إشكاليات التعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة

مصطفى عواد أجرب الجميلي1

1 الجامعة الإسلامية في لبنان.

إشراف الإستاذة الدكتورة/ رجاء الشريف

HNSJ, 2024, 5(6); https://doi.org/10.53796/hnsj56/26

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/06/2024م تاريخ القبول: 15/05/2024م

المستخلص

هدفت هذه الدراسة الى بيان الإشكاليات التي تعترض التعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة وما هي سبل حلها، اتبعت الدراسة المنهج الوصفي وللمنهج التحليلي والمنهج المقارن . توصلت الدراسة الى أن الحظر التاريخي لمبدأ توجيه الأوامر للإدارة وإباحته بنصوص قانونية صريحة كما هو الحال في فرنسا، لم يمنع بعض القضاء الإداري من مخالفة هذا الحظر ومن دون الحاجة لنص تشريعي كما فعل القضاء الإداري في العراق، في حين نجد أن القضاء الإداري المقارن في مصر وكذلك لبنان، مازال مُصراً على هذا الحظر، لعدم وجود نصوص قانونية صريحة، تسمح له بذلك.

أوصت الدراسة بأن الإبقاء على مبدأ أن الخطأ المتولد عن القرار الإداري غير المشروع هو خطأ مرفقي تتحمل الخزينة العامة مغبة التعويض عنه، أمر لن يحقق نتائج على مستوى الحد من القرارات غير المشروعة، لذلك نهيب بالقضاء الإداري في كل من لبنان والعراق، بالعمل على تكريس اجتهادات حديثة تقرر من خلالها مسؤولية الموظف عن القرارات الإدارية غير المشروعة لعيب في الغاية، أو لعيب فاضح في أحد أركانه، فالمبالغة في منح الموظف الأمان باتخاذ القرارات الإدارية غير المشروعة من دون تحمله مسؤولية التعويض عنها، قد يشكل لديه طبيعة من الاستهتار والتراخي وعدم التدبر في إصداره هذه القرارات.

الكلمات المفتاحية: إشكاليات التعويض، القرارات الإدارية.

Research title

Problems of compensation for illegal administrative decisions

Mustafa Awad Ajrab Al-Jumaili1

1 Islamic University of Lebanon.

HNSJ, 2024, 5(6); https://doi.org/10.53796/hnsj56/26

Published at 01/06/2024 Accepted at 15/05/2024

Abstract

This study aimed to clarify the problems that obstruct compensation for illegal administrative decisions and what are the ways to solve them. The study followed the descriptive approach, the analytical approach, and the comparative approach. The study concluded that the historical prohibition of the principle of directing orders to the administration and permitting it through explicit legal texts, as is the case in France, did not prevent some administrative judiciaries from violating this prohibition and without the need for a legislative text, as the administrative judiciary did in Iraq, while we find that the comparative administrative judiciary in Egypt Likewise, Lebanon still insists on this ban, because there are no explicit legal texts that allow it to do so. The study recommended that maintaining the principle that the error resulting from an illegal administrative decision is a statutory error for which the public treasury bears the responsibility of compensating, something that will not achieve results at the level of reducing illegal decisions. Therefore, we call on the administrative judiciary in both Lebanon and Iraq, to ​​work to devote the jurisprudence of A recent statement in which the employee is held responsible for illegal administrative decisions due to a defect in purpose, or a blatant defect in one of its components. Exaggerating in granting the employee security by making illegal administrative decisions without taking responsibility for compensation for them may constitute a nature of recklessness, laxity, and lack of thought in issuing them. These decisions.

Key Words: Compensation problems, administrative decisions.

المقدمة

تنص المادة 209 من القانون المدني العراقي على أن: “1- تعين المحكمة طريقة التعويض تبعاً للظروف ويصح أن يكون التعويض أقساطاً أو إيراداً مرتباً …،2- ويقدر التعويض بالنقد على أنه يجوز للمحكمة تبعاً للظروف وبناءً على طلب المتضرر أن تأمر بإعادة الحال إلى ما كانت عليه أو أن تحكم بأداء أمر معين أو برد المثل في المثليات وذلك على سبيل التعويض” ، وتنص المادة 136 من قانون الموجبات والعقود في لبنان على أن: “يكون التعويض في الأصل من النقود، ويخصص كبدل عطل وضرر، غير أنه يحق للقاضي أن يلبسه شكلاً يكون أكثر موافقة لمصلحة المتضرر فيجعله حينئذ عينياً، ويمكن أن يكون على الخصوص بطريقة النشر في الجرائد”

وأمام هذه النصوص التي تعطي للقاضي الإداري الحق باختيار التعويض النقدي أو العيني، فهل هناك صعوبات تعيقه في حالة قرر القاضي الإداري التعويض العيني؟ وهل الصعوبات تقتصر على التعويض العيني أم هناك صعوبات ترافق تحصيل حتى التعويضات النقدية من قبل المتضرر بعد حصوله على قرار قضائي يحكم له بالتعويض؟

اشكالية الدراسة:

  • ما هي الإشكاليات التي تعترض التعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة وما هي سبل حلها؟

أهمية الدراسة:

على الرغم من أن موضوع المسؤولية الإدارية بشكل عام يعتبر من المواضيع الكلاسيكية في القانون الإداري، إلا أن ذلك يقابله التطور المستمر لأسس المسؤولية الإدارية نظراً للدور الذي يقوم به الاجتهاد القضائي الإداري في إنشاء مبادئها، ونظرا للدور الكبير الذي تلعبه في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم العامة، وفي ظل التطورات التي تعرفها المجتمعات في كافة المجالات أصبح نظام المسؤولية الإدارية يحتاج إلى تطوير لمواكبة هذه التطورات والتحولات.

الأسباب الداعية لاختيار عنوان الدراسة :

من أهم الأسباب التي دعتنا لاختيار دراسة مسؤولية الإدارة عن قراراته غير المشروعة هو ازالة الغموض وتوضيحها بشكل مبسط وتسليط الضوء عليها.

منهج الدراسة:

تتبع هذه الأطروحة المنهج الوصفي لضرورة الوقوف على المفاهيم البحثية المرتبطة بموضوع بحثه بحيث تظهر بصورة واضحة وجليه، بالإضافة للمنهج التحليلي، بُغية تحليل الأحكام القضائية والنصوص القانونية ذات الصلة بموضوع الدراسة، فضلاً عن اتباع المنهج المقارن ، وذلك لضرورة الاطلاع على الاجتهاد القضائي والفقهي في كل من فرنسا ومصر، ومقارنتها بالعراق ولبنان للوصل إلى التصور القانوني الأدق الذي يحكم مسؤولية الإدارة عن قراراتها غير المشروعة.

هيكلية الدراسة:

اعتمدنا في هذه الدراسة التقسيم الثنائي: حيث قمنا بتقسيم البحث إلى نبذتين على الشكل التالي:

النبذة الأولى

إشكالية التعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة وسبل حلها

بدايةً لابد من الإشارة إلى أن الحكم بالتعويض غير النقدي أمر لا يجوز الحكم به إلا بناءً على طلب المتضرر، ذلك أن الأصل في التعويض أن يكون نقدياً إن لم يطلب المضرور سواه، ولكن طلب المضرور الحكم بالتعويض غير النقدي أمر لا يلزم المحكمة فإذا طلب المضرور منها ذلك واعترض المدين عارضاً التعويض النقدي جاز للمحكمة أن تقدر الأمر وأن تحكم بما تشاء من تعويض نقدي أو غير نقدي.([1])

والحقيقة أن الحكم بالتعويض في ميدان القضاء الإداري سواء كان نقدي أم عيني يجابه عدة صعوبات تتمثل بالتالي:

أولاً: صعوبات التعويض العيني

  1. امتناع القاضي الإداري عن توجيه الأوامر للإدارة

التعويض العيني يستلزم اجبار الإدارة على القيام بعمل مادي كإعادة بناء تم هدمه استناداً لقرار غير مشروع بالهدم، ([2])، والأصل المقرر والذي استقر عليه العمل في القضاء الإداري لفترة طويل من الزمن هو حظر توجيه أوامر من القاضي الإداري للإدارة، والذي يعني: “انه لا يجوز للقاضي وهو بصدد الفصل في المنازعة المطروحة عليه توجيه أمر إلى جهة للقيام بعمل أو بالامتناع عن عمل معين، سواء كان ذلك بمناسبة دعوى الإلغاء، أم دعوى القضاء الكامل” ([3])

ويقصد به ايضاً: أن القاضي لا يستطيع أن يأمر جهة بالقيام بعمل معين أو الامتناع عن القيام بعمل، كما لا يجوز له أن يحل نفسه محل جهة في القيام بعمل، أو إجراء معين هو من صميم اختصاصها”([4])

وتعود جذور هذا المبدأ إلى النظام الفرنسي باعتباره مهد نشأة القضاء الإداري، حيث كان السائد قبل قيام الثورة الفرنسية النظام الموحد أي كانت المحاكم القضائية أو ما يطلق عليها بالمحاكم البرلمانية تختص لوحدها بفض النزاعات المتعلقة بنشاط، وما أخذ عنها هو تدخلها المستمر في الشؤون الإدارية لحد توجيه أوامر للمراقبين وعرقلة الإصلاح والوقوف حائلاً داخل الجهاز الإداري([5])

ومع قيام الثورة الفرنسية التي أطاحت بالنظام القديم بأكمله ، قام رجال الثورة الفرنسية بإنشاء محاكم جديدة بدل المحاكم البرلمانية، وذلك خوفاً منهم بأن تستمر هذه المحاكم في تدخلها في الشؤون الإدارية، لهذا جاء القانون 24/16 لعام 1790 في المادة /13/ منه، تلته عدة تشريعات تعبر عن رغبة المشرع الفرنسي آنذاك في منع القضاء من التدخل في أعمال ([6])

وبسبب المزيد من تخوف رجال الثورة الفرنسية، عمدوا إلى تفسير هذه النصوص تفسيراً خاصاً، ليس بمنع هذه المحاكم من التدخل في اختصاص فقط، بل ومنعها من الفصل كلياً في المنازعات الإدارية، حيث ظهر آنذاك ما يعرف بفكرة الفصل بين” الهيئات القضائية والهيئات الإدارية “، واستدعى الأمر ضرورة إيجاد بديل للمحاكم للفصل في منازعات ، فأسند لها أي هذه المهمة، واختصت بممارسة النشاط الإداري وفي نفس الوقت الفصل في منازعاتها، وسميت في هذه الفترة “بالإدارة القاضية” ([7])

هذا الأمر لم يستمر طويلاً، إذا جرى تعديل على دستور السنة الثامنة أنشئ بموجبه مجلس الدولة الذي أوكلت له مهمة الفصل في المنازعات الإدارية، إلا أن ما يصدر عنه من احكام وقرارات لم يكن نهائياً ، إذ كان موقوفاً على تصديق رئيس الدولة ، وعرف ما يسمى “بالقضاء المحجوز” ([8])

وفي سنة 1849 ألغي شرط التصديق، لكن سرعان ما ألغي هذا القانون بمرسـوم 25 جـانفي 1852 الذي وضع المجلس مرة أخرى تحت وصاية رئيس الدولة، ثم منحت له سلطة القضـاء المفوض بموجب قانون 24 ماي 1882، ورغم ذلك بقي ما يسمى نظام الوزير القاضي JUGE MINISTRE LE الذي بموجبه أعطـي الـوزير الصـفة القضائية للفصل في المسائل الإدارية، وأصبح بذلك قاضي القانون العام للمنازعات الإدارية وكان حكمه نهائيا لا يقبل الطعن، إلى غاية بروز مجلس الدولة الذي جعل منه قانون السنة الثامنة جهة استئناف للأحكام الصادرة عن الوزراء ([9])

وعليه نلاحظ مدى تأثير الظروف التاريخية لنشأة مجلس الدولة الفرنسي على اختصاصـه، باعتباره نشأ في أحضان الإدارة وعد جزءاً منها وقاضيها، وخضعت أحكامه لتصـديق السـلطة الإدارية لذا اصطبغت اختصاصاته بالصبغة الذاتية، وكان حريصاً على عـدم تعطيـل النشـاط الإداري بعدم توجيه أوامر للإدارة([10])

ويذهب الفقه الفرنسي إلى أن أساس مبدأ الحظر، إنما يعود إلى مبدأ فصل السلطات الذي انبثق منه مبدأ الفصل بين الإدارتين العاملة والقاضية، حيث لا يجوز للإدارة عملاً بهذا المبدأ أن تمارس السلطة القضائية، ولا ان يتدخل القضاء في أعمال إدارية، فالقاضي الإداري يقضي ولا يدير.([11])

وهذا ما ذهب إليه الفقه العربي بأن مهمة مجلس الدولة الأولى هي القضاء وليس ذلك لأن هذه المهمة الأخيرة من اختصاص العاملة تزاولها في حدود السياسة العامة التي ترسمها السلطة التنفيذية، وسلطات مجلس الدولة لا يمكن أن تمتد إلى نفس النطاق الذي تذهب إليه المحاكم الانجليزية وهي تنظر المنازعات الإدارية فتوجه إلى الموظفين أوامر ونواهي وتطلب منهم تعديل أو الغاء القرارات الإدارية لأنها مخالفة أو لأنها غير لائقة، فدعوى الالغاء كما ولدت في القضاء الفرنسي تستهدف إلغاء القرار الإداري المعيب ومن ثم كان عمل قاضي الإلغاء ينحصر في إلغاء القرار الإداري المعيب إذا ثبت له عدم مشروعيته فحسب، فليس له أن يعـدل القرار المعيب أو أن يستبدل به قراراً جديداً أو أن يصدر أوامر للإدارة لأن كل هذا يتنافى مـع مبدأ الفصل بين السلطات كما فسره الفقه والقضاء في فرنسا([12])

وقد أخذ القضاء الإداري الفرنسي بهذا المبدأ وطبقه بمفهومه الواسع، وسار على هذا الأمر لفترة طويلة، حيث لم يقبل القاضي الإداري طلبات الخصوم المتعلقة بفرض أوامر ضد الإدارة، فحكم في قضية Pebeyre بعدم قبول طلب المدعي الذي يهدف من ورائه أن يقوم القاضي بإصدار أمر إلى في سبيل قبوله في مؤسسة تعليمية، وكذلك بإعادة المدعي إلى وظيفته التي طرد منها، وكذلك بتوجيه أمر إلى العمدة يتضمن تامين السكينة العامة([13])

كما جاء موقف القضاء المصري مطابقاً لموقف القضاء الفرنسي، وهذا بمنع المحاكم الإدارية من توجيه أوامر للإدارة، حيث حرصت محكمة القضاء الإداري في بداية عهدها على تأكيد هذا المبدأ، حيث بينت أنها لا تملك الحلول محل في إصدار قرار، أو أن تأمر بأداء أمر الامتناع عنه ..” كما قررت المحكمة الإدارية العليا المصرية عام 1992:” إذا كان وجه عبارة الطلبات وظاهر ألفاظها إصدار أمر إلى جهة ، ذلك مما يتعارض واختصاص قاضي المشروعية، طبقاً لما ينص عليه الدستور وقانون مجلس الدولة، إذ لا يملك أن يصدر أمراً لجهة ، لاستقلال السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية” ([14])

وهذا ما يؤكده مجلس شورى الدولة اللبناني بشكل مستمر وذلك بقوله: “ لا يحق لمجلس شورى الدولة توجيه الاوامر إلى الادارة عملا بمبدأ اجتهادي وفقهي مستقر”([15])

فالمادة 91 من نظام مجلس شورى الدولة تنصّ على أنّ على القاضي أن يكتفي بإعلان الأوضاع القانونية التي تشكّل موضوع الدعوى التي يبتّ فيها. وتتابع المادة بأنّه لا يحق للقاضي أن يقوم مقام السلطة الإدارية ليستنتج من هذه الأوضاع النتائج القانونية التي تترتب عليها ويتخذ ما تقتضيه من مقررات.

وبالتالي فإن القاضي الإداري عندما يقرر الغاء القرار الإداري لوجود عيب من العيوب الموجبة للإلغاء فإنه يقضي بإلغائه دون أن يتعدى ذلك إلى الزامها بإصدار قرار آخر، كقرار تعيين موظف أو ترقية، أو أمرها بتعديل قراراها سواء كان قراراً فردياً أو لائحياً.

ومع ذلك ففي بعض الحالات قد تلجأ الإدارة من تلقاء ذاتها إلى التعويض العيني لجبر الضرر إذا أمكن، فإذا اغتصبت الإدارة أرضاً للمدعي، ولم تضمها إلى ملكها بإجراء شرعي، فطالب بتعويض فسارعت إلى رد الأرض إليه، اعتبر ذلك تعويض عيني يُغني عن التعويض النقدي([16])

ثانياً: صعوبات التعويض النقدي

يعتبر تنفيذ الأحكام القضائية هو الغاية من إصدارها، وإن القصد من استصدار الحكم هو إعادة الحق إلى نصابه، ولن يتحقق هذا على أرض الواقع إلا بتنفيذ الحكم، كما إن الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري تقوم على أساس مبدأ المشروعية، ولا قيمة له مالم يقترن بمبدأ احترام الأحكام القضائية وكفالة تنفيذها.

وقد تقوم الادارة العامة بالمراوغة عند تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها والتي تقضي بالتعويض لتضع العراقيل والصعوبات من أجل تفادي آثار الشيء المقضي به ضدها فتمثل امتناعها عن تنفيذ الأحكام إما بالتراخي أو التنفيذ المعيب أو الناقص أو الامتناع الصريح مما لا يعيد الحال إلى ما كان عليه، ويترتب عليه عدم تكافؤ العلاقات القانونية بين أطراف الدعوى الإدارية مما يتوجب عليها تنفيذ حكم القضاء واعادة الحال إلى ما كان عليه.

كما أن قواعد القانون المدني لا تجيز الحجز على أموال الإدارة إذا ما امتنعت عن تنفيذ الحكم القضائي الذي يقرر مسؤوليتها الإدارية، ولم تسدد ما ترتب عليها من دين بموجب هذا الحكم، وذلك لأن أموال الإدارة أموال عامة. ([17])

النبذة الثانية

حل إشكاليات التعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة

يمكن القول أن الصعوبات السالف بيانها والتي تعيق تعويض المضرور عن القرارات الإدارية غير المشروعة، لم يقف أمامها القضاء الإداري والمشرع موقف الناظر، بل مارس القضاء والإداري والمشرع دوراً بارزاً في الحد من تلك الاشكاليات، وذلك من خلال تخفيق حدة مبدأ حظر توجيه الأوامر للإدارة، واستخدام آلية الغرامة التهديدية في حالة تعنت الإدارة بتنفيذ الحكم القضائي الصادر ضدها، مما يسهل معه تنفيذ التعويض العيني والنقدي.

الفقرة الأولى: توجيه الأوامر للإدارة.

ظهر اتجاه في الفقه الفرنسي في بداية القرن العشرين يدعو إلى إعادة النظر في مبدأ الفصل بين الهيئات الإدارية والهيئات القضائية ، والذي على أساسه بنى مبدأ الخطر . وأسست آراء هذا الفقه على نقطتين أساسيتين: ([18])

– النقطة الأولى: هي الفصل بين مبدأ خطر حلول القاضي الإداري محل، وقاعدة حظر توجيه أوامر لها. وأقرّوا الإبقاء على الأولى باعتبارها نتيجة حتمية لمبدأ الفصل بين السلطات، أما الحظر الثاني فلا يجد أي مبرر أو سند قانوني له، إذ قيّد مجلس الدولة نفسه به إدارياً في إطار سياسته القضائية والتي جعلته من النظام العام.

– النقطة الثانية: وهي دعوة أنصار هذا الاتجاه للقضاء بانتهاج سياسة جديدة تقوم على إصدار أوامر لجهة لضمان تنفيذ الأحكام التي يصدرها.

وقد رأى هذا الفقه أن الموقف المتخذ من جانب القضاء الإداري الفرنسي إنما يتسم بالضعف والعجز نجم عن الشك في السلطات الممنوحة له بعد أن منح القضاء المفوض.

وأمام التأخر الكبير في تنفيذ الأحكام القضائية بما يخالف مستلزمات مبدأ المشروعية، من خلال امتناع عن التنفيذ تارةً والبحث عن تبريرات لقراراتها تارة أخرة، وفي ظل عدم قدرة الوسائل القانونية التي يملكها الأفراد الذين صدرت الأحكام لصالحهم في إلزام بالتنفيذ، بدت الحاجة إلى ضرورة تفعيل سلطة القاضي الإداري وجعلها أكثر عمقاً والابتعاد عن المعتقدات القديمة التي أبقت رقابة القضاء سطحية([19]) ، ومن هنا بدت الحاجة ملحة، للخروج عن هذا المبدأ.

وأمام تلك للحجج التي اعتمد عليها الفقهاء الفرنسيين لإقرار المزيد من الصلاحيات والسلطات للقاضي الإداري، صدر في فرنسا قانون 8/5/1995 ليضع حلولاً جديدة بمنح القاضي الإداري إمكانية توجيه أوامر إلى في حالات محددة فيما يتعلق فقط بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن القضاء الإداري([20])

رغم أن القضاء الإداري الفرنسي لم يستجب لمطالب الفقه ، إلا أن المشرع الفرنسي قد استجاب لذلك فوفقاً للمادة 62 من قانون 8/5/1995 فقد سجل القانون المذكور بداية لمرحلة جديدة ومتطورة في قضاء مجلس الدولة الفرنسي على صعيد علاقته ب العامة، ووفقاً لهذا القانون تم إدراج ثلاث مواد ضمن القانون المتعلق بالمحاكم الإدارية ، ومحاكم الاستئناف من المادة L 8-2 حتى المادة L 8-4 . وهذه المواد الثلاث تعطي القاضي إمكانية توجيه الأوامر للإدارة مع فرض غرامة تهديدية في الحالتين التاليتين:

أولاً-الفرضية التي تتعلق باحتواء الحكم القضائي على ضرورة اتخاذ إجراء معين من جانب السلطة الإدارية:

وقد نصت على هذه الفرضية الفقرة الأولى من المادة ل. 2-8 والتي أعطت الصلاحية للقاضي بأن يدرج وبموجبها يمكن للقاضي بأن يدرج في حكمه أمراً يتضمن إلزام بالقيام بإجراء تنفيذي محدد، وهذا الإجراء التنفيذي يجب أن يكون متفرعاً بالضرورة عن مقتضى الحكم القضائي، كأن يحكم القاضي بإلغاء قرار فصل موظف ثم يأمر بإعادته إلى عمله. فالإعادة هنا تعد نتيجة منطقية لمقتضى الحكم بإلغاء قرار الفصل، ويمكن في هذه الحالة أن يحدد القاضي للإدارة مدة زمنية يجب عليها أن تقوم بالإجراء التنفيذي ضمنه، كما يمكنه أن يقضي بفرض غرامة تهديدية لإجبار على التنفيذ، وذلك إذا مضت المدة الزمنية ولم تنفذ خلالها الحكم القضائي([21])

ثانياً-توجيه الأمر إلى في سبيل اتخاذ قرار جديد، ولكن بعد تحقيق جديد.

وتتضمن إمكانية قيام القاضي بتوجيه الأوامر إلى في سبيل اتخاذ قرار جديد، ولكن بعد إجراء تحقيق جديد، بحيث يعيد الملف إليها لتقوم بفحصه مجدداً وذلك ضمن فترة زمنية محددة، ودون أن يشير إليها بالإجراء الذي يجب أن تتخذه. بمعنى أن القاضي لا يأمر في هذه الحالة بالقيام بعمل محدد أو الامتناع عن القيام بعمل محدد، وإنما يأمرها بإجراء أو القيام بهذا العمل خلال فترة محددة، على ان تقوم من جانبها بإصدار قرار جديد تتدارك فيه وجه اللا مشروعية الذي لحق بالقرار الأول الملغى. ويمكن أن يدعم قراره بفرض غرامة تهديدية ([22])

وقد تعددت المجالات التي طبق فيها مجلس الدولة صريح المادة L 8-2 من هذا القانون على ان أهمها الدخول إلى الأراضي الفرنسية حيث قرر أن المختصة بهذا المجال تتمتع بسلطة تقديرية واسعة، ويمكن ان تؤسس قراراتها على اعتبارات الصالح العام، ولكن المجلس اعتبر أن سلطة بهذا الشأن ليست مطلقة ، فقد يلغي القاضي قرار رفض منح سمة الدخول ويقرن هذا بأمر موجه إلى يتعلق بوجوب تسليم هذه السمة، حيث قام المجلس بإلغاء قرار رفض تسليم سمة دخول رعايا ساحل العاج والذي كان يسعى للحاق بزوجته الفرنسية، وذلك احتراماً لحق المدعي في احترام حياته العائلية، حيث كان التجاوز الصادر من على هذا الحق غير متناسب البتة مع الغايات التي توخاها القرار محل الخصومة، وقد ضمن المجلس قراره أمراً يلزم بتسليم المدعي سمة الدخول إلى الأراضي الفرنسية وله قرارات مشابهة في هذا المجال، مع انه في قرار آخر ألغى فيه قرار رفض سمة الدخول إلى فرنسا لأحد رعايا الجمهورية التونسية ، لأن القرار المذكور يستند إلى أسباب غير موجودة مادياً، ولكنه لم يقرن ذلك الإلغاء بأمر وجه إلى بوجوب منح سمة الدخول إلى المدعي.

ويلاحظ أن سلطة الأمر هذه التي منحها قانون 8/2/1995 للقاضي الإداري تتسم بالشمول و الاتساع من حيث الأشخاص الذين يمكن أن تطبق في مواجهتهم، إذ يمكن للقاضي أن يوجه إلى كل الأشخاص المعنوية العامة، وإلى كل تنظيمات القانون الخاص المكلفة بتنفيذ مهمة مرفق عام ، كما يلاحظ أنها تتسم بالاتساع من حيث المحاكم التي يمكن أن تمارسها كونها تشمل جميع المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية و مجلس الدولة، ولكن يلاحظ من جهـة أخرى أنها تتسم بالضيق و المحدودية من حيث الموضوع، إذ إنها لا تتيح للقاضي ممارسة الأمر إلا لضمان تنفيذ الأحكام القضائية دون غيرها من الالتزامات كما أنها تقتصر على قضاء الالغاء دون قضاء التعويض.

وعلى الرغم من خلو القانون العراقي مما يبيح للقاضي الإداري اتخاذ مثل هذا التصرف، إلا أن هناك بعض الأحكام والتي رغم قلتها تبين أن القضاء الإداري في العراق ذهب الى فعل ذلك، وهذا ما يدل على أن حظر توجيه الأوامر إلى من جانب القاضي الإداري في فرنسا قبل صدور التعديلات ناجم عـن أسـاس تـاريخي خاص بفرنسا، يتعلق أساساً بمبدأ الفصل بين الإدارتين العاملة و القاضية، ذلك المبدأ الذي تنج عن التفسير الخاص لمبدأ الفصل بين السلطات الذي قام به رجال الثورة الفرنسية.

والواضح أن القضاء الإداري في العراقي ممثلاً بمحكمة قضاء الموظفين ومحكمة القضاء الإداري، قد عمل منذ نشأته على تضمين أحكامه أوامر صريحة موجهة للإدارة للقيام بإجراء محدد يقتضيه تنفيذ الحكم الصادر منه كتعويض مادي ، وهو بذلك قد واكب باجتهاده تطور التشريع الفرنسي وتجاوز نظيره المصري الذي يتمنع عن توجيه مثل تلك الأوامر، فمن خلال مراجعة الأحكام التي صدرت من محكمة القضاء الإداري ومجلس الانضباط العام نجد أن أغلب الأحكام تتضمن أوامر للإدارة باتخاذ إجراء معين يقتضيه تنفيذ الحكم([23])

ومن هذه الأحكام القرار الصادر عن محكمة القضاء الإداري بتاريخ 9/3/2010 والذي تضمن الغاء قرار محافظ بغداد بعزل المدعي من وظيفته ووجهت له أمراً يتضمن إجراءً محدداً وهو إعادة المدعي إلى وظيفته في نفس الحكم، وجاء في حيثيات الحكم: “وتأسيساً على ما تقدم وجدت المحكمة أن قرار المدعى عليه إضافة لوظيفته بعزل المدعي من منصبه كمدير لناحية الفحامة يعد باطلاً لمخالفته للاختصاصات التي منحها القانون رقم 21 لسنة 2008 وللأسباب اعلاه قرر وبالاتفاق الحكم بالزام المدعى عليه اضافةً لوظيفته بإلغاء الأمر الديواني رقم 46 لسنة 2009 وإعادة المدعي إلى منصبه السابق كمدير لناحية الفحامة”([24])

وفي حكم آخر صادر بتاريخ 23/5/2012 والذي ألزمت من خلاله المحكمة وزير الداخلية بترقية المدعي ومنحه الحقوق المترتبة على ذلك في منطوق حكمه الذي تضمن ما يلي: “وعلى الرغم من أن الترقية هي سلطة تقديرية للإدارة غير أن هذه السلطة غير مطلقة، وحيث أن المدعى عليه قد استند إلى أسباب لم يرتب القانون أثراً عليها في استحقاق المدعي للترقية، وعليه قرر بالاتفاق الحكم بالزام المدعى عليه بترقية المدعي الى الرتبة التالية لرتبته، ومنحه الحقوق المترتبة على ذلك”

وإننا نؤيد ونذهب إلى ما ذهب اليه الفقه العراقي([25]) من تأييد لموقف القضاء الإداري العراقي من خلال توسيع صلاحياته بتوجيه أوامر للإدارة سواء لناحية اصدار أوامر باتخاذ اجراء معين تنفيذاً للحكم الصادر عن القضاء الإداري، أو لاتخاذ قرار جديد، هو عمل محمود لما فيه من ضمان لمبدأ المشروعية وحماية لحقوق الأفراد ومراعاة للصالح العام.

وفي قرار صادر بتاريخ 5/8/2008 الذي قرر فيه المجلس الغاء قرار وزير البلديات والأشغال العامة برفض منح المدعي إجازة لمدة سنتين لقبوله بالمعهد القضائي، وضمن قراره أمراً إلى وزير البلديات والأشغال العامة بمنح الموظف المدعي إجازة لمدة سنتين حيث جاء فيه ما يلي: “وتأسيساً على ما تقدم قرر وبالاتفاق الحكم بإلزام المدعى عليه اضافةً لوظيفته بإلغاء الكتاب رقم 808 تاريخ 16/4/2008 مع مرفقه الاعمام رقم 504 مع إلزامه بمنح المدعي إجازة دراسية لمدة سنتين وبراتب تام”([26])

أما في لبنان فعلى الرغم من موقف مجلس شورى الدولة من مسألة توجيه أوامر للإدارة إلا أننا نرى أنه يملك ذلك من خلال نص القانون حيث أن الفصل الخامس من نظام مجلس شورى الدولة اللبناني قد نص في مواده على ما يفهم منه ذلك، حيث تنص المادة 126 على أن: “تقدم طلبات تنفيذ القرارات الصادرة بحق السلطة الإدارية إلى رئيس مجلس شورى الدولة الذي يحيلها بلا إبطاء مع النسخة الصالحة للتنفيذ إلى المرجع المختص لإجراء المقتضى”

ومع ذلك فإن إمكانية امتناع الإدارة عن التنفيذ هو أمر وارد جداً لذلك تكمن أهمية فرض جزاء مالي على الإدارة نتيجة هذا التأخير وهو ما يعرف “بالغرامة التهديدية”.

وهنا لابد لنا من التمييز بين توجيه الأوامر بخصوص إصدار قرارات إدارية، وبين توجيه الأوامر للقيام بأفعال مادية، فإن كان مجلس شورى الدولة اللبناني يملك الأولى، إلا أنه لا يملك الثانية، وهذا ما جاء بحكم حديث له نسبياً تضمن:

“ولا يقبل طلب الزام المستدعى ضدها تغيير قسطل المياه لان ذلك بمثابة توجيه امر الى مصلحة مياه زحلة وجوارها للقيام بعمل معين وهو امر خارج على نطاق صلاحية مجلس شورى الدولة وفقا لأحكام المادة 91 من نظام المجلس لأنه لا يحق له ان يقوم مقام السلطة الادارية في تنفيذ عملها”. ([27])

الفقرة الثانية: فرض الغرامة التهديدية

تأتي أهمية الغرامة التهديدية عند قصور الوسائل التقليدية في حث واجبارها على تنفيذ الاحكام القضائية، فإن كانت الأوامر التنفيذية تستهدف توضيح ما يقع على من التزامات ناجمة عن الحكم القضائي، فالغرامة التهديدية تستهدف وبشكل مباشر اكراه على تنفيذ هذه الأوامر([28])

وفكرة الغرامة التهديدية اسلوب مقتبس من القانون المدني وذلك في حالة وجود التزام على المدين بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل وكان الوفاء به عيناً ممكناً، وكان هذا الوفاء بالالتزام يقتضي تدخل المدين نفسه فتكون الغرامات التهديدية أهم الوسائل لحمله على الوفاء بالتزامه عيناً([29])

وعلى الرغم من القانون المدني في العراق رقم 40 لسنة 1951 قد نص في المادة 235 منه على أن: “إذا كان تنفيذ الالتزام عيناً غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين بنفسه، وامتنع المدين على التنفيذ اجاز للمحكمة بناءً على طلب الدائن أن تصدر قراراً بالزام المدين بهذا التنفيذ وبدفع غرامة تهديدية ان بقي ممتنعاً عن ذلك” ، والواقع هو أن أحكام القضاء الإداري في العراق لم تشهد أي تطبيق للغرامة التهديدية.

وعلى الرغم من موقف الفقه المؤيد من الغرامة التهديدية باعتبارها سلاح فعال ووسيلة من وسائل الضغط التي يمكن اللجوء إليها إذا ما اظهرت سوء نيتها في تنفيذ الأحكام القضائية، فإن سلطة القاضي الإداري في فرضها لم تسلم من بعض الانتقادات، التي كانت تتركز حول السلطة التي يتمتع بها القاضي الإداري في تقدير الغرامة والحكم بها، من عدمه، واعتداده بمفهوم موسع للمصلحة العامة الذي أدى إلى رفض الحكم بها في حالات تستوجب خضوع للتهديد المالي، فضلاَ عن طول المدة اللازمة لتقديم طلب الغرامة الى القضاء الإداري، وهذه الانتقادات تمثل بمجموعها الاتجاه المعارض للغرامة التهديدية([30])

لكن الراجح من الفقه يذهب لتأييد الأخذ بالغرامة التهديدية، وعده وسيلة من وسائل اجبار على تنفيذ احكام القضاء الإداري، ودعا القضاء الإداري إلى أن يعدل عن مسلكه المتحفظ عن استخدام التهديد المالي في مواجهة ، مبرراً ذلك بعدم وجود مانع قانوني يحول دون الالتجاء الى هذا الاسلوب، كونها تمثل اسلوب أكثر فاعلية، كما أنها تتناسب مع طبيعة التزامات بتنفيذ أحكام القضاء الإداري، والتي لا تخرج عن كونها التزاماً بعمل أو امتناعاً عن عمل يقتضي تنفيذه تدخلاً من جانب ([31])

وأمام ما سبق وتبين من أهمية وفعالية الغرامة التهديدية سواء كانت بعد صدور الحكم أو من خلاله، فهي وسيلة تلزم على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، وفي هذا الخصوص، وأمام ما يشهده الواقع في العراق من تعنت وامتناعها عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها في أحايين كثير، أو تأخرها في تنفيذ تلك الأحكام من دون مبرر معقول ولا مدة منطقية، وكوننا نرى أن تطوير اجتهاد القضاء الإداري من خلال منح نفسه هذه الصلاحية سيواجه صعوبة أكبر لما سوف يتعرض له من انتقاد، لذلك فإننا نهيب بالمشرع العراقي العمل على منح القضاء الإداري في العراق صلاحية فرض الغرامة التهديدية المرتبطة بالحكم وتنفيذه والغرامة التهديدية اللاحقة لصدور الحكم وتنفيذه والاستفادة من التجربة الفرنسية والجزائرية في هذا الخصوص.

أما في لبنان، فقد نصت المادة 93 من نظام مجلس شورى الدولة أن “على الشخص المعنوي في القانون العام أن ينفذ في مهلة معقولة الأحكام المبرمة الصادرة عن مجلس شورى الدولة تحت طائلة المسؤولية، وإذا تأخر عن التنفيذ من دون سبب، يمكن بناءً على طلب المتضرر الحكم بإلزامه بدفع غرامة اكراهية يقدرها مجلس شورى الدولة وتبقى سارية لغاية تنفيذ الحكم” ولم تحدد المادة المذكورة هذه المهلة المعقولة المعطاة للإدارة لتنفيذ القرارات القضائية الصادرة بحقها، كما أنها لم تخضع المراجعة المقدمة أمام المجلس لفرض تنفيذ قراراته لأية مهلة زمنية محددة يتوجب انقضاؤها قبل تقديم طلب فرض الغرامة الإكراهية ولم تضع سقفاً زمنياً لها بل تركتها مفتوحة خاضعة لتقدير القاضي الذي يحددها على ضوء قناعته ووفقا لمقتضيات كل حالة على حدة.

وقد استقر اجتهاد مجلس شورى الدولة في لبنان على وجوب ربط النزاع مسبقاً ثم الطعن بعد ذلك بقرار الرفض الضمني أو الصريح فيما خص تنفيذ القرار القضائي المبرم ضمن المهلة القانونية المحددة مبدئياً بشهرين، ذلك أن طلب فرض القرار الغرامة الإكراهية شكل نزاعاً جديداً يمكن لصاحب العلاقة تقديم مراجعة بشأنه إذا ما توافرت شروطه([32])

الخاتمة

وفي ختام هذه الدراسة نقدم مجموعة من النتائج والتوصيات التي توصلنا إليها:

النتائج:

  1. إن الحظر التاريخي لمبدأ توجيه الأوامر للإدارة وإباحته بنصوص قانونية صريحة كما هو الحال في فرنسا، لم يمنع بعض القضاء الإداري من مخالفة هذا الحظر ومن دون الحاجة لنص تشريعي كما فعل القضاء الإداري في العراق، في حين نجد أن القضاء الإداري المقارن في مصر وكذلك لبنان، مازال مُصراً على هذا الحظر، لعدم وجود نصوص قانونية صريحة، تسمح له بذلك.

التوصيات:

  1. إن الإبقاء على مبدأ أن الخطأ المتولد عن القرار الإداري غير المشروع هو خطأ مرفقي تتحمل الخزينة العامة مغبة التعويض عنه، أمر لن يحقق نتائج على مستوى الحد من القرارات غير المشروعة، لذلك نهيب بالقضاء الإداري في كل من لبنان والعراق، بالعمل على تكريس اجتهادات حديثة تقرر من خلالها مسؤولية الموظف عن القرارات الإدارية غير المشروعة لعيب في الغاية، أو لعيب فاضح في أحد أركانه، فالمبالغة في منح الموظف الأمان باتخاذ القرارات الإدارية غير المشروعة من دون تحمله مسؤولية التعويض عنها، قد يشكل لديه طبيعة من الاستهتار والتراخي وعدم التدبر في إصداره هذه القرارات.

قائمة المصادر والمراجع

عبد المجيد عبد الحكيم، وأخرون، مصادر التزام، ص. 246

سعاد الشرقاوي، القضاء الإداري، دار المعارف، 1970، ص. 260

يسري العصار، مبدأ حظر توجيه أوامر من القاضي الاداري للإدارة وحظر حلوله محلها وتطوراته الحديثة (دراسة مقارنة) دار النهضة العربية، القاهرة، 2000، ص. 5

فريد مزياني وأمنة سلطاني، مبدأ حظر توجيه أوامر من القاضي الاداري للإدارة والاستثناءات الواردة عليه في قانون الاجراءات المدنية والادارية، مجلة الفكر، عدد 7، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2011، ص. 122

René Chapus, droit du contentieux administratif.9 e édition, Montchrestien, paris, 2001, p, 39.et.v: Gilles darcy, Michel paillet. Contentieux administratif. Dalloz, paris, 2000, p.282

Martine Lombard, Gilles Dumont, droit administratif.08 e édition, dalloz, paris, 2009, p, p, 381.413. et.v Martine lombard, droit administratif, 04 éditions, Dalloz, paris, 2001.p.6

Gustave Peiser, op, cit, p05. Et voir: Gilles darcy, Michel paillet. Contentieux administratif. Dalloz, paris, 2000.p.p.282.292.et v:Gustave Peiser, contentieux administratif , 11 éditions, dalloz, paris, 1999, p.58

André de Laubadére et autres, droit administratif, 16 édition, librairie générale de droit et de jurisprudence, paris, 1999.p.35.

Gilles Darcy,Michel Paillet. op.cit.p.59. et vior: Gustave Peiser, op, cit, p.06.

Valérie Martel,” le pouvoir d’injonction du juge administratif ” ,faculté de droit virtuelle université, lyon 03,fiche à jour au 07 octobre 2009,p,03

محمود عاطف البنا، الوسيط في القضاء الإداري، تنظيم رقابة القضاء الإداري، الدعاوى الإدارية، دار الفكر العربي، بدون تاريخ، ص.286

سليمان الطماوي، القضاء الاداري، قضاء الالغاء، الكتاب الأول، دار الفكر العربي، القاهرة، 1996، ص. 850

قضية Pebeyre الصادر بتاريخ 11/5/1984 ،منشور في داللوز سـنة 1985 ص. 65

حكم المحكمة الادارية العليا في مصر بالطعن رقم 397 لسنة 36 قضائية جلسة 29 مارس 1992

مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 353/2001 جلسة 27/2/2001

جابر نصار، مسؤولية الدولة عن أعمالها غير التعاقدية، مرجع سابق، ص. 310

وسام صابر العاني، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص. 353

Martine Lombard, op, cit. p, 406.

Georges Dupuis et d’autres, droit administratif,7è édition,Armand colin,paris,2000,p.52.

حسني سعد عبد الواحد، تنفيذ أحكام القضاء الإداري. أطروحة دكتوراه مقدمة لكلية القانون جامعة القاهرة. 1984 ، ص. 355

Picard.E, La loi du 1995 relative à l’organisation des juridications et à la procedure civile, pénale, et administrativeM Aspects administratifs, J.C.P.ed.G, 1995, p. 179

Guettier,op.cit, p.68, Martin.R,op.cit,p. 6

محكمة القضاء الاداري، القرار رقم 68 /قضاء اداري/ 2010 تاريخ 9/3/2010، قرارات وفتاوي مجلس شورى الدولة، مطبعة الوقف الحديثة، وزارة العدل، 2010، ص. 430

محكمة القضاء الاداري، القرار رقم 137/قضاء اداري/ تاريخ 23/5/2012، قرارات وفتاوى مجلس شورى الدولة، مطبعة الوقف الحديثة، 2012، ص. 336

انظر: غازي فيصل مهدي، تعليقات ومقالات في نطاق القانون العام، ط1، د.ن ، 2004، ص. 44

القرار رقم 245/انضباط/ 2008 تاريخ 5/8/2008، قرارات وفتاوى مجلس شورى الدولة، 2008، ص. 519

شورى حكم رقم : 671 /2018

محمد باهي أبو يونس، الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار الادارة على تنفيذ الأحكام الادارية، ط3، الاسكندرية، 2012، ص. 7

حسن علي الذنون، المبسوط في المسؤولية المدنية، شركة التايمس للطبع والنشر، بغداد، 1991، ص. 360

محمد باهي أبو يونس، الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار الادارة على تنفيذ الاحكام الادارية، مرجع سابق، ص. 298

حمدي ياسين عكاشة، الأحكام الادارية في قضاء مجلس الدولة، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1997، ص. 301

القرار رقم 124 الصادر عن مجلس شورى الدولة اللبناني بتاريخ 15/11/2001، مجلة القضاء الاداري لعام 2000/ مجلد 1، ص. 162

الهوامش:

  1. )) عبد المجيد عبد الحكيم، وأخرون، مصادر التزام، ص. 246
  2. )) سعاد الشرقاوي، القضاء الإداري، دار المعارف، 1970، ص. 260
  3. )) يسري العصار، مبدأ حظر توجيه أوامر من القاضي الاداري للإدارة وحظر حلوله محلها وتطوراته الحديثة (دراسة مقارنة) دار النهضة العربية، القاهرة، 2000، ص. 5
  4. )) فريد مزياني وأمنة سلطاني، مبدأ حظر توجيه أوامر من القاضي الاداري للإدارة والاستثناءات الواردة عليه في قانون الاجراءات المدنية والادارية، مجلة الفكر، عدد 7، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2011، ص. 122
  5. ()René Chapus, droit du contentieux administratif.9 e édition, Montchrestien, paris, 2001, p, 39.et.v: Gilles darcy, Michel paillet. Contentieux administratif. Dalloz, paris, 2000, p.282
  6. () Martine Lombard, Gilles Dumont, droit administratif.08 e édition, dalloz, paris, 2009, p, p, 381.413. et.v Martine lombard, droit administratif, 04 éditions, Dalloz, paris, 2001.p.6
  7. () Gustave Peiser, op, cit, p05. Et voir: Gilles darcy, Michel paillet. Contentieux administratif. Dalloz, paris, 2000.p.p.282.292.et v:Gustave Peiser, contentieux administratif , 11 éditions, dalloz, paris, 1999, p.58
  8. () André de Laubadére et autres, droit administratif, 16 édition, librairie générale de droit et de jurisprudence, paris, 1999.p.35.
  9. () Gilles Darcy,Michel Paillet. op.cit.p.59. et vior: Gustave Peiser, op, cit, p.06.
  10. () Valérie Martel,” le pouvoir d’injonction du juge administratif ” ,faculté de droit virtuelle université, lyon 03,fiche à jour au 07 octobre 2009,p,03
  11. )) محمود عاطف البنا، الوسيط في القضاء الإداري، تنظيم رقابة القضاء الإداري، الدعاوى الإدارية، دار الفكر العربي، بدون تاريخ، ص.286
  12. )) سليمان الطماوي، القضاء الاداري، قضاء الالغاء، الكتاب الأول، دار الفكر العربي، القاهرة، 1996، ص. 850
  13. ) ) قضية Pebeyre الصادر بتاريخ 11/5/1984 ،منشور في داللوز سـنة 1985 ص. 65
  14. )) حكم المحكمة الادارية العليا في مصر بالطعن رقم 397 لسنة 36 قضائية جلسة 29 مارس 1992
  15. )) مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 353/2001 جلسة 27/2/2001
  16. )) جابر نصار، مسؤولية الدولة عن أعمالها غير التعاقدية، مرجع سابق، ص. 310
  17. )) وسام صابر العاني، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص. 353
  18. () Martine Lombard, op, cit. p, 406.
  19. () Georges Dupuis et d’autres, droit administratif,7è édition,Armand colin,paris,2000,p.52.
  20. )) حسني سعد عبد الواحد، تنفيذ أحكام القضاء الإداري. أطروحة دكتوراه مقدمة لكلية القانون جامعة القاهرة. 1984 ، ص. 355
  21. () Picard.E, La loi du 1995 relative à l’organisation des juridications et à la procedure civile, pénale, et administrativeM Aspects administratifs, J.C.P.ed.G, 1995, p. 179
  22. () Guettier,op.cit, p.68, Martin.R,op.cit,p. 6
  23. )) محكمة القضاء الاداري، القرار رقم 68 /قضاء اداري/ 2010 تاريخ 9/3/2010، قرارات وفتاوي مجلس شورى الدولة، مطبعة الوقف الحديثة، وزارة العدل، 2010، ص. 430
  24. )) محكمة القضاء الاداري، القرار رقم 137/قضاء اداري/ تاريخ 23/5/2012، قرارات وفتاوى مجلس شورى الدولة، مطبعة الوقف الحديثة، 2012، ص. 336
  25. )) انظر: غازي فيصل مهدي، تعليقات ومقالات في نطاق القانون العام، ط1، د.ن ، 2004، ص. 44
  26. )) القرار رقم 245/انضباط/ 2008 تاريخ 5/8/2008، قرارات وفتاوى مجلس شورى الدولة، 2008، ص. 519
  27. )) شورى حكم رقم : 671 /2018
  28. )) محمد باهي أبو يونس، الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار الادارة على تنفيذ الأحكام الادارية، ط3، الاسكندرية، 2012، ص. 7
  29. )) حسن علي الذنون، المبسوط في المسؤولية المدنية، شركة التايمس للطبع والنشر، بغداد، 1991، ص. 360
  30. )) محمد باهي أبو يونس، الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار الادارة على تنفيذ الاحكام الادارية، مرجع سابق، ص. 298
  31. )) حمدي ياسين عكاشة، الأحكام الادارية في قضاء مجلس الدولة، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1997، ص. 301
  32. )) القرار رقم 124 الصادر عن مجلس شورى الدولة اللبناني بتاريخ 15/11/2001، مجلة القضاء الاداري لعام 2000/ مجلد 1، ص. 162