تعلم الطفل عند أدولف فيريير

وديع مدهوم1، حميد جيراري2، نبيلة حناني2، وفاء هجري2

1 دكتور باحث، المختبر متعدد التخصصات للأبحاث في العلوم والتربية والتكوين، المدرسة العليا للتربية والتكوين ببرشيد، جامعة الحسن الأول، المغرب.

2 مفتش(ة) تربوي للتعليم الابتدائي، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، المغرب

البريد الإلكتروني للمؤِلف الرئيسي: وديع مدهوم (madhoum.ouadia@gmail.com)

HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/13

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/05/2024م تاريخ القبول: 15/04/2024م

المستخلص

يعتبر تعلم الطفل أحد أكبر اهتمامات الدول في شتى أنحاء العالم. وعلى الرغم من هذا الاهتمام وما يترتب عنه من تخصيص ميزانيات كبيرة، فإن تقارير اليونسكو تشير إلى أن ثلث الأطفال في العالم لا يتعلمون بالشكل المطلوب. وللبحث عن سبل تحقيق تعلم فعال لدى الأطفال، اخترنا البحث في رؤية أدولف فيريير للتعلم. ودفعنا هذا الأمر إلى التساؤل عن الكيفية التي يتعلم بها الطفل تبعا للمدرسة الحديثة عند أدولف فيريير، ومدى نجاعة أفكار هذا الأخير لتحقيق تعلم فعال. حاولنا الاعتماد على بحث بيبليوغرافي يبرز أهم أفكار فيريير في موضوع التعلم عند الطفل، وأيضا في الكيفية التي يرى فيها المدرسة الحديثة، وخاصة المبادئ الأربعة المؤسسة للتربية الحديثة. وتتناول الورقة البحثية أيضا إشكالية تنزيل هذه الأفكار في المدرسة المغربية، والتي تشير إلى وجود معيقات تنزيل ذات طبيعة ديدكتيكية وأخرى ترتبط بالمدرس والمتعلم. وأشرنا في نهاية الورقة إلى بعض الوسائل والطرق الممكن اتباعها لتجاوز معيقات التنزيل والتطبيق.

الكلمات المفتاحية: أدولف فيريير – التعلم الفعال – المدرسة الحديثة – التربية الحديثة

Research title

Child learning according to Adolphe Ferrier

HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/13

Published at 01/05/2024 Accepted at 15/04/2024

Abstract

Children’s learning is a major concern for countries around the world. Despite this concern, UNESCO reports that a third of the world’s children are not learning as well as they should. This led us to ask how children learn according to Adolphe Ferrière’s modern school and how effective his ideas are in achieving effective learning. Our research is based on a literature review that highlights Ferrier’s key ideas about children’s learning and his vision of the modern school, including the four founding principles of modern education. Our research also discusses the obstacles that block the application of these ideas in Moroccan schools, obstacles of a didactic nature and others related to the teacher and the learner. At the end of the paper, we have indicated some means and methods that can be used to overcome these obstacles.

Key Words: Adolphe Ferrière – effective learning – modern school – modern education

مقدمة:

يعتبر موضوع التعليم والتعلم، مركز اهتمام كل من الأسرة والمدرسة والمجتمع على حد سواء، إضافة إلى كونه أيضا محور الدراسات النفسية والاجتماعية والتربوية التي تروم البحث عن أفضل السبل وأنجع الطرائق لتحقيق تعلم هادف وفعال من جهة، والوقوف على العوامل والمعيقات التي تحول دون ذلك من جهة أخرى.

ولعل الأزمة التي عاشتها أوربا مع الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى أسباب اجتماعية أخرى، كانت وراء ظهور حركة جديدة، تأمل في بناء مجتمع حديث، بعيدا عن مختلف أشكال العنف والتعصب والعدوانية، ألا وهي حركة التربية الحديثة، التي أفضت بدورها إلى بناء المدرسة النشيطة، التي تعترف بقدرات المتعلم، وتعتبره محور العملية التعليمية التعلمية، وتجعل من تعلماته ذات معنى ودلالة، لأنها تلبي حاجاته، ولأنها صورة حقيقية من واقعه الذي يعيش فيه.

وهكذا ستتأسس سنة 1921م، خلال مؤتمر كالي “Calais”[1]، الرابطة الدولية للتربية الحديثة، حيث يعتبر أدولف فيريير “Adolphe Ferrière” أحد مؤسسيها، والتي تندد بالتربية الكلاسيكية ونتائجها.

إن تقرير المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)[2]، كشف أن ثلث الأطفال في التعليم الابتدائي، لا يتعلمون الأساسيات، سواء التحقوا بالمدارس أو لم يلتحقوا بها، مما يدق ناقوس الخطر ويدفع الباحثين في مجال التربية وعلم النفس إلى الانعكاف على البحث عن أساليب تعليمية جديدة وفعالة، من شأنها أن تمنح المتعلم تعلما فعالا يرسخ لديه المهارات الأساسية التي تلازمه طيلة حياته، ويستطيع الانتفاع بها في حياته وعمله، ويساهم في تطوير مجتمعه وتقدمه.[3]

من هذا المنطلق، انبثقت إشكالية بحثنا على النحو التالي: كيف يتعلم الطفل في ظل التربية الحديثة عند فيريير؟ وما مدى نجاعة أفكار هذا المفكر في تحقيق تعلم فعال؟

ولتناول هذه الإشكالية بالدراسة والتحليل، ارتأينا تفريعها إلى الأسئلة التالية:

  • ماذا نقصد بالتربية الحديثة؟ وما هي خصائصها؟
  • من هو أدولف فيريير؟
  • ما هي الخلفيات النظرية المؤطرة للمدرسة الحديثة عند فيريير؟
  • ما هي أدوار كل من المتعلم والأستاذ في المدرسة الحديثة؟
  • ما مدى إمكانية تطبيق أفكار فيريير في المدرسة المغربية؟

1. التربية الحديثة وبعض المفاهيم المرتبطة بها

إن الخوض في الشكل الذي يرى به أدولف فيريير، رائد التربية الحديثة “l’éducation nouvelle”، التعلم عند الطفل يقتضي منا أولا تعريف مفهوم التربية الحديثة، مع تحديد مجموعة من المصطلحات العلمية المرتبطة بهذا المفهوم، والتي سيتم تداولها والتركيز عليها أثناء هذه الدراسة.

1.1. التربية والتربية الحديثة

قد يشار إلى التربية بالبيداغوجيا “Peedagogy” التي ترجع إلى أصلها الإغريقي الذي يعني توجيه الأولاد حيث تتكون هذه الكلمة من مقطعين “Pais” وتعني ولد و”Ogogé” وتعني توجيه، والبيداجوج “pedagogue” يعني عند الإغريق المربي، أو المشرف على تربية الأولاد، وفي معجم العلوم السلوكية إن التربية تعني التغيرات المتتابعة التي تحدث للفرد، والتي تؤثر في معرفته واتجاهاته وسلوكه، وهي تعني نمو الفرد الناتج عن الخبرة أكثر من كونه ناتجا عن النضج.[4]

فالتربية عموما تعتبر عملية شاملة، تتناول الإنسان من جميع جوانبه النفسية والعقلية والعاطفية والشخصية والسلوكية وطريقة تفكيره وأسلوبه في الحياة، وتعامله مع الآخرين، كذلك تتناوله في البيت والمدرسة وفي كل مكان يكون فيه، وللتربية مفاهيم فردية، واجتماعية، ومثالية.

وهي كذلك عملية تهذيب للسلوك، وتنمية للقدرات حتى يصبح الفرد صالحا للحياة، فهي عملية تغذية، وتنشئة، وتنمية جسدية وخلقية وعاطفية.[5]

وعندما نتكلم عن التربية، فنعني بها تلك التي تعوّد الطفل على التفكير الصحيح والحياة الصحيحة بما تزوده من معارف، وتجارب، تنفع عقله، وتغذي وجدانه، وتنمي ميوله ومواهبه وتعوده العادات الحسنة، وتجنبه العادات السيئة، فينشأ قوي الجسم، حسن الخلق، سليم العقل، متزن الشخصية، قادر على أداء رسالته في الحياة.

أما التربية الحديثة فهي عبارة عن مجموعة معقدة من الأفكار والأساليب البيداغوجية التي ظهرت حوالي 1940 في كل بلدان أوروبا تقريبا. افتتحت المدارس التابعة لهذه الحركة سنة 1889 من خلال إنشاء مدرسة “Abbotsholme”، والتي تعتبر أول مدرسة حديثة في إنجلترا، هذه الأخيرة ضمت حوالي ستين مدرسة، ثم ظهرت في كل أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى، وبالرغم من أنها كانت لا تحمل نفس الاسم في بلدان مختلفة، ولكن كانت لديها قواسم مشتركة لتجربة تربية جديدة للناشئة.[6]

ومن أهم مميزات التربية الحديثة أنها ترتكز على تعلم نشط وفعال بغية تجويد الممارسة الصفية، الشيء الذي يجعلنا نتحدث عن مدرسة فعالة تجعل من الطفل (المتعلم) محورا لجميع العمليات التعليمية التعلمية.

2.1. التعلم والتعلم النشط والتعلم الفعال

عرف مفهوم التعلم تعريفات متعددة نذكر منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر[7]:

  • تعريف جيلفورد J. Guilford : “التعلم عبارة عن أي تغيير في السلوك ناتج عن استثارة.”
  • تعريف ودورث R. Woodwrth: “التعلم نشاط يتم من قبل الفرد، وهو يؤثر في نشاطه المقبل.”
  • تعريف N. Munn: “التعلم عبارة عن عملية تعديل في السلوك أو الخبرة.”
  • تعريف A. Gates: “التعلم عبارة عن اكتساب الطرائق التي تجعلنا نشبع دوافعنا أو نصل إلى تحقيق أهدافنا”.

ومن خلال هذه التعريفات، يمكن القول بأن التعلم هو عملية اكتساب وتملك للمعرفة وإحداث تغيير في طرق التفكير لدى الفرد عن طريق التدريب العملي الذي يمارسه الفرد نفسه.

في المقابل، يعتبر التعلم النشط فلسفة تربوية تعتمد على إيجابية المتعلم في الموقف التعليمي، وتشمل جميع الممارسات التربوية والإجراءات التدريسية التي تهدف إلى تفعيل دور المتعلم وتعظيمه؛ حيث يتم التعلم من خلال العمل والبحث والتجريب، واعتماد المتعلم على ذاته في الحصول على المعلومات واكتساب المهارات، وتكوين القيم والاتجاهات. وهو تعلم قائم على الأنشطة التعليمية المختلفة التي يمارسها المتعلم وينتج عنها السلوكيات المستهدفة التي تعتمد على مشاركة المتعلم الفاعلة والإيجابية في الموقف التعليمي/التعلمي. فهو لا يرتكز على الحفظ والتلقين، وإنما على تنمية التفكير والقدرة على حل المشكلات وعلى العمل الجماعي والتعاوني. ومن هنا فالتركيز في التعلم النشط لا يكون على اكتساب المعلومات، وإنما على الطريقة والأسلوب اللذين يتوصل بهما المتعلم إلى هذه المعلومات، والمهارات والقيم التي يكتسبها أثناء العملية التعليمية التعلمية.[8]

أما التعلم الفعال فهو التعلم الذي يظل أثره موجودا لدى المتعلم لفترة طويلة، ويستطيع أن يستحضر خبراته بسهولة. كما يمكن نقل أثر هذا التعلم إلى مجالات مختلفة للاستفادة منه.[9]

3.1. مدرسة فعالة

تم تحديد المدرسة الفعالة على أنها المؤسسة التعليمية التي تعلم الطلاب المهارات والمعارف الأساسية، وتكسبهم الاتجاهات الإيجابية المتعلقة بالمواطنة، وتتعامل معهم دون تميز، وتكفل لهم جميعا الفرص التعليمية المتميزة والمتكافئة، وتنطلق من أن جميع التلاميذ يمكنهم أن يتعلموا كل ما يقدم لهم والوصول إلى درجة الإتقان والتميز.[10]

4.1. الطفل

جمع أطفال، الصغير من كل شيء، مؤنثه طفلة. وقد يكون الطفل واحدا وجمعا لأنه اسم جنس. والطفل إذا خضع للتعليم يصبح متعلما، وهو اسم من التسميات استعمل على الخصوص من طرف الاتجاهات البيداغوجية الحديثة لأنها توحي ضمنيا بإمكانية الفرد في التعلم الذاتي والمبادرة الشخصية[11]. ومن تسميات الطفل المتعلم نجد التلميذ، وهو الذي يتتلمذ لغيره. والتلاميذ هم الأفراد الذين يختبرون ما اختاره المربون والمجتمع لنموهم من معارف ومهارات وميول من خلال التربية المدرسية.[12]

2. نبذة عن أدولف فيريير

هو بيداغوجي سويسري، وأحد مؤسسي حركة التربية الحديثة “L’éducation nouvelle”. ويعتبر من بين الشخصيات التي تمتعت بسمعة طيبة فيما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي المقابل يعتبر من الشخصيات التي طالها النسيان. ازداد بجنيف سنة 1879 وتوفي بها سنة 1960. عانى من مرض أدى به إلى الصمم منذ العشرينات من عمره. في سنة 1921، قام أدولف فيريير رفقة آخرين بتأسيس الرابطة الدولية للتربية الحديثة، والتي قام بتحرير قانونها الداخلي.[13]

تتعدد مؤلفات أدولف فيريير بتعدد مجالات اهتمامه، ومن أهم مؤلفاته:[14]

  • مؤلف “Projet d’école nouvelle” الذي صدر سنة 1909؛
  • مؤلف “La science et la foi” الذي صدر سنة 1912؛
  • مؤلف “La loi du progrès en biologie et en sociologie” الذي صدر سنة 1915؛
  • مؤلف “Transformons l’école” الذي صدر سنة 1920؛
  • مؤلف “L’éducation dans la famille” الذي صدر سنة 1921؛
  • مؤلف “Les types psychologiques chez l’enfant, chez l’adulte et au cours de l’éducation” الذي صدر سنة 1922؛
  • مؤلف “L’école active” الذي صدر سنة 1922.

يمكن تقديم التجربة التربوية لأدولف فيريير من خلال المحطات الست التي عرفتها حياته المهنية في هذا المجال:[15]

  • 1901 – 1902: مدرس مساعد بـ “دور التعليم الريفية الألمانية Deutsches Landerziehungsheime”؛
  • 1902: ساهم رفقة كل من “فران Frein” و”زوبربولر Zuberbuhler” في تأسيس أول “بيت تعليم ريفي Landerziehungsheim” ناطق بالألمانية في سويسرا؛
  • 1914 – 1920: مدرس بـ “مدرسة – بيت الثريا l’Ecole-Foyer des Pléiades”، بالقرب من لوزان؛
  • 1924 – 1927: مؤسس للمدرسة الدولية بجنيف ومستشارها البيداغوجي؛
  • منذ 1933: مستشار بـملجأ “Home Chez nous” الخاص بالأطفال بكانتون فود.

يمكننا، انطلاقا من قراءة أعمال أدولف فيريير ومن المحطات التي عرفها مساره المهني، من افتراض أن مجموعة من الخلفيات النظرية كانت مؤثرة ومؤطرة لطريقة تفكيره فيما يخص التربية عند الطفل، ولعل أهم ذلك هو تأثره الكبير بفكر المدرستين الطبيعية والعقلية.

3. الخلفيات النظرية المؤطرة للمدرسة الحديثة عند فيريير

إن الخوض في التفكير التربوي الذي ميز أدولف فيريير يستلزم بالأساس الخوض فيما ميز تفكيره بشكل عام، فمؤلفاته الفكرية لم تكن ذات طابع بيداغوجي، وأهم ما طبع تفكيره هو ازدواجية نمطية تجمع بين الأنثروبولوجيا والفلسفة الاجتماعية، حيث تشكل التربية جزءا من اهتماماتها. ويمكننا الإشارة هنا إلى أن أهم ما شغل اهتمام فيريير خلال العشرية الأولى من القرن 19، هو وضع الظاهرة الإنسانية في السياق الذي تجد فيه معناها، وفي نفس الوقت إعادة بناء هذا السياق بناء على أساسين: العلوم الإحيائية والعلوم الاجتماعية.[16]

1.3. المرجعية الفكرية لفيريير

تأثر فكر فيريير بأستاذه جون جاك جورد “Jean-Jacques GOURD”، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في تبنيه لطرحه، حيث حدد ثلاث أبعاد تطبع البيئة الإنسانية[17]، وهي:

  • الحاجيات “nécessité (les lois)”، ويخضع للتحديد المسبق “الطبيعي” لترتيب وتنظيم الأشياء. وهي التي يطلق عليها أستاذه غورد “Gourd” المواد القابلة للتنسيق؛
  • الواجبات “l’obligation (la loi)”، حيث يتم وفقا لشروطه، التدفق الطبيعي “للعفوية الإبداعية spontanéité créatrice” وذلك خدمة لتطور ونشأة الروح وتحرير الأنا الأعلى، تحت علامة التقبل الذاتي لانتظام الأشياء. ويسميها غورد “Gourd” الممارسة القابلة للتنسيق؛
  • خارج القانون “hors la loi”، وهو بعد وصفه فيريير بالبعد المقدس، والذي أطلق عليه غورد “Gourd” البعد غير القابل للتنسيق “incoordonnable”، حيث يكمن الاحتمال الغامض لحدوث الأشياء البشرية سواء كانت خيرا أو شرا.

هذا الفكر الذي انتهله فيريير من أستاذه جعل منه شخصا علمويا “scientiste”، ذلك لأنه اعتقد بأنه سيجد في العلوم المادة الأولية لبناء معارف منطقية عقلانية ” des connaissances rationnelle” للظاهرة الإنسانية، وذلك عن طريق[18]:

  • اقتراح مفهوم عقلاني “conception raisonné” لتربية المستقبل؛
  • توفير قراءة حديثة تقدمية للموروث الديني؛

تدخل وجهة نظره الخاصة بالنشوء الحيوي في إطار الفكر الذي جاءت به الحركة التطورية “l’évolutionnisme” التي اعتبرت كأساس للمقاربة العلمية الدارسة للكائن الحي. وهو الفكر الذي حاول به فيريير تحليل التطور عند الانسان، وتمثل ذلك في محاولاته الأولى لبلورة مفهومه الخاص بعلم النفس الوراثي والأصناف النفسية.[19]

2.3. المبادئ الأربعة المؤسسة للتربية الحديثة لدى فيريير

تابع فيريير بحثه النفسي انطلاقا من أربعة محاور رئيسية كبرى استنبطها من خلال نظرته للنشوء الحيوي “perspective biologique” منذ سنة 1910، وتتمثل هذه المحاور في[20]:

  • الطاقة: كما هو الحال لدى جميع الكائنات الحية، فإن حركية الانسان نابعة من “الدافع الحيوي élan vital” الكامن بداخله، والذي يحرك فيه غريزة البقاء والنمو.
  • قانون التطور (موضوع رسالة الدكتوراه التي ناقشها سنة 1915): يحدد فيريير أن تطور الفرد يتم عبر ظاهرتين متكاملتين ومتزنتين فيما بينهما، ويتعلق الأمر بكل من التمايز أو التفاضل من جهة، والتركيز الوظيفي من جهة ثانية.
  • الوراثة: يحافظ النوع على كينونته من خلال تحييد الصفات المتباينة.
  • الاستعادة récapitulation (يطلق عليه فريير قانون النشوء الحيوي la loi biogénétique): تطور الفرد يمر عبر المراحل التي مر منها جنس هذا الفرد.

انطلاقا من هذه المحاور الأربع، تم بناء أربع إشكاليات تستدعي البحث في الممارسات، رأى فيريير أنه من الواجب على علم النفس الخوض فيها في إطار بحث علمي. وهكذا أسس فيريير أربع مبادئ أساسية في التربية، وهي مبادئ انبنت على مبدأي الطبيعة والعقل الذين ميزا فكر فيريير. هذه المبادئ هي تلك الخاصة بالتربية الحديثة والمدرسة النشيطة[21]:

  • يجب أن يتوافق التعليم الحديث مع قانون الاستعادة النشء حيوي، بحيث يعطي أهمية كبيرة لكل ما هو حيوي، ويحترم الانتقال الذي يحدث لدى الطفل من الوضع البدائي “primitif” (ما قبل التعليمي) إلى الوضع المتحضر “civilisé”. وهو انتقال يتم عبر مراحل متنوعة، عددها فيريير في 12 مرحلة سنة 1922، ليقوم في مرحلة ثانية بتجميعها سنة 1946 إلى أربع محطات أساسية تضم كل واحدة منها ثلاث مراحل من المراحل الاثنا عشر، وهي: محطة الإحساس “sensorialité”، وهي مرحلة الطفولة الأولى؛ محطة التقليد “imitation”، وهي مرحلة الطفولة الثانية؛ محطة الحدس، وهي مرحلة المراهقة؛ محطة العقل، وهي مرحلة الشباب والنضج؛
  • يجب أن يؤدي العامل الوراثي إلى البدء في جرد الأنواع النفسية التي تم تعيينها انطلاقا من قانون النشوء الحيوي وهي: النوع الاحساسي، النوع المقلد، النوع الحدسي والنوع العقلي؛
  • سيقدم عالم النفس تشخيصا فرديا مرتبطا بقدرات التطور والنمو الخاصة بكل فرد، وذلك بشكل مواز مع هذا الجرد. وسيكون هذا التشخيص توقعيا وتوجيهيا في الآن نفسه؛
  • تنتظم طاقة الكائن الحي الكامنة في الإنسان، في جزءها الأكبر، في لاوعيه، وبالتالي تعتبر المساعدة على المرور من اللاوعي إلى الوعي واحدة من مهام علم النفس.

غيرت أفكار أدولف فيريير من طريقة تعلم الطفل (المتعلم)، وبالتالي ساهمت في إعادة النظر في الأدوار التي يلعبها كل من المدرس والمتعلم.

4. أدوار المدرس والمتعلم في المدرسة الحديثة

أصبح التعليم يعتمد على النشاط الذاتي والمشاركة الإيجابية للمتعلم والتي يقوم من خلالها بالبحث اعتمادا على مجموعة من الأنشطة والعمليات تحت إشراف مدرس يوجهه ويقومه، فهو يهدف إلى إدماج المتعلم في بيئة التعلم و التفاعل بإيجابية مع جميع مكوناتها، ففي ظل هذا التوجه الحديث تغيرت أدوار وخصائص أطراف العملية التعليمية التعلمية، فلم يعد المدرس ذلك الشخص المهيمن على الفصل الذي يقدم حلولا ومعلومات جاهزة ، ولم يعد المتعلم ذلك المتلقي السلبي الذي يقوم بمهام روتينية ويعتمد على الحفظ و التذكر، بل أصبح لكل دور إيجابي في بناء المعرفة و استثمارها في مواقف جديدة.

1.4. أدوار المدرس في المدرسة الحديثة

الموقف الصفي هو موقف منظم يتم فيه تهيئة الفرص أمام التلاميذ لإجراء تفاعلات صفية (لفظية وغير لفظية) بينهم وبين المدرس و بين التلاميذ أنفسهم، فكلما زادت المبادرات من قبل المتعلم، كلما كان المدرس مشجعا متقبلا لأفكار المتعلمين و مشاعرهم، كان مدرسا غير مباشر[22]. لقد تطورت النظرة إلى المدرس و الأدوار التي يقوم بها، فلم يعد المدرس ملقنا للمعرفة، ولا مجرد وسيط بين المتعلم و الكتاب المدرسي، بل ظهر للمدرس مهمات و أدوار جديدة يمكن اجمالها في:

  • المدرس مسير و منظم للعملية التعليمية التعلمية و معد لبيئة التعلم: فـ”لابد للمعلم أن يقوم بإعداد بيئة تعليمية تمكن المتعلمين من تقبل مسؤولية تعلمهم، بحيث تكون هذه البيئة داعمة تزيد دافعية و ثقة المتعلمين بأنفسهم، و تكون مناخا حساسا و مرنا و مستجيبا لحاجات المتعلمين[23]، فالمدرس يقوم على إعداد بيئة ملائمة للتعلم، من خلال مشاركة المتعلمين في وضع دستور وأساليب للتعامل داخل الفصل وتنظيم استخدام التقنيات والوسائط المعتمدة في تحقيق الأهداف.
  • المدرس مخطط للعملية التعليمية التعلمية: فتناط له عملية تحضير وتحليل المحتوى، وصياعة الأهداف في صورة قابلة للملاحظة و التقويم وفق قدرات المتعلمين وميولاتهم، كما يشجع المبادرات الفردية، ويحث المتعلمين على طرح الأسئلة و التعبير عن آرائهم، ويساهم في خلق جو من المنافسة داخل الفصل و يدعم الحواروالمناقشات بين المتعلمين، كما أنه يعمل على قبول ذاتية المتعلمين بتهييء فرص تسمح لهم بناء المعرفة ويستخدم التغذية الراجعة من مصادرمختلفة لتحسين التدريس.
  • المدرس قائد للأنشطة والممارسات التعليمية التعلمية: فهو يقترح أنشطة تثير دافعية المتعلمين نحو التعلم، و تساعدهم على المشاركة الإيجابية في التعلم،ويختارأساليب تعليم تناسب اختلاف ذكاءات و أنماط المتعلمين ويعمد استراتيجيات مناسبة لقياس مدى تحقق الأهداف الخاصة و العامة، كما يستخدم أحدث أساليب التقنية في دعم عملية التعليم والتعلم، ويدرب المتعلمين على الإدارة الذاتية.
  • المدرس مرشد و موجه: فهو يسير بالمتعلم إلى منهجية التفكير المنطقي، و يحترم الفوارق المتواجدة بين المتعلمين و يعمل على ربط التعلم بواقع المتعلمين، “يحرص المعلم الناجح على الإكثار من الأنشطة التعليمية المتنوعة التي يمر من خلالها الطلبة بالخبرات الواقعية ويكتسبون المعارف والمهارات و الاتجاهات المرغوب فيها[24]، فهو يحاول إيجاد توازن بين الأنشطة التي يقوم بها المتعلم بمفرده و تلك التي يقوم بها بشكل جماعي مع زملائه، كما يقترح أنشطة تتلاءم مع خصوصيات وحاجيات كل فئة من المتعلمين.

يتضح مما سبق أن المدرس أصبح ناصحا، موجها ومرشدا يقدم فرصا متنوعة للمتعلمين لاستخدام ما يعرفونه بالفعل، و يعمل على مساعدتهم على فهم المادة التعليمية الجديدة و يقدم لهم مهام ذات معنى مرتبطة بخبراتهم و تسهل وصولهم إلى المعرفة، ولحدوث التعلم يجب اعتبار المتعلم الركيزة الأكثر أهمية في العملية التعليمية التعلمية، حيث أنه الفاعل الأساسي في المواقف التعلمية، وذلك عن طريق أدوار كثيرة عليه أن يؤذيها.

2.4. أدوار المتعلم في المدرسة الحديثة

أصبح التعلم يرتكز على المتعلم كمحور للعملية التعليمية التعلمية و يؤكد على التفاعل و العمل الجماعي و المشاركة بين المتعلمين “فالمتعلمون يتعلمون حين يشاركون في المسؤولية و في اتخاذ القرار، و يكون تعلمهم أشمل و أعمق أثرا، وأمتع بوجود الكبار حولهم، يهتمون بمشاركتهم، ويحترمونهم و يوفرون بيئة داعمة و آمنة و محفزة على الاكتشاف”[25] فالمتعلم يشارك في بناء المعرفة مما يؤدي إلى تنمية مهارات التفكير لديه، واكسابه القدرة على تحليل المواقف وحل المشكلات التي تواجهه، وقد أضحى للمتعلم، في ظل المنظور الحديث للتربية و التعليم، أدوارا جديدة تتمثل في:

  • المتعلم النشط: فهويناقش، يحاورويضع فرضيات، ويأخذ وجهات النظر المختلفة يقدم الحجج والبراهين، كما أنه قادرعلى الاستدلال وتوظيف خبراته السابقةلاكتساب قيم و اتجاهات، واتخاذ مواقف و سلوكات إيجابية.
  • المتعلم الاجتماعي: المتعلم لا يبني المعرفة بشكل فردي ولكن بشكل اجتماعي حيث يتناقش مع زملائه حول موضوع الدرس من اجل الوصول إلى حله بشكل جماعي، و يبادر،يناقش ويطرح أسئلة من شانها تطوير التعليم و الرقي به.
  • المتعلم المبدع: فهو قادر على تطبيق الاستنتاجات و التعلمات في حل مشكلات جديدة ومواجهة العراقيل و المشكلات وابتكارحلول لها.
  • المتعلم الإيجابي: يتواصل مع جميع الفاعلين التربويين، يتفاعل مع مكونات الفصل ، كما يمارس التفكيروالتحليل في حل المشكلات التي تواجهه، يقدم حلولا لها، و يتأمل في طريقة تعلمه، وجودة هذا التعلم و نوعيته، كما أنه يتقبل الاختلاف ويستفيد من أفكار زملائه و أستاذه، ويتحمل المسؤولية في اتخاذ القرار
  • المتعلم المشارك: يشارك في تصميم التعلم وبيئته، وفي تخطيط وتنفيذ الدروس، كما يبحث عن مصادرالمعرفة، ويعمل على تطويرها من خلال التفكيرو التفاعل معها، ويناقش المتعلم موضوع الدرس، ويقتسم الخبرات، إلى جانب مشاركته في التقييم الذاتي و تحديد مدى تحقق الأهداف.

أصبح المتعلم يحتل موقعا مهما في منظومة التربية و التكوين، مكنه من اكتساب الثقة في النفس والشعور بقيمة تعلمه، لارتباطه بشكل كبير بواقعه، كما أهله للاندماج داخل محيطه لقدرته على حل المشكلات والابتكار.

3.4. مقارنة بين التعلم التقليدي والتعلم وفق المدرسة الحديثة

من خلال سرد أدوار كل من المتعلم والمدرس في كل من المدرستين التقليدية والحديثة، استطعنا بلورة جدول للمقارنة (الجدول 1)، والذي يحدد أوجه الاختلاف الكامنة بين تعليم كل من المدرستين من خلال دراسة خمس جوانب وهي: طريقة جلوس المتعلمين؛ الأنشطة؛ التواصل؛ النواتج؛ التقويم.

جدول 1: جدول المقارنة بين التعليمين التقليدي والحديث

أوجه المقارنة التعلم التقليدي التعلم الحديث
جلوس المتعلمين صفوف ثابثة. التنوع في الجلوس وحركية المتعلمين.
الأنشطة عبارة عن أسئلة يطرحها الأستاذ. مناقشات، وضعيات مستقات من واقع المتعلم.
التواصل عمودي: من الأستاذ إلى المتعلم. تواصل مفتوح بين الأستاذ و المتعلم و بين المتعلمين أنفسهم.
النواتج تذكر وحفظ المعلومات. فهم و حل مشكلات عن طريق التجريب والبحث واستهداف جوانب مهارية ووجدانية للمتعلم.
التقويم اصدار حكم بالنجاح أو الفشل ومقارنة التلميذ بغيره. مساعدة المتعلمين على اكتشاف نواحي القوة و الضعف واشراكهم في تقويم أنفسهم والآخرين.

إن الأفكار التي جاءت بها المدرسة الحديثة في مجال التربية و التعليم، أثبتت نجاعتها في مجموعة من الدول و المجتمعات، لكن المجتمع المغربي يتميز بتنوعه الثقافي والحضاري، كما أن أفراده يتسمون بمجموعة من الخصوصيات المختلفة عن تلك المنتشرة في المجتمعات الأوروبية، الشيء الذي يجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية تطبيق هذه المبادئ في المدرسة المغربية.

5. إمكانية تطبيق أفكار فيريير في المدرسة المغربية

1.5. واقع التعليم بالمدرسة المغربية

لا يخفى على أحد، سواء كان من داخل المنظومة التعليمية أو من خارجها، الوضعية التي أضحت عليها المدرسة المغربية، فتقرير المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم الذي يحمل عنوان: “تقرير التعليم للجميع، التعليم والتعلم: تحقيق الجودة للجميع” كشف أن “ثلث الأطفال في التعليم الابتدائي لا يتعلمون الأساسيات سواء التحقوا بالمدارس أو لم يلتحقوا بها”.[26]

رغم تعاقب الإصلاحات على قطاع التربية والتعليم منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، والتي كان آخرها الرؤية الإستراتيجية التي انطلقت منذ سنة 2015، فكل المؤشرات تدل على تدن في مستوى المتعلمين مقارنة بسنوات السبعينات والثمانينات وحتى نهاية التسعينات، فالعديد من التقارير الدولية والوطنية حول واقع التربية والتعليم في المغرب، “تبرز…أن أوضاعه غير مشجعة على الاطمئنان على مستقبل الناشئة، من جانب اندماجها وانخراطها في مجتمع المعرفة القائم على اقتصاد المعرفة. هذا على الرغم من الجهود المبذولة لتطوير هذا القطاع الحيوي لإكساب المتعلمين القدرات الأساسية اللازمة. إن التقارير الوطنية والدولية التي أنجزت خلال العقدين الأخيرين توضح تدهور التعليم في مختلف مراحله واتصافه بميزتين سلبيتين، هما: تدني مستوى التحصيل المعرفي وضعف القدرات الذهنية العليا: التحليل، التركيب، النقد، الابتكار[27]، كما يمكن ملاحظة الكم الهائل من المشاكل التي تثار مع كل موسم دراسي، سواء حول قلة الموارد البشرية وضعف تكوينها، أو حول عدم كفاية البنايات والحجرات الدراسية لاستيعاب كل المتعلمين، مما يدفع الوزارة ومعها الأكاديميات والمديريات لاتخاذ قرارات تقضي بتكديس التلاميذ في الأقسام، ضاربين عرض الحائط حق الطفل المغربي في الاستفادة من تعليم عمومي مجاني، يتمتع فيه بكل الظروف المواتية للتعلم وفق أساليب المدرسة النشطة كالتي نادى بها فيريير.

2.5. معيقات تنزيل وتطبيق أفكار فيريير في المدرسة المغربية

في ظل الجمود التي تعرفه المدرسة المغربية والناتج عن ارتباط الأساتذة الوثيق بالمقررات الدراسية، وسباق الزمن من أجل إنهاء الدروس المقررة بأهدافها وكفاياتها، تعترض المدرسين العديد من المعيقات الكفيلة بثنيهم عن تنزيل أو تطبيق أفكار فيريير المتعلقة بالمدرسة النشطة.

1.2.5. معيقات ديدكتيكية

من بين هذه المعيقات نجد المناهج والبرامج المدرسية المغربية التي تركز فقط على تمكين المتعلمين من مجموعة من المعارف والأفكار والقيم، وهو ما يظهر جليا سواء من خلال تقيد الأساتذة ومعهم التلاميذ بالعمل في غالبية الأحيان داخل الأقسام وفي ارتباط وثيق بالكتاب المدرسي الذي يفترض فيه أن يكون مجرد اقتراح للاستئناس، أو من خلال نوعية الاختبارات التي يجتازها المتعلمون؛ حيث يطلب منهم إعادة استظهار ما لقن لهم على طول السنة الدراسية، كما أن تطبيق أساليب المدرسة النشطة يستغرق وقتا أطول مقارنة بالطريقة التقليدية لأن الأستاذ يكون مجبرا على تنويع طرق التدريس والتقويم مراعاة للفوارق الفردية التي تميز المتعلمين عن بعضهم البعض، إضافة إلى ذلك فالمدرسة النشطة تزيد من الأعباء والمهام الموكلة للمدرس حيث يصبح مجبرا على مضاعفة المجهود داخل الفصل، ومضاعفة ساعات العمل والتحضير والتخطيط المسبق خارجه، كما أن عدم توفر الأدوات والمعينات الديدكتيكية الكفيلة بمساعدة المتعلمين والمدرس في مهمتهم يشكل سببا أو ذريعة في بعض الأحيان لعدم تبني أساليب المدرسة النشطة، وهو ما تطرق له فيريير في إحدى المقالات: “أفكر في القوانين المدرسية، البرامج المتصلبة، الطرق الجماعية، التوقيت غير المرن، وفي الامتحانات التي تسحق كل فردانية…المقررات القديمة، الطرق الإلقائية والتلقينية القديمة “[28].

2.2.5. معيقات تتعلق بالمدرس

من بين المعيقات التي تعترض بعض المدرسين في تبني أساليب تعلم المدرسة النشطة نجد مقاومة التغيير خصوصا لدى الأساتذة القدامى الذين يكتفون بنهج الطرق القديمة التي تدربوا عليها في بداية مسيرتهم المهنية، أو نهج الطرق التي تتلمذوا بها لما كانوا بدورهم متمدرسين خصوصا في غياب أو قلة التكوينات المستمرة الكفيلة بتقريبهم من آخر المستجدات في مجال التربية والتعليم. كما أن خوف المدرس من كل جديد يمكن أن يفقده سلطته وسيطرته داخل الفصل وهو ما أشار إليه الدكتور ……“من المعوقات… مقاومة أسلوب التدريس، نتيجة التعود على أساليب التدريس التقليدية، أو نتيجة لضعف ثقتهم بأنفسهم، أو لنقص معرفتهم بأساليب التعلم النشط… الشعور بعدم القدرة على السيطرة على مجريات الأمور داخل حجرة الدراسة… عدم امتلاك الخبرة والمهارات اللازمة للتدريس بأساليب التعلم النشط… الخوف من التعرض للنقد من قبل الآخرين لتغييرهم الطريقة المألوفة للتدريس… الشعور بأن استخدام أساليب التعلم النشط قد يؤدي إلى تخلي المعلم عن دوره التقليدي وسلطته داخل حجرة الدراسة.”[29]

3.2.5. معيقات تتعلق بالمتعلم

تتعدد المعيقات المتعلقة بالمتعلم حسب الظروف المحيطة والوضعيات التعليمية التعلمية، وتتوزع هذه المعيقات إلى نوعين: معيقات داخلية ومعيقات خارجية. ومن أبرز المعيقات التي تطرق لها الدكتور أوزي نجد مقاومة أنشطة التعلم النشط من طرف المتعلمين، وخاصة من اعتادوا على طريقة المحاضرة التي تحصر دورهم في الإنصات والتلقي السلبي دون أدنى تفاعل مع الأستاذ، اكتظاظ الفصول الدراسية بالمتعلمين مما يصعب على المدرس اللجوء لأساليب المدرسة النشطة، كما أن بعض المتعلمين يرفضون المشاركة في هذه الأنشطة لتخوفهم من عدم التمكن من المشاركة الفعالة في عملية التعلم، أو عدم تعلم محتوى معرفي مناسب من المادة الدراسية.[30]

3.5. بعض الوسائل والطرق لتجاوز معيقات التنزيل والتطبيق

هناك مجموعة من الحلول الناجعة لتجاوز المعيقات السالفة الذكر، ونجد في مقدمتها برمجة دورات تكوينية للأساتذة حول المدرسة النشطة مرفوقة بدروس تطبيقية ومناقشات تستهدف التعرف على أساليب التعلم النشط وكيفية التخطيط له وتنفيذه لاكتساب المهارات والخبرات الكفيلة بمساعدة المدرسين على تبني تنزيل أساليب المدرسة النشطة داخل فصولهم الدراسية ، كما يمكن تسهيل تنزيل أساليب المدرسة النشطة وتطبيقها عن طريق التدرج في استعمال هذه الأساليب مع إشراك المتعلمين في اختيار الأنسب منها لميولاتهم واهتماماتهم، وتوظيف الأساليب التي لا تتطلب موارد مادية كبيرة كالعمل بالمجموعات أو بالقرين للتغلب على الاكتظاظ والأقسام المشتركة، ولعب الأدوار والعصف الذهني والخرجات الدراسية للمحيط القريب من المدرسة.

خاتمة

ساهمت التربية الحديثة التي أسسها فيريير في تغيير النظرة التقليدية لها، وغيرت من مواقع كل من المدرس والمتعلم، على أساس أن هذا الأخير يشكل محور العملية التعليمية التعلمية. تأسيس مدرسة فعالة تعتمد التعلم النشط والفعال من طرف أدولف فيريير أطرته مجموعة من الخلفيات النظرية الموجهة لفكره، خاصة كلا من المدرستين التطورية والعقلية.

في المقابل، عدد فيريير مجموعة من المعيقات التي قد تحول دون تطبيق أفكاره حول التربية الحديثة بشكل كلي داخل المؤسسات التعليمية، وهو ما ينطبق على المدرسة المغربية، فبالرغم مما جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين من تجديد بيداغوجي ينبني في جزء كبير منه على ما جاء به فيريير، وبالرغم من كون الرؤية الاستراتيجية شددت على تطوير النموذج البيداغوجي من خلال الرافعة الثانية عشرة[31]

البيبليوغرافيا:

بالعربية

الدريج (أ) وآخرون، 2011، معجم مصطلحات المناهج وطرق التدريس، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتب تنسيق التعريب في الوطن العربي، الرباط؛

التوري (م)، 2003، من بيداغوجيا المحتويات إلى بيداغوجيا الكفايات، مطبعة انفو – برانت، ط 1، فاس.

الشربيني (ف) والطناوي (ع، م)، 2011، تطوير المناهج التعليمية، دار المسيرة، عمان، ط 1؛

الصيفي (ع)، 2008، المعلم واستراتيجيات التعليم الحديث، دار أسامة للنشر والتوزيع؛

الفنيش (أ)، 2004، أصول التربية، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط 3؛

المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، 2015، الرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030: من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء؛

أوزي (أ)، 2015، التعليم والتعلم الفعال، منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة؛

أوزي (أ)، 2014، تقديم، في: مجلة علوم التربية، العدد 60، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء؛

اليونسكو، 2014، التعليم والتعلم: تحقيق الجودة للجميع، تقرير التعليم للجميع؛

سعادة (أ، ج)، 2006، تدريس مهارات التفكير مع مئات الأمثلة التطبيقية، دار الشروق، عمان، ط 1؛

سعادة (أ، ج)، وآخرون، 2006، التعلم النشط بين النظرية والتطبيق، دار الشروق، عمان؛

شاهين (ع، ح، ح)، 2010، استراتيجيات التدريس المتقدمة واستراتيجيات التعلم وأنماط التعلم، الدبلوم الخاصة في التربية: مناهج وطرق التدريس، كلية التربية، دمنهور؛

غريب (ع، ك) وآخرون، 1988، معجم علوم التربية، مصطلحات البيداغوجيا والديدكتيك، سلسلة علوم التربية 9-10، منشورات عالم التربية، ط 2، الدار البيضاء؛

كوجك (ك، ح) وآخرون، 2008، تنويع التدريس في الفصل: دليل المعلم لتحسين طرق التعليم والتعلم في مدارس الوطن العربي، مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، بيروت.

بالفرنسية

ANNICK (R), 2011, Éducation naturelle : une idée centrale mais controversée dans les congrès de la ligue internationale pour éducation nouvelle (1921-1936), In : Carrefours de l’éducation, n° 31, p. 41-60, disponible en ligne sur : [https://www.cairn.info/revue-carrefours-de-l-education-2011-1-page-41.htm];

ANNICK (R), 2003, La coéducation dans l’Éducation nouvelle, In : Clio. Histoire‚ femmes et sociétés, Belin, p. 65-76 ;

ANNICK (R), 2002, L’éducation morale dans le mouvement de l’éducation nouvelle : comment éduquer moralement un enfant ? L’Harmattan, Paris.

DUVAL (N), 2002, Éducation nouvelle dans les sociétés européennes à la fin du XIXe siècle, In : Histoire, économie et société, 21ᵉ année, n°1, Religion et culture dans les sociétés et les états européens de 1800 à 1914, Varia, pp. 71-86 ;

FERRIERE (A), 1922, disponible sur le web : https://www.meirieu.com/PATRIMOINE/adolpheferriere.pdf, consulté le 15/03/2019.

HAMELINE (D), 2005, Relater sa pratique ? Les tentations d’Adolphe Ferrière (1879- 1960) : entre compte rendu d’évaluation et libelle de propagande, In: Revue française de pédagogie, volume 153, pp. 67-80 ;

HAMELINE (D), 1993, Grands pédagogues : Adolphe Ferrière, In : revue trimestrielle d’éducation comparée, UNESCO : Bureau international d’éducation, vol. XXIII, n° 1-2, mars-juin 1993, Paris, p. 379-406.

  1. HAMELINE (D), 2005, Relater sa pratique ? Les tentations d’Adolphe Ferrière (1879- 1960) : entre compte rendu d’évaluation et libelle de propagande. In : Revue française de pédagogie, volume 153, p : 68.

الهوامش:

  1. اليونسكو، 2014، التعليم والتعلم: تحقيق الجودة للجميع، تقرير التعليم للجميع، ص: 4.
  2. أوزي (أ)، 2015، التعليم والتعلم الفعال، مطبعة النجاح الجديدة، ص:7.
  3. التوري (م)، 2003، من بيداغوجيا المحتويات إلى بيداغوجيا الكفايات، مطبعة انفوبرانت، فاس، ط1، ص 15.
  4. الفنيش (أ)، 2004، أصول التربية، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط 3، ص 85.
  5. DUVAL (N.), 2002, l’éducation nouvelle dans les sociétés européennes à la fin du XIXe siècle, In : Histoire, économie et société, 21e année, n0 1, Paris, p. 71.
  6. أحمد أوزي، 2015، مرجع سابق، ص 8.
  7. كوجك (ك، ح) وآخرون، 2008، تنويع التدريس في الفصل: دليل المعلم لتحسين طرق التعليم والتعلم في مدارس الوطن العربي، مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، بيروت، ص 152.
  8. أوزي (أ)، 2015، مرجع سابق، ص 8.
  9. الدريج (أ) وآخرون، 2011، معجم مصطلحات المناهج وطرق التدريس، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتب تنسيق التعريب في الوطن العربي، الرباط، ص 140.
  10. غريب (ع، ك) وآخرون، 1988، معجم علوم التربية، مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، سلسلة علوم التربية 9-10، الطبعة الثانية، الدار البيضاء، منشورات عالم التربية، ص 21.
  11. نفس المرجع، ص 99.
  12. HAMELINE (D.), 2005, Op. Cit. p : 67-68.
  13. HAMELINE (D.), 1993, Adolphe Ferrière (1879-1960), In : Perspective (revue d’éducation comparé), UNESCO : Bureau International d’éducation, Paris, Vol : 23, N° : 1 et 2, p : 3-9.
  14. HAMELINE (D.), 2005, Op. Cit. p : 68-69.
  15. HAMELINE (D.), 2005, Op. Cit. p: 67.
  16. HAMELINE (D.), 1993, Op. Cit. p: 11.
  17. Ibid.
  18. Ibid.
  19. HAMELINE (D.), 1993, Op. Cit. p : 11.
  20. Ibid. p : 13.
  21. الصيفي (ع)، 2008، المعلم واستراتيجيات التعليم الحديث، دار أسامة للنشر والتوزيع، ص 15.
  22. سعادة (أ، ج)، 2006، تدريس مهارات التفكير مع مئات الأمثلة التطبيقية، دار الشروق، عمان، ط 1، ص 113.
  23. سعادة (أ، ج) وآخرون، 2006، التعلم النشط بين النظرية والتطبيق، دار الشروق، عمان، ص 114.
  24. شاهين (ع، ح، ح)، 2010، استراتيجيات التدريس المتقدمة واستراتيجيات التعلم وأنماط التعلم، الدبلوم الخاصة في التربية: مناهج وطرق التدريس، كلية التربية، دمنهور، ص 104.
  25. اليونيسكو، 2014، مرجع سابق. ص: 4.
  26. أوزي (أ)، 2014، تقديم، في: مجلة علوم التربية، العدد 60، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 5.
  27. FERRIERE (A), 1922, disponible sur le web : https://www.meirieu.com/PATRIMOINE/adolpheferriere.pdf, consulté le 15/03/2019.
  28. الشربيني (ف) الطناوي (ع، م)، 2011، تطوير المناهج التعليمية، دار المسيرة، عمان، ط 1، ص 72.
  29. نفسه.
  30. المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، 2015، الرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030: من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء، الرباط، ص 30.