اميمة مسكين1
1 طالبة باحثة في سلك الدكتوراه، كلية علوم التربية، الرباط، المغرب.
بريد الكتروني: maskineoumaima6@gmail.com
HNSJ, 2024, 5(3); https://doi.org/10.53796/hnsj53/18
تاريخ النشر: 01/03/2024م تاريخ القبول: 20/02/2024م
المستخلص
تكتسب المفاهيم أهمية بالغة في بناء التعلمات واكتساب أدوات المعرفة ، فهي المجاز الذي يمكن المتعلم من الانتقال من المعرفة الملموسة الى الفكر المجرد، والمفاهيم التاريخية تشكل اللغة الاساس لدراسة وتعلم التاريخ .
فالارتباط بين اللغة والمعرفة والفكر والتعلم وثيق من الناحية السيكو بيداغوجية، والتأكيد على هذا الارتباط ضمن وحدة مركبة، يضع الأداء اللغوي بشكل ملازم للأداء المعرفي، اذ يتضافر مع باقي الوظائف الذهنية والوجدانية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بالمتعلم.
فاللغة تلعب دور مهم في انشاء وامتلاك المعرفة التاريخية والوصول اليها والتعامل معها والتعبير عنها ضمن المنعطف اللغوي للأبستمولوجيا المعرفة التاريخية، لكون الأداء اللغوي يعتبر اساسيا لتثبيت التعلم واثباته في نفس الوقت.
ومن هنا تبرز ضرورة وأهمية الكفاية اللغوية التواصلية في التعلم بشكل عام وتعلم التاريخ بشكل خاص لكون هذا الاخير ليس تخصصا لغويا محضا الا ان الكفاية اللغوية التواصلية اصبحت رهانا أساسيا للدخول في مجتمع المعرفة العالمي، لقد حاولنا في هذا المقال ابراز دور الكفاية اللغوية التواصلية في تعلم التاريخ لما اصبحت تكتسيه من أهمية في التعلم والتعليم بصفة عامة وشاملة وتعلم التاريخ بصفة خاصة.
الكلمات المفتاحية: الكفاية التواصلية ، ديداكتيك التاريخ ، المفاهيم
The significance of communicative linguistic competence in learning history
Oumaima Maskine1
1 Doctoral research student, Faculty of Educational Sciences, Rabat, Morocco. Email: maskineoumaima6@gmail.com
HNSJ, 2024, 5(3); https://doi.org/10.53796/hnsj53/18
Published at 01/03/2024 Accepted at 20/02/2024
Abstract
Concepts play a crucial role in the process of learning and acquiring knowledge, serving as metaphors that allow learners to transition from concrete information to abstract thinking. In the realm of learning history, historical concepts form the foundational language for studying and acquiring knowledge.
psychopedagogically speaking, there is a strong bond between language, knowledge, thought, and learning. Emphasizing this connection within a complex unit places linguistic performance in a position that aligns with cognitive performance, intertwining with other mental, emotional, social, and cultural functions relevant to the learner.
Language assumes a vital role in the creation, possession, access, engagement, and expression of historical knowledge. This is particularly evident within the linguistic framework of the epistemology of historical knowledge. Linguistic performance is deemed essential for consolidating and demonstrating learning simultaneously.
Consequently, the necessity and significance of communicative linguistic competence extend to learning in general, and learning history, in particular. Although history is not exclusively a linguistic specialization, communicative linguistic competence has become a fundamental asset for participation in the global knowledge society. In this article, we aim to underscore the role of communicative linguistic competence in learning history due to its overarching importance in learning and teaching, both broadly and specifically within the context of history.
Key Words: Linguistic and communicative competence, History didactics, Concept.
المقدمة:
تكتسب المفاهيم أهمية بالغة في بناء التعلمات واكتساب أدوات المعرفة ، فهي المجاز الذي يمكن المتعلم من الانتقال من المعرفة الملموسة الى الفكر المجرد، والمفاهيم التاريخية تشكل اللغة الاساس لدراسة وتعلم التاريخ .
فالارتباط بين اللغة والمعرفة والفكر والتعلم وثيق من الناحية السيكو بيداغوجية، والتأكيد على هذا الارتباط ضمن وحدة مركبة، يضع الأداء اللغوي بشكل ملازم للأداء المعرفي، اذ يتضافر مع باقي الوظائف الذهنية والوجدانية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بالمتعلم.
فاللغة تلعب دور مهم في انشاء وامتلاك المعرفة التاريخية والوصول اليها والتعامل معها والتعبير عنها ضمن المنعطف اللغوي للأبستمولوجيا المعرفة التاريخية، لكون الأداء اللغوي يعتبر اساسيا لتثبيت التعلم واثباته في نفس الوقت.
ومن هنا تبرز ضرورة وأهمية الكفاية اللغوية التواصلية في التعلم بشكل عام وتعلم التاريخ بشكل خاص لكون هذا الاخير ليس تخصصا لغويا محضا الا ان الكفاية اللغوية التواصلية اصبحت رهانا أساسيا للدخول في مجتمع المعرفة العالمي، لقد حاولنا في هذا المقال ابراز دور الكفاية اللغوية التواصلية في تعلم التاريخ لما اصبحت تكتسيه من أهمية في التعلم والتعليم بصفة عامة وشاملة وتعلم التاريخ بصفة خاصة.
الكفاية في اللغة:
الكفاية في اللغة هي شتيت من المعاني تمحورت حول القُدرة والانتهاء والاستغناء وبلوغ الغاية، فأصل الكلمة كما ذكر ابن فارس: “الكاف والفاء والحرف المعتلّ أصل صحيح يدلّ على الحسْب الذي لا مُستزاد فيه، يُقال: كفاكَ الشيءُ يكفيك. وقد كفى كفاية إذا قامَ بالأمر”( ابن فارس، 1979)، وقال الفيومي: “كفى الشيءُ يكفي كِفايةً فهو كافٍ إذا حصل به الاستغناء عن غيره، واكتفيتُ بالشيء استغنيتُ به أو قنعتُ به” ( الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي ) فبلوغ المرء حدّ الكفاية في شيء يدلّ على تحقيقه الغاية منه واستغنائه، فيكون بذلك مُؤهّلاً لما يتّصصل بذلك الشيء من مُتطلّبات أو أُمور، فهي “أفضل مستوى يحتمل أن يصل إليه الفرد، إذا حصل على أنسب تدريب أو تعليم، وقد تُسمّى الاقتدار (Capability)”(شحاتة، معجم المصطلحات التربوية والنفسية، ص246).
و جاء في لسان العرب كفى يكفي كفاية إذا قام بالأمر ويقال كفاك هذا الأمر أي حسبك وكفاك هذا الشيء , وفي الحديث من قرأ آيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه , أي أغنتاه عن قيام الليل , ويقال كفاه الامر إذا قام فيه مقامه.(ابن منظور، معجم لسان العرب ج15).
و تعرف الكفاية بتعاريف مختلفة ومتعددة حسب وجهات نظر الباحثين الى صياغتها وتوظيفها، فتعرف بأنها مجموعة من المعارف والمهارات والقدرات والاتجاهات التي ينبغي ان يمتلكها المعلم ويكون قادرا على تطبيقها بفاعلية واتقانها اثناء التدريس ويتم اكتسابها من خلال برامج الاعداد قبل الخدمة والتدريب والتوجيه أثناء الخدمة ( السليماني،التواصل التربوي،ص78).
الكفايات هي قدرات مكتسبة تسمح بالسلوك والعمل في سياق معين ، ويتكون محتواها من معارف ومهارات وقدرات واتجاهات مندمجة بشكل مركب ، كما يقوم الفرد الذي اكتسبها بإثارتها وتجنيدها وتوظيفها قصد مواجهة مشكلة ما وحلها في وضعية محددة.
الكفاية في قواميس التربية:
وجدنا في تصفحنا لبعض قواميس التربية ان تعريف الكفاية في مجال التربية يعرف تفاوتا فيما بينها في إدراجها لمفهوم الكفاية ضمن موادها ، من حيث الأهمية والحيز المخصص لها.
فحسب القاموس التربوي لفولكيي P . Foulquié – 1971 ، فإن كلمة Compétence مشتقة من اللاتينية Competens من الفعل Competer أي : الذهاب – aller – Petere ومع Cum avec بمعنى الملاءمة مع والمرافقة . ” إن الكفاية هي القدرة capacité سواء القانونية أو المهنية المكتسبة ، لإنجاز بعض المهام والوظائف والقيام ببعض الأعمال ” .
و في منجد التقويم والبحث التربوي ، يقدم ج . دولاندشير G . de Landsheere ، تعريف للكفاية ينطلق من المفهوم الذي يقدمه تشومسكي والذي يعتبرها ” القدرة لدى الأفراد ، على إصدار وفهم جمل جديدة “. إن الكفاية في الاستعمال التشومسكي تعني المعرفة الضمنية والفطرية Inneé التي يمتلكها جميع الأفراد عن لغتهم “،إن النظام المستبطن (المتثمل) للقواعد المتحكمة في هذه اللغة ، يجعل الفرد قادرا على فهمها وعلى إنتاج عدد لا نهائي من الجمل ” .
و في قاموس اللغة الذي أشرف على إنجازه سنة 1979 ، كاستون ميالاري G . Mialaret ، فإن كلمة Compétence مشتقة من اللاتينية القانونية : Competentia والتي تعني العلاقة الصحيحة Juste rapport .
إن الكفاية هي حصيلة الإمكانية Aptitude أو الاستعداد ، في حين أن القدرة Capacité أو المهارة Habilité تحيل على تأثير الوسط بصفة عامة وخاصة التأثيرات المدرسية من خلال إنجازات الفرد .
كما يعرف القاموس الموسوعي للتربية والتكوين ، الكفاية بأنها الخاصية الإيجابية للفرد والتي تشهد بقدرته على إنجاز بعض المهام ، ويقرر بأن الكفايات شديدة التنوع فهناك الكفايات العامة Compétence générales أو الكفايات القابلة للتحويل Transférables والتي تسهل إنجاز مهام عديدة ومتنوعة ، وهناك الكفايات الخاصة أو النوعية Compétences spécifiques والتي لا توظف إلا في في مهام خاصة جدا ومحددة ، كما أن هناك كفايات تسهل التعلم وحل المشاكل الجديدة ، في حين تعمل كفايات أخرى على تسهيل العلاقات الاجتماعية والتفاهم بين الأشخاص ، كما أن هناك بعض الكفايات تمس المعارف في حين تخص غيرها معرفة الأداء أو معرفة حسن السلوك والكينونة.
http://www.khayma.com/almoudaress/educ/Kifayat002.htm))
الكفاية اللغوية والكفاية التواصلية:
الكفايات عديدة ومتنوعة الا اننا هنا سنتخصص في الكفاية اللغوية والكفاية التواصلية لكونها المنطلق الاساسي لهذا المقال، فالكفاية اللغوية تبقى كسائر المصطلحات لا يمكننا تمثيلها بتعريف واحد، حسب علم النفس هي القدرة التي يمتلكها المتحدث والمستمع للغة معينة لكي ينتج ويفهم عددا غير محدود من الجمل الصحيحة نحويا ،و تدل الكفاية في الواقع على المعرفة الضمنية للغة، أي النظام المستبطن للقواعد الذي يشكل مجموعة القواعد النحوية لتلك اللغة (دورون، بارو، موسوعة علم النفس،ص220).
وتعني عند براون المعرفة الضمنية لنظام اللغة وقواعدها ومفرداتها وكل أجزائها وكيف تتضام هذه الأجزاء معا(دوجلاس، أسس تعلم اللغة وتعليمها،ص44)، أما تشومسكي فإنه يعتبر” الكفاية هي القدرة على إنتاج عدد هائل من الجمل من عدد محدود من الفونيمات الصوتية، والقدرة على الحكم بصحة الجمل التي يسمعها من وجهة نظر نحوية تركيبية، ثم القدرة على الربط بين الأصوات المنتجة وتجميعها في مورفيمات تنتظم في جمل، والقدرة على ربطها بمعنى لغوي محدد”( القيسي، العربية الفصحى مرونتها وعقلنيتها واسباب خلودها، دار البداية، ص47)، والكفاية اللغوية في نظر تشومسكي هي القدرة على إنتاج العديد من الجمل والعبارات بالإعتماد على عدد معين من الحروف وبإنتاج السياقات الجديدة والمختلفة، وتشومسكي هو من جعل اللغة من وظائف العقل البشري وإنتاجه، ولم يفصل اللغة عن المجتمع الذي يعيش فيه الكائن البشري بل يرى أن اللغة هي عبارة عن مجموعة من الجمل التي تتركب من العناصر المحددة ، كما إعتبرها عملة توليدية فعّالة في الذهن البشري، قادرة على الخلق والإبداع اللغوي المنظم من خلال قانون نحوي عام في اللغات البشرية كافة (ياقوت، سليمان، أسس اللغة العربية لطالب الجامعات ،ص21 )،و من هنا ظهر النظام اللغوي الذي يحقق الكفايات اللغوية والتواصلية، فاستجابة المتعلم عند إثارته من خلال سياق لغوي معين يعتبر أداء لغويا يشتمل على عناصر اللغة كالمفردات والتراكيب والأصوات ويراعي التكامل المعرفي بين الكفايات.
فهذا ما يجعل الكفاية اللغوية لشخص ما تمكنه من إكتساب اللغة وتحصيل المهارات بشكل جيد إذن فالكفاية اللغوية للفرد حسب تشومسكي هي اقتداره واستغنائه في الجانب اللغوي فقد إعتبر الكفاية اللغوية على أنها القدرة على إنتاج عدد لا متناهن من الجمل إستنادا على معرفة ضمنية مسبقة في ذهن المتكلم بقواعد لغته (ميشال، مباحث في النظرية الألسنية وتعليم اللغة، ص 125).
و تتحقق الكفاية اللغوية بالأداء الكلامي وهو التطبيق الفعلي لهذه الكفاية فانها تتعدي عملية إكتساب اللغة لتقف عند مرحلة ثانية وهي مرحلة تناول هذه اللغة ، فكل الأفراد لديهم الكفاية اللغوية التي تمكنهم من أداء كلامي على وجه صحيح في حين لا يتمتع كلهم بأداء عال يضمن لهم إتقان المهارات اللغوية المختلفة من قراءة وكتابة وتحدث وخطابة وحسن إستماع واستيعاب، فهذه المهارات لا تحققها عملية إكتساب اللغة إنما تتأتى بالممارسة والمراس (عودة، المعلم:تأهيله وتدريبه لتحقيق الكفاية اللغوية، ص 19).
وقد عرف معجم المصطلحات التربوية والنفسية الكفاية بشكل عام أنها امتلاك المعلم مجموعة من المعارف والمهارات والقدرات والمفاهيم والإتجاهات، التي يمكن اشتقاقها من أدواره المتعددة، وهي أداء عملي يمكن ملاحظته وتحليله وتفسيره وقياسه (النجار، معجم المصطلحات التربوية والنفسية،ص245)، فهذه المعارف والمهارات والقدرات هي المبتغى تحقيقها من الكفاية اللغوية بشكل ينعكس على اللغة ومستوياتها المختلفة ومهاراتها، لما تتوفر عليه هذه المهارات من أهمية بالغة في عملية التواصل الأكاديمي ، ويعد غيابها عائقا في العملية التعليمية سواء كان ذلك من المعلم ام من المتعلم وهذا ما يفسره الدكتور عبد المنعم بدران في تعريفه الاجرائي للكفاية اللغوية اد اعتبرها درجة المهارة التي يتمكن بها الطالب من استخدام اللغة العربية لغرض محدد، مثل اتقانه المفردات اللغوية والقراءة الناقدة والقواعد النحوية والتذوق الادبي والاملاء والاستماع.(بدران، مهارات ما وراء المعرفة وعلاقتها بالكفاءة اللغوية،ص63)، هذا ما يبين ان مستوى اتقان وتحقيق الكفاية اللغوبة نسبي وليس له مقياس محدد.
اما الدكتور نهاد الموسى فيشخص الكفاية اللغوية بكونها : “قُدرة تواصليّة تتجلّى في وجوه الأداء الوظيفي وتتمظهر في القراءة بالعربية قراءة جهريّة، جارية على وفق القواعد المتقدّمة شفّافة عن متباينات المعاني، تتأتّى عن الرتابة وتُتَبيّن في قراءة صامتة لمّاحة واستماع مُتيقّظ وتعبير شفويّ رشيق طبيعيّ عفويّ مُقنع، وتعبير كتابيّ موافق للمقام مستقيم على قواعد العربيّة جميعًا ( الموسى، الأساليب مناهج ونماذج في تعليم اللغة العربية، ص 124).
ولا يتوقّف تحقيق التواصل على هذه المهارات فهو متحقّق بها وبدونها، غير أنها مهارات ذات أهميّة بالغة في عملية التواصل الأكاديميّ أو التعليميّ، ويعدّ غياب أحدها عائقًا في العمليّة التعليميّة سواء أكان ذلك من المعلّم أم من الطالب، لذا شمل تعريف الدكتور الموسى هذه المهارات بوصف الوجه الصحيح لكلٍّ منها.
و الكفاية التواصلية هي مجموعة من القدرات التي تمكن الفرد من استعمال اللغة والتواصل بها في مواقف اجتماعية معينة وفي سياقات محدّدة(محمدي، من الكفاية اللغوية الى الكفاية التواصلية مقاربة تعليميمة في ضوء الاتجاهين التوليدي التحويلي والتواصلي، ص3).
وقد ارتبط مفهوم الكفاية التواصلية بديل هايمز (Dell Haymes الذي وظف هذا المفهوم لمناهضة النزعة الاختزالية والطابع القبلي للكفاية اللساني، لقد تبين له أن الكفاية اللسانية قاصرة، لأنها تتعلق
فقط بآليات اشتغال النسق اللساني والقدرة على إنتاج ملفوظات صحيحة نحويا، وهذا النوع من الكفاية يظل قاصرا ما لم يتم تكييف هذه الملفوظات مع مختلف السياقات السوسيوثقافية فالكفاية التواصلية هي تلك المعرفة اللسانية والتداولية التي يحتاجها الممارسون لتفعيل انخراطهم في مختلف العمليات التواصلية. إلا ان نجاح هذا التفعيل رهين بمجموعة من الضوابط والمقتضيات التي تمكن من تكييف الخطابات مع مختلف الوضعيات التواصلية والعوامل الخارجية المتحكمة فيها، ولا يقتصر مفهوم الكفاية التواصلية عند هايمز على معرفة قواعد اللغة وأنساقها، وإنما يتعلق بمعرفة كيفية استعمال هذه اللغة في السياق الاجتماعي”، ولذلك يتحقق الفعل التواصلي التعليمي الناجح لیس استنادا إلى معرفة بنية اللغة، وإنما على أساس مراعاة قواعد استعمال هذه اللغة وفق شروطها الاجتماعية وضوابطها السياقية”(ابن الراضي، تعليم اللغة وتعلمها والتواصل التربوي والثقافي، مقاربة نفسية تربوية ص 13).
تتميز الكفاية التواصلية بمجموعة من الخاصيات أهمها أنها قدرة عامة لا ترتبط بموضوع معين، كالقدرة
على الحفظ التي تشمل كل ما يمكن حفظه، ولا تقتصر على حفظ الشعر والأمثال أو القواعد والصيغ
و يتطلب تحصيلها واكتسابها وقتا طويلا وإنما يقصد بها هايمز مجموع المعارف والاستعدادات التي يجب أن يتخذها أي شخص حتى يتسنى له استعمال كل الأنظمة السميائية التي تكون في متناوله باعتباره عضوا في مجتمع معلوم اجتماعيا وثقافيا، إنها أوسع مجالا من القدرة اللغوية، بل إن القدرة التواصلية تشتمل على القدرة اللغوية وبالتالي فإن غاية دارسي اللسانيات كما يقول هايمز يجب أن تكون كالآتي:” تفسير حقيقة أن الطفل الطبيعي يكتسب المعرفة بالتراكيب، وهي ليست المعرفة بقواعد هذه التراكيب بل الاستخدام المناسب لهذه التراكيب أيضا ، من خلال الإجابة على الأسئلة الآتية: من يتكلم ؟ ومتى يتكلم؟ وما الذي يتكلم عنه وأين؟ وكيف يتكلم عنه؟، أو بعبارة أخرى امتلاك قائمة هائلة من الأفعال الكلامية التي يستخدمها في كل الاحداث الكلامية( رايص، نظرية التواصل واللسانيات الحديثة، ص209).
وقد اختلف الدارسون في تحديد مفهوم الكفاية التواصلية فشليرنجز Chleranges (1971) وطروديل
Troudil (1978) يستعملانه مثلا للدلالة على معرفة لغوية ومعرفة نحوية تتعلقان باستعمال اللغة وفهمها.
و تدل حسب ريكسون Rikson (1981) على معرفة بنيات اللغة ومعرفة مبادئ استعمالها
مستثنيا من هذه المعرفة ما يتعلق بعمليات التأويل التي يستدعيها التفاعل الحواري(رايص، نظرية التواصل واللسانيات الحديثة، ص209).
وقد اتخذ مفهوم الكفاية التواصلية آفاقا جديدة أمام علوم التربية خاصة في تدريس اللغات، اذ انكب الباحثون في علوم التربية على تحديد مسار تنمية الكفاية التواصلية من خلال تجزيئها إلى مكونات قابلة للتشخيص والتنمية والتقويم والمعالجة.
لقد توسع مفهوم الكفاية مع بيداغوجيا الإدماج ليشمل الانجاز الذي اكتسى هذا المفهوم وأزال عنه أساسه العقلاني، فتحول مفهوم الكفاية إلى مفهوم قابل للبناء والاكتساب والمعاينة والتقويم والدعم.
وفي السياق نفسه یری دوكتيل Ducteil (1996) أن الكفاية هي مجموعة من القدرات والأنشطة التي تطبق على المحتويات في إطار فئة معينة من الوضعيات من أجل حل المشكلات التي تطرحها تلك الوضعيات، فالكفاية بهذا المعنى افتراض قابل للاكتساب والمعاينة والتحقق والإنجاز، وهي حصيلة تحكم المتعلم في الكفاية وتفعيلها في إنتاج مهام معينة(سهول، تقويم الكفاية التواصلية، ص85).
إن هذا المفهوم الجديد الذي قدم للكفاية جعل المقاطع والوحدات التعليمية لم تعد مجرد أجزاء ضمن سلسلة من الأهداف التعليمية الملزمة للجميع بقدر ما أصبحت وحدات ومقاطع للتكيف أثناء بناء الكفاية مع مختلف الأحوال والمتغيرات المرتبطة بخصوصية المتعلمين والمتعلمات إنها إذن بناء وتنمية للذات المتعلمة بتأطير من المدرس اعتمادا على تخطيط مرن ومتدرج بإحكام. وانطلاقا من هذا لم تعد المعارف ذات أهمية إلا باعتبارها نظاما من الموارد القابلة للتعبئة والتفاعل مع مختلف الأنماط الأخرى، ومن ثمة التكيف مع مختلف الوضعيات، فالإنسان الكفء حسب كزافي روجرز (Xavier REGIERS هو القادر على مواجهة المنتظر على حد سواء(مساعدي، مفهوم الكفاية من اللسانيات الى بيداغوجيا الادماج،ص139).
يتضح إذن أن الكفاية لا تتعلق بحل وضعية من الوضعيات أو مشكلة من المشكلات في الدرس وانما تتعلق بقدرة المتعلم على التعامل مع مختلف الوضعيات التي تواجهه في الحياة وهذا ما يؤكده الباحث محمد مساعدي بقوله “الكفاية ليست مجرد حل مشكل من سلسلة من الأهداف التعلمية، وإنما هي بناء وتنمية المتعلم بتأطير من المدرس اعتمادا على تخطيط مرن ومتدرج بإحكام”.
لقد طرأ تعديل على تنظيم مفهوم القدرة التواصلية لدى مستعمل اللغة الطبيعية والتي أصبحت تتألف من خمس ملكات هي:
الملكة اللغوية الملكة المنطقية الملكة المعرفية الملكة الإدراكية والملكة الاجتماعية، ويقترح سيمون
ديك بناء على هذا التصور للقدرة التواصلية أن يصاغ نموذج مستعمل اللغة الطبيعية في شكل جهاز يتكون من خمسة قوالب القالب النحوي، القالب الاجتماعي، القالب المعرفي القالب المنطقي، القالب الشعري والقالب الإدراكي يضطلع كل قالب منها برصد ملكة من الملكات التواصلية(المتوكل، قضايا اللغة في اللسانيات الوظيفية، البنية التحتية أو التمثيل الدلالي التداولي، ص23).
تسهم هذه القوالب بنسب مختلفة في تأويل الجمل وإنتاجها حسب نوعية الخطاب وإن انصبت الدراسات الوظيفية في تفصيل كيفية اشتغال القالب النحوي الذي يحضر في جميع حالات التواصل اللغوي، ويمثل القالب المركزي، بينما القوالب الأخرى بمثابة مخازن تمده بما يحتاجه من معلومات.
يترتب عن هذا الطرح اعتبار القدرة التواصلية قدرة شاملة وواحدة تتضمن أمرين هامين هما: أ- لا تنحصر قدرة مستعملي اللغة الطبيعية في معرفة القواعد الصرفية التركيبية والصوتية والدلالية بل تتعداها إلى معرفة القواعد التداولية( سهول، تقويم الكفاية التواصلية، ص85).
تسهم هذه القوالب بنسب مختلفة في تأويل الجمل وإنتاجها حسب نوعية الخطاب وإن انصبت الدراسات الوظيفية في تفصيل كيفية اشتغال القالب النحوي الذي يحضر في جميع حالات التواصل اللغوي، ويمثل القالب المركزي، بينما القوالب الأخرى بمثابة مخازن تمده بما يحتاجه من معلومات.
يترتب عن هذا الطرح اعتبار القدرة التواصلية قدرة شاملة وواحدة تتضمن أمرين هامين هما:
أ- لا تنحصر قدرة مستعملي اللغة الطبيعية في معرفة القواعد الصرفية التركيبية والصوتية والدلالية بل تتعداها إلى معرفة القواعد التداولية.
ب- لا تنهض بعملية التواصل القدرة اللغوية الصرف وحدها بل تسهم فيها قدرات أخرى منطقية ومعرفية واجتماعية (أيت اوشان، اللسانيات والديداكتيك نموذج النحو الوظيفي من المعرفة العلمية الى المعرفة المدرسية، ص38).
للكفاية التواصلية مجموعة من المكونات حددها ديل هايمز في أربعة مكونات في حين رأى أبويين 1980 أنها تتكون من خمسة مكونات، أما كانال وسواين Canale & Swain فقد جعلاها أربعة مكونات في نموذج بديل لنموذج ديل هايمز، وهذه المكونات هي:
– الكفاية اللغوية / النحوية بما تتضمنه من قواعد صوتية وصرفية ونحوية ومعجمية.
– الكفاية اللغوية الاجتماعية وتعني استعمال اللغة في سياق الظروف والمواقف
والعلاقات الاجتماعية والثقافية، إذ لابد من مراعاة السياق الاجتماعي للاستعمال وامتلاك القواعد
الاجتماعية والثقافية بما يوافق الخطاب، وذلك مثل دلالة الأمر عند البلاغيين.
– الكفاية الخطابية : وتعني قدرة الفرد على تحليل الخطاب بمختلف أشكاله وفهم بنية
الكلام وإدراك العلاقة بين عناصره، ويدخل في صنف الكفاية التخاطبية كل ما يعين المتخاطبين على
استخدام الجمل اللغوية وتأويلها تأويلا سليما يراعي عناصر السياق.
– الكفاية الاستراتيجية: وتعني قدرة المتكلم على اختيار أساليب الحديث واستراتيجياته
اللفظية وغير اللفظية المناسبة للمواقف والوضعيات التواصلية لتدارك الخلل الذي قد يحول بين
إتمام عملية التواصل سواء تعلق الأمر بمتغيرات الأداء أو نقص الكفاية التواصلية، والقدرة على
ادارة الحديث(محمدي، من الكفاية اللغوية الى الكفاية التواصلية مقاربة تعليمية في الاتجاهين التوليدي التحويلي والتواصلي،ص4).
و من هنا يمكننا ان نستنتج ان الكفاية التواصلية لا تعني القدرة على استيعاب نظام اللغة أو
استعماله فحسب، بل تتعدى ذلك كونها عملية تتسم بطابعي الفردية والاجتماعية: فهي فردية حين
تتعلق بالأساليب الخاصة بالفرد لمواجهة الوضعيات، واجتماعية حين تتعلق بالسياق والمواقف التي يتم فيها التواصل(التومي، الجامع في الديداكتيك اللغة العربية،ص82).
ونجد ان للكفاية التواصلية مجموعة من الخصائص التي ترتكز عليها من أهمها:
- هي مفهوم يمتاز بالتفاعل بين أطراف العملية التواصلية ففي العملية التعليمية التعلمية
على سبيل المثال تكون بين المرسل والمرسل إليه أي بين المعلم والمتعلم أو بين المتعلم وأقرانه،
ومن هذا المنطلق تستمد حركيتها التواصلية والتفاعلية بين الأطراف المذكورة عوض اقتصارها على التواصل الذاتي مما يظهر ان الكفاية التواصلية تتجسد في وضعيات تواصلية مختلفة وفي كل نوع من أنواع اللغة سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة. - للسياق دور هام لا يمكن إغفاله في إطار النظرة التواصلية عامة والكفاية التواصلية خاصة فكما
أنه لا يمكن حصر المواقف التواصلية فإنه من الضروري مراعاة ،السياق ومراعاة ملابسات الخطاب ومقاماته، ومن ثم اختيار الأساليب المناسبة واللغة المساعدة على التواصل في تلك المواقف (التومي، الجامع في الديداكتيك اللغة العربية،ص82).
اذن فالكفاية التواصلية لا تعني قدرة الفرد على إنتاج جمل صحيحة والالتزام بالقواعد اللغوية نحوا وصرفا فحسب، بل تعني بالإضافة إلى ذلك القدرة على التصرف في بنى اللغة بطريقة تناسب الوضعيات الواقعية الحقيقية، والمواقف الاجتماعية التي يتم فيها التواصل، وهو ما يقتضي بالضرورة القدرة على التكيف لغويا مع الوضعيات التواصلية السائدة في مجتمع معين، واحترام المعايير والصيغ التعبيرية المتوافق عليها داخل ذلك المجتمع(محمدي، من الكفاية اللغوية الى الكفاية التواصلية مقاربة تعليمية في ضوء الاتجاهين التوليدي التحويلي والتواصلي، ص4).
أدى ظهور المدرسة التداولية والاتجاه التواصلي والوظيفية التي اتخذت استعمال اللغة ومراعاة سياق التخاطب ومقاماته إلى إعادة النظر في مفهوم الكفاية اللغوية ، اذ أضحت غير كافية ومن ثم فإن الاتجاه التواصلي دعا إلى توسيع دائرة الاهتمام من الكفاية اللغوية إلى الكفاية التواصلية في إطار مقاربة وظيفية تجعل الاستعمال اللغوي أولى أولوياتها وركيزة من ركائز تعلم اللغة.
– تتضمن الكفاية التواصلية معرفتين: معرفة لغوية صوتية وصرفية ونحوية ومعجمية
ومعرفة مكتسبة من توظيف اللغة في سياقات اجتماعية وثقافية )محمدي، من الكفاية اللغوية الى الكفاية التواصلية مقاربة تعليمية في ضوء الاتجاهين التوليدي التحويلي والتواصلي، ص9).
ان الكفاية لا تقتصر على مستوى لُغويّ واحد، فهي تشمل الكفاية في القراءة والكتابة والمحادثة والاستماع والخطاب الارتجاليّ، وهذا يعني أن تحقيق الكفاية اللغويّة في القراءة يختلف عنه في الكتابة، بما يقتضيه كل جانب من أدوات ومهارات وطريقة التعلّم، وليس ثمّة إجماع على أقسام الكفاية اللغويّة؛ إذ رأى بعضهم أنها تنقسم إلى أربع مهارات لُغويّة؛ وهي الاستماع والتحدّث والقراءة والكتابة، ومهارتين غير لُغويتين وهما فهم رموز اللغة وإنتاجها على هيئة إشارات(هامرلي، النظرية التكامليّة في تدريس اللغات ونتائجها العمليّة،ص76).
علاقة الكفاية اللغوية بالمفهوم التاريخي:
ترتكز الكفاية اللغوية على اللغة واللغة نظام تعبيري لفظي عن الفكر، والفكر هو اسم لعملية تردد القوى العالقة المفكرة في الإنسان وبين اللغة والفكر علاقة فهي استفاضة فكرية وكمية لبناء هذا الفكر، والتفكير المفهومي اي المعتمد على المفاهيم لابد وان يرتبط بها، وتدريس التاريخ ينبي على مجموعة من المفاهيم.
ومن هنا فالمفهوم التاريخي هو كل تعبير تجريدي مختصر يشير الى مجموعة من الحقائق والافكار، والمفاهيم التاريخية التي تندرج ضمن القضايا المنهجية والابيستمولوجية في المعرفة التاريخية.
يعرف المفهوم في احد المعاجم الفرنسية بكونه تمثل عام ومجرد لموضوع ما او مجموعة مواضيع لها خصائص مشتركة,( le robert micro ,1998p258)، فحسب المعجم الموسوعي الكبير Grand dictionnaire encyclopédique: “المفهوم فكرة عامة ومجردة يكونها الفكر الانساني عن موضوع ملموس او مجرد، والذي يمكنه من ربط هذا الموضوع بمختلف الادراكات التي لديه وتشكل المعرفة انطلاقا من ذلك”( (Grand dictionnaire encyclopédique tome 4 librairie , p 277
اما فولكيي Folquié فيعرف المفهوم بقوله “على عكس الفكرة التي تنتمي الى اللغة العامة فان المفهوم تقنية، ولهذا السبب له معنى محدد، ومن ناحية ثانية فالمفهوم ذو صبغة موضوعية ، وتترواح عملية الفكر بين الانطلاق من المفهوم الى الواقع ومن الواقع الى المفهوم.
Foulquié,dictionnaire de la langue philosophique, pp112,113))
نستنج من هده التعاريف القاموسية ان المفهوم عبارة عن تمثل عقلي مجرد ورمزي ذو دلالة يتضمن خصائص مشتركة ويعتبر ثمرة للإدراك والتصور.
اما التعاريف الاصطلاحية نجد ان ماري بارت Britt Marie-barth تقول “ان النموذج الاجرائي للمفهوم، باعتباره أداة بيداغوجية، يقتضي فحصه وتحديد صفاته حسب استعمال محتواه المعد للتعلم وهذا النموذج يتفادى التعريفات الجامدة والمغلقة ويتقرب من المتعلمين بشكل دينامي، فليس المحتوى المجرد في برنامج رسمي هو المهم، لكن المهم هو طريقة استعماله والتفكير به لإعطائه معنى في مجال محدد”(Britt Mari-barth L’apprentissage de l’abstraction, p.113).
و نجد كذلك المفاهيم المتقاربة ومنها المعنى العام Notion الذي يتداخل مع المفهوم:
فالمعنى العام معرفة حدسية وعامة لكنها لا تنحو نحو العلمية ، ويختلف عن المفهوم بكونه تمثل عقلي يختزل الخصائص الأساس لموضوع معين فهو اذن مجرد ومنفصل عن معناه المحسوس والواقعي (Le Robert Micro, pp.258 et 888).
لا تكفي التحديدات القاموسية ولا حتى التحديدات في علوم التربية، بل لابد من الغوص في المفهوم ضمن اطاره المنهجي والابيستمولوجي من أجل استجلاء خصوصيته في حقل المعرفة التاريخية.
حينما نتحدث عن المفاهيم في حقل المعرفة التاريخية تعترضنا اشكالات تتمثل في مشروعية الحديث عن المفاهيم التاريخية.
ان هذه الاشكالية تنبع أساسا من الفارق الناتج عن وضع المفهوم في حقل المعرفة العلمية الدقيقة والمعرفة الفلسفية من جهة ووضعه في حقل المعرفة التاريخية من جهة اخرى( صهود، البعد المنهجي والابيستمولوجي فالمعرفة التاريخية ص15،16).
ان المعرفة التاريخية هي معرفة تنزع نحو التخصيص فبالرغم من كون المفاهيم التي يستعملها المؤرخ تنتمي الى المفاهيم العامة التي يستعملها الباحثين في باقي التخصصات الا انه يستعملها في سياق خاص على عكس العلوم الحقة والفلسفة التي تنزعان نحو التعميم بواسطة القوانين الصارمة في المعرفة العلمية، وبواسطة البحث عن المبدأ التفسيري الأول في الفلسفة، كما ان توظيف مفاهيم عامة لتحليل الأوضاع التاريخية الخاصة والخاضعة لتحولات الزمن يؤدي الى ازدياد انتاج المفاهيم في حقل المعرفة التاريخية، مما ينتج عنه اعمال لفكر المؤرخ وذاتيته التي تسهم في تطور هذه المعرفة.
تكتسي قضية المفاهيم طابع التلازم مع المعرفة التاريخية، اذ يتعذر انتاج تاريخ يتضمن معقولية ما دون توظيف المفاهيم بل دون انتاجها.
ان المفاهيم حاضرة طوال مسار الفكر التاريخي حسب مصطفى حسني ادريسي، فهي تقود البحث بحيث تلهم المؤرخ إشكاليته وتتيح له توجيه ملاحظاته وتساؤلاته (حسني ادريسي، الفكر التاريخي وتعلم التاريخ، ص 144)، وأداة للمباعدة عن التاريخ السردي، كما تتيح التحليل وتؤدي ايضا الى تحويل المادة العمياء للوثائق الى مادة مبنية.
و المفاهيم أنواع منها الواردة من مختلف الحقول المعرفية الأخرى او التي يرتبط انتاجها بحقل المعرفة والممارسة المنهجية التاريخية، ونجد مجموعة من التصنيفات لهذه المفاهيم التي يتم ممن خلالها القيام بتركيب وتحديد المفهوم الأكثر ارتباطا بالممارسة المنهجية التاريخية، من بين هذه التصنيفات نجد تصنيف مارو ، تصنيف بول فاين ،تصنيف بول ريكور، تصنيف عبد الله العروي، تصنيف مونيو، وتصنيف مصطفى حسني ادريسي مما يجعل وضعية المفهوم في المعرفة التاريخية اشكالية معقدة لكون المؤرخ يوظف في بناء المعرفة التاريخية مفاهيم ذات اصول وامتدادات متنوعة بعضها مستمد من العلوم الاجتماعية وبعضها من الحياة العامة وبعضها الاخر من التاريخ نفسه أو الممارسة التاريخية المنهجية. ومن بين ابرز انواع المفاهيم نجد ما يسمى عادة بالمفهوم الجامع، وهو مفهوم يختزل معطيات تاريخية ممتدة زمنيا ومجاليا، وقد يتماهى احيانا مع المفاهيم التحقيبية، وهو الأكثر ارتباطا بالمعرفة التاريخية.(صهود، ، البعد المنهجي والابيستمولوجي فالمعرفة التاريخية ص،29)
و بالتالي فالمفهوم هو محور العملية التعلمية في تدريس التاريخ ويعتبر ايضا احد المكونات الرئيسية للغة التاريخية، وبما ان الكفاية اللغوية التواصلية في المدرسة لا تتطلب فقط تطوير المعرفة بالأنساق اللسانية باللغة، وانما القدرة على استعمال اللغة كـأداة للتعلم، والقدرة على استعمالها بكيفية مناسبة في مختلف السياقات والتخصصات.
ان الكفاية ملازمة لكل التخصصات الدراسية وهذا ما يؤكد ضرورة وضع اللغة في مركز المناهج الدراسية باعتبارها جهاز للتعلم الفعال، اذ لا تقتصر تنمية الكفايات اللغوية التواصلية على التخصصات اللغوية فقط، وانما تشمل التخصصات الغير اللغوية باعتماد مقاربات ومداخل جديدة في تعلم اللغة وتعليمها، اذ يتم ربط مختلف وجوه استعمال اللغة بالتعلم وفنونها باعتبارها جهازا للتعلم الفعال أشرنا سبقا، ولان محددات الفكر والمعرفة اجتماعية وثقافية، فان تعلم اللغة سينمي القدرات الاجتماعية والثقافية كذلك.( دور الكفاية اللغوية في تعلم التاريخ في الطور الثانوي بالمغرب، ص 214) .
فالكفاية اللغوية التواصلية عامة وواحدة على الرغم من الاعتراف بتعدد ابعادها ومستوياتها، فلابد لها من حد الانتظام والاتساق يجعلها قابلة للتخزين والمعالجة والاستعمال والاكتساب، مما يجعل هذه الكفاية نسيجا متعددا من الموارد الداخلية والخارجية تعمل بشكل منسجم ومتفاعل، غبر قابل للاختزال في أحد أبعاد النشاط اللغوي.
خاتمة:
نستنتج اذن ان الكفاية اللغوية التواصلية تشكل واسطة عقد المنهاج الدراسي اي ان يكون التعلم والتعليم عن طريق اللغة لا منهاجا لتعليم وتعلمها(دور الكفاية اللغوية في تعلم التاريخ في الطور الثانوي بالمغرب،ص214).
هذا ما جعل ابستمولوجيا المعارف المتخصصة الراهنة تولي أهمية متزايدة للغة في تشكيل نسقها الابستيمي وأدلتها وخطابها التواصلي ، ومن ثم مقولاتها ومفاهيمها وأدواتها الذهنية والمنهجية، وحقل المعرفة التاريخية بدوره ثأتر بما اصطلح عليه بالمنعطف اللغوي في المعرفة، اذ تم التركيز على دور اللغة في انشاء وامتلاك المعرفة التاريخية والوصول اليها والتعامل معها والتعبير عنها.
فاللغة جزء اساسي في دراسة التاريخ اذ يتم توظيفها في مراحل مختلفة من العملية الابستمولوجية التاريخية ومن هنا نستنتج ان للكفاية اللغوية دور مهم في اكتساب وفهم كل التخصصات عامة والتاريخ خاصة سواءا بشكل صريح بوصفها كفاية عرضانية يساههم في اكتسابها، أو باعتبارها مجموعة من الكفايات والقدرات التواصلية النوعية للمادة، أو الضمنية في بقية الكفايات النهائية للمادة وقدراتها النوعية.
نستنتج اذن ان المفهوم هو محور العملية التعلمية في تدريس التاريخ واحد المكونات الرئيسية للغة التاريخية، وبما ان الكفاية اللغوية التواصلية في المدرسة لا تتطلب فقط تطوير المعرفة بالأنساق اللسانية باللغة، وانما القدرة على استعمال اللغة كـأداة للتعلم، والقدرة على استعمالها بكيفية مناسبة في مختلف السياقات والتخصصات لها علاقة اساسية في تعلم التاريخ وتدريسه.
المصادر والمراجع
ابن الراضي، بدر، تعليم اللغة وتعلمها مقاربة تواصلي ضمن كتاب:اللغة والتواصل التربوي والثقافي، مقاربة نفسية تربوية، منشورات علوم التربية، العدد13، ط1.
- ابن فارس، أحمد بن فارس القزويني، معجم مقاييس اللغة ، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 1979.
- ابن منظور، جمال الدين، (630-711ه) معجم لسان العرب، تحقيق:عامر حيدر، ج15، دار الكتب العلمية، بيروت،ط1، 2003م.
- التومي، عبد الرحمان، الجامع في ديداكتيك اللغة العربية،مطبعة المعارف الجديدة، الرباط،2016.
- السليماني، العربي، التواصل التربوي، مدخل لجودة التربية والتعليم، الدار البيضاء،ط1، 2005م.
- الفيومي، أحمد بن محمد المقري (770ه)،المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، تحقيق: عبد العظيم الشناوي، دار المعارف، القاهرة، ط2.
- القيسي، عودة اهلل: العربية الفصحى مرونتها وعقلنتيها وأسباب خلودها، دار البداية عمان، ط1، 2008.
- المتوكل، أحمد، قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، البنية التحتية أو التمثيل الدلالي التداولي، دار الامان الرباط ط1 2016.
- الموسى نهاد، الأساليب مناهج ونماذج في تعليم اللغة العربية، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمّان، ط1، 2003.
- بدران عبد المنعم أحمد، مهارات ما وراء المعرفة وعلاقتها بالكفاءة اللغوية، العلم والإيمان للنشر والتوزيع، كفر الشيخ، ط1، 2008.
- بروان، دوجلاس، ترجمة الراجحي عبده شعبان، علي أحمد، اسس تعلم اللغة وتعليمها، دار النهضة العربية، بيروت، 1994.
- رايص، نور الدين، نظرية التواصل واللسانيات الحديثة، مطبعة سايس فاس ط1،2014.
- رولان دورون، فرنسواز بارو، تعريب فؤاد شاهين، موسوعة علم النفس، المجلد منشورات عويدات لبنان 1997.
- زكريا، ميشال، مباحث في النظرية الالسنية وتعليم اللغة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، 1985م.
- شحاتة، حسن، النجار، منى، معجم المصطلحات التربوية والنفسية، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، 2003.
- سهول، محمد، تقويم الكفاية التواصلية في اللغة العربية، مختبر العلوم الإنسانية والمعرفية والدراسات النصية، الملية متهددة التخصصات الراشدية، جامعة مولى اسماعيل، مسالك التربية والتكوين،المجلد 5، العدد 1 مكناس 2022.
- صهود، البعد المنهجي والابيستمولوجي فالمعرفة التاريخية، الرباط 2018.
- عبد الرؤوف، محمدي، من الكفاية اللغوية الى الكفاية التواصلية مقاربة تعليمية في ضوء الاتجاهين التوليدي التحويلي والتواصلي، مركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية وحدة ورقلة مجلة اللسانيات التطبيقية المجلد 06 العدد 03، 2022م.
- عيسى، عودة برهومة، المعلم: تأهيله وتدريبه لتحقيق الكفاية اللغوية، كلية الآداب – الجامعة الهاشمية، 2017م.
- مراد جدي، لحسن بوكمو، دور الكفاية التواصلية في تعلم التاريخ في الطور الثانوي بالمغرب: مساهمة في ديداكتيك الأداءات الكتابية الخطية والكرافيكية، مسالك تكوين مفتشي التعليم الثانوي التأهيلي.
- مصطفى حسني إدرسيي ، الفکر التاريخي وتعلم التاريخ ،الرباط: منشورات دار أبي رقراق للطباعة والنشر2021.
- هامرلي، النظرية التكاملية في تدريس اللغات ونتائجها العلمية، ترجمة: راشد الدرويش، مكتبة الملك فهد الوطنية،ط 1415.
- Britt Mari-barth L’apprentissage de l’abstraction,Paris, Retz,1987.
- Foulquié paul, dictionnaire de la langue philosophique, paris,P.U.F1982.
- Grand dictionnaire encyclopédique tome 4 librairie Larousse , paris 1982 .
- le robert micro (dir ,Alain rey),Paris 1998.
- http://www.khayma.com/almoudaress/educ/Kifayat002.htm.