دور ومكانة المدارس النظامية في التطور العلمي الإسلامي خلال العصر السلجوقي*
أسماء حجي حمود1، محمد ابراهيم يلدريم1
1 جامعة إرجييس، تركيا.
* هذا المقال مستل من أطروحة بعنوان “أسس المراكز العلمية في العصر السلجوقي ودور المدارس النظامية في النهضة العلمية الإسلامية” التي أجريت في جامعة إرجييس بتركيا.
HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/26
تنزيل الملف تاريخ النشر: 01/05/2024م تاريخ القبول: 15/04/2024م
المستخلص
تبحث هذه المقالة عن أهمية ودور المدارس النظامية التي تأسست خلال العصر السلجوقي (القرن الحادي عشر – الرابع عشر) في اطار التطور العلمي الإسلامي. حيث لعبت المدارس التي أنشأها الوزير السلجوقي نظام الملك في القرن الحادي عشر، دورًا هامًا في نشر العلم والتعليم في العالم الإسلامي، فقد تم تدريس مختلف التخصصات في هذه المدارس، بما في ذلك اللاهوت، والقانون، والفلسفة، والعلوم الطبيعية.
ستتناول المقالة أولاً دور وأهمية الأوقاف في العصر السلجوقي، ثم ستناقش هدف إنشاء المدارس النظامية، ونظامها التعليمي، ومنهاجها الدراسي. بعد ذلك، ستركز المقالة على مساهمات هذه المدارس في التطور العلمي الإسلامي، وعلماء الدين البارزين الذين تخرجوا منها. أخيرًا، ستقيّم المقالة أهمية وتأثير المدارس النظامية في العصر السلجوقي والتاريخ الإسلامي.
الكلمات المفتاحية: السلاجقة- نظام الملك- المدارس النظامية- الأوقاف- تاريخ العلوم الإسلامية
The role and position of regular schools in Islamic scientific development during the Seljuk era*
Esma HACİ HAMMUD1 M. İbrahim YILDIRIM2
1 Erciyes University, Türkiye.
* This article is taken from a thesis entitled “The Foundations of Scientific Centers in the Seljuk Era and the Role of Regular Schools in the Islamic Scientific Renaissance” conducted at Erciyes University in Turkey.
HNSJ, 2024, 5(5); https://doi.org/10.53796/hnsj55/26
Published at 01/05/2024 Accepted at 15/04/2024
Abstract
This article examines the importance and role of the regular schools that were established during the Seljuk era (eleventh-fourteenth centuries) within the framework of Islamic scientific development. The schools established by the Seljuk vizier Nizam al-Mulk in the eleventh century played an important role in spreading science and education in the Islamic world. Various disciplines were taught in these schools, including theology, law, philosophy, and natural sciences. The article will first discuss the role and importance of endowments in the Seljuk era, and then discuss the goal of establishing regular schools, their educational system, and their curriculum. Next, the article will focus on the contributions of these schools to Islamic scientific development, and the prominent religious scholars who graduated from them. Finally, the article will evaluate the importance and influence of the regular schools in the Seljuk era and Islamic history.
Key Words: Seljuks – King’s System – Regular Schools – Endowments – History of Islamic Sciences
المقدمة:
يُعدّ العصر السلجوقيّ عصرًا هامًا في تاريخ الحضارة الإسلاميّة، حيث شهد تكوين التركيب الإسلاميّ التركيّ ازدهارًا ملحوظًا في مختلف المجالات- وخاصة العلم والتعليم- فقد أولى السلاجقة اهتمامًا كبيرًا بالعلم والتعليم وقدموا استثمارات ضخمة في هذا المجال، وكان من أهمّ هذه الاستثمارات إنشاء المدارس النظامية.
منهج البحث:
سيتبع البحث المنهج الاستقرائي والتحليلي والوصفي، حيث سيتمّ تحليل المصادر التاريخية والثانوية المتعلقة بالعصر السلجوقيّ. كما سيتمّ فحص المباني المتبقية من المدارس النظامية.
أهداف البحث وأهميته:
يهدف البحث إلى دراسة نظام التعليم والمؤسسات التعليمية في العصر السلجوقيّ، والأنشطة العلمية التي تمّ القيام بها في هذه المؤسسات، ومساهمتها في النهضة العلمية الإسلامية، وسيبحث العمل أيضًا في كيفية الحصول على آلية التعليم في العصر السلجوقيّ، ومن هم الذين تلقّوا التعليم، ومصادر تمويل المؤسسات التعليمية، وتأثير الأوقاف عليها على عملها.
السؤال الرئيسي للبحث هو: كيف حدثت التطورات العلمية في العصر السلجوقي؟ سيبحث العمل في كيفية دعم الدولة السلجوقية لهذه التطورات، ومساهمتها في النهضة العلمية الإسلامية منذ القرن الحادي عشر، وتأثيرها على العصور اللاحقة مقارنة بالعصور السابقة.
نطاق البحث و حدوده:
سيركز البحث على مراكز العلم والمؤسسات التعليمية والأوقاف في العصر السلجوقيّ، وسيبحث العمل أيضًا في الأنشطة العلمية للسلاجقة وتأثيرها في مجال النهضة العلمية الإسلامية.
حدود البحث هي:
- سيركز البحث فقط على مراكز العلم والمؤسسات التعليمية في العصر السلجوقيّ. سيتمّ إجراء بعض المقارنات مع العصور السابقة واللاحقة، لكن لن يتمّ الخوض في تفاصيلها.
- سيركز البحث فقط على تاريخ المدارس النظامية وتأثيرها على مجال العلم. لن يتمّ التطرق إلى تاريخ الأوقاف وهيكلها الاجتماعيّ بشكل تفصيلي.
- سيركز البحث فقط على دور المؤسسات التعليمية ومراكز العلم في العصر السلجوقيّ في النهضة العلمية الإسلامية. لن يتمّ التطرق إلى تأثير العوامل الأخرى، مثل العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية.
- تاريخ المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي:
عرف العالم الإسلامي المؤسسات التعليمية قبل نظام الملك[1] بوقت طويل في البداية، كان المسلمون يعلمون ويتعلمون المعارف الدينية الأساسية في المساجد أو في الغرف المبنية بالقرب من المساجد. في منتصف القرن الثاني، بدأت تتشكل الدوائر العلمية حول العلماء. ظهرت أولى الأمثلة لهذه الدوائر في مدن مثل المدينة المنورة ودمشق. تم اعتبار هذه الفصول الدراسية أوّل أمثلة التعليم الإسلامي، ومع مرور الوقت تم استخدام اسم “المدرسة”. حتى أن هذه المدارس تم تقسيمها بمرور الوقت إلى درجات وأصبحت “دار الفنون” و “مدرسة عليا”. فظهرت معظم المدارس الفقهية والمذاهب بهذه الطريقة وانتشرت. وقد تأسست أول مدرسة فكرية معروفة رسميًا من قبل الإمام أبو حفص البخاري (150-217 هـ) في بخارى. وفي السنوات اللاحقة، انتشرت مدارس مثل مدرسة أبو الوليد حسن بن أحمد النيسابوري الشافعي (349 هـ) ومدرسة ابن حيان (350 هـ(. وتم بناء مدرسة السادري عام 391 م في دمشق. ثم تم إنشاء مدرسة أبو سعد بن مصطفى بجوار قبر الإمام أبو حنيفة[2].
اهتم الغزنويون بالتعليم بشكل كبير، وقاموا ببناء العديد من المدارس. حيث تم إنشاء مدرسة ناصر بن سعدية في نيسابور خلال عهد سبكتكي،. كما انتشرت حركة بناء المدارس بسرعة في الأقاليم الشرقية منذ ذلك الحين. وأيضا تم إنشاء العديد من المدارس في منطقة ما وراء النهر بشكل خاص. وجُهّزت المدارس لاستقبال الطلاب، وذلك بتوفيرأماكن إقامة لهم.
جامعة الأزهر: أنشأ الفاطميون جامعة الأزهر في القاهرة لتوفير منبر لنشر أفكار الشيعة والباطنية بشكل أسهل وأكثر فعالية.
أسس الوزير السلجوقي الكبير نظام الملك المدارس النظامية في القرن الحادي عشر، والتي أصبحت من أهم المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي. تم إنشاء أول مدرسة نظامية عام 1067 في بغداد، ثم تم إنشاء مدارس مماثلة في مدن مهمة مثل نيسابور ومرو وأصفهان والموصل وحران.
تميزت المدارس النظامية بنظام تعليمي مختلف عن المدارس الأخرى في ذلك الوقت. فقد تم تقديم التعليم المجاني للطلاب، بالإضافة إلى توفير أماكن إقامة و منح دراسية. كما كان لدى المدارس النظامية مناهج غنية تضمنت دروسًا في مختلف المجالات مثل اللاهوت والقانون والفلسفة والرياضيات وعلم الفلك والطب. ساهمت المدارس النظامية في توفير التعليم الظروف الاجتماعية والاقتصادية للطلاب، ساعدت المدارس النظامية الطلاب ذوي الإمكانيات المادية المحدودة على الحصول على التعليم. وكانت مناهجها غنية ومتنوعة.
أسس نظام الملك، الوزير السلجوقي الكبير، العديد من المدارس خلال فترة ولايته. أهم هذه المدارس هي:
- المدرسة النظامية (بغداد، 1065(
- المدرسة النظامية (نيشابور، 1067(
- المدرسة النظامية (أصفهان، 1067(
- المدرسة النظامية (الموصل، 1072(
- المدرسة النظامية (هرات، 1081(
أحدثت المدارس النظامية إصلاحًا هامًا في نظام التعليم. فلم تكتفِ بتدريس العلوم الدينية فقط مثل الفقه والحديث، ولكن أيضًا العلوم الدنيوية مثل الرياضيات والفلك والطب والفلسفة. لعبت المدارس النظامية دورًا مهمًا في تطوير الحضارة الإسلامية.[3]
خصائص المدارس النظامية:
- تم تمويلها من قبل الدولة.
- التعليم مجاني.
- أساتذتها علماء بارزون.
- يتم تطبيق برنامج تعليمي مكثف.
- يتم إعطاء أهمية أيضًا للعلوم الدنيوية.
- لعبت دورًا مهمًا في تطوير الحضارة الإسلامية.
- مساهمة المدارس النظامية في التطور العلمي الإسلامي:
تحتل مكانة مهمة في تاريخ التعليم في العالم الإسلامي. حيث أنها لم تكن مجرد مؤسسات تعليمية بل كانت مراكز علم وثقافة. كما ساهم العلماء الذين تخرجوا من المدارس النظامية بشكل كبير في تطوير الحضارة الإسلامية. ساهموا في تطوير نظام التعليم في الدولة السلجوقية والدول الإسلامية الأخرى. كانت المدارس النظامية أُسوة ومثالًا للمدارس التي تم إنشاؤها في الدولة العثمانية. كانت المدارس النظامية من أهم المؤسسات التعليمية في العصر السلجوقي. ساهمت هذه المدارس بشكل كبير في تطوير الحضارة الإسلامية من خلال تقديم التعليم المجاني و إعطاء الطلاب منحًا دراسية وامتلاكها مناهج غنية وتخريج علماء بارزين. لعبوا دورًا مهمًا في نشر الأيديولوجية الوطنية وتدريب الموظفين. كانت المدرسة السلطانية ، التي بنيت خصيصًا على جبل علاء الدين ، هي المدرسة المركزية للدولة. أصبحت هذه المدارس مؤسسات تعليمية يتم فيها تدريس أيديولوجية الدولة والقانون والفقه وغيرها من العلوم لكبار موظفي الدولة. تعتبر المدارس النظامية ومدارس سلاجقة الأناضول أسلاف المدارس العثمانية. ساعدت أنظمة التعليم والخصائص المعمارية في تطور المدارس العثمانية ، مما شكل جسرًا بينهما. لا يزال بعض المدارس التي بنيت في تلك الفترة قائمًا ، يلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على القيم التاريخية والثقافية.
تلعب الأوقاف دورًا هامًا في مجال التعليم، حيث يمكن من خلال دعمها إحداث نقلة فعلية في الدخل والثروة. ففي المدارس الابتدائية، وفي حالات التعليم المجاني، تُستخدم مساعدات التعليم كأداة لمعالجة الفوارق في الدخل، كما تعتبر من أهم مصادر دخل الأسر الفقيرة.
يعكس اهتمام الأوقاف بالتعليم رغبتها على تشجيعه في المجتمع. فمن خلال توفير التعليم المجاني، تُتيح الأوقاف للعائلات التي تواجه صعوبات مالية فرصة منح أطفالها فرصة الاستمرار في تعليمهم. وبالتالي، يتمكن أطفال الأسر الفقيرة من الحصول على تعليم ذي جودة عالية، مما يمنحهم فرصًا أفضل للارتقاء الاجتماعي.
يُساهم دعم الأوقاف للتعليم في رفع المستوى العام للتعليم في المجتمع. فالتعليم يساعد الأفراد على تنمية معلوماتهم ومهاراتهم، مما يُساهم في تنمية المجتمع ككل. كما يُشجع التعليم على تحقيق الأهداف الفردية، ويُحفز على الابتكار وريادة الأعمال، ويدعم التقدم الاجتماعي.
لذلك، يعتبر دعم التعليم كأداة لنقل لزيادة الدخل والثروة نشاطًا هامًا للأوقاف. حيث يُعد تقديم التعليم المجاني من خلال الأوقاف وسيلة فعّالة للحد من التفاوت في الدخل. كما يُساهم دعم التعليم في تنمية المجتمع من خلال رفع المستوى العام للتعليم.
نقاط مهمة: تلعب الأوقاف دورًا هامًا في توفير التعليم المجاني، خاصة للأسر الفقيرة. يُساهم دعم الأوقاف للتعليم في رفع المستوى العام للتعليم في المجتمع. يُعد تقديم التعليم المجاني من خلال الأوقاف وسيلة فعّالة للحد من التفاوت في الدخل. يُساهم دعم التعليم في تنمية المجتمع من خلال رفع المستوى العام للتعليم.
ساهمت بشكل كبير في التطور العلمي الإسلامي. ألف علماؤها العديد من الأعمال العلمية المهمة وساهموا في تطوير الحضارة الإسلامية. الغزالي والإمام الماتريدي وفخر الدين الرازي وطوسي -هم بعض من أهم علماء المدارس النظامية- لها مكانة مهمة في العصر السلجوقي والتاريخ الإسلامي. كانت فاعلاً رئيسياً في التطور العلمي الإسلامي وحققت الحضارة الإسلامية قفزة علمية وفكرية مهمة بفضلها.
شهدت المؤسسات الوقفية تطوراً هاماً مع تأسيس الدولة السلجوقية. أدى تبني السلاجقة للمذهب السني وصراعهم مع الأيوبيين إلى إنشاء العديد من المؤسسات الدينية ، بدءًا من المدارس. أدى تحول الطرق الصوفية إلى مؤسسة اجتماعية رسمية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر إلى انتشار التكايا والزوايا في الأراضي السلجوقية وظهور أنظمة التبرع. لذلك تنافس السلاطين السلجوقيون والأمراء والسياسيون والشخصيات البارزة على إنشاء أوقاف كبيرة.
أسس السلاجقة، والخوارزميون، والأتابكة، والأيوبيون، والمماليك، والسلاجقة الأناضوليون، والدولة العثمانية أنظمة الأوقاف في الأراضي التي حكموها وساهموا بشكل كبير في تطويرها. أنشأ الأمراء المغول أيضًا أوقافًا كبيرة لإعادة إعمار وتطوير المدن المدمرة بعد إسلامهم. فتح غازان خان وخداوندة وأبو سعيد، وهم من كبار زعماء المغول، أراضٍ واسعة لإدارة الأوقاف. استمر تطوير مؤسسة الأوقاف في عهد سلالة ساري، وتيمور، وأق قويونلو، والصفويين، والأيوبيين، وسلالات المغول والأتراك الأخرى. اكتسب نظام التبرع أهمية كبيرة في العهد العثماني الذي أعقب انهيار سلالة السلاجقة في الأناضول.[4]
ورغم أن تاريخ المؤسسة التأسيسية يعود إلى عصور ما قبل الإسلام، إلا أنها بدأت وتطورت في عهد السلالة القراخانية للحضارة الإسلامية في تركيا واستمر بقاؤها حتى نهاية العصر العثماني. منذ الإمبراطورية العثمانية، استمرت المؤسسات التأسيسية حتى يومنا هذا من خلال مشاريع المؤسسات القديمة والمؤسسات المنشأة حديثًا.
وفي المسار التاريخي للحضارة التركية الإسلامية كشفت المؤسسة التأسيسية عن عناصر أساسية في كل مجال. وقد تطور النظام ليصبح واحداً من أغنى مؤسسات الشريعة الإسلامية وأكثرها أصالة. وفي سياق التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تحدث في المجتمع التركي الإسلامي، تبين أيضًا أنها أحد العوامل التي توقف الأنشطة الاقتصادية لبعض الدول مؤقتًا وتساهم في تراجع وانهيار هذه الدول.
المساجد، بيوت الدراويش، المدارس، المكتبات، مطابخ الحساء، الخانات، النزل، الأسواق المغطاة، النوافير، الآبار، السدود، أكواخ الجرس وأكواخ كيمريش، مربعات الأسهم، الأشرطة، إلخ. وقد قدمت خدمات في العديد من المجالات مثل. تحمّل المؤسسات الدينية والمؤسسات العلمية والشؤون الاجتماعية والصحية والرياضية والمجالات العسكرية والاقتصادية النتائج الأساسية للحضارة التركية الإسلامية. وقد لبّت هذه المرافق احتياجات المجتمع العبادة، ودعمت الأنشطة التعليمية والعلمية، وقدمت الخدمات الصحية، وساهمت في تطوير الحياة التجارية والاقتصادية، وتلبية احتياجات البنية التحتية مثل المياه والطرق، وسهلت التفاعل الاجتماعي وخلقت بيئة آمنة.
خلال الفترتين السلجوقية والعثمانية، لعبت المدارس والمؤسسات دورًا مهمًا في مجال التعليم والتدريب. ويمكن تلخيص بعض هذه الأمور فيما يلي:
• تم تنفيذ الخدمات التعليمية في الإمبراطورية العثمانية إلى حد كبير من خلال المؤسسات.
• تشمل المجمعات التأسيسية الكبيرة مختلف المؤسسات التعليمية ودور الضيافة والمكتبات والمرافق الاجتماعية الأخرى حول المساجد.
• أدى تركيز المؤسسات على التعليم إلى خلق فرص متساوية لشرائح المجتمع التي تفتقر إلى الفرص التعليمية.
• حماية الأطفال الأيتام برعاية خاصة ومنحهم الفرص التعليمية.
• توفير السكن والملبس وكافة الاحتياجات الأخرى للطلاب في المؤسسات التعليمية التأسيسية.
• تم أيضًا توفير احتياجات الطلاب مثل الكتب ومصروف الجيب من خلال المؤسسات.
• لعبت مكتبات المؤسسة دوراً مهماً في التطور الروحي للمجتمعات الإسلامية.
• وقد أدى هذا الوضع إلى زيادة الاهتمام بالعلوم الطبيعية، خاصة في العديد من المناطق مثل مصر.
• إن الزيادة في عدد المعلمين والطلاب جعلت المؤسسات التعليمية التأسيسية مركز جذب.[5]
بناءً على هذه البيانات، يمكن القول إن المؤسسات الموجودة داخل المدارس النظامية لعبت أيضًا دورًا مهمًا في مجال التعليم والتدريب خلال الفترتين السلجوقية والعثمانية: فقد قدمت هذه المؤسسات فرصًا تعليمية للطلاب من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة وساهمت في تطور العلم والثقافة. خلال الفترتين السلجوقية والعثمانية، لعبت المدارس والمؤسسات دورًا مهمًا في مجال التعليم والتدريب. ولا تزال هذه المؤسسات تشكل نموذجاً يحتذى به في مجال التعليم والخدمات الاجتماعية.
- المدارس في سلاجقة الأناضول:
لعبت المدارس التي أنشئت خلال فترة السلاجقة الأناضولية دورًا مهمًا في نشر الأيديولوجية الوطنية وتدريب موظفي الخدمة المدنية. المدرسة السلطانية، التي بنيت خصيصًا على جبل علاء الدين، هي المدرسة المركزية في الولاية. أصبحت هذه المدارس مؤسسات تعليمية تدرِّس أيديولوجية الدولة والقانون والفقه والعلوم الأخرى لكبار موظفي الخدمة المدنية.
ومع الانتشار السريع لهذه المدارس، أصبحت قونية مركزًا للعلم والحكمة. وبعد تراجع وانهيار سلاجقة الأناضول، ظلت هذه المدارس تحت سيطرة الإمارات القائمة وتم إنشاء العديد من المدارس الجديدة. هذه المدارس هي أسلاف المدارس العثمانية من حيث الهندسة المعمارية ونظام التعليم. إن حقيقة أن بعض المدارس التي بنيت في تلك الفترة لا تزال قائمة تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على قيمها التاريخية والثقافية. بالإضافة إلى ذلك، أثرت المدارس السلجوقية الأناضولية أيضًا على تطور المدارس العثمانية وأنشأت جسرًا بأنظمة تعليمية وميزات معمارية مماثلة.
- نظام التعليم في المدارس النظامية
تأسست المدارس النظامية على يد الوزير السلجوقي العظيم نظام الملك في القرن الحادي عشر وشكلت أساس نظام التعليم في الإمبراطورية السلجوقية. لم توفر هذه المدارس التعليم الديني فحسب، بل أصبحت أيضًا مراكز تعليمية حيث يتم تدريس العلوم المختلفة مثل الفلسفة والرياضيات والطب.
-
- المبادئ الأساسية لنظام التعليم:
المنهج: حدد نظام الملك المبادئ الأساسية لمناهج المدرسة وتعليمها. تم تنظيم المنهج وفقًا للفقه الشافعي وشمل دورات مثل القرآن الكريم والتفسير والحديث والفقه والمنهج وعلم الكلام والنحو والأدب والرياضيات وعلم الفلك والطب.
المربون: كان المعلمون الذين قاموا بالتدريس في المدارس خبراء ومتميزين في مجالاتهم.
الطلاب: كان التعليم في المدارس مجانيًا ومفتوحًا للجميع. تم قبول الطلاب في المدرسة بعد اجتياز امتحان القبول.
التمويل: تم تمويل المدارس من خلال المؤسسات. أنشأ نظام الملك العديد من المؤسسات لتلبية احتياجات المدارس.
4.2. مميزات نظام التعليم:
إعطاء أهمية للتطبيق العملي: كان أساس فلسفة نظام الملك التعليمية هو مبدأ “يحظر مناقشة أي نوع من المعلومات التي لا ترتبط مباشرة بالعمل”. وتماشياً مع هذا المبدأ، كانت العلوم العملية كالفقه أكثر أهمية من العلوم النظرية كالفلسفة في المدارس.
التركيز على التعليم الديني: كان التعليم في المدارس يعتمد بشكل أساسي على المعرفة الدينية. وشكلت دورات مثل الفقه والحديث والكلام جزءًا مهمًا من المنهج الدراسي.
الدعم من المؤسسات: تم تمويل المدارس من قبل المؤسسات. وبذلك أصبح التعليم مجانياً ومفتوحاً للجميع.[6]
آثار نظام التعليم:
شكلت المدارس النظامية أساس نظام التعليم في الإمبراطورية السلجوقية وقدمت مساهمات كبيرة في تطوير الإمبراطورية في مجال العلوم والثقافة. أنتج العلماء المتعلمون في المدارس أعمالًا مهمة في مجالات مختلفة مثل الفلسفة والرياضيات والطب.
4.3. مساهمات المدارس النظامية في نظام التعليم:
تأسست المدارس النظامية على يد الوزير السلجوقي العظيم نظام الملك في القرن الحادي عشر ولعبت دورًا مهمًا في تطوير نظام التعليم في العالم الإسلامي. لم توفر هذه المدارس التعليم الديني فحسب، بل أصبحت أيضًا مراكز تعليمية حيث يتم تدريس العلوم المختلفة مثل الفلسفة والرياضيات والطب. من الممكن تلخيص مساهمات المدارس النظامية بإيجاز على النحو التالي:
• قام بتنظيم التعليم: حدد نظام الملك المبادئ الأساسية لمناهج المدرسة وتعليمها. تم تنظيم المنهج وفقًا للفقه الشافعي وشمل دورات مثل القرآن الكريم والتفسير والحديث والفقه والمنهج وعلم الكلام والنحو والأدب والرياضيات وعلم الفلك والطب. وبهذه الطريقة، أصبح التعليم منهجيًا وبدأ تطبيق نفس المنهج في كل مدرسة.
• توفير التعليم في مختلف التخصصات: قدمت المدارس النظامية التعليم ليس فقط في العلوم الدينية ولكن أيضًا في تخصصات مختلفة مثل الفلسفة والرياضيات والطب. وبهذه الطريقة ساهمت في تطور العلوم والفلسفة في العالم الإسلامي.
• ساهم في تطوير العلوم والثقافة: أنتج العلماء المتعلمون في المدارس النظامية أعمالاً مهمة في مجالات مختلفة مثل الفلسفة والرياضيات والطب. ولعبت هذه الأعمال دورًا مهمًا في تطور العلوم والثقافة في العالم الإسلامي.
• حرص على أن يصبح التعليم مجانياً من خلال المؤسسات: أنشأ نظام الملك العديد من المؤسسات لتلبية احتياجات المدارس. وبذلك أصبح التعليم مجانياً ومفتوحاً للجميع.
• أدخل نظام الجدارة في التعليم: كان القبول في المدارس النظامية يتم من خلال امتحان القبول. وبهذه الطريقة، تم إدخال نظام الجدارة في التعليم وتم ضمان حصول الطلاب الأكثر نجاحًا على التعليم.
• مكنت المدارس من أن تصبح مؤسسات اجتماعية: لم تصبح المدارس النظامية مؤسسة تعليمية فحسب، بل أصبحت أيضًا مجمعًا اجتماعيًا. وتتكون هذه مؤسسات الاجتماعية من غرف للمعلمين والطلاب، وفصول دراسية، ومساجد، ومكتبات، ومهاجع، وقاعات طعام، وحمّامات.
4.4. آثار المدارس النظامية:
لعبت المدارس النظامية دورًا مهمًا في تطوير نظام التعليم في العالم الإسلامي. شكلت هذه المدارس أساس نظام التعليم في الإمبراطورية السلجوقية والدول الإسلامية الأخرى. قدم العلماء المتعلمون في المدارس مساهمات كبيرة في تطور الحضارة الإسلامية.[7]
كما تعرض نظام التعليم في المدارس النظامية لبعض الانتقادات. تتمثل الانتقادات الرئيسية في عدم إعطاء أهمية كافية للعلوم النظرية مثل الفلسفة، وأن منهج التعليم المتّبع هو الحفظ عن ظهر قلب.[8] تتمتع المدارس النظامية بمكانة مهمة في التاريخ التعليمي للإمبراطورية السلجوقية. نظمت هذه المدارس نظام التعليم، وقدمت التعليم في مختلف التخصصات، وساهمت في تطوير العلوم والثقافة.[9]
4.5. المعلمون في المدارس النظامية
تم تنفيذ إدارة المدارس النظامية وفقًا للمبادئ التي حددها نظام الملك. كان نظام الملك يدير الإدارة شخصياً، خاصة في المدرسة النظامية الأولى التي أنشئت في بغداد. واختار من يمثله من أولاده أو من علماء الشافعية. ولهذا السبب، ظلت إدارة المدرسة تحت سيطرة عائلة نظام الملك حتى القرن الثاني عشر. ومع ذلك، بعد أن فقدت عائلة نظام الملك نفوذها، وافق خلفاء بغداد على تعيين مديري وأساتذة المدارس.[10]
كانت المدارس النظامية تحتوي في المقام الأول على كرسي الفقه الشافعي، بالإضافة إلى الكراسي الخفيفة مثل الخطب والحديث والإجراءات والأدب. وفي هذه الكراسي، قام بالأنشطة التعليمية ذات الصلة أساتذة ومحاضرون في الفقه والأصول، والتفسير والحديث، والكلام، والأدب، والمواريث، والحساب.
4.5.1. اختيار المديرين:
أمر نظام الملك بأن ينتمي الأساتذة وموظفو الخدمة المدنية وغيرهم من المسؤولين في المدرسة النظامية بشكل عام إلى المذهبين الشافعي والأشعري. لكن من المعروف أنه تم التخلي عن هذه القاعدة الصارمة فيما بعد وتم تعيين معلمين لا ينتمون إلى المذهب الشافعي، مثل ابن الجوزي، في المدرسة النظامية. ولم يكن من الممكن سابقًا. ويتم اختيار وتعيين المعلمين وفق نظام معين. تم تحديد المؤهلات العلمية للمعلمين من خلال المناقشات العلمية حول مواضيع مختلفة ويتم تعيينهم في المناصب المناسبة أو المرغوبة. تم منح المواهب الخاصة والشهيرة والعلمية مناصب الأستاذية. بعض المعلومات الهامة عن أساتذة المدارس النظامية هي كما يلي:
• كان المعلمون العاملون في المدارس النظامية من أبرز العلماء في تلك الفترة.
• تم تغطية رواتب المعلمين من قبل المؤسسات.
• لم يقم المدرس بإلقاء محاضرات في المدرسة فحسب، بل أجرى أيضًا أبحاثًا وأعمال حقوق الطبع والنشر.
• قدم العديد من العلماء الذين تعلموا في المدارس النظامية مساهمات كبيرة في تطوير الحضارة الإسلامية.
على الرغم من أنه تم تعيين معلم واحد عمومًا في كل مدرسة في المدارس النظامية، إلا أنه يمكن تعيين أكثر من مدرس عند الضرورة. وألقيت المحاضرات تباعا من قبل الأساتذة. وفي عهد نظام الملك وأبنائه كان تعيين الأستاذ ومساعديه يخضع لموافقة الوزير. ويذهب المرشحون المعتمدون إلى بغداد، ويمثلون أمام الخليفة ويقبلون المنصب رسميًا.
في المدارس النظامية، يتم اختيار الأساتذة ومساعديهم من بين الأشخاص المحترمين والمعروفين في المجتمع. بدأ الأمر بمراسم التعيين وبدأت الدروس بحضور كبار الشخصيات والمدرسين والعلماء والشعراء. وكان الخليفة أحيانًا يحضر هذه الاحتفالات شخصيًا.
قام نظام الملك بتعيين أشخاص موهوبين يتمتعون بصفات قيادية كمحافظين وقدم لهم الفرصة ليصبحوا أساتذة. وهكذا تم إرسال أعضاء هيئة التدريس الذين يستطيعون توفير التعليم ونشر أفكارهم بسهولة إلى مجالات غير علمية لسد الفجوة العلمية هناك وكشف الحقيقة. في المدارس النظامية، تم اختيار المعلمين وتعيينهم وفصلهم بموجب نظام ثابت. تم تعيين المعلمين وفقا لمعارفهم ومهاراتهم.[11]
4.5.2. المناهج وجداول الدورات في المدارس النظامية
المدارس النظامية هي مؤسسات يواصل فيها المسلمون أنشطة التعليم العالي بطريقة مخططة ومنظمة. وعادة ما يلتحق الطلاب بهذه المدارس بعد التعليم الابتدائي والثانوي، الذي يتلقونه في المساجد والمكتبات. كما أدرجت في المدارس النظامية العلوم العقلانية بالإضافة إلى العلوم الإسلامية. بالإضافة إلى العلوم المنقولة مثل القرآن والتفسير والحديث، يشمل المنهج اللغة والنحو والخطابة والنثر والشعر والقراءة والتاريخ والهندسة والفلك والحساب والجبر والمنطق وطرق المناقشة وعلم الكلام والعلوم الطبيعية والفيزياء. والكيمياء والطب، كما تم تدريس العلوم العقلانية مثلها.
ويمكن القول عن المنهج ما يلي: لقد حددت كل مدرسة منهجها الخاص وفق قواعد المذاهب ومجال خبرة الأستاذ. وفي المدارس المركزية الكبيرة: تم أيضًا تدريس العلوم الفلسفية جنبًا إلى جنب مع العلوم الوضعية. وفي برامج الدراسة بالمدارس، كان هناك نظام معين ومبدأ تدريس، وكانت فترات التعليم والمناهج تحدد شهريًا أو سنويًا. على الرغم من أنه ليس لكل مدرسة منهجًا ثابتًا وإلزاميًا، إلا أنه يتم توفير المرونة في التدريس التي تشجع الإنتاجية. الغرض الرئيسي من التعليم في المدارس النظامية هو تدريب رجال الدين الذين لديهم مهارات مثل إصدار الأحكام، ومقارنة القضايا المثيرة للجدل، ومعرفة قواعد النقاش وإلقاء المحاضرات. المدارس النظامية هي مؤسسات تعليمية مهمة حيث يتم تدريس العلوم العقلية وكذلك العلوم الإسلامية، وتدريب رجال الدين الذين يتميزون بعلمهم وقدراتهم.
4.5.3. مصادر دخل المدارس النظامية
كان مصدر دخل المدارس النظامية هو المؤسسات. أنشأ نظام الملك العديد من المؤسسات لضمان الاستقلال المالي للمدارس. قدمت هذه المؤسسات دخلاً لتلبية احتياجات المدارس التالية:
• رواتب الموظفين: تم دفع رواتب المعلمين والأساتذة وغيرهم من العاملين في المدارس من إيرادات المؤسسة.
• المنح الدراسية للطلاب: تقدم العديد من المدارس الدينية فرص المنح الدراسية للطلاب الفقراء. وتمت تغطية هذه المنح الدراسية أيضًا من دخل المؤسسة.
• صيانة المباني وإصلاحها: تم أيضًا تمويل صيانة المباني وإصلاح المدارس من إيرادات المؤسسة.
• الكتب والمواد المكتبية: قامت المؤسسات أيضًا بتوفير الكتب والمواد التعليمية الأخرى المستخدمة في المدارس.[12]
تتكون المؤسسات عمومًا من أصول مدرة للدخل مثل الأراضي الزراعية والمتاجر والنزل. تم استخدام الدخل من هذه الأصول لتلبية احتياجات المدارس.
إن تمويل المدارس النظامية من خلال المؤسسات يضمن الاستقلال المالي والاستدامة طويلة المدى لهذه المدارس. مصادر الدخل الأخرى للمدارس النظامية، باستثناء المؤسسات، هي كما يلي:
• مساعدات الدولة: قدمت الدولة السلجوقية مساعدات مالية للمدارس الدينية من وقت لآخر.
• الهبات والتبرعات: تم تقديم المساعدات المالية والمعنوية للمدارس من قبل المحسنين.
• رسوم الطلاب: في بعض المدارس، تم جمع مبلغ بسيط من الرسوم من الطلاب.
ومع ذلك، فإن حجم مصادر الدخل هذه لم يكن كبيرا مثل دخل المؤسسة. ولهذا السبب، كان المصدر الرئيسي لدخل المدارس النظامية هو المؤسسات.
5. الدور الذي تلعبه المدارس النظامية
تعتبر المدرسة النظامية، التي أسسها السلطان السلجوقي ألب أرسلان في بغداد، أول مدرسة ابتدائية في العالم. أسس هذه المدارس الوزير السلجوقي نظام الملك في القرن الحادي عشر وكانت نقطة تحول مهمة في التاريخ التركي الإسلامي.[13]
واعتمد السلاجقة سياسات تهدف إلى القضاء على الحركات الدينية الضارة التابعة للفرع الانفصالي من المذهب الرافضي، وضمان وحدة العقيدة السنية، ونقل الفكر الرسمي والسياسي والديني للدولة من خلال قناة تعليمية مركزية. تم إنشاء المدارس النظامية لهذا الغرض.
مصطلح المدارس النظامية هو مصطلح عام يستخدم غالبًا لوصف المدارس التي أنشأتها الدولة والحكومة. في الواقع، الاسم الصحيح لهذه المدارس ليس “نظامية”. وجميع المدارس التي أسسها نظام الملك في حياته كانت تحت إمرته. ثم تعلّقت بأبنائه، ثم بالسلاطين والخلفاء. ويعود سبب تسمية هذه المدارس بالمدرسة النظامية إلى شهرة نظام الملك الذي كان له الأثر الكبير في إنشائها.
بذلت المدارس النظامية جهودًا لتصبح مؤسسات بحثية ومتخصصة. لقد تم إنشاؤها لتقديم حجج وأفكار بديلة ضد الدعاية الشيعية. ولهذا الغرض، ترك التعليم الثانوي للمساجد والمكتبات، وترك التعليم العالي للمدرسة النظامية.
قدمت المدارس النظامية مساهمات كبيرة في الدفاع عن الدولة والمجتمع من خلال خلق عقيدة ضد الأفكار الغربية مع موظفيها المتعلمين. إن جهودهم في تأسيس هذا النظام الفكري من خلال قبول فكرة أهل السنة خلقت اندماج المجتمع والمدرسة وقللت من تأثير الأفكار الباطنية على المجتمع.
اتخذت المدارس النظامية نماذج في العالم الإسلامي بسبب أساليب التدريس والأساليب الانفتاحية التي تستخدمها. وهكذا، تطور نظام التعليم القائم على تقاليد المدارس ومؤسسات التعليم الرسمية في العالم الإسلامي.
منذ افتتاح المدارس النظامية بأموال الدولة، كانت تعمل تحت إشراف ورقابة الدولة، وكانت الشؤون التعليمية تتم تحت إشراف الدولة. وقد مكّن هذا الوضع الدولة من لعب دور نشط في المدارس الدينية وفي نظام التعليم بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، أدى افتتاح المدارس الدينية في مناطق مختلفة من البلاد إلى ظهور تكافؤ الفرص في التعليم.
المدارس النظامية، التي افتتحت خلال فترة الدولة السلجوقية، أخذت مثال السلطات الإدارية الأخرى وكانت رائدة في افتتاح مدارس جديدة. اتخذ حكام مثل المنتصر وصلاح الدين الأيوبي ونور الدين زنكي المدارس النظامية كمثال وشجعوا على إنشاء مدارس مماثلة في أراضيهم. بالإضافة إلى ذلك، تم تطوير نظام المدارس، ليكون نموذجًا لدولة السلاجقة الأناضولية والإمارات الأناضولية والمدارس النظامية للدولة العثمانية.
أثرت المدارس النظامية على المدارس التي افتتحت بعدها ببنيتها المادية وواجباتها التعليمية ومناهجها. المدارس اللاحقة عملت عمومًا وفقًا للبرنامج الذي اتبعته المدارس النظامية. وقد ساهمت الفترة التي تم فيها افتتاح المدارس العادية والمدارس الجديدة التي أنشئت بعد هذه المدارس إسهاما كبيرا في تشكيل حضارة مشتركة في العالم الإسلامي.
6. آثار المدارس النظامية على العالم التركي
لم تقم المدارس النظامية بتنفيذ الأنشطة التعليمية فحسب، بل أثرت أيضًا بعمق على الحياة السياسية والدينية والاجتماعية للعالم التركي. ويمكن أن نقول بإيجاز عن تأثيراتها على العالم التركي:
• المصالحة بين الشريعة والطائفة: ساهمت المدارس النظامية في إضفاء الشرعية على الاتجاهات الصوفية في العالم التركي من خلال توفير حل وسط بين الشريعة والطائفة. وقد مكّن هذا الوضع من قبول الصوفية وانتشارها بسهولة أكبر داخل المجتمع التركي.
• تشكيل المؤسسات الصوفية: أسس العلماء المتعلمون في المدارس النظامية مؤسسات صوفية مهمة مثل اليسفي، والنقشبندي، والكبريفي، والبكتاشي. ولعبت هذه المؤسسات دوراً مهماً في انتشار الإسلام في العالم التركي وفي تشكيل التوليفة التركية الإسلامية.
• الحضارة الإسلامية المشتركة: ساهم الطلاب الذين تعلموا في المدارس النظامية في تكوين حضارة إسلامية مشتركة من خلال الانتشار في مناطق مثل أذربيجان وخراسان ودمشق والعراق والحجاز واليمن وشمال أفريقيا والأندلس. وساهمت هذه المدارس في تعزيز الوحدة الإسلامية من خلال تشجيع تبادل المعرفة والثقافة بين المسلمين الذين يعيشون في مناطق جغرافية مختلفة.
• التطور في التعليم والعلوم: أدت المدارس النظامية إلى تطور كبير في مجال التعليم والعلوم في العالم التركي. أدى توفير التعليم في مجالات مختلفة مثل الرياضيات وعلم الفلك والطب والفلسفة في هذه المدارس إلى زيادة مساهمات الأتراك في العلوم والفلسفة.
• نشر تيارات فكرية مختلفة: إن السماح بمناقشة وتدريس تيارات فكرية مختلفة في المدارس النظامية ساهم في خلق بيئة فكرية في العالم التركي. وقد ساعد ذلك الأتراك على أن يصبحوا مجتمعًا منفتحًا على الأفكار المختلفة وعلى تطوير مهارات التفكير النقدي.
لعبت المدارس النظامية دورًا مهمًا في تطور العالم التركي في المجالات السياسية والدينية والاجتماعية والتعليمية والعلمية. ولهذه المدارس مكانة مهمة في تشكيل التوليفة التركية الإسلامية وبناء الحضارة الإسلامية المشتركة.[14]
النتائج والتوصيات:
إن دور إنشاء مراكز البحوث والمدارس النظامية في نهضة العلوم الإسلامية خلال العصر السلجوقي يزيد من الاهتمام بالتطور العلمي والثقافي لتلك الفترة. تعتبر هذه الدراسة مصدرًا مهمًا للأكاديميين والمؤرخين والقراء المهتمين بالفترة السلجوقية.
المقارنة مع الغرب: إن النهضة الإسلامية، على عكس النهضة في الغرب، حدثت ضمن حدود نموذج مركزي. ورغم أن هذا الوضع حد من الإنجازات العلمية للعالم الإسلامي، إلا أنه لعب دورًا مهمًا في تحقيق الغرب لعمليات النهضة والإصلاح والتنوير.فقد ساهمت الأعمال الإسلامية المترجمة في تطوير الفكر النقدي وتفكك النموذج اللاهوتي.
دور السلاجقة: ساهم السلاجقة بشكل كبير في نهضة العلوم الإسلامية من خلال إنشاء مراكز البحوث والمدارس النظامية. وقد مكن الدعم المالي المقدم من خلال المؤسسات من تطوير هذه المؤسسات وزيادة الأنشطة العلمية. لعبت المدارس النظامية دورًا مهمًا في التطور العلمي والفكري للإسلام مع العلماء الذين قامت بتعليمهم.
تكشف هذه الدراسة عن مساهمات السلاجقة في التطور العلمي والفكري ودور المؤسسات في هذه العملية. تم فحص أداء وتأثيرات مراكز البحوث السلجوقية والمدارس النظامية بالتفصيل. بالإضافة إلى ذلك، تم تقييم خصائص النهضة العلمية الإسلامية والتطورات العلمية والثقافية خلال العصر السلجوقي.
ونتيجة لذلك: أصبح السلاجقة عاملا مهماً في نهضة العلوم الإسلامية. وقد ساهم الدعم الذي قدموه من خلال مراكز البحوث والمدارس النظامية في التطور العلمي والفكري للإسلام. وتشير نتائج هذه الدراسة إلى أن العصر السلجوقي كان فترة غنية بالعلم والثقافة.
مصادر
- أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، حيدر آباد الدكن، الهند، 1359هـ،
- يحي بن سعيد الأنطاكي، تاريخ الأنطاكي، نشر لويس شيخو مع كتاب “التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق” لابن البطريق، المطبعة الكاثوليكية، بيروت/لبنان 1908،
- المقريزي، اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء. تحقيق محمد حلمي محمد أحمد، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة/ مصر.
- الدرجيني (الشيخ أبي العباس أحمد بن سعيد) كتاب طبقات المشايخ بالمغرب، تحقيق وتقديم الشيخ إبراهيم محمد طلاي، طبعة الجزائر (د.ت)،
- يوهان (فك)، العربية: دراسات في اللغة واللهجات والأساليب، ترجمة: د. عبد الحليم النجار، دار الكتاب العربي، القاهرة/ مصر،
- المقدسي (أبو عبد الله محمد بن محمد ت 391هـ)، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، طبعة برلين، 1906م، ص126، ص142، ص323،
- الطرطوشي (أبو بكر محمد)، سراج الملوك، المطبعة الحمودية، 1935،
- زكار (د. سهيل)، الدولة العربية في العصر العباسي الثاني، جامعة دمشق، دمشق/ سورية، 1411هـ/ 1990،
- صديقي (محمد الناصر)، تاريخ اليزيدية. دار الحوار، 2008م،
- بدوي (د. عبد المجيد أبو الفتوح)، التاريخ السياسي والفكر،
- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، دار صادر بيروت/لبنان 1966م،
- مصطفى جواد، مقالة عن المدارس النظامية، منشور في مجلة المعلم الجديد، الصادرة في بغداد، سنة 1942م،
- أحمد شلبي، التربية والتعليم في الفكر الإسلامي،
- محمود شكري الألوسي، تاريخ مساجد بغداد وآثارها، طبعة بيروتية مصورة، بدون ناشر، وبدون تاريخ.
- يسري عبد الغني عبد الله، الأوقاف الإسلامية القديمة ودورها في النهضة التعليمية والثقافية، القاهرة، 2007م.
الهوامش:
- أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، حيدر آباد الدكن، الهند، 1359هـ، 8/256. ↑
- يحي بن سعيد الأنطاكي، تاريخ الأنطاكي، نشر لويس شيخو مع كتاب “التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق” لابن البطريق، المطبعة الكاثوليكية، بيروت/لبنان 1908، ص 206؛ المقريزي، اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء. تحقيق محمد حلمي محمد أحمد، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة/ مصر، جII، ص54، ص69، ص298. ↑
- الدرجيني (الشيخ أبي العباس أحمد بن سعيد) كتاب طبقات المشايخ بالمغرب، تحقيق وتقديم الشيخ إبراهيم محمد طلاي، طبعة الجزائر (د.ت)، جII، ص312- ص347. ↑
- البندري (الفتح بن علي محمد البندري الأصفهاني)، مختصر تواريخ آل سلجوق، طبع ليدن 1889، ص26، السبكي، طبقات الشافعية، جIII، ص137. ↑
- يوهان (فك)، العربية: دراسات في اللغة واللهجات والأساليب، ترجمة: د. عبد الحليم النجار، دار الكتاب العربي، القاهرة/ مصر، 1951م، ص209. المقدسي (أبو عبد الله محمد بن محمد ت 391هـ)، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، طبعة برلين، 1906م، ص126، ص142، ص323، ص395، ص415 ↑
- الطرطوشي (أبو بكر محمد)، سراج الملوك، المطبعة الحمودية، 1935، ص708. زكار (د. سهيل)، الدولة العربية في العصر العباسي الثاني، جامعة دمشق، دمشق/ سورية، 1411هـ/ 1990، ص181؛ صديقي (محمد الناصر)، تاريخ اليزيدية. دار الحوار، 2008م، ص164. ↑
- بدوي (د. عبد المجيد أبو الفتوح)، التاريخ السياسي والفكر، ص184. ↑
- بدوي (د. عبد المجيد أبو الفتوح)، التاريخ السياسي والفكر، ص185. ↑
- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، دار صادر بيروت/لبنان 1966م، ج10، ص124 ص125. ↑
- مصطفى جواد، مقالة عن المدارس النظامية، منشور في مجلة المعلم الجديد، الصادرة في بغداد، سنة 1942م، ص 115. ↑
- أحمد شلبي، التربية والتعليم في الفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص 250، وما بعدها. ↑
- محمود شكري الألوسي، تاريخ مساجد بغداد وآثارها، طبعة بيروتية مصورة، بدون ناشر، وبدون تاريخ، ص 102. ↑
- مصطفى جواد، مقالة عن المدارس النظامية، منشور في مجلة المعلم الجديد، الصادرة في بغداد، سنة 1942م، ص 115. ↑
-
يسري عبد الغني عبد الله، الأوقاف الإسلامية القديمة ودورها في النهضة التعليمية والثقافية، القاهرة، 2007م، الجزء الخاص بنظام الملك. ↑