ايمان مسلم عباس الجابري1
1 عضو هيئة تدريس في قسم اللغة العربية، جامعة الكوفة، كلية الاداب، العراق.
بريد الكتروني: emanm.aljabery@uokufa.edu.iq
HNSJ, 2024, 5(3); https://doi.org/10.53796/hnsj53/8
تاريخ النشر: 01/03/2024م تاريخ القبول: 16/02/2024م
المستخلص
هذه الدراسة في دلالة (الفعل) في النص الشعري. ماضيا ومضارعا وفعل أمر . فقد لاحظنا أن للفعل خصوصية قصدية ، إذ يزداد ظهور الأفعال مع التصعيد الوجدان للشاعر وهو يصف يوم الميلاد المقدس للسيدة الزهراء عليها السلام . فما سبب ذلك الظهور المتصعد مع إحساس الشاعر؟ وما وظيفة الفعل في السياق بوصفه وحدة تعبيرية تم توظيفها في بناء النص . هذا ما يتابعه البحث في دراسة القصيدة. من التوظيفات الدلالية للفعل (الحسي، والعقلي) فقد ظهرت الأفعال العقلية والمعاني المعنوية أكثر من الأفعال الحسية في العدد تصل إلى ما فوق الضعف مما شكل ظاهرة دلالية تكفل بأدائها الفعل بشكل عام غير محدد بزمن .
The mental connotation and sensory connotation in Verb
IMAN MUSLIM ABBAS1
1 Faculty member in the Arabic Language Department, University of Kufa, College of Arts, Iraq. Email: emanm.aljabery@uokufa.edu.iq
HNSJ, 2024, 5(3); https://doi.org/10.53796/hnsj53/8
Published at 01/03/2024 Accepted at 16/02/2024
Abstract
This study provides the importance of (verb) and the resultant in this poetic text. Past, present and act. We have noticed that the verb has an intentional peculiarity in this particular poem, where the appearance of the verbs increases with the emotional and ideological escalation of the poets, peace be upon her. What is the reason for this escalating appearance with the feeling of the poet? What is the function of the verb in context as an expression unit related to time?. This is what the research continues to study the poem.
uses of the verb (sensory and mental), mental verbs and intangible meanings appeared more than the sensory acts in number reaching an exceedingly doubled form, which formed a semantic phenomenon that guarantees its performance in general, with no specific time.
المقدمة : إن اللغة ظاهرة مجتمعية تعبر عن واقع استعمال عرفي بين أبنائها فهي الرمز الذي يحمل المعنى في عمليات التواصل الاجتماعي . لذلك فهي تعبر عن هموم المتكلم ومشاعره وقضايا الأمة . والشاعر هو رسول اللغة الذي يترجم تلك الهموم والقضايا ليضعها في سياق التأريخ فيوصل الأمانة عبر أجيال الأمة .
ظاهرتا البحث : تكشف الدراسة عن حقائق قصدية لتوظيف الفعل . تجلت منها ظاهرتان :
الأولى ظهور الفعل بكثرة مطردة مع انفعالات الشاعر قوة وضعفا . والثانية : ارتباط كثرة ظهور الفعل باالأفعال ذات المعنى العقلي .
وتكمن أهمية البحث في كون الظاهرة لافتة وحقيقية تضيف للفعل وظيفة جديدة في سياق الدراسات اللغوية ، إذ إن الظاهرة غير مسبوق دراستها ، وإن تعددت دراسات الفعل في إطارات أخرى .
تسلك الدراسة منهجا وصفيا يرتكز إلى التحليل في تفسير الظاهرة . إذ يتم تقسيم الأفعال إلى قسمين : الأفعال الحسية ، والأفعال العقلية لرصد موجهات المعنى الحسي والعقلي منها في سياق الحدث . نأخذ من القسمين ما يتقوم به البحث من عينات لإجراء التطبيق . وفق خطة تعتمد المحورين المذكورين آنفا . يأتي المحور الأول : المعنى العقلي في الفعل ، والقسم الآخر وهو : المعنى الحسي . ليتم دراسة القسمين بعرض نماذج للتحليل في السياق الذي يزداد فيه ظهور الفعل أو يقل . وفي الإطار المنهجي غالبا تعدل أدوات التحليل في النص (( على نحو ما ينبثق من النص نفسه ، أو ما يسمح به نظامه الخاص ، والعلاقات القائمة بين مستوياته أو العناصر المكونة لنسيجه الكلي )) . [1] النماذج الاجرائية من قصيدة الدكتورالشاعر مسلم الجابري بحق فاطمة الزهراء عليها السلام بمناسبة المولد المبارك .([2])
الدراسة : يدرس البحث دلالة الفعل في نص القصيدة وقد شكل ظاهرة ملحوظة بتوظيفاته الخاصة . ولكي تتضح معالم الظاهرة ودلالاتها لابد من ممهدات توضيحية تكشف عن خصائص تلك الظاهرة . وعلاقتها بالزمن والمعنى فهناك علاقة ارتباط تتمثل في الفعل إذإنّ الفعل ((كلمة تدل على المعنى في نفسها ))([3]) واقترانها بزمن حدوث الفعل دلالة على أن ((اللفظ وضع بازائهما دفعة واحدة )). ([4]) وإن كانت التقسيمات الزمنية للفعل غير دقيقة فقولهم الماضي في زمن مضى و قد ((يأتي بناء فَعَل ليشير إلى أن الحدث كان قد وقع في اللحظة التي وقع فيها الكلام ))([5]) , أو يكون الزمن مفتوحا إلى الوراء فإنّ (( وقوع الحدث في الماضي الذي لاحدود له في حيز من فسح الزمن الماضي فنحن لانستطيع ضبطه وتحديده فقد يكون قريبا , وقد يكون بعيدا , وقد يكون مستوعبا للزمن بأكمله , وقد يقع في جزء منه , فالزمن في مثل هذه الجمل ماض مجهول ))([6]) كذلك التركيب الفعلي فهو يحمل دلالة الفعل على الزمن باتجاه الماضي غير المحدد إلا أن يوجه المعنى فيه بقرينة سياقية معينة تقرر حدوده الزمنية في الماضي حتى الزمن الماضي المفتوح , حتى الحاضر . يبنى الفعل الماضي على الفتح , و(( الإعراب والبناء ليسا أحدهما أصل في الأفعال أو الأسماء , وإنما يأتيان على الحالتين ,وليس أحدهما أحق بالأصالة من الآخر في شيء , فالأفعال إذن مبنية ومعربة)).([7])
وفي هذه الدراسة نركز على دلالة الفعل وحالاته في إطار التشكل العام للنص .
كثرة ظهور الفعل :
للفعل مركزية تعبيرية في النص ، وهو (( باعتباره وحدة لفظية اي مجموعة أصوات ذات نظام معين ، يأخذ وظائف معينة في الاستعمال اللغوي ، الاجتماعي ، فيأخذ وظيفة دلالية ، واخرى صرفية وثالثة نحوية )) .[8] وفي هذا الموضع بالذات نركز على وظيفة الفعل الدلالية أنى اتجه بذلك مسندا في الإخبار أو غيره من أساليب التعبير التي يتوسع بها الإسناد في الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر إذ ((كل إخبار إسناد وليس كل إسناد إخبار)).[9]
شكلت توظيفات الفعل ظاهرة لافتة وهي تعبر عن انفعالات الشاعر متناغمة مع تعبيراته . فهو حين ينفعل في التعبير عن قدسية السيدة الزهراء ، أو مظلوميتها نجد الفعل يسلك سلوكا في الظهور كثرة مع تصعيد هذه الانفعالات . وما يكثف هذه الظاهرة ويجسد ملامحها هو العطف بين الأفعال الذي يشكل تحشيدا خاصا للفعل في السياق عند كثرة الظهور .
نظام الربط بين الأفعال :
نماذج التطبيق : أولا : النور فاض بمكة فأضاءها فلتنسج البطحاء منه رداءها
لكي نتبين ملامح الظاهرة في تشكلها التركيبي ، وهي( ازدياد ظهور الفعل تبعا لتصعيد انفعال الشاعر) ، أن ندرس نظام الربط في الأفعال . على مستويين هما العطف بين الأفعال في صدر البيت أو عجزه . والعطف بين مجموعات الأفعال بين الأبيات .
على المستوى الأول نجد الفعل (فاض) متبوعا بالفعل (أضاء) ، ثم الفعل (تنسج) رابطا بالفاء ، والربط بالفاء له دلالة السرعة في التركيب ودلالة التراتب بلا فاصل بين الحدثين . يفسر ذلك معنى نسج رداء الأرض من النور بعد فيضانه فورا وإضاءته ، ثم فعل آخريفهم من السياق هو (ترتدي) بدليل قوله : (رداءها) فيكون الفعل (فاض ، أضاء تنسج ، ترتدي) مع حالة العطف بالفاء . التي ظهرت يكون حضورا دلاليا واضحا يتناغم مع ما أراده الشاعر من تكثيف للمعنى بوساطة الفعل وهو يرسم صورة قدسية لميلاد السيدة الزهراء عليها السلام
ثانيا : قمر ُ السماء ِ أطلّ من عليائِه وهفا إليها لاثـــــِـــــــــماعلياءَها
في هذه الأبيات يظهر الفعل مشفوعا بحالتين من العطف ، الأولى : تكون في هذه الحالة الأفعال معطوفة بـ (الواو) على بعضها البعض عطفا قريبا . فتكون الأفعال : (أطلّ ، هفا ) معطوفان على بعضهما بالواو . تسمح الواو بالمسافة الزمنية وعدم التراتبية بين الفعلين . فيكون الفعل ( أطل ) ، ثم بعد مسافة زمنية (هفا لاثما) . وفي الحالة الثانية : يكون العطف البعيد البيت التالي يعطف بالواو الفعلين : ( تهافتت ، اختار) معطوفان معا بالمجموعة السابقة بالواو . ونجده بين الفعلين (تهافت) و(اختار)عطف بالفاء وذلك للفورية في الاختيار . هذا ما لاحظناه من نظام الربط ، إذ يكون للعطف نظامين ، الأول عطف بين الأفعال ، والثاني عطف بين المجموعات الفعلية . فيشكل هذا الترابط نسقا خاصا يساعد على نسج تشكلات فعلية متقاربة وكثيفة الظهور عند التعبير عن القدسية التي اختص بها المولد الشريف . ولاينقطع ذلك الربط عن بقية اجزاء التركيب الاخرى لان الفعل في التركيب النحوي ، (( أقوى العوامل لأنه لابد أن يعمل ، ومحل عمله الاسم ، إذ إنه ليس في اللغة فعل إلا وله معمول هو الفاعل )).([10]) فضلا على المفعول به . يرتبط الفعل في التركيب ارتباطا معنويا بعلاقة الإسناد وإذا وقع اسم الفاعل وغيره مسنداليه . تساعد تلك العلاقات في فهم معنى الظواهر الإسلوبية في النص الشعري .
ثالثا : هذي الحجارة في شوامخ مكة خشعت وشاطرت السما نعماءها
في هذا البيت نجد الفعلين (خشعت) و(شاطرت) يتبع أحدهما الآخر في سياق الحديث عن قدسية المولد ضمن تصعيد نفسي واضح لدى الشاعر، إذ يرى الخشوع حتى في حجارة الأرض لكنه عطف بالواو . بينما يظهر انفعاله أقوى عند التعبير بالعطف بالفاء في
رابعا : لله بضعة أحمد من نوره لمعت فأهدى أفقه لألاءها
فالفعل (لمع) و(أهدى) معطوفان بالفاء لقوة الفورية والتراتبية في ما أراد من التعبير عن انشطار السيدة الزهراء من نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
(الربط بين الأفعال بالعطف) : وفي ظاهرة العطف نستشعر انفعالية خاصة تصعد من قوة الفعل في حالات ظهوره وتتابعه رغبة من الشاعر في تحشيد كمية أكبر من المعنى كيان الفعل متخذا منه منفذا للتعبير وإيصال المعنى .
المثال : نالت يداه فأثقلته ثمارها ومشت خطاه فزينت خضراءها
وفي هذا المثال يظهرالربط على مستويين : الأول على مستوى الأفعال منفردة وهوالربط بالفاء . ثم الربط على مستوى الأفعال معا فيكون بين المجموعة الأولى( نالت فأثقلت ) والربط بالفاء يعطي دلالة التراتبية والسرعة بين الأفعال مايزيدها قوة في المعنى وجمالية في التعبير فبمجرد ان رغب ، نال وتلقى ماناله من الثمر بيده فأثقلت بالعطاء الإلهي ، والمجموعة الثانية (مشت فزينت)اقترنت تراتبية الفاء بين المشي وتزيين جمال الخضراء ليضاعف الجمال بتزيينها . بعد الترابط الدلالي بالفاء بين الأفعال يأتي تحكيم الربط بين المجموعتين بالعطف بالواوودلالتها الجمع الذي يحققه تعبيرالشاعروهو يجمع بين قطف الثمار وتزيين ومضاعفة الجمال وبذلك يظهر الفعل منسوجا يترجم موجات العاطفة التي تزخر بها عاطفة الشاعر .
مثال : تلك التي أعطت فنظرت الثرى وسمت فجاز سموها جوزاءها
نجد البصمة النفسية لروح الشاعرتتجسد بـ ( نظام العطف) الرابط بين الأفعال : (أعطت ، نظرت) ربطا بالفاء يقابلهما : (سمت ، جاز) ربطا بالفاء كذلك .
هذا ماتابعه البحث في القصيدة ليرصد تشكل الظاهرة الفعلية في التعبير عن وجدان الشاعر تجاه السيدة الزهراء عليها السلام .
ومن الابيات قوله : ترضى فيرضى الله في ملكوته ويسوء قلب محمد ماساءها
ترتبط الأفعال (ترضى فيرضى) مع الأفعال في عجز البيت(يسوء ماساء) بالواو كما في ارتباط الأفعال السابقة .
الفعل من موجهات المعنى :
يتكون التركيب اللغوي من اجزاء لفظية اهمها الفعل بوصفه الحدث الذي يخبر عن المعنى ، و((إنّ للفعل دورا مركزيا في تصور حدود البنية الدلالية للجملة ونوع المكونات التي تملأ مواضعها . ينسق بينها ويرتبها حسب الأهمية ويخصص مايجب تخصيصه من دلالات حتى تكون ملائمة لدورها الدلالي . فهو مكون يختزل بدلالته الدلالات السياقية المحتملة )) . ([11])ويعتمد الفعل في تكوين البنية على معنى الإسنادإلى الفاعل . قال في ذلك سيبويه رحمه الله : ((هذا باب المسند والمسند إليه وهما مالا يغنى واحد منهما عن الآخر ، ولايجد المتكلم منه بدّا)) . [12] ومن مظاهر التركيب المتأثرة بالفعل ، التقديم والتأخيرفي اجزاء الكلام ، يتبع ذلك قصد المتكلم لان قصده مدار المعنى . ونلحظ ذلك جليا في التقديم والتاخير ، إذ إنهم (( يقدمون الذي بيانه أهم لهم وهم ببيانه أعنى وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم)) .[13] من ذلك نعرف مركزية الفعل في التركيب ، وقد أظهر موجات تعبيرية صاعدة وأخرى هابطة تتناغم انفعالية الشاعر في النص .
هذي الحجارة في شوامخ مكة خشعت وشاطرت السما نعماءها
ولو أنها اسطاعت تذوب محبة لسعت يغير شوقها أسماءها
يتضح هذا التموج في تتابع الأفعال كما في (خشعت ، شاطرت ) حين يصف الشاعر هذا المشهد المهيب .
وقوله : ياكعبة الله اهتفي وتعطفي حتى يزور العطر منك فناءها .
وفي خطابه للكعبة يظهر تصعيد انفعالي في تتابع الأفعال (اهتفي ، وتعطفي ، يزور) .
وقوله : وتقوم ماقام النبي بليله … يخفي النشيج عن الظلام نداءها
يظهر الفعل : (تقوم ، قام ، يخفي ) .
(( الفعل ركن مهم في بناء الجملة العربية . والجملة العربية اسمية أو فعلية ذات طرفين هما المسند إليه والمسند . … وكان الأقدمون يرون أن الفعل صاحب العمل وهو عامل قوي بل هو أقوى العوامل فهو يرفع فاعلا وينصب مفعولا كما ينصب سائر ماأسموه بالفضلات كالمفاعيل والحال ونحو ذلك ، وأنه يعمل أينما كان مقدما أم متأخرا ، ظاهرا أم مقدرا )) . [14]
الحسي والعقلي في الفعل :
العقلي في اللغة من العقل ، والعين ، والقاف ، واللام أصل واحد منقاس مطرد يدل على على حبسة في الشيء أو مايقارب الحبسة . من ذلك العقل ، وهو الحابس عن ذميم القول والفعل .[15]
وبذلك يكون المنسوب للعقل فهو عقلي ، وما يدرك بالعقل . وما يهمنا هنا في معناه أنه ضد الحسي وهو
مايدرك بالحواس . وحين تظهر الألفاظ بحالات خاصة ذلك لأنها ترسم مرآة الروح ، (( فاللغة تعبير عن الفكر والفكر تعبير عن الواقع ماديا كان او غير مادي ، حسّيا كان او غير حسي)).[16]
عن ربط البنية العميقة ببنية السطح والعميقة تمثل البنية الإدراكية في اللغة قال الراجحي : (( وهذه البنية تقتضي – الادراكية – فهم العلاقات لا باعتبارها وظائف على المستوى التركيبي ، ولكن باعتبارها علاقات للتأثر والتأثير في التصورات العميقة )) .[17] وفي إطار الإدراك تم ربط المعنى (الحسّي ، والعقلي) بظاهرة تشكل الفعل في النص ودلالات ذلك الظهور .
أولا : تحليل الأفعال الحسية :
النور فاض بمكةٍ فأضاءها فلتنْسِج البطحاءُ منه رداءَها
نأخذ من الأفعال عينات للدراسة الدلالية بمايتقوم به البحث في هذا الموضع . ومن ذلك فعل الفيضان الذي استعاره الشاعر من الماء والطهارة ليشبه به نور السيدة الزهراء وفضل مولدها . وهي مصدر العطاء بما قدمت من ذريتها الذين أضاءوا طريق البشرية بالحق . فقد انطبق تشبيه مولدها بالنور وفيضان النور بالماء . ورد الفعل (فاض) وهو ثلاثي مجرد على وزن فعَل ودلالته المغالبة أي يغلب أحد الأمرين الآخر .([18]) وحين يقترن (فيضان النور) بدلالة الفعل الماضي وفيه معنى القطع والتحقق في الحدث يعني ذلك الثبات والدوام لفيضان النور الذي بدأ بمولدها عليها السلام وغمر الكون بنورها لتزهر نبراسا أبديا في طريق الحق للإنسانية جميعا . وورد الفعل (أضاء ) بدلالة الماضي يتلو سابقه وهو الفعل (فاض) والفعلان كلاهما في الزمن الماضي . يعطي ذلك معنى تحقق فيضان النور بحصول الأثر. وهو الإضاءة . ويدل على امتداد ذلك الحدث ودوامه .
بعد أن عرضنا للفعل وهو في حالة الإفراد لبيان معنى اللفظة المستقلة ، نحتاج الآن لبيان معنى الفعل داخل التركيب . فقد أردف الشاعر الفعل (أضاء) بالفعل (فاض) مرتبطا بحرف الفاء . وللفاء دلالة السرعة والتراتبية بلا مهلة أو فاصل . ([19]) ومثل ذلك الفعل ورد (فلتنسج) . ويتكون من الـ (فـاء الربط ) + (التاء) + (لام الأمر) + الفعل المضارع ( تنسج )
من ذلك يتحصل المعنى : وهو أنّ النورملأ آفاق الأرض والسماء متدفقا ، زاحفا يفترش الأرض رداء والشاعروهو يخبر عن فيضان النور، يأمر الأرض بنسج ردائها من ذلك النور الدفاق . وفي بنية التركيب دلالة الأمروالتراتبية بالربط والمباشرة بالحدث فبمجرد فيضان النور على الأرض أن تنسج منه رداءها وتنزع عنها الظلام المطبق الذي سبقه . يتضح من ذلك أداء وفاعلية الفعل داخل البيت منسجما مع قوة تعبير الشاعر عن الحدث وصدق مشاعره تجاهه . وتستمر فاعلية الفعل الماضي والمضارع كل بحسب دلالته في النص و المقترن بحدث الولادة وفيض النور إلى الأبد ؛ لأن السيدة الزهراء سلام الله عليها هي النور الذي يضيء وهي المنهج والطريق لكل الإنسانية .
مثال (2) : أقسمت لومدت عليه غصونها لكست بوارف ظلها صحراءها
في سياق تأكيد الشاعرلمعنى انتشارالجمال في مكة لمولد الزهراء ، وهو يطلب من الكعبة أن تتبرج فرحا بهذه الزهرة التي أهداها الله لها ، ويقسم لوأنها مدت غصونها على صحراء مكة لغطّتها بواسع الظل . وظّف الشاعرالأفعال : ( أقسمت ، مدت ، كست) . وقد اشتركت بدلالتها على الزمن الماضي ، والاتصال مرة بتاء الفاعل كما في (أقسمت) ومرتان بتاء التأنيث كما في (مدت ، كست) فلم يترك الشاعر الأفعال مبهمه إنما قيدها بالتخصيص والوضوح بوصلها بالضمير والتاء . أقسمت : يتكون هذا الفعل من ( أقسم ) + (تاء الفاعل ) وفيه من ملامح التأكيد دلالة القسم على المضي فضلا عن قوة القسم في ذاته ، زاد ذلك تأكيدا نسبة الفعل للشاعر بظهور (تاء الفاعل ) ، وهو الأعرف بما يقسم عليه من المعنى .
مثال 3 وبأن ماضمت عليه ضلوعها حوراء غادرت الجنان وراءها
الفعلان (ضمت) و(غادرت) ماضيان تم تحقق الحدث وحصوله فيهما .
وفي قوله : ضمت عليه ضلوعها نستشعر معنى لصيقا بروح السيدة خديجة عليها السلام وهي ترعى السيدة الزهراء وتغذيها من روحها إذ يأتي الحديث في سياق جبران خاطر السيدة خديجة بعد أن ودعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رحلة المعراج . وقوله : حوراء غادرت الجنان وراءها يستكمل المعنى السابق في جبران الخاطر، إذ إن هذا الحدث (ولادة السيدة فاطنة الزهراء عليها السلام ) كان قوبل بالتضحية والصبر من قبل السيدة خديجة عليها السلام ، لتحصل على هبة الله العظيمة .
مثال 4- ما أومأت نحو السماء تضرعا إلا وسابق دمعها إيماءها
الفعل (أومأ ) من الإيماء وهو الإشارة . أراد بها الدعاء من قبل السيدة الزهراء عليها السلام وهي تتعبد في محرابها . والفعل (سابق) من أفعال الحواس الملموسة عبر الفعلان عن حالة روحية عالية وهي الخشوع لأقصى ماتكون عليه درجات الإيمان و البكاء خشوعا بين يدي الله سبحانه .
مثال 5- فإذا تجلى للسماء جبينها بدرا تساقطت النجوم إزاءها
يصف جبين السيدة الزهراء المضيء اذ تنطفيء النجوم لما يشع من ذلك النورواصلا للسماء.
تحليل الأفعال العقلية : اقترن ظهور الأفعال (العقلية والمفاهيم الروحية المجردة ) بظاهرة البحث وهي (كثرة ظهور الأفعال تزامنا مع قوة انفعالات الشاعر) فعندما يستشعر الانسان حالة نفسية معينة تجاه موقف واداء ان يفصح عن مشاعره تلك يعمد الى اللغة فيستعملها وسيلة افصاح. و ((تعتمد اللغة على الفكر والفكر وتعبير عن الواقع ماديا كان او غير مادي ، حسي كان او غير حسي)) [20] ومعنى ذلك أن ظاهرة أخرى اقترنت بكثرة ظهور الأفعال هي الافعال العقلية تأتي متمركزة تشكل المهيمنة الدلالية في البيت . رأي جومسكي في رفض اللغة السطحية ((على اللغوي إذن أن يضع في حسبانه أولا – قدرة – الإنسان على اللغة ، ومن ثم وصف البنية السطحية لا يقدم شيئا لايعتبر علما ، لأنه لايفسر شيئا ، ولكن الأهم هو أن نصل إلى البنية التحتية أو العميقة لأنها هي التي توقفنا على قوانين الطبيعة البشرية )) .[21]
مثال 1- ماكوكب ٌ إلاّ وأوجع قلبَه شوقٌ يهدهدُ بالجوى حصـــــباءَها
في هذا المثال يظهر الفعل (أوجع) والوجع مفهوم عقلي مجرد . وبدأت الجملة بـ (ما) النافية ، وسبق الفعل بالاستثناء بـ (إلا) وذلك يزيد التأكيد على المعنى العقلي وهو الوجع .
والفعل (يهدهد) مقترنا بالفعل (أوجع) يعطينا المعنى العام للبيت وهو : اشتياق الكواكب إلى النزول للأرض تواضعا وشوقا للاحتفاء بالميلاد المقدس .
مثال 2- وتهافتتْ زهرُ النجوم برملها فاختار قلبُ محمد (ص) زهراءَها
يصور الشاعرفي هذا البيت حدث الميلاد المقدس للسيدة الزهراء سلام الله عليها بالفعلين (تهافتت ، اختار) وارتباط فعل الاختيار بالتهافت بواسطة حرف الفاء ربطا تراتبيا فوريا يوحي بحالة من الانتظار والترقب لدى النبيصلى الله عليه وآله وسلملأنه فور تهافت النجوم فوق سطح الأرض ، سارع إلى اختيار أشدهن توهجا وازدهارا . وهذا معنى مجازيا يجسد جماليات العلاقة بين النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والسيدة الزهراء سلام الله عليها .
المعنى العام في البيت واضح إذ يصف الشاعر مجازا اختيار النبي الأكرم لأشد النجوم ازدهارا كناية عن السيدة الزهراء عليها السلام . فتكون الصورة أن السماء أمطرت نجومها لتفترش الأرض وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اختارأجملهن وأشدهن ضوءاوتوهجا .
مثال 3- وتبرّجي فرحا بزهرة دوحة باهت بها أرض الحجاز سماءها
الفعل (باهت) والتباهي في معنى البيت حالة من التنافس بين السماء والأرض حيث ترتقي الأرض فتداني السماء برفعتها . بل وتنافسها ، فخرا بولادة السيدة الزهراء بدليل اقتران الفعل الماضي بتاء التانيث الساكنة . يأمر الشاعر كعبة الله بأن تتزين فرحا بميلاد الزهرة التي باهت ارض الحجاز بميلادها سماءها .
مثال 4- يحيى بها ميت الضمير وإن طغى جدب أراقت كالربيع دماءها
تظهر الأفعال الثلاث دفعة واحدة في بيت واحد تترجم انفعالية عالية في نفس الشاعر وهو يعبر عن معانيه التي تصف سمو أخلاق وطبيعة السيدة الزهراء عليها السلام في العطاء اللامنتهي حتى أنها تؤثر بميت الضمير فيسترد حياة ضميره . وإن طغى الظلم فهي مستعدة للتضحية بالدم لتسقي شجرة العدل في الأرض .
مثال 5- هذي الحجارة في شوامخ مكة خشعت وشاطرت السما نعماءها
الفعل (خشعت) في عجز البيت والخشوع معنى مجردا في القلب . يدل على التذلل . وفي المعجم خشع : رمى بصره نحو الأرض وغض صوته . [22] والخشوع في حواس الإنسان لكنه هنا يبلغ بالمعنى قمته إذ يستعير المعنى للجماد ، فتخشع الحجارة لما في الحدث من هيبة وقدسية تبعث الحياة في الحجارة لدرجة الخشوع .
الخاتمة والنتائج :
- يعبر الشاعر بالأفعال لقوتها فتأتي على شكل متتابعات فعلية مترابطة بقوة العطف .
- يكون الربط بين الأفعال على مستويين : الأول الربط القريب ويشكل (متتابعات ) فعلية في صدر البيت أو عجزه . والثاني الربط على مستوى متتابعات فعلية في الأبيات .
- يتشكل ظهورالأفعال بوصفه ظاهرة نصيّة تعبيرية خاصة على شكل متتابعات فعلية داخل البيت الواحد وداخل القصيدة عموما يربط بينها العطف بالحروف .
- تظهر الكثرة الغالبة في الأفعال الروحية مقابل الأفعال الحسية .
- تقترن ظهور الأفعال بكثرة واضحة مع تصعيد انفعالات الشاعر .
- ترتبط الأفعال الروحية بتصعيد انفعالات الشاعر عن العقيدة وقدسية المولد المقدس .
الهوامش :
- ترويض النص – الدكتور حاتم الصكر– الهيئة المصرية العامة للكتاب : 27
- مجلة الموسم – العدد (79- 80) لسنة 2009م : 144
- شرح المفصل – ابن يعيش : 7/2
- المصدر نفسه
- الفعل زمانه وأبنيته – الدكتور ابراهيم السامرائي – مؤسسة الرسالة – ط3- 1403 هـ – 1983م : 29
- الدلالة الزمنية في الجملة العربية – الأستاذ الدكتور علي جابر المنصوري – دار الثقافة – عمان – ط1 – 2002م : 46
- النحو القرآني قواعد وشواهد – د. جميل أحمد ظفر – ط2 – 1418هـ – 1998م – مكتبة الملك فهد الوطنية – مكة المكرمة : 7
- السيموطيقا والعنونة – دكتور جميل حمداوي – (بحث) صحيفة المثقف عدد 4967- 11- 4- 2020
- دراسات في الفعل ، د. عبد الهادي الفضلي ، دار القلم ، لبنان : 17
- الأشباه والنظائر – السيوطي – 3/11
( 12) العامل النحوي بين مؤيديه ومعارضيه ودوره في التحليل اللغوي- الدكتور خليل أحمد عمايره : 54
(15) قضايا المعنى في البنية النحوية – د. عبد السلام عيساوي الدار التونسية للكتاب – 13
(16) الكتاب – سيبويه : 1/ 23
(17) المصدر نفسه :
(18)الفعل زمانه وأبنيته – الدكتور ابراهيم السامرائي – مطبعة العاني ، بغداد – : 15
(19)معجم مقاييس اللغة ، ابو الحسن احمد بن فارس بن زكريا ، تحقيق : عبد السلام هارون ، دار الفكر : 4/ 74 . وينظر : لسان العرب ، ابن منظور الأفريقي ، دار صادر ، 11 / 466
(20)دراسات في الفعل – الدكتور عبد الهادي الفضلي : 25
(21) النحو العربي ، عبده الراجحي ، 148
(22) عمدة الصرف – كمال ابراهيم – جامعة ذي قار : 16
(23) ينظر : الجنى الداني في حروف المعاني – الحسن بن قاسم المرادي –ت . د. فخر الدين قباوة– دار الكتب العلمية – بيروت : 61
(24) دراسات في الفعل – الدكتور عبد الهادي الفضلي 25
(25)النحو العربي – عبده الراجحي : 133
(26) ينظر : لسان العرب : 8/ 17
المصادر :
- الأشباه والنظائر في النحو – جلال الدين السيوطي – ت: د. عبد العال سالم المكرم – مؤسسة الرسالة
- البنى اللسانية الرابطة في شعر الشنفرى– د. عبد المهدي هاشم الجراح – مجلة المخبر – عدد 12 – السنة 2016 (بحث)
- ترويض النص – حاتم الصكر– الهيئة المصرية العامة للكتاب
- الجنى الداني في حروف المعاني – الحسين بن قاسم المرادي ت : د. فخر الدين قباوة – دارالكتب العلمية – بيروت
- دراسات في الفعل – د. عبد الهادي الفضلي – دار القلم
- الدلالة الزمنية في الجملة العربية – الأستاذ الدكتور علي جابر المنصوري – دار الثقافة – عمان – ط1 – 2002م
- السيموطيقا والعنونة – د. جميل حمداوي – صحيفة المثقف (بحث)
- العامل النحوي بين مؤيديه ومعارضيه ودوره في التحليل اللغوي- الدكتور خليل أحمد عمايره
- عمدة الصرف – د. كمال ابراهيم – جامعة ذي قار
- الفعل ، زمانه وأبنيته – د. ابراهيم السامرائي – مطبعة العاني
- قضايا المعنى في البنية النحوية – د. عبد السلام عيساوي الدار التونسية للكتاب
- الكتاب – سيبويه – ت: عبد السلام هارون – دار الجيل – بيروت
- لسان العرب – جمال الدين محمد بن مكرم – ابن منظور – دار صادر- بيروت
- معجم مقاييس اللغة – احمد بن فارس – ت: عبد السلامن هارون – دار الفكر
- الموسم – محمد سعيد الطريحي – العدد (79- 80 ) السنة 2009(مجلة)
- النحو العربي والدرس الحديث – د. عبدة الراجحي – دار النهضة – بيروت
- النحو القرآني قواعد وشواهد – د. جميل أحمد ظفر- مكتبة الملك فهد