المصالحة الوطنية في ظل السياسة الجنائية الحديثة

م.م. زيد حميد صبار العيساوي1

1 الجامعة الإسلامية في لبنان

المشرف: الأستاذ الدكتور/ مصطفى الشامية

HNSJ, 2024, 5(6); https://doi.org/10.53796/hnsj56/30

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/06/2024م تاريخ القبول: 15/05/2024م

المستخلص

أن المصالحة الوطنية تعبير قد ظهر في الوقت المعاصر في ادبيات السياسة، ويقصد من وراءه ايجاد حل لنزاعات أو صراعات قد تحدث في داخل الدولة بين اطراف سياسية أو جماعات اثنية لإحلال السلم الاجتماعي والاستقرار الداخلي للدولة عموماً، لاسيما في الجوانب السياسية المتعلقة بالحكم في الدول ذات التركيبة الاجتماعية المتنوعة قومياً أو دينياً أو مذهبياً أو تتعدد فيها الولاءات والفكر الساسي، وغالباً ما تظهر الحاجة له في اوقات الازمة والتحول الساسي والاجتماعي، وذلك يحتم ايجاد وتعزيز اسس السلام والوفاق الاجتماعي والوطني من خلال آليات متعددة تتحقق فيها المصالحة الوطنية من عدة جوانب أهما فيما يخص المجال القانوني وبالتحديد التشريعات الجنائية وسبل السياسة الجنائية المتبعة في احكامها، حيث أن تلك التشريعات القانونية عموماً هي انعكاس لسياسة الدولة في ممارسة حقها السيادي في تشريع القوانين، ومن جانب أخر واجب حماية المجتمع والنظام العام من السلوكيات المنحرفة، والسياسة الجنائية في الجوانب الموضوعية تتمثل بمسألة التجريم والعقاب من خلال إتباع أفضل السبل في سبيل الوصول الى تحديد الأفعال المجرمة وفرض العقاب المناسب لها، وكذلك الأخذ بالتدابير الكافية لمعالجة آثارها السلبية بغية الوصول الى غاية تتمثل في حماية مصالح معينة سواء كانت آنية أو مستقبلية، ومن ذلك المنطلق أخذت السياسة الجنائية الحديثة اعتماد مسالة الوقاية بإضافة تدابير لمنع ارتكاب الجريمة مستقبلاً قدر المستطاع، وفي مضمار مصلحة السلم الوطني والحفاظ على روح الانسجام المجتمعي بين الطوائف والاجناس المجتمعية في الدولة، للقضاء على الصراعات القائمة أو تجنبها مستقبلاً أن امكن وفق معطيات ما يطلق عليه بـ(المصالحة الوطنية) نجد أن للسياسة الجنائية دوراً في ارساء دعائم تلك المصالحة من خلال تفعيل قواعدها في جوانب التجريم والعقاب بل حتى في الوقاية، وهذا ما تتضمنه وتتمحور عليه دراستنا في هذا البحث.

المقدمة

أولاً: التعريف بموضوع البحث

أن السياسة الجنائية بمفهومها العام هي مصطلح يدل على خطة تنتهجها الدولة في تشريعاتها للحد من ظاهرة الإجرام ومكافحتها في المجتمع، وتمثل أحدى أوجه اختصاصات الدولة، وجزء من حقها السيادي في المجال القانوني لا سيما في التجريم والعقاب، إذ من خلالها تجرم الأفعال المضرة بمصالح الأفراد داخل المجتمع وتعاقب عليها، لتؤدي واجبها المتمثل بحماية المجتمع من السلوكيات الماسة بمصالحه، وذلك يكون بإتباع أفضل السبل للحد من تلك الظواهر الإجرامية وأشكالها، وهذا الأمر بمجملته يعود إلى أصول السياسة الجنائية المعتمدة من قبل الدولة ومؤسساتها، ففي جانب المصالحة الوطنية بوصفها وسيلة لمعالجة الازمات التي تعصف بالبلاد نجدها قد اعتمدت ضوابط عدة في ميدان التجريم والعقاب تتسم بالخصوصية نظراً لأهمية موضوعها كونها متعلقة بالسلم والامن الداخلي للدولة، من جانب أخر أن موضوع المصالحة الوطنية يعد حلاً أو وسيلة معالجة تلجئ لها الدولة ومؤسسات الحكم لحلحلة أو لكبح جماح الصراعات التي تهدد سلامة الوطن ووحدته واستقراره لاسيما في اوقات النزاعات أو فترات التحول التي تمر بها البلدان وأهما التحول السياسي وتغيير شكل الحكم والمؤسسات الحاكمة في الدولة، لذا تعتمد احكام جنائية في نصوص التشريعات تنعكس فيها السياسة الجنائية في شكل الحلول القانونية لمعالجة الخلل أو النتائج التي سببها الصراع الداخلي وفقاً للرؤيا السياسية والمصلحة التي من اجلها سُنت تلك التشريعات.

ثانياً: أهمية موضوع البحث

نظراً لأهمية السلم المجتمعي وسلامة الدولة واستقرارها وضمان ذلك وجدت في الادبيات السياسية والاجتماعية ما يطلق عليه بالمصالحة الوطنية بوصفها وسيلة لتحقيق غاية سامية تتمثل بتحقيق السلم العام للدولة والحفاظ عليه، فلابد من تطويع الوسائل كافة لتحقيقها، ومن تلك الوسائل هو ما يعرف ببرامج المصالحة الوطنية التي تتبعها الدول التي تعتمد على عدة مقومات وعلى الاصعدة كافة ومنها القانونية، والسياسة الجنائية تعد احدى أهم تلك المقومات كونها تترجم في نصوص التشريعات الجنائية، ومن ذلك تتجلى لنا اهمية بحث ودراسة احكام السياسة الجنائية بجوانبها كافة ودورها في مجال تحقيق المصالحة والوطنية.

ثالثاً: مشكلة موضوع البحث

أن مشكلة الدراسة تتمحور في بيان مدى نجاح سياسة المشرع الجنائية في أحكام التجريم والعقاب التي تضمنتها نصوص القوانين العقابية سواء العامة منها أم الخاصة، وانعكاس تلك السياسة في تحقيق متطلبات المصالحة الوطنية وملائمتها في هذا المجال، وكذلك بيان مسألة جوانب السياسة الجنائية المتعارف عليها الآن أي العلاجية والوقائية ومدى مساهمتها بوصفها وسيلة مهمة ضمن مقومات المصالحة الوطنية بالحاضر أو المستقبل لتحقيق غاية السلم والانسجام المجتمعي.

رابعاً: الهدف من البحث

نبتغي من دراسة موضوع السياسة الجنائية ودورها في حماية اسس المصالحة الوطنية ومقوماتها هو بيان فعالية النصوص الجنائية بحماية أو تحقيق مقومات مشروع المصالحة الوطنية، من خلال بيان سياسة التجريم والعقاب على كل ما يمس مصالح السلم والامن الداخلي للدولة، هذا من جانب والمساهمة في تحقيق ذلك السلم أو تحقيق مقوماته من جانب اخر وذلك ببحث أهمية ودور السياسة الجنائية في ارساء ودعم مشروعات اعادة وحفظ السلم والتعايش المجتمعي والمتمثلة بالمصالحة الوطنية.

خامساً: نطاق البحث

يتمحور نطاق دراستنا لموضوع المصالحة الوطنية في ظل السياسة الجنائية ضمن نطاق أو بحث دور السياسة الجنائية المتعلقة بالشق الموضوعي للتشريعات الجنائية (التجريم والعقاب)، وذلك في ميدان التشريعات الجنائية العراقية سواء العامة منها أم الخاصة.

ساساً: منهجية دراسة موضوع البحث

سنتبع في بحث ودراسة موضوع السياسة الجنائية في حماية أو تحقيق مقومات ودعائم المصالحة الوطنية (منهجاً وصفياً تحليلياً) لتحليل الأحكام التي بينها المشرع في مجالات صور التجريم وأحكام العقاب والتدابير ووصف المسائل التي تبنتها السياسة الجنائية في هذه الأحكام القانونية سواء في التشريعات العامة أم الخاصة لبيان دورها في مجال المصالحة الوطنية.

سابعاً: هيكلية موضوع البحث

ستكون خطة بحثنا (المصالحة الوطنية في ظل السياسة النائية الحديثة) وفق المحاور الآتية:

المبحث الأول: الاطار المفاهيمي للمصالحة الوطنية والسياسة الجنائية.

المبحث الثاني: سياسة المشرع الجنائية في أحكام التجريم واثرها في تحقيق المصالحة الوطنية.

المبحث الثالث: سياسة المشرع الجنائية في أحكام العقاب واثرها في تحقيق المصالحة الوطنية.

المبحث الأول

الاطار المفاهيمي للمصالحة الوطنية والسياسة الجنائية

نبين في هذا المبحث مفاهيم مصطلحي (المصالحة الوطنية والسياسة الجنائية) من حيث ذاتيتهما، قبل ان نبحث دور السياسة الجنائية في ايجاد وحماية قواعد المصالحة الوطنية، ولبيان مفهوم المصطلحات، لابد من التعريف بهما وبيان عناصرهما وانواعهما بشكل واضح، لذلك سيكون بحث المفهوم لكلا المصطلحين في مطلبين، الاول نخصصه لبيان مفهوم المصالحة الوطنية، والثاني لمفهوم بالسياسة الجنائية.

المطلب الأول

مفهوم المصالحة الوطنية

نتطرق في هذا المطلب عن التعريف بالمصالحة الوطنية لتتضح لنا مفهومها ودلالاتها الاصطلاحية في الفرع الأول، ومن ثم نبين أهم مقومات تحقيقها في المجتمعات بالفرع الثاني:

فرع اول

تعريف المصالحة الوطنية

ابتدأً نقول أن مصطلح المصالحة الوطنية ذو مفهوم ودلالات سياسية واجتماعية تتعلق بالسلم الاجتماعي واستقرار الدولة، لذلك يجد صداه ويأخذ اهتماماً في الدول التي تتعرض لصراعات او اقتتال داخلي، او تعيش حالة من عدم الانسجام المجتمعي لاسيما في الدول التي تتعدد فيها الطوائف او القوميات أو الاديان ضمن تركيبة سكانها، وبالتالي تكون للمصالحة الوطنية دور في ارساء دعائم السلام الاجتماعي، وتدل عموماً أنها عملية الاعداد لحلحلت الخلافات بين مجموعة من الفصائل انقسمت داخل الأمة الواحدة، من خلال توافر أربع عناصر على تتمثل في الحقيقة الرحمة، العدالة والسلام، فالأولى التعبير الصريح دون نقصان أو زيادة حول الماضي، والثانية يقصد بها العفو، أما الثالثة فهي تعويض وإرجاع الحقوق لأهلها والرابعة ويقصد بها تحقيق الأمن بين الجميع ومحاولة بناء مستقبل وحياة كريمة([1]).

وبذلك هناك من عرف المصالحة الوطنية على انها (مجموعة من الخطط أو استراتيجية معينة تنتهجها الدولة من أجل سد الفجوات بين الأطراف المتخاصمة والمتحاربة والخروج من الأزمات التي قد تصيبها جراء انتهاكات وتجاوزات تممن الإنسان من خلال تفعيل آليات الحوار والمسالمة بدل العنف والغاء الآخر والنظرة التفاؤلية للمستقبل والتسامح مع الماضي) ([2])، او تعرف على انها (مجموعة من الاجراءات او الخطوات او الاليات التي تكون بعيدة عن العنف تستخدمها الدولة في اعادة انشاء العلاقات بين الاطراف التي نشأ فيما بينهما صراع أو انتهاك قام بها طرف ضد الطرف الاخر) ([3])، كما أنها تعرف بـكونها(حاجة ملحة وضرورة قصوى لتجاوز اعتلالات الماضي، وفساد الحاضر، وغياب الدولة وانعدام المساءلة وتغيب القانون في السيادة وقهر الإرادات الجماهيرية المتطلعة للدولة والمجتمع المدني المؤسس على التوازن التام بين الحقوق والواجبات لكافة المواطنين على قدم المساواة وشراكة كاملة) ([4])، أو انها تعني (عملية التواق الوطني تنشأ على اساسها بين الأطراف السياسية والمجتمعية علاقة قائمة على التسامح والعدل وازالة اثار صراعات الماضي لتحقيق التعايش السلمي بين اطياف المجتمع كافة بما يضمن التحول الديمقراطي الصحيح من خلال اليات واجراءات معينة) ([5]).

يلاحظ أن كل التعاريف المتقدم ذكرها قد عرفة المصالحة الوطنية من منظور سياسي واجتماعي تنظر لها على انها العودة الى علاقة جديدة بعد نتائج مروعة وشاقة جراء افعال خاطئة كالخيانة وعدم الوفاء، أو استخدام العنف في اطار العلاقات سواء كانت حقيقية او محسوسة من قبل احد الاطراف، وذلك بالتصالح مع من قام بالعمل الوحشي اثناء النزاع بما يبني الثقة مجدداً فيما بينهما، وايضاً من ناحية الاجراءات فأنها تتضمن استراتيجية او منهجية تتبناها الدولة، من اجل حل النزاع أو الخروج من الازمة، جراء اعمال العنف وما شابهها واستعادة السلم وافك النزاعات الداخلية التي يمكن ان تهدد أمن واستقرار الدولة، من خلال الاجراءات او الخطوات او الاليات التي تستخدمها الدولة في اعادة انشاء العلاقات بين الاطراف التي نشأ فيما بينهما صراع أو انتهاك قام بها طرف ضد الطرف الاخر.

والمصالحة الوطنية ليست تلك المصالحة أو التصالح بين قوى سياسية متضامنة، وإنما هي مصالحة مع الوطن وموارده وثرواته وخياراته وقراراته المستقلة وسيادته ومكانته التي ينبغي أن تستوي على سنامة التقدم وجوهرة الحياة الكريمة للمواطنين والحماية للأراضي وصيانتها والدفاع عنها، وهي بذلك مصالحة تتجاوز ما يتبادر إلى الذهن من صور تعود عليها الوطن وعاشها المواطن في المراحل السابقة وفي حلقات متباعدة من الفعل الثأري والصراع السياسي بين قوى أراد كل منها بلوغ سدة السلطة والقبض على الكرسي الحكم وشؤونه العسكرية والعنف السياسي الدامي، لا سيما في الفترات الانتقالية والتحولات السياسية التي تمر بها البلدان إذ تتسم في أكثر الأحيان بأنها كون مصحوبة بالعديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فأن أياً من هذه التحديات يكون له التأثير الأقوى والمباشر على سلامة الوطن([6]).

لذلك فان اجراء المصالحة الوطنية بين فئات المجتمع المختلفة او المتناحرة يجعل الدولة بحاجة الى منهجية وبرنامج منظم، لان اجرائها يستلزم عملاً شاقاً وطويلاً خصوصا تلك النزاعات العرقية والطائفية التي لا يمكن حلها بالانقسام الجغرافي لذلك فان عملية المصالحة يجب ان تنطلق من فكرة المواطنة والشراكة في صنع المستقبل، وبناء على ما تقدم يمكننا تعريف المصالحة الوطنية على انها (بناء علاقات جديدة بين الاطراف بعد تمزيقها جراء نزاعات داخلية على اساس الحوار، وتحديد المسؤولية للجناة لضمان القصاص العادل، وتعويض واحترام حقوق الضحايا وعدم تكرار اخطاء الماضي، وبعدها التسامح بما يؤدي الى تحقيق التعايش السلمي ومعالجة الاسباب الجذرية للنزاع بغية عدم تكرار احداث الماضي)

فرع ثاني

مقومات تحقيق المصالحة الوطنية

أن المصالحة الوطنية بوصفها وسيلة ناجحة في القضاء على اتون الصراعات والعنف الداخلي للدول واعادة الامور لمسارها الطبيعي لتحقيق الاستقرار والسلام الاجتماعي المنشود، تحتاج الى جملة مقومات أو دعائم ان صح التعبير كي تتحقق وتنجح في كونها أداة لإنهاء ولإزالة اثار الصراع والاقتتال الداخلي وتلك المقومات عديدة وتتضمن وسائل قد تكون قانونية أو سياسية أو اجتماعية ونتطرق لأهما وهي:

أولاً: الوسائل السياسية والقانونية: يعد الإصلاح السياسي وتنظيم العمل المؤسساتي أحد أهم المداخل الأساسية لضمان تحقيق المصالحة وعدم تكرار ما جرى من انتهاكات، وتوفير الضمانات الدستورية والقانونية للحماية من ذلك، ويشمل هذا الإصلاح عدة مجالات، من أبرزها الإصلاح الدستوري ومراجعة القوانين وضمان استقلال القضاء والنهوض به وإخضاع مؤسسات الأمن للرقابة، وتوفير شروط الحكامة الجيدة على قاعدة من الشفافية والمساءلة، وتدريب موظفي الدولة العاملين في القضاء والأمن والجيش والإعلام([7]).

ثانياً: المحاسبة واقرار المسؤولية: تعد المحاسبة عن انتهاكات حقوق الإنسان واتخاذ الإجراءات الجزائية في حق مرتكبيها مسئولية الدولة، وذلك طبقاً لمقتضيات القانون الدولي والالتزامات التي أخذتها كل دولة على عاتقها من خلال انضمامها إلى عدد من الاتفاقيات والمعاهدات التي صادقت عليها، إلا أن التجارب الدولية توضح أن هذا الإلزام يبقى معتمدًا بشكل أو بآخر على توافر الإرادة السياسية والأولويات المحددة في سياق البناء الديمقراطي ومدى توفر المؤهلات اللازمة لاضطلاع القضاء بدوره كاملاً وبتجرد، وأهم صور المحاسبة هي المحاسبة الجنائية إذ تبقى خيارًا له دواعيه وأهدافه في مسلسل معالجة ماضي الانتهاكات وتتمثل أساساً في المساهمة في الردع عن ارتكاب انتهاكات جديدة، والتعبير عن الإدانة الرسمية للجرائم، وتعكس انخراط الدولة في بناء مقومات احترام القانون، وكذلك بناء الثقة في سياسة الدولة ومؤسساتها([8])، ومن هنا يأتي دور السياسة الجنائية الحديثة في تفعيل احكام التجريم والعقاب على كل الانتهاكات وتحديد المسؤولية الجنائية للأفراد وضمان عدم الافلات من العقاب لتحقيق العدالة الجنائية وانصاف الضحايا.

ثالثاً: جبر الضرر: لا يقل جبر الضرر أهمية من المحاسبة والمسألة ولا يعد كونه تعويضاً ماديًا للضحايا فقط، بل يمتد ليصبح بمثابة إقرار بمسئولية الاطراف المتنازعة عن انتهاكات حقوق الإنسان، وبوجوب جبر الأضرار المترتبة عن ذلك وفقًا لمقتضيات القانون الدولي ذات الصلة، كما أن ذلك جزء من رد الاعتبار يأخذ في الحسبان انعكاسات ما تعرض له الضحايا وأوضاعهم المهنية والمالية وممتلكاتهم وانعكاسات ذلك على أسرهم، وقد تمت بلورة مجموعة من المعايير الدولية خلال عقود تراكمت فيها النظريات والآليات ذات الصلة بمفهوم جبر الضرر، كالتعويض المادي والمعنوي للضحايا([9])، ويأخذ أيضاً جبر الضرر صورة التذكار من خلال حفظ الذكرى للضحايا كتعويض معنوي واقرار بعظمة ما قدموه من تضحية وتخليداً لذكراهم ومن جانب اخر لتذكير الاجيال القادمة بمآسي الصراعات واخذ الدروس منها كي لا تتجدد مستقبلاً.

المطلب الثاني

مفهوم السياسة الجنائية

ابتدأً نقول أن السياسة الجنائية لكل بلد هي جزء من سياسة الدولة في مكافحة الجريمة وحماية المجتمع من أثارها، وذلك يكون حسب المفاهيم والرؤى السائدة فيه سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم ثقافية هذا بالإضافة إلى المصلحة الاجتماعية التي تعكس كل هذه الرؤى جميعها، فمثلما توجد سياسة اقتصادية ومالية وتجارية واجتماعية للدولة، توجد السياسة الجنائية التي تشكل جزء من سياسة الدولة التشريعية وانعكاس لمظهر سيادتها في الجانب القانوني، من خلال الوسائل التشريعية التي تتبعها في القوانين المعنية في مضمار مكافحة السلوكيات المضرة بالمجتمع ومصالح الأفراد من خلال تجريمها وفرض العقاب على مرتكبيها، ولبيان مفهوم السياسة الجنائية يحتم علينا الولوج في تحديد معناها الاصطلاحي ابتدأً، ومن ثم نبين جوانبها، وضمن الفرعيين الآتيين:

الفرع الأول

تعريف السياسة الجنائية

أن مفهوم مصطلح السياسة الجنائية تطور تبعاً لتطور مفهوم علم الإجرام ومدارسه ونظرياته، وعندما رست نظريات علم الإجرام على النظريات الاجتماعية المعاصرة رسا مفهوم السياسة الجنائية على أنها التنظيم العقلاني لرد الفعل الاجتماعي ضد الجريمة في مجتمع معين وفي وقت معين، فتحدد السياسة الجنائية المصالح الاجتماعية الجديرة بالحماية مع بيان العقوبات الأكثر ملائمة وفعالية في تحقيق الغرض منها، وعليه فإنها تتناول بالدراسة والتحليل تقييم مدى ملائمة التجريم والعقاب في النظام القانوني القائم للدول([10]).

وبناءً على ذلك فان السياسة الجنائية مصطلح يدل على الخطة التي تتبناها الدولة في حماية مصالحها ومجتمعها من الظواهر الإجرامية المنحرفة([11])، سواء كان ذلك ضمن القواعد الجنائية الموضوعية (التجريم والعقاب) أم القواعد الجنائية الإجرائية الشكلية، وتختلف هذه السياسة وتتباين من دولة لأخرى ومن زمان لأخر، حسب الأولويات والمصالح التي ترعاها وما تتطلبه من سبل للحفاظ عليها، لذا فأن مصطلح السياسة الجنائية يرجع إلى الفقيه الألماني فور باخ (Feuerbach)إذ كان أول من استعمله في بداية القرن التاسع عشر وبين مفهومه على أنه يدل على حكمة الدولة في مجال مكافحة الإجرام،وقد قصد به مجموعة الوسائل التي يمكن اقتراحها من قبل المشرع أو اتخاذها بواسطته في وقت معين في بلد ما من أجل مكافحة الإجرام فيه([12])، وبذلك أن ﺟﻤﯿﻊ النشاطات المبذوﻟﺔ لوﻗﺎﯾﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ من اﻟﺠﺮﯾﻤﺔ وﻣﻌﺎﻟﺠﺔ الوضع اﻻﺟﺮاﻣﻲ ﺑﺸﻜﻞ عام يمكن عدها سياسة جنائية على اعتبار أن اﻟﺠﺮﯾﻤﺔ ﺧﺮوج ﻋﻠﻰ الضوابط السلوﻛﯿﺔ اﻟﺘﻲ حددها اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻟﺘﺄﻣﯿﻦ ﺳﻼﻣﺔ وأمن أفراده([13]).

كما أن معنى السياسة الجنائية يتمثل في تحديد الأصول الواجب أتباعها للوقاية من الإجرام بتدابير تتخذ سواء على المستوى الفردي أم على المستوى الجماعي والمبادئ اللازمة للسير عليها في معاملة المجرمين تفادياً لإجرامهم من جديد ([14])، وهي التي تضع القواعد التي يحدد على ضوئها صياغة النصوص الجنائية سواء فيما يتعلق بالتجريم أم الوقاية من الجريمة أو معالجتها، وبعبارة أخرى أن السياسة الجنائية هي التي تبين المبادئ اللازم السير عليها في تحديد ما يعتبر جريمة وفي اتخاذ التدابير المانعة والعقوبات المقررة لها([15])، ولذا تعرف بأنها (التنظيم الفلسفي والعقلاني الذي يقوم على فكرة واضحة بالنسبة للمبادئ والحقوق والحريات السائدة في مجتمع معين والتي يتوجب على المشرع الجنائي في الحاضر والمستقبل القريب أن يسعى إلى تحقيق الحماية الجنائية لها باعتبارها اقوي أنواع الحماية القانونية من خلال التجريم والعقاب بصورة تجعل من القانون الجنائي أداة فعالة لحل المشاكل التي تثيرها الظاهرة الإجرامية في المجتمع الذي تقع فيه)([16]).

نقول في نهاية الحديث عن تعريف السياسة الجنائية بأنها (خطة الدولة أو نهجها المتبع في مكافحة ظاهرة الجريمة من خلال التشريعات الجنائية السائدة، للحفاظ على مصالح وحقوق الأفراد بما يتماشى مع القيم أو الثوابت السائدة في المجتمع، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية…، وذلك يعكس واجب الدولة ومؤسساتها المعنية بحفظ النظام وحماية الأفراد) وبذلك ترتبط السياسة الجنائية بسياسة الدولة عموماً كما أسلفنا القول في بداية الحديث عن مفهومها.

الفرع الثاني

جوانب السياسة الجنائية

أن موضوعات السياسة الجنائية تتعدد طبقاً لتطور دورها في مجالات التجريم والعقاب وتحولها من مجرد سياسة علاجية إلى سياسة جنائية وقائية، لكن مع ذلك تبقى قائمة على موضوعات أساسية تتمثل في جانب التجريم وجانب العقوبة الذان يمثلان السياسة العلاجية ومن ثم جانب التدابير الوقائية التي تمثل سياسة الوقاية من الظواهر الإجرامية مستقبلاً، وهذا ما سنوضحه في الآتي، إذ سنتطرق لجوانب السياسة الجنائية بجميع جوانبها التجريمية والعقابية والوقائية بشيء من التفصيل في النقاط الآتية:

أولاً: سياسة التجريم

تتمحور سياسة التجريم حول مسـألة أساسية تتمثل في حماية المصالح الاجتماعية والتي تقتضي حماية المجتمع والإنسان من أي شكل من أشكال الاعتداء، وتتضمن أيضاً بيان القيم والمصالح الجديرة بالحماية الجنائية، ومنع إلحاق الضرر بها أو التهديد بالمساس بها لأن الأضرار التي تنتج عن الأفعال الجرمية، ما هي إلا نشاط مخل بالحياة الاجتماعية المنظمة وفق قواعد القانون والنظام العام عموماً. لذلك أن كل مجتمع يحتفظ بقواعده وأفكاره وقيمه التي تضبط النظام الاجتماعي فيه، فالقواعد الاجتماعية تنظم سلوك الأفراد والجماعات التي تمثلهم، وبعض هذه القواعد تهتم بها سياسة التجريم فتنقلها إلى قانون العقوبات([17])، لتنظم عملية تحديد صور الجرائم وعناصرها وفق المصالح أو الحقوق المعتبرة من التجريم، ومما لا شك فيه هو أن تحديد تلك المصالح الجديرة بالحماية الجنائية يكون وفقاً لظروف واحتياجات كل مجتمع وتتأثر بتقاليده ونظامه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ويعد التجريم هو أقصى مراتب الحماية التي يضفيها التشريع على نوع معين من المصالح التي تهم المجتمع([18]).

وعند تتبع سياسة التجريم في التشريعات الجنائية العراقية فيما يخص موضوعات السلم والتعايش الاجتماعي وما يحقق ذلك نجدها قد اتبعت سياسة تجريم مشددة في جانب التجريم فيما يخص السلم الاهلي ودعم ما يحفظ الوحدة الوطنية وسلامة البلاد من اتون الصراعات الطائفية والعرقية التي تعدم معالم الوفاق الوطني والسلم الاجتماعي، ويتجلى لنا ذلك في ما ورد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 ضمن باب الجرائم الماسة بالأمن الداخلي للدولة، وبعد الاحتلال الذي تعرضت في البلاد عام 2003 وما تلاه من تحول سياسي واجتماعي كبير رافقه صراعات وجرائم عنف طائفية كادت تنهي وتقسم البلاد اتجهت السياسة الجنائي في الدولة الى اصدار تشريعات جنائية خاصة اخرى، لمعالجة ما استجد من جرائم تمس اسس التعايش والسلام الداخلي، تمثلت بسن قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 وكذلك قانون حظر حزب البعث والكيانات والاحزاب والانشطة العنصرية والارهابية والتكفيرية رقم (32) لسنة 2016 ، كل ذلك من اجل تحقيق المصالحة والوطنية والحفاظ على الانسجام الوطني لا سيما بعد التحولات والمتغيرات التي عاشتها الدولة وما صاحبها من جرائم العنف الطائفية، وعلاوة على ذلك نجد في احكام نصوص الدستور العراقي لعام 2005 والذي جاء بفلسفة جديدة ورؤية سياسية قائمة على التعدد والمشاركة ي الشؤون العامة، وحظر بموجب احكامه كل ما يعكر أو يمس اسس التعايش والتعددية والمشاركة في ادارة الدولة ومؤسسات الحكم فيها أو يهدد الانسجام والتوافق الوطني ومبادي التعددية السياسية والاجتماعية التي اقرها النظام السياسي الجديد وفق المبادئ الديمقراطية، وذلك يعد مقوم أو اساس تبنى عليه المصالحة الوطنية.

ثانياً: سياسة العقاب

أن جانب العقاب أو ما يسمى بالأثر المترتب على ارتكاب الفاعل للفعل المجرم وتحقق مسؤوليته عنه، جزء مهم من موضوعات السياسة الجنائية، إذتبين سياسة العقاب المبادئ والأسس التي يتوقف عليها تحديد العقوبات وتطبيقها وتنفيذها بما يتلاءم مع تحقيق الهدف أو الغاية المتوخاة منها، ففي المجال التشريعي تصاغ العقوبات في النصوص القانونية وتحدد أحكامها وحدودها بشكل واضح يعكس خطة المشرع وسياسته لمعالجة أثر الجريمة ومكافحتها من خلال فرض العقاب المناسب والعادل عليها، وفي المجال القضائي من خلاله يتم تحديد الأسس التي يجب اعتمادها عند الحكم بالعقوبة المحددة بنص التشريعي ببيان الحق العام في فرض العقاب وإجراءات فرضها وتحديد تنفيذها، أما المجال التنفيذي يشمل تحديد الضوابط والأحكام التي يجب مراعاتها عند وضع العقوبة موضع التنفيذ وتطبيقها على المحكوم عليه بها لكي تجني ثمارها بتحقيق الأهداف المرجوة منها([19]).

وتحديد العقوبات يأتي مكمل للتجريم الذي لا يقوم وحده بدون العقوبة، ويستأثر به المشرع ويتحدد ابتدأ بالنص من حيث الكم والنوع وبما يتناسب مع خطة المشرع وسياسته العقابية لمكافحة الجريمة، ومن ثم يأتي الدور القضائي ليحدد العقاب المناسب للجريمة بما يسمح له في مجال النص المحدد وهو ما يسمى بالتفريد العقابي، بل حتى تنفيذ العقاب وهو المرحلة المهمة والحاسمة لابد أن تكون عاكسة للسياسة العقابية المراد تحقيقها في هذا المجال من خلال أتباع أفضل الأساليب لتنفيذ العقاب بما يحقق العدالة ويؤدي دوره في التهذيب والإصلاح، وفي بعض الاحيان نجد أن السياسة الجنائية تؤتي ثمارها ليس فقط بفرض العقاب وانما بالإعفاء منه وذلك قد يحقق المصلحة ويصل للغاية المتوخاة منها، وهذا نجده في بعض الاحيان تتبع السياسة الجنائية في شق العقاب مسلك الاعفاء منه في سبيل التصالح والمسامحة التي تطلبها ضرورة المصالحة الوطنية بل تمثل اعلى درجات الرقي والثقة في اعادة العلاقات والروابط الاجتماعية ما بين الفئات المجتمعية أو التيارات المتصارعة.

ثالثاً: سياسة الوقاية

أن السياسة الجنائية الحديثة تهدف إلى أن تكون وقائية قدر الإمكان من الظواهر الإجرامية في المجتمع، أي تحاول بشتى الطرق حماية المجتمع ووقايته من الجريمة من خلال اجتثاث الظواهر المنحرفة في المجتمع([20])، وليس فقط علاج الظاهرة وبحث اصلاح المجرم وإعادة تأهيله، بل أصبحت مسألة التدابير الوقائية جزء مهم وفاعل من موضوعات السياسة الجنائية الحالية التي تتبعها غالبية الأنظمة القانونية في الوقت الحاضر، لذلك أن مفهوم السياسة الجنائية المعاصر قد تطور وتجاوز مفهومها التقليدي إذ لم يعد مقتصراً على التجريم والعقاب والتشديد في المسؤولية بل تجاوز ذلك لبحث الأسباب المؤدية للظاهرة الإجرامية وتحديد خطوتها سلفاً قبل وقوع الفعل المجرم([21])، فالسياسة الجنائية الوقائية هي التي تحدد التدابير الواجب توافرها لمواجهة في الخطورة الاجتماعية للفرد من اجل منعه من ارتكاب الجريمة وهذه السياسة هي إحدى نتاج علم الإجرام الذي تمكن من الوصول إلى معرفة أسباب الجريمة فالأصح ألا ننتظر وقوع الجريمة بل يجب التدخل قبل ذلك لمحاربة أسبابها عن طريق اتخاذ بعض التدابير التي تهدف إلى منع الجريمة والإجراءات الإدارية لأجهزة الشرطة لها دور كبير في تحقيق سياسة المنع([22])، وقد يأتي هذا النمط من السياسة الجنائية ثماره عندما يتعلق بموضوع المصالحة الوطنية إذ يمكن للتدابير المتخذة أن تمنع مستقبلاً أي منزلق نحو التطرف والصراع وهذا ما نلتمسه في قانون الاحزاب العراقي رقم (36) لسنة 2015 إذ اوجد جملة ضوابط في مسألة تنظيم الاحزاب وادارتها وكذلك ضوابط مشددة فيما يخص المنضمين وعاقب على خلاف ذلك بغية تنظيم مسارها كي لا تؤدي الى التنازع والصدام مع غيرها وبما يضمن التصالح الوطني والاستقرار السياسي ضمن مبادئ الديمقراطية ووفق احكام الدستور.

المبحث الثاني

سياسة المشرع الجنائية في أحكام التجريم واثرها في تحقيق المصالحة الوطنية

بغية مكافحة التطرف السياسي أو الاجتماعي أو الطائفي بأشكاله وصوره كافة، لضمان تحقيق المصالحة الوطنية أو ديمومة اثرها في ادامة السلام والتعايش الاجتماعي، تعمل التشريعات الوطنية على كبح جماح التيارات والتنظيمات التي تعمل وفق منهاج التعصب والتطرف بعيدة عن روح الوطنية ومبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ومكافحة تلك الظواهر نجدها في السياسة الجنائية للمشرع على مستويات التشريع كافة، تبدأ نقطة انطلاقها أو اساسها من احكام الدستور وتترجم تفاصيلها بالقوانين العقابية سواء العامة منها أم الخاصة، لذا لابد من طرح ومناقشة المواجهة الجنائية والمعالجة التي تبنتها سياسة المشرع الجنائي لظاهرة التطرف أو الصراع على جميع تلك المستويات أولها على مستوى الأحكام الدستورية ومن ثم التشريعات العقابية ودورها في ارساء دعائم المصالحة والسلام الاجتماعي، وضمن المطالب الآتية:

المطلب الأول

اسس السياسة الجنائية في التجريم وفق أحكام الدستور

أن أحكام الدستور بصورة عامة تعنى بتشريع المبادئ العامة لرسم السياسة العامة للدولة ومؤسساتها وتنظيم عملها وفقاً للرؤيا والايدلوجية السياسية والقانونية، ومن بين تلك المسائل التي تشير لها أحكام نصوص الدستور هي تشريع المبادئ الديمقراطية في مجال العمل السياسي وتداول الحكم في الدولة بما يرسخ مفاهيم الديمقراطية وروح المنافسة واحترام الآراء والتنوع الذي يمتاز به المجتمع، سواء على مستوى اجتماعي كالتنوع الاثني والقومي والديني أم على مستوى التنوع والتعدد السياسي من خلال احترام الآراء وحرية الفكر والاعتقاد السياسي ضمن اطار الدولة ومؤسساتها الدستورية والتشريعية ضمن المنافسة الديمقراطية المشروعة، بعيدة عن طرق التعصب والتطرف والخداع أو استقطاب الجماهير من خلال تبني افكار تهدف الى تعبئة الافراد على اسس مذهبية أو قومية متعصبة ومتطرفة ومنغلقة على نفسها بشكل يختزل الدولة ومؤسساتها بخندق الطائفة القومية أو المذهبية الدينية أو الحزبية السياسية وبالتالي تتحول البلاد الى ساحة صراعات تغيب فيها معالم السلم الاجتماعي.

ومن هذا المنطلق نجد أن النص الدستوري قد تبنى مصلحة السلم الاجتماعي واستقرار الدولة وضمنها في أحكام نصوصه حظر ومنع بصورة صريحة في احكام المادة (7 فقرة أولاً) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 إذ ورد فيها (يحضر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو ينهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون) من خلال هذا النص نجده قد منع بصورة صريحة كل كيان أو حزب سياسي ينتهج العنصرية والتطرف في فكره أو عمله وعده بمثابة الارهاب وهذا يشمل الافراد والكيانات السياسية على حدٍ سواء للحفاظ على استدامة الصلح والوفاق الوطني.

ورغم أن أحكام الدستور تضع مبادئ عامة وخطوط عريضة أن صح التعبير لا تتدخل بتفاصيل الأمور بل يترك ذلك للتشريع، من خلال تنظيم المبادئ الدستورية العامة في نصوص الدستور وتضمينها بشكل قوانين تعمل على تفعيل أحكامها على ارض الواقع، وفي هذا المجال نرى أن المشرع الدستوري في العراق قد أكد بشكل صريح على مسألة حظر المبادئ والافكار المتطرفة سياسية أو التي تعمل وفق النهج العنصري أو تحمل أفكار ومعتقدات سياسية سابقة كانت تستحوذ على مفاصل السلطة والحكم ولا تؤمن بالتعدد السياسي واختلاف الآراء والتنوع الفكري والمقصود فيه هنا فكر حزب البعث السابق والمنحل، إذ يراد من المنهج الدستوري الجديد في العراق أن يكون قائم على احترام التعددية التي يمتاز بها المجتمع العراقي عموماً، وهذا نابع من طبيعة الاختلاف للتركيبة الاجتماعية له وتنوعها عرقياً ودينياً ومذهبياً بل وحتى سياسياً، وجعل ذلك التعدد والتنوع قيمة حضارية ومصدر قوة في بناء الدولة وتقوية مؤسساتها، بعيداً عن كل ما يهدد تلك الميزة خصوصاً أفكار التعصب والعنصرية القائمة على اساس التحزب والانغلاق وعدم احترام أو الاعتراف بالآخر التي قد تعتنقها بعض التنظيمات السياسية أو التجمعات و التيارات الاجتماعية وذلك لضمان تحقيق السلم والمصالحة الوطنية، ومن خلال ذلك نستطيع القول بأن اساس ونقطة انطلاق مقومات تحقيق المصالحة الوطنية في اصول السياسة الجنائية للدولة تبدأ بالدستور الذي يعد المرجع التشريعي الاعلى في الدولة، والذي من خلاله نستطيع أن نلتمس اسس السياسة التشريعية بشكل عام كونها مرتبطة بالايدلوجيا السياسية ومنهج الدولة في مكافحة الاجرام في شتى المجالات للحاظ على الحقوق المصالح الاجتماعية ومنها اعتبارات المصالحة الوطنية والاستقرار الداخلي للدولة.

المطلب الثاني

سياسة التجريم وفق احكام قانون العقوبات العام

لا شك في أن مقومات تحقيق المصالحة الوطنية في ظل السياسة الجنائية تجد انطلاقها بالأساس ضمن القوانين العقابية العامة بوصفها التشريع العقابي العام المطبق في الدولة، وعند تتبع احكام قانون العقوبات العراقي رقم (١١١) لسنة ١٩٦٩ المعدل نجده قد تصدى لكل الافعال أو التصرفات التي تهدد تحقيق مشروع المصالحة الوطنية، وذلك من خلال معالجته لجرائم التعصب والتطرف الفكري الذي يستهدف اثارة الفتن والشقاق بين مكونات المجتمع العراقي، وهذا ما نص عليه صراحة في الفصل الخاص بجرائم أمن الدولة الداخلي في الكتاب الثاني منه، و يمكن ملاحظة ما ورد في نهاية الفقرة (2) من المادة (200), حيث جاء فيها (2-… يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس كل من … حبذ أو روج ما يثير النعرات المذهبية أو الطائفية أو حرض على النزاع بين الطوائف والاجناس أو اثار شعور الكراهية والبغضاء بين سكان العراق) كما جاء ايضاً في المادة (208) نصاً مكملاً لما ورد في النص الأول, اذ جاء فيه (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسمائة دينار او بإحدى هاتين العقوبتين:1ــــ من حاز او احرز بسوء نية محررات او مطبوعات او تسجيلات تتضمن تحريضاً او تحبيذاً او ترويجاً لشيء مما نص عليه في المواد(200, 201, 202) اذا كانت معدة للتوزيع أو النشر أو لاطلاع الغير عليها. 2ــــ من حاز اية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية مخصصة لطبع أو تسجيل أو اذاعة نداءات أو اناشيد أو دعاية خاصة بمذهب أو جمعية أو هيئة أو منظمة ترمي الى غرض من الاغراض المذكورة في المواد السابقة).

مما تقدم نجد أن افعال نشر التطرف أو العنصرية من قبل أي تنظيم أو حزب بهدف زرع الشقاق والكراهية بين مكونات المجتمع أو تبني مثل تلك الافكار والنهج المنحرف يمكن أن يجرم ويعاقب عليه وفق أحكام تلك المواد المتقدم ذكرها، وان لمثل تلك الافعال المجرمة العديد من الصور التي ترتكب بها, التي بينها وحددها المشرع في الفقرة (2) من المادة (200) فضلاً عن ذلك ذكر صوراً اخرى ترتكب بها هذه الجريمة في نص المادة (208). اذ حاولت هذه النصوص حماية المجتمع على اختلاف طوائفه وتنظيماته من أي افكار عنصرية ترمي الى زرع بذور الشقاق والتنافر بين هذه الطوائف لاسيما تلك التنظيمات التي تتخذ من عباءة السياسة غطاء لنشر مثل تلك الافكار المتطرفة، بما يهدد السلم المجتمعي واسس المصالحة الوطنية.

وصور الركن المادي لجريمة اثارة النعرات الطائفية والمذهبية أو الفكر المتطرف والعنصرية تجاه الاخرين قد بينها المشرع وحددها بالنصوص العقابية وهي:

  • التحبيذ لما يثير النعرات الطائفية أو المذهبية.
  • الترويج لما يثير النعرات الطائفية أو المذهبية.
  • التحريض على النزاع بين الطوائف والاجناس.
  • اثارة شعور الكراهية والبغضاء بين السكان.

وزادت على ذلك المادة (208) عقوبات عراقي مجموعة اخرى من الصور المجرمة ايضاً وبصورة شكلية بحتة وهي:

  • الحيازة للمطبوعات أو محررات أو تسجيلات تتضمن تحريضاً أو ترويجاً لشيء مما ذكر في المادة (200) او مجرد الاحراز.
  • الحيازة لأي وسيلة من وسائل الطبع أو العلانية مخصصة لطبع أو تسجيل أو اذاعة اناشيد أو نداءات أو دعاية خاصة بمذهب أو جمعية أو هيئة ترمي الى غرض من الاغراض المذكورة في المواد السابقة.

هنا يمكننا القول بأن قانون العقوبات العراقي من خلال ما تقدم ذكره من احكام قانونية يسعى من خلالها الى حماية مصلحة اجتماعية ووطنية الا وهي مصلحة السلم والتوافق الوطني والاجتماعي بين مكونات المجتمع بمختلف اطيافها الاجتماعية، للقضاء على جرائم العنف والصراع الطائفي أو الاثني الذي يهدد سلامة الوطن وامنه واستقراره الداخلي، وكل ذلك يصب في تدعيم اسس تحقيق المصالحة الوطني بل يعد ضامناً لها ويحمي مقوماتها.

المطلب الثالث

سياسة التجريم وفق أحكام القوانين العقابية الخاصة

يستخدم بعض الفقه مصطلح «التشريعات العقابية الخاصة»، مؤكدا أن مدلول قانون العقوبات لا يقتصر على مواد قانون العقوبات الصادرة بهذا الاسم، وإنما يمتد إلى كافة التشريعات العقابية الخاصة والمكملة لهذه المجموعة([23])، وهناك من يطلق تسمية «قانون العقوبات التكميلي» على مجموعة القوانين الجنائية التي تضاف إلى قانون العقوبات الأصلي أو الأساسي لكي تحمي هي الأخرى مصالح هامة في المجتمع ولكنها مصالح متطورة ومتغيرة مما اقتضى النص عليها في قوانين مستقلة عن تقنين قانون العقوبات حتى يتسنى تغييرها أو تعديلها بما يتلاءم وطبيعة المرحلة التي يمر بها المجتمع، أو تضمينها نصوصاً خاصة بها لكي تحقق حماية أوفى لتلك المصالح، مثل قوانين المخدرات والنقد والتهرب الجمركي والسلاح والمرور([24]).

واضافة لما تقدم أن أحكام التجريم والعقاب وفق أحكام التشريعات الخاصة هي مقيدة لأحكام قانون العقوبات العام في بعض الجوانب، كما انها تأتي تطبيقاً وتفعيلاً لما ورد بالنص الدستوري الذي وضع الاسس العامة في التجريم والعقاب للمصالح الأساسية لبناء مؤسسات الدولة وسلامة المجتمع، ومثال على ذلك تنفيذاً لأحكام المادة السابعة من الدستور العراقي في الحفاظ على السلم العام والقضاء على اشكال التطرف والعنصرية وكل ما يهدد مبادئ المساوات والديمقراطية وعملية التداول السلمي للسلطة، قد شرع قانون خاص تحت عنوان (قانون حظر حزب البعث والكيانات والاحزاب والانشطة العنصرية والارهابية والتكفيرية رقم 32 لسنة 2016) وقد جاء هذا التشريع العقابي الخاص لمكافحة التنظيمات السياسية أو غيرها التي تعمل وفق المنهج العنصري أو الارهابي أو أي فكر متطرف لاسيما الاحزاب والكيانات السياسية ممن لا تؤمن بالمبادئ الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، للحفاظ على المكتسبات الديمقراطية والسلم المجتمعي في البلاد وبما يحقق المصالحة الوطنية، وهذا ما مبين في الاسباب الموجه لهذا القانون.

إذ ورد في قانون حظر حزب البعث والتنظيمات العنصرية والارهابية المتطرفة نصوص خاصة لتجريم كل نشاط أو نهج عنصري تتبناه التنظيمات السياسية والاحزاب بوصفه تشريع عقابي خاص لمكافحة الفكر العنصري والتطرف السياسي بجميع اشكاله وهذا ما وضحه في نص المادة (2) منه والتي جاء فيها (تسري أحكام هذا القانون على حزب البعث المنحل وعلى كل كيان أو حزب أو نشاط أو نهج يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير…) وكذلك من أهداف هذا التشريع هو العمل على محاربة الكيانات والاحزاب التي تنهج الفكر العنصري المتطرف وهذا الأمر أكدته المادة (4 فقرة ثانياً ) من القانون بالقول (يمنع تشكيل أي كيان أو حزب سياسي ينتهج أو يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض عليه أو يمجد له أو يروج له أو يتبنى افكار أو توجهات تتعارض مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة) أضافة الى انه حدد صور التطرف العنصري بموجب أحكامه حيث أن العنصرية هي (السلوكيات والمعتقدات التي تعلي من شأن فئة لتعطيها الحق بالتحكم بفئة أخرى وتسلب حقوقها كافة لكونها تنتمي لدين أو عرق ما) ([25]). وهنا يمكن أن يكون التمييز العنصري هو الغاية أو المشروع الذي تتبناه تلك الاحزاب المتطرفة سياسياً وتعمل على تحقيقه كونه جزء من عقيدتها وفكرها المنحرف.

وكذلك بين القانون ذاته مفهوم التطهير العرقي أو الطائفي بوصفه أحد نتاجات التطرف السياسي أو يكون الغرض منه دوافع سياسية تعمل بها كيانات أو احزاب سياسية للتخلص ممن يخالف فكرها وعقيدتها السياسية وذلك بالقول أن (التطهير الطائفي: عملية الطرد بالقوة لسكان غير مرغوب فيهم من منطقة معينة على خلفية تمييز ديني أو عرقي أو سياسي…) ([26]).

كما جاء هذا التشريع بعقوبات رادعة لكل من يتبنى الفكر العنصري أو التطرف أو الاقصاء والتطهير الطائفي ضد الآخرين أو الكيانات السياسية إذ جعل هذه الجرائم من الجنايات وهذا ما يثبت لنا خطورتها ففي المادة (10) منه جاء النص على (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات كل من انتهج أو تبنى العنصرية أو التكفير أو التطهير الطائفي أو التطهير القومي أو حرض عليه أو مجد له أو حرض على تبني افكار أو توجهات تتعارض مع مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة)، وكذلك نجد في نص المادة (6) من القانون التي قضت بـ (تسري احكام المادة 4 من هذا القانون على كافة الاحزاب والكيانات والتنظيمات السياسية التي تنتهج أو تتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو تحرض علية أو تمجد له أو تتبنى افكاراً أو توجهات تتعارض مع مبادئ الاسلام والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة) وبالرجوع الى أحكام المادة (4) نجدها قد حظرت مجموعة افعال منها اعتناق الافكار السياسية القائمة على الاقصاء والتفرد بالفكر كما هو الحال في فكر حزب البعث السابق وكذلك منع ومحاربة جميع اشكال التطرف والعنصرية والتطهير الطائفي وكل ما يؤثر على مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.

واما قانون مكافحة الارهاب العراقي رقم 13 لسنة 2005 وتحديداً ما ورد في المواد الثانية والثالثة قدر جرم العديد من الصور التي تهدد السلامة الوطنية والسلم المجتمعي والاستقرار السياسي ومبدأ التداول السلمي للسلطة ففي الفقرة 4 من المادة الثانية جرم بشكل صريح كل فعل يرمي الى اثارة فتنة طائفية او اقتتال بين الطوائف المجتمعية كالحروب والصراعات الاهلية وحدد الوسيلة والطريقة في ذلك وهي تسليح المواطنين او حثهم واجبارهم على التسلح ودفعهم للاقتتال بواسطة العنف والتهديد كما افصحت عن ذلك بداية الفقرة، وايضاً ما ورد في المادة الثالثة والتي جاءت متعلقة بحماية الوضع السياسي والاستقرار لمؤسسات الحكم في الدولة من أي اعتداء كالانقلاب وتقويض سلطات الدولة او استخدام سلطاتها لأغراض لا تخدم المصالح الوطنية أو تعطيل مهام وواجبات سلطات الدولة الشرعية، وكل ذلك كان بواسطة سياسة جنائية مشددة في مجال التجريم كون موضوع الجرائم الارهابية من اخطر الجرائم التي تهدد سلامة الدولة وبالتالي تقضي على كل معالم السلم والمتصالح الوطني، فلا وجود لمصالحة وطنية في ظل انتشار العنف والارهاب، لاسيما في العراق كونه قد شهد فترة تحول سياسية واجتماعية بعد الاحتلال في عام 2003 وما نت عنها من عم استقرار سياسي وامني لذا تطلبت تلك المرحلة أو حتمت ضرورة اصدار قانون خاص يعالج تداعيات العنف والارهاب الذي استشرى ولا يزال يهدد السلم العام واستقرار البلد ووحدته.

وقانون الاحزاب الذي يعد تشريعاً خاص لتنظيم الاحزاب من حيث ضوابط تكوينها وتشكيلها ومجال عملها وكذلك تحديد اهدافها بما يتوافق مع المبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة التي اقرها الدستور، ونجد في الفصل التاسع منه والذي جاء بأحكام جزائية ففي نص المادة (46 فقرة ثانياً) منه التي اقرت بـ (يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات كل من أنشأ أو نظم أو ادار أو انتمى أو مول حزباً غير مرخص يحمل فكراً تكفيرياً أو ارهابياً أو تطهيراً طائفياً أو عرقياً يحرض أو يروج له أو يبرر له) وعند الرجوع الى ضوابط تأسيس الاحزاب بوصفها ادوات السياسة الاساسية في الدولة نجدها قد حددت شروطاً صارمة وواضحة في عملية تشكيل الاحزاب وتنظيم عملها لاسيما وأن العراق قد بدء بتجربة ديمقراطية حديثة وجاءت بظروف استثنائية وتجربة لها خصوصية من حيث توقيتها ومعطياتها لذلك نجد كثرة الاحزاب كانت رد فعل ونتيجة لسيادة فكر التطرف السياسي والتفرد بالسلطة التي كانت سائدة لعقود سابقة من تاريخ العراق السياسي المعاصر، وبذلك حدد قانون الاحزاب في شروطه أن يكون تأسيس الحزب ضمن اطر مبادئ الدستور ومنسجم مع الحياة الديمقراطية القائمة على قواعد مهمة منها احترام التعددية والاختلاف في الآراء السياسية ضمن حرية الرأي والتعبير والفكر ([27])، ويشترط كذلك في كوادر الحزب على أن يكونوا من اصحاب الايادي البيضاء أي أن لا يثبت انه سبق الحكم عليهم بدعوى الترويج لأفكار تتعارض مع أحكام الدستور([28]). بالإضافة الى أن لا يجوز تأسيس حزب على اساس عنصري أو طائفي أو افكار الاقصاء والتطرف الطائفي وأن تكون المواطنة والمساوات اساس عقيدته ومنهجه السياسي([29]).

كل ذلك يعد من الأحكام الواجب اتباعها والالتزام بها عند تأسيس وإدارة عمل الأحزاب سواء على مستوى أفكارها ومبادئها أم على مستوى اهدافها، بغية ضمان احترامها للتعددية ومبدأ التداول السلمي للسلطة، وعدم اللجوء الى وسائل التعصب والأفكار الرجعية والاقصاء للتفرد بزمام الأمور وفرض الإرادة والاعتقاد الذي تحمله على الآخرين بشكل يؤدي الى طمس معالم الديمقراطية وما ينتج عنها من مبادئ حرية الفكر والتنوع الفكري أو السياسي أو الاجتماعي عموماً، لذا حرص المشرع على ضمان هذه المسائل عند سن قانون الأحزاب إذ وضع ضوابط مهمة للحد من التطرف والعنصرية التي قد تلجئ اليها بعض الأحزاب وعدها جرائم ترتقى لمستوى الجرائم الارهابية من حيث خطرها وأثرها على سلامة المجتمع والحياة الديمقراطية في الدولة، وكل ذلك يصب في بوتقة السلم المجتمعي كعنصر مهم لتحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز سبل استدامتها في الدولة.

المبحث الثالث

سياسة المشرع الجنائية في أحكام العقاب واثرها في تحقيق المصالحة الوطنية

يعد العقاب (الجزاء) الشق الثاني للنص الجنائي والذي يمثل بدوره جزء مهم من فلسفة السياسة الجنائية للدولة في مجال العقاب، و تتجلى سياسة العقاب في بيان المبادئ الأساسية التي يتوقف عليها تحديد العقوبات و تطبيقها و تنفيذها حيث أن تحديد العقوبات يتم مكملاً للتجريم الذي لا يقوم وحده بدون العقوبة إذ أن هناك ارتباط طبيعي بين التجريم والعقاب، لذا اخذت تلك السياسة مسألة العقاب وتطور اساليبه وكيفيته وانواعه بالاهتمام من خلال المدارس الفلسفية والفكرية التي تناولت العقوبة واثرها والغرض منها كي تعد أكثر فاعلية ومنسجمة انسانياً واخلاقياً مع المبادئ التي تتبناها الدول في الوقت الحالي، ولتحقيق غايات السياسة الجنائية الحديثة في مجال العقوبات ولاسيما ما يتعلق بالمصالحة الوطنية فالأمر هنا يثير عدة مسائل بما يتعلق بشق العقاب، فالمصالحة الوطنية تتماشى وتحتاج الى فلسفة خاصة بالمعاملة العقابية التي هي في تطور مستمر والتي تهدف إلى إيجاد بدائل من العقوبة ومحاولة إصلاح وتأهيل المجرم للعودة للمجتمع باعتبار أن مآل المجرم هو العودة للمجتمع والتخلص من اثار الماضي والآلام والذكريات المحزنة والبدء بفتح صفحات جديدة يتخطى من خلالها المجتمع لمرحلة سلام وطني وانسجام مجتمعي قائم على اساس المسامحة والمصالحة بين اطيافه ومكوناتها كافة، ويتجلى ذلك من خلال سياسة عقابية تتبناها الدولة أن كان ذلك في العقاب أو الاعفاء منه أو التدابير أو الوقاية وهذا ما سيتم بحثه في المطالب التالية إذ نبين مسألة الاعفاء من العقاب والتدابير الوقائية وكالآتي:

المطلب الثاني

سياسة الاعفاء من العقاب

يعرف الاعفاء من العقاب أو العفو العام على وفق الاصطلاح القانوني (العفو العام أو الشامل أو العفو عن الجريمة) بأنه (تجريد الفعل من الصفة الإجرامية بحيث يصبح له حكم الأفعال التي لم يجرمها الشارع أصلاً أي إلغاء الجريمة وذلك بخلع الصفة الاجرامية عن الفعل وجعله فعلا مباحاً)([30])، وايضاً يقصد به (تنازل المجتمع عن حقوقه المترتبة على الجريمة كلها أو بعضها)([31])، وهناك من يرى أن العفو العام أو ما يسمى بالعفو الشامل لا يمنح إلا من قبل السلطة التشريعية ولا يصدر إلا بقانون إذ إنّ العفو العام هو نزول الهيئة الاجتماعية عن حقها في انزال العقاب ضد من يرتكب سلوكاً جرمه القانون وعن كل ما يترتب على هذا الحق من آثار([32])، وعلى ضوء ذلك أن العفو العام هو إجراء تشريعي يصدر من السلطة التشريعية يؤدي إلى سقوط الجريمة والعقوبة وانقضاء الدعوى الجزائية، علاوة على أن العفو العام أو الشامل حق للهيئة الاجتماعية، لذا فهو لا يكون إلا بقانون صادر عن البرلمان تتنازل بمقتضاه عن حقها في عقاب المتهم، فيمتنع أو يوقف السير في إجراءات الدعوى إذا صادف هذا التنازل دعوى جنائية لم يصدر في موضوعها حكم، بات أو يمحو حكم الإدانة، إذا صادف هذا التنازل حكماً صدر فعلاً في الدعوى الجزائية([33]).

الاعفاء من العقاب بشكل عام أو الاعذار المعفية من العقاب لبعض الحالات التي ينص عليها المشرع في قانون العقوبات العام أم القوانين العقابية الخاصة, ما هي الا وقائع تفرض بعد وقوع الجريمة وتحقق مسؤولية مرتكبها او المساهم فيها ويعتبرها المشرع بنصوص خاصة اسباباً للإعفاء من العقاب دون ان يمحو الصفة الاجرامية عن الفعل، أو هي الظروف التي ينص عليها القانون والتي من شانها رفع العقوبة عن الفاعل مع قيام مسؤوليته([34])، وتسمى كذلك موانع العقاب لأنها تحول دون العقوبة, رغم ثبوت الجريمة بكل اركانها, وبذلك تختلف عن موانع المسؤولية التي تتعلق بالركن المعنوي وتتحقق بانتفاء عنصر الاهلية الجنائية, ومن جهة اخرى تختلف عن اسباب الاباحة بكونها لا ترفع صفة التجريم عن الفعل, ولذلك لا يستفيد منها الا من تتوافر لديه دون غيره من المساهمين في الجريمة أي تمتاز بطابعها الشخصي, اما اسباب الاباحة فأنها ذات طبيعة مادية تتعلق بالتكييف القانوني برفع الصفة المجرمة عن الفعل فيصبح مباحاً ويستفيد منه الجميع الفاعل والمساهمون في الجريمة على حد سواء([35]).

والنص على الاعفاء من العقاب يرجع الى الفائدة العائدة للمجتمع من اعفاء الجاني من العقوبة للحد من ظاهرة الاجرام, لأنها تؤدي الى تشجيع الجاني في الكف عن التوغل في الاجرام والكشف عن الجريمة التي قد يصعب اكتشافها من قبل السلطات العامة, بالإرشاد الى بقية المساهمين فيها, او يحول دون وقوعها خصوصاً في حالة الابلاغ عنها قبل البدء في تنفيذها([36])، وكونه يمثل وجهاً للحماية وتطبيقاً لسياسة جنائية قد يتبعها المشرع في بعض الاحوال لاعتبارات معينة، اذ ممكن أن تتحقق حماية المصالح بالعقاب أو بالإعفاء على حد سواء, اذا كانت هناك مصلحة معتبرة من الاعفاء للحد من الجرائم ومكافحتها بفتح باب التوبة على من ينوي ارتكابها للتراجع عنها, او للكشف عنها اذا كانت مرتكبة من عدة مساهمين، أو لتفح افاق جديدة وتجاوز مرحلة صعبة قد تتطلبها معطيات تحقيق المصالحة الوطنية، يكون العفو وسيلة مهمة من وسائل السياسة الجنائية بوصفها احدى مقومات تحقيق المصالحة، فالتصالح بين متخاصمين بطبيعته يتطلب العفو والصفح عما حدث والبدء بفتح صفحة جديدة قائمة على التسامح والشراكة في افاق المستقبل، ونجد في التشريعات الخاصة بالمصالحة الوطنية أنها لم تغفل سياسة الاعفاء من العقاب كونه يمثل وسيلة تصالحية مهمة للأطياف المجتمعية أو السياسية المتصارعة فلا يمكن المضي بالسلام والتصالح أن لن يكن هناك عفو وتسامح، وهذا ما جاء في القسم الرابع بالمواد (16 و17) من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الجزائري رقم 06/01 لعام 2006([37]).

والاعفاء في مجال المصالحة الوطنية نابع من فلسفة العقاب نفسها، فمثلما كانت أغراض العقوبة تتراوح بين العدالة والمنفعة والردع العام، وكذلك الردع الخاص ولكن تطور السياسة الجنائية في هذا المجال ومعها أساليب المعاملة العقابية والبحث عن بدائل العقوبة تركت آثرها على مستوى التشريعات العقابية، وبات التخلي عن العقوبة، وإقرار مبدأ العفو يحقق أكثر مما تحققه العقوبة ذاتها، ونتيجة لتعاظم أزمة العقوبة، والتي تتمثل في عدم كفاية المبدأ الأساسي الذي ترتكز عليه العقوبة، وهو التكفير، والإيلام، والزيادة المستمرة في ظاهرة الإجرام، وما ظهر من مساوئ للعقوبات، فالسياسة الجنائية في العقاب اخذت تثير فكرة منح العفو للجناة من مرتكبي التجاوزات في حق المجتمع، كي يتم تعزيز مبدأ التسامح وقيم التصالح التي قد تنعكس على النفوس المنتهكة لحقوق وحرمات المجتمع وبالتالي تدفعها الى الاصلاح الذاتي والندم والاقلاع عن السلوكيات المجرمة لاسيما في ظل الصراعات والحروب الاهلية الداخلية التي تمر بها الدول في الوقت المعاصر، فمسألة الاعفاء من العقاب قد تأتي ثمارها اكثر مما يؤتيه العقاب نفسه.

وتطبيقات الاعفاء نجدها في نصوص قانون العقوبات العراقي على شكل تطبيقات خاصة في بعض الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي، إذ ورد النص على الاعفاء من العقاب في المادة (217) والمادة (218) من قانون العقوبات العراقي, فالمادة الاولى هي خاصة بالإعفاء من العقاب لجرائم معينة حددها النص اما الثانية فهي عامة لجميع جرائم امن الدولة الداخلي وبضمنها جرائم المساس بالسلم والوفاق الاجتماعي بين المكونات كصورة من صور تحقيق المصالحة الوطنية. إذ نصت المادة (217) من قانون العقوبات العراقي على أن (يعفى من العقاب من اشترك في اتفاق جنائي أو في العصابات أو الجمعيات أو المنظمات أو الهيئات أو الفروع المنصوص عليها في هذا الباب ولم يكن له فيها رئاسة أو وظيفة وانفصل عنها عند اول تنبيه من السلطات الرسمية ويجوز في هذه الحالة عقابه على ما يكون قد ارتكبه شخصياً من جرائم اخرى). والجرائم المشمولة بهذا الاعفاء الخاص هي:

  1. جريمة العضوية في عصابة لمهاجمة فريق من السكان او لاستهداف منع تنفيذ القوانين او لنهب الاموال او للاستيلاء على الاراضي.
  2. جريمة العضوية في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جريمة ماسة بالسلم الاجتماعي.
  3. جريمة العضوية في جمعيات او هيئات او منظمات اجرامية او الفروع التابعة لها والتي تعمل لأغراض تقويض السلم الاجتماعي للبلاد.

ويلاحظ أن تلك الجرائم هي من جرائم المساس بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي وبالتالي تعد من مقوضات تحقيق المصالحة الوطنية، ويشترط في هذا الاعفاء الاتي:

  1. الانفصال التام عن هذه العصابات والتجمعات.
  2. ان يكون هذا الانفصال قد تم عند أول تنبيه من السلطات الرسمية.

وقد حدد النص المذكور انفاً على ان هذا الاعفاء يشمل فقط فئة من اشترك في هذه الجرائم من غير الرؤساء والقادة لهذه العصابات والتجمعات الاجرامية أو الفروع التابعة لها, كذلك أي جريمة من جرائم الاتفاق الجنائي من غير الذين يمارسون وظيفة خاصة فيه, وبالتالي فأن مفهوم النص ينصرف الى من دخل هذه الزمر بصفة (عضو) فيها من غير العناصر الفاعلة أو المتميزة بدورها الاجرامي, واجاز النص للسلطات المختصة عقاب من يستفيد من هذا الاعفاء ان كان قد ارتكب شخصيا جرائم اخرى([38]).

واما في المادة (218) اذ جاء فيها أن (يعفى من العقوبات المقررة في المواد السابقة من هذا الباب كل من بادر بأخبار السلطات العامة قبل البدء في تنفيذ الجريمة وقبل البدء في التحقيق. ويجوز للمحكمة الاعفاء من العقوبة اذا حصل الاخبار بعد تنفيذ الجريمة وقبل البدء في التحقيق. ويجوز لها ذلك اذا سهل المخبر للسلطات اثناء التحقيق القبض على مرتكبي الجريمة الآخرين)، من الواضح ان هذا الاعفاء الوارد في النص اعفاء عام يسري على جميع الجرائم التي وردت في الباب الخاص لجرائم أمن الدولة الداخلي من قانون العقوبات العراقي, والتي تعد جرائم السلم الاجتماعي احدى فئاتها. وبالتالي فان الاعفاء عام باستثناء الجرائم الوارد النص على الاعفاء منها في المادة (217) من قانون العقوبات العراقي والتي سبق توضيح الاعفاء الخاص بها بالفقرة السابقة, وهذا الاعفاء العام الذي اوردته المادة (218) له حالتان هما: الاعفاء الوجوبي والاعفاء الجوازي.

اولاً: الاعفاء الوجوبي: وجاء النص عليه في بداية المادة ويشترط فيه شرطان:

  1. ان يتم الاخبار عن الجريمة قبل البدء في تنفيذها.
  2. ان يقع الاخبار قبل البدء في التحقيق عن الجريمة.

ثانياً: الاعفاء الجوازي: والذي اعطى بموجبه للمحكمة اعفاء الجاني من العقاب في حالة حصول الاخبار بعد ارتكاب الجريمة وقبل البدء في التحقيق عنها, وكذلك للمحكمة ايضا ان تعفي الجاني من العقاب بعد ارتكاب الجريمة اذا اخبر عنها وبعد ان تشرع السلطات المختصة بالتحقيق عنها اذا سهل هذا الاخبار للسلطات ان تلقي القبض على مرتكبي الجريمة الاخرين, كما وضحت ذلك المادة (218) من قانون العقوبات العراقي.

وكذلك نجد في التشريعات العقابية الخاص احكام معنية للإعفاء من العقاب وهذا ما جاء به قانون مكافحة الارهاب العراقي إذ اقر عفو خاص من العقوبة على الجرائم الارهابية لكل من يخبر السلطات المختصة قبل اكتشاف الجرائم الارهابية وساهم هذا الاخبار في القبض على باقي المساهمين فيها أو احال دون تنفيذ الجريمة الارهابية، ويمكن أن يخفف العقاب في حالة أن الاقدام بشكل طوعي على تقديم معلومات مفيدة للسلطات المختصة بعد أن تكتشف الجريمة وتساعدها في الوصول الى ضبط المساهمين وتقديمهم للعدالة([39]). لقد تبين لنا مما تقدم أهمية اصدار قوانين العفو المتخذة من قبل بعض الدول هو تحقيق المصالحة ومداواة الجراح وعدم العودة للنزاع مجدداً وهي اداة فعالة من اجل تحقيق السلام المرحلة ما بعد النزاع، كما تجدر الاشارة الى أن هناك دول قد شرعت قانون خاص للعفو كخطوة مهمة نحو ارساء مصالحة وطنية شاملة وهذا ما نجده في الجزائر التي عانت لسنوات طوال من صراع سياسي اخذ شكل اقتتال بين تيارات اسلامية واخرى مدنية مسنودة بالجيش الا أن استقرت بعد تلك السنوات العجاف والتي تعرف بالعشرية السوداء وكان من أهم وسائل انهاء ذلك الصراع واحلال السلم والمصالحة هو تشريع قانون عفو خاص يعرف بـ(ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الجزائري رقم 06/01 لعام 2006).

المطلب الثاني

سياسة التدابير والمنع (الوقائية)

تمثل سياسة المنع الجانب الوقائي وذلك بتهيئة الظروف اللازمة التي تحول دون وقوع الجريمة، ذلك أن لكل جريمة أسباب ومقدمات وقد مكن علم الإجرام من الكشف عن بعض العوامل التي تنذر بارتكاب الجريمة، فتكون الوقاية تبعا لذلك على مستوى هذه الأسباب والعوامل فسياسة المنع هي التي تحدد التدابير الواجب توافرها لمواجهة الخطورة الاجتماعية للفرد من اجل منعه من ارتكاب الجريمة وهذه السياسة هي إحدى نتائج علم الإجرام الذي مكن من الوصول إلى معرفة أسباب الجريمة، فمن الخير أن لا ننتظر وقوع الجريمة بل يجب التدخل قبل ذلك لمحاربة أسبابها عن طريق اتخاذ بعض التدابير التي تهدف إلى منع الجريمة([40])، وفي التشريعات العراقية تأخذ السياسة الجنائية شكل التدابير الاحترازية([41]) التي تضمنتها في النصوص العقابية.

وتعد السياسة الوقائية من المفاهيم التي برزت ببروز حركة الدفاع الاجتماعي([42])، ولا ريب أنها فرضت ذاتها كأحد أسس السياسة الجنائية المعاصرة، إذ تعد مطلباً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه، بالنظر إلى الواقع ومعطياته، والذي يؤكد على أن التشريعات الجنائية، والمواجهة الأمنية لوحدها غير كافية لتحقيق الوقاية من الجريمة، وأيضاً لم يكن بمقدور الوسائل التقليدية توفير الحماية اللازمة، والقضاء على الانحراف السلوكي وأسبابه كما لا تستطيع السياسة الجنائية أن تحقق غاياتها، إلا باعتماد سياسة الوقاية بالمفهوم الحديث ضمن أولويات برامجها، وخططها الاستراتيجية التنفيذية، فالسياسة الجنائية قبل الحدث أي قبل وقوع الفعل الإجرامي، تتمثل بالسياسة الوقائية، وهذا هو مجال عملها واختصاصها، إذ تهدف إلى وقاية الأسوياء من الوقوع في مسالك الانحراف والجريمة، ومقاومة كل ما يؤدي إلى ظهور النوازع الجرمية والحيلولة دون بروز الشخصية الإجرامية قدر المستطاع من خلال وسائل، وإجراءات عملية تطبيقية([43]).

تتمثل مظاهر سياسة المنع التي تبناها التشريعات الوطنية في حظر النشاط السياسي للأشخاص الذين كانوا مسؤولين على الاستغلال المغرض للدين أو للتيارات والاحزاب السياسة أو للمجالات الاجتماعية المختلفة كالامتداد العرقي أو القبلي، واستخدامها للتحشيد والدفع باتجاه الصراعات الداخلية لتحقيق مكاسب وانتصارات معينة لمصالح شخصية أو لمشاريع تسلطية على حساب المكونات الاخرى في البلاد، فضلاً عن الأشخاص الذين ارتكبوا الجرائم الإرهابية وكذلك الحرمان من الإدماج في بعض المناصب، توخياً لعدم تكرار المآسي والصراعات التي تمزق الوحدة الوطنية وتقضي على اسس التعايش الاجتماعي بين مكونات الشعب.

وفي العراق يمكن أن تتخذ تدابير احترازية لمنع وقوع صدامات مستقبلاً للحفاظ على السلم المجتمعي ودامة المصالحة الوطنية، كما أن بعض التشريعات الخاصة في الدول وبقصد تفادي تكرار الصراعات الداخلية ولغرض تحقيق وادامة المصالحة الوطنية يعمد إلى حظر النشاط السياسي للأشخاص الذين استعملوا أساءوا للقيم المجتمعية سواء كانت دينية أو عرقية أو سياسية، واستعملوها استعمالاً مغرضاً الأمر الذي أفضى إلى المأساة الوطنية والصراعات بالإضافة إلى الأشخاص الذين شاركوا في الأفعال الإرهابية ويرفضون بالرغم من الخسائر التي سببها الإرهاب و استعمال الدين لأغراض إجرامية الإقرار بمسؤوليته في وضع وتطبيق سياسة تمجد العنف ضد البلد ومبادئ التعايش السلمي ومؤسسات الدولة، ومن جهة أخرى منع بعض الأشخاص من إعادة ادماجهم في مناصبهم الأصلية والاعتماد على تعويضهم أو إدماجهم في منصب آخر بديل وهذا حرصاً من المشرع على تفادي تكرار المأساة الوطنية نظرا لحساسية المناصب التي كانوا يتولونها أي أن المصالحة في هذا الموقف بالذات لا تعني عدم الوقوف على الأسباب المؤدية للإرهاب أو العنف الطائفي، مما يعنى أن المشرع اتخذ تدابير وقائية لمنع تكرار وقوع الصراعات الطائفية وهي تدخل في إطار سياسة منع الجريمة وهذا المنع بعد صورة من صور السياسة الجنائية الوقائية([44]).

الخاتمة

نبين في خاتمة الموضوع أهم الاستنتاجات التي توصلنا إليها من خلال البحث والدراسة فيه، ومن ثم نطرح ما نراه من توصيات بشأنه، وذلك في الفقرات الآتية:

أولاً: الاستنتاجات

  1. أن السياسة الجنائية تمثل خطة وطريقة الدولة ومؤسساتها المعنية في مكافحة الجريمة للحد من ظاهرة الأجرام ومكافحتها، وتطور هذا المفهوم بتطور النظريات العلمية ودور الدولة في مجال ضبط وحماية المجتمع والحفاظ على حقوق أفراده والمصالح الاجتماعية عموماً، وغدا مصطلح السياسة الجنائية بمفهومه المعاصر يدل على خطة الدولة المتمثلة بإجراءاتها التشريعية التي تضعها لمعالجة الجريمة والحد منها قدر الإمكان وكذلك معالجة أثارها على الأفراد في المجتمع، بمعنى ابسط أنها تدل على خطط مكافحة الجريمة ووقاية المجتمع منها.
  2. تطور مفهوم السياسة الجنائية مع تطور الأفكار العلمية في هذا المجال وبكونه مرتبط بالمؤسسات العامة للدولة كما أسلفنا فأنه أخذ يتنوع بتنوع طرق مكافحة الجريمة، فلم يقتصر مفهوم السياسة الجنائية على العلاج فقط أي التجريم للأفعال المنحرفة والعقاب عليها، بل أخذ دور الوقائية من تلك الظواهر الإجرامية فأصبح هناك أنواع للسياسة الجنائية، وتعددت إلى سياسة تجريم وسياسة عقاب وسياسة تدابير أو وقاية
  3. تبين أن مصطلح المصالحة الوطنية عبارة عن مفهوم يشير الى عملية منظمة وبخطوات على عدة مسارات سياسية وقانونية واجتماعية تتخذها الدولة لإرساء دعائم السلم والانسجام المجتمعي بين اطياف المجتمع داخل الدولة، فيتسع ليشمل عدة جوانب تتظافر فيها الجهود لتحقيق السلام بعد انهاء الصراعات مهما كانت اسبابها سواء كانت سياسية أم اجتماعية ام دينية ام عرقية، وتلك العملية او البرنامج (المصالحة الوطنية) تقوم او تعمل على وفق مقومات عدة منها سياسية كالمشاركة في القرار السياسي ومؤسسات الحكم العامة، وقانونية من خلال المساءلة القضائية وضمان تطبيق العدالة من خلال القصاص العادل، واجتماعية تتخذ شكل الاندماج وتعويض الضحايا وحفظ ذكراهم وتوعية الاجيال القادمة والحالية بضرورة السلام الداخلي واهمية التصالح وتذكيرهم بالمآسي وانعكاساتها على استقرار الدولة ووجودها.
  4. اتضح لنا من خلال بحث اوجه السياسة الجنائية لاسيما جانبها التجريمي أن اسس السلم المجتمعي الذي يعد أحد اهم غايات او الاهداف التي تسعى المصالحة الى بلوغها، قد تبناها المشرع القانوني على كل مستويات التشريع بالمنظومة القانونية للدولة، بدأً بالمنظومة الدستورية إذ اشار دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥ في المبادئ العامة له وتحديداً في نص المادة (٧) بالفقرة (١) على وضع الاسس التي من خلالها تنهض مقومات المصالحة الوطنية، بوصفه التشريع الاساس والأسمى بالمنظومة القانونية للدولة، ومن بعده تولت التشريعات العقابية سواء العامة منها أم الخاصة مسألة حماية اسس تلك المصالحة وادامتها.
  5. أن سياسة التجريم التي تبنتها التشريعات العقابية العراقية العامة والخاصة على حد سواء جاءت بأحكام قانونية مفصلة للعديد من صور السلوكيات التي تهدد اسس السلم والمصالحة الوطنية وضمن سياسة جنائية علاجية تجرم افعال معينة تهدد السلم العام للدولة الذي يعد بمثابة قيمة قانونية ومصلحة سامية للدولة والمجتمع ورأينا ذلك من خلال تجريم عدة صور في قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل كجريمة اثارة النعرات الطائفية او المذهبية وجريمة اشعال الحرب الطائفية وجريمة التحريض على الصراعات بين الطوائف والاجناس في المجتمع العراقي وغيرها من صور الجرائم الماسة بالأمن الداخلي للدولة، ونجد ايضاً في التشريعات العقابية الخاصة صور اخرى مجرمة هدفها الحفاظ على اسس السلم والتصالح الوطني كجرائم اثارة الكراهية والافكار المتطرفة والعنصرية بين الاطياف الاجتماعية كما بينها المشرع في قانون حظر حزب البعث والافكار العنصرية المتطرفة لسنة ٢٠١٦ ونجد ايضاً صوراً خاصة اخرى في التشريعات العقابية الخاصة كقانون مكافحة الارهاب لسنة ٢٠٠٥ الذي جرم الافعال الارهابية التي تثير الرعب عن طريق اثارة الكراهية والصراعات الطائفية، وكذلك في قانون الاحزاب جاء فيه بعض الاحكام الخاصة لتجريم التطرف والتعصب السياسي الذي قد تتبعه بعض الاحزاب او التنظيمات السياسية بالشكل الذي يؤدي الى التعصب والاقصاء مما ينعكس سلباً على اسس المشاركة السياسية بما يضمن معها حماية المصالحة والسلم الوطني.
  6. وجدنا من خلال بحث الجانب العقابي في السياسة الجنائية ان احكام التشريعات الجنائية قد جاءت بسياسة مشددة في العقاب، لغرض تشديد الحماية القانونية الجنائية للمصالحة الوطنية، ورغم ذلك لم تغفل سياسة الاعفاء التي تعد احدى صور سياسة العقاب الحديثة وتتماشى مع متطلبات تحقيق المصالحة الوطنية من خلال وسيلة التسامح بين الاطراف التي تعد أحد أهم خطوات برنامج المصالحة، فرأينا ان سياسة الاعفاء من العقاب كانت حاضرة وبصور اما بأحكام خاصة في القوانين العقابية العامة او الخاصة كما هو الحال في العراق، او بوساطة تشريع خاص لتنظيم احكام الاعفاء من العقاب لاسيما ان كان احد الوسائل القانونية لتحقيق المصالحة الوطنية، وهذا ما اخذت به الجزائر كونها عاشت تجربة مريرة من الصراع الداخلي والحرب الاهلية ولسنوات عديدة فكان احد اهم وسائل انجاح المصالحة الوطنية هو تشريع قانون خاص سمي بقانون ميثاق المصالحة الوطنية لسنة ٢٠٠٦.
  7. كما أن التشريعات الجنائية وتطبيقاً لسياسة المنع او الوقاية بصورتها الحديثة لم تغفل جانب الوقاية او الحظر لبعض النشاطات التي قد تؤدي الى صراعات واحتراب داخلي فعمدت بعضها الى منع مزاولة النشاطات او حظر كلي لبعض الجهات او التنظيمات الاجتماعية او السياسية وعدم اعطائها دور اخر في الدولة والمجتمع لاسيما التي تورطت بشكل مباشر في الصراع ولم تعد لها مقبولية اجتماعية وثبت اجرامها بحق المجتمع والسلم العام.
  8. واخيراً استنتجنا ان اسس السياسة الجنائية وبصورها المعروفة كانت حاضرة ومترجمة في التشريعات الجنائية العراقية فيما يخص موضوع المصالحة الوطنية وضمان السلم الاجتماعي ام غير ذلك من المواضيع، فتلمسنا جوانبها سواء سياسة التجريم ام العقاب ام الوقاية في مختلف التشريعات العقابية العامة والخاصة على الرغم من ان العراق لم يشرع قانون خاص لموضوع المصالحة الوطنية لكن معالجة موضوعها وحماية اسسها كانت حاضرة في قانون العقوبات او القوانين الخاصة الاخرى، لا سيما وان العراق قد شهد فترات عصيبة من عدم الاستقرار السياسي والامني بعد التغيير الذي حصل فيه بعد عام ٢٠٠٣ لذلك جاء بسياسة جنائية جديدة لمعالجة متطلبات المرحلة التي خاضتها البلاد ونتج عن ذلك قوانين عقابية خاصة الى جانب قانون العقوبات العام.

ثانياً: التوصيات:

  1. نوصي المشرع العراقي بضرورة مراجعة نص المادة (200 فقرة2) بتعديلها من خلال فصل صور جريمة التحريض على الكراهية عن غيرها من الصور المجرمة الأخرى بجعلها في مادة مستقلة، كونها تمثل احدى صور الجرائم الماسة بأسس المصالحة والسلم المجتمعي.
  2. نوصي بوضع نص عقابي خاص ضمن احكام قانون العقوبات في باب الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي، لمعالجة الفكر المتطرف والعنصرية وبشكل مباشر وواضح بدل من نص المادة (٢٠٠) التي جاءت بأحكام عامة للحفاظ على السلم العام والتصالح المجتمعي في البلاد.
  3. ولضمان ادامة المصالحة والسلام في المجتمع نوصي بوضع نص خاص يجرم الفكر العنصري والتطرف السياسي الذي تعتنقه بعض الاحزاب السياسية وبشكل صريح ضمن قانون حظر حزب البعث والتنظيمات العنصرية او الارهابية المتطرفة افضل مما هو عليه الحال في نصوص المواد (٤) و (٦) من أحكام القانون كونهما قد جرما عدة صور مجرمة اخرى كحظر حزب البعث والكيانات الارهابية مع الاشارة الى مسألة التطرف الفكري والعنصرية عموماً، كون تلك الاحزاب العنصرية والتي تعتنق الفكر المتطرف سياسياً يكون تأثيرها أكبر وأخطر على سلامة الدولة ومؤسساتها الدستورية.

المصادر:

أولاً: الكتب

  1. د. احمد فتحي سرور، اصول السياسة الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972
  2. د. احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات- القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1981.
  3. د. تامر احمد عزات، الحماية الجنائية لأمن الدولة الداخلي، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007.
  4. د. رمسيس بهنام، المجرم تكويناً وتقويماً، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1981

د. رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي المصري، ط ۳، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، ١٩٦٥

د. سعد ابراهيم الاعظمي, موسوعة الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي, ط1, دار الشؤون الثقافية العامة, بغداد, 2000.

  1. د. علي حسين الخلف ود. سلطان عبد القادر الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، مؤسسة الرسالة، الكويت، 1982.

د. علي عبد القادر القهوجي، شرح قانون العقوبات، القسم العام، دراسة مقارنة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2002.

  1. د. فهيل جبار جلبي، المصالحة الوطنية في العراق، مطبعة خاني، دهوك، 2014.
  2. د. محمد بن المدني بوساق، اتجاها السياسة الجنائية المعاصرة والشريعة الاسلامية، ط1، مركز الدراسات والبحوث – اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية، الرياض، 2002، ص57.

د. محمد زكي أبو عامر ، قانون العقوبات القسم العام دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، ٢٠٠٧

  1. د. محمد عوض، قانون العقوبات- القسم العام، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 1987.

د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات القسم العام، ط ١٠ ، مطبعة جامعة القاهرة، ۱۹۸۳

  1. د. محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، ط3، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988.
  2. د. منذر كمال عبد اللطيف، السياسة الجنائية في قانون العقوبات العراقي، دار الرسالة للطباعة، بغداد العراق 1978.
  3. د. نديم الجابري، المصالحة الوطنية في العراق- العقد ومعالم الطريق، مؤسسة الفضيلة للراسات والنشر، بغداد، 2008.
  4. د. هاشم محمد احمد الجحيشي، السياسة الجنائية في جرائم الاخلاق – دراسة مع أحكام الشريعة الاسلامية، دار الكتب القانونية، القاهرة، 2017
  5. علاء شلبي وآخرون، العدالة الانتقالية والمصالحة في السياقات العربية، ط1، المنظمة العربية لحقوق الانسان، القاهرة، 2014

محمود عبد العزيز محمد, الاعتراف – الدليل والتدليل – فقهاً وقضاءً, دار الكتب القانونية, مصر, 2009

ثانياً: الرسائل الجامعية

  1. حمد الغياط، السياسة الجنائية وحماية حقوق الحدث الجانح في المغرب، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة، كلية علوم التربية ، الرباط – المغرب،2006 .
  2. طلال عبد حسين البدراني، الشرعية الجزائية، أطروحة دكتوراه، جامعة الموصل- كلية القانون، 2002.
  3. عبد العزيز بن حمود بن عبدا لله الشثري، التسول في نظام الاتجار بالأشخاص السعودي- دراسة تأصيلية مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية- كلية الدراسات العليا، الرياض- السعودية، 2010.
  4. عبد النور منصوري، المصالحة الوطنية في الجزائر من منظور الأمن الإنساني، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة الحاج الخضر- باتنة، الجزائر، ٢٠٠٩ – ٢٠١٠

ثالثاً: البحوث

  1. د. افراح جاسم محمد، المصالحة الوطنية ودورها في تعزيز العدالة الانتقالية، مجلة العلوم القانونية والسياسية، جامعة ديالى، عدد2، جزء 2، 2022.
  2. د. بدرية صالح عبدالله، المصالحة الوطنية في ليبيا بعد عام2011-2012، مجلة العلوم القانونية والسياسية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية –جامعة بغداد، عدد2، جزء 1، 2022.
  3. د. خليفة ابراهيم عودة، لجنة المصالحة الوطنية ودورها في تعزيز العدالة، مجلة العلوم القانونية والسياسية، جامعة ديالى، عدد2، جزء1، مجلد 11، 2022.
  4. د. قريب بلال، المصالحة الوطنية في العراق، مجلة جبل- مركز البحث العربي، جامعة بسكرة- الجزائر، عدد ١٥، ٢٠١٦.
  5. د. علي حمزة عسل ونورس احمد كاظم، السياسة الجنائية الوقائية في حماية الامن الفكري، مجلة رسالة الحقوق، جامعة كربلاء، ع1، 2023.
  6. د. محمد على سالم وجاسم صالح شريف، إشكاليات تطبيق قانون العفو العام وموقف القضاء العراقي، مجلة الحلي للعلوم القانونية والسياسة العدد 1، السنة السادسة، 2020
  7. الطيب بلواضح، السياسة الجنائية لمكافحة الفساد في الجزائر، مجلة كلية الحقوق- جامعة النهرين، ع19، الاصدار6، 2017.
  8. نوار دهام مطر الزبيدي، السياسة الجنائية للمشرع العراقي في مواجهة جرائم الفساد، مجلة المنصور، ع25، 2016.

رابعاً: الدساتير والقوانين

  1. دستور جمهورية العراق لعام 2005
  2. قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل.
  3. قانون مكافحة الارهاب العراقي رقم (13) لسنة 2005.
  4. ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الجزائري رقم ( 06/01 ) لعام 2006.
  5. قانون الاحزاب العراقي رقم (36) لسنة 2015.
  6. قانون حظر حزب البعث والكيانات والاحزاب والانشطة العنصرية والارهابية والتكفيرية رقم (32) لسنة 2016.

خامساً: الانترنيت

  1. أسامة صلاح محمد، محورية الامن الفكري في مواجهة التطرف الديني وفق السياسة الجنائية المعاصرة في مكافحة الجريمة، بحث منشور في الانترنيت، الموقع: https://www.researchgate.net/publication/326113609
  2. زياد مزهر، السياسة الجنائية لمكافحة المخدرات في فلسطين، بحث منشور في الانترنيت، الموقع: http://www.lawjo.net/vb/showthread.php?3620
  1. () عبد النور منصوري، المصالحة الوطنية في الجزائر من منظور الأمن الإنساني، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة الحاج الخضر- باتنة، الجزائر، ٢٠٠٩ – ٢٠١٠، ص ٦٩
  2. () د. قريب بلال، المصالحة الوطنية في العراق، مجلة جبل- مركز البحث العربي، جامعة بسكرة- الجزائر، عدد ١٥، ٢٠١٦، ص ١٦٢.
  3. () د. فهيل جبار جلبي، المصالحة الوطنية في العراق، مطبعة خاني، دهوك، ٢٠١٤، ص ٢٦.
  4. () د. نديم الجابري، المصالحة الوطنية في العراق- العقد ومعالم الطريق، مؤسسة الفضيلة للراسات والنشر، بغداد، 2008، ص 5.
  5. () د. بدرية صالح عبدالله، المصالحة الوطنية في ليبيا بعد عام2011-2012، مجلة العلوم القانونية والسياسية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية –جامعة بغداد، عدد2، جزء 1، 2022، ص 16.
  6. () د. افراح جاسم محمد، المصالحة الوطنية ودورها في تعزيز العدالة الانتقالية، مجلة العلوم القانونية والسياسية، جامعة ديالى، عدد2، جزء 2، 2022، ص 461.
  7. () علاء شلبي وآخرون، العدالة الانتقالية والمصالحة في السياقات العربية، ط1، المنظمة العربية لحقوق الانسان، القاهرة، 2014، ص 42.
  8. () د. بدرية صالح عبدالله، مصدر سابق، ص17.
  9. () د. خليفة ابراهيم عودة، لجنة المصالحة الوطنية ودورها في تعزيز العدالة ، مجلة العلوم القانونية والسياسية، جامعة ديالى، عدد2، جزء1، مجلد 11، 2022، ص 468.
  10. () د. احمد فتحي سرور، اصول السياسة الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972، ص14.
  11. () د. الطيب بلواضح، السياسة الجنائية لمكافحة الفساد في الجزائر، مجلة كلية الحقوق- جامعة النهرين، ع19، الاصدار6، 2017، ص110.
  12. () ينظر : د. احمد فتحي سرور، مصدر سابق، ص11.
  13. () د. نوار دهام مطر الزبيدي، السياسة الجنائية للمشرع العراقي في مواجهة جرائم الفساد، مجلة المنصور، ع25، 2016، ص51.
  14. () د. رمسيس بهنام، المجرم تكويناً وتقويماً، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1981، ص265.
  15. () د. احمد فتحي سرور، مصدر سابق، ص17.
  16. () د. هاشم محمد احمد الجحيشي، السياسة الجنائية في جرائم الاخلاق – دراسة مع أحكام الشريعة الاسلامية، دار الكتب القانونية، القاهرة، 2017، ص24.
  17. () حمد الغياط، السياسة الجنائية وحماية حقوق الحدث الجانح في المغرب، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة، كلية علوم التربية ، الرباط – المغرب،2006 ، ص71.
  18. () د. أحمد فتحي سرور، مصدر سابق، ص 18-19.
  19. () د. أحمد فتحي سرور، مصدر سابق، ص 20.
  20. () د. محمد بن المدني بوساق، اتجاها السياسة الجنائية المعاصرة والشريعة الاسلامية، ط1، مركز الدراسات والبحوث – اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية، الرياض، 2002، ص57.
  21. () أسامة صلاح محمد، محورية الامن الفكري في مواجهة التطرف الديني السياسة الجنائية المعاصرة في مكافحة الجريمة، بحث منشور في الانترنيت، الموقع: https://www.researchgate.net/publication/326113609
  22. () زياد مزهر، السياسة الجنائية لمكافحة المخدراتفي فلسطين، بحث منشور في الانترنيت، الموقع: http://www.lawjo.net/vb/showthread.php?3620
  23. () د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، ط5، دار النهضة العربية، القاهرة، 1991، ص5.
  24. () د. علي عبد القادر القهوجي، شرح قانون العقوبات، القسم العام، دراسة مقارنة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2002، ص38 و39.
  25. () المادة (1 فقرة ثانياً) قانون حظر حزب البعث والكيانات والاحزاب والانشطة العنصرية والارهابية والتكفيرية رقم (32) لسنة 2016.
  26. () المادة (1 فقرة خامساً) قانون حظر حزب البعث والكيانات والاحزاب والانشطة العنصرية والارهابية والتكفيرية رقم (32) لسنة 2016.
  27. () ينظر: (المادة ٨ فقرة أولاً) من قانون الاحزاب العراقي رقم (36) لسنة 2015.
  28. () ينظر: (المادة 8 فقرة رابعاً) من قانون الاحزاب العراقي رقم (36) لسنة 2015.
  29. () ينظر: (المادة ٥ فقرة أولاً وثانياً) من قانون الاحزاب العراقي رقم (36) لسنة 2015.
  30. () د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات القسم العام، ط ١٠ ، مطبعة جامعة القاهرة، ۱۹۸۳، ص ٦۹۸.
  31. () د. محمد زكي أبو عامر ، قانون العقوبات القسم العام دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، ٢٠٠٧، ص ٦٠٣
  32. () د. رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي المصري، ط ۳، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، ١٩٦٥، ص ٧٣٣.
  33. () د. محمد على سالم جاسم صالح، شريف إشكاليات تطبيق قانون العفو العام وموقف القضاء العراقي، مجلة الحلي للعلوم القانونية والسياسة، ع1، السنة السادسة، ص١٤٦.
  34. () د. علي حسين خلف ود. سلطان الشاوي, مصدر سابق, ص455.
  35. () للمزيد من التفصيل ينظر: د. اكرم نشأة ابراهيم, مصدر سابق, ص346؛ د. احمد فتحي سرور, الوسيط في قانون العقوبات – القسم العام, ج1, مصدر سابق, ص775.
  36. () للمزيد من التفصيل ينظر: د. تامر احمد عزات, المصدر السابق, ص103؛ محمود عبد العزيز محمد, الاعتراف – الدليل والتدليل – فقهاً وقضاءً, دار الكتب القانونية, مصر, 2009, ص257.
  37. () إذ جاء فيها (المادة 16 : يستفيد الأشخاص المحكوم عليهم نهائيا بسبب ارتكابهم أو مشاركتهم في ارتكاب فعل أو أكثر من الأفعال المنصوص عليها في الأحكام المذكورة في المادة 2 أعلاه من العفو طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور. ويستثنى من الاستفادة من العفو الأشخاص المحكوم عليهم نهائيا الذين ارتكبوا أفعال المجازر الجماعية أو انتهاك الحرمات أو استعمال المتفجرات في الأماكن العمومية، أو شاركوا فيها أو حرضوا عليها.

    المادة 17 : يستفيد الأشخاص المحكوم عليهم نهائيا بسبب ارتكابهم أو مشاركتهم في ارتكاب فعل أو أكثر من الأفعال المنصوص عليها في المادتين 87 مكرر 4 و 87 مكرر 5 من قانون العقوبات من العفو طبقا للأحكام المنصوص عليها في الدستور)

  38. () للمزيد من التفصيل ينظر: د. سعد ابراهيم الاعظمي, موسوعة الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي, , ط1, دار الشؤون الثقافية العامة, بغداد, 2000, ص227-ص229.
  39. () ينظر: المادة (5) من قانون مكافحة الارهاب العراقي رقم 13 لسنة 2005.
  40. () د. احمد فتحي سرور، مصدر سابق، ص21
  41. () د. تعرف التدابير الاحترازية بأنها (مجموعة من الإجراءات يحددها المشرع لمواجهة خطورة إجرامية كامنة في شخص مرتكب الجريمة لتدرأها عن المجتمع) ينظر: د. محمد شلال حبيب، التدابير الاحترازية – دراسة مقارنة، ط1، الدار العربية للطباعة والنشر، بغداد، 1976، ص٥
  42. () ترجع جذور مفهوم السياسة الوقائية في القانون الوضعي إلى مدرسة الدفاع الاجتماعي التي تأسست في الخمسينيات من القرن الماضي، وكان هدفها مواجهة المجرمين بتدابير اجتماعية وتأهيلية، تمنعهم من ارتكاب الجريمة واختلفت الآراء حول عدها فرعًا من فروع السياسة الجنائية أم لا، إذ يميل الفقه الذي تبنى الفكر الليبرالي في تعريفه للسياسة الجنائية إلى تجريدها من الواقع الاجتماعي بكل ما يتضمنه من ظروف، وعلاقات متشابكة، ومصالح متعارضة، ومن بينهم عمداء هذه المدرسة، كالفقيه كراماتيكا الذي يرى بأن مهمة هذه السياسة تتحدد في دراسة وبحث أفضل الوسائل العلمية للوقاية من الانحراف الاجتماعي وقمعه، وأقام نظريته للسياسة الجنائية على المساعدة الاجتماعية للمجرم، وقرر بأن المجتمع هو المسؤول عن سلوك الجاني، والظروف التي يخلقها تمثل السبب الرئيسي في انحرافه، ينظر: د. منذر كمال عبد اللطيف، السياسة الجنائية في قانون العقوبات العراقي، دار الرسالة للطباعة، بغداد، 1978، ص5.
  43. () د. علي حمزة عسل ونورس احمد كاظم، السياسة الجنائية الوقائية في حماية الامن الفكري، مجلة رسالة الحقوق، ع1، جامعة كربلاء، 2023، ص22.
  44. () ينظر: المادة (26) من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الجزائري رقم 06/01 لعام 2006