الإثبات في الدعوى التحكيمية أمام هيئة التحكيم – دراسة تحليلية مقارنة لنظام التحكيم السعودى

أنوار كاظم حسين العكيلي1

1 باحثة دكتوراه، بغداد، العراق.

HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/16

تنزيل الملف                     تاريخ النشر: 01/05/2024م تاريخ القبول: 15/04/2024م

المستخلص

عنى المنظم السعودي في نظام التحكيم السعودي بالإثبات في مجال الدعوى التحكيمية الذي يعد من أهم إجراءاتها التي يتعين إدارتها بعناية وحرص لتمكين أطراف الخصومة التحكيمية من تقديم الحجج اللازمة في الدفاع وذلك للحصول على الحق المدعى به بعد إثباته.

والإثبات أمام هيئة التحكيم شأنه شأن الاثبات أمام القضاء، وفقاً لأدلة الإثبات المقررة قانوناً بالنسبة للواقعة المراد إثباتها، وبالنظر إلى قوة كل دليل وأهميته في تكوين إقتناعها.

ويتم الإحالة هنا إلى القواعد العامة المقررة في الإثبات، فعلى من يدعي واقعة عبء إثباتها، سواء كان هو المحتكم أم المحتكم ضده.

على أن هيئة التحكيم تقوم بإدارة النزاع وفقاً لما يتم تحديده من قبل إرادة الأطراف، فإذا تم الاتفاق على إخضاع التحكيم لقانون معين فيما يتعلق بقواعد الإثبات، وجب مراعاة نصوص هذا القانون، وإذا ترك ذلك لهيئة التحكيم فلها ان تختار قانوناً معيناً، ولها أن تضع قواعد يتم الاتفاق عليها فيما بين الهيئة والأطراف المحكمين.

الكلمات المفتاحية: الإثبات، الدعوى التحكيمية، هيئة التحكيم.

Research title

Proof in Arbitration Proceedings in the Arbitral Tribunal

A comparative analytical study of the Saudi arbitration system

Anwar Kazem Hussein Al-Ukaili1

1 PHD Student, Baghdad, Iraq.

HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/16

Published at 01/05/2024 Accepted at 15/04/2024

Abstract

The Saudi regulator in the Saudi arbitration system is concerned with proof in the field of arbitration proceedings, which is one of its most important procedures to be carefully and carefully administered to enable parties to arbitration litigation to submit arguments The necessary arguments in the defence in order to obtain the alleged right after it has been established.
Proof before the arbitral tribunal like proof before the judiciaryaccording to the legally established evidence of the fact to be established, and given the strength and importance of each evidence in forming its own conviction.

Reference is made here to the general rules of proof, whoever alleges the burden of proving it, be it the arbitrator or the arbitrator against him.

However, the arbitral tribunal shall administer the dispute as determined by the parties’ will. If the arbitration is agreed to be subject to a particular law in relation to the rules of evidence, the provisions of this law shall be taken into account. If this is left to the arbitral tribunal, it may choose a particular law and may establish rules to be agreed between the tribunal and the arbitral parties.

Key Words: Evidence, arbitration case, arbitral tribunal.

مقدمة

يعتبر التحكيم هو المنصة الثانية بعد القضاء لتحقيق العدالة، غير أن عدالة التحكيم تتميز عن عدالة القضاء بأنها ناجزة ومتخصصة.

صدر نظام التحكيم السعودي الحالي بموجب المرسوم الملكي رقم: (م/34)، بتاريخ 24/5/1433هـ، وصدر بشأنه قرار من مجلس الوزراء رقم: (156) بتاريخ 17/5/1434هـ، متضمنًا ثمانيَ وخمسين مادة، وصدرت اللائحه التنفيذية له([1]).

والحقيقة أن هذا النظام جاء بعد طول انتظار، لكنه جاء بشكل مهيب؛ حيث تجاوز السلبيات والانتقادات في النظام السابق، بل انفرد ببعض الإضافات التي لا توجد في نظام غيره – كما أعلم – وجاء مواكبًا لأحدث التطورات في عالم التحكيم، ولذلك فكل منصف لا يملك إلا الإشادة به، ويدعو لمن ساهم به بأن يجعله في ميزان أعماله؛ لما نوى به من تحقيق العدالة، والتيسير على العباد، ونفع البلاد.

ولا يسعنا هنا الحديث عن كافة الأوجه التى تناولها نظام التحكيم السعودى، لذا سوف نعرض في هذا البحث لنظام الإثبات في الدعوى التحكيمية.

حظي التحكيم باهتمام المنظم السعودي لاعتبارات متعددة، يأتي في مقدمتها مشروعية التحكيم، وذلك ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ، فضلاً عن ازدياد الحاجة للجوء إليه لفض المنازعات لاسيما في مجال المعاملات التجارية بصفة عامة، ومعاملات التجارة الدولية بصفة خاصة، وذلك لما يحققه التحكيم كقضاء خاص موازي لقضاء الدولة العام من مزايا كثيرة تكفل في مجموعها السرعة والسرية والمرونة في حسم المنازعات، سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الدولي بموجب حكم قابل للتنفيذ([2]).

يعد الإثبات في مجال الدعوى التحكيمية من أهم إجراءاتها التي يتعين إدارتها بعناية وحرص لتمكين أطراف الخصومة التحكيمية من تقديم أسس وحجج الدفاع للحصول على الحق المدعى به بعد إثباته.

والإثبات أمام هيئة التحكيم – كما هو أمام محاكم الدولة – يكون بأدلة الإثبات المقررة قانوناً بالنسبة للواقعة المراد إثباتها، وبالنظر إلى قوة كل دليل وأهميته في تكوين إقتناعها.

ونحيل هنا إلى القواعد العامة المقررة في الإثبات، فعلى من يدعي واقعة عبء إثباتها، سواء كان هو المحتكم أم المحتكم ضده، على أن هذه القاعدة لا تتعلق بالنظام العام فيجوز للطرفين الاتفاق على نقل عبء الإثبات إلى الطرف الآخر، فإذا لم يثبت أحد الطرفين الواقعة فلا يجوز للمحكم الإستناد إليها في حكمه ولو كان حسب علمه الخاص متأكداً من ثبوتها(([3])).

كما أن الأصل في الإثبات أن يرد على الوقائع، فلا يلتزم أطراف التحكيم بإثبات القانون، إلا أنه إذا كان ذلك الأصل قائماً أمام محاكم الدولة بسبب افتراض علم القاضي بالقانون، فذلك الفرض لا يكون قائماً بالنسبة للمحكم خاصة إذا كان من غير رجال القانون.

فيجب على الخصم الذي يستند إلى قاعدة قانونية معينة أن يشير إلى هذه القاعدة وإلى تفسيرها وإلى وجوب إنطباقها على الوقائع التي أثبتها، وللمحكم أن يطلب الدليل على وجود هذه القاعدة إن كان مصدرها قانوناً وطنياً أو أجنبياً، كما أن له أن يطلب إقامة الدليل على وجود عرف أو عادة معينة تمسك أحد الخصوم بها.

كما أنه يجب أن يكون إثبات الواقعة جائزاً، فمن العبث إثبات قاعدة مستحيلة، كما أنه لا يجوز إثبات الوقائع التي منع القانون إثباتها حماية للنظام العام والآداب، كما يجب أن يكون إثبات الواقعة مجدياً، بأن تكون الواقعة محددة ومتعلقة بالدعوى ومنتجة فيها، بأن يكون من شأنها لو ثبتت أن تساهم في تكوين عقيدة هيئة التحكيم تجاه الدعوى التي تنظرها.

كما أنه هناك إرتباط بين الوقائع وبين الأدلة التي يجوز إثبات تلك الوقائع بها، فلا تقبل مثلاً شهادة الشهود لإثبات واقعة لا يجوز إثباتها إلا بالكتابة.

ويجوز للأطراف الاتفاق على عدم تطبيق القواعد القانونية المتعلقة بالإثبات بالنسبة لقبول الدليل أو بالنسبة لقوة الدليل في الإثبات.

إذن من أهم وسائل الإثبات في الدعاوى ذات الطبيعة الفنية هو الاستعانة بالخبير؛ فقد يكون له قول الفصل في الدعوى، فيكون عمود الحكم، ولذلك عُنيت التشريعات بتنظيم مسألة تعيين الخبير والتقرير الذي يقدمه وتعاون الأطراف معه.

أهمية الدراسة:

هذا النظام لم يحظ بالدراسة المناسبة التي تُشبع تفاصيله بحثًا ودراسة ومناقشة؛ لذلك رأينا التعرض للإثبات في مجال الدعوى التحكيمية لبيان إلى أي مدى تتميز الدعوى التحكيمية عن غيرها من الدعاوى في مجال الاثبات.

منهج البحث:

اتبعت في دراستي لموضوع الكتاب المنهج الاستقرائي التحليلي، والمنهج الوصفي دون المنهج المقارن – إلا إذا كنت مضطرًّا – والمنهج التطبيقي للأحكام القضائية لنصوص النظام..

وعليه فإننا نتبين الإثبات أمام هيئة التحكيم في المباحث التالية:

  • المبحث الأول: سلطة هيئة التحكيم بشأن أدلة الإثبات
  • المبحث الثاني: أدلة الإثبات

المبحث الأول

سلطة هيئة التحكيم بشأن أدلة الإثبات

تمهيد وتقسيم:

طبقاً للقواعد العامة في الإثبات فإن الأحكام التي تصدر بإتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات لا يلزم أن تكون مسببة لأنها لم تتضمن قضاء قطعياً، ويقوم القاضي بتعيين تاريخ إجراء الإثبات وإلا كان العمل باطلاً.

كما وأنه وفقاً للقواعد العامة أيضاً يجوز للمحكمة أن تندب أحد قضاتها لمباشرة إجراء من إجراءات الإثبات، وتقدم المسائل العارضة المتعلقة بإجراءات الإثبات للقاضي المنتدب، ومالم يقدم له منها لا يجوز عرضه على المحكمة، ويكون قرار القاضي المنتدب بشأن هذه الإجراءات واجب النفاذ، إلا أنه يكون للخصوم الحق في إعادة عرض المسائل المتعلقة بالإجراءات على المحكمة عند نظر القضية([4]).

كذلك يكون للمحكمة سلطة العدول عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب عدولها في محضر الجلسة، كما يجوز للمحكمة ألا تأخذ بنتيجة الإجراء بشرط أن تبين أسباب ذلك في حكمها.

وتلك القواعد العامة كما تسري على المحاكم النظامية فإنها تسري على هيئات التحكيم كأصل عام ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك من الطرفين، ونبين فيما يلي بعض النقاط الهامة فيما يتعلق بسلطة هيئة التحكيم بشأن أدلة الإثبات على النحو التالي:

  • المطلب الأول: سلطة هيئة التحكيم في قبول طلب اتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات.
  • المطلب الثاني: سلطة الهيئة في الأمر بأدلة الإثبات.
  • المطلب الثالث: سلطة هيئة التحكيم في تقدير الأدلة.
  • المطلب الرابع: وجوب قيام الهيئة بالكامل بإجراءات الإثبات.

المطلب الأول

سلطة هيئة التحكيم في قبول طلب اتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات

قد يقدم أحد الأطراف طلب باتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات لهيئة التحكيم، في هذه الحالة فإن لهيئة التحكيم السلطة التقديرية الكاملة في الإستجابة له أو رفضه، فلها على سبيل المثال ألا تقبل طلب سماع شاهد إذا وجدت أن سماعه غير مجد في الدعوى التي تنظرها([5]).

إلا أنه على هيئة التحكيم أن تستعمل سلطاتها هنا بحذر، فإذا قررت رفض طلب اتخاذ إجراء معين في الإثبات فإن عليها أن تسبب هذا الرفض وإلا فإن حكمها قد يعتبر منتهكاً لحق الدفاع إذا ترتب عليه إخلال بهذا الحق([6]).

وإذا حجزت الدعوى التحكيمية للحكم، وقدم أحد الأطراف طلباً بفتح باب المرافعة لاتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات كسماع شاهد أو إجراء معاينة أو إحالة إلى خبير، أو أنه قدم هذا الطلب في مذكرته في فترة حجز الدعوى للحكم.

إجابة هذا الطرف إلى طلبه في هذه الحالة قد تتوقف على الوقت الباقي من ميعاد التحكيم، فإن كان يكفي بالكاد للمداولة أو إتمام الإجراءات فإن لهيئة التحكمي رفض الطلب، أما إذا كان الميعاد ممتداً ويسمح بإتخاذ إجراءات أخرى، فإن لهيئة التحكيم بعد تقدير أن الطلب مبني على أسباب جدية أن تفتح باب المرافعة أو تقبل الطلب.

مع ملاحظة أنه إذا كانت هيئة التحكيم قد حجزت الدعوى للحكم مع السماح بالمذكرات بالنسبة لنقطة معينة، فإنها تكون محقة في رفض اتخاذ أي طلب بإجراء من إجراءات الإثبات بالنسبة لأي نقطة أخرى غير تلك التي سمحت المذكرات بإيضاحها.

والخلاصة أن لهيئة التحكميم السلطة التقديرية الكاملة في الاستجابة لطلب أحد الأطراف بإتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات أو برفض هذا الطلب، بشرط ألا تخل بحق الدفاع المقرر للأطراف، لذا فإن رفض الاستجابة لطلب أحدهم باتخاذ أحد الإجراءات يجب أن يكون مسبباً.

المطلب الثاني

سلطة هيئة التحكيم في الأمر بأدلة الإثبات

تنص قواعد اليونسترال في المادة 37 في فقرتها الثالثة على أنه يحق لهيئة التحكيم أن تطلب من الأطراف في أي وقت أثناء إجراءات التحكيم أن يقدموا خلال المدة التي تحددها وثائق أو مستندات أو أية أدلة أخرى.

ولا يشتمل نظام التحكيم السعودي على نص مقابل، ونرى – رغم عدم النص – أن تكون سلطة هيئة التحكيم بالنسبة للأمر بأدلة الإثبات هي نفس سلطة المحكمة([7])، فلهيئة التحكيم من تلقاء نفسها أن تسمع الشهود أو تعاين مكان معين أو تستعين بخبير أو خبراء، وأن توجه اليمين المتممة – لا اليمين الحاسمة – كما أن للهيئة استجواب الخصوم.

ولا تلتزم الهيئة بتسبيب ما تأمر به من إجراءات الإثبات. على أن سلطة هيئة التحكيم في هذا الشأن هي سلطة تقديرية لها، وبالتالي فلا يكون حكمها معيباً لعدم استعمالها هذه السلطة.

وإذا أمرت الهيئة بإجراء من إجراءات الإثبات مما يدخل في نطاق سلطتها الأمر به، ولم يستجب أياً من الطرفين إلى ما طلب منهن فإن الهيئة تفصل في الدعوى بالنظر إلى الأدلة المتاحة أمامها.

ولكن ليس لهيئة التحكيم أن تأمر بتحقيق واقعة خارج الوقائع التي تمسك بها أحد الأطراف مهما كان مهمة، لأن عدم تمسك أحد الأطراف بواقعة معينة يجعل إثارة هيئة التحكيم لها خروجاً على طلبات الخصوم وهو ما لا تملكه.

كما أن لهيئة التحكيم كما هو الحال بالنسبة للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات، ذلك أنه قد يقدم لها بعد الأمر بإجراء إثبات معين دليل يغني عن ذلك الأمر، أو أنها قد ترى بعد ذلك أن في الدعوى ما يكفي من الأدلة لتكوين قناعتها، ولا تلتزم الهيئة على خلاف المحكمة بتسبيب عدولها عن الأمر بإجراء إثبات معين([8]).

وإذا كانت الدعوى تقتضي القيام بإجراء إثبات في الخارج، فإنه ليس لهيئة التحكيم أن تصدر الأمر بإنابة قضائية لمحكمة في الخارج للقيام بهذا الأمر، إذ أن ذلك يكون من اختصاص قضاء الدولة المراد إتخاذ إجراء إثبات فيها بناء على طلب من هيئة التحكيم تقدمه للمحكمة المختصة بذلك في تلك الدولة.

كما إذا أرادت الهيئة سماع شاهد في الخارج أو إجراء معاينة لمكان في الخارج، على أنه يكون لما تقوم به المحكمة الأجنبية في هذا الشأن قوته في الإثبات أمام هيئة التحكيم.

المطلب الثالث

سلطة هيئة التحكيم في تقدير الأدلة

هيئة التحكيم فيما يتعلق بتقدير الأدلة المقدمة لها يكون لها نفس السلطة المقررة للمحكمة، فبالنسبة لأدلة الإثبات القانوني، كالإقرار أو الكتابة، فليس من سلطة هيئة التحكيم تقدير قوة الدليل إذ أن المشرع حدد قوة هذه الأدلة مقدماً، وبناء على ذلك تنحصر مهمة المحكم في التأكد من توافر الدليل وحينئذ عليه إعمال أثره القانوني في الإثبات.

بالنسبة لسلطة هيئة التحكيم في أدلة الإثبات الأخرى، فإن لهيئة التحكيم السلطان المطلق في تقدير الأدلة المقدمة إليها وتبني حكمها بناء على ما تطمئن إليه من أدلة، فلهيئة التحكيم تقدير قيمة الشهادة للأخذ بها من عدمه، ولها الأخذ بتقرير الخبير للأسباب الواردة به متى اطمأن إليه، ولها استنباط القرائن القضائية، التي يعتمد عليها في حكمه.

مع ملاحظة أن سلطة هيئة التحكيم في تقدير الأدلة المقدمة إليها لا تعني التعسف، بل تبني على استعمال المنطق في التقدير، سواء تقدير توافر الدليل من عدمه أو تقدير قيمته وفاعليته في الاقتناع، ولهذا فليس للمحكم في تقدير أقوال الشهود أن يستند إلى ما يخرج بها عما يؤدي إليه مدلولها أو ما يتضمن تحريفاً لها أو ما ينبني على مخالفة الثابت في الأوراق.

ولهيئة التحكيم أن توازن بين الأدلة مفضلة بعضها على بعض، فتأخذ بما اطمأنت به وتطرح ما عداه مما لم يطمئن إليه، ولا تلتزم بإبداء الأسباب التي أدت بها إلى ترجيح دليل على آخر ما دام أن حكمها يقوم على أسباب تكفي لحمله وتسوغ النتيجة النهائية له، وللهيئة أن تطرح دليلاً جاء نتيجة إجراء أمرت به دون حاجة لإبداء أسباب لذلك([9]).

المطلب الرابع

وجوب قيام الهيئة بالكامل بإجراءات الإثبات

يجب علي هيئة التحكيم أن تقوم بنفسها بإجراءات الإثبات، فليس لها أن تفوض أحد أعضائها في ذلك، ما لم يخولها القانون الذي تطبقه بالنسبة للإجراءات تلك السلطة، أو اتفق الأطراف على تخويلها هذه السلطة.

فللأطراف الاتفاق على تخويل أحد المحكمين هذه السلطة أو تخويل هيئة التحكيم سلطة تفويض أحدهم في القيام باي إجراء من إجراءات الإثبات كسماع الشهود أو الانتقال للمعاينة أو استجواب الخصوم.

ويمكن أن يتم هذا الاتفاق صراحة أو ضمناً، ويمكن أن يثبت في محضر الجلسة بموافقة جميع الأطراف أو وكلائهم في الخصومة، فإذا فوضت الهيئة أحد أو بعض أعضائها القيام بإجراء من إجراءات الإثبات دون موافقة طرفي الخصومة، فإن هذا الإجراء يكون باطلاً ولكنه لا يؤدي إلى بطلان حكم التحكيم إلا إذا كان بطلان الإجراء قد أثر في الحكم([10]). ولا يلزم لإثبات أن الإجراء قد تم بواسطة بعض المحكمين دون تفويض اتباع طريق الدفع بالتزوير، إذ أن الأمر هنا يتعلق بإثبات واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات.

المبحث الثاني

أدلة الإثبات

تمهيد وتقسيم:

إذا كان من المفترض علم القاضي والمحكم بقواعد القانون وآحكامه بوصفه رجل قانون تخصص فى دراسته وفى العمل به وأنه ليس من المفترض علمه بكافة فروع العلوم الآخرى علماً أكيداً وإلماماً بكل جوانبها، يمكنه من الفصل فيما يعرض عليه من منازعات تتعلق بهذه الفروع، لأن ذلك يعد تكليفاً بما لا يستطاع خاصة فى هذه الأيام، التى تطور فيها العلم الفني، وتقدمت فيه سبل المعرفة بصورة مذهلة فى فيتطالب التخصص فى شتى فروع المعرفة.

فإذا عرضت على المحكم مسألة يتطلب تحقيقها معرفة متعمقة تتجاوز نطاق عمله وحدود معارفه، فإن الحاجة تنشأ إلى الأستعانة بأراء المختصصين الفنيين ممن تتوافر لديهم المعرفة العلمية المتخصصة، التى تمكنهم من إجلاء الأمر فى هذه المسآلة وبيان حقيقتها الفنية .

نشرح في هذا المبحث بعض أدلة الإثبات التي تقدم أمام هيئة التحكيم على النحو الآتي:-

  • المطلب الأول: الإستعانة بالخبراء.
  • المطلب الثاني: الشهادة.
  • المطلب الثالث: المعاينة.
  • المطلب الرابع: إلزام أحد الأطراف بتقديم مستند تحت يده.
  • المطلب الخامس: الشاهد الخبير.

المطلب الأول

الإستعانة بالخبراء

الأصل أن المحكِّم هو الخبير الأول في دعوى التحكيم، فالتحكيم نزاع فني في الغالب، ولذلك يلجأ الأطراف إلى المحكِّمين لعلمهم وخبرتهم في موضوع النزاع، ولكن بما أن المحكِّم غير مصرَّح له بالقضاء بعلمه الشخصي، كما أنه قد لا يكون ملمًّا بكافة جوانب الموضوع الفنية؛ لذلك أجاز النظام لهيئة التحكيم أن تستعين بخبير أو أكثر لاستجلاء بعض جوانب موضوع النزاع الفنية.([11])

ويجب أن يتوافر في الخبير الحيدة والاستقلال كالمحكِّم تمامًا، ومن ثمَّ يجب عليه الإفصاح لهيئة التحكيم وللأطراف عن أية ظروف قد تثير الشك حول حيدته واستقلاله.

وقد نصَّت على حق هيئة التحكيم في الاستعانة بالخبراء المادة السادسة والثلاثون (فقرة 1) فقالت: “1) لهيئة التحكيم تعيين خبير أو أكثر لتقديم تقرير مكتوب أو شفهي يُثبت في محضر الجلسة في شأن مسائل معينة تحدد بقرار منها، وتبلغ به كلًّا من الطرفين، ما لم يتفقا على غير ذلك”.

وحق الاستعانة بالخبرة من سلطات هيئة التحكيم([12])، فلها ذلك من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الأطراف، كما أن لها سلطة رفض طلب أحد الأطراف الاستعانة بالخبرة دون أن يعتبر ذلك إخلالًا بحق الدفاع، ومتى ما رأت أنَّ ما تم تقديمه في الدعوى كافٍ لتكوين عقيدتها حول الفصل في الموضوع.

غير أنه إذا اتفق الأطراف على إلزام الهيئة الاستعانة بأهل الخبرة أو عدم تعيينهم، وجب الالتزام بذلك.

  • كيفية تعيين الخبير:

عند التمعُّن في الفقرة (1) من المادة السادسة والثلاثين، نجد أنها قد نصت على أن يكون تعيين الخبير بأن تصدر الهيئة قرارًا بذلك، ويثبت في محضر الجلسة.

ويتضمن هذا القرار البيانات التالية:

  1. تحديد المسائل التي تشكل مأمورية الخبير.
  2. صلاحيات الخبير وسلطاته.
  3. موعد ابتداء وانتهاء مهمته.
  4. تعيين اسم الخبير، وتحديد أتعابه، وتحديد مصروفات الخبرة.

– وفي حال تعدُّد الخبراء تحدِّد الهيئة طريقة عملهم.

– ويجب أن يبلغ الأطراف بقرار هيئة التحكيم الاستعانة بأهل الخبرة.

وهذا ما حددته الفقرة الاولى من المادة الثانية عشرة من اللائحة التنفيذية و ذلك بنصها ” على هيئة التحكيم أن تبين فى قرارها المتعلق بتعيين الخبير مهمته والتدابير العاجلة التى يؤذن له فىاتخاذها، والميعاد المحدد لإيداع التقرير، وتقدير اتعابه ، ومبلغ السلفة الذى يودع لحساب مصروفات الخبير-عند الاقتضاء-والطرف المكلف بإيداعها والميعاد المحدد لذلك.

كيفية مباشرة الخبير مهمته:

يلتزم الخبير أثناء مباشرته لمأموريته بضرورة احترام مبدأ المواجهة، فتكون مباشرته بحضور أطراف التحكيم لكل إجراء أو اجتماع يعقده. ويجب أن يلتزم باحترام مبادئ التقاضي الأساسية؛ كمبدأ المساواة، ومبدأ احترام حق الدفاع.

فقد نصت المادة السادسة والثلاثون فقرة (2) على أنه: “على كلٍّ من الطرفين أن يقدِّم إلى الخبير المعلومات المتعلقة بالنزاع، وأن يُمكِّنه من معاينة وفحص ما يطلبه من وثائق أو سلع أو أموال أخرى متعلقة بالنزاع”.([13])

وهذا الالتزام على طرفي التحكيم يوجب التزامًا على الخبير بأن يعلن الأطراف بموعد بدء أعماله، وأن يمنحهم الوقت المناسب لتقديم ما لديهم من أدلة.

وعندئذٍ يكون على الأطراف أن يقدموا إلى الخبير المعلومات المتعلقة بالنزاع، وتمكينه من معاينة وفحص ما يطلبه من وثائق أو سلع أو أموال أخرى متعلقة بالنزاع.

كما حددت المادة السادسة والثلاثون (فقرة 2) طريقة حل الخلاف ـ إن ثار ـ بين الخبير وأحد أطراف التحكيم في شأن مأموريته، فيكون ذلك بقرار من هيئة التحكيم، ويكون قرارها نهائيًّا باتًّا غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن؛ وذلك لحماية التحكيم من التعطيل.

ولا يعد الخبير ملزماً بأداء مهمته في حالة تخلف الطرف المكلف بإيداع مبلغ السلفة الذى يودع لحساب مصروفاته ، ولقد نصت على ذلك اللائحة التنفيذية في الفقرة الثانية من المادة الثالثة عشرة بأنه ” في حال تخلف الطرف المكلف بإيداع مبلغ السلفة ، ولم يبادر الطرف الآخر بإيداعه، يعد الخبير غير ملزم بأداء مهمته ، ولهيئة التحكيم المضي في الإجراءات ، وليس للطرف الكلف أن يتمسك بالقرار الصادر بتعيين الخبير إذا وجدت هيئة التحكيم أن تخلفه عن الإيداع كان بغير عذر مقبول “.

  • حق أطراف التحكيم في مناقشة التقرير:

وذلك وفقًا لما نصت عليه المادة السادسة والثلاثون (فقرة 3) من أن: “ترسل هيئة التحكيم صورة من تقرير الخبير بمجرد إيداعه لديها إلى كلٍّ من الطرفين، مع إتاحة الفرصة له لإبداء رأيه فيه، ولكليهما الحق في الاطِّلاع على الوثائق التي استند إليها الخبير في تقريره وفحصها، ويصدر الخبير تقريره النهائي بعد الاطلاع على ما أبداه طرفا التحكيم حوله”.([14])

يتضح لنا أن الخبير يقدم رأيه على مرحلتين؛ وهما:

المرحلة الأولى: التقرير المبدئي؛ وهو الذي يودعه لدى هيئة التحكيم بعد المعاينة، وبعد فحص جميع المستندات والوثائق التي قدمت له، فتقوم الهيئة بإرسال صورة من هذا التقرير لأطراف التحكيم، وتمكينهم من إبداء رأيهم فيه([15])،بل والاطلاع على الوثائق التي استند إليها الخبير في تكوين عقيدته، وفحص هذه الوثائق، وهذا يقتضي منح الأطراف وقتًا مناسبًا لذلك.

وبعد ذلك، لهيئة التحكيم أن تقبل اعتراضات الأطراف ورأيهم مكتوبًا، وتعطيه للخبير، أو أن تحدد جلسة لسماع رأي الخبير، وتقوم هيئة التحكيم والأطراف بمناقشة تقريره.

وقد نصت الفقرة (4) من المادة السادسة والثلاثين على أنه: “لهيئة التحكيم بعد تقرير الخبير أن تقرر من تلقاء نفسها، أو بناءً على طلب أحد طرفي التحكيم، عقد جلسة لسماع أقوال الخبير، مع إتاحة الفرصة للطرفين لسماعه ومناقشته في شأن ما ورد في تقريره”.([16])

المرحلة الثانية: التقرير النهائي؛ وهو الذي يصدره الخبير بعد الاطلاع على ما أبداه طرفا التحكيم من ملاحظات ومناقشات على تقريره المبدئي.

وحسناً فعلت اللائحة التنفيذية فى تبيانها انه فى حالة تخلف الخبير عن إيداع تقريره فى الميعاد المحدد دون عذر مقبول فإنه يكون لهيئة التحكيم أن تستبدله حيث نصت فى الفقرة (3) من المادة الثانية عشرة على انه ” لهيئة التحكيم أن تستبدل الخبير أو تتخذ ما تراه مناسباً عند تخلفه عن إيداع تقريره فى الميعاد المحددبغيرعذر مقبول “

  • مدى الزامية رأي الخبير لهيئة التحكيم:

رأي الخبير هو رأي استشاري غير مُلزِم لهيئة التحكيم، ويخضع وزن قوته لسلطتها التقديرية.

ولهيئة التحكيم أن تأمر الخبير بتقديم تقرير تكميلي، ولها أن تأخذ بالتقرير، ولها أن تأخذ بجزء منه فقط، فقناعة هيئة التحكيم بالتقرير أنه متفق مع وجه الحق في الدعوى، وأنه قائم على أسباب لها أصلها في الأوراق هي المعول عليها. أما تقرير الخبير فلا يعدو أن يكون وسيلة من وسائل الإثبات الواقعية في الدعوى.

وينبغي للقاضي وللمحكِّم الانتباه إلى عدة مسائل حول مستوى العون الحقيقي الذي يقدمه الخبراء في الدعاوى، فمن التجربة تبينت عدة جوانب قصورٍ نشير إليها بإيجاز؛ وهي:

  1. إذا كان الخبير هو عبارة عن بيت من البيوت الاستشارية، فإنه يتم إسناد الفحص وتقديم الرأي إلى عدة خبراء قد لا تتساوى خبرتهم، فيكون تقريرهم غير مترابط فنيًّا ولا حتى منطقيًّا.

فهذه البيوت الاستشارية (وإن كانت معروفة) تضم مستويات مختلفة ومتفاوتة من الخبراء من حيث التمكُّن من الصنعة، ففيهم الضعيف وفيهم القوي؛ لذلك يجب الانتباه وتمحيص التقرير دون الركون إلى اسم من قام بإعداده.

  1. يتكرر في تقارير الخبراء عدم قطع النزاع برأي واضح ومحدد؛ إما خوفًا من المسئولية، أو مجاملة لزملائهم الفنيين الذين قاموا بالعمل المختلف حوله.
  2. إذا كان هناك أكثر من خبير، فقد تأتي تقاريرهم متفاوتة في تقدير حجم التعويض الجابر للضرر، أو في حساب الكميات، أو في تقدير الخسائر، لذلك يجب على القاضي والمحكِّم أن يتجنَّبا التقديرات المبالغ فيها صعودًا أو هبوطًا.

ولا يعني ما سبق اتهام بعدم الإنصاف، وإنما المراد توضيح أن الخلاف في الأمور الفنية وارد، وهي ليست ثابتة، أو واضحة، وتختلف باختلاف الثقافات والبيئات المحيطة بالمشروع، فتختلف فيها وجهات النظر.([17])

المطلب الثاني

الشهادة

لأي طرف من أطراف التحكيم أن يطلب سماع شهود وعليه أن يحدد في طلبه الوقائع التي يطلب سماع الشهود بشأنها، ولا تلتزم هيئة التحكيم بإجابة طلب سماع الشاهد إذ أن لها السلطة التقديرية في ذلك، إلا أنها تكون ملزمة بسماعه إذ اتفق الطرفان على وجوب سماع ذلك الشاهد.

ولا يجب لسماع الشهود إصدار حكم تمهيدي بذلك، إلا أن الهيئة يجب أن تحدد – إحتراماً لحق الدفاع – الوقائع التي ترى سماع الشهود بشأنها وأن تعين أشخاص الشهود، وأن يمكن الأطراف من مناقشة الشهود ومن تقديم شهود نفي، وأن تثبت أقوال الشهود في محضر الجلسة، وإذا سمعت الهيئة الشهود فإنها يجب أن تسمعهم في حضور جميع أعضاء هيئة التحكيم وفي حضور الأطراف.

ولا يجوز لهيئة التحكيم سماع الشهود دون حضور جميع الأطراف أو دعوتهم للحضور، فإذا قامت الهيئة بدعوتهم ولم يحضروا فيجب إرسال صورة من المحضر المثبت لأقوال الشهود إليهم وإعطائهم الفرصة في مناقشة تلك الأقوال وإلا كان الحكم المبني على هذه الأقوال باطلاً([18]).

وقد جرى العمل في التحكيم التجاري الدولي على أن تطلب هيئة التحكيم من الشهود كتابة الأقوال قبل سماعها، وأن يتم تبادل هذه الكتابة بين الطرفين، وحين يحضر الشاهد يسأله المحامي إذا كان مصراً على ما جاء بكتابته أم إذا كان يريد الإضافة إليها، وميزة هذه الطريقة هي اختصار وقت سماع الشاهد أمام الهيئة، ومعاونة هيئة التحكيم لوجود الشهادة المكتوبة، وتيسير قيام الطرف الآخر بمناقشة الشاهد في شهادته.

الشهادة الشفوية:

وهي الأصل في الشهادة أن تكون شفهية، ويجب أن تقوم هيئة التحكيم بتحليف الشهود اليمين، فالنظام السعودي يتطلب سماع الشهود حسب الأصول الشرعية، والمادة 31 من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي السابق نصت على أن هيئة التحكيم تسمع أقوال الشاهد حسب الأصول الشرعية.

ومن الأصول الشرعية وجوب تحليف الشاهد اليمين، وقد يحصل أن تستمع هيئة التحكيم للشاهد دون حلف اليمين مما يثير التساؤل عن أثر ذلك على العملية التحكيمية.

نرى أن النص على وجوب حلف الشاهد لليمين هو من النظام العام الذي لا يجوز مخالفته، ويكون حكم التحكيم باطلاً على أساس بطلان إجراءات التحقيق بطلاناً أثر في الحكم، ولكن نرى أن ذلك الحكم ينحصر في الأحوال التي يكون فيها للشهادة أثر في الحكم، أما إذا لم يكن لها أثر فيه بحيث صدر الحكم دون الاستناد إليها، وإنما استناداً لأدلة أخرى كافية لإصداره، فلا يكون الحكم قابلاً للإبطال([19]).

كما نرى أن حلف اليمين محصور في الشاهد ولا يشمل الخبير، بحيث يمكن لهيئة التحكيم الاستناد للخبرة في حكمها دون تحليف الخبير اليمين.

الشهادة الخطية:

وهذا الاتجاه أخذ ينمو أكثر فأكثر بالنسبة للشهادة سواء أمام المحاكم أو هيئات التحكيم، ويتعلق هذا الاتجاه بالشهادة الخطية المشفوعة بالقسم، فقد كان الاتجاه السائد أن الشهادة تؤدى شفاهة، وأنه لا يجوز للشاهد عموماً الإستعانة بمفكرات مكتوبة عند الإدلاء بشهادته، وينجم عن ذلك أن تقديم الشاهد لشهادته خطياً غير مقبول، حتى لو حلف اليمين عند تنظيم مستند الشهادة أمام الجهة المختصة.

وأدت هذه القاعدة إلى مشقة كبيرة خاصة في القضايا الدولية، أو التي يكون فيها عنصر أجنبي، ففي هذه الحالة قد يكون الشاهد أجنبياً أو مقيماً في الخارج مما يستوجب حضوره لمكان المحاكمة مما يرتب جهد ووقت ونفقات غير مبررة في كثير من الأحيان([20]).

ولتفادي ذلك أصبحت الشهادة الخطية تحت القسم مقبولة بالنسبة للتحكيم في الحياة العملية، ولم ينص نظام التحكيم السعودي على جواز مثل هذه الشهادة في التحكيم إلا أننا نميل لجوازها ما لم يوجد نص يمنعها، ولكن من حق أحد الأطراف أن يطلب حضور الشاهد لمناقشته وعلى هيئة التحكيم الإستجابة لذلك إذا كان الطلب مبرراً بصورة معقولة وإلا كانت مخلة بحق الدفاع.

وإذا كلفته الهيئة بالحضور ولم يحضر، ولم يكن بمقدور الهيئة إحضاره لسبب أو لآخر، فإنه يجب على الهيئة استبعاد شهادته وعدم الاستناد إليها في الحكم، ما لم تكن مدعمة ببيانات أخرى بما فيها القرائن.

المطلب الثالث

المعاينة

المعاينة، كأحد أدلة الإثبات في التحكيم التجاري الدولي، من الأمور المألوفة في العمل، لا سيما في عقود المقاولات، والإنشاءات الدولية.

منحت المادة الثامنة والعشرون من نظام التحكيم السعودي السلطة لهيئة التحكيم في أن تجتمع في أي مكان تراه لمعاينة محل النزاع حيث نصت على ” … لا يخل ذلك بسلطة هيئة التحكيم في أن تجتمع في أي مكان تراه مناسباً للمداولة بين أعضائها، ولسماع أقوال الشهود، أو الخبراء، أو طرفي النزاع، أو لمعاينة محل النزاع، أو لفحص المستندات والإطلاع عليها”.

فلهيئة التحكيم بالتالي نفس السلطة المقررة للمحاكم في الانتقال للمعاينة، ومتى قررت هيئة التحكيم الانتقال للمعاينة فعليها في هذه الحالة أن تخطر جميع الأطراف بذلك، وتحدد في الإعلان ميعاد مكان المعاينة، كما يجب الهيئة تحرير محضر بالمعاينة، تمكن منه الأطراف، فإذا أغفلت هيئة التحكيم القيام بأي إجراء من إجراءات المعاينة على نحو ما سلف، كان حكمها باطلاً إذا استند إلى معاينة ذات إجراءات معيبة.

المطلب الرابع

إلزام أحد الأطراف بتقديم مستند تحت يده

لهيئة التحكيم بناء على طلب أي من الطرفين أن تكلف الطرف الآخر بتقديم مستند تحت يديه، ولا يجوز لهيئة التحكيم إلزام الغير الذي ليس طرفاً في خصومة التحكيم بتقديم مستند تحت يديه، ذلك أنه ليس لهيئة التحكيم ولاية على غير أطراف التحكيم.

على أنه إذا قام ذلك الغير الذي طلبت منه هيئة التحكيم تقديم مستند تحت يديه وقام بتقديمه بالفعل، فإن لهيئة التحكيم بعد إرساله إلى الطرفين الاعتداد به في التحكيم([21]).

كما أنه إذا لم يلتزم الخصم لتكليف الهيئة بتقديم مستند تحت يديه، فليس للهيئة أن تلزمه بتقديمه إذ أن ليس لها سلطة الأمر، وإنما يجوز للهيئة نظر الدعوى بافتراض عدم وجود هذا المستند، إذ تنص المادة الخامسة والثلاثين من نظام التحكيم السعودي على أنه ” إذا تخلف أحد الطرفين عن حضور إحدى الجلسات – بعد تبلغيه – أو عن تقديم ما طلب منه من مستندات، جاز لهيئة التحكيم الاستمرار في إجراءات التحكيم، وإصدار حكم في النزاع استناداً إلى عناصر الإثبات الموجودة أمامها”.

على أنه يجوز للطرفين الاتفاق على تخويل هيئة التحكيم سلطة إلزام أي من الطرفين بتقديم مستندات وفقاً لسلطة الإجبار المنصوص عليها في قوانين الإثبات، إذ أن الأصل أن للأطراف الاتفاق على ما يريانه من إجراءات الإثبات.

المطلب الخامس

الشاهد الخبير

الأصل في الشاهد أن يشهد بالنسبة لما يعرفه عن الوقائع المادية، فليس له أن يبدي رأياً بالنسبة لهذه الوقائع، ولكن جرى العمل في التحكيم على أن يدعى شخص فني لإعطاء شهادته في مسألة فنية باعتباره خبيراً فيها.

ومثل هذا الشخص وإن سمي شاهداً، إلا أنه يعتبر خبيراً، وبالتالي يخضع لما ينظمه قانون التحكيم بالنسبة للخبير منقواعد وإجراءات، وتكون مهمته تزويد المحكم بالمعرفة الفنية بالنسبة لما يشهد به، ويخضع رأيه لتقدير المحكم شأنه شأن أي خبير فني بإعتبار المحكم هو الخبير الأعلى، فليس لرأيه القيمة التي لشهادة الشهود في إثبات الوقائع([22]).

خاتمــــــة

هذا وبعد أن وصلنا إلى نهاية المطاف في هذا البحث فإنه من المعلوم أن هيئة التحكيم تقوم بإدارة النزاع وفقاً لما يتم تحديده من قبل إرادة الأطراف، فإذا تم الاتفاق على إخضاع التحكيم لقانون معين فيما يتعلق بقواعد الإثبات، وجب مراعاة نصوص هذا القانون، وإذا ترك ذلك لهيئة التحكيم فلها ان تختار قانوناً معيناً، ولها أن تضع قواعد يتم الاتفاق عليها فيما بين الهيئة والأطراف المحكمين.

وبالنسبة لنظام التحكيم السعودي فقد عنى بمسألة الاثبات في الدعوى التحكيمية لما يمثله ذلك من خصوصية، وفي سبيل ذلك اتضح لنا عدد من النتائج والتوصيات نجملها فيما يلي:

  • يجوز للأطراف الاتفاق على عدم تطبيق القواعد القانونية المتعلقة بالإثبات بالنسبة لقبول الدليل أو بالنسبة لقوة الدليل في الإثبات.
  • الأحكام التي تصدر بإتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات لا يلزم أن تكون مسببة لأنها لم تتضمن قضاء قطعياً، ويقوم القاضي بتعيين تاريخ إجراء الإثبات وإلا كان العمل باطلاً. فلا تلتزم الهيئة بتسبيب ما تأمر به من إجراءات الإثبات. على أن سلطة هيئة التحكيم في هذا الشأن هي سلطة تقديرية لها، وبالتالي فلا يكون حكمها معيباً لعدم استعمالها هذه السلطة.
  • للمحكمة سلطة العدول عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب عدولها في محضر الجلسة، كما يجوز للمحكمة ألا تأخذ بنتيجة الإجراء بشرط أن تبين أسباب ذلك في حكمها.
  • إذا قررت هيئة التحكيم رفض طلب اتخاذ إجراء معين في الإثبات فإن عليها أن تسبب هذا الرفض وإلا فإن حكمها قد يعتبر منتهكاً لحق الدفاع إذا ترتب عليه إخلال بهذا الحق.
  • سلطة هيئة التحكيم في تقدير الأدلة المقدمة إليها لا تعني التعسف، بل تبني على استعمال المنطق في التقدير، سواء تقدير توافر الدليل من عدمه أو تقدير قيمته وفاعليته في الاقتناع، ولهذا فليس للمحكم في تقدير أقوال الشهود أن يستند إلى ما يخرج بها عما يؤدي إليه مدلولها أو ما يتضمن تحريفاً لها أو ما ينبني على مخالفة الثابت في الأوراق.
  • وقد جرى العمل في التحكيم التجاري الدولي على أن تطلب هيئة التحكيم من الشهود كتابة الأقوال قبل سماعها، وأن يتم تبادل هذه الكتابة بين الطرفين، وحين يحضر الشاهد يسأله المحامي إذا كان مصراً على ما جاء بكتابته أم إذا كان يريد الإضافة إليها، وميزة هذه الطريقة هي اختصار وقت سماع الشاهد أمام الهيئة، ومعاونة هيئة التحكيم لوجود الشهادة المكتوبة، وتيسير قيام الطرف الآخر بمناقشة الشاهد في شهادته.
  • لهيئة التحكيم بناء على طلب أي من الطرفين أن تكلف الطرف الآخر بتقديم مستند تحت يديه، ولا يجوز لهيئة التحكيم إلزام الغير الذي ليس طرفاً في خصومة التحكيم بتقديم مستند تحت يديه، ذلك أنه ليس لهيئة التحكيم ولاية على غير أطراف التحكيم.

قائمة المراجع

  • أحمد السيد صاوي:

الوجيز في التحكيم طبقًا للقانون رقم 27 لسنة 1994، دار النهضة العربية، 2010.

  • أحمد محمد الصادق:

المرجع العام في التحكيم المصري والعربي والدولي، دار أبو المجد للطباعة، الطبعة الأولى، 2008.

  • حمزة أحمد حداد:

التحكيم في القوانين العربية، دار الثقافة للنشر، 2014.

طارق فهمي الغنام:

التنظيم القانوني للمحكِّم، الطبعة الأولى، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، 1436هـ-، 2015م.

  • عاشور مبروك:

النظام الإجرائي لخصومة التحكيم، دراسة تحليلية وفقاً لأحدث التشريعات والنظم المعاصرة، الطبعة الثانية، مكتبة الجلاء الجديدة، المنصورة، 1998.

  • علي بن عبد العزيز بن محمد الراجحي:

أحكام المواعيد الإجرائية وأثرها على اتفاق التحكيم في نظام التحكيم السعودي. دراسة مقارنة، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العام 1434هـ -1435هـ.

  • على رمضان على بركات:

الوسيط في شرح نظام القضاء السعودي الجديد رقم 78لسنة 1428هــ، مكتبة القانون والاقتصاد، الرياض، 2015.

  • فارس محمد عمران:

موسوعة الفارس، قوانين ونظم التحكيم بالدول العربية والخليجية ودول أخرى، الجزء الثاني، ط2، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2015.

  • فتحي والي:

قانون التحكيم في النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى، منشأة المعارف، 2006.

  • فوزي محمد سامي:

التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الثالثة، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1995، ص361.

الهوامش:

  1. () على رمضان على بركات: الوسيط في شرح نظام القضاء السعودي الجديد رقم 78لسنة 1428هــ، مكتبة القانون والاقتصاد، الرياض، 2015، ص123.
  2. () فارس محمد عمران: موسوعة الفارس، قوانين ونظم التحكيم بالدول العربية والخليجية ودول أخرى، الجزء الثاني، ط2، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2015، ص67.
  3. () فتحي والي: قانون التحكيم في النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى، منشأة المعارف، 2006.، ص463.
  4. () طارق فهمي الغنام: التنظيم القانوني للمحكِّم، الطبعة الأولى، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، 1436هـ-، 2015م، ص25.
  5. () علي بن عبد العزيز بن محمد الراجحي: أحكام المواعيد الإجرائية وأثرها على اتفاق التحكيم في نظام التحكيم السعودي.. دراسة مقارنة، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العام 1434هـ -1435هـ، ص47.
  6. () أحمد السيد صاوي: الوجيز في التحكيم طبقًا للقانون رقم 27 لسنة 1994، دار النهضة العربية، 2010، ص133.
  7. () فتحي والي: مرجع سابق، ص465.
  8. () فوزي محمد سامي: التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الثالثة، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1995، ص361.
  9. () فتحي والي: مرجع سابق، ص467.
  10. () فتحي والي: مرجع سابق، ص469.
  11. () فمن المستقر عليه قضاءً الهدف من ندب خبير في الدعوى هو الاستعانة برأيه في مسألة فنية لا يستطيع القاضي البتَّ فيها؛ مما لازمه أن يباشرالمأمورية خبير متخصص في المسألة التي ندب للرأي فيها.طعن رقم 1128 لسنة 53 ق، جلسة 19/2/1986 س 437، ص223، مشار إليه في: المستشار/ أحمد محمد الصادق: المرجع العام في التحكيم المصري والعربي والدولي، دار أبو المجد للطباعة، الطبعة الأولى، 2008، ص86- 90.
  12. () انظر: المستشار/ أحمد محمد الصادق:المرجع العام في التحكيم، مرجع سابق، ص90.
  13. () نظير هذه المادة في قانون التحكيم النموذجي “اليونسترال” هو المادة (26/ب)، وفي قانون التحكيم المصري المادة (36/2).
  14. () نظير هذه المادة في قانون التحكيم النموذجي “اليونسترال” هو المادة (26/2)، وفي قانون التحكيم المصري المادة (36/3).
  15. () انظر:المستشار / أحمد الصادق: المرجع العام في التحكيم، مرجع سابق، ص90.
  16. () نظير هذه المادة في قانون التحكيم النموذجي “اليونسترال” هو المادة (26/2)، وفي قانون التحكيم المصري المادة (36/4).
  17. () عاشور مبروك: النظام الإجرائي لخصومة التحكيم، دراسة تحليلية وفقاً لأحدث التشريعات والنظم المعاصرة، الطبعة الثانية، مكتبة الجلاء الجديدة ، المنصورة، 1998، ص310.
  18. () فتحي والي: مرجع سابق، ص474.
  19. () حمزة أحمد حداد: التحكيم في القوانين العربية، دار الثقافة للنشر، 2014، ص345.
  20. () حمزه أحمد حداد: مرجع سابق، ص346.
  21. () فتحي والي، مرجع سابق، ص470.
  22. () فتحي والي، مرجع سابق، ص480.