العقل العلمي عند “غاستون باشلار” بين الواقعية النفسية ورهان الموضوعية

عبد الهادي بوالباروض1

1 طالب باحث في سلك الدكتوراه تحث إشراف الدكتور محمد ابلاغ، بجامعة ابن طفيل، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية- القنيطرة (المغرب). بريد الكتروني: boulbaroudttt@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/2

تنزيل الملف                                              تاريخ النشر: 01/05/2024م تاريخ القبول: 08/04/2024م

المستخلص

يهدف البحث إلى دراسة البعد التاريخي والنفسي للعقل العلمي وفقا للبيداغوجيا الباشلارية. ويطرح معضلة البناء الموضوعي للمعرفة في خضم الدافعية النفسية للعقل العلمي، ويحاول تحليل سيرورة تكوّن الأفكار العلمية وتفحص شروطها الذاتية والموضوعية. وهي إشكالية متجددة بالنظر إلى عدم استقرار العلاقة بين الذات والموضوع وكذلك تطور الطبيعة والإنسان معا. وتمة معالجة هذا الموضوع من خلال النظر أولا في بنية العقل العلمي كفعل وليس كواقعة، لكونه غير منفصل كليا عن الشروط المؤسسة له والتي تقدم لنا العقل على صورة العالم. والنظر إليه في فترة معينة من تاريخ العلم وفي سعيه المتواصل لبناء ذاته؛ حيث كانت الحاجة إلى أدوات القياس العقلاني التجريبي للعلمية ضروريان للرهان على انتصار العقل العلمي. لكن العلم يبدو أنه لا يقوم على تقنيات القياس المنهجية وحدها بل له منشأ نفسي يصعب الانعتاق منه. وحيث كل بناء علمي له إرث من الرؤى حيال الواقع تتسرب إلى بنيته دون إرادة الفاعلين. لذلك تتجه مضامين هذه الورقة إلى دراسة سيكولوجية العقل العلمي، من خلال الممارسة الإبستمولوجية لغاستون باشلار على الظاهرة العلمية. ومن ضمن نتائج البحث هي أن الموضوعية وُضعت على المحك بحكم التحيز الذي يفترض أنه يطال العقل العلمي تبعا لواقعية ما، واصطدامها ببنيات نفسية وإبستمولوجية معقدة.

الكلمات المفتاحية: العقل العلمي، الواقعية النفسية، الموضوعية، غاستون باشلار، اللاشعور.

Research title

The scientific mind according to Gaston Bachelard between psychological realism and the bet on objectivity

Abdelhadi Boulbaroud1

1 Doctoral Research Student Under the Supervision of Dr. Mohamed Aballagh, at Ibn Tofail University, Faculty of Humanities and Social Sciences – Kenitra (Morocco).

Email: boulbaroudttt@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/2

Published at 01/05/2024 Accepted at 08/04/2024

Abstract

The research aims to study the historical and psychological dimension of the scientific mind according to Bachelardian pedagogy. It presents the dilemma of the objective construction of knowledge in the midst of the psychological motivation of the scientific mind, and attempts to analyze the process of the formation of scientific ideas and examine its subjective and objective conditions. It is a renewed problem, given the instability of the relationship between subject and object, as well as the development of nature and man together. This issue is addressed by first looking at the structure of the scientific mind as an act and not as a reality, because it is not completely separated from the conditions that establish it and which present to us the mind in the image of the world. Looking at it in a specific period in the history of science and in its continuous endeavor to build itself; The need for tools for rational, experimental measurement of science was necessary to bet on the victory of scientific reason. But science seems not to be based on systematic measurement techniques alone, but rather has a psychological origin that is difficult to escape from. Whereas every scientific structure has a legacy of visions about reality that seep into its structure without the will of the actors. Therefore, the contents of this paper are directed towards studying the psychology of the scientific mind, through the epistemological practice of Gaston Bachelard on the scientific phenomenon. Among the results of the research is that objectivity was put to the test due to the bias that is supposed to affect the scientific mind based on some realism, and its collision with complex psychological and epistemological structures.

Key Words: scientific mind, psychological realism, objectivity, Gaston Bachelard, the subconscious.

مقدمة:

يدفعنا الحديث عن المقاربة النفسية للعمليات العلمية إلى اليقظة المستمرة بوجود مشكلة كامنة في بنية العقل العلمي، والتي لا بد من الوعي بها وتضميدها قصد تجاوز حالة العضال التي طالما تلاحق المعرفة. إن وضعية المعرفة العلمية عبر تاريخها الممتد في الماضي ليست مستقرة على الإطلاق، لأنها ملاحقة دائما بدوافع لاشعورية مترسخة دون إرادة الفاعلين. لذلك يندرج موضوع هذا البحث ضمن دائرة الدراسات الباشلارية المنصبة على البعد النفسي للمعرفة العلمية، والذي يكتسي أهمية بالغة في مجال الدراسات الإبستمولوجية خاصة والدراسات الإنسانية عامة.

وفي هذا السياق، جاءت محاولة باشلار الإبستمولوجية لتسلط الضوء على إحدى الجوانب المضطربة والمؤثرة في تاريخ الأفكار وهي سيكولوجية العقل العلمي. ويوجه هذه المشكلة اهتمام باشلار نحو تحرير المفاهيم العلمية من دائرة المعرفة العامية وتقوقعها المنغلق في الواقعية النفسية. أراد باشلار أن يقوّض أسس العقل العلمي في تاريخه، بما فيها الجوهر الديكارتي البسيط ويحل محله العقل النشط المبني، تحول مفهومي في العقل العلمي رسم حدا فاصلا بين الكوجيطو الديكارتي البسيط المنغلق والعقل العلمي المعقد والمبدع والمفتوح. على اعتبار أن المعرفة بصيغتها الجديدة، والتي أفرزتها التحولات العلمية الحاصلة على مستوى العلوم الطبيعية والرياضية على وجه التدقيق، معرفة تبنى وليست معطاة بشكل جاهز.

وتستحضر الورقة بشكل أيضا، البعد الموضوعي الذي طالما يوجه الخطاب العلمي مع إبراز الصعوبات التي تعترض تحقق الموضوعية، ليس فقط في مجال علوم الإنسان، بل أيضا في مجال علوم الطبيعة. ولعل هذا ما يبرر وجود وظهور الأخطاء المتواترة في تاريخ العلم. وبصيغة استفهامية، نتساءل عن المعنى الذي من خلاله يمكن تفسير الاستدراك العلمي المتواصل لأخطائه؟ ما الذي يمنع وجود حقيقة وموضوعية علمية ثابتة؟ هل العقل العلمي فعل أم واقعة؟ إلى أي مدى يساهم التحليل النفسي للعقل العلمي في بناء المعرفة الموضوعية؟ وماهي المنهجية الملائم لقيام عقلانية علمية تنسج مع صيرورة المعرفة الموضوعية؟ وإلى حد يمكن القطع مع الواقعية النفسية في مجال العلم؟

  1. العقل العلمي بوصفه تمثيلا للواقع

يجري النظر إلى الفكر العلمي من حيث هو فعل وبناء متواصل للمجهود الإنساني في تمثيله للواقع بواسطة العقل والخبرة الحسية. ووفقا للعنوان الذي وضعه غاستون باشلار لأحد كتبه الرئيسة في مشروعه الإبستمولوجي “تكوين العقل العلمي”، ينبهنا باشلار إلى أهمية الوعي بصعوبة البناء الموضوعي للمعرفة العلمية والعوائق التي تعترض سبيل نجاح هذه العلمية، وما يلحق ذلك من مخاطر السقوط في الانفعالات السيكولوجية للفاعلين العلميين. إن المعرفة العلمية عبارة عن “فعل” ونشاط بشري منجز من طرف فاعل وليست معطى جاهز حاضر أمامنا ومنفصل عن الخبرة والمراقبة الذاتية. وهذا الأمر يقتضي _في السعي نحو الموضوعية العلمية_ دراسة السلوك العلمي وبنية النشاط البحثي اللاشعوري، وتدقيق النظر في الشروط النفسية والاجتماعية للمعرفة العلمية بتوسل أدوات التحليل النفسي الفرويدية التي ألهمت غاستون باشلار رغم تحفظه المبكر حيال هذا الامر.

ينطلق هذا البحث من فرضية أساسية مفادها أن كل عمل علمي نفسي بالضرورة. ومنه فالبناء الموضوعي للمعرفة يغذو معقدا وغير متوازن ومضطرب باستمرار، بحكم الدينامية التطورية المميزة لمفهومي العقل والواقع على حد سواء وصراعهما العريق. ويحيل هذا الأمر على مصدر العائق الإبستمولوجي. هذا الأخير، ليس مصدره الطبيعة_المادة بل العالم (الذات)، فالخطأ والوهم يكمنان في بنية تفكيرنا نحن البشر وليس في الطبيعة، والذاتية تضع نفسها كعقبة سيكولوجية أمام الفكر الموضوعي، مما يجعل تفعيل أداة النقد الداخلي للمعرفة لا مناص منه، ويجعل مساءلة النموذج الوضعي سواء في علوم الطبيعة أو في علوم الإنسان أمر ضروري ومفيد.

من أجل فحص مفهوم العقل العلمي كفعل، نرجح أن نستهل هذا البحث بفكرة جون بياجي[1] حول فكرته البنائية للذات، هذا الأخير الذي لا ينبغي النظر إليه فقط كأحد أبرز السيكولوجيين المعاصرين، ولا يستقيم أبدا حصره في دائرة البحث النفسي فحسب، لأنه إلى جانب ذلك يعد أحد المنظرين المرموقين في مجال فلسفة العلوم، لما يتميز به من نظرته الشمولية والتطورية للمعرفة العلمية، سواء في مجال العلوم الدقيقة الرياضية والفيزيائية أو البيولوجية أو في مجال العلوم الإنسانية. فإبستمولوجيا جون بياجي تمثل تقدما وتطويرا للإبستمولوجيا العلمية المعاصرة وعلم تاريخ الأفكار والتي يمثل غاستون باشلار أحد أهم وجوهها. إن المعرفة عند هؤلاء ومن سار على دربهم، ليست سوى حصيلة تاريخ تكويني للأفكار، وتقوم فلسفتهم على مبدأ البناء كصيرورة وتطور يتجه نحو الاكتمال عبر الصراع مع الظروف المؤسسة له. وتقوم فلسفة بياجي أساسا، على التركيب البيولوجي للإنسان على قدرته العقلية والتأثير يمكن أن يلحق هذا الإنسان من خلال البيئة التي ينخرط فيها عبر عملية التكيف الذي التي تقوم أيضا على منطق الصراع النفسي مع الواقع. تطور نفسي-عقلي يتّبع مسارا ينبع عن نظام من العلاقات التي تنتهي بتشكل مفاهيم معينة تتجاوز نقطة البدء الأولى، تبدأ بالمرحلة الحسية وتتجه نحو في نموها نحو العمليات المجردة والصورية. لقد طبّق بياجي في مجال فلسفة العلوم تقريبا، كل أفكاره الإبستمولوجيا، الأمر الذي أصبح معه دراسة النمو العقلي عند الطفل مثالا متكاملا في مجال تطور المعرفة العلمية.[2]

تنطلق مقاربة بياجي للمعرفة العلمية من بعدها التاريخي الفلسفي والاجتماعي والنفسي، حيث الأفكار لها أصول تستند عليها. فهو يقرّبنا من المعرفة ليس كموضوع يمكن وصفه، أو موجود هناك ثابت، بل يفترض النظر إليه بكيفية مختلفة، في وضعيته التطورية على الدوام، لأن المعرفة تتغير من حين لآخر، ولا ينبغي تصورها في حالتها الراهنة كما لو كانت هامدة، نهائية وثابته. وفي هذا الخصوص انتقد بياجي نظرة الفلاسفة التقليدية الاختزالية للإبستمولوجيا بحيث تقصّر وظيفتها في دراسة المعرفة كما هي في اللحظة الراهنة، وداخل إطار محدد، بدعوى أن تتبع تاريخ الأفكار أو تطورها يدخل ضمن نطاق اهتمام المؤرخين أو علماء النفس وحدهم. إن زعما كهذا، لقي اعتراضا شديدا من قبل بياجي، بل قاده ذلك إلى تركيز النظر على قيام الإبستمولوجيا التكوينية. على اعتبار أن الفكر العلمي ليس لحظيا – والإبستمولوجيا لا ينبغي لها أن تقتصر على الآن، اللحظة- بل هو سيرورة وبناء وتشييد. يضرب بياجي مثالا بمجال الفيزياء المعاصرة، وبالتحديد “الميكروفيزياء”، حيث تتغير حالة المعرفة من فترة لأخرى، وفي الغالب ما تحدث تغيرات من خلال عمل مؤلف واحد يكون قد عدّل من موضوع بحثه أثناء سير خطته.[3]

إن المثال الذي أورده بياجي في هذا السياق، يثير الشكوك بخصوص متانة العقل العلمي وصلابته، ويعزز موقفه من أهمية الخاصية التطورية للعقل العلمي، كما يعزز وجود صراع باطني تفتعله مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية في بنية هذا العقل الذي ما فتئت منظومته تخضع لاضطرابات تحاول التنظيم باستمرار. إن هذا الأمر يزكي أيضا فرضية جسارة الشروط البنيوية المحركة للتصورات العلمية، وهو ما يستدعي ضرورة قيام دراسة سوسيوسيكولوجية للسلوك العلمي في كليته. تقصّي باطني كمحاولة لفهم الحيثيات المندمجة في بنية العقل العلمي من حيث هو نظام معقد من العناصر المتناقضة، واضطرابات غالبا ما تطفو بعد حالة من الاستقرار. بينما ظهور هذا الاستقرار في فترة معينة، لا يعني بالضرورة سلامة الجانب الداخلي والسيكولوجي للأفكار العلمية. لعل هذا ما نلمسه في بنية الثورات العلمية لفيلسوف العلم الأمريكي طوماس كوهن، الذي نبّهنا إلى وجود أزمة كامنة تمثل محركا أساسيا للتحول البراديغمي. ويساهم ذلك بشكل حتمي في تغيير النموذج. “علاوة على ذلك، فإن التغيرات التي تنضوي تحثها هذه الاكتشافات كانت كلها هدامة وبناءة في الوقت ذاته.”[4] ونتحرك قليلا لنقترب من لغة بريغوجين[5] ونستعير منه مفهوم “التنظيم الذاتي”، الذي نراه يعكس حالة التطور الذاتي للعقل العلمي الباشلاري، ووجه من أوجه الصراع بين المعرفة العامية والمعرفة العلمية.

خلال مطلع القرن الماضي، مرت الفيزياء والرياضيات بأزمات عميقة. ومفهوم الأزمة هو الذي يعكس بوضوح حالة الطفرة التي يجد الفكر العلمي نفسه فيها حاليا، وأمام هذه الأزمات والطفرات، في اعتقاد باشلار، كل مرء يتفاعل حسب شخصيته الانفعالية. وردّ الفعل الذاتي هذا هو عنصر يتعّين علينا التخلص منه إذا أردنا تحديد هدفنا الموضوعي، ليس فقط في سيكولوجية العقل، ولكن أيضا بيداغوجية العقل. ويتخذ البعض الاضطرابات في الفكر الرياضي والتجريبي ذريعة لليأس من إمكانات العقل العلمي؛ ويبحثون عن المعرفة في التجارب الأكثر حدسية وبديهية. في حين يرى آخرون، عكس ذلك، أن هذه الأزمات سطحية وعابرة. ويأملون، بتفاؤل واضح، أن تعود فترات الوضوح والبساطة. كلاهما لا يرى ما هو مفيد في أزمة التنظيم العقلاني للمعرفة العلمية.”[6] إن تاريخ العلم من منظور باشلار، هو تاريخ تقدم في المعرفة والثقافة العلمية، كما أن التفكير في الفكر العلمي تاريخيا، يعني وصفه بالانتقال من الأقل إلى الأكثر تقدما، من وضع ضعيف إلى وضع أكثر رشدا، من السذاجة إلى النضج. لذلك فالوعي نشاط خاص، شخصي، يتصل بالواقع، لكنه منفصل عنه ويناقضه، فالعقل يتدخل بمفاهيم مسبقة وخلفية تصورية لا شعورية، يقتحمه ليكتشفه بعنف[7]، ويفرض عليه الدوافع النفسية اللاشعورية في إطار معركة ضد الفكر مع الواقع. لكنه من خلال ذلك يتجه نحو تحقيق النضج بلا نضوب، ومن خلال تعاليه على ماضيه المعتل وغير السوي والمضطرب.

لا يمكن فصل التفكير التأملي عن التنشئة الاجتماعية للفكر. في نظرية المعرفة عند غاستون باشلار، يعمل العقل الخطابي والعقل التأملي معا. وفي نظريته حول تنسيق وجهات النظر للوصول إلى الفكر الموضوعي، يعرف عالم النفس السوسري جون بياجي التأمل بكونه مناقشة داخلية، حوار بين مشاركين افتراضيين يخاطبون بعضهم البعض بالملاحظات والاعتراضات. ويستعير بياجي هذا التعريف من الطبيب النفسي الفرنسي بيير جانيت[8] الذي اكتشف أن السلوك اتجاه ذواتنا يُستمد من سلوك مكتسب مسبقا من الآخرين. لا يتوقف باشلار عن التأكيد هذا البعد التأملي_الانعكاسي للفكر العلمي، ويدعونا في هذا الصدد إلى اعتبار الشك المنهجي بمثابة الخطوة الأولى من السيرورة التكرارية_العودية التي لم تكن متوقعة في زمن كلود برنار. فطالما دعانا باشلار ليس فقط إلى وعي متعدد بالموضوع، بل أيضا إلى وعي بالوعي، إلى حكم على الحكم، إلى هدف يخترق ولكنه أيضا “يدرك التحضيرات للاختراق”. إنه أمر ضروري لاستعادة الموضوعية المهددة باستمرار والتي لا يمكن ضمانها إطلاقا بشكل أفضل من خلال مشاكل التخصص المطروحة حاليا، حيث تفرض الحلول التجريبية عمليات إعادة تنظيم كاملة. وفي مجال العلم، عليك أن تفكر وترى نفسك تفكر[9]. وهذا الأمر مفقود في الثورة المنهجية التي شهدها العقل العلمي الحديث.

وكما تظهر العديد من الأمثلة، يرث باشلار نموذجا للتطور على مراحل، وهو في حد ذاته مستمد من المخططات التطورية المستخدمة على نطاق واسع في علوم العقل-الروح في ذلك الوقت. ينقل هذا النموذج فكرة التطور غير الخطي للبنى العقلية: تطور على مراحل، مع تراحعات. هنا مرة أخرى تبدو الإشارة إلى جانيت ذات صلة، لأنه في الوقت الذي يعتمد فيه سيغموند فرويد على غريزة أساسية تظل متطابقة أثناء تطورها وتغير ببساطة نقطة تطبيقها “الشحنات العاطفية”، فإن جانيت لا يفكر من حيث المحتوى بل من حيث البنى المتكاملة، وبالتالي تمارس، وفقا لبياجيه، نهجا “بنائيا واضحا، أي جينيا أصيلا”. تناول جانيت مشكلة المعتقدات البدائية التي طرحها ليفي برول[10]، وأظهرت أن الإنسان يبدأ بشكل طبيعي بالإيمان بما يرغب فيه. ويكفي أن يكون أي تأكيد مصحوبا بنزعة نشطة بقوة، وألا يكون هناك أي فكرة مخالفة تصحح الاعتقاد حتى يسود. وأي اعتقاد، ولو كان عبثيا، يبقى محفوظا ما لم يعوقه إثبات مخالف، وطالما ينفلت من شرط عدم التناقض.[11]

نشر لويس جيرار فاريت[12] أطروحته الفلسفية عام 1898 تحث عنوان “مقالة في علم النفس الموضوعي” عن “الجهل والطيش”، أي ببساطة أنماط التفكير ما قبل العلمية، يدرس جيرار فاريه بشكل رئيسي بين القدماء أو في السكان المحتاجين الذين ظلوا يفتقرون إلى تفسير القوانين الطبيعية. ويستخدم كمواد منشورات لعلماء اللغة، وعلماء الآثار. يقصد المؤلف بعلم النفس الموضوعي علم نفس غير استبطاني، علم نفس الملاحظة، وهو توجه علمي يرمي إلى تخليص البحث السيكولوجي من الذاتية والدفع به نحو العلمية. إن العوائق التي تعترض التفكير الموضوعي، وارتباطها بطرق ملموسة لترجمة علاقتنا بالعالم، متأصلة في تفكيرنا؛ وهي ما سمي بالعقبات الذاتية. ومن هنا جاءت فكرة النقد الداخلي للمعرفة الذي سيكون نوعا من العلاج. إن نظرية التمثيلات الأولية هذه، الموعودة بنجاح هائل بقدر ما هي غامضة في العلوم التربوية، مصحوبة، في تكوين العقل العلمي بإشارة إلى الجهل والطيش الذي ينبغي أن يظل خطابا ميتا. وبشكل عام، يتجنب الفكر الأسطوري أي إمكانية للتحقق: فهو يضيف إلى التجربة رؤى تنبثق من مصادر داخلية ويدمج في عالم الحواس عالما من الأشكال الخيالية. بالنسبة للعقلية القديمة، فإن العالم هو “مجموعة من القوى المستقلة، من الطاقات الحرة الغريبة عن بعضها البعض”. هذا الفكر ما قبل الموضوعي، الذي يملأ العالم بأشكال غير مرئية، يستجيب للحاجة إلى التنسيق والتفاهم التي يتم إشباعها أولا من خلال العلاقات الاعتباطية. تُظهر التصنيفات البدائية أن الملاحظة البسيطة للواقع لا توفر مفاهيم علمية -كما يوضح باشلار. ويضرب جيرار-فاريت كمثال السمات الأكثر لفتا للانتباه في الحيوان: الحركة التلقائية والبكاء يجد البدائيون هذه الخصائص في كل مكان في الطبيعة، مع هبوب الرياح، وتدفق النهر، وحفيف أوراق الشجر، وهدير الرعد، لدرجة أنه بالنسبة لهم، “كل الأشياء تشكل نفس عائلة الأشياء”. من يشعر ومن يرغب، من يحب ومن يكره، من يخاف ومن يأمل.” فالفكر السابق للموضوعية هو إذن «حكم القياس» وهو أن الخيال مكمل للإدراك، كما أن الإدراك يكمل الإحساس.[13]

إن مساهمة باشلار الإبستمولوجية هاته تمثل رغم ما يلاحقها من مؤاخذات، والدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه علوم الإنسان في فهم وكشف أعماق العلم الطبيعي، تحظى بقيمة علمية وفلسفية عالية. يبدو ذلك من خلال الطابع الاجتماعي للعلوم الفيزيائية والذي يمكن تحديده بدقة في التقدم الواضح لهذه العلوم، إن هذا التقارب الاجتماعي العقلاني بإمكانه أن تعطي للعقل العلمي ديناميكية النمو المنتظم، ديناميكية تقدم محققة والمؤكدة نفسيا واجتماعيا[14]، فلابد من إبراز هذا الطابع الاجتماعي للتطور العلمي، وتوظيف التحليل النفسي مثالا واضحا في ذلك. وعليه، إن انفتاح المجالات المعرفية على بعضها البعض هو في الواقع تفتح فعال لبناء المعرفة الموضوعية حيال الإنسان ومحيطه الطبيعي، ويشكل طريقة ملائمة لتحليل بنية العقل البشري والعلمي، ومن تمة فإن هذا الدور مناط بالإبستمولوجية وآلياتها.

2- التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية، بأي معنى؟

ينطلق غاستون باشلار من فرضية أساسية فحواها أن تاريخ العلوم تاريخ المكبوت والكبوات. بالرجوع إلى “تكوين العقل العلمي مساهمة في التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية”، بحث باشلار في السلوك اللاشعوري للعلماء. ويحيل التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية على إحدى المهام الرئيسة لفلسفة العلوم وهي تحليل العلاقات الترابطية والتفاعلية بين الواقع والوعي أو العقل النظري والنظريات الناتجة عن هذا التفاعل، أي، بحث في التأثيرات المتبادلة والدافعة نحو التطور العلمي وتحولاته التاريخية، بحيث يجعل هذا الأمر من ممارسة التحليل النفسي للأفكار العامة المترسبة إلى عمق العقل العلمي والقيام بالدور النقدي التقويمي من المهام الرئيسة للإبستمولوجيا. بالإضافة إلى جانب المهام الأخرى كما حددها باشلار مثل الكشف عن القيم الإبستمولوجية للعلم والبحث عن أثر تطور المعارف العلمية على بنية الفكر الإنساني وصيرورته، وكل المظاهر الثورية الحاصلة في المجالات الإنسانية والطبيعية.

طبقا لما سبق، إن الخطاب الإبستمولوجي يعالج التفكير العلمي في مرحلة تاريخية معينة ثم يسعى إلى إبقاء بحثه على وعي بتاريخيته ونسبيته، ويتحاشي السقوط في وهم الموضوعية العمياء. ويتفادى إضفاء الوثوقية على القيم المعرفية ويركز على نمو المعرفة وتطورها المتواصل. إن هذا التحليل كما يقدمه باشلار يتميز بكونه ينقلنا إلى التاريخ الفعلي للعلوم.[15] والمهمة الأخيرة هاته، ستقودنا إلى موضوع البحث في العوائق[16] الابستمولوجيا بناء على سيكولوجيا العقل العلمي كما جاء في “تكوين العقل العلمي”، ومؤلفات أخرى التي استحضر فيها باشلار العوائق الإبستمولوجية في ارتباطها بمظاهر الجمود والنكوص في المعرفة العلمية. “”كل ما يجعل الفكر العلمي سجينا لتصورات المعرفة العامة وتمنعه بالتالي، من بلوغ المعرفة الموضوعية بالظواهر التي يدرسها. هذا التداخل بين المعرفة العلمية والمعرفة العامية هو ما يشكل المصدر الأساسي والأول للعوائق الإبستيمولوجية”[17]. وعندما يواجه الإبستمولوجي الظاهرة العلمية وتاريخها الطويل، لن يستطيع إدراك المكبوت الخفي فيها إلا إذا توسل بأدوات التحليل النفسي للكشف عن بنية لاشعور الباحث العلمي. “إن كل تقويم في نظام المعرفة الموضوعية يجب له أن يفسح المجال للتحليل النفسي.”[18] فذلك ما يضفي الشرعية لسبل التفاعل بين المجالين الطبيعي والبشري واستمرارية أحدها في الآخر. بينما الحديث عن التحليل النفسي في هذا السياق، يستوجب من الناحية المنهجية العودة إلى عالم النفس النمساوي الشهير سيغموند فرويد، الذي كان له الفضل الكبير في تشريح هذا المفهوم في مجال علم النفس ومفاهيم أخرى ذات صله بالمجال.

في عمله حول تاريخ وفلسفة العلوم، كما أشرنا للتو، يُظهر باشلار اهتماما خاصا بدراسة وتكوين الأفكار، والتاريخ النفسي الاكتشاف العلمي. ذلك من خلال تسليط الضوء على تعدد شروط المعرفة الموضوعية والتأكيد على أن التفكير العلمي لا يمكن اختزاله في نشاط منطقي أو تقني صرف. وبالتالي سيكون هناك عدد وافر من العوامل التي يجب وضعها بعين الاعتبار لفهم تكوين المعرفة الموضوعية وتفسير العمل الفعال للعلم: فالشروط ليست فقط منطقية (شكلية، رياضيات)، أو تجريبية (بروتوكولات، أدوات، مختبرات)، أو اجتماعية ( المجتمع العلمي، المدارس)، بل هي أيضا شروط نفسية (الذاتية، الموضوع المعرفي). ومع ذلك، ففي أعقاب هذا البعد النفسي، الذي يشكل إحدى أصول نظرية المعرفة الباشلارية، تتجلى علاقة باشلار بالتحليل النفسي، وخاصة التحليل الفرويدي. إن إشارة باشلار الصريحة إلى التحليل النفسي في أعماله الإبستمولوجية، وأنه يستخدم مفرداته ومبادئه ومفاهيمه لتطبيقها في مجال فلسفة العلوم، تقدم نفسها كواحدة من أكثر المواضيع بروزا في الإبستمولوجية الباشلارية. لهذا السبب يجب تسليط ضوء عليها، لكونها تؤدي إلى تحولات وانعطافات في نظرية التحليل النفسي، وفي مجال انعكاسها، وفي موضوعاتها، عن طريق أخذ بعض القضايا للتبادل، في إطار “ترحال” المفاهيم، والتي من الضروري قياس التأثيرات التي تحدث بين المجالات لتوضيح القضايا المتقاربة.[19] وهذه المرة على خلاف ما سائد، تحول المفهوم من المجال العلمي الطبيعي نحو الإنسانيات، بحيث تحول مفهوم التحليل النفسي من مجال إنساني صرف نحو الموضوع العلمي الطبيعي.

لقد ارتبط تبلور المعرفة في تاريخ الفلسفة عادة ببعدين أساسين وهما العقلانية (الإسمية) والتجريبية الحسية أي (الموضوع) لكنه يتم إغفال العلاقات القائمة بين هذين البعدين، خاصة أن معظم المشكلات الإنسانية _في الواقع_ تتموقع في منطقة العلاقات: علاقات الإنسان مع ذاته، ومع الآخرين أو البيئة المحيطة (عالم الأشياء). وفي هذا السياق كان من الضروري أن يحضر التحليل النفسي بآلياته التي تتحكم في إنشاء هذه العلاقات أو تعطلها. فالذات ليست مستقلة بعالمها بقدر ما هي محكومة بشكل وثيق بالبيئة والعلاقات وردود الأفعال البينعلاقات (الفرد_الفرد، الذات_الآخرين، الذات_ الأشياء). ومن هذا المنطلق تلعب القوى النفسية دورا فعالا في عالم الأشياء الذي يشكل المعرفة العلمية. إن الدوافع الذاتية اللاواعية، الخاصة بالحياة العميقة، والأحلام السربة، وحياتنا بأكملها، تخوض معارك خفية لتحدد فعل المعرفة الذي يتحول بعد فترة إلى فعل علمي موضوعي في المستقبل. فحياتنا الحلمية هي المنطلق، وربما هذا ما يقصد من عبارة باشلار: “الإنسان يحلم أولا”. إن العلم في اعتقاد باشلار، يتشكل على أساس أحلام اليقظة وليس على الخبرة، الأمر يتطلب مجموعة من التجارب الطويلة لمحو ضباب الأحلام. من هنا جاءت الحاجة الماسة والملحة إلى التحليل النفسي، الذي يبحث دائما عن اللاوعي تحت الوعي، ويبحث عن الذاتية تحت الدليل الموضوعي، والحلم تحت التجربة. هذه هي الرسالة الباشلارية التي يحملها في إبستمولوجيته.[20]

إن ما يميز العقل العلمي هو قدرتها الذاتية على التطور والتشكيل لموضوعيته، فهو صيرورة يتحقق من خلال الفعل النقدي، ولا يتشكل من خلال التحليل النفسي وحده، يستطيع أن يتحرر من ذاتيته وماضيه الخيالي الحالم، الذي يشوه أحيانا العلاقات المعرفية، ليطور موضوعيته الخاصة. في هذا الصدد، يرى باشلار أن التحليل النفسي ينبغي أن يتدخل في جميع مستويات المعرفة، وفي جميع فترات الفكر العلمي الإنساني. فالبدائية، أي رجحان الذاتي على الموضوعي، ليست شأنا خاصا بنوع من المعرفة دون أخرى، أو بلحظة من التفكير العلمي معينة، بل في هو في الإنسان تهديد مستمر مترسخ في طبيعته كحيوان يحلم بواسطة الصور والكلمات، ومهما كانت درجة تطور بيئته الثقافية، يجب على كل فرد في النهاية أن يعيد جهد التشييء، لأن العوامل المكتسبة ليست وراثية والقيم اللاواعية غير قابلة للتغيير.[21]

3- بين التحليل النفسي والإبستمولوجيا

إن الحديث عن مجالين مختلفين، وعن باشلار وفرويد يجعل من الضرورة بمكان الوقوف على خطوط الوصل المفترضة بين هذين الجانبين. ووفقا لهذا التأسيس يحضر السؤال التالي: هل هناك روابط بين الإبستمولوجية والتحليل النفسي؟ وبأي معنى يستقيم الحديث عن توظيف مجال بحثي إنساني محض على البحث الطبيعي؟

تقوم نظرية التحليل النفسي كما فسرها فرويد على تقسيم النفس (الفرد) إلى جانب شعوري وجانب لاشعوري، وهو ما يشكل الفرضية المعروفة في مجال التحليل النفسي بفرضية اللاشعور، والتي بدونها لا يمكن فهم السيرورات المرضية في الحياة العقلية. كما يقوم التحليل النفسي على اعتبار الوعي جوهر الحياة النفسية للفرد، غير أنه يرى في الشعور صفة بسيطة لها، وبالتالي لفهم الحياة النفسية على المحلل النفسي أن يتجاوز الظاهر الشعوري والكشف عن الباطني اللاشعور الكاظم للكبت بسبب تعارض رغباته وميوله مع شروط الحياة الواقعية ومنظومتها الأخلاقية والاجتماعية والقانونية. إن الحياة النفسية اللاشعورية، كما يعتقد فرويد، ذات تأثير فعال على الحياة النفسية الشعورية، بحيث يصعب فهم هذه الأخيرة بدون استحضار الأولى. لذلك فهي ترتكز على ملاحظة مظاهر الشعور ذاتها ملاحظة مركزة لكي تكشف من البنية اللاشعورية، وتمكننا من تسليط الضوء على الحالات النفسية المضطربة، من الأزمات والعقد النفسية ومختلف مظاهر النكوص في الحياة النفسية للفرد. إن مفهوم اللاشعور باختصار، هو استخلاص من نظرية الكبت، وهو ما يجعل من الكبح أصل اللاشعور وعصبه، ويشكل كذلك مدخلا يمكننا من تفسير تجليات السلوك الفردي[22]. إن التحليل النفسي بأدواته ومنهجه حينما يكون أمام موضوعه فهو لا محالة أمام وعاء من الرغبات والانفعالات والغرائز الليبيدية التي تتميز بالديناميكية وعدم الثبات، فطالما أنها حيوية وغير مستقرة وما فتئت تظهر وتسعى إلى الكشف عن ذاتها في أنماط سلوكية مختلفة، ولتحاول الظهور تلجأ إلى التحايل على الشعور وتطفو عليه.

غير أن التحليل النفسي كما وظفه باشلار لم يتخذ الفرد موضوعه المباشر، بل ركز على العقل العلمي وتاريخه الغامض، ذلك الماضي اللاشعوري الذي المتسلل إلى العقل في وقت من الأوقات دون وعي بذلك. ولكشف تلك العقبات ومظاهر الانتكاس، فلا مناص من سبر أغواره. و”ينبغي أن يقوم التحليل النفسي الكامل للاوعي العلمي بدراسة المشاعر المستوحات مباشرة من الليبيدو.[23] وذلك ما يوحي إلى اعتبار تكّون العقل العلمي رهين بالكشف عن المكبوت الذاتي الذي يكتنف المعرفة البشرية، ومؤثراتها الوراثية اللاواعية. وبالتالي يجب الرقي بالعقل إلى مستوى التجرد وتحريره من الخيال اللاشعوري، وذلك من أجل تقويم هفواته وتصحيح الخلل الذي يكمن في عمق العقل ما قبل الموضوعي تصحيحا مستمرا.

بالرجوع إلى العمل الفلسفي الباشلاري في كليته يتضح جليا البعد التواصلي النفعي الوثيق بين المجالات المعرفية، وتحاول البيداغوجيا التحليلية عند باشلار استثمار الحقل الأدبي والشعري في فهم الحياة العلمية للطبيعة والأشياء، ولعل ذلك ما يبدو في تحليله للنار. إن التأثر العميق الذي ندركه بين باشلار وفرويد لم يكن مانعا عن نقده سيما في بداياته الفكرية، لكن سرعان ما سيعجب باشلار بالعمل الذي قام به فرويد ليلهمه وهو ما جعله يأخذه كموضوع محوري في عمله الإبستمولوجي. “وإذا كنا أحيانا نجد في البحث في تاريخ المعرفة العلمية ذاتها ما يساعدنا على تبين عوائقها الإبستمولوجية، وعلى فهم لحظات القفزة الكيفية في تطورها، فإننا في أحيان أخرى، لا يمكن أن نحصل على هذا المطلب في تمامه ما لم نعرف الشروط المجتمعية التي نشأت وتطورت في ضمنها المعارف العلمية في مرحلة معينة. ولا طريق ذلك بغير التكامل مع التحليل الاجتماعي للمعرفة العلمية بصفة خاصة.”[24]

وفي ضوء الملاحظات السابقة، سنفهم بسهولة مفهوم “العائق الإبستمولوجي”. إن العوائق التي تعترض تكوين المعرفة الموضوعية لا تأتي من عناصر خارجية مثل تعقيد الظواهر، ولا من عناصر فسيولوجية مثل حدود الإنسان الحسية أو الدماغية. هذه توقفات في عملية التشييء الناجمة عن تدخل القيم الذاتية اللاواعية. فإذا كانت المعرفة تتألف من إقامة علاقات بين الذات والموضوع، وإذا كانت الموضوعية انتصارا على الذاتية الأصلية، فإن أي علم في حالته الأولى وأي عقل في طور التكوين سيواجه عقبات في طريقه نحو الموضوعية. إن حالات التوقف أو الركود أو التراجع، والعوائق المعرفية تنشأ من طبيعة المعرفة ذاتها والفعل الذي يشكلها. إن التحليل النفسي للعقل العلمي هو جعله واعيا لشوائب دوافعه المعرفية ودوافعه المعرفية. العوائق الناتجة بل هو إعداده، من خلال التنفيس الفكري والعاطفي، لذلك اللامبالاة التي بدونها لا توجد معرفة موضوعية حقيقية، والتي بدونها لا يمكن أن يصبح حب العلم “ديناميكية نفسية ذاتية المنشأ. أعلن نيتشه أنه فقط حيث توجد القبور تكون القيامة، لكي ندخل عالم الموضوعية، علينا أولا أن نموت عن حياة أحلامنا. الموضوعية الأولى، العقد التلقائي والفوري الذي يدخل فيه العقل مع الشيء، المعرفة الحساسة بتعبير أدق، هي تقدير تقريبي مثقل بالإسقاطات الذاتية. ودور التحليل النفسي هو رفع مستوى الوعي بهذا الوضع الواقعي. ولكن بمجرد تنقية الفكر بهذه الطريقة، بأي طريقة يمكن الوصول إلى الموضوع العلمي؟ لذلك فبين المعرفة الحساسة إلى المعرفة العلمية، لا يمكن أن تكون هناك استمرارية، لأن الأولى مشبعة بالواقعية المباشرة والثانية بحث عقلاني وافتراضي وتصحيحي. ولذلك فإن القطيعة الحقيقية، النفسية والمنهجية، ضرورية إذا أردنا الانتقال من واحدة إلى أخرى. وبعد أن وضع أسس التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية، وضع باشلار على عاتقه مهمة تقديم طريقة مناسبة لتحقيق هذا التغيير الجذري في المنظور الذي يمهد الطريق للمعرفة العلمية. وهذا هو الأسلوب ينوي باشلار اتباعه من خلال تطوير منهجية تقوم على الروح العلمية الجديدة. هذه المنهجية هي كلها مدفوعة بالرغبة في الإبداع. إن العلم “ليس حشدا من الخبرة”، فهو “يتوافق مع عالم ما ليتم بناؤه وليس عالما ليتم وصفه. ولذلك فإن توسيع المعرفة العلمية هو الذي يشكل هدف هذه القواعد المنهجية. ولذلك فإن منهج باشلار سوف يركز على تشكيل الذات من ناحية، وعلى فهم الموضوع من ناحية أخرى[25].

إن أي بناء موضوعي للثقافة العلمية وتقويم تفاصيلها وجزئياتها هو السبيل الأمثل لانتصار العقل العلمي الجديد، وتحقق ذلك يتجلى في دخوله صراع مستمر ومحتدم بين الأخطاء وتصحيحها، وفي هذا الإطار يحاول باشلار إبراز ذلك الجانب المقاوم في العلم والمكبوت فيه، والبحث في اللاوعي العلمي، بحيث هناك دائما جانب غامض يجب الكشف عنه، “فكل فكرنة Intellectualisation وإن كانت لا تزال تحمل علامة العاطفة التي لا يمكن إنكارها، فإنها تعتبر إفراغا لمحمول هذه العاطفة”[26]. فمن الضروري للعقل العلمي أن يستمر في معركته ضد ما هو ذاتي والتحرر من الانفعال وتخليص الروح العلمية من الحدوس والصور اللاعقلانية.

يتبين من خلال المسيرة الابستمولوجيا الباشلارية أنها وجهت فكرة الترابط الايجابي بين التطور العلمي الطبيعي بالفكر الإنساني، فالمعرفة العلمية هي بدون شك نتيجة للمجهود البشري. “إن العلم هو إبداع الفكر الإنساني، إنتاج مطابق مع قوانين فكرنا وتتلاءم مع العالم الخارج، وله مظهرين أحدهما ذاتي والآخر موضوعي، وكلاهما ضروريان على حد سواء، بحيث من غير الممكن إحداث أي تغيير في قوانين فكرنا وحتى في قوانين العالم”[27]. ذلك يجعل الماضي العلمي مضطربا ومليئا بالمكبوت العامي وحاملا في ذاكرته نزوعات وانفعالات ذاتية إيديولوجية وثيولوجية أو أشكال أخرى من الرواسب اللاشعورية وغير موضوعية، ومن المفترض إعادة النظر فيه باستمرار ومراجعة شروط تشكله والتدقيق في مفاهيمه سيكولوجيا.

الواقع أن باشلار يعد بمساهمته الإبستمولوجية هاته، قد وضح الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه علوم الانسان في فهم وكشف أعماق العلم الطبيعي، فمن الظاهر أن الطابع الاجتماعي للعلوم الفيزيائية محدد بدقة من خلال التقدم الواضح لهذه العلوم، إن هذا التقارب الاجتماعي العقلاني بإمكانه أن تعطي للعقل العلمي ديناميكية النمو المنتظم، ديناميكية تقدم محققة والمؤكدة نفسيا واجتماعيا[28]، فلابد من إبراز هذا الطابع الاجتماعي للتطور العلمي، وتوظيف التحليل النفسي مثالا واضحا في ذلك. وعليه، إن انفتاح المجالات المعرفية على بعضها البعض هو في الواقع مفتاح فعال لبناء المعرفة الموضوعية حيال الإنسان ومحيطه الطبيعي، ويشكل طريقة ملائمة لتحليل بنية العقل البشري والعلمي، ومن تمة فإن هذا الدور اليوم مناط بالإبستمولوجيا بأدواتها وأساليبها المنطقية والنقدية مما يدل على أن فتح جسور التواصل بين الإنسان والطبيعة في إطار حوار جديد كما دعا إلى ذلك إيليا بريغوجين، تفرضه التحولات العلمية الراهنة، وعقد تحالف جديد بين الإنسانيات والطبيعية وتتعاونا لإبداع أنماط فكرية جديدة أكثر نضجا ومنسجمة مع الواقع الجديد.

خاتمة

نستخلص مما سبق أن الواقعية النفسية في المعرفة العلمية والمعرفة بشكل عام وبمختلف صورها لم تكن حصرا على غاستون باشلار بل كانت شغلا ألهمت العديد من الفلاسفة والإبستمولوجيين كبياجي وبوبر كوهن وغيرهم. ووفقا لما سبق، إن العقل العلمي يمثل بنية أو نظام من العناصر المترابطة بين متفاعلات مختلفة لا بد أن تتسرب إليه الذاتية غير مرغوب فيها، مما يعني أنه بنية ليست معزولة عن بيئتها. بل مفتوحة وتتفاعل مع العالم الخارجي بلغة الدينامية الحرارية. بالأحرى أنه في نهاية المطاف انعكاس لعلاقات متعددة فهو وعي يتغذى من القيم الثقافية والاجتماعية. وفقا لهذا المبدأ، إن مسألة البناء الموضوعي للمعرفة تعرضت له الأبحاث بطرق مختلفة وتناولوها من زوايا متعددة. لأنه موضوع يتجدد باستمرار مادامت المعرفية تطورية، وفقا للطبيعة اللاستقرارية التي تحكم العلاقة بين الذات والموضوع وتطور الطبيعة والإنسان. وفي كل بناء علمي للمعرفة نجد عوامل تتسرب دون إرادة الفاعلين وضدا عن مساعيهم، فالعقل محاط دائما بالحس المشترك بالمعنى الذي يتحدث به كارل بوبر في حديثه عن سيكولوجية وفيزيولوجية الإدراك وتطور المعرفة. ويظل العقل محط اتهام ومحاكمة دائمتين بكونه يشوه الواقع ولا يلتقطه صحيحا، مما يعني أنه لا وجود لعقل نقي وتجربة موضوعية. تلك دعوة لتجاوز التصورات الكلاسيكية الدوغمائية والعمومية المنهمكة في اليقينيات، وزعمها بامتلاك الأسباب الكاملة للتنبؤ بالظواهر. لذلك لا بد من تجديد البحث في الطبيعة من خلال إعادة قراءة مفاهيمها ومقولاتها ومعالجة النقص الدائم في التصور العلمي.

إن مقاربة باشلار إذن، تتجه في منحى دراسة السلوك العلمي للعلماء كفاعلين في نشاطهم التقني والمنهجي العلميين من جهة، ودراسة أزمة العقل العلمي وشروط نشأته ومظاهر الخلل في بنيته التاريخية وعلى مستويات واقعيته النفسية والبرغماتية. ثم فحص التحولات العلمية من خلال الاشتغال المتواصل على القيم العلمية وأثرها على الواقع أيضا. لأن القوانين التي توجه الممارسة العلمية اليوم هي قوانين التحولات العقلية النفسية بالدرجة الأولى، ثم التحولات النظرية والمنهجية. ومنه فإن التطور البشري والحضاري يقوم أساسا على معالجة البنى اللاشعورية للماضي العلمي الإنساني وليس أدوات القياس فحسب.

إن التطورات التي حصلت في مجال العلم وضعت خطاب الموضوعية على المحك، فمن الضروري تجديده وإعادة النظر في مفهومنا الكلاسيكي للموضوعية وعلى عدة أصعدة، ليس على الصعيد العلمي فحسب -لأن هذا الأمر تقريبا حسمته التطورات العلمية الأخيرة، حيث أعلنت انهيار الموضوعية وتم الشروع في صيغ جديدة لاحتواء الأزمة التي خلفها العلم الحديث بخطاب العمومية في الطبيعة والكوني الإنساني. حيث زعم على المستوى العلمي أنه قطع مع واقعيته النفسية ووضع أسس صارمة للعقلانية. لكن ما يبقى موضع الإشكال والنقاش هو أن خطاب الموضوعية التي دعا إليها باشلار بدو أنه ليس منسجما مع توجه الإبستمولوجي الذي انحاز فيها إلى بتر قطعة مهمة من تاريخ الأفكار المتمثل في الماضي العلمي لبعض حضارات العصر الوسيط من سيرورة تاريخ العلم الطويل بقطيعته “المجحفة”. قطيعة إبستمولوجية لم تكن رحيمة بتاريخ الأفكار الذي يفترض النظر إليه بموضوعية وبتقدير كامل وإنصاف للمجهود العلمي الإنساني الذي صنعته الحضارات الأخرى. ومن جهة أخرى، إن الجدل بين الواقعية النفسية والعقلانية العلمية يثير مفارقة الانفصال والاستمرارية، وهو ما يجعل السؤال حول مدى استقامة وجود قطيعة نفسية في سيرورة العقل العلمي. إن سيكولوجية العقل العلمي يمكن أن تضمحل وتختفي لفترة لكنها لن تنقضي فسرعان ما تنفلت لتظهر في فترة لاحقة. إن النظر من هذه الزاوية يجعل من الموضوعية كفصل كلي بين الذات (العقل العلمي) واستمرارها في الماضي يصعب أن يتحقق بشكل مطلق، لذلك لا يمكنه للعلم عموما إلا أن يطلب الموضوعية باستمرار ويشتغل على حافتها ليس إلا.

بينما على المستوى الإنساني والقيمي فإن هذا التوجه أفرز اليوم نتائج وخيمة ومدمرة لا تعكس الغاية النبيلة للعلم. إن خطاب الموضوعية العلمية و”العقلانية” أظهرتا اليوم أن هناك مشكلة ما وكشفتا عن الوضع الخفي في واقعيته النفسية. فهو أظهر أنه لا عقلاني، ذاتي، يوجهه الماضي النفسي المعتل الذي رُوّج له على المستوى الإنساني أنه الخلاص ومعيار يقاس عليه النموذج الوحيد للعدالة. إن النظر إلى الواقع السياسي اليوم _دون الحاجة إلى تمعّن كبير، لأن الأمر لا يحتاج إلى ذلك- يظهر مدى هيمنة السيكولوجية الامبريالية في لاشعور _يتم حجبها_ بعض الأنظمة السياسية طالما ادعت امتلاك ناصية حقوق الإنسان واستقلال الشعوب، وتأثير المكبوت للسيطرة على الآخر والهيمنة وراء التستر بخطاب الموضوعية والعدالة الإنسانية. وبالتالي فإن المفارقات التي تواجه المجتمعات الإنسانية وانتهاكات المغرضة للأمم المستضعفة، تبعث على التفكير في إيجاد مفهوما جديدا للموضوعية.

قائمة المصادر والمراجع

1. السيد شعبان حسن، بروشفيك وباشلار بين الفلسفة والعلم دراسة نقدية مقارنة، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1993.

2. جان بياجيه، الابستمولوجيا التكوينية، ترجمة وتقديم وتعليق: د. السيد نفادي، راجعه وقدم له، محمد علي أبو ريان، دار التكوين- سوريا، 2004.

3. جميل صليبا، المعجم الفلسفي، الجزء الثاني، دار الكتاب اللبناني- بيروت، 1982.

4. محمد وقيدي، ماهي الابستمولوجيا، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الثانية، 1987.

المراجع الأجنبية

1. Denis Anne-Marie. Psychanalyse de la raison chez Gaston Bachelard. In: Revue Philosophique de Louvain. Troisième série, tome 61, n°72, 1963.

2. Gaston Bachelard, L’activité rationaliste de la physique contemporaine, Paris, Les Presses universitaires de France, deuxième édition, 1965.

3. Gaston Bachelard, L’engagement Rationaliste, Préface de Georges Canguilem, Paris, Les Presses universitaires de France, 1er édition, 1972.

4. Gaston Bachelard, La formation de L’esprit Scientifique, Paris; Librairie philosophique J. VRIN, 5e édition,1967.

5. Julien Lamy, Pédagogie de la raison, psychanalyse de la connaissance, et culture scientifique chez Gaston Bachelard, Institut de Recherches Philosophiques de Lyon – Université Lyon 3, 2009.

6. Laurent Fedi, La psychologie de l’esprit scientifique chez Bachelard et ses prédécesseurs,Ruvue dhistoire des science 2017 (tome 70), Pages 175 à 216, Editions, Armand Colin.

7. Sigmund Freud, Le moi et le ça, Une édition numériques réalisée à partir de l’essai “ Le moi et le ça ” publié dans l’ouvrage Essais de psychanalyse. Traduction de l’Allemand par le Dr. S. Jankélévitch en 1920, revue par l’auteur. Réimpression : Paris : Éditions Payot, 1968.

8. Thomas S. Kuhn, The Structure of Scientific Revolutions, Second Edition, 1970, by The University of Chicago.

الهوامش:

  1. Jean Piaget (1980-1896)، فيلسوف وعالم النفس السويسري، توجه اهتمامه الفلسفي نحو نظرية التطور المعرفي، واشتهر بياجي بنظريته البنائية في مجال علم النفس والتربية، لكون أفكاره منصبة أكثر على النمو الإدراكي عند الطفل.
  2. جان بياجيه، الابستمولوجيا التكوينية، ترجمة وتقديم وتعليق: د. السيد نفادي، راجعه وقدم له، محمد علي أبو ريان، دار التكوين- سوريا، 2004، ص، 7-9.
  3. المرجع نفسه، ص، 35-36.
  4. Thomas S. Kuhn, The Structure of Scientific Revolutions, Second Edition, 1970, by The University of Chicago, p, 66.
  5. Ilya Prigogine (2023-1917) كيميائي وفيزيائي روسي الأصل وبلجيكي الجنسية، قضى معظم حياته ببلجيكا، حاصل على جائزة بوبل للكيمياء سنة 1977، له أثر كبير على مجال الفيزياء وفلسفة العلوم الراهنة لما خلفه من إرث علمي فلسفي مهمين. من مؤلفاته: “التحالف الجديد” نهاية اليقينيات”.
  6. Gaston Bachelard, L’engagement Rationaliste, Préface de Georges Canguilem, Paris, Les Presses universitaires de France, 1er édition, 1972, pp 28.
  7. يراد به الطريقة التي ينهجها الإنسان في رغبته الجامحة في التحكم والسيطرة على الطبيعة، ولتحقيق هذا المبتغى يتلاعب الإنسان بالطبيعة ويحاكمها بأدواته الذاتية دون الانتباه لصوت الطبيعة التي لا تقوق الحقيقة كاملة بحكم تطورها المستمر. وهذا ما يخبرنا به فيلسوف العلم البلجيكي إيليا بريغوجين في كتابه التحالف الجديد. من خلال دعوته لتجديد الحوار بين الإنسان والطبيعة وفقا لمنطق يسمح باحترام الطبيعة.
  8. بيير ماري فيليكس جانيت (1947-1859) من أبرز علماء النفس الفرنسيين، بل من المؤسسين لعلم النفس. يركز اهتمامه السيكولوجي بالعلاج النفسي للشخصية والهستيريا، ويقسم الشخصية إلى أجزاء واعية وأجزاء غير واعية. اشتغل محاضرا في جامعة السربون. وترأس لاحقا قسم علم النفس التجريبي والمقارن في جامعة كوليج دي فرانس. ومن مؤلفاته، “الحالة العقلية للهستيرين” “العصاب والأفكار والثابتة”.
  9. Laurent Fedi, La psychologie de l’esprit scientifique chez Bachelard et ses prédécesseurs,Ruvue dhistoire des science 2017 (tome 70), Pages 175 à 216, Editions, Armand Colin, pp, 183-184.
  10. Lucien Lévy-Bruhl (1857 – 1939) فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، انصبت اهتماماته البحثية نحو الدراسات الأنثروبولوجية وكان أستاذا بجامعة السوربون، من مؤلفاته: “الوظائف العقلية في المجتمعات البدائية”.
  11. Ibid, p, 187-188.
  12. Louis Gérard-Varet 1860-1944))، أستاذ مبرز في الفلسفة، فرنسي له كتاب تحت عنوان: ” الجهل الطائش، مقالة في علم النفس الموضوعي”. درس في المدرسة الثانوية ثم حصل على الدكتوراه في كلية الآداب في ديجون.، تم تعيينه لاحقا عميدا لأكاديمية رين.
  13. Ibid, pp, 188-190.
  14. Gaston Bachelard, L’activité rationaliste de la physique contemporaine, Paris, Les Presses universitaires de France, deuxième édition, 1965, p. – 1617.
  15. محمد وقيدي، ماهي الابستمولوجيا، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الثانية، 1987 ص، 86.
  16. “يحيل مفهوم العائق الإبستمولوجي في اللسان الفرنسي إلى لفظ Obstacle وهي كلمة ذات أصل لاتيني Obstaculum، أي عاقه عن الشيء منعه وشغله عنه، وعوائق الدهر شواغله وأحداثه. والعائق في اصطلاحنا ما يعوق الفكر أو الإرادة من شواغل داخلية أو خارجيةّ”. (جميل صليبا، المعجم الفلسفي، الجزء الثاني، دار الكتاب اللبناني- بيروت، 1982، ص 39.)
  17. السيد شعبان حسن، بروشفيك وباشلار بين الفلسفة والعلم دراسة نقدية مقارنة، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1993، ص، 164.
  18. Gaston Bachelard, La formation de L’esprit Scientifique, op, cit, p. 61.
  19. Julien Lamy, Pédagogie de la raison, psychanalyse de la connaissance, et culture scientifique chez Gaston Bachelard, Institut de Recherches Philosophiques de Lyon – Université Lyon 3, 2009, pp, 01.
  20. Denis Anne-Marie. Psychanalyse de la raison chez Gaston Bachelard. In: Revue Philosophique de Louvain. Troisième série, tome 61, n°72, 1963. pp. (644 à 663), pp, 644-645.
  21. Ibid, pp, 445-446.
  22. Sigmund Freud, Le moi et le ça, Une édition numériques réalisée à partir de l’essai “ Le moi et le ça ” publié dans l’ouvrage Essais de psychanalyse. Traduction de l’Allemand par le Dr. S. Jankélévitch en 1920, revue par l’auteur. Réimpression : Paris : Éditions Payot, 1968, P. 8-14.
  23. Gaston Bachelard, La formation de L’esprit Scientifique, op, cit, pp. 235.
  24. محمد وقيدي، مرجع سابق، ص. 251-252.
  25. Denis Anne-Marie. Psychanalyse de la raison chez Gaston Bachelard. op, cit,, pp, 646-647.
  26. Caston Bachelard, La formation de L’esprit Scientifique, op, cit, pp. 207.
  27. Ibid, p. 08.
  28. Gaston Bachelard, L’activité Rationaliste de la Physique Contemporaine, Paris, Les Presses universitaires de France, deuxième édition, 1965, p. – 1617.