احكام الافلاس في القانوني العراقي والتونسي دراسة مقارنة

م.م. محمد عبد اللطيف فاضل البياتي1

1 الجامعة الإسلاميـــّة في لبنـان، كلية الحقوق والعلوم السّياسيّة، قســم القـانـون الخاص

بريد الكتروني: Mohamedlith9096@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(6); https://doi.org/10.53796/hnsj56/8

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/06/2024م تاريخ القبول: 18/05/2024م

المستخلص

تؤدي مزاولة الأنشطة التجارية لا سيما احكام الافلاس في القانونيين العراقي و التونسي إلى دخول الأفراد في علاقات قانونية متعددة ومتشابكة، والأصل في العلاقات التجارية هو التعامل بالائتمان ممَّا يجعل كل تاجر في حالة مديونية شبه دائمة، فالموسرُ اليوم قد يصبح مُعسراً غداً، والمعسر اليوم قد يصبح موسِراً غداً، ويترتب على ذلك أن تكون تسوية المعاملات التجارية باعتبارها الجوهري، وأهميتها القصوى، لأن امتناع أحد التجار عن الوفاء بديونه يجعل دائنيه في حالة عجز عن الوفاء بديونهم، ونظراً لأهمية الائتمان التجاري لابد من مواجهة التوقف عن الدفع بنظام صارم، وهذا النظام يُعرَفُ بنظام الإفلاس على النحو الذي يحقق مصالح الدائنين والتاجر في الوقت نفسه.

وان احكام الإفلاس نظام خاص يطبق بحق التاجر الذي يتوقف عن دفع ديونه التجارية، وتهدف أحكام الإفلاس بصفة أساسيَّةٍ إلى تسييل أموال المدين وتوزيع الثمن الناتج عن التصفية بين الدائنين توزيعاً عادلاً لا أفضلية فيه لدائن على آخر ما دام أنَّ حقَّهُ غير مصحوب بأحد الأسباب القانونية التي تبرّر الأفضلية كرهن أو امتياز، وإنَّ اختلاف جنسية الأطراف في العلاقة التجارية أو اختلاف موضوع العلاقة وما يفضي إليه هذا الوضع من إسباغ الصفة الدولية على العلاقة يُزيدان صعوبة آليات إشهار الإفلاس والاحتجاج بأحكامه دوليا .

Research title

Bankruptcy provisions in Iraqi and Tunisian law, a comparative study

Muhammad Abdul Latif Fadel Al Bayati1

1 Islamic University of Lebanon / Faculty of Law and Political Sciences Department of Private Law

HNSJ, 2024, 5(6); https://doi.org/10.53796/hnsj56/8

Published at 01/06/2024 Accepted at 18/05/2024

Abstract

Practicing commercial activities, especially the bankruptcy rulings in the Iraqi and Tunisian laws, leads individuals to enter into multiple and intertwined legal relationships. The origin of commercial relationships is dealing with credit, which puts every merchant in an almost permanent state of indebtedness. A wealthy person today may become insolvent tomorrow, and an insolvent person today may become insolvent. It follows that the settlement of commercial transactions should be considered essential and of utmost importance, because the failure of a merchant to fulfill his debts makes his creditors in a state of inability to fulfill their debts, and given the importance of commercial credit, the cessation of payment must be faced with a strict system, and this system is known as the system. Bankruptcy is in a way that achieves the interests of creditors and the merchant at the same time. Bankruptcy provisions are a special system applied to a merchant who stops paying his commercial debts. Bankruptcy provisions essentially aim to liquidate the debtor’s money and distribute the price resulting from the liquidation among the creditors in a fair distribution with no preference for one creditor over another as long as his right is not accompanied by one of the legal reasons that justify it. Preference as a mortgage or privilege, and the difference in the nationality of the parties in the commercial relationship or the difference in the subject of the relationship, and what this situation leads to giving the relationship an international character, increases the difficulty of the mechanisms for declaring bankruptcy and invoking its rulings internationally.

المقدمة

ان المعاملات التجارية هي روح الاقتصاد في كل زمان ومكان لأنها تعمل على تداول رأس المال فى المجتمع مما يساعد على النمو الاقتصادي وازدهار الحياة الاجتماعية والمعاملات التجارية كما يكون فيها الربح الوفير فالتاجر فى حياته التجارية قد يتعرض إلى هزات مالية كبيرة لا يقوى معها على القيام بواجباته التجارية ولا يستطيع الوفاء بالديون التي تحملها تجاه الآخرين مما يؤثر في حياته التجارية ويتعرض إلى شهر إفلاسه. فإذا تم شهر إفلاس التاجر فان هذا الأمر يتطلب اتخاذ إجراءات معينه فيها حصر أموال المفلس ووضع الأختام عليها حتى لا يقوم المفلس بالتلاعب بحقوق الدائنين وينوب أمين التفليسة عن المفلس في إدارة أمواله، ويكون على الدائنين بعد شهر الإفلاس أن يتقدموا بديونهم حتى يتم تحقيقها حتى يستطيعوا الحصول على ديونهم.

وقد يكون المفلس قبل شهر إفلاسه قام بإبرام عقود مع الآخرين فان هذه العقود قد تكون سارية في مواجهة الدائنين وقد يتم فسخ البعض الآخر فيها. وقد يكون لبعض الدائنين حق استرداد البضائع التي لم يقم المفلس بدفع ثمنها وإذا لم تكفى أموال التفليسة للوفاء بالديون يتم قفلها لعدم كفاية أموالها.

اولاً: أهمية البحث

تكمن أهمية البحث من الناحية القانونية، في الكشف عن تنظيم قانوني خاص ينظم عمل المصارف متضمن أحكاماً تتعلق باحكام الإفلاس، كي يكون دليل قانوني تستعين به المحاكم، وبذلك يكون المشرع العراقي قد توصل إلى وضع الحلول المناسبة للوقوف على ما يثيره الموضوع من خلاف وجدل في حال إفلاس بعض المصارف أو تعثرها، ومن الناحية القضائية، تكمن أهمية هذا الموضوع قضائياً في استحداث محكمة الخدمات المالية في العراق وهي محكمة مختصة بالنظر بدعاوى المؤسسات المالية.

ثانياً: اشكالية البحث

ان اشكالية البحث والذي يعد إشهار الإفلاس للتاجر ذي نتائج خطيرة تقع على المدين وعلى الدائن، فبالنسبة للمدين فهي تمثل عارا عليه بين الناس وضياع الثقة والاعتبار بين جماعة التجار، كما أنها تعني غل يده على إدارة أمواله فلا يستطيع أ ن يوفي ما عليه من ديون أو يقتضي ما له من ديون في ذمة الغير، إذا كانت جميع تصرفاته لا تكون نافذة في مواجهة الدائنين، لأن المنوط بذلك هو السنديك (وكيل الدائنين) الذي تعينه المحكمة لإدارة أموال التاجر.

وفوق كل هذا فهناك بعض القوانين تحرمه من بعض الحقوق السياسية، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حسبة إذا أصبح في مظنة خيانة الدائنين، أما بالنسبة للدائنين، فبمجرد صدور الحكم يحرم كل منهم من مباشرة حقه قبل المدين، ويصبح كل الدائنين (جماعة الدائنين) على قدم المساواة منضمين مع بعضهم البعض يتولى مصالحهم السنديك تحت رقابة القاضي.

ثالثاً: اهداف البحث

ان الهدف من الإفلاس هو تمكين الدائنين من الحصول على حقوقهم أو على القدر الممكن منها وذلك برفع يد المدين العاجز عن دفع ديونه عن إدارة أمواله والتصرف فيها، واعتبارها محجوزة لصالح جميع الدائنين العاديين الذين يوضعون في صف واحد على قدم المساواة بلا تفضيل فيهما بينهم، وان عملية توزيع أموال المدين فيما بين جماعة الدائنين تقسم قسمة غرماء أي بنسبة حق كل منهم، ويتولى هذه المهمة شخص تعينه المحكمة وتراقب أعماله يسمى (السنديك) أو وكيل التفليسة. ولا يترتب على التوقف عن الدفع أي أثر قبل صدور حكم الإفلاس، إذ إن الغاية المقصودة من أحكام شهر الإفلاس تتحقق من اليوم الذي صدر فيه حكم شهر الإفلاس.

رابعاً: منهجية البحث

سوف نعتمد منهجية البحث الاستنباطية أو التحليلية، والمقارنة، وذلك من خلال دراسة قوانين التجارة العراقية، وقانون المصارف مع المقارنة بينهما وبين قوانين دولة تونس، كقانون النقد والتسليف، والتشريعات المصرفية الخاصة بمعالجة التعثر المالي، لإبراز الفوارق بين البلدين في كيفيةتناولها لموضوع التعثر المالي والإفلاس المصرفي.

خامساً: خطة البحث

المبحث الاول: التعاريف الرئيسية والفرعية للافلاس

المطلب الاول: التعاريف الاصلية( الافلاس، في اللغة، في الاصطلاح، في القانون)

المطلب الثاني: الاطراف القانونية للافلاس (الدائن ، المدين)

المبحث الثاني: الاحكام القانونية في الافلاس في التشريع العراقي و التونسي

المطلب الاول: احكام الافلاس على المدين في القانون العراقي

المطلب الثاني: الافلاس الواقعي وتقنياته في التشريع التونسي والعراقي

المبحث الاول: التعاريف الرئيسية والفرعية للافلاس العام

بسبب عدم ورود تعريف للافلاس في التشريع العراقي، شأنه في ذلك شأن بقية التشريعات التجارية الأخرى ، كالتشريع المصري والسوري والكويتي ، فقد جرت عدة محاولات من قبل بعض الباحثين والشراح بشأن وضع مفهوم او تعريف للافلاس ، فمنهم من يري ([1]) ، بانه عبارة عن ((نظام لا يسري الا على من يحترف النشاط التجاري أي التاجر ، وانه وسیله خاصة للتنفيذ في الديون التجارية اذ يمكن من خلاله تصفية أموال التاجر المتوقف عن اداء ديونه التجارية تصفيه جماعية لغرض توزيع المبالغ المترتبة عن هذه التصفية على الدائنيين بصورة متساوية كي لا يتزاحم بعضهم مع بعض في التنفيذ على أموال المدين واستيفاء حقوقهم كاملة على حساب الاخرين)).

اما البعض الاخر فيعرف الافلاس على انه ((عبارة عن نظام خاص بالتجارة وضع الدعم الائتمان التجاري لانه يعتبر بمثابة جزاء شديد يوقع على التاجر المدين الذي يتوقف عن وفاء ديونه التجارية ، نظرا لخطورة توقف التاجر عن الوفاء بالتزاماته في الأجل المحددة له ، وما يترتب على ذلك من ضياع الثقة)). او انه كما يرى البعض ([2])(نظام من صلب موضوعات القانون التجاري ويطبق على التاجر سواء كان شخصا طبيعيا أم معنويا) بسبب توقفه عن أداء دین تجاري حال ولو كانت أمواله اكثر من ديونه.

ويمكن ان نقسم هذا المبحث الى مطلبين:

المطلب الاول: التعاريف الأصليه (الافلاس في اللغة، في الاصطلاح،في القانون)

المطلب الثاني: الاطراف القانونية للافلاس(الدائن، المدين)

المطلب الاول: التعاريف الأصليه (الافلاس، في اللغة، في الاصطلاح، في القانون)

هو تعبير يصف الوضعية القانونية التي يوجد عليها شخص طبيعي (فرد) أو معنوي (شركة) مَدين بالمال لأطراف أخرى (موردون، مصارف، إدارة الضرائب…) لكنه متوقف عن سداد ديونه وعاجز عن الوفاء بالتزاماته المالية تجاه دائنيه.

عرف فقهاء المسلمين الإفلاس بتعريفات مختلفة، إذ عرف بعض الفقهاء الإفلاس بقولهم «حالة أن يكون الديّن الذي على الرجل أكثر من ماله، وسواء كان غير ذي مال أصلاً، أم كان له مال، إلا أنه أقل من دينه»(8)، وذهب آخرون إلى القول بأن الإفلاس «حالة تكون فيها أموال الشخص قاصـرة عن ديونه فإن كانت مساوية لها أو زائدة فلا يحجر عليـه بالإجماع»، وفي جميع التعريفات السابق ذكرها يتضح أن فقهاء المسلمين وإن اختلفوا في صياغتهم لتعريف الإفلاس إلا أنهم اتفقوا على أن الإفلاس يتحقق عندما تكون أموال الشخص غير كافية لسداد ديونه، أي أن أصوله أقل من خصومه.

الفرع الاول: الإفلاس لغةً

الإفلاس في اللغة مشتق من فلس يفلس إفلاساً، أي فقد ماله فيقال ” افلس كثير من التجار بسبب الازمة الاقتصادية “، وافلس الرجل : صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم أو صار إلى حال يقال فيها ليس معه فَلْس، كما يقال أُقهر الرجل صار إلى حال يُقهر عليها و أُذل الرجل صار إلى حال يُذل فيها، وجمع الفلس على افلس وفلوس بناءً على معنى القلة والكثرة، ولكـــــن الإفلاس في حقيقته الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر([3])، ويُفلس إفلاساً : صار مفلساً كأنما صارت دراهمه فُلُوساً وزيوفاً، وفي الحديث من أدرك ماله عند رجل قد أفلس فهو أحقُ به ؛ وشيء مُفلس اللّون إذا كان على جِلده لُمَعٌ كالفُلُوس، وفلوس قطعة مضروبة من النحاس يتعامل بها، و الفلاس بائع الفلوس أي النقود النحاسية، ([4]) وفَلَس الحاكم المفلس تَفليساً : نادى عليه أنه افْلَس، ([5]) قال رسول الله – صلى الله عليه و آله وسلم: ” أتدرون ما المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا يا رسول الله من لادرهم له و لا متاع، قال ليس ذلك المفلس، ولكن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة حسناته امثال الجبال، ويأتي وقد ظلم هذا و أخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن بقي عليه شيء أخذ من سيئاتهم، فيرد عليه، ثم صار إلى النار”. ([6])

الفرع الثاني: الإفلاس اصطلاحاً

عرف فقهاء المسلمين الإفلاس بتعريفات مختلفة، إذ عرف بعض الفقهاء الإفلاس بقولهم “حالة أن يكون الدين الذي على الرجل أكثر من ماله، وسواء كان غير ذي مال اصلاً، أم كان له مال إلا أنه اقل من دينه”([7]) وذهب آخرون إلى القول بأن الإفلاس “حالة تكون فيها اموال الشخص قاصـرة عن ديونه فان كانت مساوية لها أو زائدة فلا يحجر عليـه بالأجماع” ([8])وفي جميع التعاريف المتقدم ذكرها يتضح ان فقهاء المسلمين و ان اختلفوا في صياغتهم لتعريف الإفلاس إلا أنهم اتفقوا على أن الإفلاس يتحقق عندما تكون اموال الشخص غير كافية لسداد ديونه أي إن اصوله أقل من خصومه أما إذا كانت امواله كافية فقط لأداء ديونه أو تزيد عنها فلا نكون أمام حالة إفلاس.

وكما عرف فقهاء المسلمين الإفلاس بتعريفات مختلفة، فإنهم عرفوا المفلس ايضاً بتعريفات مختلفة إذ عرفه بعضهم بقولهم ” المفلس من حجر عليه لنقص ماله عن دين عليه لأدمي، بخلاف دين الله تعالى ، ([9]) وعرفه بعضهم الآخر بقولهم ” المفلس من لا يفي ماله بدينه”. ([10])

ويلاحظ من التعاريف أعلاه أن فقهاء الشريعة الاسلامية يطلقون مصطلح المدين المفلس على الشخص الذي تقل امواله عن ديونه، وقد تأثر المشرع العراقي بذلك، إذ نصت المادة(270)من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 على أن “المدين المفلس الذي يكون دينه المستحق الاداء أزيد من ماله إذا خاف غرمائه ضياع ماله أو خافوا أن يخفيه أو أن يجعله باسم غيره وكان خوفهم مبنياً على اسباب معقولة و راجعوا المحكمة في حجره عن التصرف في ماله أو اقراره بدين لآخر حجرته المحكمة “، ان المشرع العراقي اطلق مصطلح المدين المفلس على الشخص الذي يكون دينه المستحق الاداء أزيد من ماله في حين إن نظام الإفلاس يطبق على التاجر المفلس أما غير التاجر فيطبق عليه نظام الاعسار، ([11]) لذا كان على المشرع العراقي استخدام مصطلح المدين المعسر بدلاً من مصطلح المدين المفلس في مطلع المادة (270) من القانون المدني العراقي .

الفرع الثالث: الإفلاس في القانون

ان الإفلاس قانوناً: هو أن تعلن الشركة أنها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها أمام الدائنين، وحينها تقوم الشركة بتصفية كل أملاكها وحساباتها البنكية لتسدد أكبر قدر ممكن من هذه الالتزامات ثم تخرج من سوق العمل.

فالإفلاس هو اضطراب في أحوال التاجر المالية، حيث لا يكون قادراً على الوفاء بالتزاماته المالية ويتوقف عن سداد ديونه، وحالة الإفلاس قد يتعرض لها التاجر الفرد وقد تتعرض لها الشركة التجارية، باعتبار أن الأخيرة شخصية قانونية معتبرة قانوناً في التعامل التجاري ويسري عليها ما يسري على التاجر في العمل التجاري. ([12])

ويحدث الإفلاس في الشركات جراء عمليات الاقتراض لعدم توفر السيولة الكافية مع إمكانية تسديد هذه الالتزامات في موعدها المحدد عندما تبدأ مرحلة جني العوائد، لكن عندما لا يكون العائد المتوقع  كافياً بحيث يغطي التزامات الشركة تضطر الأخيرة إلى تصفية بعض من أملاكها لتسديد تلك الالتزامات، فإذا لم تكف تلك الأملاك للتسديد، تعلن الشركة حينئذ إفلاسها، ويجوز للقاضي أو الجهة المعنية أن يحجر على المفلس بطلب من غرمائه،أو بعضهم، ويقسم الإفلاس في النظام إلى ثلاثة أنواع: المفلس الحقيقي، والمفلس المقصر، والمفلس الاحتيالي. ([13])

المطلب الثاني: الاطراف القانونية للإفلاس (الدائن ، المدين)

الإفلاس هو تعبير يصف الوضعية القانونية التي يوجد عليها شخص طبيعي (فرد) أو معنوي (شركة) مَدين بالمال لأطراف أخرى (موردون، مصارف، إدارة الضرائب…) لكنه متوقف عن سداد ديونه وعاجز عن الوفاء بالتزاماته المالية تجاه دائنيه. وتُعلَن حالة الإفلاس بحكم قضائي من طرف محكمة مختصة (المحاكم التجارية غالبا) وبمبادرة وطلب من الجهة المُفلسة نفسها أو من الدائنين أو من الدولة. وتدرس المحكمة طلب إعلان الإفلاس وفقا لمسطرة قضائية محددة من أجل التأكد من توفر واستيفاء جميع شروطه، قبل النطق بالحكم الذي تكون له تبعات قانونية على المُفلس.

التبعات القانونية، إذا تعذر على الجهة المفلسة تدبير ضائقتها المالية عبر الوصول إلى حلول ودية مع مجموع الدائنين (إعادة جدولة للديون مثلا) أو من خلال البحث عن مستثمرين جدد لضخ أموال إضافية، أوتصفية أصل من الأصول المملوكة للشركة(عقار مثلاً) أو أي وسيلة من الوسائل الأخرى الممكنة، فإن القضاء لا يجد محيدا عن إعلان حالة الإفلاس، وتقضي المحكمة، وفقا لحالة المفلس ومدى عسره المالي، بأحد أمرين:

اولاً: إما أن تعين وصياً على الشركة المفلسة (قد يكون محامياً أو خبيراً حسابات معتمداً عند المحاكم) كي يسهر على تدبير شؤونها أملا في تقويم وضعها المالي، والوصول إلى حلول مع الدائنين تضمن استمرارية الشركة وتحول دون فقد العمال لوظائفهم.

ثانياً: وإما أن تأمر بتصفية أصول وممتلكات المفلس، وبيعها في مزاد علني. وتعيِّن لهذه الغاية قاضيا يتكفل بإدارة هذه العملية وسداد مستحقات الدائنين، ويرتب تعويضهم وفق أهمية كل دائن (صاحب امتياز أم دائن عادي) في حال ما إذا كانت الأموال المتحصلة من البيع غير كافية لسداد جميع الديون.

الفرع الاول: الدائن في الافلاس

ان الدائن هو صاحب الحق في مبلغ يدفعه الطرف الآخر (المدين)، وقد يكون الدائن شخصا أو مؤسسة أو شركة أو حكومة والدائن هو الشخص أو المؤسسة صاحبة المال([14]).

وتشمل الحسابات التابعة للدائن

1-الالتزامات :- الالتزامات تكون بطبيعتها دائنة ويتم تسجيلها في الجهة اليسرى من الميزانية ,وذلك لان هذه الالتزامات تشكل ديون على المنشاة او الشركات ويجب سدادها في المراحل القادمة.

2-حقوق الملكية :- تعتبر حقوق الملكية بطبيعتها دائنة ويتم تسجيلها في الجهة اليسرى من الميزانية والسبب في ذلك هو انها تشكل حقوق المالكين في المنشاة حيث ان قيمتها تزداد بزيادة العمليات المالية التي تؤثر على الدائن كما ان قيمتها تقل بالعمليات التي تؤثر عليها في المدين.

3-الايرادات:-تكون بطبيعتها دائنة وذلك لأنها تمثل سلع وخدمات تقوم بتقديمها المنشاة او الافراد وتزداد قيمة هذه الايرادات بالعمليات المالية التي تؤثر عليها في الدائن وتقل قيمتها بالعمليات التي تؤثر قيمتها في المدين.

الفرع الثاني: المدين في الافلاس

هو من قام بأخذ الدين من الطرف الأول، بحيث يقع على عاتقه سداده ضمن العقد أو الاتفاق المبرم بين الطرفين، ويمكن أن يكون هذا الطرف أيضاً شخصاً أو مؤسسة أو قطاعاً خاصاً أو أي كيان أو جهة اعتبارية. ([15])، ويقصد بالمال في اللغة ما ملكته من كل شيء([16]) ومال مَوَلاً ومؤُلاً الرجل أي صار ذا مال وكثر مالهُ ، ومال مولاً وامال فلاناً : اعطاه المال ومول الرجل صاحبه أي صيره ذا مال([17]) وخرج الرجل الى ماله أي الى ضياعه او جماله([18]) والعامة تقول مويّلَ بتشديد الياء وهو رجلٌ مالٌ ، وتمّولَ مثله ومولهَ غيره ، وانشد حسان بن ثابت قائلاً :

المال تزري باقوام ذوي حسبَ وقد تسودّ غير السيدّ المالُ

وفي ذلك البيت نهي عن إضاعة المال وقيل اراد به الحيوان أي يحسن اليه ولا يهمل وقيل اراد به التبذير والاسراف وان كان في حلال مباح كما قيل أضاعته بانفاقه في الحرام والمعاصي وما لا يحبه الله([19]ويذكر المال فيقال هو المال ويؤنث المال فيقال هي المال([20])، ويطلق المال عند العرب على الابل كونها كانت اكثر اموالهم وقال البعض بان المعروف من كلام العرب بان المال هو ما تحول وتملك استناداً لقول الرسول الكريم (ص) (يقول ابن ادم مالي مالي وهل لك يا ابن ادم من مالك الا ما أكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت). ([21])

في القانون لقد عرف جانب من الفقهاء المال بانه الحق ذو القيمة المالية ايا كان ذلك الحق سواء أكان حقاً عينياً ام حقاً شخصياً ام حقاً من الحقوق الادبية ام الفنية ام الصناعية. ([22])، في حين عرفها جانب اخر من الفقهاء بانه كل ماله قيمة مادية بين الناس واجاز الشارع الانتفاع به من حالة السعة والاختيار([23]).

المبحث الثاني: الاحكام القانونية في الافلاس في التشريع العراقي والتونسي

في تونس، خصصت المجلة التجارية، المتضمنة القانون التجاري التونسي الصادر عام 1959، الكتاب الرابع منها لدراسة الصلح الاحتياطي والتفليس، ومن احكام الإفلاس حيث عالج المشرعون في العراق وتونس ما يلي: ففي تونس، خصصت المجلة التجارية، المتضمنة القانون التجاري التونسي الصادر عام 1959 الكتاب الرابع منها لدراسة الصلح الاحتياطي والتفليس وكرّست لذلك الفصول413 ولغاية 596([24]).

اما في العراق وبقدر تعلق الأمر بالقانون العراقي ، شأنه في ذلك شأن التشريعات الأخرى ، فان هناك نظامان يتم بموجبهما التنفيذ على أموال المدين العاجز عن الوفاء بديونه وهما(نظام الافلاس) من جهة و(نظام الاعسار) من جهة أخرى([25]).

ويقسم المبحث الثاني الى مطلبين:

المطلب الاول: احكام الافلاس على المدين والدائن في القانون العراقي

المطلب الثاني: احكام الافلاس الخاصة بالمدين والدائن في القانون التونسي

المطلب الاول: احكام الافلاس على المدين والدائن في القانون العراقي

ان نظام الإفلاس من الأنظمة التي قننها القانون التجاري وجعلها مقصورة على فئة التجار، و أما غير التجار فيخضعون لنظام الإعسار الذي نظمه القانون المدني. والإفلاس هو نظام للتنفيذ الجماعي على أموال المدين التاجر الذي توقف عن وفاء ديونه التجارية حين حال أجل سدادها متى كان هذا التوقف يكشف عن انهيار ائتمانه. ([26])

ويهدف هذا النظام إلى تصفية أموال التاجر جميعها وبيعها وتوزيع ثمن ما حصل من عملية البيع وفاء لديونه أو على القدر الممكن منها. والإفلاس بالنسبة للتجار يتحقق حال توقفه المقصود عن دفع ما عليه من أموال، والتوقف يكون مقصوداً نتيجة مرور التجار بظروف وضائقة مالية تنبئ بأن مركزه المالي غير مستقر وان حقوق الدائنين في خطر محقق أو يحتمل تحققه.

والعبرة هنا ليست فيما يملكه التاجر فقد يكون مالكا لأموال تفوق ما عليه من ديون ومع ذلك يتحقق الإفلاس ومرد ذلك يكون بسبب توقفه عن تسديد ما عليه للدائنين، إذ إن العبرة بتوقفه عن الدفع لا بما يملكه من ديون. وعلى ذلك فإنه لا يجوز شهر إفلاس التاجر بالرغم من مروره باضطراب في مركزه المالي طالما أنه مستمر في تسديد التزاماته المالية قبل الدائنين.

الفرع الاول: حكم الافلاس من النظام الخاص العراقي

ان احكام الافلاس ، تعد من النظام الخاص بالتجار (سواء كانوا أفراداً أو شركات) وقد اهتم المشرع العراقي بتنظيم احكامه اذ صدرت العديد من التشريعات والقوانين بهذا الصدد.

فقد وردت الاشارة الى لفظ (الافلاس) في الباب الأول وضمن (الأحكام العامة) القانون الشركات رقم (۳1) لسنة 19۵7 الملغي حيث نصت الفقرة (ب) من المادة العاشرة منه على أنه (يؤدي إفلاس شركة التضامن الى إفلاس جميع الشركاء).

ثم اعقبه بعد ذلك صدور قانون التجارة ذي الرقم 149 لسنة 1970 والذي بصدوره ألغيت احكام قانون التجارة العراقي رقم 60 لسنة 1943 وتعديلاته، والاحكام المتعلقة بالافلاس المنصوص عليها في قانون التجارة العثماني .

وقد استخدم المشرع العراقي في هذا القانون ولاول مره لفظ (الاعسار) بدلا من لفظ (الافلاس) اذ نصت المادة (36) منه على انه ((اذا أعسرت الشركة اعتبر كل شريك فيها معسرة)).

كما ونصت المادة (۲07) من نفس القانون على أن ((احكام الافلاس تطبق بشأن الاعسار اينما ورد ذكره في هذا القانون ولحين تنظيم احكام الاعسار)).

وعلى الرغم من أن قانون التجارة العراقي رقم 149 لسنة 1970 قد تضمن احكاما خاصة بافلاس الشركات ، وكذلك قانون التجارة رقم ۳0 لسنة 19۸٤ النافذ ، وقانون الشركات رقم ۲1 لسنة 1997 النافذ الا انها لم تتضمن تحديدا لمعنى الافلاس او مفهومه ، بل اقتصر الأمر ، في الفقرة (1) من المادة (566) من قانون التجارة لسنة 1970 ، على انه ( كل تاجر توقف عن دفع دينه التجاري يعتبر في حالة افلاس ويشهر افلاسه بحكم يصدر بذلك ) . أما المادة (715) من نفس القانون فقد اشارت الى انه ( فيما عدا شركات المحاصة يجوز اشهار افلاس کل شركة تجارية اذا وقفت عن دفع ديونها التجارية أثر اضطراب أعمالها المالية …)

وماهية الافلاس هي الافلاس طريق للتنفيذ الجماعي على اموال المدين التاجر الذي يتوقف عن دفع ديونه التجارية ، بغية تصفية امواله وبيعها وتوزيع العائدات على الدائنين . وتعتبر احكام الافلاس من النظام العام لأن القانون التجاري قد قررها بنصوص آمرة .([27])

الفرع الثاني: قواعد الافلاس بالقانون العراقي

لا بد للافلاس من دعوى ترفع لدى المحكمة الابتدائية المختصة، وفق القواعد المقررة بالقانون التجاري وقانون المرافعات المدنية ، ذلك ان الافلاس حالة قانونية ، نظَم لها القانون طريقة قضائية خاصة، إذ لابد لشهره، من حكم قضائي صادر عن محكمة مختصة، وذلك هو حكم شهر الافلاس كما أشارت اليه القوانين التجارية المطبقة في كل العراق  وتونس وغيرها من الدول.([28])

السؤال الآن ، هل حكم شهر الافلاس الصادر عن المحكمة الابتدائية المختصة واجب لكي يعتبر التاجر في حالة افلاس ، ام ان حالة الافلاس تنشأ واقعياً من مجرد توقف المدين التاجر عن الدفع ومن دون حاجة الى صدور حكم بشهر الافلاس من المحكمة المختصة ؟

إن الحالة الثانية ، وهي حالة الافلاس التي تنشأ واقعياً من مجرد توقف التاجر المدين عن الدفع تسمى حالة الافلاس الواقعي او الافلاس الفعلي او الافلاس غير المشهر او غير المعلن . وهي حالة محل خلاف شديد ، تأخذ بها بعض التشريعات وترفضها الاخرى . وهي محل خلاف ايضاً بين الفقه والقضاء. فبينما يأخذ القضاء الفرنسي مثلا، بنظرية الافلاس الواقعي ، نجد الفقه الفرنسي الحديث يهاجمها بعنف ويصر على ضرورة صدور حكم بالافلاس كشرط من شروط حالة الافلاس .

المطلب الثاني: الافلاس الواقعي وتقنياته في التشريع التونسي والعراقي

أقرت بعض التقنيات العربية الافلاس الواقعي بنصوص صريحة في القانون التجاري ، وهي

اولاً : العراق، وثانياً: تونس، وذلك حسب التفصيل التالي :

الفرع الاول: القانون التجاري العراقي

لم يأخذ القانون التجاري العراقي بنظرية الافلاس الواقعي، بل لا بد من صدور حكم بشهر الافلاس من محكمة البداءة المختصة ويجوز للمدين ان يطلب شهر افلاسه ، كما يجوز ذلك ايضاً للدائنين او لأحدهم ، ويجوز لمحكمة البداءة ان تحكم ، من تلقاء نفسها ، باشهار الافلاس ( مادة 150 تجاري عراقي)، إن الفقه والقضاء في العراق لم يقرر الاخذ بالافلاس الواقعي، بالرغم من ان نصوص القانون التجاري العراقي متقاربة مع نصوص القانون الفرنسي . فمحكمة البداءة وحدها هي المختصة بشهر افلاس التاجر وتحديد العقوبة على التاجر المفلس بالتدليس او بالتقصير تقررها محكمة الجزاء ، الا اذا صدر حكم من محكمة البداءة بشهر افلاسه واكتسب الحكم درجة البينات (قوة الشيء المحكوم به)، واذا قدمت شكوى على تاجر لاتهامه بجريمة الافلاس بالتقصير او بالتدليس لدى محكمة الجزاء او التحقيق ، فعلى تلك المحكمة ان تقرر وقف الفصل فيها الى حين صدور حكم من محكمة البداءة بشهر الافلاس، ويكون الحكم الصادر من محكمة البداءة، بكون المدين تاجراً ومتوقفاً عن الدفع وان الدين تجاري او خلاف ذلك، حجة امام محكمة الجزاء.

الفرع الثاني: القانون التجاري التونسي الجديد

لم يأخذ القانون التجاري التونسي الجديد رقم 129 لسنة 1959 بنظرية الافلاس الواقعي ، بل لا بد من صدور حكم شهر الافلاس من المحكمة التي بدائرتها المركز الرئيس بعد سماع النيابة العامة (مادة 446 تجاري تونسي). ويجوز للمدين التاجر او احد الدائنين ان يطلب شهر الافلاس، ويجوز للمحكمة من تلقاء نفسها ان تقرر شهر الافلاس ( مادة 448 و 449 تجاري تونسي).

نقد نظرية الافلاس الواقعي

هذه هي نظرية الافلاس الواقعي التي انشأها القضاء الفرنسي ونقلها عنه كل من المشرع المصري ( مادة 215 تجاري مصري ) والمشرع اللبناني ( مادة 498 تجاري لبناني ) ولم يأخذ بها باقي البلاد العربية بل ان القضاء البلجيكي مستقر على عدم الاخذ بهذه النظرية ، بالرغم من ان نصوص القانون الفرنسي والبلجيكي متشابهة كما ان مشروع تنقيح القانون التجاري الفرنسي الذي وضعته لجنة من كبار الاساتذة والقضاة والذي نشر في سنة 1949 رفض الاخذ بنظرية الافلاس الواقعي.

ونص على انه لا بد من صدور حكم بشهر الافلاس من المحكمة التجارية . ويمكن نقد نظرية الافلاس الواقعي من الوجوه التالية، تناقض الاحكام.

فاذا أخذنا بنظرية الافلاس الواقعي فان من حق المحكمة الجنائية ان تفصل في مسائل الافلاس ، وفي حالة التوقف عن الدفع وتعيين صفة المتهم فيما اذا كان تاجراً ام لا ، بغية توقيع العقوبة المقررة عليه . وقد تقرر المحكمة الجنائية براءته لكون المتهم غير تاجر ، بينما قد يصدر حكم من المحكمة الابتدائية المختصة بشهر افلاسه لكونه تاجراً ، فيصبح عندها الحكم التجاري مناقضاً للحكم الجنائي او بالعكس . واذا ما فرضت المحكمة الجنائية على المتهم بالعقوبة المقررة ، ثم يصدر حكم من المحكمة الابتدائية بطلب شهر الافلاس لكونه غير تاجر ، فيصبح الحكمان متناقضين وفي ذلك ما يجعل مركز المدين قلقاً ويحط من هيبة القضاء ، إذ ان المحكمة الجنائية والمحكمة البدائية لا تتقيد بما تصدره الاخرى من احكام ، بينما لو لم نأخذ بنظرية الافلاس الواقعي لكان على المحكمة الجنائية ان توقف الفصل في الدعوى الجنائية الى حين صدور حكم من المحكمة الابتدائية المختصة بشهر افلاس التاجر او رفضه ، حتى تكون المحكمة الجنائية على بينة من أمرها ، ولكي لا يحصل تناقض بين الاحكام .

الفرع الثالث : احكام الافلاس على الدائن في القانون العراقي

يعد الإفلاس وسيلة من وسائل التقنية على المسلمين، وهذا النظام لا يليق إلا على تلة خاصة من الناس في فئة التجار و بالنسبة لنوع معين من الديون في العيون التجارية، فعندما علت توقف التاجر من الدفع ديوته التجارية أو يثبت أنه يستعمل وسائل غير مشروعية الدم الثقة المالية به، حق عندنا المالية اللجوء إلى الحقية على أمواله ودلك بطلب شهر إفلاسه، خصوصا في نظامنا القانوني الذي يرتب العديد من الآثار السلبية على المشروعات التجارية في حالة الإفلاس بل وعلى الاقتصاد الوطني عموما، وحاول المشرع العرابي إيجاد آليات تساعد المشروعات التجارية عند وقوعها في حالة التعثر والتوقف عن الدفع من خلال التنصر على المصلح الواقي من الإفلاس بإجراء يحمي هذه المشروعات من ختار الإفلاس، إلا أن نظام الإفلاس والصلح الواقي في القانون العراقي وبعد مرور خمسين سنة من التاريخ الحقيقي لصياغتها لم يعد يلائم مع التطورات الإقتصادية والتجارية والقانونية الكبيرة في هذا المجال([29] وتتبع أهمية الوسائل الوقائية من قيمتها بأنها تقدم أداة دائمة ومسيرة للتوجيه والإقدار والتحذير لمتخذي القرار احتمال تعرض المشروع التعثر أو لأزمة مالية، وتقوم بتعريفهم احتمالات حدوث التعثر في وقت مبكر قبل وقوعها لإتخاذ ما يلزم من إجراءات وقائية أو ماتعة من وقوع الأزمات، مما يجعل قرص إنقاذ المشاريع والشركات كبيرة جدا، وأن: إن التحولات والتطورات الأقتصادية والاجتماعية والثقافية كلها أدت بالتشريعات الحديثة إلى أعتناق أفكار أخرى والبحث عن آليات جديدة خرج به نظام الإفلاس محو نظام جديد يختلف عن ما سبقه ويعادل تعديلا جوهريا في مقاهيمه ومرتكزاته بحيث ترتكز النظام الجديد على مبدأ أساسي محوره هو إنقاذ التاجر والمشاريع التجارية من الإفلاس وليس تركها وإيصالها إلى الإفلاس والتصفية، بحيث تستهدف هذا النظام وبالدرجة الأولى إلى التوفيق بين مصالح الاثنين والمدين بالشكل الذي يؤدي إلى إنقاد التجار ومشاريعهم من الإفلاس بدلا من إشهار إفلاسه وإخراجه من سوق العمل وما يترتب على ذلك من آثار وخيمة على التاجر والعمال والأقتصاد الوطني ككل .

القانون التونسي

نصت المادة من الفصل 448 في القانون التونسي على “على كل تاجر توقف عن دفع ديونه أن يتولى التصريح بذلك لدى كتابة المحكمة ذات النظر خلال الشهر.( الموالي لتوقفه عن الدفع”. (نقحت بالقانون عدد 35 لسنة 1995 المؤرخ في 17 أفريل 1995. وإذا أهمل التاجر القيام بالتصريح المشار إليه فإنه يحكم عليه من أجل التسبب في الإفلاس ويستوجب العقوبات المنصوص عليها بالفصل 290 من القانون الجنائي.([30])

الخاتمة

ان الدور الإيجابي الذي ابداه المشرع التونسي من حيث استحداثه الدائم لتشريعيات تتلاءم مع متطلبات الواقع، نجد نقيضه في عند المشرع العراقي حيث أهمل المشرع العراقي التشريعات المتعلقة بالإفلاس بصورة شبه تامة مكتفياً بنصه تضمنه قانون التجارة النافذ رقم (30) لسنة 1984 بالمادة رقم (331) نصاً يقضي بما يلي: يلغي قانون التجارة رقم (149) لسنة 1970 وتعديلاته باستثناء الباب الخامس منه المتضمن أحكام الإفلاس والصلح الواقي منه لحين تنظيم أحكام الإعسار بقانون…) اجلت على أساس هذا النص فكرة صدور قانون يتعلق بالإفلاس والصلح الواقي منه، نظراً لظروف التي كان يمر بها البلاد والتي أثرت سلباً عليه وعلى الجميع الاصعدة، إلى أن صدر قانون المصارف رقم (40) لسنة 2003 والذي غلب على نصوصه التعقيد وعدم الوضوح، إضافة لاتسامه بضعف في الصياغة القانونية والخلل الواضح في تحقيق التكامل في هذا الموضوع اذ نعزو هذا الاهمال المقصود بالقانون العراقي لنظام احكام الإفلاس، لكون هذا النظام ينطبق حصراً في العراق على مصارف القطاع الخاص التي تعود ملكيتها وتمويليها للأفراد سواء كانت شركات مساهمة أو شركات أشخاص، ويطلق على هذا النوع من المصارف في العراق المصارف الاهلية وبتالي لا يشمل نظام الإفلاس المصارف المملوكة لدولة المصارف الحكومية التي تعود ملكيتها للقطاع العام وبالتالي لا يخضع هذا النوع من المصارف النظام الإفلاس نظراً لما تتمتع به الدولة من ملاءة مالية كبيرة، إضافة لكونها مسندة ومضمونة من جانب الحكومة واحتمال تعرضها للإفلاس الفعلي من المستحيلات بالعرف المصرفي العراقي.

أولاً: الاستنتاجات:

1- يهدف نظام الإفلاس إلى حماية مصلحة جماعة الدائنين والتأكيد على مبدا المساواة بينهم فضلا عن كون قواعد الإفلاس من النظام العام وتحقيق حماية الدائنين من خلال غل يد المدين المفلس عن إدارة أمواله.

2- يطبق الإفلاس على كل المصارف المؤسسة داخل الدولة سواء وطنية أو أجنبية.

3- يطبق نظام الإفلاس على المصارف التجارية التابعة للقطاع الخاص التي تتخذ شكل الشركة من الشركات المنظمة بالقانون، كما يجوز إشهار إفلاس الشركة ولو كانت بدور التصفية.

4- أما أصحاب الحق في طلب إشهار إفلاس المصرف فهم دائنو المصرف والمصرف المدين ذاته، بينما ذكر قانون المصارف العراقي صاحب الحق في ذلك هو البنك المركزي العراقي وثلاثة من دائني المصرف على الأقل.

5- أهم الآثار التي تترتب على إفلاس المصرف المدين هي غل يده عن التصرف بأمواله وابطال كل تصرف يلحق الضرر بالضمان العام للدائنين.

6- بمجرد صدور قرار إشهار الإفلاس ستنشأ جماعة الدائنين التي تمثل أصحاب الديون العادية وأصحاب حقوق الامتياز العامة ويستثنى من هذه الجماعة أصحاب حقوق الامتياز الخاصة.

7- نجد كذلك قانون البنك المركزي العراقي رقم (56) لسنة 2004 لم يتضمن أي مصطلح أونص يشير إلى أحكام الإفلاس وكان الأجدر بالمشرع وضع نص يشير إلى قانون المصارف العراقي رقم (40) على الاقل وهذا يعد قصور واضح بقانون البنك المركزي العراقي.

ثانياً: المقترحات :

ان من أهم المقترحات التي يمكن من خلالها حث المشرع العراقي ودعوته إلى أخذها بنظر الاعتبار عند إعادة النظر في قانون المصارف العراقي النافذ فهي :

1-على المشرع العراقي إعادة النظر في موضوع الإفلاس بصفة عامة وذلك من خلال تفعيل

القواعد العامة الواردة في قانون التجارة الملغى لسنة 1970 واضافتها إلى قانون التجارة النافذ

1984، ولا ضير من اعتماد قانون خاص بالمصارف يتسم بالوضوح والدقة ويتم النص على

الإحالة إلى قواعد العامة للإفلاس الواردة في قانون التجارة في ما لم يرد بشأنه نص.

2- من الافضل إضافة النص التالي إلى قانون المصارف العراقي تنظر محكمة الخدمات المالية بالدعاوى التي تتعلق بأعمال المصارف في العراق) وبذلك تشمل كل اعمال المصارف بما فيها الإفلاس وكذلك إلحاق النظر بالدعاوى المتعلقة بالإفلاس والناشئة عنه إلى محكمة الخدمات المالية أيضاً.

3-على المشرّع إيراد النص الآتي: (أ)”يخضع لنظام الإفلاس كل مصرف يتخذ شكل شركة من شركات التجارية المنصوص عليها في القانون” ،(ب) “لا تسري أحكام الإفلاس على مصارف قطاع الدولة وهيئاتها”.

4-على المشرع منح الحق في طلب إشهار إفلاس المصرف المدين لكل دائن مهما كان مقدار دينه المستحق وغير المدفوع من قبل المصرف.

5- أشارت المادة (71) من قانون المصارف العراقي إلى أسباب إشهار إفلاس المصرف في حالة عدم الوفاء بالتزاماته أو بقرار يصدر من البنك المركزي العراقي بينما اغفل مسألة مهمة إلا وهي بمجرد التوقف عن دفع الديون وليس عدم الوفاء بها سبب كاف لإشهار إفلاس المصرف، وكان الأجدر بالمشرع أن لا يجعل من البنك المركزي العراقي جهة تختص بإصدار قرار الإفلاس، إذ لا يعد جهة قضائية وان من يناط به ذلك هي المحكمة المختصة حصراً، لذلك نقترح النص الآتي: يعتبر المصرف في حالة إفلاس إذا توقف عن دفع ديونه والوفاء بالتزاماته أو إذا صدرقرار من المحكمة المختصة).

6-نحث المشرع العراقي إلى الالتفات لفكرة من نصوص قانونية تنظم آثار الإفلاس بالنسبة للمصرف المدين وكذلك بالنسبة للدائنين أو إحالة الموضوع إلى القواعد العامة لإفلاس في قانون التجارة.

المراجع References:

ابوعبد الرحمن محمد عبد الله قاسم، المعتمد قاموس عربي عربي، ط1، بيروت، دارصادر،2001.

ابي يحيى زكريا الانصاري الشافعي، اسنى المطالب شرح روض الطالب، المجلد الرابع، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،2001.

احمد بن محمد بن علي الفيومي ، المصباح المنير، ج2، بيروت، المكتبة العلمية،2002.

احمد بن يحيى بن المرتضى، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار، المجلدالسادس، ط1، دارالكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2001.

  1. الإفلاس التجاري في الشريعة والقانون، مجلة الاقتصاد الإسلامي العدد ٤٧٩/صفر١٤٤٢هـ.
  2. الامام ابو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي المصري، لسان العرب، المجلد14، ط1، بيروت، دار صادر، 2001.

الامام محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، المجلد الثامن، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1994.

ايمن البياع، الإفلاس التجاري ونتائجه على الدائن والمدين ،يونيو2007.

  1. باسم محمد صالح، القانون التجاري، القسم الأول، النظرية العامة، سنة الطبع۲۰۰۹.
  2. ثازاد شكور صالح امير حسين يوسف، الوسائل الوقائية لإنقاذ الشركات التجارية من الإفلاس، دراسة تحليلية مقارنة،2019.

جمال الدين ابي الفضل ابن منظور الانصاري، لسان العرب، المجلد الرابع، ط1،دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،2005.

  1. رضا شيت خطاب، الافلاس الواقعي، عضو محكمة استئناف بغداد، نشر المقال في نيسان/ ابريل1961، مجلة الرائد العربي،العدد السادس.

زين الدين بن علي العاملي، مسالك الافهام الى تنقيح شرائع الاسلام، المجلد الرابع، ط3، مؤسسة المعارف الاسلامية، 1425هـ.

سعيد عبدالكريم مبارك، الحقوق العينية الاصلية، بغداد، شركة الرابطة للطباعة والنشر، 1973.

شرف الدين اسماعيل المعروف بابن المقرى، اخلاص الناوي في ارشاد الغاوي الى مسالك الحاوي، المجلد الثاني، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،2004.

طاهر الطرابلسي، ترتيب القاموس المحيط، ج4، القاهرة، مطبعةالاستقامة،1959.

عبد الجبارعلي محمد، إشهار إفلاس الشركة وآثاره القانونية في القانون العراقي، رسالة ماجستير مجلة كلية التراث الجامعة،2016.

  1. عبدالمجيد المنصور، مقاصد تفليس الشركات بين الفقه والنظام والنظام الأمريكي1999.
  2. قتيبة عبدالرحمن العاني، خبير اقتصادي الإفلاس التجاري في الشريعة والقانون2017.
  3. لويس معلوف، المنجد في اللغة والاعلام، ط33، دار المشرق، بيروت، لبنان، 1994.
  4. محمد بن عيسى ابوعيسى(الترمذي)، سنن الترمذي، ج2 ، بيروت، داراحياء التراث العربي.

محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، ج26، ط1، مؤسسة النشر الاسلامي، 1432هـ.

مصطفى الزلمي وعبد الباقي البكري، المدخل لدراسة الشريعة الاسلامية، بغداد، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر،1989.

منذرعبد الحسين الفضل، ملاحظات في القانون المدني العراقي، محاضرات ألقيت على طلبة المعهد القضائي،1990.

نوري طالباني، القانون التجاري العراقي(النظرية العامة)ج1، بغداد،۱۹۷۲.

الهوامش:

  1. ()باسم محمد صالح ، القانون التجاري ، القسم الأول ، النظرية العامة ، سنة الطبع 2009، ص 40.
  2. ()نوري طالباني ، القانون التجاري العراقي ( النظرية العامة )، ج1 ، طا ، بغداد ، 1972 ، ص70.
  3. ()العلامة جمال الدين ابي الفضل ابن منظور الانصاري ، لسان العرب ، المجلد الرابع ، ط1، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، 2005 ، ص268.
  4. ()الامام محمد مرتضى الزبيدي ، تاج العروس من جواهر القاموس ، المجلد الثامن ، دار الفكر للطباعة والنشر ، بيروت ، لبنان ، 1994، ص402.
  5. ()لويس معلوف ، المنجد في اللغة والاعلام ، ط33، دار المشرق ، بيروت ، لبنان ، 1994، ص593.
  6. ()مشار اليه في مؤلف الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، ج26، ط1، مؤسسة النشر الاسلامي، 1432هـ، ص540.
  7. ()العلامة شرف الدين اسماعيل المعروف بابن المقرى، اخلاص الناوي في ارشاد الغاوي الى مسالك الحاوي، المجلد الثاني، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2004، ص28.
  8. ()زين الدين بن علي العاملي، مسالك الافهام الى تنقيح شرائع الاسلام، المجلد الرابع، ط3، مؤسسة المعارف الاسلامية، 1425هـ، ص86.
  9. ()القاضي ابي يحيى زكريا الانصاري الشافعي، اسنى المطالب شرح روض الطالب، المجلد الرابع ، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2001، ص453.
  10. ()احمد بن يحيى بن المرتضى، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار ، المجلد السادس ، ط1، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، 2001، ص122.
  11. ()منذرعبد الحسين الفضل، ملاحظات في القانون المدني العراقي، محاضرات ألقيت على طلبة المعهد القضائي،1990، ص62.
  12. ()قتيبة عبدالرحمن العاني، خبير اقتصادي الإفلاس التجاري في الشريعة والقانون/ 2017، ص2.
  13. ()الإفلاس التجاري في الشريعة والقانون، مجلة الاقتصاد الإسلامي العدد 479 / صفر 1442هـ، ص4.
  14. ()Sullivan, arthur (2003). Economics: Principles in action. Upper Saddle River, New Jersey 07458: Pearson Prentice Hall. صفحة 264. ISBN 0-13-063085-3. مؤرشف من الأصل في 10 ديسمبر 2019.
  15. ()باختصار ما معني كلمة مدين ودائن؟”، bayt، اطّلع عليه بتاريخ 6-7-2018. بتصرّف.
  16. ()طاهر الطرابلسي ، ترتيب القاموس المحيط ، ج4 ، القاهرة ، مطبعة الاستقامة ، 1959 ، ص298
  17. ()ابو عبد الرحمن محمد عبد الله قاسم ، المعتمد قاموس عربي عربي ، ط1 ، بيروت ، دار صادر ، 2001 ، ص668.
  18. ()احمد بن محمد بن علي الفيومي ، المصباح المنير، ج2، بيروت، المكتبة العلمية، د.ت، ص586 .
  19. ()الامام ابو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي المصري ، لسان العرب ،المجلد 14 ، ط1 ، بيروت ، دار صادر ، 2001 ، ص152
  20. ()احمد بن محمد بن علي الفيومي ، المصباح المنير ، ج2 ، بيروت ، المكتبة العلمية ، د. ت ، ص586
  21. ()رواه الامام محمد بن عيسى ابو عيسى (الترمذي)، سنن الترمذي، تحقيق احمد محمد واخرون، ج2 ، بيروت، داراحياء التراث العربي ص274.
  22. ()سعيد عبد الكريم مبارك ، الحقوق العينية الاصلية ، بغداد ، شركة الرابطة للطباعة والنشر ،1973 ص7
  23. ()مصطفى الزلمي وعبد الباقي البكري، المدخل لدراسةالشريعةالاسلامية، بغداد، مديريةدار الكتب للطباعةوالنشر،1989،ص175.
  24. () الموسوعة العربية المجلد الثاني ، باب الافلاس ، ص22.
  25. ()عبد الجبار على محمد، إشهار إفلاس الشركة وآثاره القانونية في القانون العراقي، رسالة ماجستير مجلة كلية التراث الجامعة، العدد العاشر، ص120.
  26. ()ايمن البياع، الإفلاس التجاري ونتائجه على الدائن والمدين ،يونيو2007،ص55.
  27. ()عبد المجيد المنصور ، مقاصد تفليس الشركات.. بين الفقه والنظام، والنظام الأمريكي 1999.
  28. ()رضا شيت خطاب، الافلاس الواقعي، عضو محكمة استئناف بغداد، نشر المقال في نيسان / ابريل 1961 ، مجلة الرائد العربي ،العدد السادس.
  29. () ثازاد شكور صالح امير حسين يوسف، الوسائل الوقائية لإنقاذ الشركات التجارية من الإفلاس، دراسة تحليلية مقارنة.
  30. ()الجمعية الوطنية للخبراء ومتصرفي القضاء، 4 يناير 2015