الجزاءات الإدارية (دراسة تحليلية مقارنة)

د. فرج سالم محمد الأوجلي1

1 كلية القانون، جامعة بنغازي، ليبيا.     بريد الكتروني: farag.alaugeli@yahoo.com

HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/19

تنزيل الملف           تاريخ النشر: 01/05/2024م تاريخ القبول: 15/04/2024م

المستخلص

يتناول هذا البحث دراسة الجزاءات الإدارية بوصفها أحد بدائل العقوبات الجنائية توقعها جهة الإدارة على المخالفين من الأفراد والمؤسسات في غير مجالي التأديب والعقود الإدارية بمقتضى قرارات إدارية ذات طابع جزائي، بهدف الحد من تدخل القانون الجنائي وعدم ملاءمة عقوباته للضبط الإداري في العديد من المجالات والأنشطة التي تشرف عليها جهة الإدارة – ومن خلال هذه الدراسة نتعرف على ماهية الجزاءات الإدارية وخصائصها وصورها وسلسلة الإجراءات المتبعة لفرضها والقيود والرقابة الخاضعة لها بما يكفل مشروعيتها وتحقيق أهدافها.

Research title

Administrative penalties

(comparative analytical study)

Dr. Faraj Salem Mohammed Al-Awjali1

star_border

1 Faculty of Law, University of Benghazi, Libya.

Email: farag.alaugeli@yahoo.com

HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/19

Published at 01/05/2024 Accepted at 15/04/2024

Abstract

This research deals with the study of administrative sanctions as one of alternative sanctions as one of alternative of criminal penalties imposed by administration against violators from individuals and institutions in non-disciplinary and administrative contracts according to admirative decisions of punitive nature with the aim of limiting the disruption of the criminal law to restrict it for certain consideration by placing restrictions on this freedom in normal and exceptional circumstances, and through this study we stand on the concept freedom of movement, its images and characteristics and restrictions impose on if in normal and exceptional circumstances, and the deviation of the executive authority that occurs when these restrictions are imposed and applied in a way that exceeds its purpose and knowledge of the portion established for the freedom of movement of citizens and the guarantees that guarantee the legitimacy of the laws regulating them and the correctness of imposing restrictions on them and the soundness of their application.

مقدمــة

لجأت العديد من التشريعات المعاصرة إلى الجزاءات الإدارية لمواجهة الأفعال غير المشروعة في العديد من المجالات للتخفيف من وطأة تدخل القانون الجنائي، نظرًا لما تنطوي عليه بعض العقوبات الجنائية من شدة وعدم تناسب بعضها الآخر مع طبيعة العمل غير المشروع، وعدم توفيرها الحماية اللازمة لبعض المصالح. وإن الضمير الاجتماعي أصبح يستهجن العقوبات الجنائية السالبة للحرية قصيرة المدة، ولا تحقق أغراضها في العديد من المجالات، وأصبحت الجرائم المعاقب عليها بهذه العقوبة تثقل كاهل القضاء، مما يتعين إخراجها من قانون العقوبات، واعتبارها جرائم إدارية تتولى جهة الإدارة مهمة العقاب عليها، إذ بإمكان الجزاءات الإدارية تقديم حلول بديلة عن العقوبات الجنائية، خاصة في الجرائم التي لا تشكل مساسًا كبيرًا بالمصالح الاجتماعية، وعلى ذلك اتجهت كثيرًا من التشريعات المعاصرة إلى وضع نظام قانوني للعقاب الإداري (الجزاءات الإدارية) يحقق الموازنة بين تقرير سلطة العقاب لجهة الإدارة وبين المحافظة على الحقوق والحريات بوضع ضوابط تضمن مشروعية قرارات الجزاءات الإدارية، ذلك إن اعتراف المشرع للإدارة بسلطة توقيع جزاءات إدارية بقرارات إدارية تصدرها الإدارة منفردة على المخالفين للالتزامات المفروضة عليهم في غير مجال التأديب الوظيفي والعقود الإدارية، يتعين أن يكون في المجالات التي يحددها القانون، وعلى أساس سلامة ومشروعية قرارات الجزاءات الإدارية.

أهمية الدراسة:-

تظهر أهمية البحث في أنه يتناول موضوعًا حديثًا من موضوعات القانون الإداري تنهجه بعض التشريعات الحديثة، والذي يمثل إضافة جديدة لامتيازات السلطة التنفيذية في حماية بعض المصالح بمعاقبة المخالفين للقوانين واللوائح في بعض المجالات، وتوجهًا نحو الحد من تدخل قانون العقوبات في حماية هذه المصالح. وبحلول الجزاءات الإدارية محل العقوبات الجنائية في بعض الجرائم التي لا تمثل مساسًا جسيمًا بالمصالح المجتمعية، ولا تحقق فيها العقوبات الجنائية غرضها في تحقيق الردع الخاص والعام. مع بيان ما تخضع له القرارات الإدارية بتوقيع جزاءات إدارية من ضوابط وضمانات لمنع تعسف الإدارة لسلطتها عند توليها توقيع هذه الجزاءات.

إشكالية البحث:-

يثير بحث موضوع الجزاءات الإدارية باعتباره نظامًا قانونيًا خاصًا تتبعه بعض التشريعات الحديثة إشكالية ما مدى ما يحققه تمتع جهة الإدارة بصلاحيات توقيع الجزاءات الإدارية على المخالفين في غير مجالي التأديب الوظيفي والعقود الإدارية من ردع للمخالفين، والحد من تدخل قانون العقوبات في العديد من الجرائم، وما يحققه هذا التوجه من مصلحة للمجتمع.

منهج الدراسة:-

إن البحث في موضوع الجزاءات الإدارية يقتضي تحليل النصوص القانونية والآراء الفقهية والأحكام القضائية المتعلقة بهذا النظام ودراسة الأنظمة القانونية التي تتبنى هذا النظام العقابي الإداري كالتشريع الفرنسي والجزائري، وآلية الرقابة على قرارات الجزاءات الإدارية.

تقسيم الدراسة:-

سنقسم هذا البحث إلى ثلاثة مطالب على النحو الآتي:-

المطلب الأول:- وعنوانه:- ماهية النظام العقابي الإداري. وسندرس فيه التعريف بالجزاءات الإدارية وخصائصها وتمييزها من غيرها من الجزاءات.

المطلب الثاني:- وعنوانه:- مبررات ومجالات وصور الجزاءات الإدارية، وسندرس فيه مبررات الأخذ بالنظام العقابي الإداري، والمجالات التي يمكن تطبيق هذا النظام فيها، وصور الجزاءات الإدارية التي يحق لجهة الإدارة توقيعها.

المطلب الثالث:- وعنوانه:- ضوابط وضمانات توقيع الجزاءات الإدارية وسندرس فيه الجهة المختصة بتوقيع الجزاءات الإدارية والضوابط والضمانات التي وضعها المشرع لضمان مشروعية هذه الجزاءات وعدم تعسف جهة الإدارة في إصدارها.

الجزاءات الإدارية

تمهيد وتقسيم:

إن النظرة الحديثة للمسئولية الجنائية لم تعد تنحصر في توقيع العقوبات التقليدية التي ينص عليها قانون العقوبات، ذلك أن هذه العقوبات لم تعد قادرة على مواجهة الجريمة ووقاية المجتمع منها، وعلى وجه الخصوص الحبس قصير المدة، الأمر الذي دفع العديد من المشرعين إلى إقرار بدائل لهذه العقوبة، فنص المشرع الألماني في المادة 47 من قانون العقوبات إلى إحلال الغرامة اليومية كقاعدة عامة محل الحبس الذي تقل مدته عن ستة أشهر، ونص المشرع الإيطالي في المادة 47 من قانون السجون إلى استبدال الحبس قصير المدة بالاختيار القضائي والحبس المنزلي([1]). كذلك نص المشرع الفرنسي في قانون العقوبات الجديد على عدة بدائل لعقوبة الحبس كالعمل للمصلحة العامة وعقوبة الغرامة اليومية وسحب التراخيص وإغلاق المحال. وجواز استبدال بعض العقوبات التكميلية بالحبس قصير المدة بحيث تقضي بها المحكمة كعقوبة أصلية([2]). وذهبت هذه التشريعات وغيرها إلى أبعد من ذلك باتباع نظام بدائل الدعوى الجنائية في الجرائم قليلة الخطورة، بتخويل جهة الإدارة توقيع الجزاء على المخالف، وذلك لتفادي سلبيات العقوبات الجنائية ومساوئ عقوبة الحبس قصير المدة وضعف قيمته الردعية وتعارضه مع مقتضيات العدالة وتحقيق الردع العام والردع الخاص، وأصبح لهذا النوع من الجزاء مكانة أساسية في مجال السياسة الجنائية واستخدامًا متزايدًا في العديد من التشريعات الحديثة، بأن تتحول العقوبات الجنائية في العديد من المجالات إلى نمط آخر من الجزاءات أكثر فعالية وأقل تصادمًا مع حقوق الإنسان تتولاه جهة الإدارة بدلاً من السلطة القضائية، وتكون الجزاءات الإدارية أحد مظاهر الردع الاجتماعى إزاء طائفة من الجرائم يحددها المشروع وفق سياسة جنائية معينة في مجال التجريم والعقاب. ومن خلال ذلك سنقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب على النحو الآتي:-

المطلب الأول : ماهية الجزاءات الإدارية

المطلب الثاني : مبررات ومجالات وصور الجزاءات الإدارية

المطلب الثالث : ضوابط وضمانات توقيع الجزاءات الإدارية

المطلب الأول

ماهية الجزاءات الإدارية

فكرة الجزاءات الإدارية بوصفها أحد بدائل العقوبات الجنائية التي وردت في المؤتمر السادس عشر للجمعية الدولية لقانون العقوبات المنعقد في فيينا سنة 1989م ليست بجديدة، فكان الملوك والأمراء قديمًا في فرنسا يتمتعون بسلطات واسعة تجاه رعايا الدولة تسمح لهم بتوقيع العقوبات على المخالفين لبعض القوانين أسوة بالسلطات الممنوحة لبعض المرافق العامة([3]).

وبمرور الزمن اتسع نطاق سلطة الإدارة في توقيع الجزاءات الإدارية من خلال اختصاصها بتنظيم العديد من القطاعات والعمل على تحقيق أهدافها وضمان احترامها. ومن ثم تبلورت سلطة الإدارة في توقيع الجزاء في ضرورة قيامها بهذا الإجراء في مجالات تستأثر بها السلطة القضائية، ولم تعد تنحصر في إطار العلاقة بين الإدارة وموظفيها أو المتعاقدين معها. بل اتسعت لتشمل مجالات عدة يجوز فيها للسلطة الإدارية مجازاة المخالفين للقوانين أو اللوائح، وهذا التوسع تخطى الجزاء الإداري للموظفين أو الأفراد المرتبطين بالإدارة، ولم يعد من السهل تحديد ماهيته، إذ لم يقتصر مضمون العقاب عن مخالفة تأديبية أو تعاقدية، إنما يستهدف العقاب عن جريمة إزاء الرغبة في الحد من العقاب الجنائي، وهذا بدون شك تعبير للجزاءات الإدارية يكتنفه الغموض من حيث ذاتيها وعناصرها، يجعلها تحمل عدة معان وتعريفات، لهذا السبب ينبغي علينا تحديد معنى الجزاءات الإدارية وخصائصها وما يميزها عن غيرها من الجزاءات. وهذا ما سنتولى بيانه في هذا المطلب الذي سندرس فيه الآتي:

الفرع الأول : تعريف الجزاءات الإدارية

الفرع الثاني : خصائص الجزاءات الإدارية

الفرع الثالث : تمييز الجزاءات الإدارية عن غيرها من الجزاءات

الفرع الأول

تعريف الجزاءات الإدارية

كانت العقوبات الإدارية أو ما يعرف بالجزاءات الإدارية administrative sanctions تقتصر على الجزاءات التأديبية والتعاقدية توقيعها جهة الإدارة على المرتبطين معها بعلاقة وظيفية أو تعاقدية، وبعد توسع مجالها أصبحت السلطة الإدارية تزاحم السلطة القضائية في اختصاصها الأصيل في توقيع العقوبات عن الأفعال المحرمة قانونيًا، وأصبحت الجزاءات الإدارية إحدى الوسائل للعقاب عن هذه الأفعال، وكنوع جديد من الجزاء تختص بتوقيعه جهة الإدارة بالإضافة للعقوبات التقليدية التي تحكم بها السلطة القضائية. ومن خلال الجهة المختصة بتوقيع الجزاءات الإدارية ومجالاتها، عرفت الجزاءات الإدارية في المؤتمر السادس للجمعية الدولية للقانون والعقوبات المنعقدة في فيينا سنة 1989م “بأنها تلك العقوبات ذات الطابع الجزائي الصادرة عن سلطة إدارية”([4]) ويعرفها البعض بأنها “تلك الجزاءات ذات الخاصية العقابية التي توقعها سلطة إدارية مستقلة أو غير مستقلة وهي بصدد ممارستها – بشكل عام – لسلطتها العامة تجاه الأفراد بغض النظر عن هويتهم الوظيفية، وذلك كطريق أصلي لردع خرق بعض القوانين واللوائح([5]). وعرفها البعض الآخر بأنها “قرارات إدارية فردية ذو طبيعة عقابية عن مخالفة التزامات قانونية وتنظيمية وتعتبر كذلك قرارات إدارية توقعها الإدارة كسلطة عامة بمناسبة مباشرتها لنشاطها والإجراءات المقررة قانونًا وغايتها ضبط الأنشطة الفردية بما يحقق المصلحة العامة”([6]). كما عرفت بأنها عبارة عن عقوبة يعهد المشرع بسلطة توقيعها إلى جهة إدارية على كل من يخالف التزامًا قانونيًا أو لا يمتثل لأحد القرارات الإدارية([7])، ومن خلال هذه التعريفات يتضح لنا بأن الجزاء الإداري هو قرار إداري ذو طابع عقابي يصدر عن جهة غير قضائية يهدف إلى الحد من مخالفة القوانين واللوائح التنظيمية. وأنه ثمة علاقة طردية بين الجزاءات الإدارية والضبط الإداري باعتبار أن الأخير من النظام العام يتعين على الدولة حمايته لضمان استمرار النظم وصيانة الحياة الاجتماعية والمحافظة عليها، بأن تعاقب كل من يخالف قواعد الضبط الإداري، ومن هنا تعد الجزاءات الإدارية ذات طبيعة ردعية تواجه الفعل المخالف بغرض ردع ومعاقبة مرتكبه.

فالجزاءات الإدارية تشكل تطوراً مهماً من حيث الطابع العقابي وإختصاص جهة غير قضائية بفرضه. فهو بهذا المعنى جزاء ذو طابع عقابي تمارسه الإدارة إزاء أفراد غير خاضعين لها، وتعد المانيا وإيطاليا من الدول الرائدة في مجال الجزاءات الإدارية، إذ خصصت كل منها قانوناً مستقلاً أسمه القانون الإداري الجنائي. وقد عرفت المادة الأولى من القانون رقم 2 لسنة 1975م الخاص بالعقوبات الإدارية في المانيا الجريمة الإدارية بأنها “عمل غير مشروع يعاقب عليه القانون بغرامة إدارية”. وتنص المادة 32 من القانون رقم 189 لسنة 1981م الإيطالي بأنه “لا تعد جرائم وتخضع للجزاء الإداري الذي يتمثل في دفع مبلغ من المال كل الأفعال المعاقب عليها بالغرامة المقررة للمخالفات أو الغرامة المقررة للجنح مع إستثناء الجرائم الضريبية التي تنظمها المادة 39 من هذا القانون”. وفكرة الجزاءات الإدارية بمنح الإدارة سلطات جزائية تفرض على المخالفين بها لها تطبيقات في الكثير من التشريعات في مصر وليبيا([8]).

الفرع الثاني

خصائص الجزاءات الإدارية

من خلال التعريفات السابقة للجزاءات الإدارية يتبين بأنها تتمحور في ثلاث خصائص هي:

أولاً: صدورها من جهة إدارية:-

الجزاء الإداري يصدر من جهة إدارية في شكل قرار إداري يتم وفقًا لأداء جهة الإدارة لدورها في تطبيق القوانين واللوائح، ولهذا فإن الجزاء الإداري من الناحية العضوية ينعقد الاختصاص بتوقيعه لجهة الإدارة. ويدخل في نطاق ما تتمتع به جهة الإدارة من امتيازات السلطة العامة([9]). وهذا الاختصاص المنوط لجهة الإدارة بتوقيع الجزاءات الإدارية على المخالفين لأحكام القانون، هو من أهم ما يميز الجزاءات الإدارية عن الجزاءات الجنائية التي تتولاها السلطة القضائية، وأصبح هذا الاختصاص من الاختصاصات المألوفة التطبيق، ومن الأساليب المعروفة في العقاب على العديد من الجرائم، وبه اكتسبت الجزاءات الإدارية ذاتية خاصة، ومن ثم وجد نظام متكامل للجزاءات الإدارية في الدول التي تأخذ بفكرة التحول من النظام العقابي الجنائي إلى العقاب الإداري، استجدت فيه هيئات إدارية مستقلة مخولة بتوقيع الجزاءات الإدارية على من يخالف القانون في مجالات معينة. وهذا ما قام به المشرع الألماني بأن أصدر قانون العقوبات الإداري كقانون مستقل منظم بشكل متكامل للجريمة الإدارية والعقاب عنها. وكذلك المشرع الإيطالي في إصداره لقانون العقوبات الإداري سنة 1971، وكذلك اتجهت فرنسا في تشريعها إلى استحداث هيئات إدارية مستقلة تختص بتوقيع جزاءات إدارية خروجًا على القاعدة التقليدية في اختصاص الجهات القضائية بتوقيعها، وتجاوزاً لما لجهة الإدارية من سلطة توقيع الجزاء في المجال التأديبي والتعاقدي([10]).

ثانيًا: الجزاءات الإدارية ذات طبيعة ردعية:-

تتسم الجزاءات الإدارية بالطابع العقابي في أنها تنطوي على عقوبة توقع على مرتكب الفعل المخالف للقوانين أو اللوائح بهدف ردعه وجزره، وذلك لاعتدائه على المصلحة المحمية بهذه القوانين أو اللوائح([11])، وفي هذه الخاصية يتفق الجزاء الإداري مع الجزاء الجنائي في أن كليهما يستهدف ردع وجزر الجاني عن سلوكه المخالف للقانون الذي يمثل اعتداء على المصلحة محل الحماية بصرف النظر عن طبيعتها، ذلك أن تمتع الجزاء الإداري بالصفة الردعية هو المعول عليه في التزام الأفراد باحترام القواعد القانونية، إذ بدون هذه الصفة لم يعد للجزاء الإداري فائدة في ضبط سلوك الأفراد، وليس ثمة مبرر للاعتماد عليه في التحول من الجزاء الجنائي إلى الجزاء الإداري. ومن هنا يتعين أن تخضع الجزاءات الإدارية للمشروعية من حيث مبدأ الشرعية وشخصية الجزاء والتناسب بين الجزاء والفعل المخالف. وهذا ما أكد عليه المجلس الدستوري الفرنسي من ضرورة إخضاع الجزاء الإداري لمبادئ المشروعية بقوله “.. إن هذه المبادئ لا تتعلق فحسب بالعقوبات التي يحكم بها القضاء الجنائي، وإنما يستلزم جوازها بالنسبة لكل جزاء ذو طبيعة ردعية حتى ولو عهد المشرع بسلطة اتخاذه إلى جهة غير قضائية”([12])، مع أنه في بادئ الأمر أقر المجلس الدستوري الفرنسي بعدم دستورية الجزاءات الإدارية لتعارضها مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي يوزع وظائف الدولة على عدة هيئات وفقًا لطبيعة أعمالها. فتختص السلطة التشريعية بإصدار القوانين وعقد المعاهدات، وتقوم السلطة التنفيذية بتسيير أعمال الدولة وتنفيذ القوانين وتختص السلطة القضائية بالفصل في المنازعات في القضايا المرفوعة إليها وإصدار الأحكام بشأنها، سواء كانت إدارية أو مدنية أو جنائية([13]). وقضي كذلك بعدم دستورية الجزاءات الإدارية لتعارضها مع مبدأ حق التقاضي أمام القاضي الطبيعي وحق الدفاع، إذ لا يجوز أن يحرم الأفراد من اللجوء إلى القضاء وإهدار حقوقهم الأساسية والضمانات المقررة لهم أمامه، وتخويل سلطة الإدارة منفردة بتوقيع الجزاءات عليهم، وترك مهمة تطبيق القانون لجهة الإدارة، وتوقيع الجزاءات على الأفراد وفقًا لتقديراتها ومشيئتها([14]). ولكن بعد هذه المعارضة للجزاءات الإدارية من قبل المجلس الدستوري الفرنسي تخلى في فترة لاحقة عن رأيه وأقر كليًا دستورية الجزاءات الإدارية في مجالات محددة، ثم تطور موقفه ووسع من مجالاتها، فقرر في 28/7/1989م “لا يوجد مبدأ دستوري يمنع سلطة الإدارة من خلال ممارستها لامتيازاتها كسلطة عامة أن تفرض جزاءات ما دام الجزاء الذي توقعه لا يتضمن الحرمان من الحرية وأن ممارسة الإدارة لهذه السلطة تقيده تدابير ترمي إلى حماية الحقوق والحريات التي يحميها الدستور”([15]). وبناء على ذلك انتهى المجلس الدستوري الفرنسي إلى شرعية الجزاءات الإدارية في كل المجالات، طالما توفر إمكانية الطعن فيها بالإلغاء أو التعويض، فالجهة الإدارية عندما تمارس أعمالاً قضائية يجب أن تتقيد بمبادئ العدالة والحياد والحق في الدفاع والحق في الطعن([16]).

ثالثًا: عمومية الجزاءات الإدارية:-

لا يقتصر تطبيق الجزاءات الإدارية على فئة معينة من الأفراد، إنما توقع على جميع الأفراد الذين يخالفون النص القانوني المخاطبين به، فلا يتوقف تطبيقها على الأشخاص الذين تربطهم بالإدارة رابطة وظيفية أو تعاقدية. فالجزاء الإداري يتفق مع الجزاء الجنائي في هذه الخاصية في أن الإدارة تمارس سلطتها العامة في توقيع الجزاءات الإدارية على الأفراد على حد سواء بصرف النظر عن هويتهم الوظيفية أو التعاقدية باعتبارها مخولة قانونيًا بمعاقبة من يخرق القاعدة القانونية([17]). ويرجع اكتساب الجزاءات الإدارية صفة العمومية من انفراد الإدارة واستقلالها في العقاب عن اختراقات القوانين في المجالات التي حددها المشرع ومراعاة المساواة أمام القانون والسهر على احترام حقوق وحريات الأفراد وتحقيق المصلحة العامة، وألا تفقد قراراتها بالجزاءات الإدارية مشروعيتها، وألا تنحرف الإدارة في استعمال سلطتها.

الفرع الثالث

تمييز الجزاءات الإدارية عن غيرها من الجزاءات

عرفنا بأن الجزاءات الإدارية هي تلك الجزاءات ذات الطبيعة العقابية التي توقعها جهة الإدارة عند ممارستها لسلطتها العامة تجاه الأفراد أو الجهات عند خرق القوانين أو اللوائح. وعلى ذلك فإنها تتميز عن الجزاءات الأخرى المشابهة لها في بعض الجوانب. وفيما يلي توضيح ذلك.

أولاً: التمييز بين الجزاءات الإدارية والعقوبات الجنائية:-

العقوبة الجنائية هي الجزاء الذي يقرره المشرع ويوقعه القاضي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة المرتكبة، وتتمثل هذه العقوبة بصفة عامة في المساس بحقه في الحياة أو حقه في الحرية أو المساس بذمته المالية بالإنقاص منها. وهذا الإجراء يسري على كل من يخالف القاعدة القانونية على حد سواء. وفقًا لقاعدة خضوع الجميع لأحكام القانون على قدم المساواة. ويشترط لسلامة الحكم بالعقوبة الجنائية أن تستند في إصدارها على قاعدة قانونية وفقًا لمبدأ الشرعية، وتستهدف معاقبة الجاني عن فعله ومنع غيره من أن يأتي مثله من أجل حماية الصالح العام. وأن يصدر الحكم بالعقوبة من السلطة القضائية المخولة بإصداره وفقًا لقواعد الاختصاص القضائي، وإذا كان الجزاء الإداري هو قرار إداري ذو طبيعة عقابية عن مخالفة التزامات قانونية تصدره الإدارة كسلطة عامة وفقًا للإجراءات المقررة قانونًا غايتها ضبط أداء الأنشطة بما يحقق المصلحة العامة([18]). فإن الجزاءات الإدارية تشترك في عدة جوانب مع العقوبة الجنائية من حيث مبدأ الشرعية، فالجزاءات التي توقعها جهة الإدارة واردة على سبيل الحصر، فلا تستطيع جهة الإدارة توقيع جزاء إداري غير وارد ضمن الجزاءات التي يجوز للإدارة توقيعها، كما هو الحال بالنسبة للعقوبات الجنائية، كما أن كلتا العقوبتين الإدارية والجنائية يستهدفان حماية المجتمع وتحقيق الردع الخاص والعام. فضلاً عن ضرورة استيفاء كل منهما للإجراءات المقررة لها من قواعد الاختصاص ومطابقة لأحكام القانون، ويختلفان من حيث الجهة المصدرة له، فتتولى جهة الإدارة توقيع الجزاءات الإدارية في الجرائم التي أخرجت من نطاق قانون العقوبات، وحلت جهة الإدارة محل الجهة القضائية في توقيعها، ولم تعد الدعوى الجنائية هي السبيل لمعاقبة الجاني وتصدي المحكمة لموضوعها، ويظهر الاختلاف أيضًا بينهما في طبيعة الجزاء، فالجزاءات الإدارية تخلو من الطبيعة العقابية التي تتسم العقوبات الجنائية المتمثلة في المساس بالحق في الحياة أو الحرية. فهي جزاءات مالية كالغرامة أو غير مالية كالحرمان من بعض الحقوق والامتيازات كسحب الترخيص وأبعاد الأجنبي والمصادرة وغلق المحلات وغيرها([19]). كما أن الجزاءات الإدارية تقتصر على الجرائم غير الجسيمة، باعتبار أن التحول من العقاب الجنائي إلى الجزاء الإداري باستبدال العقوبة الجنائية بعقوبة إدارية ينحصر في الجرائم البسيطة المعاقب عليها بالحبس قصير المدة وفقًا لسياسة الحد من التجريم والعقاب. ذلك أن المصلحة المحمية والضرر الذي قد تحدثه الجريمة بهذه المصلحة هما المعياران في إقرار نظام الجزاءات الإدارية، فإذا كانت المصلحة المحمية على قدر كبير من الأهمية أو كان الضرر الذي أحدثه الفعل المقترف ضررًا جسيمًا لزم توقيع العقوبة الجنائية، فإذا كان غير ذلك وقلت درجة استهجان المجتمع للفعل المرتكب جاز معاقبة الجاني بجزاء إداري.

ثانيًا: التمييز بين الجزاءات الإدارية والجزاءات التأديبية:-

الجزاء التأديبي يعني العقوبة التي توقع على الموظف الذي تربطه بالإدارة علاقة وظيفية سواء كان علاقة تنظيمية أو تعاقدية – بسبب إخلاله بمقتضى وظيفته أو خروجه عن واجباته الوظيفية، وعلى ذلك فإن الجزاء التأديبي يرتبط بالوظيفة العامة وجودًا وعدمًا، فإذا وجدت الوظيفة العامة وجد معها الجزاء التأديبي كعقوبة تواجه بها الإدارة الإخلال بالالتزامات الوظيفية المنوطة بالموظف أو خروجه عن مقتضياتها. وفي ذلك عرفت المحكمة الإدارية المصرية الجزاء التأديبي “بأن سبب القرار التأديبي في نطاق الوظيفة العامة هو إخلال الموظف بواجبات الوظيفة أو خروجه عن مقتضياتها”([20]). وعلى ذلك فإن الجزاء التأديبي يختلف عن الجزاء الإداري في أن الأول يقتضي وجود رابطة وظيفية بين المخالف وجهة الإدارة تخولها الحق في إنزال العقاب عليه متى خرج عن مقتضيات واجبه الوظيفي، في حين أن الجزاء الإداري توقعه جهة الإدارة ضد كل من يخالف القانون أو اللائحة المخاطب بها سواء كان موظفًا أو من آحاد الناس. ولذلك فإنه يتسم بالعمومية ولا يقتصر تطبيقه على فئة معينة ترتبط بالإدارة برابطة معينة([21]). ولا يختص بالمخالفات التأديبية المتعلقة بالوظيفة العامة، إذ أن الجزاءات الإدارية مقررة للعقاب على جرائم جنائية بدلاً من عقوبات جنائية للحد من التجريم والعقاب. ومع هذا الاختلاف بين الجزائين، فإنهما يتفقان على مبدأ الشرعية في أن المشرع في معظم التشريعات يحدد الجزاءات التأديبية التي توقع على الموظف المذنب، ولذلك تنحصر مهمة الإدارة في توقيع الجزاء الذي تراه مناسبًا من بين الجزاءات المحددة في قانون أو لوائح الوظيفة العامة، وكذلك الحال في الجزاءات الإدارية فهي الأخرى ينحصر العقاب في جزاءات معينة، فلا يجوز للإدارة توقيعها عبرها، إذ يعتبر مبدأ الشرعية ضمانة أساسية لحماية حقوق الأفراد، ويجعل للجزاء الإداري والتأديبي أساسًا قانونيًا، ولذا حرصت كافة التشريعات التي أخذت بنظام الجزاءات الإدارية على شرعية الجزاءات الإدارية تأكيدًا لضرورة اهتمام الإدارة بالقانون والتزامها به، وتحقيق مقتضيات العدالة من حيث شخصية الجزاء وتناسبه مع المخالفة([22]).

ثالثًا: التمييز بين الجزاءات الإدارية والجزاءات التعاقدية:-

الجزاء التعاقدي أساسه مخالفة المتعاقد مع الجهة الإدارية لالتزاماته التعاقدية، وقد يكون في شكل فسخ العقد أو التنفيذ على حسابه أو تعديل العقد، فالإدارة تتمتع في مجال العقود الإدارية بسلطات واسعة، وتكون في مركز أعلى من مركز المتعاقد معها وذلك خروجًا عن عما هو مقرر في التعاقدات بين الأفراد بالنظر إلى طبيعة العقد الإداري والامتيازات التي تستمدها الإدارة منه ضمانًا لسير المرافق العامة وأعطاها حق توقيع الجزاء على المتعاقد معها في حالة إخلاله بالتزاماته التعاقدية، ومن ذلك يظهر التباين بين الجزاءات التعاقدية والجزاءات الإدارية في أن الأولى توقعها جهة الإدارة على المتعاقدين معها، في حين أن الجزاءات الإدارية تتسم بالعمومية، فلا تقتصر على فئة معينة، كما أن الجزاءات التعاقدية تقتصر على العقود الإدارية ولا تتعداها إلى مجالات أخرى، فالعقد الإداري المبرم بين جهة الإدارة والمتعاقد معها هو مجال الجزاءات التعاقدية مما يجعل دور الإدارة في توقيع الجزاء مقصورًا مع طائفة المتعاقدين معها وفي حدود ما اتفقا عليه معًا، بمعنى أنها جزاءات تحتوي على خصوصية الرابطة بين الإدارة والمتعاقد معها، في حين أن الجزاءات الإدارية لا يقتصر تطبيقها في مجال واحد بل يتسع لعدة مجالات وفقًا للسياسة المتبعة في كل دولة، كما أنها تتسم بالعمومية فلا تطبق بصدد فئة معينة من الأفراد في المجالات التي تدخل في اختصاصات جهة الإدارة.

المطلب الثاني

مبررات ومجالات وصور الجزاءات الإدارية

أتجهت العديد من الدول الأوروبية وبعض الدول العربية نحو الأخذ بفكرة الجزاءات الإدارية، وأصبحت تمثل مكانة أساسية في مجال السياسة الجنائية لعدة مبررات، واتسعت في أعمالها في العديد من المجالات تراجعت فيها العقوبات الجنائية لصالح الجزاءات الإدارية باعتبارها جزاءات بديلة لها، وبذلك حدث تحول عن الجزاء العقابي صوب أنماط أخرى من الجزاءات تتخذ عدة صور تحقق الغرض الذي تستهدفه العقوبة الجنائية. وعلى ذلك فإننا في هذا المطلب سنتولى دراسة هذه الموضوعات وفقًا للآتي:

الفرع الأول : مبررات الجزاءات الإدارية

الفرع الثاني : مجالات الجزاءات الإدارية

الفرع الثالث : صور الجزاءات الإدارية

الفرع الأول

مبررات الجزاءات الإدارية

إن الأخذ بنظام الجزاءات الإدارية بتخويل الإدارة سلطة توقيع العقاب على مرتكبي بعض الجرائم، كنظام بديل للدعوى الجنائية ولتولى السلطة القضائية مهمة المحاكمة وتوقيع العقاب، له العديد من المبررات أهمها ما يلي:-

أولاً: الحد من العقاب الجنائي:-

تتجه أغلب التشريعات الجنائية نحو إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية وخاصة قصيرة المدة لمواجهة الجريمة([23])، كالعمل في منشأة عامة أو الغرامة اليومية أو الوضع تحت الاختيار القضائي أو الحرية المراقبة وغيرها من بدائل عقوبة الحبس، وإعطاء القاضي سلطة وقف النطق بالعقوبة ووقف تنفيذها، وذهبت العديد من التشريعات إلى معالجة مساوئ عقوبة الحبس قصير المدة من خلال التخلي عن العقوبة الجنائية تجاه بعض الجرائم لنظام إداري تتولى فيه جهة الإدارة معاقبة مرتكب هذه الجرائم، بأن تتحول العقوبة المقررة للفعل إلى عقوبة غير جنائية، ويبقى قانون العقوبات وما يتضمنه من عقوبات مقتصرًا على الجرائم التي تصيب المصلحة الاجتماعية بضرر جسيم أو يعرضها للخطر، بمعنى إلغاء تجريم الفعل في قانون العقوبات والاعتراف بمشروعيته من الناحية الجنائية، وهذا ما يعرف بالحد من التجريم. وقد عرفه الأستاذ Leelereq “أن الحد من التجريم يفترض إلغاء التجريم وإلغاء العقوبة، وبالتالي قيام كل إلغاء للتجريم هو إلغاء هو([24]) tout décriminalisation est une dépénalisation، وفي هذا الاتجاه عرف Delmas Marty – “الحد من التجريم هو الاعتراف القانوني والاجتماعي لسلوك كان مجرمًا من خلاله يصبح السلوك مشروعًا بعد أن كان مخالفًا للقانون”([25]). وفكرة الحد من التجريم تظل فكرة إيجابية، ذلك أن المشرع قد يرى بأن بعض المصالح المحمية بنصوص جنائية لم تعد على قدر من الأهمية التي تتطلب حماية جنائية وباتت هذه الفكرة تلقى قبولاً من الناحية الاجتماعية، لأن التجريم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنظام والآداب العامة والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع، فما كان فعلاً مجرمًا في زمن معين يمكن أن يكون مشروعًا في وقت آخر، لذا نجد العديد من التشريعات قد ألغيت تجريم العديد من الأفعال. ولكن الذي يعد مبرر لإقرار نظام الجزاءات الإدارية هو الحد من العقاب الذي يعنى التحول عن الإجراء الجنائي والعقوبة الجنائية واستبدالها بإجراءات وجزاءات إدارية بحيث يستبعد الإجراء الجنائي وتستبعد العقوبة الجنائية ويخضع المذنب لبرنامج عقابي غير قضائي، أي أن الفعل المجرم يعد فعلاً مخالفًا وغير مشروع يستوجب رد اجتماعي معين وهو الجزاء الإداري. وعلى ذلك فإن فكرة الجزاءات الإدارية لا تشترط بالضرورة المساس بتجريم الفعل وإخراجه من نطاق التجريم في قانون العقوبات، طالما أسند الاختصاص في توقيع العقوبة لجهة إدارية واستبدلت العقوبة عنه بعقوبة إدارية([26])، فالمهم هو تجنيب الجاني عقوبة جنائية، وهذا يعد أحد أساليب الحد من العقاب، رغم أن الصورة المُثلى لهذا النظام هي التي يتم فيها رفع صفة التجريم عن الفعل في قانون العقوبات، واعتباره فعلاً غير مشروع في قانون آخر يقرر له جزاء إداري توقعه جهة الإدارة على المخالف([27]). فيطلق على المخالفة المرتكبة مصطلح الجريمة الإدارية وعلى الجزاء المقرر لها بالجزاء الإداري.

ثانيًا: فاعلية الجزاءات الإدارية:-

إن الاعتماد على الجزاء الجنائي كوسيلة وحيدة في ضبط السلوك ومنع الجريمة ثبت عدم جدارته، بل إنه يؤدي إلى تضخم قانون العقوبات، لذلك نادى العديد من الفقهاء إلى التقليل من استخدام الجزاء الجنائي واستبدال العقوبة الجنائية بجزاء إداري، إذ ثبت فاعلية الجزاءات الإدارية في الردع في العديد من المجالات وتحقيق الأهداف المرجوة من العقوبة الجنائية لمواكبتها وملاءمتها للعديد من الأنشطة التجارية والاقتصادية، إذ أنها تتسم بالمرونة وبسرعة التطبيق وتخلو من سلبيات العقوبات التقليدية وخاصة الحبس قصر المدة([28])، إذ لا ينبغي أن يلجأ إلى القضاء في كل فعل مخالف للقانون أو اللائحة وتقرير عقوبة جنائية ضد مرتكبه، إذ أن العقاب عن الفعل المخالف ومنع تكراره وإصلاح الضرر الناشئ عنه يمكن أن يتم دون استخدام الدعوى الجنائية وخارج نطاق القانون الجنائي بتولي جهة إدارية محاكمة المخالف ومعاقبته. فالجزاءات الإدارية التي توقعها جهة إدارية وهي تمارس مهامها لضمان الامتثال للقواعد المنظمة لممارسة الأعمال في بعض المجالات هي جزاءات متنوعة ولها أشكال متعددة فمنها المالية وغير المالية تناسب الأفعال المخالفة للقانون ذات الطابع المالي والاقتصادي، فضلاً عن سرعة تطبيقها وتحقيق نتيجة حتمية لمواجهة السلوك المخالف في الأنشطة الاقتصادية والتجارية على وجه الخصوص، فغلق المؤسسة الاقتصادية أو التجارية أو سحب تراخيصها تمنع من استمرار السلوك المخالف وتداعياته الضارة بمصلحة المجتمع، كما أن التطور الذي حدث للأنشطة التجارية والاقتصادية والصناعية والتشجيع على الاستثمار اقتضى تولي جهة الإدارة سلطة ضبط السلوك في هذه المجالات وتوقيع الجزاءات الإدارية على المخالف، لملاءمة هذه الجزاءات لطبيعة العمل في هذه المجالات وما يترتب عليه من تخفيف العبء عن السلطة القضائية، وضمانًا لعدم تعسف جهة الإدارة في استخدام هذه السلطة في المساءلة والعقاب وضعت التشريعات عدة ضمانات لحماية المخالف.

ثالثًا: التنظيم القانوني لسلطة الإدارة في توقيع الجزاءات الإدارية:-

إذا كانت الجزاءات الإدارية قد ظهرت لمواجهة الجرائم التي لا تستأهل مواجهتها بعقوبات جنائية تقليدية سالبة للحرية لقلة خطورتها وجسامتها، إذ يكتفي العقاب عنها بجزاءات إدارية، وللتقليل من وطأة تدخل قانون العقوبات في هذه الجرائم، ذلك أن جهة الإدارة أكثر دراية بالأنشطة التي يمارسها الأفراد في المجالات التي تحدث فيها هذه الجرائم، ولها القدرة على التنبؤ بما قد ينتج عنها من مخالفات وما يحدث فيها من انحراف وتقديرها للجزاء الفعال الذي يحقق ردع المخالفين. كما أن التنظيم الذي وصلت إليه الإدارة وهيكلة إدارتها، وتوزيع الاختصاصات فيها وتأهيل العاملين بها جعلها قادرة على متابعة الأنشطة الاقتصادية والتجارية وغيرها، والتعامل معها وجعلها جديرة بمنحها سلطة العقاب عن إي انحراف عند ممارسة هذه الأنشطة دون إهدار للضمانات المقررة قانونًا، وذلك بعد إصدارها للقوانين واللوائح الخاصة بالجزاءات الإدارية التي يجوز توقيعها على المخالف، فيكون الجزاء الذي تفرضه جهة الإدارة في حدود ما تقرره هذه القوانين واللوائح يستند على أساس قانوني بما يكفل عدم وصفه بعدم المشروعية. فضلاً عن مراعاة التناسب بين الجزاء الموقع على المخالف والمخالفة المرتكبة، فلا تسرف في شدة العقاب أو اللين فيه وأن تأسسه على خطأ ثابت، وألا تستهدف غرض آخر غير الواجب عليها استهدافه([29])، ذلك أن للإدارة أكثر من جزاء إداري يجوز توقيعه، فلا تكون مضطرة إلى مخالفة مبدأ التناسب بين المخالفة والجزاء بما يوصف قرارها بالغلو وإخضاعه للإلغاء، لذا وضعت بعض التشريعات كالتشريع الإيطالي والألماني عدة معايير يتوجب مراعاتها عند قيام الإدارة بتوقيع جزاءات إدارية تبعاً لخطورة الفعل غير المشروع ودرجة خطأ المخالف([30])، كما نص المشرع الجزائري على مبدأ التدرج في الجزاءات الإدارية واحترام مبدأ التناسب بين الخطأ والجزاء وإعطاء المخالف فرصة مراجعة خطئه([31]). وعليه فإن التنظيم القانوني للإدارة وإخضاع سلطتها في توقيع الجزاءات الإدارية لمبدأ الشرعية والتناسب بين المخالفة والجزاء وغيرها من الإجراءات بدءً من التحقيق إلى النطق بالجزاء الإداري وهي ذات المبادئ والقواعد والإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية، فضلاً عن خضوعها للرقابة القضائية، يعد مبررًا أساسيًا للأخذ بفكرة قانون العقوبات الإداري وإسناد جهة الإدارة اختصاص العقاب عن طائفة من الأفعال التي تعد جرائم جنائية.

الفرع الثاني

مجالات الجزاءات الإدارية

كشف الواقع من خلال تطبيق قانون العقوبات بأنه غير جدير بردع بعض أنواع الجرائم، وأن عقوبة الحبس قصير المدة المقررة لبعض الجرائم لا تحقق أغراضها، لذلك نادى بعض فقهاء القانون الجنائي والإداري باستبدال العقوبة الجنائية بأخرى إدارية في بعض المجالات، لا سيما العقوبة المقررة لحماية مصالح اجتماعية لا تستدعي مواجهتها بعقوبة جنائية، إذ يكفي فيها الجزاء الإداري. لذا اتجهت العديد من التشريعات نحو الأخذ بنظام الجزاءات الإدارية كالتشريع الفرنسي والجزائري. وهناك تشريعات ذهبت في هذا الشأن إلى أبعد من ذلك بأن تبنت نظام الجزاءات الإدارية كنظام مستقل عن قانون العقوبات أطلقت عليه قانون العقوبات الإداري ، وظلت تشريعات أخرى متمسكة بالأفكار التقليدية بأن القضاء هو الجهة الوحيدة المختصة بتوقيع الجزاء في غير المجال الوظيفي أو التعاقدي. وسنتولى في هذا الفرع بيان أهم مجالات تطبيق الجزاءات الإداري وهي:-

أولاً: الضرائب:-

تغطي الجزاءات الإدارية جزءً كبيرًا في مجال قوانين الضرائب، ففي فرنسا العديد من نصوص قانون الضرائب مخصص للعقوبات على الجرائم التي تقع بالمخالفة لقانون الضرائب، كالتقصير أو التأخير في تقديم الوثائق اللازمة لربط الضريبة، أو التخلف أو التأخير في سداد الضريبة، أو البيع بدون فواتير للتهرب من ضريبة المبيعات وجرائم الغش الضريبي، ويتنوع العقاب عن هذه الجرائم من عقوبات جنائية وجزاءات إدارية توقعها جهة الإدارة باعتبار ذلك من قبيل امتيازات السلطة العامة([32]). كما نص المشرع المصري في القانون رقم 11 لسنة 1991م بشأن الضريبة العامة على العديد من المخالفات لأحكام هذا القانون منها التأخير في تقديم الإقرار وأداء الضريبة، وعدم إخطار مصلحة الضرائب بالتغييرات التي تحدث على البيانات الواردة بطلب التسجيل خلال المدة المحددة، وأجازت المادة 42 من هذا القانون للوزير أو من ينيبه التصالح مع المخالف في العديد من المخالفات الضريبية، وتتخذ المصالحة في هذه الحالة صورة غرامة مالية تدفع بناء على عقد يبرم بين الطرفين تملي فيه جهة الإدارة إراداتها على المخالف، وأحيانًا تصدر جهة الإدارة قرارها بإرادتها المنفردة بفرض الغرامة المالية على المخالف.

ثانيًا: المرور على الطرق العامة والمواصلات:-

تنص قوانين المرور والمواصلات على جزاءات إدارية للعديد من المخالفات لقواعد المرور على الطرق العامة والمواصلات، كالقيادة بأكثر من السرعة المقررة قانونًا أو عدم حمل تراخيص القيادة أو عدم وضع اللوحات المعدنية لمركبة أو عدم سداد الرسوم على تراخيص القيادة وغيرها من المخالفات المرورية. وأجازت هذه القوانين للجهات المختصة بضبط هذه المخالفات وتوقيع الجزاءات الإدارية على المخالفات من غرامة مالية وسحب تراخيص القيادة بدلاً من اللجوء في ذلك إلى القضاء الجنائي. ففي فرنسا نص قانون المرور رقم 17 لسنة 1986م على تخويل جهة الإدارة على توقيع جزاءات إدارية لمواجهة بعض الجرائم المرورية دون حكم قضائي([33]). وهذا ما قرره المشرع الجزائري في العديد من الجرائم المتعلقة بحركة المرور على الطرق العامة وسلامتها وأمنها إذ أوكل توقيع الجزاء إلى لجان إدارية خاصة([34]). وترك المشرع لهذه اللجان السلطة التقديرية في تحديد مقدار الغرامة التي توقع على المخالفة، أو مدة سحب تراخيص القيادة أو إيقافها.

ثالثًا: التجارة والاقتصاد والصناعة:-

طبقت العديد من الدول الجزاء الإداري في مجالات التجارة والاقتصاد والصناعة لمواجهة الاحتكار غير المشروع للأنشطة ومخالفات شروط ممارسة الأنشطة التجارية والاقتصادية والصناعية أو عدم مراعاة حرية المنافسة في نطاق تسويق السلع والمنتجات. فتبنى المشرع الفرنسي نظام الجزاءات الإدارية بهدف تنظيم الأنشطة التجارية والاقتصادية والصناعية ومعاقبة المخالفين من قبل لجان إدارية. ففي مجال البورصة أنشأ المشرع الفرنسي هيئة إدارية مستقلة تتولى الحفاظ على القواعد المنظمة لأعمال البورصة ومضاربتها ومنع التوظيف غير المشروع للأوراق التجارية، ولها أيضًا سلطة توقيع الجزاءات المالية بهدف ضمان البورصة وإصلاح سوق المال ومنع الاختراقات المخالفة لتنظيم سوق الأوراق المالية. وفي ذلك نص المشرع المصري في القانون رقم 95 لسنة 1992م الخاص بقانون سوق رأس المال في مادته الثالثة على جواز وقف نشاط الشركة إذا خالفت أحكام هذا القانون أو لائحته التنفيذية أو قرارات مجلس إدارة الهيئة الصادرة تنفيذًا له أو إذا فقدت أي شرط من شروط الترخيص ولم تقم بعد إنذارها بإزالة المخالفة أو استكمال شروط الترخيص خلال المدة وبالشروط التي يحددها رئيس الهيئة. كما نص التشريع الفرنسي الصادر سنة 1946م على اختصاص المدير العام للمركز الوطني لصناعة السينما بتوقيع جزاءات إدارية في حالة مخالفة أصحاب أدوار السينما للقواعد الخاصة بصناعة السينما([35])، وكذلك تبنى المشرع الجزائري سياسة فرض جزاءات إدارية في مجال السياحة والفندقة يوقعها وزير السياحة في حالة مخالفة المنشآت السياحية أو الفندقية لشروط مزاولة النشاط من بينها الغرامات المالية ووقف النشاط([36]). كما نص المشرع المصري في القانون رقم 67 لسنة 1976 بشأن تنظيم العمل بالنقد الأجنبي للوزير المختص إصدار قرارات تبين الشروط والأوضاع التي يتم فيها تحويل النقد ومعاقبة من يخالف هذه القرارات.

رابعًا: الجمارك:-

يتسع تطبيق الجزاءات الإدارية في قطاع الجمارك، إذ تتولى مصلحة الجمارك توقيع الغرامات المالية على مخالفة ضوابط إدخال وإخراج البضائع، بالإضافة إلى المصادرة إذا كانت البضائع المستوردة أو المصدرة محظورة أو لم يدفع عنها الرسوم المقررة، أو تم إدخالها أو إخراجها دون التصريح بها. وهذا ما أخذ به المشرع الليبي بشأن المخالفات الجمركية، وخول المشرع بمقتضى المادة 201 ع من قانون الجمارك رقم 10 لسنة 2010م مدير الجمارك المختص بتوقيع الغرامات المقررة على المخالفات الجمركية في المواد من 196 إلى 201، مع جواز الطعن في القرار القاضي بفرض هذه الغرامات خلال خمسة عشر يومًا أمام القضاء الإداري (م 202) من ذات القانون.

خامسًا: البيئة:-

تنص العديد من تشريعات البيئة على توقيع جزاءات إدارية على عدم مراعاة الالتزامات التي تقرره قوانين ولوائح البيئة تتمثل في غرامات وإلغاء تراخيص مزاولة النشاط، وإزالة المنشآت غير المرخص بإقامتها، وأصبحت مصدرًا للخطر على الصحة العامة، فنص المشرع الفرنسي في التشريع البيئي environnement code على جزاءات إدارية توقع على أرباب العمل والمنشآت ممن لا يمتثل لتشريعات البيئة. وإعطاء عمدة المدينة والوزير المختص سلطة توقيع جزاءات إدارية بالغاء التراخيص وغلق المحال والمنشآت في حالة مخالفتهم للالتزامات المفروضة عليهم([37]). وفي مجال الحفاظ على الثروة البحرية باعتبارها أحد عناصر البيئة اتفقت دول الاتحاد الأوروبي على سياسة بحرية Marine policy لمواجهة صيد الأسماك غير المشروع وغير المنظم. Iuu fishing ([38]) – تنفيذًا لاتفاقية أعالي البحار الصادرة سنة 1982م تسمح للجهات الإدارية بتوقيع جزاءات مالية على السفن التي تمارس أفعال الصيد غير المشروع([39]) عن طريق محاكم إدارية أو ما يعرف بالعدالة الإدارية.

الفرع الثالث

صور الجزاءات الإدارية

لم تعد الجزاءات الإدارية تقتصر على الجزاءات المالية بل اتسعت لتشمل جزاءات أخرى غير مالية، فخرجت بذلك عن إطارها التقليدية لتتسم بالنزعة الردعية في العديد من المجالات، لذلك عهد المشرع في العديد من الدول إلى جهة الإدارة توقيع عدة صور من الجزاءات لتواجه بها خرق القوانين واللوائح. وفيما يلي بيان أهم هذه الجزاءات التي يمكن تقسيمها إلى نوعين، جزاءات مالية وأخرى غير مالية.

أولاً: الجزاءات المالية:- وتشمل الآتي:-

  1. الغرامة الإدارية:-

هي مبلغ مالي تفرضه جهة الإدارية على المخالف في المجالات التي حددها المشرع، وبالرغم من الطابع المالي للغرامة الإدارية فإنها تختلف عن الغرامة الجنائية التي تحكم بها المحاكم الجنائية في أن جهة الإدارة هي التي تحدد مقدارها وفقًا لما تقرره القوانين واللوائح، على خلاف الغرامة الجنائية فإنها تتقرر بحكم أو بأمر قضائي. كما أن الغرامة الإدارية يراعى في تقديرها درجة خطأ المخالف والضرر المترتب على الفعل دون مراعاة للظروف الشخصية للجاني وسوابقه إذ أنها تهتم بردع المخالف أكثر تحقيق تفريد المعاملة العقابية السائدة في العقوبات الجنائية. كما أن الغرامة الإدارية لا يرد بشأنها وقف التنفيذ على خلاف الغرامة الجنائية([40])، وقد حددت الغرامة الإدارية كجزاء للعديد من المخالفات، فنجد المشرع الجزائري قد نص على الغرامة الإدارية في قانون المرور وصنف المخالفات والعقوبات إلى أربع درجات:

المخالفات من الدرجة الأولى يعاقب عليها بغرامة من 2000 إلـى 500 د.ج

المخالفات من الدرجة الثانية يعاقب عليها بغرامة من 2000 إلـــــــى 000 د.ج

المخالفات من الدرجة الثالثة يعاقب عليها بغرامة من 2000 إلـى 4000 د.ج

المخالفات من الدرجة الرابعة يعاقب عليها بغرامة من 4000 إلى 6000 د.ج

  1. غرامة المصالحة:-

إذا كانت الغرامة الإدارية تفرضها الإدارة بسلطتها المنفردة على المخالف. فيوجد صورة أخرى للجزاءات الإدارية، ويتم فيها دفع المبلغ المالي بناء على اتفاق بين جهة الإدارة والمخالف، ومع أن تحديد قيمة الغرامة وكيفية سدادها يتم بموجب اتفاق، إلا أنها في الحقيقة نوعًا من الإملاء تفرضه جهة الإدارة على المخالف، فلا مجال أمامه إلا قبول الصلح الذي تعرضه عليه الإدارة([41])، وتجد غرامة المصالحة مجالها في مخالفات قوانين ولوائح الضرائب والمنافسة والجمارك.

  1. المصادرة الإدارية:-

المصادرة هي نزع ملكية مال معين من صاحبه دون مقابل وإضافته إلى ملك الدولة. وتختلف المصادرة الإدارية عن المصادرة الجنائية في أنها تصدر بموجب قرار إداري صادر عن الإدارة باعتبارها جزاءً إداريًا لمواجهة جريمة إدارية، على خلاف المصادرة الجنائية التي تصدر بحكم قضائي. وتتخذ المصادرة الإدارية عدة صور فقد تكون عقوبة أصلية توقعها جهة الإدارة على المخالف في مجال الجمارك والغش التجاري. وقد تكون جزاءً تكميليًا (وجوبيًا أم جوازيًا) أو تدبيرًا احترازيًا على غرار المصادرة الجنائية، وقد تكون المصادرة بديل للغرامة الإدارية تقوم الإدارة بمصادرة أموال عينية للمخالف مقابل غرامة مالية ضده لم يقم بدفعها([42])، أو مبلغ من أموال المخالف يساوي قيمة الشيء الذين كان من المقرر مصادرته. وقد نظم القانون الإداري الإيطالي رقم 689 لسنة 1981م سلطة الإدارة في مصادرة أموال المحكوم عليه بجزاء إداري.

ثانيًا: الجزاءات غير المالية:-

  1. سحب التراخيص:-

يعد سحب التراخيص من الجزاءات التي توقعها الإدارة على المخالف ويتخذ هذا الجزاء صورة الحرمان المؤقت أو الدائم من ممارسة الأعمال المرخص بها لمدة زمنية معينة، ويعتبر سحب التراخيص من الجزاءات الإدارية الأكثر شيوعًا في مجال المرور على الطرق العامة. فتنص العديد من التشريعات الإدارية على سحب رخصة قيادة المخالف أو رخصة مركبته الآلية، وكذلك في المجالات التجارية، فتقوم الإدارة بسحب التراخيص التجارية، في حالة مخالفة الجهة المرخص لها لشروط ممارسة نشاطها([43])، وقد يكون سحب الترخيص جزاءً أصليًا أو تكميليًا أو تدبيرًا احترازيًا.

  1. الغلق الإداري:-

يقصد بالغلق الإداري قفل المحل أو المؤسسة الخاصة التي تمارس نشاطًا معيًا من قبل جهة الإدارة المختصة بسبب مخالفة القوانين واللوائح المنظمة لممارسة هذا النشاط كتعيين قصر أو أجانب غير مرخص لهم بالعمل أو عدم حملهم للشهادة الصحية أو استخدام أو بيع مواد منتهية الصلاحية أو الإخلال بشروط النظافة أو الصحة العامة وغيرها من الشروط المنظمة لممارسة الأنشطة التجارية. ويكون الغلق في هذ الحالة مؤقتًا لحين إزالة أسباب المخالفة أو استيفاء صاحب المحل أو المؤسسة الخاصة للشروط المقررة لممارسة النشاط. وقد يكون الغلق الإداري دائمًا وذلك في حالة الإخلال بالنظام والآداب العامة كإعداد أمكنة لتعاطي المخدرات أو ممارسة الدعارة وغيرها من الأفعال المنافية للنظام والآداب العامة في المجتمع. ويصدر الغلق الإداري سواء المؤقت أو الدائم من الجهة الإدارية المشرفة على ممارسة النشاط أو من وزير الداخلية أو غيره بحسب الأحوال. وفي ذلك نص المشرع الجزائري في المادة العاشرة من الأمر رقم 75/41 باختصاص الوالي بغلق المحلات والمطاعم في حالة استخدام صاحب العمل للقصر أو مخالفته لشروط التراخيص أو لقواعد الحفاظ على النظام والصحة والآداب العامة([44]). كما أجازت المادة 11 من الأمر 75/41 لوزير الداخلية الأمر بغلق بعض المشروعات والمطاعم لمدة تجاوز ستة أشهر للأسباب ذاتها، وعلى ذلك يكون للوالي سلطة الغلق لمدة لا تجاوز ستة أشهر، ولوزير الداخلية الغلق لمدة تجاوز ستة أشهر.

  1. إبعاد الأجنبي:-

يُقصد بإبعاد الأجنبي إخراج الأجنبي من إقليم الدولة المضيفة استنادًا لحقها السيادي في إبعاد من تشاء من الأجانب المتواجدين على إقليمها، ويعتبر إبعاد أو طرد الأجانب من الجزاءات الإدارية التي يمكن للإدارة توقيعها على الأجنبي في حالة مخالفته للقواعد المنظمة لدخول وإقامة الأجانب كدخوله للبلاد أو الإقامة فيها بطريقة غير مشروعة أو عدم رغبتها في تواجده على إقليمها على اعتبار أن وجوده يشكل تهديدًا لأمنها أو إساءة علاقتها بدولته. ويصدر قرار الإبعاد في هذه الحالات من الجهة المختصة بدخول وإقامة الأجانب أو من وزير الداخلية بحسب التشريع المنظم لهذا الإجراء. وقد يكون إبعاد الأجنبي بسبب ارتكابه لجريمة بسيطة([45]). وفي هذه الحالة يكون الإبعاد عقوبة تكميلية للعقوبة الجنائية المحكوم بها. وفي جميع أحوال الإبعاد يتعين أن يعامل المبعد معاملة إنسانية، وفي ذلك قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على القضاء أن يراقب الظروف التي تم فيها إبعاد الأجنبي من حيث تعرضه إلى المعاملة السيئة من عدمه([46]). وقد نص قانون الانتهاكات الإدارية الروسي الصادر سنة 2001 – Code of administrative offences of the Russian federation على ابعاد الأجنبي كأحدى الجزاءات الإدارية في المادة 7-2-3 – تحت عنوان Types of administrative sanction

المطلب الثالث

ضوابط وضمانات توقيع الجزاءات الإدارية

الجزاء الإداري رغم أنه ليس مرادفًا للعقوبة الجنائية، إلا أنه لا يوقع إلا بعد اتباع سلسلة من الإجراءات وكفالة جملة من الضمانات وصدوره من سلطة عقابية مختصة بذلك. وعلى ذلك فإن الوصول إلى توقيع جزاء إداري يستلزم التأكد من ثبوت إنتهاك المخالف للقوانين أو اللوائح أو للالتزامات المفروضة عليه، علاوة على ضرورة مراعاة قواعد إجرائية معينة لتوقيع الجزاء الإداري وإخضاعه للعديد من الضمانات تكفل عدم تعسف الإدارة لسلطتها، فلا يجوز لها أن تصدر جزاءً إداريًا يفتقر إلى السند القانوني أو تحصنًا من الاعتراض أو الطعن فيه، وعلى ذلك فسندرس في هذا المطلب فيما يلي([47]):-

الفرع الأول : الجهة المختصة بتوقيع الجزاءات الإدارية

الفرع الثاني : ضوابط توقيع الجزاءات الإدارية

الفرع الثالث : ضمانات توقيع الجزاءات الإدارية

الفرع الأول

الجهة المختصة بتوقيع الجزاءات الإدارية

تستأثر جهة الإدارة في مجال الجرائم الإدارية باختصاص الضبط والتحقيق وتوقيع الجزاء الإداري، على خلاف القواعد الإجرائية في القانون الجنائي التي تفصل بين سلطات الضبط والتحقيق والمحاكمة، لضمان استقلالية كل وظيفة على حدة، فلا يجوز للنيابة العامة أن تتولى التحقيق في واقعة وتجلس للحكم فيها، باستثناء الأوامر الجنائية، ويتم توقيع الجزاءات الإدارية بإحدى الطرق الآتية:-

أولاً: توقيع الجزاء من قبل موظف إداري:

تعهد العديد من التشريعات مهمة ضبط المخالفة وتوقيع الجزاء على الشخص المخالف إلى موظف مكلف بذلك بمقتضى القانون أو من الوزير المختص أو يفوضه بذلك، ولا تختلف مهمته في ذلك عن مهام الضبطية القضائية وإثبات المخالفات، إذ له في سبيل تأدية هذه المهمة الاطلاع على الوثائق وحجز الأشياء محل المخالفة ودخول المنشآت للاطلاع على سير العمل بها، فيتم ضبط الجريمة الإدارية بواسطة الموظف المكلف بذلك في حدود الاختصاصات المنصوص عليها قانونًا، ففي مزاولة الأنشطة التجارية يخول موظفين معينين بمتابعة أعمال هذه الأنشطة وتحرير المخالفات، إذ تنص القوانين واللوائح المنظمة لهذه الأنشطة خضوع المؤسسة للرقابة والتفتيش التي يجريها المفتش المختص، وكل تقصير أو إخلال للشروط المقررة في تراخيص مزاولة النشاط يحمل صاحب المؤسسة جزاء إداري من غرامة أو غلق أو سحب الترخيص وغيرها، ويعتبر محضر المخالفة الذي يعده المفتش أساسًا قانونًا لتوقيع الجزاء الإداري([48]).

ثانيًا: توقيع الجزاء من الوزير أو من في حكمه:-

الجزاءات الإدارية كقاعدة عامة هي قرارات إدارية فردية توقعها جهة الإدارة بوصفها سلطة مختصة بذلك قانونًا غايتها ضبط أداء الأنشطة التي يمارسها الأفراد أو المؤسسات بما يحقق المصلحة العامة([49])، وبالتالي فإن الجزاء الإداري يصدره في بعض الحالات رئيس الجهة المخولة بالإشراف على هذه الأنشطة متمثلاً في الوزير أو من في حكمه، وإذا أنيط برئيس الجهة الإدارية توقيع الجزاءات في حالة إخلال الأفراد أو المؤسسة بالالتزامات المفروضة عليها، فيتعين عليه ألا يتجاوز الاختصاص المسند إليه في هذا الشأن وإلا وصف القرار الصادر بالجزاء الإداري بعدم المشروعية، فإختصاص توقيع الجزاء الإداري في هذه الحالة منوط لسلطة إدارية عليا بالدولة، إذ يصدر عادة من الوزراء أو المحافظين ومن في حكمهم كأختصاص وزير الاقتصاد والمالية في فرنسا بتوقيع الجزاءات المقررة لمواجهة أفعال الاحتكار واختصاص وزير المواصلات الفرنسي بمقتضى القانون الخاص بتنظيم هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية بتوقيع جزاءات إدارية على المخالفين لنظام التشغيل وتقديم الخدمة([50])، واختصاص مدير عام الجمارك أو المدير المختص بتوقيع الغرامات المالية المقررة عن المخالفات الجمركية في قانون الجمارك الليبي رقم 10 لسنة 2010.

ثالثًا: توقيع الجزاء الإداري من سلطة مختصة:-

أناطت الكثير من التشريعات التي تأخذ بنظام الجزاءات الإدارية كبديل للعقوبات الجنائية مهمة توقيع الجزاءات الإدارية شديد الوطأة إلى سلطة إدارية مختصة، يمر خلالها توقيع الجزاء الإداري بسلسلة من الإجراءات لضمان الاستقلالية والحياد، وبذلك يكون قد فصلت اختصاص الإدارة ذاتها بتوقيع الجزاء وبين إناطة هذا الاختصاص لجان إدارية مستقلة. وتعد فرنسا المنشأ الأول لمثل هذه اللجنان المستقلة كلجنة مضاربات البورصة واللجنة الوطنية للإعلام([51]). وقد سار على هذا النهج المشرع الجزائري بأن أنشأ العديد من اللجان أو المجالس المستقلة تختص بتوقيع الجزاءات الإدارية – منها مجلس النقد والقروض، ولجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة، سلطة الضبط للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية([52]). وتجدر الإشارة بأن هذه اللجان ليست قضائية صرفة، إنما لجان إدارية ذات اختصاص وتعد قراراتها قرارات إدارية تخضع لرقابة القضاء الإداري، وتختلف التشريعات من حيث تبعتها الإدارية، فالبعض يعتبرها سلطة إدارية تتمتع بالشخصية الإعتبارية والبعض الآخر ينفي عنها ذلك، ومع هذا تستقل في أعمالها عن الجهة الإدارية التابعة لها، فلا تملك الأخيرة إلغاء قراراتها أو تعديلها أو سحبها، إنما تخضع في ذلك لولاية القضاء الإداري([53]).

الفرع الثاني

ضوابط توقيع الجزاءات الإدارية

إن اختصاص جهة الإدارة بتوقيع الجزاءات الإدارية على المخالفين لأحكام القوانين واللوائح في بعض المجالات، ومنحها السلطة التقديرية في اختيار الجزاء المناسب يخضع لعدة ضوابط لضمان مشروعيتها وتحقيق أهدافها وعدم تعارضها مع مقتضيات العدالة. فالإدارة ليس لها مطلق الحرية في معاقبة المخالفين شأنها شأن العقوبات الجنائية، وسنبين فيما يلي أهم هذه الضوابط:

أولاً: شرعية الجزاء الإداري:-

يعد مبدأ الشرعية – لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص – من المبادئ الأساسية في كافة التشريعات العقابية الجنائية والإدارية على السواء، وتكرسه العديد من الدساتير، فلا يجوز معاقبة الشخص عن فعل أو امتناع ما لم يوجد نص يحظر هذا الفعل أو الامتناع ويقرر له عقوبة، ولكن مبدأ الشرعية في المجال الإداري يتسم بنوع من الخصوصية والمرونة. فإذا كان المشرع الجنائي يحدد بشكل حصري الأفعال والامتناعات التي تشكل جرائم جنائية ويحدد أركانها تحديدًا واضحًا، ويبين العقوبات المقررة لها، ويمنح للقاضي سلطة تقديرية في تحديد نوع العقوبة ومقدارها وفقًا لضوابط معينة. فإن المشرع الإداري لم يحدد الأفعال والامتناعات التي تشكل مخالفات إدارية بل وضع نصوصًا عامة تفرض التزامات معينة يشكل الخروج عنها أو انتهاكها جريمة إدارية، وحصر الجزاءات التي يجوز للإدارة توقيعها على المخالف. ذلك أن النظام العقابي الإداري يتسم بنوع من المرونة في تكييف الفعل المرتكب من حيث عدم المشروعية، إلا أن هذه المرونة لا تخول جهة الإدارة توقيع جزاء إداري لم ينص عليه القانون ويمنحها سلطة تقديرية في اختيار الجزاء المناسب المقرر، وتختفي هذه السلطة إذا ما نص القانون صراحة على توقيع جزاء محدد لمخالفة معينة. إذ يتعين على الإدارة توقيع الجزاء المقرر عند ثبوت المخالفة، فلا يجوز لها توقيع جزاء لم يرد بشأنه نص، ذلك أن مبدأ لا جريمة ولا عقوبة بغير نص يسرى أيضاً على الجرائم الإدارية، فلا يجوز لجهة الإدارة التغاضي عنه نظرًا لما يمثله من ضمانة لحقوق الأفراد وحرياتهم([54]).

ثانيًا: شخصية الجزاء الإداري:-

يخضع الجزاء الإداري لذات القاعدة المقررة في العقوبات الجنائية في أنه ينحصر توقيعها على مرتكب السلوك المخالف سواء بوصفه فاعلاً أم شريك، فالجزاء لا يطال إلا الشخص المسؤول عن الجريمة الإدارية، إذ تؤدي مخالفة هذه القاعدة إلى بطلان القرار الإداري الجزائي. ولا تعني قاعدة شخصية الجزاءات الإدارية عدم امتداد آثارها غير المباشرة إلى الغير، فالجزاء الإداري بغلق المؤسسة يمس العاملين بهذه المؤسسة بفقدهم عملهم ومصدر رزقهم وغيرهم من الناحية الواقعية إذ أن الجزاء في هذه الحالة لا تتوقف آثاره عند الشخص المخالف، بل تمتد لأسرته، وكذلك الجزاءات المالية، وعلى ذلك فإن المعول عليه في شخصية الجزاء الإداري هو عدم توقيعه على غير مرتكب الجريمة، بصرف النظر عن امتداد آثاره غير المباشرة للغير، والقول بغير ذلك يؤدي إلى تعطيل الجزاءات الإدارية.

ثالثًا: عدم رجعية الجزاء الإداري:-

يعتبر مبدأ عدم الرجعية من أهم مبادئ قانون العقوبات بأن لا تسري نصوص التجريم والعقاب على الوقائع اللاحقة لصدوره، إنما تطبيق بأثر فوري على الوقائع التي وقعت أثناء نفاذه، وذلك لحماية الأفراد من تعسف السلطات([55]). ويعد تطبيقًا لمبدأ الشرعية “لا جريمة ولا عقوبة بدون نص”. وعلى ذلك لا تجوز المعاقبة إلا عن الأفعال التي تعد جرائم وقت ارتكابها، ولا يجوز توقيع عقوبة غير العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجرم. ولا يقتصر تطبيق مبدأ عدم الرجعية على النصوص الجنائية، إنما ينصرف إلى كل نص عقابي بما في ذلك الجزاء الإداري. ويعد ذلك من نتائج مبدأ شرعية الجزاءات الإدارية، ومن متطلبات العدالة والإنصاف، إذ ليس من العدل أن يفاجأ الشخص بوقوعه تحت طائلة العقاب عن فعل كان مباحًا وقت إتيانه. ويسري على مبدأ عدم رجعية الجزاء الإداري على ما يسري على العقوبات الجنائية من استثناء خاص بالقانون الأصلح للمتهم، فإذا ارتكب فرد أو مؤسسة مخالفة في ظل قانون معين، ثم صدر قانون جديد يخفف الجزاء عن هذه المخالفة، فإنه يكون هو الأولى بالتطبيق باعتباره أصلح للمخالف، وكذلك يطبق الجزاء الإداري الذي نص عليه القانون الجديد إذا كانت المخالفة قد ارتكبت في ظل قانون قديم واستمرت إلى حين قانون جديد يقرر لها جزاءً أشد، وهو ما يطلق عليه رجعية القانون الجديد استنادًا إلى طبيعة المخالفة المرتكبة([56]).

رابعًا: تناسب الجزاء الإداري مع المخالفة:-

يعني التناسب بين الجزاء الإداري والمخالفة المرتكبة الموازنة بين الجزاء المراد توقيعه والمخالفة المرتكبة، وهو يعد من الأصول العقابية الحديثة التي تفرضها مقتضيات العدالة. فلا تبالغ الإدارة في اختيار الجزاءات وتوقيعها على المخالف، ولا أن تسرف في التساهل غير المبرر مع المخالف، إنما عليها أن تختار العقوبة التي تراها مناسبة لمواجهة المخالفة وتحقق غرضها في ردع المخالف وغيره ممن يرتكب ذات الفعل، ولقد أكد مجلس الدولة الفرنسي على ذلك حين أقر “لا يقتصر تطبيق مبدأ التناسب على الجزاءات الجنائية، وإنما يمتد تطبيقه على كل جزاء يتسم بصفة الردع حتى لو عهد تطبيقه إلى جهة غير قضائية([57]) وعلى ذلك لا تترك للإدارة سلطة مطلقة في تقدير الجزاءات وتوقيعها، ولذا تخضع الجزاءات الإدارية لرقابة القضاء لمدى مراعاة جهة الإدارة لمبدأ التناسب بين الجزاء والمخالفة.

الفرع الثالث

ضمانات توقيع الجزاءات الإدارية

بالإضافة إلى ضوابط توقيع الجزاءات الإدارية السابق ذكرها، فإن ثمة قواعد إجرائية تخضع لها الجزاءات الإدارية تكفل حماية الحقوق والحريات وعدم تعسف الإدارة في إصدار الجزاءات الإدارية، فلا يجوز للإدارة أن تستأثر بتوقيع الجزاءات الإدارية دون أي ضمانات تحد من انحرافها وتعسفها في السلطة المخولة لها بتوقيع الجزاءات الإدارية، وهذه الضمانات تشبه إلى حد كبير الضمانات المقررة في القوانين الإجرائية الجنائية، وفيما يلي أهم هذه الضمانات:-

أولاً: إجراءات الضبط والتحقيق:-

إن إجازة توقيع الجزاءات الإدارية من قبل السلطة التنفيذية (جهة الإدارة) لا يتم دون قيد أو شرط، إنما يتعين اتباع إجراءات معينة، تختلف تبعًا لطبيعة المخالفة وجسامتها، ففي بعض المخالفات الإدارية البسيطة يتم توقيع الجزاء الإداري من قبل الموظف المختص الذي يضبط المخالفة، وإثباتها في نموذج خاص يقرر فيه الجزاء الذي وقعه على المخالف أو يتعين توقيعه عليه، ويتبع هذا الإجراء في مخالفات المرور([58]) والمخالفات المتعلقة بالنظافة والصحة العامة والأسعار والمقاييس والأوزان وغيرها.

وثمة مخالفات إدارية أخرى يتطلب توقيع الجزاءات الإدارية ضرورة اتخاذ سلسلة من الإجراءات، فالسلطة المختصة بتوقيع الجزاء ليس الموظف الذي ضبط الواقعة أو حققها، إنما هذا الحق أصيل لرئيس الجهة الإدارية، فعلي سبيل المثال يتولى رجل الجمارك بضبط المخالفات الجمركية وإعداد محاضر جمع استدلال بشأنها وفقًا للقواعد الإجرائية المقررة، ويحيل المحضر إلى رئيس مصلحة الجمارك لمعاقبة المخالف (وفقاً للمادة 201 من القانون رقم 10 لسنة 2010م بشأن الجمارك) التى تنص “تفرض الغرامات المنصوص عليها في المواد السابقة بقرار من المدير المختص ويجب أداؤها خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلان المخالفة…”. ويكون الجزاء في هذه الحالة في شكل قرار إداري صادر من الإدارة المختصة باعتبار ذلك إحدى الآليات التي تلجأ إليها الدولة في ردع المخالفين. وعلى ذلك يشترط لصحة الجزاء الإداري أن تضبط المخالفة من موظف مختص ينتمي إلى جهة إدارية يعهد إليها بمباشرة الضبط وسماع أقوال المخالف والانتقال إلى مكان وقوع المخالفة ودخول الأماكن والمنشآت والاطلاع على الأوراق والمستندات وحجز الأشياء محل المخالفة، وإحالة المخالف إلى المسؤول الإداري أو اللجنة الإدارية المختصة بتوقيع الجزاء بعد إقناعها بأنه المسؤول عن المخالفة وهو من ارتكبها، فتوقيع الجزاء مرهون باتباع هذه الإجراءات، وإلا وصف بالبطلان، لذا تعتبر إجراءات الضبط والاستدلال من قبل موظف معين واختصاص آخر بتوقيع الجزاء ضمانًا يحد من تطرف الإدارة في إصدار الجزاءات الإدارية.

ثانيًا: الدفاع والمواجهة:-

الإجراءات المتخذة من قبل جهة الإدارة في معاقبة المخالف إداريًا يعد صورة مبسطة للدعوى الإدارية والجنائية، إذ يراعى فيها أهم مبدأ من المبادئ الدستورية. وهو مبدأ المواجهة والحق في الدفاع ، فمن الضروري تنبيه المخالف وإبلاغه بالتهمة المنسوبة إليه، وإعطائه المهلة الكافية لإعداد دفاعه([59]). ولقد أكد المجلس الدستوري الفرنسي القيمة الدستورية لهذا المبدأ باعتباره من المبادئ الواجب توافرها عند توقيع أي جزاء، فلم يعد الأمر مقتصرًا على العقوبات الجنائية فحسب([60])، إنما تم توسيعه ليشمل كافة صور الجزاء، وبالتالي يكون لزامًا على السلطة الإدارية عند توقيع الجزاء الإداري كفالة حق الدفاع والمواجهة للمخالف. وكذلك أكد التشريع الجزائري على ذلك إذ قرر “إن سحب الترخيص يقتضي أن يتم من قبل اللجنة المختصة بذلك بعد أن يقوم الموظف المختص بتحرير محضر المخالفة، وإعلان اللجنة المختصة المخالف بالمخالفة المنسوبة إليه وتمكينه من الدفاع عن نفسه قبل توقيع الجزاء الإداري والنطق به. وأن الإخلال بهذا الإجراء يجعل قرار سحب الترخيص باطلاً يجوز الطعن فيه بالإلغاء أمام القضاء المختص”([61]).

ثالثًا: الطعن في القرار الجزائي:-

إلى جانب الضمانات الأساسية من مواجهة وحق دفاع وتسبيب للقرارات الجزائية، تخضع الإدارة فيما تصدره من قرارات بإرادتها المنفردة بتوقيع جزاءات إدارية للرقابة بنوعيها لضمان مشروعيتها ومنع التعسف والجور في إصدارها وعدم تجاوز حدود القانون، ذلك أن الإدارة في دولة القانون يجب أن تخضع للشرعية وللرقابة الذاتية والقضائية، ولذا فإن القرارات الإدارية المتضمنة لجزاءات إدارية كغيرها من القرارات الإدارية إذا خالفت مبدأ الشرعية الإدارية تكون قابلة للإلغاء، فالإدارة عند ممارستها لاختصاصها في إصدار الجزاءات الإدارية يجب أن تستند في ذلك إلى سند قانوني يبيح لها ذلك. فرقابة المشروعية على أعمال الإدارة تجيز الطعن في قراراتها غير المشروعة. فضلاً عن المطالبة بالتعويض عن ما ترتبه من ضرر. وتتخذ الرقابة على مشروعية القرارات الإدارية المتضمنة لجزاءات إدارية إلى نوعين من الرقابة – رقابة ذاتية تقوم بها الجهة الإدارية مصدرة القرار من خلال تظلم يقدمه الشخص الذي وقع عليه الجزاء الإداري، فتقوم جهة الإدارة بمراجعة قرارها وتصحيحه إذا ثبت لها عدم مشروعيته، وهذه الرقابة قد يقوم بها الموظف الذي أصدر القرار الجزائي بأن يراجع بنفسه القرار الذي أصدره، فإذا اكتشف وجود خطأ فيه، قام من تلقاء نفسه بتعديله أو إلغائه بما له من سلطة خولها له القانون، وقد تكون الرقابة الذاتية رئاسية يجريها الرئيس الإداري على أعمال مرؤوسه الذي أصدر قرار الجزاء الإداري، كالغرامات في مجال المرور والضرائب، وقد تكون الرقابة أمام لجنة أو هيئة إدارية يخولها القانون النظر في التظلمات من قرارات الجزاءات الإدارية كاللجان المختصة بنظر التظلمات من الغرامات التي تفرضها مصلحة الضرائب، إلى جانب الرقابة الذاتية على الجزاءات الإدارية توجد رقابة قضائية يمارسها القضاء على القرارات الإدارية ذات الطابع الجزائي من حيث صحة القرار ذاته بتوافر أركانه من شكل واختصاص ومحل وسبب وغاية، ومن حيث عدم تعسف الإدارة في استعمال سلطتها، فإذا ثبت للقضاء عدم مشروعيته قضى بإلغائه([62]).

الخاتمــة

من خلال دراستنا للنظام العقابي الإداري الذي تتولى فيه جهة الإدارة سلطة توقيع الجزاء على المخالفين للقوانين واللوائح في الجرائم قليلة الخطورة وفي غير مجالي التأديب والعقود الإدارية، خلصنا إلى جملة من النتائج هي:-

  1. إن اتباع نظام عقابي يخول جهة الإدارة معاقبة المخالفين في الجرائم قليلة الخطورة يعد أحد موجهات السياسة الجنائية في الحد من التجريم والعقاب والتخفيف عن كاهل القضاء.
  2. إن تطبيق نظام الجزاءات الإدارية كبديل للعقوبات الجنائية في الجرائم قليلة الخطورة يمنع من الآثار السلبية لعقوبات الحبس قصير المدة.
  3. إن الكثير من الأفعال غير المشروعة ليست في حاجة إلى جزاءات جنائية، فالعديد منها تكفل الجزاءات الإدارية ردع المخالف.
  4. ملاءمة الكثير من الجزاءات الإدارية للعقاب عن بعض الأفعال غير المشروعة وقبول الضمير الاجتماعي لها.
  5. إن الإدارة بحكم تنظيمها وما تملكه من موظفين أكفاء وكوادر وظيفية مؤهلة يمكنها أن تتولى مهمة العقاب عن الأفعال غير المشروعة عن الأنشطة التي تخضع لإشرافها ومتابعتها طالما لا تتسم بالخطورة أسوة بالسلطة القضائية، ولا مخافة من توليها هذا الاختصاص متى خضعت قراراتها في هذا الشأن للرقابة الذاتية والقضائية.

ثانيًا: التوصيـات:-

من خلال النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث نوصي بالآتي:-

  1. تبني المشرع الليبي لنظام الجزاءات الإدارية كبديل للعقوبات الجنائية قصيرة المدة والغرامات المالية، في العديد من الجرائم قليلة الخطورة كالمرور والجمارك والضرائب والبيئة وغيرها على غرار ما هو معمولاً به في التشريعات الحديثة، والحد من استخدام القانون الجنائي بآلياته المعقدة وإجراءاته المطولة في الجرائم البسيطة التي لا تستدعي التدخل القضائي لمعاقبة المخالفين بعقوبات شديدة. فإقرار جزاءات إدارية في العديد من الجرائم البسيطة تكون أكثر فعالية في تحقيق الردع بنوعيه وأكثر قبولاً لدى الضمير الاجتماعي، إذ أن تحقيق العدالة ليست حكرًا على القضاء، فبإمكان الإدارة الجيدة والمؤهلة القيام بذلك.
  2. إصدار تشريع خاص يحكم الجزاءات الإدارية.

المراجــع

المراجع العربية:-

  • أمين مصطفى محمد: النظرية العامة لقانون العقوبات الإداري، دار الجامعة الجديدة، 1996م.
  • أحمد مجبور: المنازعات الإدارية، دار المطبوعات الجامعية، الطبعة السادسة، 2008م.
  • د. أحمد عوض بلال – مبادئ قانون العقوبات المصري – دار النهضة العربية، 2009م.
  • أنس جعفر عبد السلام: القرارات الإدارية، دار النهضة العربية، 2004م.
  • تامر محسن أبو حجة العجمي: الجزاءات الإدارية التي توقعها الإدارة بمناسبة النشاط الإداري في غير مجال العقود الإدارية والتأديب، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 2010م.
  • د. خليفة الجهمي – المساءلة التأديبية عن المخالفة المالية في الوظيفة العامة، المصرية للنشر والتوزيع، 2017م.
  • رمسيس بهنام: الكفاح ضد الإجرام، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1996م.
  • د. رمضان بطيخ: المسؤولية التأديبية لعمال الحكومة والقطاع العام، دار النهضة العربية، 1999م.
  • سمير الجنزوري: الغرابة الجنائية – دراسة مقارنة، منشورات المركز القانوني للبحوث الاجتماعية والجنائية، 1967م.
  • شريف سيد كامل: الحبس الاحتياطي قصير المدة في التشريع الجنائي، دار النهضة العربية، 1999م.
  • صوالحية عياد: الجزاءات الإدارية العامة، رسالة ماجستير، جامعة العربي بن مهدي، أم البواقي، 2013م.
  • عبد الرحمن حلفي: التحول عن العقاب الجنائي إلى العقاب الإداري، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة عبد الرحمن ميرة.
  • عبد الغني بسيوني: القضاء الإداري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2003.
  • عبد العزيز عبد المنعم خليفة: ضمانات مشروعية العقوبات الإدارية، دار الجامعة الجديدة، 1996.
  • عبد العزيز عبد المنعم خليفة: ضمانات مشروعية العقوبات الإدارية العامة، المركز القومي للإصدارات القانونية، 2008م.
  • غنام محمد غنام: القانون الإداري الجنائي، دار النهضة العربية.
  • غزاوي عبد الرحمن: الرخص الإدارية في التشريع الجزائري، رسالة دكتوراه، جامعة بن كلتون، الجزائر، 2005.
  • محمد باهي أبو يونس: الرقابة القضائية على شرعية القرارات الإدارية، دار الجامعة الجديدة، 2000.
  • محمد سعد فؤدة: النظام القانوني للعقوبات الإدارية، دار الجامعة الجديدة للنشر والتوزيع، الإسكندرية، 2006.
  • د. مصطفى أبو زيد: القانون الإداري – الجزء الثاني، دار المطبوعات الحديثة، ص 1990م.
  • مصطفى عفيفي: فلسفة العقوبات التأديبية وأهدافها، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 1976م.
  • محمد سامي الشوا: القانون الإداري الجزائي، ظاهرة الحد من العقاب، دار النهضة العبية.
  • محمد حسن عبد العال: فكرة السبب في القرار الإداري ودعوى الإلغاء، دار النهضة العربية، 1971.
  • د. محمد عبد الله الحراري: الرقابة على أعمال الإدارة في القانون الليبي، المركز القومي للبحوث والدراسات العلمية، سنة 2003م.
  • د. محمد مرغني خيري: نظرية التعسف في استعمال الحقوق الإدارية، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، 1978.
  • محمود حلمي: موجز مبادئ القانون الإداري، دار النشر الجديدة، الطبعة الأولى، 1990م.
  • سمير سعادة: الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة، دار الفكر القانوني، المحلة الكبرى، 1994.
  • د. سليمان الطماوي: الجرعة التأديبية، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1975.
  • د. سليمان الطماوي: القضاء الإداري، الكتاب الأول، قضاء الإلغاء، دار الفكر العربي، 1996.
  • نسيغة فيصل: الرقابة على الجزاءات الإدارية في النظام القانوني الجزائري، رسالة ماجستير، جامعة محمد خيصر بسكره، 2011م.

المراجع الأجنبية:

  • A. Hinfray. La réglementation administrative des débits de boissons. A.J.D., 1986.
  • Adnan Hamed Mansa, The administrative criminal penalty in Iraq and compartive Law vol. 36.
  • Agne adrij – The principle and administrative punishment Mars 2020.
  • R.F. Moderne le pouvoir de sanction administrative au confluent du droit interne et des droits européens. R.I.D.A., 1997.
  • G. Levasseur. Renaissance des sanction administratives et renforcement de la répression pénale, 1961.
  • Ilubert Gerad. sanctions administrative les droits administratif entre science administrative et droit public économique, Pars, 1998.
  • Jean Benard, Auby Roland. Traité de contentieux administratif vol une, Paris, 1975.
  • J.M. Auby. Les sanctions administrative en matière de circulation automobile, 1995.
  • Maiciej Benatt, administrative sanctions between effecieny and procedural fairness university of warsaw Review of European union 2006 vol. M.
  • M. Leffondre Resechech sur les sanction administrative et leur nature juridique Caen, 1973.
  • Aachid Zouaimia. Les autorité administratives Independence et la régulation économique en Algérie, 2005.
  • P. Cacaud. Administrative sanction in fisheries law FAO legislative study, 2003.
  • Teitgan-Colley. Sanctions administrative et autorités administrative, L.P.A., 1990.

الهوامش:

  1. () د. شريف سيد كامل : الحبس قصير المدة في التشريع الجنائي الحديث، دار النهضة العربية، سنة 1999، ص 2.

    – نص المشرع الفرنسي تحت تأثير أفكار حركة الدفاع الاجتماعي الجديد على استبدال عقوبة الحبس قصر المدة بعدة بدائل جديدة. بمقتضى القانون الصادر في 11 يوليو 1975م ثم تدخل مرة أخرى بمقتضى القانون الصادر في 15 يونيو 1983م بإدخال بدائل أخرى للحبس قصير المدة. راجع في ذلك د. رمسيس بهنام، الكفاح ضد الإجرام، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1996م، ص 167.

  2. () نص المشرع الفرنسي في قانون العقوبات الجديد على عقوبة العمل للمصلحة العامة la travail d’intérêt général في الجنح في المادة 131/3 وخول المحكمة إحلال هذه العقوبة محل عقوبة الحبس في المادة 131/8 ونص على الغرامات اليومية les jours-amendes كبديل للحبس ونظم أحكامها في المواد 131/3/ 131/9، 131/35 من قانون العقوبات.

    اعتمد البرلمان الايطالي في مايو سنة 2014 القانون رقم 67 لسنة 2014 الذي ينص على وضع بدائل للعقوبات التقليدية كالاحتجاز المنزلي والعمل المجتمعي وتحويل الانتهاكات الجنائية إلى جرائم إدارية – إصلاح شامل للعقوبات الجنائية – Overhaul of criminal penalty .

  3. () د. محمد سامي الشوا – القانون الإداري الجزائي (ظاهرة الحد من العقاب – دار النهضة العربية – ص 48.

    نص الاتحاد الأوروبي في التوجيه (aml. d4) 849/2015 في المادة 62 على تشكيل سلطات مختصة برفض جزاءات إدارية administrative sanctions على الشركات التى تخالف الالتزامات المفروضة عليها.

  4. () د. محمد شامي الشوا، المرجع السابق، ص 49.

    الجزاءات الإدارية بهذا المعنى – هي وسيلة جديدة تساعد الإدارة في ضبط الأفراد من أجل تطبيق القواعد القانونية، وهي بهذا المعنى يكون موضوعها فرض عقوبة على مخالفة عدم الالتزام بالقواعد القوانين توقعها جهة الإدارة وليست جهة قضائية.

  5. () د. أمينة مصطفى محمد: النظرية العامة لقانون العقوبات الإدارية، دار الجامعة الجديدة، 1996م، ص 66.
  6. () د. عبد العزيز عبد المنعم خليفة، ضمانات مشروعية العقوبات الإدارية العامة، المركز القومي للإصدارات القانونية، 2008، ص 12.
  7. () عرف البعض الجزاءات الإدارية بأنها تلك العقوبة ذات الخاصية العقابية والتي توقعها سلطة إدارية عادية أو مستقلة كالهيئات الإدارية المستقلة بواسطة إجراءات إدارية معينة وهي بصدد ممارستها لسلطاتها العامة تجاه الأفراد. د. محمد سعد فوده: النظام القانوني للعقوبات الإدارية، دار الجامعة الجديدة للنشر والتوزيع بالإسكندرية، سنة 2006م، ص 65.

    – administrative penalties are penalties that can be imposed on individuals or companies who fall to comply with requirements of a statute or regulation or an order given by Ministry official.

  8. () Adnan Hamed Monsa – The administrative criminal penalty in Iraq and compartive law vol.36, 2021, p.2.
  9. () د. مصطفى أبو زيد فهمي: القانون الإداري، الجزء الثاني، دار المطبوعات الحديثة، سنة 1990، ص 201،

    – عبد العزيز خليفة: الانحراف بالسلطة كسبب لإلغاء القرار الإداري، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، سنة 2000، ص 95.

  10. () غنام محمد غنام: القانون الإداري الجنائي، دار النهضة العربية، ص 6.

    Raihid Zouaimia: Les autorité administratives indépendantes et la régulation économique en Algérie édition Houma, 2005, p. 13.

  11. () د. محمود حلمي: موجز مبادئ القانون الإداري، دار النشر الجديدة، الطبعة الأولى، سنة 1990م، ص 60.

    محمد باهي أبو يونس: الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات الإدارية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2000م، ص 19.

  12. () د. محمد سامي الشوا، مرجع سابق، ص 19.

    غنام محمد غنام: مرجع سابق، ص 31.

  13. () صوالحية عماد: الجزاءات الإدارية العامة، رسالة ماجستير، جامعة العربي بن مهدي، أم البواقي، سنة 2013، الجزائر’ ص 35.
  14. () صوالحية عماد: المرجع السابق، ص 39.

    – أحمد عيد: المنازعات الإدارية، دار المطبوعات الجامعية، الطبعة السادسة، سنة 2008، الجزائر، ص 185.

    Hubert Gerad Sanctions administratives les droit administratif entre science administrative et Droit public économique, Paris, 1998, p. 1122.

  15. () Louis Favoreu – le Droit administrative et droit constitionnel, Paris – Dalloz, 1989, p. 144.
  16. () محمد غنام محمد غنام: مرجع سابق، ص 33.
  17. () د. عبد العزيز خليفة عبد المنعم: مرجع سابق، ص 26.

    – د. محمد سعد فودة: النظام القانوني للعقوبات الإدارية، 2006، ص 82.

    – د. أمين مصطفى محمد: مرجع سابق، ص 341.

  18. () د. عبد العزيز خليفة عبد المنعم: مرجع سابق، ص 12.

    – Arb- (Amended SG No sgl 1992) An administrative violation shall be such are act (action or omission) that violations the established of state government has been committed guilty and has ruled punished by an administrative sanction to be following and administrative procedure.

  19. () راجع في بدائل الحبس الاحتياطي، د. شريف سيد كامل: مرجع سابق، ص 16 وما بعدها.
  20. () حكم المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 8/12/1998 بجلسة إدارة قضايا الدولة سنة 1969، ص 165.
  21. () مصطفى عفيفي: فلسفة العقوبة التأديبية وأهدافها، رسالة دكتوراه، كلي الحقوق، جامعة عين شمس، سنة 1976م، ص 36.
  22. () د. أنس جعفر: القرارات الإدارية، دار النهضة العربية، سنة 2004، ص 55.

    – Persons Liable to administrative sanction.

    – Liable for administrative offeces committed in carring out the activity of comperises.

    – When the author of an administrative offeces has acted in fulilment of unlawful octs.

    – Liable to administrative sanctioning shall be persons of age who hare accomplished 18 years of age whe he committed offence.

  23. () alternative to criminal punishment – See Grenard V. Bradley Notre Dame Law school Journal Articles 2003 p. 20.
  24. () نسيغة فيصل: الرقابة على الجزاءات الإدارية العامة في النظام القانوني الجزائري، رسالة ماجستير، جامعة محمد خيصر بسكره، سنة 2011م، ص 28.
  25. () نسيغة فيصل: المرجع السابق، ص 29.

    – د. محمد سامي الشوا: مرجع سابق، ص 30.

    – مصطفى أمين محمد: مرجع سابق، ص 32

  26. () د. أمين مصطفى محمد: مرجع سابق، ص 39.
  27. () د. محمد سعد فوده: مرجع سابق، ص 47.

    عبد الرحمن خلفي: التحول عن العقاب الجنائي إلى العقاب الإدارية، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة عبد الرحمن ميرة، ص 100.

  28. () د. أمين مصطفى محمد: مرجع سابق، ص 39.

    – Dr. Maciej Bernatt, Administrative sanction between effecieny and procedural fairness. University of warsaw – Review of European, p.5.

  29. () عبد الغني بسيوني: القضاء الإداري، منشأة المعارف، الإسكندرية، سنة 2003م، ص 664.

    – د. محمد حسين عبد العال: فكرة السبت في القرار الإداري ودعوى الإلغاء، دار النهضة العربية، 1971م، ص 72.

  30. () د. أمين مصطفى محمد: مرجع سابق، ص 277.
  31. () نسبغة فيصل: مرجع سابق، ص 189.

    – Legal regulation of administrative autority to impose administrative sanctions and other administrative measures. Dr. Maciej Benatt op. cit., p. 8.

  32. () Teitgen-Colly. Sanctions administratives et autorités: administratives. L.P.A, 1990, p.8.
  33. () J.M. Auby. Les santons administrative, en matière de circulation automobile, 1995, p. 111.
  34. () صوالحية عياد: مرجع سابق، ص 48.
  35. () Levasseur, renaissance des sanctions administratives et renforcement de la répression pénal, 1965, p. 103.
  36. () د. صوالحية عياد: مرجع سابق، ص 54.
  37. () A. Hinfray, La règlementation administrative des débits de boissons. A. J.D.A, 1986, p. 68.
  38. () – Science Direct. bttps.//doi.orgtlo.1016/jmarpol2002/05211.
  39. () – من ضمن الجزاءات الإدارية administrative fine –

    – An administrative penalty is a monetary penalty that can be impose on indivdual on companies who fail to comply requirements of astatus of negulation an order by a university official, Blcak Law office.

    P. Cacaud. Administrative sanctions in fisheries law. FAO Legislative Study, 2003, p. 46.

  40. () د. سمير الجنزوري: الغرامة الجنائية – دراسة مقارنة، منشورات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، 1967، ص 517.
  41. () F. Moderne. Le pouvoir de sanction administrative au confluent du droit interne et des droit européens. R.F.D.A., 1997, p. 55

    – راجع في ذلك ما نصت عليه المادة 211 من القانون رقم 10 لسنة 2010 بشأن الجمارك في شأن النصائح في المخالفات الجمركية.

  42. () د. أمين مصطفى – مرجع سابق ص 233.
  43. () محمد جمال عثمان جبريل: الترخيص الإداري – دراسة مقارنة، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، سنة 1992، ص 65 وما يعدها.

    Withdrawal of the licence agzement within the meaning of European union Act 2020 (see section 39 (1) and (6) of that act.

  44. () راجع تفصيل ذلك عزاوي عبد الرحمن: الرخص الإدارية في التشريع الجزائري، رسالة دكتوراه، جامعة بن عكنون، الجزائر، سنة 2005م، ص 301 وما بعدها.
  45. () بينت المادة 17 من القانون الليبي رقم 6 لسنة 1987م بشأن تنظيم دخول وإقامة الأجانب الحالات التي يجوز فيها لمدير عام الجوازات والجنسية إبعاد الأجنبي.

    – تنص المدة 51 من القانون رقم 5 لسنة 2023 بشأن الجرائم الإلكترونية على إبعاد الأجنبي في حالة ارتكابه لإحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.

    – نصت المادة 158 من قانون العقوبات الليبي على إبعاد الأجنبي باعتبار ذلك أحد التدابير الشخصية.

  46. () حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في القضية رقم 42 Cr الصادر في 20 مارس 1991م سلسلة المعاهدات الدولية رقم 2، ص 118.

    راجع: عبد اللطيف قبة: إبعاد الأجانب على ضوء اجتهاد الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، رسالة ماجستير، جامعة يوسف بن جبره، الجزائر، 2007، ص 116.

    – The following administrative sanctions may be stipulated and infincted for the commission of administrative violation – public censure – fine – temporary deprivation of the rights.

  47. () نصت المادة 62 من التوجيه (amd4) الأوروبي 849/2015 أن فرض السلطات الإدارية عقوبات وتدابير تصحيحية لتحميل الشركات المسئولية عن انتهاكاتها لالتزامات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب هي أحد الأحكام الأساسية لنظام فعال لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ويجب أن تكون العقوبات متناسبة مع الإنتهاكات وطبيعة الشركة وحجمها وأن تكون رادعة لتغيير سلوك الشركة وسلوك اقرانها – Administrative sanction in EU Law

    – من ضمانات تطبيق الجزاءات الإدارية هو خضوعها للطعن

    Appeal an administrative – European plat from for human rights.

  48. () نسيغة فيصل: مرجع سابق، ص 123.

    – تنص بعض القوانين على الغرامة الفورية كالتدخين في غير الأماكن المسموح بها، أو رمي القمامة في غير الأماكن المخصصة لها، أو السفر دون تذكرة أو بتذكرة منخفضة وغيرها من الحالات.

  49. () راجع في ذلك Imposition an Administrative penalty في المادة 4/1 من قانون الإنتهاكات الإدارية الفرنسي، والجزاء قد يوقع على شخص طبيعى أو شخص معنوى.
  50. () د. محمد سامي الشوا: مرجع سابق، ص 69 وما بعدها.

    – M. Leffondre, Recherche sur les sanctions administrative et leur nature juridique Caen, 1973, p. 45.

  51. () نسيغة فيصل: مرجع سابق، ص 126.
  52. () نسيغة فيصل: المرجع السابق، ص 127.

    نص قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم 27 لسنة 2009 على منح وزير البيئة أو من يخوله ممن لا تقل درجته عن مدير عام سلطة فرض غرامة مالية لا تقل عن مليون دينار ولا تزيد عن عشرة ملايين دينار وتكرار هذه الغرامة.

    أجاز القانون رقم 97 لسنة 1976 م بشأن تنظيم العمل بالنقد الأجنبيى الوزير المختص إصدار قرارات تبين الشروط والأوضاع التي يتم فيها تحويل النقد. ونص على عقاب من يخالف هذه القرارات.

    قانون الدفاع المدني العراقي رقم 44 لسنة 2013 حول مدير عام الدفاع المدنى صلاحية فرض الغرامة في الدعاوى الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في المادتين 20، 21 من هذا القانون.

    قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009 العراقي منح وزير البيئة أو من يخوله ممن لا تقل درجته عن مدير عام سلطة فرض غرامة مالية لا تقل عن مليون دينار ولا تزيد عن عشرة ملايين دينار وتكرار هذه الغرامة شهرياً حتى إزالة المخالفة….”.

  53. () د. سليمان الطماوي: القضاء الإداري، الكتاب الأول، قضاء الإلغاء، دار الفكر العربي، 1996م، ص 215.

    د. محمد عبد الله الحراري: الرقابة على أعمال الإدارة في القانون الليبي، المركز القومي للبحوث والدراسات العلمية، الطبعة الرابعة، 2003م، ص 234.

    – The principle of legality and administrative – punishment Agne Andrij Mars 2020, p.6.

  54. () د. رمضان بطيخ: المسؤولية التأديبية لعمال الحكومة والقطاع العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999، ص 15.
  55. () د. خليفة الجهمي: المساءلة التأديبية عن المخالفة المالية في الوظيفة العامة، المصرية للنشر والتوزيع، 2017م، ص 404 وما بعدها.

    – أنظر حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية الصادر في الطعن رقم 259/32 ق بتاريخ 7/11/1992م (الموسوعة الإدارية الحديثة للأستاذ ين نعيم عطية وحسن التايهان، ج29، ص 315.

    – Operation of the legislation on administrative offence in time (safeguards of administrative sanctions.

  56. () د. أحمد عوض بلال – مبادئ قانون العقوبات المصري – القسم العام – دار النهضة العربية سنة 2009 ص103.
  57. () محمد مرعي خيري: نظرية التعسف في استعمال الحقوق الإدارية، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، 1978م، ص 71.

    – راجع أيضًا: سمير سعادة: الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة، دار الكتب القانونية، المحلة الكبرى، 1994م، ص 144.

    – ينص قانون الإنتهاكات الإدارية الروسي رقم الصادر سنة 2001 كالمساواة أمام القانون Equality before law، وافتراض البراءة presumption innocence، في المادة 1.4، والمادة 1.5 وعلى موانع المسئولية كالحاجة الماسة urgent Need والمرض العقلي insanity في المادة الثامنة فقرة 7، 8.

  58. () كانت تنص المادة 66 من قانون المرور الليبي رقم 11 لسنة 1984م “يلزم المخالف الذي يضبط مرتكبًا لإحدى المخالفات المنصوص عليها في المادة 44 من قانون المرور بأن يدفع فورًا أربعة دنانير إذا كان المخالف قائد مركبة آلية ودينارًا واحدًا إذا كان المخالف قائد دراجة نارية أو مركبة تجرها الحيوانات، وخمسمائة دينار إذا كان المخالف من المشاة”.

    – تنص المادة 83 من قانون المرور الفرنسي الصادر في سنة 1999 لرجل المرور إلزام المخالف بدفع الغرامة الفورية في المخالفات العادية.

  59. () د. سليمان الطماوي: الجريمة التأديبية، مرجع سابق، ص 287.
  60. () Jean-Bernard. Auby Roland – traité de contentieux administratif vol une, Paris, 1975, p. 215.
  61. () نسيغة فيصل: مرجع سابق، ص 123.

    – راجع في ذلك تامر محسن العجمي: الجزاءات التي توقعها الإدارة بمناسبة النشاط الإداري في غير مجال العقود الإدارية والتأديب، رسالة دكتوره، جامعة القاهرة، 2010م، ص 290 وما بعدها.

    – defence and confortation dicision –making process is devide into traget allocation based on distributed Act 63 Eropean union 2020.

  62. () ينص توجيه الاتحاد الأوروبي (aml. d4) 849/2015 في مادته 62 على الدول الأطراف التأكيد على لجانهم المختصة إعلان (Euro Banking association) eba بالجزاءات الإدارية والتدابير التي فرضت طبقاً للمادتين 58، 59 بما ذلك أي طعن يتعلق بها ونتائجه.

    – د. سليمان الطماوي: مرجع سابق، ص 285.