منطق العمل التضامني في التعاونيات الإنتاجية النسائية ومقاومة الهشاشة الاجتماعية بالمغرب

د/ ابراهيم الحياني1

1 كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض، المغرب

البريد الإليكتروني: socio.research80@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(4); https://doi.org/10.53796/hnsj54/8

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/04/2024م تاريخ القبول: 18/03/2024م

المستخلص

يسعى هذا المقال إلى مقاربة إشكالية كيفية اشتغال قيم ومبادئ الاقتصاد التضامني في الواقع الفعلي لبعض التعاونيات المحلية النسائية بالمغرب. وبشكل أدق، فهو يروم الكشف عن أشكال العمل التضامني السائدة عند المتعاونات المديرات والمدبرات فيها، ومدى انطواء هذه الأشكال على القيم المستهدفة من الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بشكل عام. لقد تم البحث، أولا، في السياق التاريخي والظروف السوسيواقتصادية التي كانت وراء ظهور ودينامية مجمل التعاونيات في شكلها التنظيمي الحديث، وعلى رأسها التعاونيات النسائية التي تنشط أكثر في قطاعات الفلاحة والصناعة التقليدية. ثم ثانيا، تم إجراء بحث سوسيولوجي كيفي استكشافي لعشرين وحدة من تعاونيات النساء بقرى نائية ومراكز شبه حضرية مختلفة. واهتدى في الأخير، إلى نتائج أولية تؤكد تعدد أشكال العمل التضامني (النزعة العائلية، الاستغلال بحثا عن الربح الشخصي المادي أو المعنوي، تفويض أمور التدبير والإشراف والتواصل إلى الرجال الخ.) بحسب منطق ورهانات النساء الفاعلات والفاعلين أصحاب المشاريع، وتضع مبادئ الاقتصاد التضامني وقيم العمل المستقل وروح النوع الاجتماعي في المحك.

مهما كان التفسير، وسواء فسر الأمر بجدلية القيم التقليدية والتحديثية، والمحلي والكوني، وفاعليتها في مؤسسات وتنظيمات المجتمع كما أقر بذلك العديد من السوسيولوجيين (باسكون مثلا)، أو فسر باستغلال فرص الاقتصادين الرأسمالي والاجتماعي حسب المصالح والرهانات الشخصية للفاعلات، فإن تقوية القيم الموجهة لذات الاقتصاد تتوقف أكثر على توفير التكوين وأشكال الدعم المتعددة، والتأطير والمواكبة والمصاحبة لفائدة التعاونيات النسائية قصد الإنخراط أكثر في أفق الدولة الاجتماعية، عبر الرفع من مؤشرات العمل المستقل، والإنصاف النوعي، والحد من الهشاشة الاجتماعية. وتلك غاية النموذج التنموي الجديد بالبلاد.

الكلمات المفتاحية: الاقتصاد الاجتماعي التضامني، التعاونيات النسائية، التضامن/العمل التضامني، منطق الفاعل ورهاناته، الهشاشة الاجتماعية.

Research title

The logic of solidarity work in women’s productive cooperatives and resistance against social precariousness in Morocco

Dr. Alhiani Brahim1

1 Faculty of Arts and Human Sciences, Cadi Ayyad University, Morocco

Email: socio.research80@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(4); https://doi.org/10.53796/hnsj54/8

Published at 01/04/2024 Accepted at 18/03/2024

Abstract

This article attempts to highlight how the social and solidarity economy’s values have effectively worked in feminine cooperatives in rural Morocco. In fact, it intends to point out how the logic of solidarity functions through social representations and practices of manager/cooperator-members studied within the work spaces as well as how it differs from one to another according to their divergent interests, even if such cooperatives have been regarded as a good space for alternative social values to limit repercussions of the steady dominance of the capitalist productive economy, and its negative impact on the potential society.

This essay first focuses upon the historical context and socio-economic conditions of feminine cooperatives’ emergence and dynamism in the sectors of craftsmanship, textile, agricultural and forestry production. Secondly, exploratory qualitative research has been conducted through non-directive individual interviews in 20 units of such cooperatives in remote areas and different semi-urban centers.

It finally leads to some preliminary results that, according to the logic and strategic stakes of active women, emphasize the multiple forms of solidarity work (familism, exploitation in search of material or moral personal gain, delegating management, supervision, and communication responsibilities to men, etc.), and then question the solidarity economy initiatives’ practice and values. Therefore, strengthening the values linked to this economy itself – that could reduce social precariousness and create independent work – depends more on providing training, tutoring, counselling and multiple forms of support in order that the reality of these cooperatives would become both more involved in the social state and in harmony with all advanced social policies made for the promotion of social cooperatives and self-employment projects This, indeed, is a challenge and the goal of the country’s new development model as well.

Key Words: Social and solidarity economy, Feminine cooperatives, Solidarity (work), Actor’s logic and strategic stakes, Social precariousness.

  • مقدمة الدراسة (أهميتها وأهدافها، الدراسات السابقة وإشكالية البحث):

يعتبر موضوع التعاونيات والعمل التضامني النسائي من المواضيع المهمة التي تتسم بالجدة والراهنية، لانخراطه ضمن ما يسمى بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني البديل للاقتصاد الرأسمالي، إن أهمية هذا البحث تزداد حين ينخرط في أفق تخصصات فرعية جديدة وواعدة في العلوم الاجتماعية: سوسيولوجيا الريادة (المقاولاتية) النسائية، وسوسيولوجيا التعاونيات والتضامنات الإجتماعية، والسياسات الاجتماعية، كما يدرس، في ظل مفاهيمها وطرقها، مسارات بعض التعاونيات، ومنطق الفاعلات المتعاونات فيها من خلال تمثلاتها وممارساتها في فضاءات العمل. وبالرغم من أهمية وراهنية هذا الموضوع، فإنه لم ينل حظه من التحليل السوسيولوجي الامبريقي على المستوى العربي والمحلي. ذلك أن القراءة المتفحصة لمجموعة من المؤلفات وحتى الأطروحات الجامعية والمقالات، كشفت لنا أن معظم هذه الدراسات ركزت على جوانب اقتصادية أو قانونية أو ذات صلة بالتسويق والتدبير والإدارة. وبالرغم من تطرق هذه الدراسات لجوانب علمية مهمة تتعلق بآليات التدبير الاجرائي والاستراتيجي للتعاونيات، وتنظيمها على المستوى البنيوي والوظيفي، وإسهاماتها في الاقتصاد المحلي، إلا أنها لم تهتم بالجوانب الاجتماعية التي نود التركيز عليها في هذه الدراسة حول التعاونيات والتضامن النسائي. ومن هنا يتضح بجلاء أن مجال التعاونيات في علاقاتها بالتضامن والرابط الاجتماعي والهشاشة مازالت بكرا من جهة، وتعتريها، من جهة أخرى، صعوبات جمة إن على المستوى النظري المفاهيمي أو البحث الميداني.

بدلا من الانطلاق من مبادئ الاقتصاد التضامني والتركيز عليها لفهم ما ينبغي أن يكون عليه واقع اجتماعي معين ويصير التحليل معياريا، يسعى هذا البحث إلى البحث أولا في أصول ودينامية هذا الاقتصاد (الشكل التعاوني بالخصوص)، ثم ثانيا إلى استكشاف وتشخيص التضامن كما هو في هذا الواقع. لذلك، يتوخى معالجة إشكالية التضامن في التعاونيات الإنتاجية النسائية باعتبارها تنظيمات حديثة منخرطة فيما يسمى بالاقتصاد الاجتماعي التضامني بالمغرب منذ نهاية الألفية المنصرمة… فالتعاونيات في روحها وأشكالها المختلفة تتميز عن بقية المقاولات العادية بقيامها مبدئيا على التضامن والتعاون المتبادل والتماسك بما هي قيم اجتماعية بديلة للحد من التقلبات والانعكاسات السلبية للهيمنة المضطردة للاقتصاد الإنتاجي الرأسمالي، وتأثيرها السلبي على شرائح المجتمع، لكنها في واقع الحال قد تشتغل بمنطق ازدواجي متأرجح بين هذا وذاك، وتصير، بالتالي، مهووسة أكثر بهواجس الربح المادي السريع والتنافس الدائم الشرس والاستغلال بدلا من تحقيق التماسك الاجتماعي وإعادة بناء الرابط الاجتماعي. ومن المؤكد في الأدبيات السوسيولوجية أن التضامن مفهوم مفتاح لفهم درجة اندماج الأفراد في فضاءاتهم المهنية ومجتمعاتهم، بحيث يظل التضامن العضوي عند دوركهايم توصيفا دالا على علاقات التكامل بين الأفراد في المجتمعات الحديثة المتميزة بتقسيم شديد للعمل، على اعتبار أن هذا التكامل يعتمد إلى حد كبير على اندماج الأفراد في عالم الشغل[1]. لذلك، فإن هذا البحث يسعى إلى مساءلة الأشكال والآثار غير الطبيعية للعمل داخل التعاونيات والتي تقف عثرة أمام التضامن العضوي (والتشاركي) في حمولته السوسيولوجية. وبتعبير أدق، فهو يتوخى مساءلة المنطق الذي يشتغل من خلاله التضامن النسائي في بعض التنظيمات التعاونية بالمجتمع المغربي (القروي على الخصوص). فواقع هذا التضامن لا يمكن فهمه على أنه –كما يتبجح بذلك السياسويون- مجرد استمرار لقيم متجذرة تاريخيا في تقاليد المغاربة كما تجلى ذلك في تضامن “”اجماعة”، وما ارتبط به من ممارسات “ازرفان” و”التويزة” و”الوزيعة” و”الخطارات” و”الشرد” و”الخماسة” وغيرها مما لها أهمية كبرى في التنشئة الاجتماعية على التضامن والانصاف الاجتماعي، هذا على الرغم من كون ثقافة التعاون والتضامن والعمل الجماعي التي يتأسس عليها الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ليست حديثة بحداثة هذا الاقتصاد في المجتمع المغربي، كما لا يمكن فهم هذا التضامن انطلاقا من اختزاله ضمن نموذج تضامني واحد وبسيط نظرا لطبيعة المجتمع المركبة واعتباره خاصية عصره كما يقول بول باسكون، ولكن التضامن- كما تبين هذه الدراسة الاستكشافية الأولية- يحمل معاني كثيرة ضمن سيرورة دينامية الفعل في الحقل التعاوني؛ فهو غير مستقل عن استراتيجيات ورهانات الفاعلين والفاعلات بالمعنى السوسيولوجي الكروزوي للمفهوم. إن تحليل تمثلات الفاعلات المتعاونات والمنخرطات في تنظيمات الاقتصاد التضامني يكشف عن وجود أنماط مختلفة من التضامنات الفردية والجماعية باختلاف السياقات المجالية والتحديات والإكراهات الاجتماعية. إن رهانات مقاومة الخسارة والعطالة مثلا أو مظاهر الهشاشة الاجتماعية بشكل عام تملي على النساء المتعاونات، مع امتلاكهن لهوامش من الفعل الحر حسب السياق، إلى تقمص استراتيجية من استراتيجيات الفعل التضامني. فكيف ظهرت التعاونيات الإنتاجية النسائية بالمغرب؟ وما المبادئ والقيم التي تتأسس عليها؟ وما هي إذا، أشكال التضامن تلك؟ وما المنطق الذي يحكم أفعال المتعاونات في فضاء العمل ببعض من هذه التعاونيات؟

تعتبر هذه الإشكالية أساسية وفي صلب هذا المقال، وينطوي منطوقها حول نظرية الفعل والفاعل الاستراتيجي كما هي معهودة في الأدبيات التنظيمية. كما تسير على نهج مختلف نسبيا عن بقية المسارات التي سلكتها الدراسات السابقة. إذ لا تخرج هذه المسارات عن أفق تحليلية أربعة:

  • الأفق التحليلي الأول تنموي أو بدائلي، تنخرط فيه كل الأبحاث والدراسات التي تروم البحث عن مدى قدرة التعاونيات على المساهمة في التنمية (توفير العمل، تحسين الدخل وظروف الاقتصاد المعيشي، تشجيع السياحة المحلية، والمبادرات النسائية الخ)، وتثمين المنتوجات الترابية، والتقليل من الآثار المناخية على سكان الجبال والسهول القروية بشكل خاص. بتعبير آخر، كيف يمكن لهذا الاقتصاد التضامني أن يكون بديلا للإقتصاد الحديث عبر تظافر جهود الدولة لتشجيعه وتنميته وتحسين ظروفه بشتى المجالات. ومن هذه الأبحاث، نذكر على سبيل المثال لا سبيل الحصر، أعمال باسكون عن واقع بعض التعاونيات المدعمة من لدن الدولة الناشئة، وأدوارها في عملية تحويل الفلاحة من النموذج التقليدي إلى النموذج العصري[2]، وكذا الأعمال المنجزة في العدد الأول من المجلة المغربية للتعاونيات المنشورة من لدن مكتب تنمية التعاون سنة 2011، وكذا بعض التقارير الوطنية كتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني[3]، فهو وإن كان يسعى إلى صياغة التوصيات الضرورية لتطوير الإطار القانوني لهذا الاقتصاد، وتشجيعه للإسهام أكثر في النمو المندمج، فإنه يقوم أيضا على تشخيص واقع هذا الاقتصاد، وحركيته، وديناميته بالمغرب، ومقارنته بالتجارب العالمية بغية اقتباس عناصر إصلاحية مهمة. هذا علاوة على أعمال نقدية متعددة تقوم على الوقوف على التحديات المؤسساتية والإكراهات السوسيواقتصادية التي يتعين التصدي لها للإسهام في التنمية والنموذج الجديد للتنمية بالمغرب[4]. وثمة أعمال سوسيولوجية معدودة تناقش أفق هذا الاقتصاد في التشغيل ومحاربة الهشاشة وتحقيق التماسك الاجتماعي؛ ومن ذلك مثلا دراسة بوخريص لهذا الاقتصاد في شقه الجمعوي[5]، وبيانه من خلال دراسة سوسيولوجية ميدانية للدينامية الجمعوية بإقليم الراشيدية، كيفية انتقالها من التطوع إلى العمل المأجور ضمن شروط اجتماعية معينة.
  • الثاني إداري تدبيري[6]؛ يقتصر على دراسة كيفية تدبير هذه التعاونيات، ومواجهتها لإكراهات التسويق والصعوبات القانونية، وإدارة الجودة، والانخراط في الأسواق الخارجية وغير ذلك. وبالرغم مما لهذا الأفق من أهمية، فإنه يبقى ضيقا ومحدودا لا ينفذ أكثر إلى العمق الاجتماعي لهذه المنظمات.
  • الأفق الثالث تقني إنتاجي تظل فيه الدراسات حبيسة البحث عن الطرق المثلى لزيادة إنتاج المنتوجات الغابوية (زيت أركان، والعسل، ومسحوقات طبيعية وطبية الخ.)، وتجويدها عبر تطوير الطرق التقليدية، واستدماج الآلات الحديثة في الإنتاج والمعيرة الخ. وغالبا ما تندرج هذه الدرسات في حقل دراسة الصناعة الغذائية، والفلاحة البيولوجية، والأمن الغذائي، والتحليل البيوكميائي للمنتوجات الطبيعية[7].
  • الأفق التحليلي الرابع، وهو ذو أهمية كبيرة لارتباطه بموضوع بحثنا هذا، ويتعلق بدراسة التعاونيات في صلتها بالمرأة، والنوع الاجتماعي. ومنها على سبيل التدليل، الدراسة المجالية التي أنجزها كل من ايبورك والراوي حول تأثير الريادة والمقاولاتية التعاونية على سيرورة استقلالية النساء إن على مستوى المعرفة والإردة أو على مستوى السلطة وتوزيع الموارد. حسب هذه الدراسة، وإن كان ثمة تأثير سلبي في المجالات القروية النائية، فإن هناك انعكاسات إيجابية ملموسة عند النساء في بقية المجالات. غير أن الأمر يقتضي تقوية أنظمة المرافقة والمصاحبة لفائدة التعاونيات النسائية[8]. كما تجدر الإشارة في هذا السياق إلى دراسة جيلو Gillot الاستقصائية عن تعاونيات النساء الفلاحية بالرباط، والتي تعتبرها، بالرغم من كل العقبات والقيود، واقعا بدأ يشهد تنفيذ عمليات التمكين السوسيواقتصادي لفائدة النساء في المغرب. هذا على الرغم من وجود قراءات نقدية تبين كيف وجدت النساء أنفسهن محصورات في “مشاريع صغيرة” أبقتهن في وضعهن الهش وحبيس العمل بشكل غير رسمي، كما أضافت إليهن قيودا وضغوطا اجتماعية يومية[9]. تنضاف إلى ذلك، دراسة سوسيولوجية كيفية مهمة- لإكمان– عن عشرين تعاونية نسائية؛ وهي تحاول الكشف عن أوجه التداخل بين الحس التعاوني والمصلحة الشخصية، وانعكاساته السلبية على السلطة وخدمة المصالح الجماعية وتطوير الثقافة التعاونية. لتهتدي إلى التشديد على اضطرار التعاونيات- وتحث تأثير إكراهات المحيط والسوق- إلى “اختيار متعاونات مدبرات ورئيسات يتمتعن برأسمال ثقافي وعلائقي واقتصادي يسهل تطوير مهاراتهم. ومن ثم فإن استثمار هؤلاء المدبرات والجهود التي يبذلنها لإدارة وتدبير التعاونية تميل إلى إضفاء الشرعية على تعزيز سلطتهم داخل البنية وخدمة مصلحتهم الشخصية بدلا من المصلحة الجماعية”[10].

مهما كان الأمر، تبقى إشكالية هذه الدراسة متسمة بالجدة والوجاهة؛ وتنخرط، نوعا ما، ضمن الأفق التحليلي الأخير، ساعية إلى استكشاف الواقع المتعدد وغير المتجانس لأشكال التضامن والتعاون في صفوف المتعاونات المدبرات والعاملات في الإقتصاد التعاوني بالعالم القروي على نحو خاص.

  1. منطلقات سوسيولوجية نظرية ومنهجية:
    1. تحديدات مفهومية أولية:

في البداية، يتوقف الأمر على ضرورة الوقوف على مجموعة من المفاهيم الأساسية التي تشكل نواة البحث وتنسج عناصر إشكاليته، وهي على النحو الآتي:

  1. الاقتصاد الاجتماعي والتضامنيEconomie Sociale et Solidaire:

يختلف تعريف الاقتصاد الاجتماعي (أو الشعبي، أو الاقتصاد ذي التوجه الاجتماعي كما ينعت في بعض البلدان) من باحثين لآخرين باختلاف خلفياتهم النظرية، وباختلاف السياقات التاريخية أيضا. فثمة من يعرفه انطلاقا من مقاربة وصفية تنطلق من دراسة الوضع القانوني لتنظيماته (Henri Desroche)، وثمة من يعرفه طبقا لمقاربة معيارية تنظر في كيفية الالتزام والانخراط في القيم والمعايير الخاصة بهذا الاقتصاد (Jacques Defourny)، أو تبعا لمقاربة شكلية ورسمية لا تعترف بها إلا حين تتوفر فيها قواعد قانونية معينة (Claude Vienney)، علاوة على وجود تعاريف مستمدة من مقاربات سوسيواقتصادية (كما عند لافيل Jean-Louis Laville)، وقائمة على ضرورة تجاوز التصور التقييدي للاقتصاد الاجتماعي لأنه يشير جزئيا إلى الاقتصاد الاجتماعي الممأسس والموجه بقوة نحو منطق التكيف مع نمط السوق للإنتاج. لذلك يتعين تعريف الاقتصاد الاجتماعي، حسب لافيل -من خلال نهج وظيفي يختزله إلى ظاهرة متبقية للدولة والسوق[11]. وهو في الواقع، مفهوم مركب يتشكل من “تنظيمات -في شكل تعاونيات، وتعاضديات، وجمعيات- تحد، في قوانينها وأنظمتها الداخلية، من توزيع الأرباح وسلطة المساهمين بالرساميل”[12]. ومهما اختلفت التعاريف باختلاف زوايا النظر إلى مفهوم الاقتصاد الاجتماعي، فإن هذا الاقتصاد يقوم على مبادئ كثيرة تضفي على أنواعه وأشكاله خصائص نوعية تميزها عن المقاولات الفردية (بطابعها الجماعي) والعمومية (بطابعها الخاص)، والشركات الرأسمالية (بكونها تجمعا لأفراد وليس للرساميل، ومن دون سعيها في المقام الأول إلى تأجير، وتحقيق ربح وعائد عليها). وبالرغم من كون هذا الاقتصاد يستهدف خدمة الإنسان وبناء الرابط الاجتماعي بالدرجة الأولى، فإنه لا يستبعد البعد التجاري الكامن في المقاولات، والموجود بشكل خاص في غالبية التعاونيات[13].

إذا كان الأمر كذلك، فإن مفهوم الإقتصاد التضامني ليس سوى امتداد لمفهوم الاقتصاد الاجتماعي بالرغم من قيامه أكثر على منطق التضامن الجماعي والاقتصاد المتعدد والاندماجي، بحيث إذا كان الحديث عن مفهوم التضامن Solidarité، والتضامن العضوي Solidarité organique في المجتمع الحديث كان بالأساس عند إميل دوركهايم Durkheim، على اعتبار أن تقسيم العمل يبني الرابط الاجتماعي، فإن النزعة التضامنية في هذا الاقتصاد تسعى إلى “نزع التسليع Dé-marchandisation” الجزئي عن العمل. وفي هذا الأمر، نجد لافيل، يقترح مفهوم الاقتصاد التضامني كبديل للاقتصاد الاجتماعي، ما دام يشمل مشاريع ومبادرات تضع التضامن في قلب الأنشطة الاقتصادية.

في السياق المغربي، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تعريفا لهذا الاقتصاد على نحو يحفظ فيه على مقومات وخصوصيات المجتمع المغربي، ويضمن له الانفتاح على محيطه الخارجي؛ بحيث “يعبر عن مجموع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية التي تنتظم في شكل بنيات مهيْكَلَة أو تجمعات لأشخاص ذاتيين أو معنويين، بهدف تحقيقِ المصلحة الجماعية والمجتمعية، وهي أنشطة مستقلة تخضع لتدبير مستقل وديمقراطي وتشاركي، يكون الانخراط فيه حرا. كما تنتمي إلى الاقتصاد الاجتماعي والتضامني جميع المؤسسات التي ترتكز أهدافها الأساسية بالدرجة الأولى، على ما هو اجتماعي، من خلال تقديمها لنماذج مستدامة ومدمِجة من الناحية الاقتصادية، وإنتاجها سلعا وخدمات تركز على العنصر البشري، وتندرج في التنمية المستدامة ومحاربة الإقصاء”[14]. وتعود مبادئ هذا الاقتصاد إلى القيم الفكرية والاجتماعية السائدة في أوروبا في القرن الثامن عشر؛ قيم الإرادة والتماسك والتعاون والتضامن المتبادل ورفض ثقافة التصدق والاستجداء بما هي قيم اجتماعية بديلة للحد من التقلبات والانعكاسات السلبية للهيمنة المضطردة للاقتصاد الإنتاجي الرأسمالي، وتأثيرها السلبي على شرائح المجتمع[15]. ويمكن الاستدلال في هذه الحقبة التاريخية بالمشاريع والمبادرات التعاونية والتعاضدية التي تعود إلى “رواد روشدال المنصفونRochdale Equitable Pioneers” في إنجلترا سنة 1844، “وفريدريش فيلهلم رايفايزن Friedrich Wilhelm Raiffeisen” في ألمانيا سنة 1847[16]؛ وقد كانت سنة 1844 مع نجاح التعاونية الانجليزية نقطة تحول في تاريخ الحركة التعاونية عالميا وتأسيس اتحادات وتحالفات دولية تعاونية في أواخر هذا القرن، وسببا في انتشار هذا النوع من التنظيم بكافة أنحاء أوروبا والعالم، وفي تنوع أنشطته بتنوع حاجات المجتمعات الاستهلاكية والزراعية والإسكانية والصحية والأشغال النسائية والمدرسية والعمالية وغير ذلك. وبالرغم من ذلك، فإن “المبادرات الحقيقية لم تبدأ إلا مع ظهور آثار الأزمة التي عرفها نظام الدولة- الراعية والاقتصاد المختلط خلال الربع الأخير من القرن العشرين، حيث أعربت بعض الدول الأوروبية عن اهتمامها بالتنظيمات النموذجية للاقتصاد الاجتماعي”[17]. ذلك أن الفكرة كانت متجسدة بداية بأوروبا في الثمانينيات، تحت قيادة البلد الايطالي عبر خلقه نظاما قانونيا مؤطرا للتعاونيات الاجتماعية الناجحة في تلبية الحاجيات التي تعجز عنها المصالح والمرافق العمومية. لتنتقل الدينامية إلى باقي الدول الأوروبية وفرنسا على الخصوص. وفي الولايات المتحدة، أسهمت العديد من الجهات الفاعلة في تطوير الفكرة: وخصوصا الجامعات الرئيسية وعلى رأسها جامعة هارفارد (كلية إدارة الأعمال) التي أنشأت مبادرة المقاولة الاجتماعية (Social Enterprise Initiative) في عام 1993، وكذا المؤسسات الكبرى بما فيها “أشوكاAshoka ” التي لا زالت من الرواد العالميين المتألقين في تجسيد برامج مخصصة لأصحاب المشاريع الاجتماعية[18].

على الرغم من استعمال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بصيغة ودلالة واحدتين، فإن بعض الباحثين يميزون بين الاقتصادين من زوايا مختلفة تمييزا جوهريا من حيث الزمن والسياق التاريخيين، فإذا كان الاقتصاد الاجتماعي قد ظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على أساس فرضية التناقض الأساسي بين عناصر الإنتاج، وتحديدا بين الرأسمال والشغل، فإن مفهوم الاقتصاد التضامني لم يتبلور إلا في عقد الثمانينات من القرن الماضي للتعبير عن فرضية وجود فوارق وتمايزات اجتماعية عميقة بين الفئات، وبين الأجيال، وبين الجهات والأمم، وبين الانسان والطبيعة. مما يعني أنها في سياق ديناميكي بديل لإعطاء نفس جديد في فلسفة التضامن على غير الشكل القديم المعتاد في الاقتصاد الاجتماعي. ومن زاوية الدلالات والغايات، فإن الاقتصاد الاجتماعي يختزل أبعادا فردية (المتعاون، العضو، المنخرط) في الانخراط داخل التعاونيات والجمعيات والتعاضديات، وتكريس مبادئ المساواة والتعاون والمساهمة بين الأفراد، ويتحرك في دائرة إنتاج وتوزيع واستهلاك البضائع والخدمات التسويقية، بينما يختزل الاقتصاد التضامني أبعادا جماعية (النوع، السن، الفئة، الجهة)، ويتسع ليشمل دائرة التنمية البشرية (تحسين الدخل والمعيشة والصحة، وتقليص التفاوتات المجالية، وخدمة المعوزين والأشخاص في وضعية الهشاشة الاجتماعية)، بل يخترق قيم وآليات اقتصاد السوق عبر اللجوء إلى المساعدات العمومية، وتكريس ممارسات التجارة المنصفة، والسياحة التضامنية، وخدمات القرب وغير ذلك[19].

كيفما كان الحال، فإن المفهومين يردان بالترادف في السياق المغربي وفق الخصوصيات التاريخية والاقتصادية والثقافية، كما يتسم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب- حسب الدراسات والتقارير الرسمية المتوفرة في هذا الشأن- بالتعدد والتنوع وعدم الانسجام أحيانا في الأنشطة ومجالات الاستثمار، وهيمنة الأنشطة الإنتاجية الفلاحية والحرف التقليدية علاوة على اختلاف المشاكل التسويقية والتنظيمية والتنافسية عن غيرها مما تواجهه بقية الأشكال القانونية من مقاولات الاقتصاد الرأسمالي. إذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت التعاونيات شكلا مهما من الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فما المقصود بها وبالتعاونيات النسائية على نحو خاص؟ وما المقصود كذلك بالتضامن النسائي في العمل؟

  1. التعاونيات والتضامن النسائي في العمل (العمل التضامني النسائي):

يعرف المشرع المغربي التعاونية بوصفها تنظيما يتألف من مجموعة “أشخاص ذاتيين أو اعتباريين أو هما معا اتفقوا أن ينضم بعضهم إلى بعض (خمسة أشخاص طبقا للتعديلات الأخيرة) لإنشاء مقاولة تتيح لهم تلبية حاجياتهم الاقتصادية والاجتماعية، وتدار وفق القيم والمبادئ الأساسية للتعاون المتعارف عليها ولا سيما تلك المتمثلة في العضوية الاختيارية المفتوحة للجميع، والإدارة الديمقراطية للتعاونيات، والمساهمة الاقتصادية للأعضاء، والإدارة الذاتية والمستقلة، والتكوين والتدريب والإعلام، والتعاون بين التعاونيات، والالتزام نحو المجتمع”[20]. ويميز المشرع بين ثلاثة أصناف: “تعاونيات يزودها أعضاؤها بمنتجات قصد بيعها للأغيار بعد تحويلها، أو بخدمات قصد تقديمها إليهم ؛ وتعاونيات إنتاج المواد أو تقديم الخدمات لفائدة أعضائها؛ وتعاونيات تقدم عملا مأجورا لفائدة أعضائها”[21].

تعتبر التعاونيات النسائية (أو تعاونيات النساء) ضربا من التعاونية كما يحددها المشرع المغربي. وسميت بهذا الإسم لكونها تنظيمات تنشئها حصرا فئة الفتيات والنساء، وتهيمن فيها عملا وتدبيرا وإدارة، وتعكس شكلا من المقاولاتية أو الريادة النسائية (Entrepreneuriat Féminin)، ولكونها أيضا مدخلا أساسيا لبناء الرابط الاجتماعي والاندماج السوسيومهني للنوع الاجتماعي في المغرب. وقد كانت وراء ظهورها عدة عوامل اجتماعية تختزل في ضرورة الاستجابة لحاجات المجتمع المحلي ومحاربة البطالة والهشاشة لدى النساء، وتحسين وضعهن المعيشي من خلال مشاريع إنتاجية وخدماتية صغيرة مدرة للدخل مثل تربية المواشي وتربية النحل وإنتاج منتوجات أركان والزعفران، وصناعة النسيج والزرابي وغيرها.

بالنظر إلى مفهوم العمل أو الشغل، والعمل التعاوني بشكل خاص، فإن هذا المفهوم في الدراسات السوسيولوجية المعاصرة، غالبا ما يتم استدعاءه في صلته بالرابط الاجتماعي والهشاشة والبطالة، وفي علاقته بهويات وثقافات الأفراد والاعتراف الاجتماعي، وبالنوع الاجتماعي وعدم المساواة والرفاه والاستهلاك الخ. إن العمل قيمة مركزية في المجتمع، وتثمينه اجتماعيا يمنح له دورا أساسيا في اندماج الأفراد وبناء الرابط الاجتماعي؛ فالعمل مصدر شرعي للثروات والموارد والأجور، ومعيار ضروري لنيل الاعتراف لدى الأفراد والمجتمع بشتى الدلالات التي يحيل عليها مفهوم الاعتراف (إن على مستوى نيل الرضى والقبول، والحقوق، أو على مستوى التحديد أو الهوية الاجتماعية التي لا يمكن بناؤها إلا عبر الأوضاع التي يحتلها الأفراد داخل فضاءات العمل التي ينخرطون فيها على الدوام)[22]. وبشكل خاص، يعد العمل في التنظيمات النسائية بمثابة عمل تعاوني Travail coopératif يقوم على تقسيم المهمات والأنشطة بين المتعاونات علاوة على العوائد والأرباح المجنية؛ كما تحصل أحيانا لدى فئات عمل معينة إمكانية العمل الفردي على نحو جماعي كلي أو تنسيقي متكامل Travail collaboratif. غير أن العمل التعاوني يشتغل بمنطق التضامن على نحو يجعله ينخرط في أفق ما يسمى، سوسيولوجيا، ببناء الرابط الاجتماعي [23]Lien Social؛ ورهانات الاقتصاد التضامني بشكل عام. إن اختلاف أشكال هذا التضامن من تعاونية لأخرى -كما سيتضح في الحالات المدروسة- يؤكد تعدد القيم الموجهة لها: قيم عائلية، وقيم السوق، وقيم السياسة الخ. مما يعني أنها ليست بالضرورة استمرارا لقيم “اجماعة” بالعالم القروي كما يدعي بعض الساسة والخبراء المحليين في التنمية، وحتى وإن كانت التعاونية تقوم في ظاهرها وقوانينها التأسيسية على قيم التضامن والتقاسم وبناء الرابط الاجتماعي، فإن اشتغالها في واقع الحال محكوم بمنطق الاستغلال الرأسمالي للمأجورين المؤقتين حسب عملهم، وإمكانية التحرر من الضرائب، والتحرك في الأسواق تحت مظلة تشجيع المنتوج المحلي والتضامن الاجتماعي، بل حتى إمكانية الإستفادة من مساعدات المنظمات الخارجية في هذا الشأن. وهو ما يعني ضمنيا أن الاختيارات ليست محكومة بالضرورة بالقرارات والمرامي التشريعية، وإنما برهانات فردانية ونفعية تتيح إمكانية الإنزياح عنها.

  1. الهشاشة الاجتماعية:

انتقل مفهوم الهشاشة من المجال الطبي الحيوي والبيئي إلى العلوم الاجتماعية وانتشر انتشارا واسعا مع سنوات الثمانينات من القرن الماضي وخصوصا بعد نهاية مرحلة النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي التي كانت تدعى بالثلاثين الذهبية « Trente glorieuses » (1945-1975). وقد كان الاهتمام به سوسيولوجيا في فرنسا كمسألة اجتماعية جديدة-بالمعنى الذي يتحدث عنه كاستل R. Castel- في ظل مساءلة التحولات النوعية للمجتمع وتماسكه الكلي. وتدل الهشاشة الاجتماعية Précarité ou Vulnérabilité sociale على “عدم قدرة الأفراد والمنظمات والمجتمعات على تحمل الآثار السلبية للضغوط المتعددة التي يتعرضون لها. تعود هذه التأثيرات جزئيا إلى الخصائص الموروثة في التفاعلات الاجتماعية والمؤسسات وأنساق القيم الثقافية. يقول أوليفر سميث Oliver-Smith، “إن مفهوم الهشاشة الاجتماعية يعبر عن تعدد الأبعاد للكوارث  والمصائب، من خلال تركيز الانتباه على مجموع العلاقات في وضعية اجتماعية معينة والتي تشكل، في اقترانها بعوامل وقوى ببيئية، شرطا منتجا للكارثة أو الفاجعة”[24]. من مظاهرها “علاقات السلطة التي تستبعد مجموعات معينة أو أفراد معينين من الاستفادة من الحد من مخاطر الكوارث أو جهود التعافي بعد الكوارث. وتظهر هذه العلاقات فيما بين الأفراد أو المجموعات السوسيو اقتصادية، ضمن بنيات المؤسسات، أو الحوارات المحددة ثقافيًا حول الضغوطات”.

غير أن هذا المفهوم يظل متعدد الدلالات والاستخدامات في علم الاجتماع، بحيث ينعدم فيه أي تعريف موحد أو حتى أي مجهود لتفكيكه وإعادة بنائه نظريا علما أنه مشحون برهانات وتصورات كثيرة. لذلك، تتناوله الأطر التحليلية السائدة وفق مفاهيم مجاورة كثيرة كالفقر Pauvreté أو التفقير Paupérisation، والتهميش Marginalité، والبؤس Misère، والإقصاء Exclusion، وعدم التأهيل Disqualification، وعدم الانتماء Désaffiliation، وغيرها. والأمر يرجع حسب بريسون Maryse Bresson، إلى تفضيل أغلب الباحثين السوسيولوجين الانطلاق أحيانا من تحليل وضعية الأفراد أو الفئات الهشة أو الأكثر عرضة للهشاشة (كالأطفال والنساء والمسنين والشباب في وضعية فشل دراسي على الخصوص)، والاستعانة بكل المعارف المسعفة في فهم حالات معيشية ومشخصة بعينها كما في البطالة وظروف العمل غير اللائق ، والمستوى المعيشي غير القار، والحرمان وصعوبة الحصول على السلع الاستهلاكية والقيود المفروضة على الغذاء والمأوى والعلاج، إضافة إلى دراسة أشكال عدم الاستقرار في تصنيف بعض المناطق والمجالات “كالضواحي الحساسة” و”غيتو” الفقراء والمهاجرين، التي ترمز إلى صعوبة “العيش معًا”[25]. وبشكل مختصر، يمكن القول أن الخيط الناظم للدراسات السوسيولوجية السائدة حول موضوع الهشاشة يكمن في البحث في سيرورة هشاشة Processus de précarisation الأوضاع والأفراد والفئات الاجتماعية، مشددة أحيانا على حالات تهديد الأمن الاجتماعي، أو المخاطر المسببة للإقصاء والقهر، أو عدم الاستقرار في الشغل (الذي ليس بالضرورة نتاج مسارات مهنية عالية المخاطر في الفشل)، وأحيانا أخرى، يتم التركيز على اختيارات الأفراد، و”الهامش المتبقي للفاعلين للتفاوض بشأن وضعهم أو بناء هويتهم الاجتماعية”[26]. مما يعني، بالمجمل، أننا أمام براديجمان أساسيان في تحليل سيرورة الهشاشة تندرج ضمنهما مقاربات نظرية كثيرة: براديجم كلياني بنيوي ينطلق من تحليل المؤسسات والبنيات والظواهر وما لها من تأثير على الأفراد وقدرة على بناء التضامنات والروابط الاجتماعية، في مقابل براديجم فرداني يقوم على تحليل أفعال الأفراد وفئات معينة (كالمهاجرين والمهمشين الخ) بالنظر إلى اختياراتهم ومساراتهم واستراتيجياتهم في الحياة اليومية.

    1. منطلقات منهجية في البحث:

تسعى هذه الدراسة السوسيولوجية المتواضعة لأن تكون استطلاعية استكشافية أولية لواقع التضامن في صفوف المتعاونات (والمتعاونين) بالتعاونيات النسائية عبر إجراء 20 مقابلة معمقة مع حالات متباينة من التعاونيات المتخصصة في إنتاج وتسويق المنتوجات المحلية بالمجتمع القروي وشبه الحضري في المغرب، علاوة على الاستعانة في التحليل ببعض من الإحصائيات الرسمية المتعلقة بهذا النوع من التعاونيات؛ وهي دراسة تقوم على نظرية الفعل، بحيث تلامس أفق التحليل الاستراتيجي للفاعلين المحليين، والفعل التضامني المنظم، كما تقوم على تأويل الأفعال والممارسات انطلاقا من التمثلات والتصورات الفردية والجماعية المولدة لها كما هي مبنية ومروجة عند مختلف الفاعلين. لذلك تبقى محدودة بحدود أهدافها الاستطلاعية، وعدم إمكانية تعميم نتائجها على التنظيمات التعاونية الموجودة في المنطقة. لكن تبقى منطلقا أوليا لمقاربة المنطوق الاجتماعي للسياسات الاجتماعية في التشغيل الذاتي والمشجعة على الخصوص للمبادرات التعاونية بالمنطقة؛ وذلك عبر مساءلة مبادئ وقيم التضامن في واقع هذه التنظيمات المنخرطة في فلسفة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من جهة، وإعادة التفكير الإجرائي، من جهة أخرى، في واقع العمل التعاوني، ومستقبل التمكين الاقتصادي للمرأة والتضامن القائم على “الجندر” موازاة مع تطوير تشريعات تتلاءم ومنطق السياسات الاجتماعية المناسبة لهذا الميدان.

  1. التعاونيات الإنتاجية بالمغرب (القروي): نظرة سوسيوتاريخية:

إن ظهور الشكل العصري المنظم للتعاونيات في الفضاء المغربي لم يكن أبدا عبثا، كما أنه ليس نتاج نضال عمالي معين، ولكنه قد أفرزته ظروف تاريخية مرتبطة بالعهد الكولونيالي، والسياسة الفرنسية الموجهة لتطوير المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعة التقليدية عند مستوطينها في البداية. وإذا كانت هذه المنظمات تقوم، مبدئيا، على تلبية حاجات أعضائها بالنظر إلى احتياجات المجتمع اقتصادية كانت أو اجتماعية أو ثقافية، فإن ظهورها غالبا ما يكون مقرونا بالأزمات الاقتصادية القائمة، أو عدم قدرة المقاولات الكلاسيكية أو مؤسسات الدولة على تلبية تلك الحاجات. غير أن تطورها في الواقع المغربي، يمكن توصيفه تبعا للمراحل التاريخية التالية:

  • في المرحلة الكولونيالية، يرجع تنظيمها إلى سنة 1922، بعد صدور ظهير شريف يجيز إنشاء تعاونيات استهلاكية بين المستوطنين بهدف تسهيل تأسيسها في البلاد. كما ظهر في عام 1935 ظهير ثان يتعلق بالقرض المتبادل والتعاون الفلاحي لإنشاء تعاونيات فلاحية لفائدتها. بعد حولين فيما بعد، منح تعديل تشريعي للمغاربة حق المشاركة في تأسيس تعاونيات الحبوب. ولأسباب سياسية واقتصاية تخدم أكثر مصالح المستعمر الفرنسي، صدر ظهير 1938 يسمح للمغاربة بإنشاء تعاونيات حصريا في القطاعين الزراعي والحرفي[27]. إن بعضا من هذه التعاونيات أي 62 وحدة تقريبا والتي يغلب عليها الطابع الزراعي والحرفي، بقيت قائمة عشية الاستقلال[28].
  • في مرحلة الاستقلال، اتسمت أكثر بتدخل الدولة الشامل إلى حد تبعية التعاونيات لسلطتها، وذلك عبر إصدار مراسيم تجيز إنشاء التعاونيات المعدنية والسكنية، والتعاونيات الزراعية داخل وخارج الاستصلاح الزراعي، وإنشاء مكتب تنمية التعاون عام 1962، واعادة هيكلته كمؤسسة عمومية سنة 1975 لدعم التعاونيات سواء تعلق الأمر بتقديم المنح والمساعدات المادية، أو بتقديم التأطير القانوني والتكوين التقني. وقد ترتبت عن ذلك:
  • من الناحية الكمية، زيادة في حجم التعاونيات (من 62 تعاونية في عام 1957 إلى حوالي 2000 في عام 1983)[29].
  • من الناحية الكيفية، اتكالية على الدولة وغياب روح المبادرة والقدرة على تطوير المشروع التعاوني بسبب سوء توظيف وتدبير المساعدات. وفي هذا المضمار، نجد السوسيولوجي المغربي باسكون دارسا لبعض التعاونيات والصعوبات التي تواجهها في هذه الفترة الانتقالية، معتبرا “الصيغة التعاونية في بداياتها وسيلة لا تضاهى لتحويل الفلاحة التقليدية إلى فلاحة حديثة، لكن دون امتلاك منظور ورؤية واضحة أو تطوير لقطاع تعاوني كبير تدعمه الدولة[30] (مع استثنائه لبعض التعاونيات؛ كتعاونية عين تلمست[31]، التي تعد في نظره نموذجا يوتوبيا نادرا).
  • مرحلة الثمانينيات من القرن المنصرم، حيث تبنت الدولة سياسة التدخل النسبي في التعاونيات والانسحاب التدريجي من بعض القطاعات التي تشتغل فيها. وقد أصدرت القانون 83-24 المحدد للنظام الأساسي العام الموحد للتعاونيات، وكذا مهام مكتب تنمية التعاون. وقد شدد على مسألة استقلالية التعاونيات، وضرورة تكوين العنصر البشري وهيكلة الحركة التعاونية. غير أن تطبيقه قد كشف عن مدى ضعف ملاءمته للواقع والحاجة إلى الإصلاح. لذلك أقترحت تعديلات جمة تمت الموافقة على آخرها في المجلس الحكومي لسبتمبر 2011 [32].
  • منذ مستهل الألفية الثالثة، تم تشجيع إنشاء التعاونيات وتسهيل مساطره، باعتبارها مدخلا أساسيا لخلق العمل المدر للدخل، وتحقيق الاندماج السوسيومهني إضافة إلى تثمين النتوجات المحلية. ونظرا لأهمية الرهان على هذا الشكل من الاقتصاد، وجسامة مسؤولية تطويره، نهجت الدولة سياسة تشاركية مع كل الأطراف الداخلية والخارجية، عبر تفعيل عدة برامج وطنية فيما بين القطاعات كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمغرب الأخضر وغيرهما. لذلك لم يكتسي ذاك المدخل من بين المداخل العمومية والخيارات الاجتماعية أهمية أكبر؛ بحيث لم تخصص له إجراءات وموارد مالية مهمة إلا مع إطلاق وتفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مايو/أيار 2005 [33]. وهو ما أسهم بالفعل في تزايد أعداد هذه التعاونيات في كل جهات البلاد بالرغم من مواجهتها لمشكلات الدعم والمواكبة والتأطير. ومن الناحية التشريعية وبالنظر إلى ضرورة إحداث تعديلات تنسجم وروح العصر، فقد أحدث قانون 112.12 المتعلق بالتعاونيات كما تم تغييره وتعديله.

في حقيقة الأمر، عرف المجتمع المغربي أشكالا متعددة غير شكلية من التعاون والتضامن الاجتماعي لعبت فيها المرأة دورا بارزا (كما في التويزة مثلا) منذ قرون، كما عرف حركة تعاونية- في شكلها التنظيمي الحديث- منذ تحقيق الاستقلال وبداية تدخل الدولة في تسييرها قبل الانسحاب منها في بعض القطاعات سنة 1983، بل حتى قبل الاستقلال حيث أسست الحماية الفرنسية تعاونيات زراعية وحرفية منذ 1937. وبالرغم من هذا كله، فإن التعاونيات النسائية قد شكلت ظاهرة اجتماعية وبرزت بالأساس في القطاع الفلاحي منذ الثمانينات وأوائل التسعينات. وهذا لا يعني أبدا غياب الأعمال والحرف في صفوف النساء قبل هذه السنوات أو حتى في الفترة الكولونيالية. فقد سبق لباحثين أن تحدثوا عن أعمال خاصة بالنساء، ومنها مثلا كما سردها بروسبير ريكارد Prosper Ricard[34] بمدينة فاس في سنوات العشرينيات؛ الفطالة (صانعة ومعدة الكسكس)، والخبازة، ومعلمة كعب الغزال أو البسطيلة، ومعلمة الزرابي، والنغافة، والطيابة، والقابلة، والحناية، والهضارة، والغسالة الخ. وأكثر من ذلك، فقد كانت التعاونيات النسائية تشتغل في مجال الصناعة التقليدية في مرحلة ما قبل الاستقلال. في هذا السياق، تتحدث الأدبيات العلمية[35] عن تشكل أول تعاونية مغربية نسائية مختصة في نسج الحنابل والزرابي التقليدية في قصبة الأوداية بمدينة الرباط عام 1949. غير أنه في الراهن، بفضل استفادة تعاونيات النساء من برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية المعلن عنها بدءا من2005، تطورت كميا ونوعيا كما يتضح في الخطاطة التالية:

التمثيل البياني رقم (1): تطور تعاونيات النساء بالمغرب:

المصدر: إحصائيات مكتب تنمية التعاون، 2018

تبعا لإحصائيات مكتب تنمية التعاون (Office du Développement de la Coopération) عن النسيج التعاوني النسائي بالمغرب في نهاية 2015، يناهز عدد تعاونيات النساء 2280 مقاولة، وعدد المتعاونين فيها ما مجموعه 37960 عضوا (بمتوسط 16 لكل تعاونية)، وبرأسمال متوسط تقدر قيمته بحوالي 7460 درهم لكل تعاونية، وبالأهمية الملحوظة لها في قطاعي الفلاحة والصناعة التقليدية كما تبين الخطاطة التالية:

التمثيل القطاعي رقم (2): توزيع تعاونيات النساء حسب القطاعات بالمغرب:

المصدر: إحصائيات مكتب تنمية التعاون، 2016

تجدر الإشارة إلى احتلال جهة سوس ماسة درعة المرتبة الأولى في إنشاء المقاولات-التعاونيات بمعدل 1485 وحدة من 13882 تعاونية في النسيج التعاوني المغربي، و54419 متعاون، ومنها 356 تعاونية نسوية بالجهة في نهاية 2014[36]. إن هذه التعاونيات الإنتاجية- ويستثنى منها تعاونيات الاستهلاك والسكن- وإن كانت تنخرط في الاقتصاد التعاوني وتتأسس على مبادئ الديمقراطية وحس المسؤولية، وقيم التضامن والتشارك والمساواة، فإنها في الوقت ذاته مقاولات مهووسة في واقع الحال بهواجس الربح والجودة التي يفرضها منطق السوق المعولم. ومادامت تستثمر في الرأسمال البشري بالدرجة الأولى، والمنتوجات المحلية لتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية عبر تثمين المنتوج المحلي المستثمر فيه، فإنها تظل تعبيرا عن عمق ما يسمى بالمقاولاتية الاجتماعية، وتتسم بخصائص كثيرة من أهمها:

  • تعدد وتنوع الفاعلين الاجتماعين إن على مستوى النوع والفئة، أو على مستوى الأنشطة ومجالات الاستثمار (التعاونيات والتعاضديات والجمعيات)، ووجود طلب اجتماعي على كل أشكال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
  • سيادة الطابع التقليدي في مجالات الاشتغال (الطابع الحرفي والإنتاجي الفلاحي الغابوي) وخصوصا في أغلب التعاونيات النسائية والشبابية، هذا علاوة على مواجهة المتعاونين لإشكالية شبكة الشراكة والتسويق المتسع النطاق، وتحديات هيمنة الطابع غير المهيكل وغير الرسمي الذي يطغى على جانب كبير من علاقات الشغل، والهشاشة المترتبة عنه (الأجور المتدنية، انعدام عقود العمل، وغياب الحماية الاجتماعية الخ)، وإشكالات التفاوت الكبير بين الوسط الحضري والوسط القروي.
  • مواجهة أصحاب التعاونيات لإكراهات مزدوجة: داخلية (ضعف حكامتهم، وقلة رساميلهم الخاصة بسبب الإسهامات المحدودة جدا من حيث عدد الحصص الاجتماعية، وبسبب عدم إعادة استثمارهم للفوائد في التعاونيات)، وخارجية تشريعية ومؤسساتية وسوسيو اقتصادية (صعوبة ولوجهم للقروض البنكية، والطلب العمومي، والاستجابة لمتطلبات السوق، وضعف تنسيقياتهم، ومواكبة تعاونياتهم، وانعدام انتقائية برامج الدعم، وانعدام التغطية الاجتماعية للفاعلين المتعاونين)[37].

جدير بالذكر أن ثقافة التعاون والتضامن والعمل الجماعي التي يتأسس عليها الاقتصاد الاجتماعي والتضامني (وعلى رأسه التعاونيات) ليست حديثة بحداثة الظاهرة في المجتمع المغربي، بل هي متجذرة في تقاليد المغاربة كما تجلى ذلك في تنظيمات تضامن “اجماعة”، وظواهرها في ممارسات (ك”التويزة” و”الوزيعة” و”الخطارات” و”الشرد” و”الألواح” وغيرها)[38] مما له أهمية كبرى في التنشئة الاجتماعية على التضامن والزجر والانصاف الاجتماعي. غير أن دينامية هذا القطاع لم تكن ملحوظة بشكل مستقل وفي حلة جديدة ومنظمة ومهيكلة، إلا مع الألفية الثالثة[39]. ولهذا فإن تبجح بعض الفاعلين السياسيين والجمعويين في خطاباتهم بهذه الممارسات، وتفسيرهم (اليوتوبي أو الايديولوجي إن صح النعت) للظاهرة المقاولاتية الاجتماعية التضامنية كنتيجة حتمية لاستمرار تلك الثقافة، لا يمكننا من فهم حقيقة التضامن في هذه التنظيمات بل حقيقة التعقيدات الاجتماعية للمجتمع المغربي المركب، ولا يسمح برصد السلوكات الانتهازية والاستغفالية للأفراد في إطار العلاقات التضامنية الماكرواجتماعية وذلك لاعتبارين سوسيولوجيين اثنيين: الأول أن تلك الآليات والقيم التضامنية ارتبطت بنسق العمران البدوي حسب التعبير الخلدوني، وفي سياق التضامن الآلي بلغة دوركهايم بحيث تحكم المجتمع البسيط قيم القرابة والدم بدافع التضامن للحفاظ على ثروة ومصالح العائلات والعشائر والقبائل. والاعتبار الثاني يكمن في صعوبة الحسم في النماذج التضامنية الخاصة بالمجتمع المغربي بسبب القصور في المعرفة المونوغرافية وفرادة كل نموذج تضامني باعتباره خاصية عصره وتشكيلته الاجتماعية حسب بول باسكون، بل باعتبار النموذج تعبيرا عن التمايزات والتراتبيات الاجتماعية الموجودة على كل مستويات المجتمع، بحيث يبدو نموذج “التضامن المترتب عن القرابة العصبية” (البطريكية) مختلفا عن “التضامن الصوفي والايديولوجي”(الزوايا)، “والتضامن القبلي”، “والتضامن الفيودالي”[40]. الشيء الذي يدل على مدى تعدد واختلاف أشكال التضامنات الاجتماعية في المجتمع المغربي على نحو خاص.

  1. أشكال واستراتيجيات التضامن لمقاومة الهشاشة في التعاونيات النسائية القروية وشبه الحضرية (عرض وتحليل نتائج البحث الاستكشافي):
    1. “التضامن الرأسمالي” لجلب الربح السريع:

لقد وضحنا سابقا، أن التضامن وإن كان ينظر إليه عموما على أنه أساس للإجتماع البشري أي أساس لدخول الأفراد في علاقات مع أعضاء المجتمع، فإن أي توافق حول مفهومه هو شبه منعدم في العلوم الاجتماعية. ويصعب التمييز الدقيق بين شتى أشكاله المختلفة؛ وإن كان الحديث عنه الآن يقتضي نوعا من الفعل (ماديا (دعم، قرض شرفي الخ) أكان أم معنويا (تمكين، وتشجيع)) تجاه الفئات الهشة والأكثر عرضة للخطر، كما يراهن في الخطابات الرسمية على أشكال مستدامة من التضامن كالتضامن الإيكولوجي والتضامن مع أجيال المستقبل. وبالرغم من هذا كله، فإنه من الممكن الأخذ، عموما، بالتعريف السوسيولوجي الذي ينظر للتضامن على أنه “مجموع الإجراءات والآليات التي تضمن إعادة توزيع أو تبادل الخيرات والمصالح والخدمات بين الأفراد أو المجموعات الاجتماعية، سواء في إطار مؤسسة معينة أو المجتمع على نطاق أوسع. ويفترض وعيًا بالانتماء المشترك الذي يخلق واجبات التبادلية Réciprocité”[41]. ما يعني أن التضامن ليس مجرد مضمون أو مشاعر وأحاسيس ولكنه سيرورة وآليات للتبادل وإعادة التوزيع، بل فعل وسلوك استراتيجي يوجه التضامن ويمنحه شكلا معينا. لذلك لا يكتسي التضامن معنى حين نبحث في أصله ومصدره (هل هو خاص أم عام؟ داخلي أم خارجي؟ ذاتي أم مؤسساتي؟)، ولكن أيضا من خلال سيرورته لدى الفاعلين، والوظيفة التي يمكن أن يفي بها (حماية مصالح الأفراد أو إدماجهم في المجتمع الخ.) في التنظيم-التعاوني، ما دام المتعاونون أو المتعاونات ليسوا مجرد أدوات ووسائل في خدمة التعاونية وأهدافها وغاياتها الأساسية، بل هم أيضا فاعلون استراتيجيون يسعون دوما إلى تحقيق رهاناتهم ومصالحهم الخاصة.

تشتغل بعض التعاونيات النسائية والمختلطة أيضا بمنطق ما نسميه بالتضامن الرأسمالي لأنها تنخرط أكثر، وهي مهووسة بالمنطق التنافسي وتحقيق الربح المادي، فيما نسميه بالاقتصاد الرأسمالي بالرغم من استثمارها في تثمين وتطوير المنتوجات المحلية Produits du terroir (وبالأخص منتوجات الورد العطرية أو الزعفران أو أشجار أركان والصبار). فكيف يشتغل هذا التضامن إذن؟ من الواضح في بعض تعاونيات منتوجات الورد العطري بنواحي ورزازات- موضوع الاستجواب، كيف أن المتعاونات والمتعاونين المنشئين لها والمالكين للأسهم فيها يتكتلون ويتضامنون كأعضاء متعاونين بحيث تتكامل كل أدوارهم، ويندمجون في جماعات العمل، ويحتكرون توزيع حصة الأسد كل حسب أسهمه، كما يحتكرون السلطة التنظيمية في مواقعهم بالمكتب الإداري للتعاونية، ويعملون على تدويرها بشكل تناوبي على نحو يمكن من الاحتفاظ بها في يدهم كأعضاء رئيسيين ذوي فرص متكافئة، ومسؤولين جماعيا، بالتنظيم التعاوني. ذلك أن إكراهات السوق وتنافس مقاولات كبرى متجذرة في منطقة دادس (وخصوصا شركة عطور المغرب) فرضت عليهم هذا الشكل من التضامن الهادف إلى ضمان الحد المرغوب فيه من الربح والتنافس بالرغم من جدتها وبروزها مؤخرا في العقد الأخير من هذه الألفية. تشتغل هذه التعاونيات بهذا المنطق إلى درجة إدماجها في المكاتب للمتعاونات المستثمرات الأجنبيات ضمانا لتقوية فرصة تحقيق التنافس عبر الاستيراد وتسويق منتوجات الورد العطري في أماكن القرب وعن بعد وفي المعارض والأسواق الخارجية وخصوصا دول الاتحاد الأوروبي. إن أهداف إحدى التعاونيات المختصة في إنتاج الورد[42] مثلا تكمن بالأساس-حسب الرئيس التدبيري المستجوب- في “تثمين السلسلة الإنتاجية للورد من أولها إلى يائها (منذ الإصلاح والتقليم مرورا بالإنتاج والتحويل والتقطير والتجفيف ونهاية بالعرض والتسويق)، وكذا الرفع من مستوى المردودية والمنافسة العالمية في الأسواق الأوروبية، علاوة على تحسين مستوى عيش الساكنة المحلية”. وهذا البعد الاجتماعي يكمن -في نظره- في تحقيق “الاستقلالية المالية للنساء”، مع العلم أن هذه التعاونية تهمين فيها النساء المتعاونات ذوات مستوى تعليمي متوسط أو ضعيف في أغلب الحالات: “3 نسوة ضمن 5 أفراد في الهيئة المسيرة للتعاونية والمالكة لأسهم معينة فيها، في حين، تبقى المتعاونات المنخرطات (حوالي 30 إمرأة) بمثابة عاملات موسميات أيام العمل المؤقت (الإنتاج والتحويل) الذي لايتجاوز 40 يوما في السنة”. وإذا كان هؤلاء النساء العاملات يتقاضين، بالتالي، “أجرا يوميا يتراوح ما بين 100 و150 درهم”، فإن الأخريات المؤسسسات للتعاونية- وهن قلة- يشتغلن طول السنة، ويؤدين وظائف وأعمال متعددة -تحويلية وتسويقية وتواصلية وإدارية- يتقاضين أجورا دائمة حسب الأرباح المجنية من الإنتاج، وتبعا لأسهم كل فاعل وفاعلة متعاونة. وتظل هذه الأرباح مهمة بالنظر إلى أهمية أنشطة الإنتاج والتحويل إن على المستوى الكمي أو الكيفي؛ إذ “لا يقل مستوى إنتاج ماء الورد عن 600 لتر، وكمية الورد المجفف عن 200 كيلوغرام، وكمية الزيوت عن 250 لتر خلال فترة الإنتاج”.

تجدر الإشارة في الوقت نفسه إلى كون التعاونية كشكل تنظيمي رسمي، قد تنطوي في أماكن أخرى على إمكانية التحول إلى مقاولة عائلية دون التصريح بذلك، وحالات متعددة يمكن الاستدلال بها في هذا المضمار. كما قد يلجأ الفاعلون في هذا النوع من التنظيمات الاقتصادية إلى السعي أحيانا للتخلص من الأعداد المتزايدة للمستخدمين الدائمين والمتضامنين بقوة القانون وذلك بغاية الحفاظ على قسط كبير من الأرباح المقتسمة، واحتكار السلطة فيها من طرف نفس الأفراد الفاعلين.

    1. التضامن العائلي أو القرابي كاستراتيجية للاستمرارية والبقاء:

يدل التضامن العائلي Solidarité Familiale في معناه الواسع على نوع من التماسك الذي بفضله يهتم أعضاء مجموعة اجتماعية (العائلة الممتدة أو القرابة أو الشبكة العائلية) بمصالح بعضهم البعض. وبالتالي، فإن التضامن هو حالة من العلاقات بين الأشخاص الذين يدركون مجتمع المصالح، ويترجمونه بشكل ملموس في مختلف سلوكات وقنوات التواصل (الجمعنة أو العيش المشترك) أو التبادلات (الدعم)”[43]. إن النزعة العائلية Familiarisme هي إحدى الخصوصيات الثقافية التي تسم المجتمعات العربية على الخصوص. لذلك، فهي الأخرى تطبع مقاولات مغربية معينة بما فيها الشكل التعاوني؛ على اعتبار أن المقاولات التعاونية هي الأخرى ليست أبدا في انفصال عن المجتمع المحيط بها، بل أكثر من ذلك، يتعين اعتبارها متجذرة ومترسخة في العلاقات الاجتماعية، أو ذات إرساء وترسيخ اجتماعي نسبي بالحمولة السوسيولوجية لمارك غرانوفيتر [44] Granovetter، سواء أكان هذا الترسيخ علائقيا (العلاقات الشخصية المؤثرة في الفعل الاقتصادي) أو بنيويا (شبكة العلاقات الكبرى)؛ إذ ليست مجرد نتاج خيار اقتصاد السوق بل هي شكل من المؤسسات الاجتماعية القائمة على الإطار المؤسساتي والعلائقي المتنوع. إن مدى شدة أو ضعف شبكة العلاقات العائلية والقرابية وغيرها عند أصحاب التعاونيات على المستوى المحلي، هو من الشروط المحددة لاستراتيجياتهم وعلاقاتهم بالسوق، ولكيفية اشتغال تنظيماتهم، بل إن نجاح هذه المقاولات الاجتماعية أكثر من أي نوع آخر بالمنطقة المدروسة قد يرتفع احتمال تفسيره بقوة الروابط الاجتماعية المحلية كجزء لا يتجزأ من الثقافة الراسخة.

في السياق ذاته، تكشف مقابلات مع بعض الرئيسات المؤسسات للتعاونيات كيف أن أغلب التعاونيات النسائية تشتغل بمنطق التشبيك العائلي والقرابي أيضا إذ تتضمن بعض أفراد العائلات الممتدة، وتستعين أيضا إلى جانب الدعم العمومي، بأشكال المساندة والدعم العائلي (الأداتي والتقني والمالي)، هذا علاوة على تشغيلها للنساء المحترفات كما في التعاونيات الحرفية، والتشبيك مع نساء وتعاونيات أخرى تنشط في المجال نفسه. ومن ثمة، فهي الأخرى تنخرط في الامتداد القيمي للمقاولة العائلية المغربية. يتجسد هذا التضامن العائلي في احتكار النساء ذات قرابة عائلية في المنطقة لما يمكن تسميته بالمثلث الذهبي (أي المواقع التنظيمية الحساسة والأكثر أهمية: رئيس مجلس إدارة التعاونية، ونائبه، وأمين المال أو الصندوق) في بنية التعاونيات النسائية بحيث تحتكر الأسهم والمواقع المهمة حتى وإن تجددت المكاتب أو اقتضى الأمر إنشاء تعاونيات أخرى مثيلة أو فرعية أو بديلة. وهو ما تعبر عنه التمثلات التي تسود لدى هذه الفئة من التعاونيات النسائية- تلك التي تشتغل في إنتاج زيوت ومشتقات ومنتوجات شجرة الأركان Spinoza بسوس، من قبيل ” لمعاونة والثقة من الدار، ولد الدار هو الأول، نتعاونو ونتضامنو جميع مع القريب ومع العائلة، وبالخصوص لي بغا اخدم، الزمن صعيب والتضامن الأسري مهم الخ.”؛ وهي كلها بمثابة تمثلات مولدة لممارسات موجهة بقيم التضامنات العائلية (كالثقة والرابط الدموي وغير ذلك) التي تسهم في استمرار التعاونية بمنطق عائلي، وتلافيا لأية إمكانية الوقوع في أي تهديد خارجي. إنها تروم، في واقع الحال، إلى تحقيق الأمن والحماية والاحتماء في أحضان العائلة. لكنه غالبا ما نجد في هذا النوع من التعاونيات النسائية مشاكل مرتبطة بالاتكالية، والانتظارية أحيانا، تدفع بعض عناصر العائلة إلى الصراع والانشقاق في بعض الحالات.

    1. التقرب والتحالف لاكتساب التأثير والريادة وضمان الامتيازات التضامنية:

كشفت المقابلات الفردية والخرجات الاستكشافية لبعض التعاونيات النسائية والمختلطة أيضا في العالم الريفي، عن مدى وجود شكل من التضامن يكتسي فيها دلالة التحالف الإستراتيجي كقوة ضغط فعالة وليس فقط كقوة لضمان احتكار بعض الأعمال الإنتاجية، ومواجهة التنافس الشرس، والحفاظ على التواجد الدائم في السوق المستهدفة، ولكن أيضا كجماعة مصلحة وكقوة ضغط فاعلة في الأوقات المناسبة. تستمد هذه التعاونيات قوتها من انتمائها وتقربها للسلطة ولأحزاب الحكومة الراهنة، ومن ثمة قدرتها على التأثير في المحيط الاجتماعي، وسهولة الاستفادة من التمويل الخارجي أو من برامج الدعم والتأهيل والتكوين التي تراعيها وتمولها مؤسسات الدولة (قطاعية أكانت كما في وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ووزارة الفلاحة (المخطط الأخضر) وغيرها، أم وكالات ومكاتب كالتعاون الوطني أو الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، أم برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية). ولنا في حالة مستجوبة بنواحي مراكش[45]نموذجا على التعاونيات النسائية في مجال الصناعة التقليدية التي تنخرط أكثر ضمن أفق هذا النوع من التضامن. إن قدرة المرأة المؤسسة لهذه التعاونية منذ 2017 على استمالة وادماج أزيد من 68 امرأة قروية من كل الدواوير المحيطة، لهي مسألة لا تعزى فقط إلى كونها بنت المنطقة أو مدفوعة سيكولوجيا نحو الحماسة والتألق وتحقيق الذات، كما لا تفسر بمستواها الدراسي الذي لا يتجاوز السلك الابتدائي، ولكنها ترجع بالدرجة الأولى إلى تفكيرها في الزعامة والريادة عبر تقربها إن لم نقل انتمائها لأحزاب ذات هيمنة وقوة في المشهد السياسي والمنطقة المعنية؛ إذ سبق أن ترشحت مؤخرا في حزب سياسي هام، مما يجعلها تمتلك نوعا من الرأسمال الرمزي الآتي من عالم السياسة. فإذا كان العمل عند السوسيولوجيين -كما عند بولتونسكي وتيفينو [46]Luc Boltanski et Laurent Thévenot -فضاء لبناء عوالم التوافقات الاجتماعية المتعددة، فإن العمل التعاوني عند الشابة الرائدة أرضية لبناء عالم متجسد في الشهرة والتأثير وتأكيد الانتماء للحزب وللمجال ذاته. وبفضله، استطاعت أن تسوق ليس فقط لعلامتها التجارية ومنتوجاتها التقليدية (في الفصالة والخياطة والتطريز والزرابي والمصنوعات الجلدية والنباتية)، ولكن أيضا لخصوصيات منطقتها وحاجاتها، وكذا علامتها وبصمتها في تحقيق التغيير المنشوذ بالمنطقة. “التعاونية كما تقول السيدة، هي الوحيدة الموجودة في الدوار، وتستقطب نساء كل الدواوير المجاورة. هدفها كامن في تنمية المرأة القروية الأكثر عرضة للهشاشة، وخصوصا الفتيات المنقطعات عن الدراسة وضحايا الزواج المبكر أو الطلاق (…)، علاوة على تمكينها من العمل ومنحها تكوينات وشواهد في مجال الاشتغال (…)، الأساس أنني أحدث التغيير في منطقتي ، وأنقل صوت المنطقة عبر وسائل الإعلام نظرا لمكانة تعاونيتي عند القائد ورئيس المجلس الجماعي، كما أخلق التضامن فيما بين النساء، مستثمرا في ذلك قيم الزعامة والريادة وروح المسؤولية وإبداع الحلول. بفضل هذا الإنجاز، أصبحت أفضل امرأة رائدة في العمل التعاوني النسائي سنة 2021 على المستوى المغاربي”[47]. وقد جمعت في مهامها بين رئاسة التعاونية ذاتها وقيادة جمعية أخرى في المنطقة مستفيدة -بفضل شبكة العلاقات مع الفاعلين ذوي النفوذ أيضا- من التمويل الخارجي (الأمريكي والكندي) على الخصوص، ومتمكنة من الإسهام في التنمية الاجتماعية عبر مشاريع تعبيد الطرق والتشجير والتوعية، وتوفير النقل المدرسي بالدواوير المجاورة.

بهذا المعنى، شكلت الجمعيات منطلقا للانتقال من العمل التطوعي إلى العمل المأجور، وإضفاء الشرعية الأخيرة على هذا العمل عبر خلق تعاونيات لتثمين المنتوجات والمصنوعات المحلية، كما شكلت أيضا فضاء لتصريف الفعل السياسي وتوجيه الفعل التضامني في المنطقة.

    1. التضامن في التعاونيات النسائية بين هشاشة النوع، وهشاشة الوضع والمجال:

في أغلب التعاونيات النسائية المستجوبة، يغيب فيها التضامن الذي يقوم على روح المقاربة بالنوع الاجتماعي ولا يحضر فيها إلا كأفق انتظار؛ هذا على الرغم من وجود تنظيمات أخرى مباشرة أو غير مباشرة ترافق وتصاحب هذه التعاونيات في عمليات التوعية وتمكين المرأة من الحقوق الاقتصادية، والترافع عنها وتحقيق الإنصاف النوعي ، بينما يسود فيها الحس التضامني والتعاوني الذي ينطوي على أشكال مقاومة الهشاشة الاجتماعية خصوصا في العالم القرروي. ولعل هذا ما يعبر عنه المستجوبات بعبارات من مثل “المرأة خاصها تخدم باش تحارب الجهل والفقر والبطالة”، “نتضامنوا مع شبابنا المعطل باش اخدم ويقضي ويتعلم في التعاونيات”، و”ننتضامنوا ونعملوا من أجل طرف من الخبز”، و“نقضيو باش نعيشو وما نفشلو” وغيرها مما يجانسها. ولهذه العبارات اليومية دلالة هامة؛ إذ بقدر ما تكشف عن ضرورة تجربة العمل أيا كان نوعها لكسب القوت اليومي، وعن الرغبة في التخلص من الفقر والبطالة والهشاشة، بقدر ما ترسخها الأجور الزهيدة و”التضامنية”، وسيادة التوافق على العقود المؤقتة في العمل أحيانا، وتترسخ بالتالي “ثقافة الخبز والملجأ المؤقت وعدم الاستقرار” في شيمات الفعل والتصور عند الفاعلات المتعاونات. وما هذا كله سوى انعكاس للريادة “النسائية” القائمة على الضرورة والحاجة إن صح التعبير.

من الطبيعي إذن أن تستهدف هذه التعاونيات النسائية الفئات المقاومة لأشكال الهشاشة. إن استجوابنا لثلة من التعاونيات الإنتاجية لأركان بسوس مثلا، يكشف عن وجود تلاث فئات؛ وهي على الترتيب الآتي:

  • “فئة العجزة التي لا تشعر إلا بمشعاعر الدونية والوحدة والتهميش في حالة مكوثها في المنزل، ولا يكون لديها إحساس بأية قيمة اجتماعية إلا حين تنخرط في العمل التعاوني لأنها، ومن منظور الرئيسة وأمينة المال المستجوبة، تقوم بأدوار “إحياء التراث الشعبي وخلق الأنسة والتجاوب بين المتعاونات”.
  • فئة المطلقات التي تبحث دوما عن فضاء العمل “للاندماج الاجتماعي، والتنفيس عن مشاكل اللوم الاجتماعي أو الأسري والتمتع بالحرية والاستقلالية”.
  • فئة النساء المحتاجات لأنهن في حاجة إلى مدخول أو نشاط مذر للدخل ولو كان غير قار.
  • الشابات العازبات وإن كن حالة نادرة في بعض التعاونيات الريفية في المناطق النائية نظرا لرفض الآباء خروجهن من المنزل وعدم رضاهم على عملهن ورغبتهم في التحكم فيهن قصد تهييئهن للزواج (الأدوار التقليدية في التقسيم الجنسي للعمل)”

لقد استطاعت هذه التعاونيات، فعليا، تجسيد بعض من مبادئء الاقتصاد التضامني بحيث مكنت المرأة القروية على الخصوص، من أداء أدوار إنتاجية مربحة ولو كانت المشاريع المذرة لدخلها جد صغيرة أو لا ترقى إلى المستوى المطلوب أحيانا، وكذا امتلاك استقلالية نسبية في اتخاذ القرارات الفردية والأسرية، كما شكلت قنطرة وحلقة وصل بينها وبين المؤسسات الاجتماعية الأخرى المتبقية. لقد شكلت فضاء لتجربة حياة مشتركة وتقاسم الخبرات والقيم التضامنية الجديدة من أجل تنمية الرأسمال البشري قبل تحسين الرأسمال المادي. وموازاة مع الأنشطة الإنتاجية التي أسست بمقتضاها، انخرطت التعاونيات النسائية هاته، هي الأخرى ضمن برامج التوعية والتحسيس والتكوين والتأطير إضافة إلى برامج محو الأمية. غير أنها لا زالت هي الأخرى تشتغل بمنطق استغلال هذا الرأسمال في العمل مقابل أجور قليلة، كما تواجه إكراهات مؤسساتية وتحديات اجتماعية وثقافية كثيرة تجعل مساهمتها في بناء الرابط محدودة؛ لعل أهمها يكمن في سيادة الطابع الأبوي والتقليدي في مجالات الاشتغال (الطابع الحرفي والنسيجي والإنتاجي الفلاحي الغابوي)، هذا علاوة على مواجهة المتعاونات لإشكالية ضعف شبكة الشراكة والتنسيق والوزن في التكتلات الاقتصادية، وضعف مواكبة المشاريع وضعف المرافعة عن الحقوق والتسويق متسع النطاق وعدم إعادة استثمار الفوائد في تطوير التعاونيات، علاوة على هيمنة الطابع غير المهيكل على جانب كبير من علاقات الشغل، والهشاشة المترتبة عنه (الأجور المتدنية، انعدام عقود العمل، وغياب الحماية الاجتماعية الخ)، وإشكالات التفاوت الاجتماعي القائم على النوع وكذا بين المجالين الحضري والقروي.

خاتمة البحث وآفاقه:

بالنظر إلى إشكالية الفعل التضامني ومنطقه في التعاونيات النسائية، بين ما هو عليه في واقع الحال، وما هو منتظر من تنظيمات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب، اهتدينا- من خلال هذه الدراسة الاستكشافية الأولية وغير القابلة للتعميم (وتلك هي حدودها)- إلى التأكيد على تعدد أشكال التضامن التي تضع مبادئ الاقتصاد التضامني وقيم العمل المستقل وروح النوع الاجتماعي في المحك، كما تسائل دورها في تقويض عوامل الهشاشة الاجتماعية عند النساء الأكثر عرضة للهشاشة: المطلقات والأرامل والمعوزات والفتيات الأقل تمدرسا أو المنقطعات عن التمدرس بالمجتمع القروي على الخصوص. وفي هذا السياق، يتعين توجيه شكل التضامنات في التعاونيات والتأثير فيها حتى تتمايز عن منطق مقاولات الاقتصاد الرأسمالي وتنساق مع روح الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والمسؤول اجتماعيا، وحتى تقطع مع التصرفات والسلوكات التي تمتح من قيم عائلية، وتقصي إمكانية الانفتاح خارج العائلة والتمتع بروح المبادرة والاستقلالية. كما أن التضامن القائم على النوع الاجتماعي لا يزال غير قوي مادامت بعض التعاونيات النسائية تفوض فيه أمور التدبير والإشراف والتواصل إلى الرجال، بل مادامت أدوار المتعاونات في غالبيتها تقليدية لا تتعدى أعمالا يدوية في الإنتاج وإن كانت مأجورة. إن العمل التضامني النسائي- ما زال في واقع الحال، يقوم على علاقات الاستغلال؛ التي تفتح المجال للحديث عن تعاونيات تقاوم أشكال الهشاشة في بعديها المادي والرمزي موازاة مع تثمين المنتوجات المحلية، والمساهمة في السياحة الإيكولوجية. وهو ما يدعو-طبقا للنموذج التنموي الجديد- إلى ضرورة الرفع من فعالية آليات وأشكال الدعم المقدمة للنهوض بهذه التعاونيات، ومواكبة التمكين الاقتصادي للنساء المتعاونات والحاملات لمشاريع مذرة للدخل، علاوة على ضرورة توفير الحماية الإجتماعية الضرورية لكل فئاتها المتعددة في العمل، وذلك في أفق تحقيق مجتمع عادل قائم على اقتصاد تضامني مستدام. ولعل هذا الدرب هو ما سارت عليه السياسات الاجتماعية الجديدة في هذا المضمار مستهدفة بذلك تحقيق أهداف وغايات ما يسمى بالدولة الاجتماعية.

لائحة المصادر والمراجع:

  • الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: رافعة لنمو مُدمِج، تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إعداد اللجنة الدائمة المكلفة بقضايا التكوين والتشغيل والسياسات القطاعية ،إحالة ذاتية رقم 19 / 2015، مطبعة سيباما، الرباط، المغرب، 2015
  • بوخريص فوزي، في سوسيولوجيا العمل الجمعوي بالمغرب: من التطوع إلى العمل المأجور، افريقيا الشرق، المغرب، 2015.
  • محمد كريم، الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب: التنمية المعاقة وجدلية الاقتصاد والمجتمع، افريقيا الشرق، الدار البيضاء،

مكتب تنمية التعاون، “لمحة عن تاريخ التعاونيات بالمغرب”، منشورة في الموقع الرسمي للمكتب: https://www.odco.gov.ma .

القانون رقم 12. 112 المتعلق بالتعاونيات كما تنفيذه بالظهير الشريف رقم 189. 14. 1 صادر في 27 محرم 1436 (21 نوفمبر 2014)

Ahrouch S., « Les Coopératives au Maroc : Enjeux et évolutions » in : RECMA – Revue Internationale De L’économie Sociale, N° 322, 2011

Barbusse B., Glaymann D., Introduction à la Sociologie, Ed. Foucher, Paris, France 2000

  • Bresson M., Sociologie de la précarité, 2eme édition, Ed. Armand Colin, Paris 2010

Collette Ch., Pigé B., Économie sociale et solidaire : Gouvernance et contrôle, Ed. Dunod, Paris, 2008

Defever-Kapferer P., Rauzier M.P., Maîtres artisanes – Coopératives féminines du Maroc, Ed. Langages Du Sud, Casablanca, 2018

Gagnon A. G., Girard J. P. (Dir.), Le mouvement coopératif au cœur du XXIe siècle, Presses de l’Université du Québec, Canada 2001

  • Gillot G., “Les coopératives, une bonne mauvaise solution à la vulnérabilité des femmes au Maroc ?”, Espace populations sociétés [Online], 3/ 2016, Online since 31 January 2017.
  • Granovetter M., Sociologie économique, Traduit par : Isabelle This Saint-Jean, Sciences humaines, Ed. Seuil, Paris 2008

Igamane, S., « Les inégalités de pouvoir au sein des coopératives de femmes au Maroc », RECMA, vol. 358, no. 4, 2020

Ibourk A., Raoui S., « Impact des Coopératives Féminines Sur L’autonomisation Des Femmes au Maroc-Analyse Spatiale », Proceedings of the 33◦ Congreso Internacional del CIRIEC, Spain, 2022

Laville J. L. (Dir.), L’économie solidaire, CNRS Éditions, Paris, 2011

Mouvement des entrepreneurs sociaux, Le livre blanc des entrepreneurs sociaux : L’efficacité économique au service de l’intérêt général, Editions Rue de l’échiquier, Paris, France 2012

Paugam S. (Dir.), Repenser la solidarité : l’apport des sciences sociales, Paris, PUF, coll. « Le lien social », 2007, réédition « Quadrige » 2011 (avec une nouvelle préface à l’édition « Quadrige »).

Pascon P., « Les coopératives laitières du Tadla. Problématique ». Questionnaire en collaboration avec J. Bonnet et J. Chiche. 7 p. dactylographiées, inédites – 4 janvier 1977.

Pascon P., « La coopération : Utopie utile au progrès agricole », Conférence donnée le 5 mars 1968 à la Caisse Nationale de Crédit Agricole et le 6 mars au Séminaire de Formation des Cadres des Centres de Travaux aux Chênes. 6 p. ronéotées, inédites.

Pascon P., « Les unités d’exploitation à caractère coopératif : Buidda Mars al Bghal (Haouz de Marrakech) » – H. T.E. O.N.I. – mars 1964. n° 7

Pascon P., « La coopérative de production agricole d’Ain Talmast: Expérience ou utopie? » in : Les hommes, la terre et l’eau. Bulletin, n° 6, oct. 1963, de l’Office National des Irrigations.

REMACOOP (Revue Marocaine des Coopératives), N° 1, Revue éditée par l’Office du Développement de la Coopération (ODCO), 2011.

Roque M. A. (Dir.), La société civile au Maroc : L’émergence de nouveaux acteurs de développement, Editions Publisud, Paris 2004

Ricard P., « Les métiers manuels à Fès », Hespéris Tamuda, IV, 2e semestre, 1924

Sainsaulieu R. (Dir.), L’Entreprise, une affaire de société, Presses de la Fondation Nationale des Sciences Politiques, Paris 1990

Van Pevenage, I., « La recherche sur les solidarités familiales. Quelques repères »Idées économiques et sociales, vol. 162, no. 4, 2010

Warner K. (Dir.), Perspectives on Social Vulnerability, UNU-EHS SOURCE. UNU- EHS, 2007

Zouiten M., Mekkaoui A. Y., « Du Coopérativisme au Maroc : Évolution, Contraintes et Opportunités », Revue Française d’Economie et de Gestion « Volume 3 : Numéro 11, 2022

الهوامش:

  1. Serge Paugam (Dir.), Repenser la solidarité : l’apport des sciences sociales, Paris, PUF, coll. « Le lien social », 2007, réédition « Quadrige » 2011 (avec une nouvelle préface à l’édition « Quadrige »).
  2. Paul Pascon, « Les unités d’exploitation à caractère coopératif : Buidda Mars al Bghal (Haouz de Marrakech) » – H. T.E. O.N.I. – mars 1964. n° 7

    « La coopération : Utopie utile au progrès agricole », Conférence donnée le 5 mars 1968 à la Caisse Nationale de Crédit Agricole et le 6 mars au Séminaire de Formation des Cadres des Centres de Travaux aux Chênes. 6 p. ronéotées, inédites.

    « Les coopératives laitières du Tadla. Problématique ». Questionnaire en collaboration avec J. Bonnet et J. Chiche. 7 p. dactylographiées, inédites – 4 janvier 1977.

  3. الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: رافعة لنمو مُدمِج، تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إعداد اللجنة الدائمة المكلفة بقضايا التكوين والتشغيل والسياسات القطاعية ،إحالة ذاتية رقم 19 / 2015، مطبعة سيباما، الرباط، المغرب، 2015
  4. انظر على سبيل المثال:

    Khalid Didi, Hicham Attouch, « Dynamique Coopérative au Maroc et Nouveau Modèle de Développement », In : International Journal of Financial Accountability, Economics, Management, and Auditing, 2022, 4 (2), ff10.5281/zenodo.6841208ff. Ffhal-03745669f

  5. انظر: بوخريص فوزي، في سوسيولوجيا العمل الجمعوي بالمغرب: من التطوع إلى العمل المأجور، افريقيا الشرق، المغرب، 2015.
  6. انظر على سبيل المثال لا الحصر:

    Mustapha Jaad, « Management des coopératives féminines au Maroc : Pratiques et compétences », in : Moroccan Journal of Entrepreneurship, Innovation and Management (MJEIM). ISSN: 2509-0429 Volume 5, numéro2, 2020, pp : 32- 42

    Omari, Soumia, et Fatima Elkandoussi. « Analyse de la stratégie marketing des produits de terroir : cas de l′huile d′argan cosmétique des coopératives de la région Souss-Massa-Drâa ». Christophe, Bernard, et Roland Pérez. Agro-ressources et écosystèmes : Enjeux sociétaux et pratiques managériales. Villeneuve d’Ascq : Presses universitaires du Septentrion, 2012. (pp. 323-339)

  7. انظر بعض أطروحات الدكتوراة في تخصص الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الخلوية والجزيئية من قبيل:

    Badreddine Asma, « Préparation et caractérisation d’extraits d’Argania Spinosa et d’Huile d’Argan et évaluation de leurs effets Neuroprotecteurs in Vivo et in Vitro », Thèse de Doctorat En cotutelle, Université de Bourgogne Franche-Comté – Dijon, France + Faculté des Sciences et Techniques, Université Hassan I – Settat, Maroc, 2016. (https://theses.hal.science/tel-01499664)

  8. Aomar Ibourk, Soukaina Raoui, « Impact des Coopératives Féminines Sur L’autonomisation Des Femmes au Maroc-Analyse Spatiale », Proceedings of the 33◦ Congreso Internacional del CIRIEC, Spain, 2022
  9. Gaëlle Gillot, “Les coopératives, une bonne mauvaise solution à la vulnérabilité des femmes au Maroc ?”, Espace populations sociétés [Online], 3/ 2016, Online since 31 January 2017.
  10. Igamane, Saâdeddine. « Les inégalités de pouvoir au sein des coopératives de femmes au Maroc », RECMA, vol. 358, no. 4, 2020, pp. 87-101.
  11. Alain-G. Gagnon et Jean-Pierre Girard (Dir.), Le mouvement coopératif au cœur du XXIe siècle, Presses de l’Université du Québec, Canada 2001, p. 24
  12. Jean-Louis Laville (dir.), L’économie solidaire, Paris : CNRS Éditions, 2011, pp : 9- 10
  13. Christine Collette, Benoît Pigé, Économie sociale et solidaire : Gouvernance et contrôle, Ed. Dunod, Paris, 2008 pp : 7- 8.
  14. الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مرجع سبق ذكره، ص. 42
  15. محمد كريم، الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب: التنمية المعاقة وجدلية الاقتصاد والمجتمع، افريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2012، ص ص 42-43
  16. الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مرجع سبق ذكره، ص.: 39
  17. م. ن.، ص.: 39
  18. Mouvement des entrepreneurs sociaux, Le livre blanc des entrepreneurs sociaux : L’efficacité économique au service de l’intérêt général, Editions Rue de l’échiquier, Paris, France 2012, P. 12
  19. اعتمدنا في إقامة هذا التمييز على: محمد كريم، مصدر سبق ذكره، ص ص: 42- 46 (وقد اعتمد هو الآخر على كتابات الباحثة الفرنسية المعروفة “الينا لاسيدا Elena Lasida” في مجالي الإبيستيمولوجيا الاقتصادية والاقتصاد التضامني بالمعهد الكاثوليكي بباريس. أنظر على نحو أخص إحدى مقالاتها الأساسية في هذا الموضوع:

    http://encyclopedie-dd.org/encyclopedie/terre/5-5-l-economie-solidaire/l-economie-solidaire-une-maniere.html (

  20. انظر المادة الأولى من القانون رقم 12. 112 المتعلق بالتعاونيات كما تنفيذه بالظهير الشريف رقم 189. 14. 1 صادر في 27 محرم 1436 (21 نوفمبر 2014)
  21. المصدر القانوني السالف الذكر.
  22. Barbusse B. , Glaymann D. , Introduction à la Sociologie, Ed. Foucher, Paris, France 2000 p: 153

    للتوسع في الموضوع، انظر كتابات سيرج بوغام حول الموضوع.

  23. للتعمق في المنظور السوسيولوجية للمقاولة (التعاونية بشكل خاص) بما هي مؤسسة لبناء الرابط والتضامن والتنشئة، يمكن الرجوع إلى الكتابات التالية:

    Sainsaulieu R. (Dir.), L’Entreprise, une affaire de société, Presses de la Fondation Nationale des Sciences Politiques, Paris 1990

    Bernoux, Philippe, La Sociologie des entreprises, 03ème édition, Seuil, Paris, 2009

  24. Koko Warner (Dir.), Perspectives on Social Vulnerability, UNU-EHS SOURCE. UNU- EHS, 2007 p. 14
  25. Maryse Bresson, Sociologie de la précarité, 2eme édition, Ed. Armand Colin, Paris 2010, p. 123
  26. Ibid., pp. 123- 124
  27. Zouiten Mounir, Mekkaoui Alaoui Younes, Du Coopérativisme au Maroc : Évolution, Contraintes et Opportunités, Revue Française d’Economie et de Gestion « Volume 3 : Numéro 11 », 2022, p 172
  28. مكتب تنمية التعاون، “لمحة عن تاريخ التعاونيات بالمغرب”، منشورة في الموقع الرسمي للمكتب: https://www.odco.gov.ma .
  29. احصائيات مكتب تنمية التعاون
  30. Paul Pascon, « Les unités d’exploitation à caractère coopératif : Buidda Mars al Bghal (Haouz de Marrakech) » – H. T.E. O.N.I. – mars 1964. n° 7 – p. 293
  31. Paul Pascon, « La coopérative de production agricole d’Ain Talmast: Expérience ou utopie? » in : Les hommes, la terre et l’eau. Bulletin, n° 6, oct. 1963, de l’Office National des Irrigations.
  32. مكتب تنمية التعاون، “لمحة عن تاريخ التعاونيات”، المصدر سبق ذكره.
  33. Saïd Ahrouch, « Les Coopératives au Maroc : Enjeux et évolutions » in : RECMA – Revue Internationale De L’économie Sociale, N° 322, 2011, p : 24
  34. Prosper Ricard, « Les métiers manuels à Fès », Hespéris Tamuda, IV, 2e semestre, 1924 : 205-220.
  35. انظر على سبيل المثال:

    REMACOOP (Revue Marocaine des Coopératives), N° 1, Revue éditée par l’Office du Développement de la Coopération (ODCO), 2011.

    Patricia Defever-Kapferer, Marie-Pascale Rauzier, Maîtres artisanes – Coopératives féminines du Maroc, Ed. Langages Du Sud, Casablanca, 2018.

  36. انظر الاحصائيات في الموقع الرسمي لمكتب تنمية التعاون على الرابط الآتي:

    http://www.odco.gov.ma/index.php?option=com_content&view=article&id=156&Itemid=&lang=ar

  37. المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مصدر سبق ذكره، ص ص: 52- 79
  38. Maria-Angels Roque (Dir.), La société civile au Maroc : L’émergence de nouveaux acteurs de développement, Editions Publisud, Paris 2004, pp : 268-272
  39. المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، م. ن.، ص ص: 37- 38
  40. محمد كريم، م. ن.، ص ص: 90- 93
  41. Van Pevenage, Isabelle. « La recherche sur les solidarités familiales. Quelques repères », Idées économiques et sociales, vol. 162, no. 4, 2010, p.7
  42. (ت. و. ف.)
  43. Van Pevenage, Isabelle. « La recherche sur les solidarités familiales. Quelques repères »Idées économiques et sociales, vol. 162, no. 4, 2010, pp.7-8
  44. Mark Granovetter, Sociologie économique, Traduit par : Isabelle This Saint-Jean, Sciences humaines, Ed. Seuil, Paris 2008
  45. ت. ص. ت.
  46. Boltanski Luc, Thévenot Laurent, De la justification. Les économies de la grandeur, Paris, Gallimard, 1991
  47. مقابلة مع السيدة ح. ل. رئيسة تعاونية ، دجنبر 2021.