دور التعلم التعاوني في تعزيز التفكير الإبداعي لدى التلاميذ

خالد أوبلال1

1 طالب باحث في سلك الدكتوراه كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس، المغرب

بريد الكتروني: khalid.ouablal@gmail.com

DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj56/1

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/06/2024م تاريخ القبول: 05/05/2024م

المستخلص

تهدف هذه المقالة إلى معرفة الدور الذي يلعبه التعلم التعاوني لتعزيز الإبداع لدى التلاميذ في الفصل الدراسي، ومساهمته في زيادة وعيهم بقدراتهم، وإبراز مكانته في تعزيز العملية التعلمية.

وبالتالي يعمل التعلم التعاوني على تشكيل شخصية الفرد داخل الجماعة، و خلق مواطن صالح منتج مع توجيه مواهبه لخدمة مجتمعه، فمن خلال استراتيجيات التعلم الفعال، و التي هي عبارة عن مجموعة متناسقة من الإجراءات الصفية التي يخططها وينفذها المعلم مع تلامذته، يقوم التلميذ بالـدور الإيجابي أثناء التعلم من خلال المشاركة و التفاعل الإيجابي، بدلاً من اعتماده على تلقي المعلومات و حفظها عن ظهر قلب و اعتبار الأستاذ منشط و موجه و محفز بدلا من اعتباره ناقلا للمعرفة فقط. و من خلال إستراتيجية التعلم التعاوني يتم تحفيز مهارات التفكير الإبداعي اللازمة لمعالجة المشاكل المعقدة التي يمكن أن يواجهها الفرد في حياته اليومية.

الكلمات المفتاحية: استراتيجية التعليم التعاوني، التفكير الإبداعي.

Research title

The role of cooperative learning in enhancing creative thinking among many

Khalid Ouablal1

1 PhD Student, Faculty of Educational Sciences, Mohammed V University, Morocco Email: khalid.ouablal@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(6); https://doi.org/10.53796/hnsj56/1

Published at 01/06/2024 Accepted at 05/05/2024

Abstract

This article aims to know the role cooperative-learning plays in enhancing students’ creativity in the classroom, its contribution to increasing their awareness of their abilities, and highlighting its place in enhancing the learning process.

Cooperative-learning helps to shape the personality of the individual within the group, and to create a good, productive citizen while directing his talents to serve his community through effective learning strategies, which are a coordinated set of classroom procedures that the teacher plans and implements with his students. The student plays a positive role whiling learning through participation and positive interaction rather than relying on receiving information and memorizing it by heart and considering the teacher as an activator, guide, and motivator instead of considering him as a transmitter of knowledge only. Through cooperative learning strategies, the creative thinking skills necessary to address complex problems that the individual can face in his daily life are stimulated.

Key Words: cooperative education strategy, creative thinking.

تقديم

إن مسألة إدراج التفكير الإبداعي في الفصل الدراسي، موضوع في غاية الأهمية و ضرورة ملحة. نظرا لما يشهده العالم من ثورة تكنولوجية تفوق في أبعادها وآثارها الآنية و المستقبلية التحولات أو الثورات السابقة منذ بداية الصناعة الحديثة، وما تلاها من طفرات في مختلف الميادين ( العلمية ، التقنية و الاجتماعية) ، و التي تعتمد في الأساس على المعرفة المتقدمة و الاستخدام اللامحدود للمعلومات المتدفقة بوتيرة سريعة، فتقدم الدول في مختلف الميادين، يعتمد على الدور الكبير للمبدعين ،حيث تتسابق الأنظمة التعليمية المتطورة إلى استثمار كل طاقاتها و إمكانياتها و ثرواتها لتأهيل و تكوين المبدعين للوصول إلى السبق العلمي و التكنولوجي من ثم الريادة و السيادة . نظرا لتأثيرات الاقتصاديات القائمة على المعرفة، تحاول جميع البلدان تنمية التعلم من أجل الإبداع لزيادة تنافسيتها مع باقي دول العالم، استنادا على الأبحاث العلمية التي أجريت حول دور التعلم الإبداعي التي توفر الأساس النظري لفهم العملية الإبداعية في الفرق وتفترض طرق لتعزيز فعاليتها واستدامتها عند الأفراد في المستقبل.

إن الهدف الرئيسي لهذه الدول هو تعليم التلاميذ في المدارس كيفية التفكير لتهيئة المناخ الذي من دوره تعزيز التفاعل مع المتغيرات المستقبلية بكفاءة عالية. ويعتبر التعلم الإبداعي أساس التغيير والتقدم في كافة المجالات في عالم أصبح قائده الفكر. ومن ثم، فإن الحاجة إلى تعليم التفكير الإبداعي لتلاميذنا أصبحت ضرورة ملحة (مهرية وآخرون، 2017، ص 326). وعلـى الـرغم مـن كل الجهود المبذولة من طرف الدول المتقدمة، إلا أن التعليم في الأوطان العربيـة لايزال يعاني من مظـاهر الضـعف والخلـل. وكما جــاء فــي أحــد التقــارير أن «التعلــيم فــي الــوطن العربــي حاليــا هــو تعلــيم للماضــي فهــو لا يخــدم الحاضــر، وبالقطع لا يمكن بأوضاعه الراهنة أن يستجيب لتحديات المستقبل “وحيث إن التعليم في الوطن العربي يقوم أساسا على الحفـظ والتلقـين فـان مـا ينـتج عنـه مـن مهـارات الخلـق والإبـداع وحـل المشـكلات تكون محدودة. ( خضر و عدوي ، 2011، ص39 )

من خلال تسليط الضوء على التعلم التعاوني الإبداعي، يظهر الدور الفعال للتربية باعتبارها مسؤولة عن تنمية التفكير الإبداعي، والقدرة على التفاعل مع مستقبل مجهول المعالم ومن بينها أهمية تدريب التلاميذ على ممارسة التفكير النقدي الابتكاري مع التخلي عن التفكير النمطي، وكذلك تحليل التوقعات ودراسة الاحتمالات المستقبلية، وتخيل المستقبليات البديلة. و من خلال هذا يتسع مفهوم تنمية الموارد البشرية من مجرد اكتساب مهارات ومعارف وتوظيفها في عمليات الإنتاج، إلى الاهتمام بالدور الاجتماعي والثقافي للإنسان، وكذلك الفكر وحرية التعبير وإطلاق حركة العقل من أجل تنمية القدرات والإبداع المستمر. ( خضر و عدوي ، 2011، ص 8 و 9)

الإبداع

مفهوم الابداع

يعرّف الإبداع كنوع من التفكير يمكّن الناس من توليد وابتكار أفكار جديدة، مع تحسين الأفكار القديمة، وإعادة دمج الأفكار الحالية بطريقة جديدة كما يمكن تعريفه بكونه القدرة على إنتاج عمل جديد وعالي الجودة (johnson et autre ,2014).

وفقا لكلاوس 2010،” فإن الإبداع هو تطوير أفكار جديدة ومناسبة ” حيث يقصد بالجديدة أصيلة وغير متوقعة، بينما يقصد بالمناسبة مفيدة وقابلة للتكيف عندما يتعلق الأمر بمهمة محددة.

بينما Amable 1993 يعرّفه على أنه توليد أو تطوير أفكار أو منتجات جديدة لها درجة معينة من المنفعة و القبول و يعتبر هذا التعريف – من بين كل التعاريف- الأكثر دقة لأن اللوحات و السمفونيات و النظريات الشهيرة التي اعتبرت إبداعا ما هي إلا بعض المنتجات الجديدة التي لاقت قبولا، كما تعد أجهزة التلفزيون و الكمبيوتر من بين العديد من المنتجات الجديدة التي كانت مفيدة.

وبدوره عرّفه محمود منسي 1991 على أنه قدرة الفرد على التفكير الحر الذي يمكنه من اكتشاف المشكلات والمواقف الغامضة ومن إعادة صياغة عناصر الخبرة في أنماط جديدة عن طريق تقديم أكبر عدد ممكن من البدائل لإعادة صياغة هذه الخبرة بأساليب متنوعة وملائمة للموقف الذي يواجهه الفرد بحيث تتميز هذه الأنماط الجديدة الناتجة بالحداثة بالنسبة للفرد نفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه، وهذه القدرة يمكن التدريب عليها وتنميتها. (الشايب و مهرية، 2017، ص 17)

في حين أن تيرنر Turner: 1994 عرفه بكونه محاولة البحث عن طريق غير مألوفة لحل مشكلة جديدة أو قديمة ويتطلب ذلك طلاقة الفكر ومرونته.

و يعرف تورانس الإبداع بأنه “عملية استشعار الصعوبات، والمشكلات، والفجوات في المعلومات، والعناصر المفقودة، و كذلك عمل التخمينات وصياغة الفرضيات حول أوجه القصور؛ وتقييم واختبار هذه التخمينات والفرضيات؛ وربما مراجعتها وإعادة اختبارها؛ وأخيراً، التوصل للنتائج ( Torrance , 1993 , p 23) . هذا التعريف الأخير يجعل الإبداع يبدو مثل التعلم.

إذن فالتفكير الابتكاري هو تلك القدرة التي يمتلكها الفرد لخلق أفكار جديدة وغير مألوفة لحل المشكلات، فهو نشاط عقلي يهدف إلى الابتعاد عن النمطية.

أهمية الإبداع

عادة ما يوصف الابداع بكونه القدرة على إنشاء أفكار جديدة وفعالة وأن هذه المهارة مطلوبة في العديد من التخصصات كما تعتبر ضرورة في النجاح الشخصي، وفي المجال المهني تحضي بأهمية كبيرة في عملية التوظيف في الشركات العالمية المتخصصة بسبب الدور الحاسم الذي يلعبه الإبداع في تنمية عالم الأعمال لمجرات التغيرات و التعقيدات المتزايدة بفعل التسارع التكنولوجي الذي يؤثر بشكل كبير في العديد من المجالات.

تلعب مهارات التفكير الإبداعي دورا مهما في المجتمع الحديث، باعتباره جانبا مهما في تطوير ميادين اقتصادية وفنية.. إلخ ويتطلب التطور في هذه الميادين إلى إعداد الشباب لحياة مهنية تتسم بالتغيير المستمر لدا يجب على المدرسة إعداد التلاميذ للاندماج في هذا العالم من خلال تزويدهم بالمهارات والكفاءات التي تتماشى مع متطلبات واقع العمل في المستقبل والتي ستمكنهم من المعرفة لحل المشكلات بشكل إبداعي.

إن المجتمعات السـاعية إلـى التحضـر تركـز علـى الاسـتفادة مـن طاقا أفرادهـا ، بصـفتهم ثـروة بشـرية لا تقل أهمية عن الثروة الطبيعية، بـل تعتبـر وسـيلة فعالـة وناجعة لتحقيق أهدافها و التغلب على العراقيل التي تقف دون تنميتها. (خضر و عدوي، 2011، ص 38)

في الماضي كان على الشخص اكتساب المحتوى المعرفي من خلال مهارات القراءة والكتابة والحساب، معتقدين أن إتقانها سيكون كافيا للنجاح، وعلى الرغم أن هذه المهارات المعرفية لا تزال ضرورية إلا أنها لم تعد كافية لضمان النجاح، باعتبار التسارع التكنولوجي و الاقتصادي و المجتمعي الذي يغير بدوره تفاعل الناس مع بعضهم البعض و طرقة معالجتهم للمعلومات. فيجب أن يكون أفراد هذا المجتمع مجهزين بمهارات وكفاءات تعليمية تسمح لهم بالمشاركة الفعالة ومن أهم هذه المهارات هي التفكير الإبداعي. (Bruno et Canina, 2019)

ومن خلال ما سبق لا ينبغي اعتبار الإبداع ترفا معرفيا يقتصر على الأفراد الموهوبين ( كما كان في الماضي) و لكن باعتباره مهارة ضرورية لكل أفراد المجتمع كالقراءة و الكتابة و الحساب.

لقد اضحى مفهوم الابداع محط اهتمام الأكاديميين والتربويين في كل المؤتمرات التعليمية عربيا وعالميا. ويكمن التحدي اليوم في كيفية تطبيق هذه الأفكار والتوصيات على ارض الواقع، وفِي طرق تعديل المناهج الدراسية بما يتناسب ومخرجات الثورة الصناعية، وتطوير العملية التعلمية بناء على معايير واهداف شاملة ومتكاملة بهدف الوصول الى منهج تربوي حديث يحفز الابداع في المدارس.

دمج التفكير الإبداعي في المناهج التعليمية من خلال التجارب العالمية

نتيجة لأهمية الإبداع تحولت العديد من الأنظمة التعليمية في العالم، و ذلك لمواجهة التحديات و المتغيرات المتسرعة التي تتطلب أفراد قادرين على التفكير بشكل إبداعي مستقل و في إطار العمل الجماعي التعاوني (badran,2007,p 573) . لذلك كان من الضروري تضمين الإبداع في إصلاح المناهج وسياسات التعليم في الدول الغربية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والسويد وأستراليا وكذلك في مختلف البلدان الآسيوية. نفذت العديد من هذه الدول إصلاحات في المناهج الدراسية مع التركيز على تنمية الإبداع لدى التلاميذ (lin، 2014، P 43).

التجربة الامريكية

و من أهم التجارب التطبيقية لإدماج الابداع في المدرسة هي ” حركة الفصل المفتوح ” في ستينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تهدف إلى تعزيز الفكر الإبداعي في الفصل الدراسي من خلال التعلم النشط و التدريس الجماعي و التعلم التعاوني.

والتي تؤكد على: (1) إشراك الطلاب في القرارات المتعلقة بالتعلم، (2) المرونة في تنظيم التدريس، و (3) التعلم بالممارسة.

هذه التجربة تختلف اختلافًا كبيرًا عن الطريقة التقليدية في التدريس في علاقات الأستاذ بالمتعلم، وطرق التدريس وتنظيم الفصول الدراسية، والعلاقة مع البيئة الخارجية. في الفصول الدراسية المفتوحة، سُمح للتلاميذ بالمشاركة أكثر في القرارات المتعلقة بتعلمهم حيث أنهم استخدموا مجموعة من طرق التدريس بما في ذلك التدريس الفردي، تدريس الفصل من خلال تقسيمه إلى مجموعات صغيرة أو بالطريقة التقليدية، بدلاً من الاعتماد فقط على تعليم المجموعة الفصل بالكامل. شجع مدرسو الفصول المفتوحة المزيد من التعلم بالممارسة واختيار التلاميذ للأنشطتهم التعليمية، كما كان تنظيم الفصول الدراسية أكثر مرونة وثراء للمواد التعليمية و تكامل المناهج فيما بينها و أكثر تنوعًا. ومع ذلك، في تنظيم المناهج الدراسية.

وفقًا لمراجعة قام بها هورويتز (1979) حول فعالية هذه الممارسات الصفية المفتوحة، أظهرت معظم الجهود في هذا المجال نتائج نفسية إيجابية من حيث المواقف وأسفرت عن تطوير إبداعي. علاوة على ذلك، وخلافًا لتوقعات منتقدي هذه الخطوة فإنها عززت الإبداع عند التلاميذ دون المساس بالتحصيل الدراسي عندهم. (Horwitz,R .A , 1979 , P 77)

في حين تورانس وجوف (1989) اعتبرا أن هذه التجربة ” حركة الفصل المفتوح ” بداية لتورة هادئة وغاية في الأهمية في اتجاه زيادة التركيز على حل المشكلات بشكل إبداعي، والتركيز على كون الإبداع ليس فرديا وفطريا واعتباره سلوك يمكن رعايته و تطويره من خلال معرفة العوامل التي تؤثر على تنميته و تطويره. Torrance, & Goff,1989))

ويمكن القول من خلال هذا أن الإبداع مجموعة مهارات تتشكل خلال عملية تعليمية تفاعلية و لا يتم اكتسابها فجأة.و هذا ما يعززه الأبحاث و النظريات حول الذكاءات المتعددة الأبعاد و مفهوم القدرات البشرية المتنوعة ( thistone, 1988 ) grander, 1952) ( sterbey, 1967) ) ، حيث أصبح ينظر للإبداع على أنه بناء تفاعلي على الرغم من ان له علاقة بالذكاء و على العوامل الوراثية التي تتجلى في الفروق الفردية ، و مع ذلك فإن الفرضية الرئيسة للإبداع في العملية التعليمية تنبني على أن جميع الأفراد لديهم القدرة على الإبداع ، و أن الأطفال كلهم مبدعين بشكل طبيعي. (Torrance ,1969 , 1987) ( Maslow , 1968)

التجربة الفنلندية

تعتبر دولة فلندا من الأنظمة التعليمية التي جعلت التربية من أجل الإبداع نقطة ارتكاز يدور حولها التعليم الرسم، الذي تبوأت مكانة بارزة في الآونة الأخيرة، وهذا بعد ادراكهم الحاجة إلى تطوير مهارات التفكير الإبداعي باعتبارها أهم كفاءة في القرن الحادي والعشرين.

أنشأت فنلندا سمعة عالمية كدولة تعليمية نموذجية. حيث أن تلامذتها دائما ما يحصلون على أعلى الدرجات في الاختبارات الدولية، الدليل على ذلك، أن أداء التعليم في فنلندا يحتل المرتبة الأولى عالميا. كما يُعد صانعو الهواتف المحمولة وأشهر فناني الأوركسترا وسائقي الفورمولا 1 مؤشرات على ثقافة المجتمع الفنلندي الذي يقدر البراعة والإبداع.

خلال العقد الأول من هذا القرن، احتلت فنلندا المرتبة الأولى أربع مرا ت كأكثر الاقتصادات تنافسية في العالم من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي. يشير هذا إلى أن فنلندا تمتلك مستوى مرتفعا جدا من رأس المال البشري، واستخداما واسع النطاق لتقنيات المعلومات والاتصالات، ومؤسسات التعليم والبحث التي أعيد تصميمه لتعزيز الابتكار والبحث والتطوير.

من السمات النموذجية للتعليم والتعلم في فنلندا تشجيع المعلمين والتلاميذ على تجربة أفكار وأساليب جديدة، والتعرف على الابتكارات التي من خلالها يتنمى الإبداع في المدارس، هذا لا يعني أن التعليم التقليدي والتنظيم المدرسي غير موجود في فنلندا؛ بل على العكس تماما. (Sahlberg,2007, p 152)

في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، كان أداء طلاب المدارس الثانوية في فنلندا أفضل قليلاً من المستوى متوسط مستوى، وكان أحد المبادئ الأساسية في الإصلاحات النظام التربوي هو تحمل المعلمين ومديري المدارس مسؤولية نتائج التعلم لكل تلميذ. مع استبدال الوصفات الشاملة المستندة إلى المحتوى الواجب تلقينه من خلال بمجموعة مركزة من الأهداف التعليمية التي توضح ما يجب أن يكون التلاميذ قادرين على القيام به، وترك الأمر للمدارس لإنشاء بيئة تعليمية وإنشاء المحتوى التعليمي الذي يخدم طلابهم بشكل أفضل للوصول إلى هذه الأهداف. (Schleicher, 2006, p 09)

خلص شلايشر، في تحليله للنجاح الفنلندي إلى أن بناء شبكات من المدارس التي تحفز الابتكارات هو العامل الرئيسي في النجاح الكبير التي تعرفه فلندا في مختلف المجالات.

التجربة السنغافورية

يعتبر نظام التعليم في دولة سنغافورة أحدَ أرقى أنظمة التعليم في العالم دون منافس لها. وقد مكنها نظامها التعليمي من تكوين كفاءات وخبرات ساهمت في بناء اقتصاد البلد. لقد فهمت سنغافورة أنها لا تملك أية موارد طبيعية تساعدها على تحقيق نموّ اقتصادي، ولذلك أنشأت حكومة سنغافورة من قبل رئيس الوزراء آنذاك جوه تشوك تونج في يونيو 1997 وحدة في وزارة التربية و التعليم تسمى ” مدرسة التفكير أمة التعلم ” ، و منذ حوالي عقدين من الزمن، كانت هي المسؤولة عن إنشاء نظام تعليمي موجه نحو احتياجات القرن الحادي والعشرين الذي يشمل جميع قطاعات المجتمع: التلاميذ، أولياء الأمور، الشركات، منظمات المجتمع والحكومة. كان وزير التعليم تيو تشي هين  يرى أن الشباب السنغافوريين الذين يدخلون سوق العمل، يجب أن يكونوا مجهزين بمهارات التفكير النقدي من أجل الترقي والنجاح في المشهد الاقتصادي الجديد، من خلال ” مدرسة التفكير أمة التعلم ” ، أجرت وزارة التربية والتعليم مراجعة أساسية للمناهج الدراسية ونظام التقييم لتحسين التفكير والمهارات الإبداعية المطلوبة للمستقبل ، مع التركيز على الاستراتيجيات الرئيسية مثل: (أ) إدخال مهارات التفكير النقدي والإبداعي في المناهج الدراسية ، (ب) تقليل محتوى المادة ، و (ج) مراجعة أساليب التقييم مثل إدخال عمل المشروع. على مر السنين، استمرت ” مدرسة التفكير أمة التعلم ” في كونها مجال تركيز فهي جزء لا يتجزأ من إطار عمل وزارة التربية لكفاءات القرن الحادي والعشرين ونتائج الطلاب المرغوبة، التي سعت إلى تقليل محتوى الموضوعات وغرس مهارات التفكير الإبداعي في مناهجهم المدرسية. وهذه الوحدة هي المسؤولة على جعل سنغافورة دولة رائدة في جودة التعليم والذي كان أساس تقدم وازدهار سنغافورة لتكون من بين دول العالم الأول. وقد لفت النظام التعليمي السنغافوري الأنظارَ، حين نجح الطلاب السنغافوريون في بلوغ مراكز جد متقدمة في مسابقات الرياضيات العالمية، خاصة أنهم فازوا بمسابقة (TIMSS) العالمية للرياضيات والعلوم للأعوام 1995، 1999 و2003.

( Chaim et autre , 2014 ,P 3 et 4)

و من خلال هذه التجارب الرائدة لهذه الدول السالفة الذكر ، يتضح جليا أن التعلم المرتكز على التفكير الإبداعي هو أساس التطور ، و هذا ما جاء في دراسة سابقة لكل من جيلفوردGuilford  و تورانس Torrance 1977 ، حيث أكدا على أنه لا يوجد شيء يمكن أن يساهم في رفع مستوى رفاهية و تطور الإنسانية و تقدمها أكثر من رفع مستوى الأداء الإبداعي لدى الأمم و الشعوب، فلولا المبدعين و أفكارهم لظلت الحياة البدائية حتى اليوم ، لأن تقدم الإنسانية مرهون بما يمكن أن يتوفر لها من مهارات إبداعية تمكنها من مواجهة ما يعترضها من مشكلات ملحة و آنية ، فالتفكير الإبداعي هو أهم وسائل التقدم و الرقي ( نسمة ، محبوبي ، 2013 ، ص 48)

مكونات القدرة على التفكير

يتضمن التفكير الإبداعي مجموعة من القدرات العقلية التي حددها تورانس بثلاث مهارات رئيسة وهي الطلاقة والمرونة و الأصالة. كما أن أكثر الاختبارات المتعلقة بالتفكير الإبداعي شهرة وهي اختبار تورانس وجيلفورد يمكن توضيحها كما يلي:

  1. الطلاقة:

وهي القدرة على توليد أكبر عدد من الأفكار أو البدائل والمرادفات عند الاستجابة لمثير معين و في فترة زمنية محددة، و هي تمثل الجانب الكمي للإبداع.

يمكن تلخيص الطلاقة في الأنواع التالية:

أ. طلاقة الألفاظ: وتعني سرعة تفكير الفرد في إعطاء الكلمات وتوليدها في نسق جيد.

ب. طلاقة التداعي: وهو إنتاج أكبر عدد ممكن من الكلمات ذات الدلالة الواحدة.

ج. طلاقة الأفكار: وهي استدعاء عدد كبير من الأفكار في زمن محدد.

د. طلاقة الأشكال: وتعني تقديم بعض الإضافات إلى أشكال معينة لتكوين رسوم حقيقية

(خضر و عدوي، 2011، ص19-20)

  1. المرونة:

وهي القدرة على توليد أفكار متنوعة والتحول من نوع معين من الفكر إلى نوع آخر عند الاستجابة لموقف معين، أي القدرة على تغيير الحالة الذهنية بتغيير الموقف، حيث تمثل المرونة الجانب النوعي للإبداع.

وللمرونة مظهران هما:

  1. المرونة التلقائية: وهو إعطاء عدد من الأفكار المتنوعة التي ترتبط بموقف محدد.
  2. المرونة التكيفية: وتعني التوصل إلى حل مشكلة، أو موقف في ضوء التغذية الراجعة التي تأتي من ذلك الموقف.
  3. الأصالة:

وتعني التميز في التفكير و الندرة و القدرة على النفاذ إلى ما وراء المألوف من الأفكار و هي تمثل الجانب التميز، فلا يمكن أن يكون الإنتاج إبداعية ما لم يتميز بالتفرد و عدم المحاكاة. (رسمي، 2001، ص 95)

مراحل التفكير الإبداعي

تعتبر عملية الإبداعية عبارة على مراحل متناسبة تتولد من خلال أفكار جديدة. و يعتبر نموذج والاس (1926)، أحد أكثر النماذج شيوعًا، يقترح أربع مراحل للعملية الإبداعية هي الموضحة في الشكل رقم 1.

الشكل 1: مراحل الابداع في شكل دائري ( خضر و عدوي ، 2011، ص 16)

  1. مرحلة الإعداد أو التحضير

وهي المرحلة التي يتم فيها تحديد المشكلة، حيث يتم فحصها من جميع الجوانب، و يشمل ذلك تجميع المعلومات و المهارات و الخبرات عن طريق الذاكرة و القراءة ذات العلاقة بالموضوع، ثم يتم تصنيفها عن طريق ربط عناصر المشكلة مع بعضها البعض.

  1. مرحلة الحضانة أو الاختمار

وهي مرحلة تنظم فيها الأفكار و يتحرر العقل من الشوائب و الأفكار التي لا صلة لها بالمشكلة، و يحدث فيها التفكير العميق و المستمر مع تقديم اقتراحات نهائية لحل المشكلة.

  1. مرحلة الإشراق

وفي هذه المرحلة تنبثق شرارة الإبداع وفيها يتم ولادة الفكرة الجديدة التي تؤدي إلى حل المشكلة. ولهذا تعتبر هذه المرحلة مرحلة العمل الدقيق والحاسم للعقل في عملية الإبداع. تأتى لحظة الإلهام وتشرق الفكرة كاملة فى ذهن المبدع وتعرف بمرحلة “اها Aha ..او.. ايوركا Eureka “و كلتاهما تعنيان وجدتها.. وهو تعبير عن الشعور بالسعادة والدهشة لحل المشكلة، لم يستطع اسحاق نيوتن أن يكتشف أن سقوط التفاحة من الشجرة، كان بفعل الجاذبية الأرضية إلا بعد سنين طويلة من التحضير والإعداد، كما أن أينشتاين لم يلهم إطار نظريته النسبية إلا بعد سنين من الترقب والتفكير. وتوصل ارشميدوس إلى قانونه الشهير طفو الأجسام، وقياس حجم الأشياء غير المنتظمة في لحظة استحمام.

  1. مرحلة التحقق

وهي آخر مرحلة من مراحل التفكير الإبداعي حيث يتم يتعين على المبدع اختبار الفكرة المبدعة

واعادة النظر فيها ليرى هل مدى اكتمال الفكرة وفائدتها ومدى حاجتها إلى التقويم والصقل. وبعبارة أخرى مرحلة التحقق هي مرحلة التجريب (الاختبار التجريبي) للفكرة الجديدة المبدعة.

وينبغي الذكر أنه لا يوجد اتفاق تام بين الباحثين على خطوات العملية الإبداعية أو مراحلها، و بالتالي فإن مراحل العملية الإبداعية ليست خطوات جامدة ينبغي إتباعها بالتسلسل السابق الذكر فما يزال فهم عملية الإبداع و مراحلها من أكثر القضايا الخلافية بين التربويين و علماء النفس. (خضر و عدوي، 2011، ص 17)

معوقات الإبداع في الفصل الدراسي

إن أغلب معوقات الإبداع في الفصل الدراسي توجد في أنماط تفكيرنا، ينظر إلى الإبداع على أنه تفكير له علاقة بالتعليم فيما يتعلق بالموسيقى والفنون والدراما والتصميم وانطلاقا من هذا الشعور فإن العديد من الأساتذة وخاصة في المواد الدراسية الأخرى، لا يفكرون في أنهم قادرين من منطلق موادهم الدراسية على تعزيز التعلم الإبداعي لتلامذتهم.

هذه رؤية ضيقة جدا لمفهوم الإبداع لأن الجانب الأساسي لتعريف الإبداع هو أنه يتعلق بتوليد أفكار أصيلة ومفيدة وبالتالي، يجب أن يرتبط التعلم الإبداعي بكل المواد الدراسية لكونها تسمح بتوليد أفكار أصيلة.

إن أغلب الأساتذة يعتمدون في تدريسهم الطرق التقليدية المعتمدة علـى التلقـين والاسـترجاع، التي قلمـا تستثير العقل وتستنفر الإبداع ، اعتقادا منهم أن طرق التدريس التقليدية تزيد من المعرفة بدرجة أكبر ، لضيق زمن المخصص للتعلم الذي لا يسمح باستخدام طرق النشطة في التعلم التعاوني ، أو عدم الثقة في مؤهلات و قدرات الأستاذ في ضبط و قيادة الفصل الدراسي عند استخدام هذه التقنيات التعلمية التي تحفز التعلم الإبداعي ، حيث يفضل نقل و استرجاع ما يحفظه التلميذ من معارف و معلومات على ورقة الامتحان من خلال الإجابة عن أسئلة الامتحانات التي تقيس الكم المعرفي فقط. إن مثل هذه الممارسات هي التي تمثل العائق الأكبر لإثارة التفكير الإبداعي في الفصل الدراسي. (خضر و عدوي، 2011، ص 39)

يواجه الإبداع والابتكار العديد من المُعوّقات، لكن أبرزها هي تلك المتعلقة بنفسية التلميذ والمتمثلة في التردّد، الخجل، عدم ثقته بنفسه، وخوفه من تكرار الخطأ، ما يجعله فاقدا للقدرة على تحديد أهداف ووسائل حلّ المشاكل التي تعترضه. كما يمكن أن يؤدي الشعور بالخوف من التقييمات السلبية من طرف الآخرين التي يمكن أن تقتل روح الإبداع وتكبح شرارة التفكير الإبداعي.

التعلم التعاوني

ظهر استخدام طريقة التعلم التعاوني في الغرب منذ بدايات القرن العشرين ضمن مشروع ((John Dewey في إطار الدراسات الاجتماعية التي ساعدت على تعميق التعلم بصفة عامة عند الطلاب وتحقيق أهداف المنهج بفاعلية عالية. وقد زاد الاهتمام بطريقة التعلم التعاوني خلال الثمانينات، وتم استخدامها بشكل واسع في التسعينات لأن هذه الطريقة أثبتت فعالية في الجوانب الأكاديمية والاجتماعية، ولأنها أيضا بديل مناسب للتعلــم التقليدي الذي قد لا يركز على إيجاد روح التعاون الملمـوس في طريقة التعلم التعاوني. (قشمر، 2019، ص18)

التعلم التعاوني من الطرق التربوية التي تعتمد على إنشاء مجموعة صغيرة غير متجانسة من التلاميذ للعمل معا لفترة معينة من أجل تحقيق أهداف التعلم المشترك و التي يتم تحقيقها بالتزام جميع أعضاء المجموعة بمهامهم المحددة (johnson et autre , 2014) .

التعلم التعاوني هو أسلوب تعليمي يهدف إلى تحقيق هدف من خلال التعاون مع أعضاء المجموعة و دعم بعضهم البعض و تحمل مسؤولية تعلمهم و توظيف المهارات الاجتماعية و الحياتية اللازمة لتحقيق ذلك داخل المجموعة الواحدة .

أهمية التعلم التعاوني

يعد التعلم التعاوني أو ما يعرف بتعلم المجموعات أهم الطرق التي تؤدي إلى رفع مستوى التعلم لدى التلاميذ وتنمية مهاراتهم واكتسابهم الاتجاهات والقيم الإيجابية مثل التعاون، بناء الثقة، اتخاذ القرار، حسن الاستماع، الالتزام بالأدوار المحددة لكل منهم كما أن هذا الأسلوب يدفع للتنافس الشريف والبعد عن الأنانية والذاتية في مقابل العمل من أجل الجماعة والفريق. ( شلابي و زعلاش ، ص 255 )

من خلال التعلم التعاوني يكتسب التلاميذ العديد من المهارات الاجتماعية نذكر منها:

  • مهارة احترام الآخرين
  • مهارات العمل ضمن مجموعة صغيرة
  • الرغبة في تحدي وجهات نظر الآخرين في حل النزاعات حين ظهورها
  • فهم أهمية اتخاذ القرارات الجماعية بشكل ديموقراطي. ( نصار ، 2010، ص 14)

فمن الناحية التعليمية، فيعتبر التعلم التعاوني أحد الاتجاهات التربوية الحديثة التي لها تأثير إيجابي في العملية التعليمية التعلمية، فهو ينقل المعلم من ناقل للمعلومات إلى المرشد والموجه، ويحول المتعلم إلى المفكر والمتعاون من خلال خلقه لبيئة تعليمية وتعلمية غنية بالمواقف الفاعلة مما يؤدي إلى تنمية مهارات التفكير الابداعي. ( شلابي وزعلاش، ص 261)

خطوات التعلم التعاوني

التعلم التعاوني يعتمد على مجموعة من الخطوات التي تتم داخل الصف لتنظيم تفاعل المعلم و التلاميذ مع المحتوى الدراسي و يتم فيه تقسيم تلاميذ الصف الدراسي إلى مجموعة صغيرة تعاونية تتكون كل مجموعة من (2-6) أفراد ، و عادة ما يكون غير متجانسة من حيث قدراتهم الأكاديمية التحصيلية ، ( أي يكون بينهم متفوقين و متوسطي التحصيل و منخفضي التحصيل ) حيث يتم التنافس بين المجموعات و ليس بين الأفراد في الصف الدراسي .

تكلف كل مجموعة بنشاط تعليمي معين بهدف جعل المتعلم محور للعملية التعليمية، من خلال أسلوب التحدث والاستماع والشرح، يكتسبون مهارات القيادة، والعمل بروح الفريق كنوع من أساليب التعلم النشط. (الساسي وخليدة، 2017،ص 335)

يتطلب العمل التعاوني مجموعة من المراحل والتي يكون معلم الفصل مسؤولا عنها، و تتلخص في أربعة مراحل وهي:

المرحلة الأولى

مرحلة التعرف: وفيها يتم التعرف على المشكلة المطروحة أو المهمة المسندة وتحديد معطياتها والمطلوب عمله إزاءها والوقت المخصص للعمل المشترك لحلها.

المرحلة الثانية

مرحلة بلورة معايير العمل الجماعي: ويتم في هذه المرحلة الاتفاق على توزيع الأدوار وكيفية التعاون، وتحديد المسؤوليات الجماعية وكيفية اتخاذ القرار المشترك، والاستجابة لآراء أفراد المجموعة والمهارات اللازمة لحل المشكلة المطروحة.

المرحلة الثالثة

المرحلة الإنتاجية: يتم في هذه المرحلة الانخراط في العمل من قبل الأفراد المجموعة والتعاون في انجاز المطلوب بحسب الأسس والمعايير المتفق عليها بهدف تحقيق الأهداف المنشودة

المرحلة الرابعة

مرحلة الإنهاء: يتم في هذه المرحلة كتابة التقرير حول المهمة وعرض ما توصلت إليه المجموعة في جلسة الحوار العام. (العدواني، الأشول ، 2009 ،28)

دور التعلم التعاوني في تعزيز الإبداع

إن تفاعل التلاميذ في الفصل الدراسي مع الأفكار المختلفة ومناقشتها تمكنهم كمن توليد أفكار جديدة ومفيدة باستمرار بقدر أكبر مما يستطيع تحقيقه التلميذ بمفرده، و من خلال هذا التفاعل الجماعي يمكن لأعضاء الفريق من تبادل الأفكار و وجهات النظر المتباينة و تقييمها لإنشاء منتوج فكري عالي الجودة أو اقتراح إجراءات مبتكرة و هذا ما يعطي للإبداع بعدا اجتماعيا. (hulsheger et al , 2009 , p 1130)

اقترح Paulus (2000) أن التفاعل في المجموعات يمكن أن يكون مصدرا مهما لإنتاج الأفكار الإبداعية بالإضافة إلى أن تعاون أعضاء مجموعات في العمل هو السمة البارزة في مكونات العمل في المنظمات العالمية العالية التخصص في العصر الحديث. و حسب هذا التوجه، فإن التفكير الإبداعي العالي المستوى، يحدث في سياق اجتماعي تقافي و ليس على المستوى الفردي، و يعد التفكير الإبداعي جوهر التعلم التعاوني، حيث يمكن للتلاميذ العمل معا من أجل تحقيق هدف مشترك .

فعدما ينخرط التلاميذ في حل المشكلات بشكل تعاوني فإنهم ينشؤون المعرفة ويكتسبونها لفهم المادة المدرسة والتفكير فيها بطريقة إبداعية لتركيب معنى لمحتوى المادة المدرسة بطريقة تعاونية وجماعية. (Kim – Albert ,2013)

العديد من الدراسات أظهرت أن إبراز أفكار الآخرين يزيد من تحفيزهم لإنتاج أفكار جديدة و لكن بشترط أن تكون لهذه الأفكار علاقة بموضوع واحد، ففي حالة كانت هذه الأفكار لا تنصب في نفس الموضوع و لا تربطهم علاقة، فإنها تقلل من عدد الأفكار الإبداعية. لهذا فإن دور الأستاذ أساسي لتجنب مشاركة الأفكار التي لا صلة لها بالموضوع. فعندما يشارك شخص ما فكرة حول موضوع معين، قد يولد لدى الآخرين أفكار في نفس الموضوع، مما يؤدي إلى توليد عدد كبير من الأفكار وتطويرها إلى درجة أن تصبح بهذا الشكل التعاوني أفكار إبداعية. (paulus et Coskun, 2017, p 221)

يعتمد التعلم التعاوني في الفصل الدراسي على وجهات نظر مختلفة تزيد من احتمالية إيجاد حلولا جديدة. كون أن التعلم التعاوني مقارنة بالتعلم التنافسي الفردي يميل إلى زيادة الحلول الجديدة للمشكلات واستخدام إستراتيجيات تفكير متنوعة، مما يساهم في إنتاج أفكار أصيلة وحلول أكثر إبداعية للمشكلات المطروحة.

وتعتبر مهارات حل المشكلات من بين أهم الإستراتيجيات التربوية التي تعتمد عليها التعلم التعاوني لتحفيز التلاميذ على التحليل والتفكير واختيار البدائل لإيجاد للمشكلات التي يواجهونها، مهارة حل المشكلات في تصميم السلوك الإبداعي. فهي عملية أساسية يفسر الأفراد من خلالها المعرفة واستخدامها بشكل إبداعي.

ووفقا لغاردنر (2007 ، كما ورد في Raymundo ، 2020) فإن نوع التعليم المطلوب لتطوير التفكير الإبداعي هو التعلم التعاوني الذي يشجع التلاميذ على استكشاف المشكلات الصعبة و حلها ، بدلا من تصيد الأخطاء بل الاستفادة منها و تطويرها. يرى روبنسون 2006 أنه على المرء أن يكون مستعدا ليكون مخطئا لأن الفشل هو جوهر العملية الإبداعية في هذه المرحلة يدرك المتعلم أن الفكرة الجديدة التي أنتجها لم ترقى إلى النتيجة المطلوبة (Raymundo , 2020, p 100) ، و مناخ التعلم التعاوني الذي يتسم بسلوك طرح الأسئلة و الدفاع عن الأفكار هو سلوك بالغ الأهمية لتحسين التفكير الإبداعي و النقدي. فمن خلال دمج الأسئلة المتعددة للتلاميذ يشجعهم على تطور التفكير الإبداعي لديهم بشكل أفضل، لأن الإبداع هو بناء متعدد الأوجه يتضمن تفكيرا متشعبا للإجابة على أسئلة معقدة (bray,2011) sharma, 2015) )

ومن خلال هذا يمكن دمج مفهوم التعاون و الإبداع في مفهوم واحد و هو التعاون الإبداعي و هو مصطلح غلبا ما يتم استخدامه في الأدبيات العلمية التي تشمل مجموعة من الأنشطة الإبداعية التي تنطوي على التفاعل الجماعي. فعند وصف العملية الإبداعية على مستوى الفرق كما هو الشأن في الممارسات التعليمية التي يعمل فيها التلاميذ في مشاريع مشتركة والتي من المفترض أن تعزز الإبداع عند التلاميذ وأن تكون لها فوائد تعليمية مهمة.

دور الأستاذ في تعزيز التعلم التعاوني الإبداعي

تلعب البيئة الآمنة دورا مهما للشعور بالراحة والحرية لأعضاء المجموعة في الفصل الدراسي مما يحفز لديهم الابداع، ومن بين العوامل التي تساهم في تدعيم الإبداع في المجموعة انخفاض مستوى الصراعات في العلاقات البينية و الشعور بالأمن النفسي على مستوى المجموعة و عدم شعور التلاميذ بالخوف من العقاب و ردود أفعال الآخرين السلبية إثر كشف أفكارهم، حتى و لو كانت غير مألوفة و غريبة. وهذا لا يمكن تحقيقه مالم يكن لديهم قائد فعال يلهم الإبداع من خلال إحداث رؤية مشتركة، إظهار الاهتمام والدعم الفردي، وتشجيع التلاميذ على إتباع مناهج مبتكرة. ومن أجل هذا، كان من الضروري توفير مناخ تعليمي تعاوني يساهم في تعزيز الإبداع عند التلاميذ. (hulsheger et al , 2009 , p 1130)

و لقد أصبح من الواضح أن تعزيز التفكير الإبداعي في الفصل الدراسي، من خلال العمل التعاوني، يتطلب إطارا تربويا عال الكفاءة ، حيث أن الأساتذة الذين يظهرون الحماس و الانفتاح و التفاعل و التعاطف و المرونة و الديمقراطية في الفصل الدراسي يكونون أكثر قدرة على تكوين علاقات جيدة مع التلاميذ. و وفقا لنتائج تورونس، فإن الأساتذة الذين لا يعززون التطوير الإبداعي يكونون أكثر استبدادا في علاقتهم بالتلاميذ و أكثر اهتماما بالمظهر و المكانة و السلوك الأخلاقي أكثر و لا يهتمون بجانب النفسي للتلميذ الذي يعتبر أهم صفة عند الأساتذة الذين يعززون الإبداع من خلال العمل الجماعي . (Sharma et Sharma, 2018 p 1018)

ووفقا ل alencar 2004 فإن الأساتذة الذين يعززون التفكير الإبداعي التعاوني في الفصل الدراسي عادة ما يكون لديهم سبع خصائص أساسية على النحو التالي:

  • إعداد جيد ومعرفة غنية بالمحتوى في مجال معين
  • اهتمام كبير في تخصصهم وتلامذتهم
  • موهبة لتحفير التلاميذ على إنتاج الأفكار والبحث عن المعرفة الجديدة
  • احترام شخصيات تلامذتهم الفردية
  • القدرة على استخدام الأساليب التعليمية المتنوعة
  • المرونة والانفتاح على الانتقادات من قبل التلاميذ
  • الإيمان بقيمة أفكار التلاميذ

خاتمة

في الأخير، نؤكد على أهمية الدور الذي تلعبه إستراتيجية التعلم التعاوني في تعزيز التفكير الإبداعي عند التلميذ داخل الفصل الدراسي، كما يعتبر الإبداع جانب فريد ومتكامل للتجربة الإنسانية وهدف تعليمي مهم. كما يعتبر تطويره ذو قيمة مهمة لتحقيق الذات والتعبير عنها مع تطوير المجتمع و تقدمه، و يلعب الأساتذة دورا مهما في تعزيز تنمية القدرات الإبداعية لدى التلاميذ من خلال مواقفهم الإنسانية و مدى توفير مناخ تعاوني آمن نفسيا يساعدهم على التفاعل بطرق فعالة لتعزيز التعلم الإبداعي.

المراجع References

مراجع عربية

  1. خالد مطهر العدواني ، عبد الرزاق الأشول ، التعلم التعاوني ، 2009.
  2. خليدة مهرية، محمد الساسي الشايب.( 2017) ، التفكير الابتكاري في ضوء بعض استراتيجيات التعلم النشط.
  3. رسمي أميمة محمد (2010). بــرنــامج تعليمــي مقترح باستخدام اللعـب وأثـره فــي تنـميـة التفـكـير الابتكــاري لأطفــال الـروضـة، مجلة دراسات الطفولة. 13(4).
  4. علي لطفي علي قشمر( 2019). أثر استخدام استراتيجية التعلم التعاوني في تنمية التفكير الابداعي لدى طلبة المرحلة الأساسية الدنيا (4-1) في مبحث العلوم من وجهة نظر معلمي ومعلمات المدارس الحكومية الأساسية الفلسطينية، مجلة التمكين الاجتماعي ، المجلد الأول، العدد الثالث .
  5. محبوبي و نسيمة ، (2013) ،علاقة استراتيجية حل المشكلات بتنمية التفكير الإبداعي خلال حصة التربية البدنية و الرياضية دارسة ميدانية على تلاميذ المرحلة الثانوية بولاية باتنة ، رسالة ماجستير، جامعة الحاج لخضر ـــ باتنة.
  6. محمد خضر عبد المختار، إنجي صلاح فريد عدو ي ( 2011) ، التفكير النمطي و الإبداعي الطبعة الأولى ، مركز تطوير الدراسات العليا والبحوث.
  7. محمد عبد الرحيم عدس ( 1996 ) ، المدرسة وتعليم التفكير ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، عمان .
  8. ملتقى استراتيجات التعلم النشط مركز اليقظة البيداغوجية. (2018). مداخلة: إستراتيجية التعلم التعاوني ودوره في تنمية التفكير الإبداعي ط. د/شلابي عائشة جامعة المسيلة ط. د/زغلاش ليندة جامعة المسيلة، بتاريخ 2018/12/10
  9. نصار منذر ، محمود محمد (2010) ، صعوبات تطبيق التعلم التعاوني للمرحلة الأساسية (1 -3 ) في الأردن من وجهة نظر المعلمين، رسالة ماجستير ، الأردن: جامعة الشرق الأوسط

مراجع أجنبية

  1. Albert, L., & Kim, R. (2013). Developing creativity through collaborative problem solving. Journal of Mathematics Education at Teachers College, 4, 32-38.
  2. Badran, I. (2007). Enhancing creativity and innovation in engineering education. European Journal of Engineering Education, 32(5), 573-585.
  3. Bray, W. S. (2011). A collective case study of the influence of teachers’ beliefs and knowledge on error-handling practices during class discussion of mathematics. Journal for Research in Mathematics Education, 42(1), 2-38.
  4. Bruno, C. and Canina, M. (2019), “Creativity 4.0. – empowering creativity in the digital era”, DS 95: Proceedings of the 21st International Conference on Engineering and Product Design Education (E&PDE 2019), 12th-13th September 2019, University of Strathclyde, Glasgow.
  5. Chiam, C. L., Hong, H., Ning, F., & Tay, W. Y. (2014). Creative and critical thinking in Singapore schools.
  6. De Alencar E. M. L. S., & Fleith D. D. S. (2004). Creativity in University Courses: Perceptions of Professors and Students. Gifted and Talented International, 19(1), 24–28..
  7. Horwitz, R. A. (1979). Psychological effects of the “Open Classroom”. Review of Educational Research, 49(1), 71-85.‏
  8. HÜLSHEGER, Ute R., ANDERSON, Neil, et SALGADO, Jesus F. Team-level predictors of innovation at work: a comprehensive meta-analysis spanning three decades of research. Journal of Applied psychology, 2009, vol. 94, no 5, p. 1128.
  9. Johnson, D. W., Johnson, R. T., & Smith, K. (2014). Cooperative learning: Improving university instruction by basing practice on validated theory. Journal on Excellence in College Teaching, 25(3), 85-118.
  10. Lin, Y.S. (2014), “A third space for dialogues on creative pedagogy: where hybridity becomes possible”, Thinking Skills and Creativity, Vol. 13, pp. 43-56, doi: 10.1016/j.tsc.2014.03.001.
  11. Paulus, P. B. (2000). Groups, teams and creativity: The creative potential of idea generating groups. Applied Psychology: An International Review, 49(2), 237-262. https://doi.org/10.1111/1464-0597.00013.
  12. RAYMUNDO, Maria Rowena DR. Fostering creativity through online creative collaborative group projects. Asian Association of Open Universities Journal, 2020, vol. 15, no 1, p. 97-113.
  13. ‏Sahlberg, P. (2007). Education policies for raising student learning: The Finnish approach. Journal of education policy, 22(2), 147-171.‏
  14. Schleicher, A. (2006). The economics of knowledge: Why education is key for Europe’s success. Brussels: The Lisbon Council.
  15. Sharma, E., & Sharma, S. (2018). Creativity nurturing behaviour scale for teachers. International Journal of Educational Management, 32(6), 1016-1028.‏
  16. Sharma, S. (2015). Promoting risk taking in mathematics classrooms: The importance of creating a safe learning environment. Mathematics Enthusiast, 12(2), 290-306.
  17. Torrance, E. P. (1993). Understanding creativity: Where to start? Psychological Inquiry, 4, 232-234.
  18. Torrance, E. P., & Goff, K. (1989). A quiet revolution. The journal of creative behavior.‏