دعوى التعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة

مصطفى عواد أجرب الجميلي1

1الجامعة الإسلامية في لبنان.

إشراف الإستاذة الدكتورة/ رجاء الشريف

HNSJ, 2024, 5(7); https://doi.org/10.53796/hnsj57/15

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/07/2024م تاريخ القبول: 18/06/2024م

المستخلص

هدف هذا البحث الى دراسة ما هو المقصود بدعوى التعويض وما هي خصائصها وهل يكفي تقرير التعويض عن خطأ الإدارة في قراراتها غير المشروعة للحد من هذه الظاهرة؟. اتبع البحث المنهج الوصفي ولمنهج التحليلي والمنهج المقارن، توصل البحث الى عدة نتائج أهمها أن دعوى التعويض هي الدعوى التي يمكن خلالها أن يحصل المتضرر من القرار الإداري غير المشروع على تعويض الضرر بعد إثبات عدم مشروعية القرار الإداري. قدم البحث عدة توصيات أهمها ضرورة العمل بالقضاء الإداري في كل من العراق ولبنان، على تكريس التعويض عن الضرر المعنوي الذي يمكن أن يتولد عن القرار الإداري غير المشروع، باعتباره ضرر مستقل عن الضرر المادي.

Research title

claim for compensation for illegal administrative decisions

Mustafa Awad Ajrab Al-Jumaili1

1 Islamic University of Lebanon.

HNSJ, 2024, 5(7); https://doi.org/10.53796/hnsj57/15

Published at 01/07/2024 Accepted at 18/06/2024

Abstract

The aim of this research is to study what is meant by a claim for compensation, what are its characteristics, and is it sufficient to determine compensation for the administration’s error in its illegal decisions to reduce this phenomenon? The research followed the descriptive approach, the analytical approach, and the comparative approach. The research reached several results, the most important of which is that the compensation lawsuit is the lawsuit in which the person harmed by the illegal administrative decision can obtain damage compensation after proving the illegality of the administrative decision. The research presented several recommendations, the most important of which is the need for the administrative judiciary in both Iraq and Lebanon to devote compensation for the moral damage that could result from an illegal administrative decision, as damage independent of material damage.

المقدمة

يعتبر القضاء الإداري الملاذ الذي يلجأ إليه الأفراد من أجل تقويم أعمال السلطة الإدارية ونشاطاتها إذا ما حادت عن طريق الصواب واحترام النصوص الدستورية وقواعد القانون، وذلك من خلال ما يمارسه هذا القضاء من رقابة على أعمالها ونشاطاتها عن طريق قضاء الإلغاء وقضاء التعويض.

وقضاء الإلغاء ونظراً لاقتصار دور القاضي فيه على إلغاء القرارات الإدارية غير المشروعة يقف عاجزاً عن تعويض الأفراد أو الهيئات الذين قد يصيبهم ضرر جراء تلك القرارات الإدارية غير المشروعة، فكان لا بد من وجود قضاء آخر إلى جانبه يكمل الحماية القانونية ويجبر الضرر الذي لحق بالشخص المصار وهو ما يعرف بقضاء التعويض.

وتُعد دعوى التعويض عن الأعمال القانونية للإدارة التي محلها وموضوعها القرارات الإدارية غير المشروعة، والعقود الإدارية، من الدعاوى الإدارية الأكثر قيمة قانونية، وعملية، فهي الوسيلة القضائية التي يستطيع من خلالها المضرور الحصول على الحماية الكاملة، وذلك بجبر الضرر الذي لحقه منها، بسبب أنها غير مشروعة وضارة، وتمتاز عن دعوى الإلغاء بأنها أشمل موضوعًا، وصلاحيات القاضي فيها أوسع، وأنها دعوى شخصية، ومن دعاوى القضاء الكامل، ومن دعاوى الحقوق.

فقضاء التعويض أو ما يسمى قضاء المسؤولية والذي هو صورة من صور القضاء الكامل يبحث في مدى تقرير مسؤولية الدولة عن أعمال سلطاتها بالنسبة للأضرار التي قد تصيب الآخرين بسبب هذه الأعمال.

اشكالية الدراسة:

فما هو المقصود بدعوى التعويض وما هي خصائصها، هذا ما نتناوله في هذا المطلب من خلال التالي:

هل يكفي تقرير التعويض عن خطأ الإدارة في قراراتها غير المشروعة للحد من هذه الظاهرة؟

ويتفرع عن هذه الإشكالية عدة تساؤلات من أهمها:

فعالية التعويض في الحد من القرارات الإدارية غير المشروعة؟

ما هي الإشكاليات التي تعترض التعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة وما هي سبل حلها؟

أهمية الدراسة:

تأتي أهمية دراسة مدى تطور الاجتهاد القضائي في كل من لبنان والعراق لتقرير مسؤولية الإدارة عن قراراتها غير المشروعة، ومدى استنادهما لقواعد القانون المدني، ومدى مواكبتهما لتطور الاجتهاد القضائي في كل من فرنسا ومصر في هذا الخصوص، في ظل الركون التشريعي في هذا المجال في البلدين، وترك مهمة تطوير القانون الإداري لاجتهاد القضاء الإداري ذاته، استناداً للدور الإنشائي والخلاق الذي يمارسه القاضي الإداري.

الأسباب الداعية لاختيار عنوان الدراسة :

من أهم الأسباب التي دعتنا لاختيار دراسة مسؤولية الإدارة عن قراراته غير المشروعة، حداثة هذا الموضوع نسبياً، وما يرافقه من نقاش وجدل فقهي كبيرين لناحية مسألة تحديد الأساس القانوني لهذه المسؤولية وخاصة فيم يتعلق بالشروط الخاصة بالضرر، ثم الغموض الذي يكتنف بعض المصطلحات ضمن هذا الموضوع.

كما أن موضوع المسؤولية الإدارية يكتسي أهمية علمية كبيرة، بالإضافة إلى أنه يعتبر من أهم وأدق

موضوعات القانون الإداري لارتباطه الوثيق والمباشر بحقوق المواطنين اتجاه الإدارة العامة. ومن الأسباب أيضا افتقار المكتبة القانونية العراقية واللبنانية على وجه الخصوص إلى دراسات متخصصة في هذا الموضوع الذي يكتسي أهمية بالغة بالخصوص في هذا الوقت الحالي.

كما أن موضوع مسؤولية الإدارة عن قراراتها غير المشروعة يأتي في وقت مهم ومناسب حيث أن هذه المسؤولية تكرس دولة القانون التي تصان فيه الحقوق والحريات والتي هي الهدف المنشود لكل الشعوب.

منهج الدراسة:

تتبع هذه الأطروحة المنهج الوصفي لضرورة الوقوف على المفاهيم البحثية المرتبطة بموضوع بحثه بحيث تظهر بصورة واضحة وجليه، بالإضافة للمنهج التحليلي، بُغية تحليل الأحكام القضائية والنصوص القانونية ذات الصلة بموضوع الدراسة، فضلاً عن اتباع المنهج المقارن ، وذلك لضرورة الاطلاع على الاجتهاد القضائي والفقهي في كل من فرنسا ومصر، ومقارنتها بالعراق ولبنان للوصل إلى التصور القانوني الأدق الذي يحكم مسؤولية الإدارة عن قراراتها غير المشروعة.

هيكلية الدراسة:

اعتمدنا في هذه الدراسة التقسيم الثنائي: حيث قمنا بتقسيم البحث إلى نبذتين على الشكل التالي:

المبحث الأول: مفهوم دعوى التعويض

الفرع الأول: تعريف دعوى التعويض

دعوى التعويض هي دعوى يرفعها المتضرر أمام المحكمة المختصة للمطالبة بجبر الضرر الذي لحق به، نتيجة انتهاك حق معين من حقوقه التي منحه إياه القانون، وبالتالي فإن دعوى لتعويض هي دعوى يرفعها المدعي (المتضرر) على المدعى عليه، ويجب أن يكون الضرر نتيجة مباشرة للفعل الضار الذي قام به المدعى عليه.

فدعوى التعويض هي دعوى شخصية يرفعها المضرور إلى القضاء مطالباً تضمين ما أصابه من ضرر سواء كان مادياً أم معنوياً نتيجة تصرف الإدارة الغير مشروع،

وتعتبر دعوى التعويض الوسيلة القضائية لتجسيد وتطبيق أحكام النظام القانوني لنظرية المسؤولية الإدارية، تطبيقا حقيقيا وسليم، ويعرفها الفقه بأنها :” دعوى قضائية ذاتية التي يحركها ويرفعها أصحاب الصفة والمصلحة أمام الجهات القضائية المختصة وطبقا للشكليات والإجراءات المقررة قانوناً، للمطالبة بالتفويض الكامل والعادل اللازم لإصلاح الاضرار التي أصابت حقوقهم بفعل النشاط الإداري الضار” . ([1])

وفي تعريف آخر هي: ” دعوى من أهم دعاوى القضاء الكامل التي يتمتع فيها القاضي بسلطات كبيرة تهدف إلى المطالبة بالتعويض و جبر الأضرار المترتبة على الأعمال الادارية و المادية و القانونية”، ومن جهته يعرفها عمار بوضياف بأنها: “دعوى من خلالها يطلب صاحب الشأن من الجهة القضائية المختصة القضاء له بمبلغ من المال تلتزم الادارة بدفعه نتيجة ضرر أصابه.” ([2])

ويقصد بدعوى التعويض “الدعوى التي يحركها المدعي، بغية الحصول على حكم بإلزام الإدارة، بأن تؤدي إليه تعويضاً، عما أصابه من أضرار مادية وأدبية، جراء تصرف الإدارة تصرفاً غير مشروع” ([3])

ويتضح لنا من التعاريف السابقة أن قضاء التعويض أو التضمين أو ما اصطلح الفقهاء على تسميته القضاء الكامل أو الشامل ينتمي إلى القضاء الشخصي أو الحقوق ويهدف إلى حماية المراكز القانونية الفردية والحقوق الشخصية للأفراد وستند إلى حق اعتدي عليه أو مهدد بالاعتداء عليه من جانب الإدارة العامة، ويقوم المتضرر بالمطالبة بجبر الضرر الذي أصابه نتيجة تصرف الإدارة والذي يجب أن يكون غير مشروع، أما إذا كان القرار الذي صدر عن الإدارة سليماً في مضمونه محمولاً على أسباب تبرر إصدارة فلا مجال للحكم بالتعويض مهما بلغت جسامة الضرر الذي لحق بالأفراد.

خصائص دعوى التعويض

من خلال التعاريف السابقة يمكن استنتاج خصائص دعوى التعويض التي تتمثل فيما يلي:

– دعوى التعويض دعوى ذاتية وشخصية: ومعنى دلك أنها تحرك على اساس شخصي وذاتي أي ترمي إلى تحقيق مصلحة شخصية وذاتية، تتمثل في الحصول على تعويض لجبر للأضرار المادية و المعنوية التي أصابت الحقوق و الم ا ركز القانونية الشخصية ل ا رفعها .

-دعوى التعويض من دعاوى قضاء الحقوق: كونها تستهدف بصورة مباشرة وغير مباشرة المطالبة بالحماية القضائية لحقوق ذاتية و شخصية مكتسبة، من خلال التعويض العادل و الكامل للأضرار رر المادية و المعنوية التي أصابت الحقوق الشخصية المكتسبة.

الفرع الثاني: شروط دعوى التعويض

لدعوى التعويض بعض الشروط التي لا بد من توافرها شأنها شأن الدعاوى الأخرى، وبما أن هذه الدعوى هي أهم صورة من صور القضاء الكامل فان شروطها باعتقادنا تمثل الشروط العامة لدعوى القضاء الكامل ، وسنبين هذه الشروط على النحو الآتي :

أولا : المصلحة في دعوى التعويض

من الأمور المسلم بها أن شرط المصلحة الواجب تحققه لقبول الدعوى يتعين أن يتوفر من وقت رفع الدعوى وأن يستمر قيامه حتى يفصل فيها نهائياً. ([4])

فيشترط لقبول الدعوى أن يكون رافعها في حالة قانونية خاصة بالنسبة الى القرار المطعون فيه ، من شأنها أن تجعله مؤثراً تأثيراً مباشراً في مصلحة شخصية له والاّ كانت الدعوى غير مقبولة ، واذا كان ذلك من الأمور المسلم بها بالنسبة لطلبات إلغاء القرارات الادارية فانه من باب أولى لا غنى عن هذه المصلحة بالنسبة لطلبات التعويض عن تلك القرارات سواء رفعت بصفة أصلية أو تبعاً لطلب الإلغاء.([5])

ومن حيث أن الخصومة القضائية هي حالة قانونية تنشأ عن مباشرة الدعوى أمام القضاء ، فأنه يلزم لصحة الدعوى أن تكون موجهة من صاحب الشأن أو من جانب صاحب الصفة في تمثيله والنيابة عنه قانوناً ، أو أتفاقاً ، كما أن المقرر من شروط قبول الدعوى أن تكون هناك مصلحة شخصية مباشرة مادية كانت أم أدبية لرافع الدعوى ، بأن يكون في حالة قانونية خاصة بالنسبة الى القرار المطعون فيه ويكون من شأنه أن يؤثر فيه تأثيراً مباشراً والاّ عدت الدعوى غير مقبولة شكلاً ، فأن التحقق من صفة الخصوم أمر جوهري في انعقاد الخصومة ويتعلق بالنظام العام ، خاصة بالنسبة للدعاوى الادارية. ([6])

ثانياً : التظلم الاداري في دعوى التعويض

سلطة القاضي الاداري في دعوى الإلغاء هي بحث مشروعية القرار في ضوء القانون وإلغاء القرار غير المشروع ، أما سلطة القاضي الاداري في دعوى القضاء الكامل ( دعوى التعويض) هي تعديل القرار الاداري مع الحكم بالتعويض إذ كان له مقتضى. ([7])

وقد نص قانون مجلس شورى الدولة العراقي رقم 65 لسنة 979 في المادة (السابعة/ثانياً/ط) ما يأتي:

“تبت المحكمة في الطعن المقدم أليها ، ولها أن تقدر رد الطعن أو إلغاء أو تعديل الأمر أو القرار المطعون به مع الحكم بالتعويض أن كان له مقتضى بناء على طلب المدعي…”

وهذا النص يستشف انه يتضمن كل من دعوى الإلغاء التي تهدف إلى إلغاء القرار غير المشروع ، ودعوى القضاء الكامل التي تهدف الى تعديل القرار مع الحكم بالتعويض ان كان له مقتضى .

وإذا كانت الفقرة ( و ) من البند ( ثانياً ) من المادة ( السابعة ) من قانون مجلس شورى الدولة قد نصت على وجوب تقديم التظلم الاداري الى جهة الإدارة قبل رفع الدعوى أمام محكمة القضاء الاداري ، فأنه من باب أولى أن يتم توافر هذا الشرط قبل رفع دعوى القضاء الكامل استنادا الى نص الفقرة ( ط ) من البند ( ثانياً ) من المادة ( السابعة ) .

ثالثاً: الميعاد في دعوى التعويض

بادي ذي بدء لا بد من القول أنه لا يسرى ميعاد الستين يوماً بالنسبة لميعاد رفع دعوى التعويض ، فيجوز رفعها طالما لم يسقط الحق في أقامتها ، فالميعاد المشار أليه خاص بطلبات إلغاء القرارات الادارية دون غيرها من المنازعات ، فلا تسري على طلبات التعويض التي يجوز رفعها ما دام لم يسقط الحق في أقامتها طبقاً للأصول العامة، وذلك للاعتبارات الآتية:

1. ما نص عليه المشرع من انه ( على المتظلم أن يقدم طعنه الى المحكمة خلال ستين يوماً من تاريخ انتهاء مدة الثلاثين يوماً المنصوص عليها في الفقرة ( و ) من ( ثانياً ) من هذه المادة ، والا سقط حقه في الطعن ولا يمنع ذلك من مراجعة المحاكم العادية للمطالبة بحقوقه في التعويض عن الأضرار الناشئة عن المخالفة أو خرق القوانين) ([8])، ومفاد ذلك أن المادة المذكورة تحدد ميعاد الستين يوماً للدعوى الخاصة بإلغاء القرار الاداري وهي دعوى الإلغاء وليس لدعوى التعويض .

2. لأن طلب التعويض منوط بحلول الضرر وهذا لا يترتب حتماً على إعلان القرار الاداري أو نشره ، بل يترتب في الغالب على تنفيذ القرار فلو أن ميعاد الستين يوماً يسرى على طلب التعويض لكان مقتضى هذا انه يلزم رفضه حتى لو لم يحل الضرر بصاحب الشأن.

3. لأن الحكمة التشريعية من تحديد رفع الدعوى بستين يوماً هي استقرار القرارات الادارية حتى لا تكون مستهدفة لخطر الإلغاء وقتاً طويلاً ، وهذه الحكمة أذا كانت متوافرة فيما يتعلق بطلبات إلغاء القرارات فأنها منعدمة بالنسبة الى دعوى التعويض.([9])

وبالتالي يمكن اقامة دعوى القضاء الشامل بعد انبرام القرار الاداري، وفي ذلك يذهب مجلس شورى الدولة اللبناني في أحد أحكامه إلا أن:

“القرار المذكور يستند الى سببين الاول مخالفة المستدعي للقرار رقم 75 والثاني مخالفته الخرائط لجهة عدم تأمين المدخل الثاني للمحطة وحيث ان المحافظ لم يذكر نوع المخالفة للقرار رقم 75 فلا يمكن التوقف عند هذا السبب وحيث ان شرط تأمين هذا المدخل لم يرد في قرار الترخيص وحيث ان المستدعي لم يرتكب اي خطأ في عدم تأمين المدخل الثاني اذ انه لجأ في حينه الى المحاكم الصالحة لتأمين المدخل المذكور وقد تمكن في 4 تموز سنة 1962 من الحصول على حكم من محكمة الاستئناف يثبت حقه بذلك وحيث ان الادارة لم تكن على حق عندما رفضت امهال المستدعي ريثما يتمكن من تأمين المدخل المذكور بواسطة القضاء وحيث تبين مما تقدم ان قرار الترخيص المعطى للمستدعي كان مطابقا لأحكام القانون ولم يكن بالتالي يحق للإدارة الرجوع عنه وحيث ان المحافظ يكون قد اخطأ في اصدار قرار التوقيف عن الاستثمار الامر الذي يوجب مسؤولية الدولة عن الاضرار اللاحقة بالمستدعي وحيث ان هذا المجلس قد تمشى على القول ان انبرام القرارات الادارية لا يحول دون المطالبة عن طريق القضاء الشامل بالحقوق الناشئة عن العيوب المشوبة بها تلك القرارات وذلك لان دعوى التعويض هي مستقلة عن دعوى الابطال بسبب تجاوز حد السلطة تظل اقامتها ممكنة وان اضحت دعوى الابطال غير مقبولة لانقضاء المهل اذ ان المهل الذي تطبق على هذه الدعوى الاخيرة هي غيرها في دعوى التعويض”. ([10])

رابعاً: علاقة دعوى التعويض بدعوى الإلغاء

أذا كانت دعوى الإلغاء مستقلة في الأصل عن دعوى القضاء ( دعوى التعويض )، إلا أن هناك ارتباط بين كل منهما، حيث يجوز الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض في عريضة واحدة هي عريضة دعوى الإلغاء على أن يكون طلب التعويض بالتبعية لطلب إلغاء القرار المشروع. ([11])

وهناك ارتباط بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض فيما يتعلق بمدى تأثير الحكم الصادر في دعوى الإلغاء على الفصل في دعوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن القرار الاداري المطعون فيه بالإلغاء ، ويظهر الارتباط في أن الحكم الصادر في دعوى الإلغاء يؤثر في نتيجة الحكم الذي يصدر في دعوى التعويض ، ومع ذلك أذا قُضّيَ بعدم قبول طلب الإلغاء شكلاً لرفعه بعد الميعاد أو لغير ذلك من الأسباب ، فان هذا لا يمنع القضاء من استظهار ركن المشروعية للتحقق من قيام هذا الركن أو انعدامه عند نظر طلب التعويض .

وقد ذهبت المحكمة الادارية العليا الى أنه: “من المسلم أن مناط مسؤولية الإدارة عن القرارات الادارية التي تصدرها هو قيام خطأ من جانبها بأن يكون القرار الاداري غير مشروع لعيب من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة وأن يحيق بصاحب الشأن ضرر وان تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر ، فإذا برأت من هذه العيوب كانت سليمة مشروعة مصادقة للقانون لا تسأل الإدارة عن نتائجها وأن عدم قبول طلب إلغاء القرار الاداري شكلاً لرفعه بعد فوات الميعاد القانوني لا يحول دون البحث في مشروعيته بمناسبة نظر طلب التعويض عنه باعتبار أن كون القرار معيباً بأحد العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة يمثل ركن الخطأ في مسؤولية الإدارة عن قراراتها غير المشروعة”. ([12])

ونصل الى أنه يمكن اعتبار دعويي الإلغاء القرار الإداري والتعويض عنه وعن الاعمال الإدارة المادية وسيلة أمام الفرد المحكوم له، وله أن يلجأ اليهما ولكن أمام القضاء العادي. وكذلك الأمر بالنسبة لإقليم كوردستان، فيتضح من مفهوم نص الفقرة خامساً من المادة/13 عندما ينص على أن ” طلبات التعويض من الاضرار الناجمة من القرارات الإدارية الصادرة خلافاً للقانون.” ، أن دعاوى التعويض عن الأضرار الناشئة عن الأعمال المادية للإدارة تكون من اختصاص القضاء العادي، ولا يمكن للقضاء الإداري النظر فيها، أما بالنسبة للتعويض عن القرارات الإدارية، فعلى الرغم من إمكانية طلب التعويض لا بشرط أن يكون بصفة تبعية لدعوى الإلغاء، وهي خطوة جيدة لتوسيع اختصاصات المحكمة الإدارية، وسبقت المشرع العراقي في هذا الشأن، حتى إن عدت امتناع الإدارة قراراً إدارياً، إيجابياً كان أو سلبياً، فرأينا أن القضاء أخرج من نطاق اختصاصاته النظر في الطعن بالإلغاء في امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الإداري، ولا نتصور أن تخالف رأيه في شأن الإلغاء بالنسبة للتعويض، وعلى الرغم من إمكانية طلب التعويض أمامه كدعوى مستقل، فلم نجد على حد علمنا تطبيقات للقضاء الإداري للمطالبة بالتعويض عن امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الإداري، وأصبح اختصاص النظر فيها من اختصاص القضاء العادي. وبناء على ما سبق، نصل الى أن دعوى الإلغاء على الرغم من كونها وسيلة يمكن للفرد المحكوم لصالحه أن يلجأ اليه، كوسيلة قضائية لإجبار الإدارة على تنفيذ الحكم الإداري، إلا أننا لا نتصور أن تكون طريقة مجدية وذات أثر فعال، لأن الإدارة التي لا تستجيب لحكم إداري لا نتصور أن تستجيب لتظلم مقدم من المحكوم له أو لحكم إداري آخر بشأن الموضوع نفسه ، وكما يقال إن ولاية القاضي الإداري في دعوى إلغاء الامتناع هي ولاية النظر نفسها في الدعوى الأولى. ([13])، وبهذا نكون أمام دعوى الإلغاء ثانية وثالثة ورابعة.. ومن ثم الدوران في حلقة فارغة، فالأحكام الصادرة بالإلغاء تظل مع ذلك أفلاطونية كالحكم الأول، كما قال هوريو. ([14])

وهكذا الأمر بالنسبة للعراق وإقليم كوردستان، إذ نظر القضاء المدني في طلب الإلغاء، مادام لا يمكن له أن يقضي بتنفيذ جبري على أموال الدولة كما سبق أن بيناه. أما دعوى التعويض فنرى أنها قد لا تكون وسيلة فعالة لإجبار الإدارة على تنفيذ الحكم الإداري، وذلك نظراً لإمكانيات الإدارة المالية في دفع مثل تلك التعويضات للمحكوم له، وخاصة إذا ما رأت الإدارة أن تعويض المحكوم له قد يقنعه أن يتنازل عن الحكم الصادر لصالحه، علماً أن هذا التعويض لا يعفي الإدارة من تنفيذ حكم الإلغاء، لأن الهدف من هذه الوسيلة هو إكراه الإدارة على التنفيذ، ويترتب على ذلك، أنه في كل مرة ترفض الإدارة تنفيذ الحكم، فإنه يمكن الحكم عليها بالتعويض، وأن تقترن إدانة الإدارة بالتعويض، بتحذيرها صراحة الى أحقية صاحب الشأن في التعويض مرة أخرى، إذا ما رفضت الإدارة تنفيذ الحكم. ([15])

خامساً: شرط الضرر في التعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة

إن الخطأ الذي ترتكبه الإدارة من خلال قراراها غير المشروع لا يكفي وحده لكي تقوم مسؤوليتها بالتعويض للأفراد، بل يجب أن يرافق هذا الخطأ ضرر يمس صاحب الشأن، فإذا كان يتصور الحكم بالتعويض دون وقوع خطأ كما في حالة المسؤولية على أساس المخاطر، فإنه لا يتصور أن يحكم بالتعويض عن فعل لا يرتب ضرراً حتى لو كان هذا الفعل خاطئاً، ومن ثم فإن الضرر يعد ركناً لازماً لقيام المسؤولية الإدارية بأنواعها سواء قامت على أساس الخطأ أم على أساس المخاطر.

ولركن الضرر الموجب لقيام المسؤولية شروط استقر عليها الفقه والقضاء الإداري وهي: ([16])

أن يكون الضرر مباشراً

أي أن هناك علاقة سببية مباشرة بين فعل الإدارة والضرر المدعى بوجوده، أي أن يكون عمل الإدارة هو السبب المباشر للضرر المطلوب التعويض عنه، فمن المسلم به فقهاً وقضاءً أنه يجب أن تتوافر علاقة سببية مباشرة بين الضرر المطالب بالتعويض عنه وبين الفعل الناشئ عن الضرر، أي أن يكون الضرر نتيجة مباشرة للفعل نفسه([17])

فالقضاء الإداري اللبناني مستقر إلى أنه: “لا يقبل الطعن بالقرار الاداري لتجاوز حد السلطة الا اذا توفرت فيه الشروط المطلوبة أي أن يكون القرار صريحاً أو ضمنياً نافذاً وضاراً”. ([18])

وفي حكم أخر: “قد اقر للمستدعي حقه بان يرقى الى رتبة مفوض وقضى له بالتعويض الذي يوازي قيمة رواتبه عن المدة التي حرم من الخدمة فيها بهذه الرتبة وحيث ان الضرر الناشئ عن هذا الحرمان خلال المدة المذكورة اذ تناول الراتب التي حكم له بالتعويض عنها يكون قد شمل أيضاً ما فقده من حق في ادخال هذه المدة في حساب التقاعد مع ما يترتب من زيادة في راتبه التقاعدي وحيث انه يقتضي تعويضه ايضاً عن هذا الضرر المباشر بما يوازي فرق الراتب التقاعدي الشهري الذي كان يجب ان يتقاضاه فيما لو صرف من الخدمة في اول تموز سنة 1958”([19])

كما إن قرارات رفض الترخيص بالبناء هي من القرارات الادارية النافذة وتنشئ ضرر بطالبها كما ان التريث من قبل البلدية هو بمثابة رفض صريح لإعطاء الترخيص. ([20])

فمراجعة الابطال لا تقبل الا ضد قرار اداري نافذ وضار وفقا لأحكام المادة 105 من نظام مجلس شورى الدولة، وفي ذلك قضى مجلس الشورى اللبناني بحكم حديث نسبياً إلى أن:

“المادة 51 من قانون البلديات نصت على انه، في حال عدم موافقة المجلس البلدي واصرار السلطة المختصة على اتخاذ تدبير مخالف، يعرض الموضوع على مجلس الوزراء عن طريق الوزير المختص لبته بالصورة النهائية، لذلك فان عدم موافقة البلدية على طلب الترخيص باستثمار كسارة بهدف تأهيل أرض مقلع لا يكون بمثابة قرار اداري نافذ وضار، ولا يمكن الطعن به على حدة امام مجلس شورى الدولة عن طريق الابطال لتجاوز حد السلطة، فلا يكون القرار المطعون فيه قابلاً للطعن مباشرة أمام المجلس، الامر الذي يقتضي معه رد المراجعة شكلاً”. ([21])

وفي حكم آخر اعتبر مجلس شورى الدولة أن القرار المطعون فيه الصادر عن البلدية المستدعى ضدها المتضمن تكليف رئيس البلدية المذكورة بتنظيم وادارة قطاع المولدات الكهربائية، والتمني على رئيس البلدية اتخاذ بعض التدابير، لا يتمتع بصفة الالزام للسلطة التي انيطت صلاحية اصدار القرار النافذ بتنظيم قطاع المولدات الكهربائية، ما يحول دون اعطائه صفة القرار النافذ، تبعاً لما تقدم يكون القرار موضوع المراجعة غير قابل للطعن كونه غير نافذ وضار. ([22])

أن يكون الضرر محققاً ومؤكداً

فإذا كان الضرر احتمالياً فلا يحكم القضاء بالتعويض عنه، بمعنى أن يكون الضرر مؤكداً، فالتعويض يجب أن يقدر على أساس الضرر الواقع فعلاً وليس الضرر المحتمل أو المفترض، وهذا الأمر لا يعني أنه لا يمكن التعويض عن الضرر المستقبلي الذي يوجد ما يؤكد على وقوعه([23])

وفي ذلك يقول مجلس شورى الدولة اللبناني: “وحيث أن الاضرار القابلة التعويض هي الاضرار المؤكد حصولها وأما الاضرار المحتملة الوقوع فهي غير مؤكدة ولا تدخل في الحساب وحيث أن الاضرار المدعى بها لجهة امكانية ترقيته إلى رتبة مفوض عام وتمديد مدة خدمته سنة اخرى هي من الاضرار المحتملة التي لا تقبل التعويض فيكون طلب الرواتب عن السنة المذكورة مستوجباً الرد وحيث إن من الاضرار الاكيدة التي لحقت به ايضا ما نشأ عن حرمانه من الالبسة الرسمية التي كان ينالها سنوياً من الإدارة وما كان يمكن أن توفره له من الالبسة المدنية في المدة المذكورة التي كان يجب أن يبقى خلالها في الخدمة وحيث إنه يقتضي الزام الدولة بأن تدفع له التعويض الذي يقدره المجلس عن تجهيزات الالبسة بمبلغ 3000 ليرة لبنانية على اساس 50 ليرة شهريا من سنة 1953 حتى اول تموز سنة 1958”([24])

كما أن مجلس شورى الدولة اللبناني قد أقر بإمكانية التعويض عن الضرر اللاحق حيث جاء في أحد أحكامه:

“بما انه يتبين من وقائع القضية ان السيدة تريز فغالي استصدرت بتاريخ 1963/07/23 قرارا عن المحكمة البدائية المارونية يقضي بمنع زوجها احسان يوسف الاطرش من السفر خارج الاراضي اللبنانية. وبما ان مديرية الامن العام تبلغت هذا القرار للتنفيذ وعممته على جميع مراكز الامن العام بما فيه مطار بيروت الدولي بموجب البلاغ الهاتفي رقم 2139 تاريخ 1963/07/23 وبما ان احسان الاطرش غادر الاراضي اللبنانية الى الكويت عن طريق المطار بالرغم من وجود قرار المنع وقد تبين ان مأمور الامن العام حسين نخلة المكلف التدقيق ببطاقات المسافرين قد مكن احسان الاطرش من السفر وذلك بإهماله التدقيق ببطاقته المكتوبة بالأحرف اللاتينية وقد انزلت الادارة العقوبة اللازمة بحقه نتيجة لهذا الاهمال. وبما ان الادارة تسأل عن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه موظف الامن العام اثناء قيامه بالوظيفة. وبما أن السيدة تريز فغالي تدعي أن اضراراً لحقت بها من جراء خطأ الموظف المسؤول في التدقيق بالبطاقات وهذه الاضرار تتمثل بعدم امكانها ملاحقة زوجها بالدعاوي المقامة عليه بعد هربه وتأخير السير بها لوجوده خارج البلاد وبتراكم ديون النفقة المتوجبة عليه بسبب تعذر اقامة الدعوى عليه وانفاذ النفقة بحقه وبأن اغراضها وحاجياتها موجودة خارج لبنان وهي لو استطاعت منع زوجها من السفر لكانت استحصلت عليها جميعها وبأنها اصبحت بعد سفر زوجها بدون معيل ولجأت إلى العمل لتأمين مورد عيشها بالاضافة إلى الاضرار المعنوية التي لحقت بها من جراء غياب زوجها عنها. وبما أنه على ضوء ما ذكر أعلاه يرى المجلس بما له من حق التقدير التعويض عن الضرر اللاحق بالمستدعية بمبلغ مقطوع قدره ثلاثة الاف ليرة لبنانية”. ([25])

وفي حكم حديث نسبياً لمجلس الشورى لمخالفة القرار المطلوب الاعادة بشأنه للأصول الجوهرية في التحقيق، ولعدم ابراز الجهة المستدعية لمستندات حاسمة في حوزتها، اذ اعتبر المجلس ان الهيئة الحاكمة قد بحثت مسألة الصفة والمصلحة لدى الجهة المستدعية في المراجعة الاصلية لناحية ملكيتها لعقار مجاور للمزرعة المنوي انشاءها، ما يعني امكانية وجود ضرر مستقبلي محتمل قد يمس وضعهم القانوني، ما يقتضي معه رد السبب المدلى به لهذه الجهة لعدم صحته.

كما رد مجلس شورى الدولة طلب اعادة المحاكمة المبني على تمنع المستدعي الاساسي عن ابراز مستندات حاسمة في المراجعة، اذ اعتبر المجلس ان المستند الحاسم هو المستند الذي يجهل المستدعي وجوده او مضمونه، او يكون عالما بوجوده ومضمونه وقد طالب دون جدوى بإبرازه في المراجعة الاساسية. ([26])

أن يكون الضرر خاصاً

وهذا أهم ما يميز ركن الضرر في المسؤولية الإدارية، حيث يتوجب أن يصيب الضرر فرداً معيناً أو أفراد محددين على وجه الخصوص، أما إذا كان لضرر عاماً يصيب عدد غير محدد من الأفراد فإنه يعتبر من الأعباء أو التكاليف العامة التي يجب على عموم الأفراد تحملها دون تعويض([27])

وفي ذلك يقول مجلس شورى الدولة اللبناني بأحد أحكامه: “وبما انه يتبين من مراجعة الملف ان الاضرار التي لحقت بالشركة المستدعية هي اضرار خاصة وبليغة ولا يمكن اعتبارها من نوع الاضرار التي يتحتم على المواطن تحملها من جراء تنفيذ المصلحة العامة”. ([28])

وفي حكم آخر لمجلس الشورى اللبناني والذي تضمن شروط الحكم على الدولة بالتعويض عن الضرر عن الناتج القرار الاداري بتسعير بعض السلع، جاء فيه:

“وحيث ان مجرد مخالفة الدولة الاصول والقانون المعاملات السابقة في اصدار قرار ما لا يكفي بحد ذاته لان يبرر الحكم على الدولة بالتعويض بل يجب على المدعين ان يثبتوا ان المخالفة الحقت بهم فعليا ضررا وان يقدر التعويض بالقدر الفعلي للضرر المسبب عن المخالفة وحيث ان اعتراض الدولة بان الادارة لا تسأل عن مخالفة الاصول الشكلية لان لها ان تعود الى التسعير بعد اكمال هذه المراسيم وجد مردودا لأنه اذا كان هذا القول يعتبر صحيحا فيما لو لم تنشأ عن قرارها اضرار بالأفراد فإن هذا الادعاء لا يكون صحيحاً عندما تكون المخالفة في القرارات المطعون فيها الباطلة تتعلق ليس فقط في الشكل بل في الاسس التي اوجب عليها الشارع مراعاتها في التسعير اذ الحقت بالأفراد اضراراً من ذلك مخالفة واجب تعيين الاسعار المذكورة بالنسبة الى اكلافها مضافاً اليها أرباح التاجر المعقولة وحيث إن ادعاء الدولة أن الاضرار المدعى بها ليست اضراراً خاصة فلا يجب التعويض عنها وجد مردوداً أيضاً لان الضرر المدعى به هنا هو ضرر ناشئ ليس عن مجرد استعمال الدولة حقها بصورة موافقة للقانون في تسعير الكتب ليمكن القول بانها لا تسأل عما ينشأ عنه من ضرر عام بل إن الضرر هنا نشأ عن مخالفتها القانون بعدم اتباعها في تحديد الاسعار”. ([29])

أن يخل الضرر بمركز قانوني مشروع

فالضرر الذي يمكن التعويض عنه يجب أن يكون قد وقع على حق مشروع سواء أضر بحق قانوني أم مصلحة مالية مشروعة، وبصرف النظر عما إذا كان قد لحق الضرر بصاحب الحق من الناحية المادية أم من الناحية الأدبية.([30])

أن يكون الضرر قابلاً للتقدير بالنقود

حيث أن تقدير الضرر النقدي يسهل بالنسبة للأضرار المادية، أما الأضرار المعنوية كالآلام النفسية الناشئة عن فقد عزيز أو الاعتداء على كرامة الشخص أو سمعته، هي مسائل يصعب تقديرها بالمال، وهذا ما دفع القضاء الإداري الفرنسي إلى تجنب منح التعويض عن الأضرار الأدبية في بادئ الأمر([31])

وفي ذلك يقول مجلس شورى الدولة اللبناني: “أنه بالنسبة للخسارة الناتجة عن الأضرار المادية يجب أن تقدر عند انتهاء الضرر وبعد معرفة أهميته حيث كان باستطاعة المتضرر مباشرة الأشغال المخصصة لإصلاح تلك الأضرار ما لم يثبت وجود أسباب قانونية ومادية منعته من مباشرة التصليحات اللازمة فوراً”. ([32])

لذلك يجب إثبات وقوع الضرر، حتى يتمكن القاضي الإداري من تقدير التعويض عنه، وفي حال عدم القدرة على إثبات الضرر فإن الدعوى ستكون مجردة من الدليل، وفي هذا السياق قضى مجلس الشورى اللبناني بأحد أحكامه على أنه:

“بما ان المستدعى ضدها تدلي بعدم صحة وثبوت الاضرار المدعى بها وبعدم قانونية تقرير الخبير المبرز سواء لجهة عدم تعينه من قبل القضاء الاداري لو لجهة عدم دعوتها لحضور المعاينة وبما ان المجلس قرر دعوة الخبير كشاهد فلم يحدد المستدعي عنوانه رقم تعهده فتعذر سماعه للتحقق من مضمون تقريره بمواجهة المستدعى ضدها وبما انه ولئن كانت الاصول الادارية استقصائية فانه ينبغي ان يكون بمقدور القضاء الاداري اجراءها وبما ان عدم مساهمة المستدعي في التوصل الى الخبير وانقضاء وقت طويل على الحادث جعل التحقيق المنتج متعذرا وامست طلبات المستدعي مجردة عن الدليل وبالتالي مستوجبة الرد لعدم الثبوت”. ([33])

الخاتمة

وفي ختام هذه الدراسة نقدم مجموعة من النتائج والتوصيات التي توصلنا إليها:

النتائج:

دعوى التعويض هي الدعوى التي يمكن خلالها أن يحصل المتضرر من القرار الإداري غير المشروع على تعويض الضرر بعد إثبات عدم مشروعية القرار الإداري.

إن قواعد التعويض عن القرارات غير المشروعة هي أولاً: أن يتحقق ركن الخطأ الموجب للتعويض، فليس هناك تلازم بين ثبوت عدم مشروعية القرار الإداري وتحقق ركن الخطأ الموجب للتعويض، إنما يشترط في القرار الذى يجوز التعويض عنه ، ان يصدر مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة، و أن يكون خطأً عمدياً وليد إرادة آثمة للجهة الإدارية، أو أن يصدر القرار دون دراسة كافية على نحو ينبئ بالرعونة في اصدار القرار، وكل هذا يخضع لتقدير القاضي الإداري.

التوصيات:

نهيب بالقضاء الإداري في كل من العراق ولبنان، بالعمل على تكريس التعويض عن الضرر المعنوي الذي يمكن أن يتولد عن القرار الإداري غير المشروع، باعتباره ضرر مستقل عن الضرر المادي.

نهيب بالمشرع اللبناني بالعمل على تعديل نظام مجلس شورى الدولة اللبناني من خلال منح مجلس شورى الدولة سلطة توجيه أوامر للإدارة، تعزيزاً لضمان تنفيذ أحكامه الصادرة بالتعويض ضد الإدارة .

في حال عدم الاستجابة التشريعية للتوصية السابقة، فإننا نهيب بمجلس شورى الدولة اللبناني بالعمل على العدول عن اجتهاده الذي قرر من خلاله مبدأ منع توجيه الأوامر للإدارة من خلال التوسع في تفسير المادة 126 من نظام مجلس شورى الدولة.

قائمة المصادر والمراجع:

شريف أحمد الطباخ، التعويض الإداري في ضوء الفقه والقضاء، مرجع سابق، ص. 5

ماجد راغب الحلو، الدعاوى الإدارية، منشأة المعارف، 1999، ص. 221

محمد الشافعي أبو راس، القضاء الإداري ، مكتبة النصر، مصر، دون تاريخ نشر، ص. 302

معوض عبد التواب ، الموسوعة النموذجية في القضاء الإداري ، المجلد الثاني ، دعوى الإلغاء ، مكتبة عالم الفكر والقانون للنشر والتوزيع ، 2003، ص. 239

الطعن رقم 2956 لسنة 32ق – جلسة 6/5/1990 ، نقلاً عن د. معوض عبد التواب ، المجلد الثالث ، المصدر السابق ، ص343

الطعن رقم 1041 لسنة 37ق – جلسة 7/2/ 1993 ، نقلاً عن المصدر نفسه ، ص347

محمد أنور حمادة، القرارات الإدارية ورقابة القضاء، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، 2004 ، ص73

انظر نص الفقرة ( ز) البند ( ثانياً ) من المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة العراقي رقم 65 لسنة 1979

داود الباز ، الوجيز في قضاء الإلغاء ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، بدون سنة طبع ، ص75

شورى حكم رقم : 1285 /1965

حمد أنور حمادة، القرارات الإدارية ورقابة القضاء، مرجع سابق، ص. 75

حكم المحكمة الادارية العليا في الطعن رقم 237 لسنة 32 ق ، جلسة 25/1/1987 ، مجموعة مبادئها لسنة 1932 ، ص709

شورش حسن عمر ود. دانا عبد الكريم سعيد، اشكالية تنفيذ الاحكام الادارية وضرورة الاصلاح التشريعي في العراق واقليم كوردستان العراق المجلة الاكاديمية للبحوث القانونية والسياسية كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة عمار ثليجي ، الجزائر ، المجلد 3 العدد 1 2019 ، ص 412

عصمت عبدالله الشيخ، الوسائل القانونية لضمان تنفيذ الأحكام الإدارية دار النهضة العربية، القاهرة، 2009 ، ص117.

عمر محمد السيوي، الوجيز في القضاء الإداري، الفضيل للنشر والتوزيع، بنغازي، 2013 ، ص 357

انظر: سعاد الشرقاوي، المسؤولية الإدارية، دار المعارف، 1972، ص. 239

جابر نصار، مسؤولية الدولة عن أعمالها غير التعاقدية، مرجع سابق، ص. 285

قرار مجلس شورى الدولة رقم 495 جلسة 1/6/2006

قرار مجلس شورى الدولة اللبناني قم 103/ 1960 جلسة 29/4/1960

قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 522/2006 جلسة 14/6/2006

شورى حكم رقم : 479 /2019

شورى حكم رقم : 525 /2018

نجيب خلف الجبوري وأخرون، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص. 131

قرار مجلس شورى الدولة قم 103/ 1960 جلسة 29/4/1960

مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 127 جلسة 11/2/1980

شورى حكم رقم : 345 /2020

محمد رفعت عبد الوهاب، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص. 277

مجلس شورى الدولة اللبناني القرار رقم 66/1984 جلسة 22/5/1984

شورى حكم رقم : 638 /1961

نجيب خلف الجبوري وأخرون، مرجع سابق، ص. 132

ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، مردع سابق، ص. 494

قرار مجلس شورى الدولة رقم 160، مجلة القضاء الإداري، عدد 13، 1999، ص. 202

شورى حكم رقم : 205 /1997

الهوامش:

  1. شريف أحمد الطباخ، التعويض الإداري في ضوء الفقه والقضاء، مرجع سابق، ص. 5
  2. ماجد راغب الحلو، الدعاوى الإدارية، منشأة المعارف، 1999، ص. 221
  3. محمد الشافعي أبو راس، القضاء الإداري ، مكتبة النصر، مصر، دون تاريخ نشر، ص. 302
  4. معوض عبد التواب ، الموسوعة النموذجية في القضاء الإداري ، المجلد الثاني ، دعوى الإلغاء ، مكتبة عالم الفكر والقانون للنشر والتوزيع ، 2003، ص. 239
  5. الطعن رقم 2956 لسنة 32ق – جلسة 6/5/1990 ، نقلاً عن د. معوض عبد التواب ، المجلد الثالث ، المصدر السابق ، ص343
  6. الطعن رقم 1041 لسنة 37ق – جلسة 7/2/ 1993 ، نقلاً عن المصدر نفسه ، ص347
  7. محمد أنور حمادة، القرارات الإدارية ورقابة القضاء، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، 2004 ، ص73
  8. انظر نص الفقرة ( ز) البند ( ثانياً ) من المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة العراقي رقم 65 لسنة 1979
  9. داود الباز ، الوجيز في قضاء الإلغاء ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، بدون سنة طبع ، ص75
  10. شورى حكم رقم : 1285 /1965
  11. حمد أنور حمادة، القرارات الإدارية ورقابة القضاء، مرجع سابق، ص. 75
  12. حكم المحكمة الادارية العليا في الطعن رقم 237 لسنة 32 ق ، جلسة 25/1/1987 ، مجموعة مبادئها لسنة 1932 ، ص709
  13. شورش حسن عمر ود. دانا عبد الكريم سعيد، اشكالية تنفيذ الاحكام الادارية وضرورة الاصلاح التشريعي في العراق واقليم كوردستان العراق المجلة الاكاديمية للبحوث القانونية والسياسية كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة عمار ثليجي ، الجزائر ، المجلد 3 العدد 1 2019 ، ص 412
  14. عصمت عبدالله الشيخ، الوسائل القانونية لضمان تنفيذ الأحكام الإدارية دار النهضة العربية، القاهرة، 2009 ، ص117.
  15. عمر محمد السيوي، الوجيز في القضاء الإداري، الفضيل للنشر والتوزيع، بنغازي، 2013 ، ص 357
  16. انظر: سعاد الشرقاوي، المسؤولية الإدارية، دار المعارف، 1972، ص. 239
  17. جابر نصار، مسؤولية الدولة عن أعمالها غير التعاقدية، مرجع سابق، ص. 285
  18. قرار مجلس شورى الدولة رقم 495 جلسة 1/6/2006
  19. قرار مجلس شورى الدولة اللبناني قم 103/ 1960 جلسة 29/4/1960
  20. قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 522/2006 جلسة 14/6/2006
  21. شورى حكم رقم : 479 /2019
  22. شورى حكم رقم : 525 /2018
  23. نجيب خلف الجبوري وأخرون، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص. 131
  24. قرار مجلس شورى الدولة قم 103/ 1960 جلسة 29/4/1960
  25. مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 127 جلسة 11/2/1980
  26. شورى حكم رقم : 345 /2020
  27. محمد رفعت عبد الوهاب، القضاء الإداري، مرجع سابق، ص. 277
  28. مجلس شورى الدولة اللبناني القرار رقم 66/1984 جلسة 22/5/1984
  29. شورى حكم رقم : 638 /1961
  30. نجيب خلف الجبوري وأخرون، مرجع سابق، ص. 132
  31. ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، مردع سابق، ص. 494
  32. قرار مجلس شورى الدولة رقم 160، مجلة القضاء الإداري، عدد 13، 1999، ص. 202
  33. شورى حكم رقم : 205 /1997