانين التي تمكنه من التنبؤ بحدوث تلك الظواهر رغم جدية النقاش المتعلق بمسألة التعميم الذي تنشأ عنه القدرة على التنبؤ في هذه العلوم[22]، أما الجانب الثاني يتعلق بما هو تطبيقي، يهدف إلى إيجاد حلول للمشاكل التي يواجهها الإنسان، لا من الناحية البيولوجية أو النفسية، ولا من الناحية الثقافية والاجتماعية، والأهم أنه من خلال معرفة العلوم الاجتماعية أن كل من مجالاتها على تنوعها تتكاثف بشكل متساوي لخدمة الانسان، من خلال اتخاذ مدخل منهجي يقوم على تجاوز الصعوبات التي تحقق شروط التكميم والتعميم والتنبؤ[23].

لكن هذا النقاش والجدل الخاص بتحديات المنهج لم يمنع العلوم الاجتماعية من أن تكون مقاربة بنيوية تدرس عديد التخصصات والموضوعات، وفي مقدمتها التاريخ، باعتباره محاولة لفهم ماضي الشعوب والحضارات، ودراسة للبنى الاجتماعية والعلاقات الإنسانية والوضعيات البشرية لهذه الجماعات، للاستفادة منه في الحاضر، والتخطيط به من أجل لمستقبل: إنه فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيث التعيين والتوقيف؛ بل عما كان في العالم[24].

وعلى الرغم من الصـعوبات الكبيـرة التـي واجهت دراسة الحادثة التاريخية دراسة علمية، إلا أن العلماء سعوا جاهدين إلى وضع مجموعة من الشروط التي يجب على المؤرخ الالتزام بها من أجل الوصول إلى أسمى درجات العلمية في تفسير الحادثة التاريخية، وهـي شـروط تتعلق بالباحث على وجه التحديد، فمن الصفات الواجب توفرها في المؤرخ أن يكون محبا للدرس وصبورا، فلا تمنعه صعوبة البحث ولا المصاعب ولا العقبات عن مواصلة العمل، ولا ؤرقه ندرة المصادر، ولا يصرفه غمـوض الوقائع والحقائق التاريخية واختلاطها أو اضطرابها.[25] لأن هذا سيكون على حساب العلم والحقيقة التاريخية. وعليه يبقى أهم ما يجب أن يتميز به المؤرخ هو التحلي بالموضوعية والابتعاد عن الذاتية.

هذا على مستوى إعطاء الأمثلة فقط، أما موضوعات العلوم الاجتماعية في الواقع فإنها تمتد إلى مستيات أخرى، لتكون على صلة بالجغرافيا والقانون وعلم النفس والأنتروبولوجيا وعلم السياسة والاقتصاد والإدارة والتربية وتخصصات الإعلام والاتصال والتاريخ كما سبق التوضيح وغيرها الكثير من التخصصات ذات الصلة[26]، تماشيا مع تعريفها الشامل الذي صاغه البروفيسور سيلجمان، حين اعتبر أن العلوم الاجتماعية تتكون من مجموع العلوم والمعارف العقلية والثقافية المرتبطة بأنشطة الفرد باعتباره عضوا في الجماعة[27]، رغم إجماع أغلب علماء الاجتماع أن هذا العلم ما زال في طور التكوين والتطور، وأنه رغم وجوده منذ قرن من الزمان إلا أنه لا زالت صورته النهائية لم تكتمل بعد.

ويعتبر روبرت مرتون أن الولايات المتحدة الأمريكية يوجد فيها خمسة آلاف عالم اجتماع، وإن لكل منهم علم اجتماع خاص به[28]، وهذا ما يؤكده ريمون آرون أيضا من خلال قوله بأن: “علم الاجتماع يتميز في الواقع بالبحث الدائم عن نفسه، ويتفق علماء الاجتماع كلهم ربما، على نقطة واحدة فقط، هي صعوبة تحديد علم الاجتماع[29]، وهذا ما يؤكده هنري مندراس في كتابه مبادئ علم الاجتماع حيث يقرر أنه مازال هناك علم الاجتماع موضع جدل، أي علم في طريق التكوين والتطور[30]. تأكيدا على صعوبة الحسم في سؤال المنهج والموضوع بالنسبة لهذا التخصص البنيوي الذي يضم كثير التخصصات المجاورة.

والهدف من الإشارة إلى هذه الأمثلة هو تأكيد فكرة أن العلوم الاجتماعية تواجه العديد من المفارقات المرتبطة بما هو نظري وتطبيقي ومنهجي، الأمر الذي يتطلب إعادة تفحصها وسبر أغوارها، لا من خلال طرق أبواب الأجوبة الجاهزة، وإنما على العكس عن طريق التعريف بأوجه الجدل والنقاش المتعلقة بالتسمية وسؤال الموضوعية ومآزق المنه.

    1. العلوم الاجتماعية وإشكالية التسمية

تجدر الإشارة في البداية إلى أن نقل مفهوم Sociologie للعربية يحمل نوعا من الغموض والالتباس من الناحية اللغوية والمفاهيمية، وهو غموض ناتج من ناحية عن طبيعة الظاهرة الاجتماعية من حيث احتوائها على توجهين اثنين : توجه عام يشير إلى أن مفهوم ” إجتماع” في معناه الشاسع يتضمن الأبعاد السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وتوجه خاص تشير ” السوسيولوجيا” فيه إلى المعنى الضيق للمفهوم الذي يقتصر على العلاقات الاجتماعية بين الأشخاص والجماعات بكل نتائجها وأسبابها، وهذا الذي يجعل البعض يعتبر مثلا أن الجغرافيا هو أقرب إلى علوم الأرض من علوم الاجتماع، ويعتبر آخرون أن الأنثربولوجيا ليس تخصصا تابعا أيضا[31]، بل الذي يتبع العلوم الاجتماعية هو الأنتروبولوجيا الثقافية[32].

ومن ناحية أخرى فإن لفظ علم الاجتماع يمثل في الحقيقة المفرد الذي تم جمعه ضمن العلوم الاجتماعية، الأمر الذي يجعلنا نطلق إسم علم اجتماع على كل من علوم التاريخ، العلوم السياسة، وعلوم الاقتصاد. ولكي نتخلص من هذا الغموض اللغوي، فمن الأفضل إما أن يتم اعتماد مفهوم “السوسيولوجيا” الذي يشير إلى اسم العلم، لتسهيل القول بأن هناك ظواهر اجتماعية على غرار الظاهرة البيولوجية وغيرها، وإما أن يتم اعتماد المفهوم الخلدوني المعروف بالعمران البشري، رغم أن الملمح العام يبقى هو اعتماد تسمية العلوم الاجتماعية للدلالة على جميع العلوم التي تجعل الإنسانا محورا لاهتماماتها[33]، للقيام بدور الموجه للناس الراغبين في التكيف مع شروط العصر ومنعرجاته[34].

    1. إشكالية ” العلمية والموضوعية ” في دراسة الظواهر الاجتماعية

يتضمن مفهوم العلم معنيين مزدوجين، فهو يدل من ناحية على والنظريات والمقولات التي توضح الترابط الضروري والجوهري الثابت بين أجزاء الواقع المتباينة والمختلفة ويقصد بها الفكر والطبيعة والمجتمع، وهو الذي يطرح تحدي في حالة العلوم الاجتماعية في الجزء المتعلق بتطبيق القواعد العلمية بمعناها الدقيق[35]، ويدل من ناحية أخرى إلى مجموع الأسس المنهجية التي اتبعها الفكر من أجل الوصول لهذه النتيجة، وكما هو ظاهر فإن موضوع ومنهج العلم، هما وجهان متكاملان لعملة واحدة، وبالتالي فإن أي خلل أو عيب في أحدهما، لابد أن يجد انعكاسه في الجانب الثاني، ما دام يتعذر تحييد ذاتية الباحث مع ما يعنيه هذا الأمر من صعوبة التحقق الكامل لشرط الموضوعية[36].

وقد حكم هذا المأزق أغلب الانتقادات الموجهة لعلم الاجتماع، والتي تتوجه بالأساس نحو خاصية التفرد التي تميزه، وما يرتبط بهذا التفرد من تعقيدات وتغييرات يصعب معها استخلاص التعميمات من تقلب سلوكه والتنبؤ به وبالتالي تعذر إجراء التجارب والخضوع للقياسات[37]، فمحاولة تعميم نتائج الظاهرة الاجتماعية دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل ظاهرة قد تكون النتائج التي تم الوصول إليها عبارة عن نسخة مشوهة، وهذه المسألة لديها علاقة مباشرة بخاصية التغير الدائم الذي يميز الظاهرة الاجتماعية، خاصة وأنها في هذه الحالة لن تلعب دورها المحدد في تحديد الهندسة الاجتماعية[38] والذي من المفروض أن يكون أحد رهانات الدرس السوسيولوجي وأحد أهدافه الكبرى.

وكل هذا يجعل الاطراد في هذه العلوم أقل ظهورا منه في العلوم الحقة، ويصعب معه أن نعزل جانبا من جوانب البحث بطريقة يمكن من خلالها تتبع ذلك العامل في إعادة وقوعه، فإذا اكتفينا بمشاهدة الوقائع في حالة تركيبها دون تحليلها، سنجد أن هذه الوقائع لا يمكن أن تتكرر بطريقة تمكننا من مشاهدة خاصية الاطراد فيها، فالعالم في الظاهرة الاجتماعية ليست لديه قدرة إعادة تمثيل الظاهرة مخبريا كلما أراد أن يعيد فعل الملاحظة، وذلك لأن الظاهرة الاجتماعية فريدة من نوعها لأنها قد تحدث مرة واحدة ونحن مطالبون كما يقول دوركهايم بقياس الأثر الناتج عنها[39]، ولكن مشكلتها تكمن في كونها فريدة، بل حتى لو تكررت فلن تعاد بنفس الطريقة ونفس العناصر، وبالتالي ليس من الممكن أن يتوصل العالم إلى نتائج يمكنه تعميمها في كل مكان وزمان، عكس العلوم الحقة التي تتيح إمكانية إعادة الظاهرة مخبريا، فهذه الاختلافات بين العلوم الاجتماعية والحقة، تثير الشكوك في إمكانية وجود قوانين تحكم ظواهر العلوم الاجتماعية[40].

وما يمكن استنتاجه من هذا المأزق المنهجي والموضوعي السابق المتعلق بشرط العلمية، هو أن طبيعة الموضوع في العلوم الاجتماعية بتعقيدها وتركيبها وتفردها تجعل إمكانية الملاحظة الدقيقة للظاهرة وكذا استخلاص النتائج مسألة صعبة وقد تكون مشوهة، مما يشكل عقبة كبيرة في استخلاص القوانين العامة، وهو التحدي الذي أدى إلى حدوث هذا القصور النسبي للعلوم الاجتماعية والإنسانية في سياق محاولة مسايرتها ومواكبتها للتطور الكبير على مستوى المنهج والموضوع الذي عرفته العلوم التجريبية[41] التي ترغب في السير على مسيرها.

وبالإضافة إلى هذه الصعوبة المتعلقة بتحديد الموضوع المدروس، تواجه الذات الدارسة أيضا صعوبات كبيرة، تتعلق أساسا ببعض العوامل التي تشوه طريقة حكمه على الواقع، وتقف في طريق استخلاصه النتائج من المعطيات والبيانات المتاحة لديه، ويمكن تلخيص هذه الصعوبات فما هو ذاتي وقيمي وإيديولوجي، كحاجزين أساسيين يمنعان تحقيق شرط دراسة الظواهر الاجتماعية والإنسانية على أنها موضوعات مستقلة عن ذاتية الباحث[42].

ثم إن عقيد الظاهرة الاجتماعية يجعل إمكانية فصل الذات الدارسة عن الموضوع المدروس صعبة ويمكن أن تصبح مستحيلة، وهو ما قد يسبب حالة من العجز المنهجي في هذه الحالة فالباحث باعتباره ذاتا فهو يحمل قيما ومبادئا وأفكارا معينة، من خلالها يقوم ببناء الأحكام والنتائج التي يعتقد في صحتها بناء على خلفياته الأيديولوجية والقيمية، فالدارس فرد ضمن جماعة معينة، يتحدث لغتهم ويعمل وفق المبادئ والقيم السائدة ضمن هذه الجماعة. فالمجالات القيمية والأيديولوجية والذاتية متداخلة ولا تنفصل عن بعضها البعض، على عكس الذات الدارسة في العلوم الحقة، والتي لا تؤثر هذه المعطيات على النتائج المقدمة حولها، وهذا الأمر مرتبط بشكل أساسي بطبيعة الظواهر الطبيعية، التي يمكن أن يعزل فيها الباحث ذاته عن الموضوع المدروس ودون إدخال الانطباعات الشخصية[43].

لكن هذا لا يعني أن الموضوعية في العلوم الإنسانية غير متحققة، فهي موجودة لكن ليست بالطريقة التي توجد بها في العلوم الحقة، وهذا النقص أو بلغة أدق العائق المنهجي، يتعلق بالذات الدارسة وعلاقتها بالموضوع المدروس، لأن شرط الموضوعية يتحقق بفضل القدرة على استبعاد المشاعر والعواطف عند تناول الوقائع وتفسيرها وعدم إصدار أحكام قيمية وأخلاقية بشأنها[44]، وهو شرط يمكن بلوغه في حال الحديث عن العلوم الحقة والدقيقة، لكن هذا المبدأ لا يمكن أن يتحقق بنفس الطريقة في العلوم الاجتماعية، وذلك لأن العالم في هذه الحالة لا يستطيع أن يتجرد من ميولاته ورغباته الخاصة أثناء عملية التحليل، حيث أن الدارس هو الموضوع المدروس، وإمكانية فصل الذات عن البحث في الوقت الذي يكون فيه الباحث دارس ومدروس غير ممكنة، خاصة وأن هذا الشرط يسقط في متاهة الترابط العضوي بين التفسير كرهان علمي والأيديولوجيات التي تشتغل كخلفية[45].

وهكذا تتسرب عناصر الذاتية وتتداخل أفكار الباحث السابقة مع النتائج العلمية التي يتوصل إليها أحيانا بتأثير من آرائه الخاصة، وهذا الذي يجعل بعض المناهج مقترنة بالجوانب الداخلية والجوانية الدالة على حضور الرمزيات الرومانسية، مثل منهج الاستبطان في علم النفس، حيث يكون الاعتماد على تلك الرؤى البشرية التي هي مزيج وخليط من أسس روحية ونفسية وحدسية مغرقة في الذاتية، كما يمكن التدليل بمثال آخر لوصف اختلاف الموضوعية في العلوم الانسانية عن الموضوعية في العلوم الأخرى، من خلال الإشارة مثلا إلى الدور الحيوي الذي يلعبه المؤرخ في بناء الوقائع التاريخية وتفسيرها، فهو الذي يبينها ويحددها، ما يعني أن الحقائق التاريخية قد تعكس وجهة نظر المؤرخ الخاصة، وتعبر عن ميوله أو معتقداته. وعلى أية حال فإن الصلة بين الباحث كذات وبين موضوع بحثه في العلوم الإنسانية صله لها وضعها الخاص وتأثيرها لا يمكن إغفاله في هذه العلوم[46].

لكن الثابت في هذه التفصيلات المتعلقة بالمنهج وغياب الموضوعية في ظل سطوة الذاتية وما يعيبها من الناحية العلمية والمنهجية والإبستمولوجية، هو أهمية الدرس الذي تمنحنا إياه العلوم الموسومة بكونها اجتماعية، لكونها وحدها المعنية بالجواب عن القلق البشري، في ظل انسحاب أغلب التخصصات نحو دراسة الظواهر الفيزيائية والفلكية والبيولوجية والرياضية؛ إنها بهذا المعنى التخصص الوحيد الذي أراد للإنسان أن يجيب عن أسئلته، قبل أن يجيب على أسئلة الزمان والمكان والكون والظواهر، وهو الذي يقفودنا مباشرة إلى جزء مركزي يتعلق بالوظائف والأدوار الأساسية والمهمة التي تضطلع بها العلوم الاجتماعية، والتي تمنحها مبرر لوجودها حتى في ظل الاتفاق حول الإخفاقات المنهجية.

  1. العلوم الاجتماعية والرهانات الوظيفية

إن علم الاجتماع باعتباره علما يهتم بدراسة المجتمع البشري وتحولاته، بما يميزه من مركبات متنوعة على المستويات الفردية والجماعية، يقدم خدمات جليلية للموضوعات الإنسانية، أولها متعلق بالوظيفة العلمية لهذا التخصص، والمتمثلة في ملاحظة النتائج التي توصل إلیها العلم، ووضع نقد بناء لمجهودات القائمين عليها، سواء في المجال النظري أو المجال التطبيقي والعمل الميداني، من خلال المساهمة في وضع فهم عقلاني لما يقع أمامنا من أحداث وظواهر طبيعية، فالفهم ليس منهجا، وإنما هو أساس المنهج الكيفي، وهو عملية لا غنى عنها في العلوم الاجتماعية، فهو العملية المعرفية المتميزة التي تستهدف استعاب المواد العقلية الكائنة في كل تعبير أو سلوك[47].

وهو ربما الدافع الأساسي الذي فرض على كونت ودوركهايم تأسيس العلوم الاجتماعية في الأصل، لأن رهانهما كان تحقيق العلمية في هذه التخصصات، ونفسه الكلام الذي يقال على بوبر الذي كان من المساهمين الأساسيين في تثبيت هذه الدلالات العلمية حين اعتبر الظاهرتين الاجتماعية والطبيعية متشابهتين في إمكانية حصولهما على شرط العلمية[48]، حين وضع شروط تصوره عن التكذيب بشكله العام الذي يخدم كل التخصصات بالتساوي، من خلال تأكيد فكرة الانطلاق من النظرية ومن وحدة المنهج الفرضي الاستنباطي، والقول بأن مبدأ المحاولة والخطأ هو آلية تسري على جميع العلوم وتحكم تطورها[49].

فالعلوم في سعي مستمر إلى وضع براهين وأدلة عديدة ومتنوعة لكل الظواهر التي تحدث، لأن غياب التفسير العلمي للعالم من شأنه أن يزج بنا في غياهب التفسيرات الخرافية أو على الأقل تلك المعتمدة على سلطة الذات والحسابات الشخصية والإيديولوجية، في حين أن نظرية “وحدة المنهج”[50] التي أقرها بوبر، وضحت الوظائف المعرفية والعلمية للعلوم الاجتماعية، باعتبارها هي أيضا قائمة على الأركان الأربعة الخاصة بتحقيق شرط العلمية في العلوم الاجتماعية، وهي اختيار المشكلة وتحديدها، ثم اقتراح الرؤى النظرية المحتملة لحلها، وبعدها المرور لخطوة ثالثة يكون أساسها هو مناقشة النظرية المقترحة وتحليلها بغرض استبعاد أخطائها المحتملة، ثم أخيرا الاعتماد على ضمان استمرارية النقد بغرض الإبقاء على الدينامية العلمية واحتمال القابلية للتكذيب[51].

ما يعني أن الوظيفة العلمية هي من غايات العلوم الاجتماعية، التي تسعى إلى تحقيق القدرة على دراسة المتغيرات الطارئة على الوضع البشري، عن طريق الاستناد إلى الظاهرة الاجتماعية في كل تفاصيلها المتعلقة بالبيانات وإجراء الفروض، والملاحظة والتحليل والتفسير، قبل الوصول إلى مرحلة الصياغة النهائية للنتائج والمبادئ على شكل قوانين ونظريات، يمكنها أن تسعفنا في تجاوز شتات الظواهر الإنسانية وقضاياه العالقة[52]، بلوغا للهدف المنشود من كل علم وهو الفهم والوصف والتفسير والقدرة على التنبؤ والضبط والتحكم[53]، وهي كلها مطالب ورهانات تسعى العلوم المعنية بالاجتماع إلى تحقيقها.

إلى جانب هذه الوظيفة تسعى العلوم الاجتماعية أيضا إلى تحقيق رهان فهم البنية الاجتماعية وتحقيق شروط المواطنة والتمدن والتحضر؛ ذلك أن الوظيفة الأولى لهذه العلوم هي دراسة “المجتمع” بدلالاته الموسعة والعامة، والتي يقصد بها الإطار النظري والمفهومي للكلمة، ثم من ناحية ثانية دراسة “المجتمع” بالمعنى الجزئي والضيق، الذي يقصد به مجال محدد من العلاقات بين الأفراد، الذين يتميزون عن باقي الحشود بخصائص ثقافية وتاريخية واجتماعية تميزهم عن ما سواهم[54]، وأحيانا إلى دراسة مؤشرات تماسك الجماعة المحددة من عدمه ونوع الديناميكيات المميزة لكل تنظيم اجتماعي، ومدى قدرتها على تحقيق الوحدة[55].

وهذا يعني أن العلوم الاجتماعية معنية بتحقيق وظيفة الربط القانوني والمؤسساتي والثقافي والتاريخي والحقوقي بين الأفراد، بما يعنيه هذا الأمر من تكريس لمبدأ “المواطنة”، لأن هذا التلاحم الاجتماعي الذي هو غاية كل علم من هذه العلوم يكون بمثابة الهدف الأسمى، وهو ما لا يتحقق إلا في حال الانتقال من الحديث عن “الفرد” إلى مستوى الحديث عن “المواطن”، باعتباره المجموع الذي يرتبط أفراده بنسق مشترك من القواعد التي تنظم حياتهم، وهو مجموع يُشترط فيه أن يمتلك قواعد مشتركة في السلوك هي التي تحدد العلاقة بين أفراده[56].

ما يعني أن العلوم الاجتماعية هي في أصلها بحث عن تكريس المواطنة كشرط أساسي لبناء القوام الاجتماعي، مع محاولة نقل الأفراد من مستوى القطيعة إلى لحظة “التمدن” و “التحضر”، إذ رغم أن المفهومين لهما جوانب من الاختلاف على أساس أن الحضارة لا تعني بالضرورة حالة المدنية[57]، لكنهما معا يشكلان أحد أهم الوظائف التي تقوم العلوم الاجتماعية بشغلها، ذلك أنها تسعى في الجزء المتعلق بالمدنية إلى إبراز الترابط الاجتماعي في إطاره المؤسساتي والقانوني الذي من خلاله يمكن مراقبة العلاقات الاجتماعية وتنظيمها وتطويرها، وهي على هذا الأساس تشمل كل المؤسسات الاجتماعية[58].

في حين أنها تكريس لمقولة “الحضارة” من حيث كونها توثيق للقيم الإنسانية الكامنة والمشتركة، خاصة وأنها تحيل إلى نمط عيشنا ورؤيتنا الجماعية للوجود والحياة، وهي تشمل الروح الجمالية والفنية والثقافية والأدبية والدينية للجماعات البشرية، وهي على هذا الأساس أقرب ما تكون إلى التخصصات المحسوبة على التاريخ من حيث كونه دراسة للأثر الجمالي في كل أبعاده الثقافية والدينية والفنية، عبر العصور والحضارات[59]، لأن الغاية الأساسية هي توفير الشروط المناسبة التي تعيننا على ضمان مستلزمات العيش المشترك ضمن إطار قانوني ومؤسساتي يشير إلى “المدنية”، ودون تناسي الأبعاد الجمالية والفنية والأدبية والدينية والثقافية التي على أساسها يمكن تحقيق شرط “التحضر”.

وطبعا ليس القصد بهذه الإشارات البسيطة جدا استكمال القول في وظائف العلوم الاجتماعية، لأنها لا تتحدد بتكريس شروط العلمية وبناء روح الجماعة كحالة تحضر وتمدن، والتوجه نحو الإجابة عن المشكلات والتحديات الاجتماعية وحسب، بل إنها أيضا لها وظائف أخرى تتعلق بدراسة أثر البيئة على الإنسان[60]، وأيضا تحديد الأبعاد النفسية والسيكولوجية الموجهة للسلوكات والدوافع البشرية[61]، إلى جانب دراسة المحددات السياسية التي يمكن اعتمادا عليها تحويل الوجود البشري من وضعياته الفردية إلى أفقه التشاركي، أتعلق الأمر بتدبير الجماعات الصغيرة[62]، أو بتحقيق شروط التوافق الكوني حين يجري الحديث عن السياسات الدولية والمؤسسات الأممية، الممثلة لفكرة “المشترك الإنساني”.

خاتمة

يُعنى هذا المقال برهان إبراز “بنيوية المقاربة الوظيفية للعلوم الاجتماعية”، بما يشترطه من ضرورات الإجابة عن الإشكالات المركزية المتعلقة بهذه البنية النظرية والمنهجية والمعرفية، قصد تعيين وظائفها وتحديد أدوارها، وأبرزها الجواب عن:

ما المعاني والدلالات التي يحملها مفهوم “العلوم الاجتماعية”؟ وعلى أي اعتبارات منهجية ومعرفية يمكن تحديد مجال عمل هذه العلوم في ظل التقارب الكبير الحاصل بينها وبين عديد التخصصات الأخرى الشبيهة والمجاورة؟ وما هي أهم الموضوعات والاتجاهات التي تشكل مجال الاهتمام المركزي لهذه الدراسات المعنية بالاجتماع البشري؟ وهل بالإمكان الحديث عن العوائق المنهجية والمعرفية التي تواجه شرط تحقيق العلمية والموضوعية في دراسة الظواهر والموضوعات ذات الصلة بالعلوم الاجتماعية؟ وأي الأدوار والوظائف التي يمكن لهذه العلوم القيام بها حتى تحوز معناها وقيمتها العلمية والمعرفية؟

قائمة المراجع:

  • حسام الدين فياض، مدخل إلى علم الاجتماع من مرحلة تأصيل المفاهيم إلى مرحلة التأسيس، مكتبة الأسرة العربية، اسطنبول، ط1، 2021.
  • عبد الرحمن ابن خلدون، المقدمة، تحقيق عبد الواحد الوافي، الجزء الأول في أن أجيال البدو والحضر طبيعية، القاهرة، دار نهضة مصر للطبع والنشر.
  • زكي نجيب محفوظ، نحو فلسفة علمية، منشورات الهيئة العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1970.
  • إيان كريب، النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة محمد حسين، مراجعة محمد عصفور، إصدارات عالم المعرفة، العدد 244.
  • عبد الباسط عبد المعطي، اتجاهات نظرية في علم الاجتماع، عالم المعرفة العدد 44،
  • بوزيدي غنية، التفكير الإنساني بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، منشورات مجلة سلسلة الأنوار، المجلد الثالث، العدد التاسع، يونيو 2019.
  • بوبماتيوز زليسروس، الدليل العلمي لمناهج البحث في العلوم الاجتماعية، ترجمة محمد الجوهري، منشورات المركز القومي للترجمة، القاهرة، طبعة 2016.
  • رودلف كارناب، الأسس الفلسفية للفيزياء، القاهرة، دار الثقافة الجديدة، القاهرة.
  • إبراهيم مصطفى ابراهيم، منطق الاستقراء “المنطق الحديث”، القاهرة: دار المعارف.
  • عبد القادر بشتة، الابستيمولوجيا، مثال الفيزياء النيوتونية، ط1، بيروت: دار الطليعة.
  • أحمد ملاح، المختصر في تاريخ الفلسفة الغربية من طاليس إلى باشلار، منشورات مؤسسة رياض، طبعة سنة 2010.
  • محمد فتحي عبد الهادي، المصادر المرجعية للمعلومات في العلوم الاجتماعية، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى 1995.
  • أوسيبوف، قضايا علم الاجتماع، دراسة سوفييتية نقدية لعلم الإجتماع الرأسمالي، منشورات دار المعارف، القاهرة، نسخة سنة 1970.
  • غسان زكي بدر، الموضوعية في أبحاث علم الاجتماع، ضمن منشورات حولية الانسانيات والعلوم الاجتماعية، جامعة قطر، العدد الرابع، 1981.
  • صلاح قنصوه، الموضوعية في العلوم الاجتماعية، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، نسخة سنة 2007.
  • ميادة مصطفى القاسم، مسألة الموضوعية والذاتية في البحوث الاجتماعية –دراسة سوسيولوجية تحليلية-منشورات مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد الخامس، العدد التاسع، يوليوز 2021.
  • ابتسام صاولة، مشكلة المنهج في العلوم الاجتماعية، كارل بوبر أنموذجا، منشورات مجلة دراسات في التنمية والمجتمع، المجلد السابع، العدد الثالث، سنة 2022.
  • علي معمر عبد المؤمن، مناهج البحث في العلوم الاجتماعية: الأساسيات والتقنيات والأساليب، منشورات دار الكتب الوطنية، بنغازي – ليبيا، الطبعة الأولى، 2008.

الهوامش:

  1. – ربما تكون هذه النزعة العدمية في الواقع جزءاً أصيلا من بنية الفكر المعاصر، الذي توجه نحو إبراز انتفاء المعاني والغايات، وقد تم التعبير عنه كثيرا في فلسفات القتل والإعدام: “موت الإنسان” – “نهاية الفلسفة” – “موت الإله” – “أفول العلم” – “انتفاء الروح” – “غياب الوعي”…، وغيرها الكثير من الأطروحات الدالة على هذه النزعة التي طغت على المقاربات الفكرية في الفلسفة وعلم النفس وعلوم الاجتماع، حيث تكلف كل تخصص بإحدى مراحل هذا القتل المنجي، فالفلسفة مثلا قتلت الإله مع نيتشه والإنسان مع فوكو، وعلوم الاجتماع تكلفت بنهاية الفلسفة والروح، وعلم النفس كرس نهاية “الوعي” في مقابل “اللاوعي” وهكذا.

  2. – حسام الدين فياض، مدخل إلى علم الاجتماع من مرحلة تأصيل المفاهيم إلى مرحلة التأسيس، مكتبة الأسرة العربية، اسطنبول، ط1، 2021، ص ص(116-117)

  3. – عبد الرحمن ابن خلدون، المقدمة، تحقيق عبد الواحد الوافي، الجزء الأول في أن أجيال البدو والحضر طبيعية، القاهرة، دار نهضة مصر للطبع والنشر، ص ص328-331.

  4. – استخدام صفة “العلوم” في هذا السياق يأتي في إطار الحديث عن الوصف العام لنمط تعاملنا مع الدراسات الاجتماعية في الزمن المعاصرن باعتبارها محددة في كونها علم له أركانه ومناهجه وموضوعاته، ولا يعني أبدا أن ابن خلدون استخدم صيغة “علم الاجتماع” بدلالاته الحديثة، لكون هذا الإطار كان حديثا وتابعا لابن خلدون، ويعود تحديدا إلى إسهامات أوغست كونت” ومن معه ممن أظهروا أن الاجتماع هو علم دقيق بمنهجه واتجاهاته وموضوعاته ومعارفه.

  5. – عبد الرحمن ابن خلدون، المقدمة، مصدر سبق ذكره، ص 115.

  6. – عبد الرحمن ابن خلدون، المقدمة، مصدر سبق ذكره، ص 291.

  7. – زكي نجيب محفوظ، نحو فلسفة علمية، منشورات الهيئة العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1970، ص 43.

  8. -إيان كريب، النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة محمد حسين، مراجعة محمد عصفور، إصدارات عالم المعرفة، العدد 244، ص 13.

  9. – عبد الباسط عبد المعطي، اتجاهات نظرية في علم الاجتماع، عالم المعرفة العدد 44، ص 80.

  10. – من باب الإشارة فإن موضوع المنهج في العلوم الاجتماعية والإنسانية عموما يبقى موضوعا على رأس المشكلات التي يجري العمل على تجاوزها، من أجل خلق أرضية صلبة تكون مؤسسة لبناء روح علمية أكثر موضوعية وأقل إثارة للجدل، ما يعني أن تجاوز مأزق المنهج سيكون في حال حدوثه أمرا في غاية الأهمية بالنسبة للعلوم الاجتماعية.

  11. – بوزيدي غنية، التفكير الإنساني بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، منشورات مجلة سلسلة الأنوار، المجلد الثالث، العدد التاسع، يونيو 2019، ص 03.

  12. – كان من البديهي جدا أن يتم التعامل مع العلوم الحقة على أساس أنها مرجع بالنظر إلى المسار المميز الذي طبع تطورها بداية من القرن السادس عشر والسابع عشر، ذلك أن الثورات المتلاحقة التي عرفتها علوم الفلك والفيزياء والبيولوجيا والرياضيات، جعلت من هذه العلوم مرجعا أساسيا يطمح الجميع إلى بلوغ موضوعيته ودقته وصرامته.

  13. بوزيدي غنية، التفكير الإنساني بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، مرجع سبق ذكره، ص 4.

  14. – بوبماتيوز زليسروس، الدليل العلمي لمناهج البحث في العلوم الاجتماعية، ترجمة محمد الجوهري، منشورات المركز القومي للترجمة، القاهرة، طبعة 2016، ص 109.

  15. – رودلف كارناب، الأسس الفلسفية للفيزياء، القاهرة، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، ص 5

  16. -إبراهيم مصطفى ابراهيم، منطق الاستقراء “المنطق الحديث”، القاهرة: دار المعارف، ص، ص 180،181.

  17. بوزيدي غنية، التفكير الإنساني بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، مرجع سبق ذكره، ص 5.

  18. – عبد القادر بشتة، الابستيمولوجيا، مثال الفيزياء النيوتونية، ط1، بيروت: دار الطليعة، ص 64.

  19. – أحمد ملاح، المختصر في تاريخ الفلسفة الغربية من طاليس إلى باشلار، منشورات مؤسسة رياض، طبعة سنة 2010، ص 35.

  20. بوزيدي غنية، التفكير الإنساني بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، مرجع سبق ذكره، ص 7.

  21. – طلعت الأخرس وطوني القهوجي، مباحث في الابستيمولوجيا، فلسفة العلوم والمعرفة، منشورات مكتبة الجيل بيروت، ص 226.

  22. – إيمانويل ديفو وميشيل دوفورنيل، التعميم أو التجاوز الأبدي، ضمن الكتاب الجماعي: دراسة العلوم الاجتماعية… التعميم، إشراف إيمانويل ديفو وميشيل دوفورنيل، ترجمة نجيب غزاوي، مراجعة وتدقيق غازي برو، منشورات دار الفرابي، بيروت، الطبعة الأولى، نونبر 2016، ص 14.

  23. إيمانويل ديفو وميشيل دوفورنيل، التعميم أو التجاوز الأبدي، مرجع سبق ذكره، ص 14.

  24. – حسن عثمان، منهج البحث التاريخي، منشورات دار المعارف للطباعة والنشر، القاهرة، طبعة سنة 2008، ص 20 .

  25. حسن عثمان، منهج البحث التاريخي، مرجع سبق ذكره، ص 18

  26. – يمكن العودة في هذا الخاص بالتعرف على أهم التخصصات المحسوبة على العلوم الاجتماعية والأسئلة المتعلقة بشروط هذا الربط ومساراته التاريخية الكبرى، والشروط التي حكمت هذه البنية ومكونلتها المعرفية والتخصصية، إلى كتاب:

    – محمد فتحي عبد الهادي، المصادر المرجعية للمعلومات في العلوم الاجتماعية، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى 1995.

  27. محمد فتحي عبد الهادي، المصادر المرجعية للمعلومات في العلوم الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص 24.

  28. – أوسيبوف، قضايا علم الاجتماع، دراسة سوفييتية نقدية لعلم الإجتماع الرأسمالي، منشورات دار المعارف، القاهرة، نسخة سنة 1970، ص 64.

  29. – ريمون آرون، المجتمع الصناعي، بيروت ـ باريس، الطبعة الثانية سنة 1980، ص 9.

  30. عبد الرحمن ابن خلدون، المقدمة، مرجع سبق ذكره، ص 4.

  31. محمد فتحي عبد الهادي، المصادر المرجعية للمعلومات في العلوم الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص 28.

  32. محمد فتحي عبد الهادي، المصادر المرجعية للمعلومات في العلوم الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص 28.

  33. محمد فتحي عبد الهادي، المصادر المرجعية للمعلومات في العلوم الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص 28.

  34. محمد فتحي عبد الهادي، المصادر المرجعية للمعلومات في العلوم الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص 29.

  35. – غسان زكي بدر، الموضوعية في أبحاث علم الاجتماع، ضمن منشورات حولية الانسانيات والعلوم الاجتماعية، جامعة قطر، العدد الرابع، 1981، ص 89.

  36. غسان زكي بدر، الموضوعية في أبحاث علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص 91.

  37. صلاح قنصوه، الموضوعية في العلوم الاجتماعية، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، نسخة سنة 2007، ص52.

  38. غسان زكي بدر، الموضوعية في أبحاث علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص 95.

  39. غسان زكي بدر، الموضوعية في أبحاث علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص 100.

  40. طريف الخولي، مشكلة العلوم الإنسانية، تقنينها وإمكانية حلها، منشورات مؤسسة هنداوي للعتليم والثقافة، القاهرة، ص 60.

  41. – ميادة مصطفى القاسم، مسألة الموضوعية والذاتية في البحوث الاجتماعية –دراسة سوسيولوجية تحليلية-منشورات مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد الخامس، العدد التاسع، يوليوز 2021، ص 95.

  42. ميادة مصطفى القاسم، مسألة الموضوعية والذاتية في البحوث الاجتماعية –دراسة سوسيولوجية تحليلية-، مرجع سبق ذكره، ص 100.

  43. ميادة مصطفى القاسم، مسألة الموضوعية والذاتية في البحوث الاجتماعية –دراسة سوسيولوجية تحليلية-، مرجع سبق ذكره، ص 101.

  44. – محمد حسن الهلالي وحسن بيقي، معايير العلمية، منشورات دار توبقال، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2015، ص 48.

  45. – ابتسام صاولة، مشكلة المنهج في العلوم الاجتماعية، كارل بوبر أنموذجا، منشورات مجلة دراسات في التنمية والمجتمع، المجلد السابع، العدد الثالث، سنة 2022، ص3.

  46. صلاح قنصوه، الموضوعية في العلوم الاجتماعية، مصدر سابق، ص -ص 59-  60

  47. – يمنى طريف الخولي، قضايا العلوم الإنسانية، إشكالية المنهج، منشورات وزارة الثقافة، القاهرة، ص 22.

  48. – ابتسام صاولة، مشكلة المنهج في العلوم الاجتماعية، كارل بوبر أنموذجا، مرجع سبق ذكره، ص 3.

  49. – ابتسام صاولة، مشكلة المنهج في العلوم الاجتماعية، كارل بوبر أنموذجا، مرجع سبق ذكره، ص 4.

  50. – ابتسام صاولة، مشكلة المنهج في العلوم الاجتماعية، كارل بوبر أنموذجا، مرجع سبق ذكره، ص 6.

  51. ابتسام صاولة، مشكلة المنهج في العلوم الاجتماعية، كارل بوبر أنموذجا، مرجع سبق ذكره، ص 5.

  52. علي معمر عبد المؤمن، مناهج البحث في العلوم الاجتماعية: الأساسيات والتقنيات والأساليب، منشورات دار الكتب الوطنية، بنغازي -ليبيا، الطبعة الأولى، 2008، ص 11.

  53. علي معمر عبد المؤمن، مناهج البحث في العلوم الاجتماعية: الأساسيات والتقنيات والأساليب، مرجع سبق ذكره، ص 23.

  54. – موريس جنزبرغ، علم الاجتماع، ترجمة فؤاد زكريا، مراجعة مهدي علام، منشورات مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، طبعة سنة 2022، ص 30.

  55. – موريس جنزبرغ، علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص 31.

  56. موريس جنزبرغ، علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص 31.

  57. موريس جنزبرغ، علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص ص 32 – 33.

  58. موريس جنزبرغ، علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص 33.

  59. موريس جنزبرغ، علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص 34.

  60. موريس جنزبرغ، علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص 37.

  61. موريس جنزبرغ، علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص 37.

  62. موريس جنزبرغ، علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص 37.