الحماية الجنائية للقاصرات في التشريع العراقي (دراسة تأصيلية تحليلية)
م.م. زيد حميد صبار العيساوي1
1 الجامعة الإسلامية في لبنان.
المشرف: الأستاذ الدكتور/ مصطفى الشامية
HNSJ, 2024, 5(7); https://doi.org/10.53796/hnsj57/30
تاريخ النشر: 01/07/2024م تاريخ القبول: 15/06/2024م
المستخلص
أن الحماية القانونية عموماً هي جملة من الأحكام القانونية التي يضعها المشرع الوطني لتحقيق هدف معين من تشريعها، وهو الحفاظ على الحقوق والمصالح الاجتماعية التي تهم المجتمع وأفراده، وهناك العديد من الأحكام المتعلقة بحقوق فئات خاصة في المجتمع توضع لها لتعزيز حمايتها والحفاظ على كيانها وحقوقها، ومنها فئة الإناث القاصرات إذ أورد لها المشرع العديد من الأحكام الخاصة في مجال الحماية الجنائية الموضوعية (التجريم والقعاب) سواء ضمن أحكام قانون العقوبات أم في أحكام التشريعات العقابية الخاصة، وذلك يدلل على أهمية وضع المزيد من الحماية وتعزيزها لهذه الفئة الاجتماعية.
Criminal protection for minors in Iraqi legislation (a fundamental and analytical study)
Published at 01/07/2024 Accepted at 15/06/2024
Abstract
That legal protection is generally a set of legal provisions established by the national legislator to achieve a specific purpose of its legislation, namely, the preservation of social rights and interests of interest to the society and its members. There are many provisions related to the rights of special groups in society to be developed to strengthen its protection and preserve its entity and rights, The category of female underage refers to many special provisions in the field of substantive criminal protection (criminalization and punishment), both within the provisions of the Penal Code or in the provisions of the special penal legislation. This indicates the importance of developing and strengthening further protection for this category For social.
المقدمة
كانت ولا تزال الأنثى ضعيفة ومستضعفة في المجتمع بالرغم من أنها ﻋﻨﺼﺮ أساسي فيه، لذلك لابد ﻣﻦ حمايتها بأقصى حدود الحماية، كونها محور الحياة ولبنة تكوين المجتمع الأساسية المتمثلة في بناء الأسرة، إذ جعلها الله الحرث الذي ينبت به خلقه وموضع التكاثر والتناسل، وقدر لها أن تكون سكناً وأنساً للاستقرار الاجتماعي، لذا تحتاج الى نوعاً خاصاً من الحماية أن تولى بالاهتمام المطلوب، بالشكل الذي يناسب تكوينها الجسدي والنفسي ووظيفتها الإنسانية في الحياة، لا سيما أن كانت في مراحل نشأتها الأولى قبل البلوغ والنضوج العقلي والجسدي، للوصول في نهاية الأمر الى الغاية الأساسية من حمايتها بإيجاد مجتمع مستقر من النواحي كافة، وذلك لا يتم إلا من خلال الاهتمام بلبنة تكوينه الأساسية، وهي البرعم النابت والمنفتح للحياة (الأنثى القاصرة).
أهمية البحث
تتأتى أهمية البحث من أهمية المرحلة العمرية وخصوصيتها التي يمر بها الإنسان عموماً في بدايات تكوين ونمو شخصيته، إذ تحتاج الى نوعاً خاص من الحماية والإعداد الخاص وتوفير المتطلبات التي تتلاءم مع تلك المرحلة الحساسة، وخصوصاً أن كان الأمر متعلق بالإناث فتحتاج الى مزيد من الاهتمام، ومن جانب أخر أن الطفولة وصغار السن عموماً تتصف بأنها فئات ضعيفة في المجتمعات، مما يسهل عملية الاعتداء على حقوقها واستغلالها، ولا تطيق أن تدافع عن نفسها كالبالغين نتيجة عدم اكتمال مداركها وشخصيتها من النواحي النفسية والجسمانية والذهنية، مما يستدعي وضع المزيد من الحماية لتلك الفئة واهما الحماية الجنائية في أطار التجريم والعقاب.
مشكلة البحث
أن مشكلة البحث تتمحور حول مدى ملائمة القواعد الجزائية في حماية فئة الإناث القاصرات، إذ أنه بالرغم من وجود القواعد العقابية في التشريعات الجنائية في العراق لا سيما قانون العقوبات والقوانين الخاصة كقانون مكافحة الاتجار بالبشر وقانون رعاية الأحداث، لكن الأمر بحاجة الى نوع خاص من الأحكام المعنية بحماية الإناث القاصرات ضمن التشريعات الجنائية، وكذلك نرى ضرورة تشريع قانون خاص يحفظ حقوق الطفولة عموماً في العراق كما هو الحال في باقي الدول الأخرى، إذ لم يشرع لحد الآن قانون خاص لحماية الطفولة ولا سيما فئة الإناث منها.
سبب اختيار البحث
هناك جملة أسباب دعتنا لاختيار هذا الموضوع والدراسة فيه واهما، ضعف المرأة خصوصاً طائفة الصغار من الناحية الجسدية والعقلية والنفسية في المجتمع، مما يسهل عملية استغلالها في المجتمع بالعديد من السلوكيات المنحرفة، وذلك يستدعي القيام بنوع خاص من الحماية الجنائية والتشديد في أحكامها.
نطاق البحث
يتحدد نطاق بحثنا تماشياً مع عنوان الموضوع ضمن مجال القواعد القانونية الجزائية (التجريم والعقاب) في القوانين العقابية أن كانت عامة أو خاصة ، ليتبين لنا مدى فعالية الحماية المتوفرة كونها اللبنة الأساسية وذات أهمية كبيرة للحماية الجنائية، وذلك سيكون ضمن القواعد الجزائية الخاصة والمتمثلة بقانون مكافحة الاتجار بالبشر.
منهجية البحث
نبحث حماية القاصرات جنائياً ضمن القواعد الموضوعية متبعين المنهج الاستقرائي التحليلي للنصوص القانونية المعنية بالموضوع، ليتضح لنا مديات تلك الحماية، لذا سيكون منهج البحث تأصيلي تحليلي.
هيكلية البحث
سنقسم البحث وفق المحاور الآتية:
المبحث الأول / مفهوم الحماية الجنائية للقاصرات.
المبحث الثاني / نطاق الحماية الجنائية للقاصرات.
المبحث الأول
مفهوم الحماية الجنائية للقاصرات
أن بيان المفهوم العام لموضوع حماية القاصرات جنائياً ينبغي علينا أن نبدأ بتعريف المصطلحات ومن ثم نوضح أبعاد الحماية وأسسها في ميادين القواعد والأحكام القانونية، لذا سنتطرق للتعريف بالحماية الجزائية للقاصرات، ونستعرض أوجه الحماية القانونية للقاصرات وأبعادها في المطلبين الآتيين.
المطلب الأول
التعريف بالحماية الجزائية للقاصرات
نبين هنا التعاريف اللغوية والاصطلاحية لمفهوم الحماية الجنائية للقاصرات وذلك بالتقصي عن المعنى اللغوي للمصطلحات ومن ثم معناها الاصطلاحي، وفي الفرعين الآتيين:
الفرع الأول
التعريف اللغوي
أولاً: الحماية لغةٍ: الحماية لغةً اسم من الفعل الثلاثي حمى، وحمى الشيء، بمعنى أصانه ومنع ما يضره فيقال حَمى َ وحمايةً، وعندما يقال حمى الشيء معناه المريض بمعنى منعه مما يضُّره، والحمية أي الدفاع والتعاضد وجاءت بمعنى الدفاع أو المدافعة(ابن منظور، محمد بن مكرم، 2005، ص341) (1). وفي الاصطلاح القانوني تعني الحفظ والاحتياط، إذ يتجاوب مع من يحميه أو ما يحميه ويناظر عموماً واجباً لمن يؤمنه على وقاية شخص أو مال ضد المخاطر وضمان أمنه وسلامته عن طريق وسائل قانونية أو مادية، تدل كذلك على عمل الحماية ونظامها على حد سواء (تدبير، نظام) ومرادفها الوقاية(جيرار كورنو، 2009، ص726) (2).
ثانياً: الجنائية: الجنائية نسبة إلى الجناية المأخوذة من الفعل (جنى): جنى الذنب عليه جناية، جرّه، والجناية تعني الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العقاب أو القصاص في الدنيا والآخرة، ويقال جنى فلان على نفسه إذا جرّ جريرة وتجنى عليه وجاني: أدعى عليه جناية(ابن منظور، محمد بن مكرم، 2005، ص222) (3).
ثالثاً: القاصرات لغةٍ: القاصرات لغةٍ هي جمع قاصرة مأخوذة من الفعل الثلاثي (قصر) والقصر معناه الحبس، ومنها يقال مقصورة الدار إذ اقتصرت المرأة على حجر من دارها، ويطلق القصور على العجز، وتعني أيضاً قصر الشيء إذا حبسه، وقصر عن الشيء إذ عجز عنه، ومنها قول العرب امرأة قاصرة الطرف، أي لم تمده الى غير بعلها، والقصر ضد الطول، واقتصر على شيء انتفى به، واقصر عن الشيء إذا دفع يده عنه وهو قادر عليه، وقصر عن الشيء إذا عجز شيء عنه، والتقصير التواني في أمر ما(الرازي، ابو بكر، معجم مختار الصحاح، 2005، ص534) (4). وفي القرآن الكريم جاء في قوله تعالى ((فِيهنَّ قَاصِراتُ الطَّرفِ لَم يَطمِثهُنَّ إِنسٌ قَبلَهُم وَلَا جَانٌ)) (سورة الرحمن، أية 56) (5). وقال كذلك في محكم التنزيل أيضاً ((وَعِندَهُم قَاصِرَاتُ الطَّرفِ عِينً))(سورة الصافات، أية، 48) (6). وبذلك يدل مصطلح القصر والقاصر على عدم النضوج والوصول لمرحلة معينة من اكتمال مدارك المرأة جسدياً وعقلياً وبذلك تسمى القاصر من الأصل اللغوي ودلالته اللغوية.
الفرع الثاني
التعريف الاصطلاحي
الحماية الجنائية في مقتضى القانون تعني منع الأشخاص من الاعتداء على حقوق بعضهم البعض بموجب قواعد قانونية، فالحماية بهذا المعنى تبين مختلف أنواع الحماية تبعاً للأساس القانوني والحقوق المحمية، فقد تكون الحماية منظمة بالقواعد المدنية أو الجنائية أو غيرها، وبذلك تعني عموماً القواعد القانونية الموضوعية والإجرائية التي تعتمدها السلطة لتنظيم الحقوق وحمايتها، والحماية الجنائية هي التي تتخذ من قواعد القانون الجنائي موضوعاً لها(العبعوب، ياسر محمد عبدالله محمد، 2002، ص6) (7). فقد عُرفت (بأنها ما يكفله القانون الجنائي بشقيه قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية، من قواعد وإجراءات لحماية مختلف حقوق الإنسان عن طريق ما يقرره من عقوبات في حالة وقوع اعتداء أو انتهاك عليها)( د. أيهاب عبد المطلب، 2008، ص34) (8). وتعرف كذلك بأنها (أن يوفر قانون العقوبات الحماية لجميع الحقوق أو المصالح المحمية من جميع الأفعال غير المشروعة التي تؤدي إلى النيل منها بما يقرره لها من عقوبات ) (جندي عبد الملك، بدون سنة طبع، 324) (9).
والحماية اﳉﻨﺎﺋﻴﺔ نوﻋﺎن موضوﻋﻴﺔ وإﺟﺮاﺋﻴﺔ، اﻷوﱃ ﺗﻌﲏ ﺑﺘﺘﺒﻊ أنماط اﻷنشطة ذات العلاقة بالمصلحة اﳌﺮاد حمايتها وﳍﺎ صورﺗﺎن إﻣﺎ التجريم أو اﻹﺑﺎﺣﺔ، أﻣﺎ الصورة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ و ﻫﻲ اﳊﻤﺎﻳﺔ اﻹﺟﺮاﺋﻴﺔ فإنها ﺗﻌﲏ ﺑﺘﻘﺮﻳﺮ ﻣﻴﺰة ﻳﻜﻮن محلها اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ و الأساليب التي ﺗﻨﺘﻬﺠﻬﺎ الدولة في المطالبة بحقها في العقاب(الدسوقي، احمد عبداﳊﻤيد، 2007، ص96ص97) (10)، وموضوعنا سيقتصر على الجانب الموضوعي للحماية الجنائية أي ضمن أحكام (التجريم والعقاب) أما الجانب الإجرائي لن ندخل فيه كونه جانب مستقل وواسع ومتشعب لا يسعنا الخوض فيه هنا.
وإما مفهوم القاصر أو القصر عموماً هي جزء من مرحلة الطفولة التي تدل على المرحلة المبكرة من مراحل التكوين الجسدي والنفسي والذهني للصغار سواء كان للذكور أم الإناث، لذلك تعني اصطلاحاً بأنها (المرحلة المبكرة في دورة حياة الإنسان والتي تتميز بنمو جسمي سريع للطفل وسعي، لتشمل الأطفال لإعدادهم لأدوار البالغين ومسؤوليتهم من خلال اللعب و التعليم الرسمي غالباً) (حسين الخزاعي وطه إمارة، 2009، ص113) (11). أو هي مصطلح يدل على تلك المرحلة العمرية التي تبدأ من الميلاد حتى البلوغ، ويكون الطفل غير مسئول عن نفسه وإنما يقع تحت كفالة أسرته أو فرد آخر في حالات استثنائية (صليحة غنام، ص 12 ص13) (12). ولهذا تعتبر الطفولة ومنها الإناث القاصرات أهم مراحل التكوين ونمو الشخصية وهي مرحلة من مراحل عمر الإنسان الحافلة بالتغيرات الجسمية والفيزيولوجية والاجتماعية والانفعالية، وتمثل المدة التي يقضيها الصغير في النمو حتى يصل سن البلوغ، ويعتمد الصغير في هذه المرحلة على والديه في تأمين بقائه. وعندما تقترن تلك المرحلة بمصطلح الحماية القانونية كـ(الحماية الجنائية للطفولة) نجد أن تعريفها في الاصطلاح الفقهي هو(النظام القانوني الذي اتخذه القانون الجنائي لضمان حفظ الطفل وتأمين سلامته ووقايته من الاعتداء على حقوقه) (الفخار، حمو بن ابراهيم، 2014-2015، ص35) (13).
أما في الاصطلاح القانوني نجد إن غالبية التشريعات اعتمدت على سن الشخص ذكراً كان أم أنثى لبيان مفهوم الطفل أو الصغير واعتبرت كل من لم يتم سناً محدداً صغيراً أو قاصراً(14). ومنها قانون رعاية الأحداث العراقي، إذ اعتمد على الفئة العمرية لتحديد من هو الصغير أو الطفل؟ كما جاء في المادة (3) منه وبينت تقسيمات ومفاهيم لمصطلحات عديدة لمفهوم الطفل أو من لم يتم سن الرشد ونصت على (أولا: يعتبر صغيراً من لم يتم التاسعة من عمره. ثانياً: يعتبر حدثاً من أتم التاسعة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة. ثالثاً: يعتبر الحدث صبياً إذا أتم التاسعة من عمره ولم يتم الخامسة عشرة. رابعاً: يعتبر الحدث فتى إذا أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة…) ( (15) .
وبعد أن عرضنا تعاريف ومفاهيم موضوع الحماية الجنائية للقاصرات ضمن المعاني اللغوية والاصطلاحية نعطي تعريفنا الآتي، فالحماية الجنائية الموضعية للقاصرات يعني (مجموعة الأحكام القانونية الجزائية التي يضمن ويصان من خلالها حقوق الإناث دون سن البلوغ).
المطلب الثاني
جوانب الحماية القانونية للقاصرات
اهتمت القواعد القانونية بمسألة الحفاظ على حقوق الفئات الضعيفة بالمجتمعات إذ وردت الكثير من الأحكام بشأنها وفي التشريعات كافة، سواء الدولية منها أم الوطنية. وهذا ما سنوضحه هنا إذ نبين أحكام الحماية القانونية الدولية ضمن أحكام الاتفاقيات الدولية المعنية بهذا الشأن في الفرع الأول، والحماية القانونية الوطنية على مستوى القواعد الدستورية لبعض الدول في الفرع الثاني:-
الفرع الأول
الحماية الدولية
أقر القانون الدولي العديد من القواعد التي تعنى بحماية حقوق الطفولة ورعايتها عموماً، ويمكن أن نستخلص ذلك في العديد من الاتفاقيات الخاصة بالطفولة عموماً أم المعنية بحماية النساء، ومنها اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، باعتبارها قانوناً دولياً للطفل وملزماً لكافة الدول، وبالتالي فان الفئات المستهدفة بمبادئها وقواعد الحماية فيها، هي فئة الأطفال ذكوراً أم إناثاً، وتتجلى هذه الحماية للطفل من مختلف أنواع الاستغلال من خلال ما أوجبته المادة (16) منها، فيما يتعلق بحياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته أو شرفه أو سمعته، واعتبار هذه التصرفات غير جائزة في حق الطفل، وله الحق في الحماية من كل أنواع الاستغلال الجنسي، والاستغلال في العمالة والاسترقاق وغيرها من الصور، هو حق وضحته المادة (19) من الاتفاقية بوجوب اتخاذ الدول التدابير التشريعية والإدارية و الاجتماعية و التعليمية الملائمة لحماية الطفل من العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية والإهمال، والحد من كل هذه الانتهاكات، ومتابعة الحالات المتفشية أمام القضاء عند اللزوم.
وفي عام 1990 صدر إعلان عالمي خاص بحقوق الطفل بعنوان(الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه لسنة 1990) صدر هذا الإعلان في إطار القمة التي دعت إليها الأمم المتحدة، ومن أهم المحاور الرئيسية التي تبنتها القمة هو وضع برامج ومخططات لمحاربة الفقر، وذلك عن طريق تمويل الخدمات الاجتماعية في كل الدول بما في ذلك الدول النامية ويحتوي الإعلان على 25 مادة، يمكن حصر محتواها في محاور هامة وهي حصر لبعض المشكلات الهامة والأخطار التي تحذق بأطفال العالم والتي تؤثر على تنمية قدراته، كما بينت ذلك المواد(4إلى6)، الالتزام الدولي بضرورة احترام حقوق الطفل، وذلك في المواد(7إلى9).
الفرع الثاني
الحماية الدستورية
اهتمت القواعد الدستورية في جميع البلدان بموضوع الطفولة عموماً وتعد القواعد الدستورية من أهم القواعد القانونية كونها أعلى وأسمى القواعد من حيث الترتيب الهرمي للنظام القانوني للدول، وهي التي تحدد الأطر العامة والأسس التي تنطلق منها الحماية القانونية العامة للحقوق والمصالح المهمة للمجتمع، ومن ثم تأتي بعدها التشريعات الأخرى ومنها الجنائية، إذ تستمد منها أسس وقواعد الحماية بصورة عامة، وبين دستور جمهورية العراق الدائم لعام 2005 في المادة (29) منه الأسس العامة لحماية القاصرات والطفولة وبينت على أنه يقع على عاتق الدولة ومؤسساتها مهمة الحفاظ على هذه الفئة الضعيفة، لتنمية قدراتهم ومؤهلاتهم، كما بينت حقوقهم الأساسية والأطر العامة لحمايتهم من جميع أنواع الاستغلال الاقتصادي وحمايتهم من العنف الأسري والمجتمعي عموماً. كما بين في المادة (30 فقرة أولاً) مسألة الضمان الاجتماعي والصحي للطفولة وتوفير سبيل العيش بحياة كريمة وبيئة صالحة لتنشئة هذه الفئة المهمة في المجتمع.
المبحث الثاني
نطاق الحماية الجنائية للقاصرات
نبين هنا صور الحماية الجنائية للقاصرات ضمن القواعد الجنائية الموضوعية، فالمرأة القاصر تشملها جميع أحكام القواعد الجنائية الموضوعية، كونها شخص يتمتع بالحماية منذ ولادته حتى مماته، لكن هناك أحكام تخص حماية تلك الفئة الضعيفة في المجتمع وهو ما سنسلط الضوء عليها في هذا المبحث، لنرى مدى اطر هذه الحماية في التشريعات الجزائية من خلال تجريمها لكل اعتداء على حق أو مصلحة للقاصر أو من يستغلها، سواء كان ذلك في القواعد القانونية العامة أم القواعد القانونية الخاصة، ولذا نستعرض صور الحماية الجزائية ضمن التشريعات العامة والخاصة منها في المطالب الآتية:-
المطلب الأول
الحماية الجنائية للقاصرات من الجرائم الماسة بالأخلاق والعرض
تتجسد أﲰﻰ ﺣﻘﻮق القاصر ﰲ أن تنعم بحياة يسودﻫﺎ اﻷﻣﻦ والاطمئنان على شرفها وعرضها، وهذا طبعاً لن يأتي ﻣﺎ ﱂ ﻳﻘﺮ القانون حماية ﺟﻨﺎﺋﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ للقاصر ضد الجرائم اﻷﻛﺜﺮ شيوعاً في المجتمع التي تطال حق الشرف والاعتبار لهذه الفئة، كالجرائم الأخلاقية التي تمس عرضها وأخلاقها وتجعلها مادة سهلة المنال ممن يستغلون تلك البراءة وضعف الحيلة وعدم الإدراك بخطورة تلك الأفعال الشنيعة لتلك الفئة الضعيفة (القاصرات) في المجتمع. وصور الانتهاكات التي تطال الإناث القصر في عرضها وأخلاقها كثير سواء ضمن القواعد العامة أم الخاصة وسنبين اخطر صورها في الفروع الآتية:-
الفرع الأول
جريمة اغتصاب القاصر
الاغتصاب هو اخطر وأفظع ما تتعرض له الفتيات القاصرات، نظراً لما يتركه من أثار جسدية وصحية ونفسية على الفتات الضحية، وتكون أكثر تأثيراً مما هو الحال بالنسبة للإناث البالغات، لذا نجد أن التشريعات العقابية قد شددت بالعقاب على من يرتكب هذا الفعل ضد تلك الفئة من الإناث القاصرات، ويعرف الاغتصاب فقهياً بأنه (إيلاج عضو التذكير في المكان المعد له من جسم المرأة) (طنطاوي، ابراهيم حامد، 2004، ص10) (16). أو هو (إيلاج ذكر لقضيبه في فرج أنثى إيلاجاً غير مشروع ورغماً عن إرادتها) (القهوجي، علي عبد القادر القهوجي، 2002، ص462) (17). من الملاحظ أن كلا التعريفين مفهومهما عام للمقصود بالاغتصاب لكن عند تعريف جريمة اغتصاب أنثى قاصر لابد أن يشتمل التعريف على العناصر المحددة لهذه الجريمة، لذلك يمكننا تعريف اغتصاب الأنثى بأنه (إيلاج عضو التذكير لشخص بالغ في فرج أنثى قاصر “دون سن الرشد”) ولتوضيح تعريفنا نقول أن الاغتصاب يتطلب إيلاج طبيعي للقضيب الذكري في المكان الطبيعي المخصص له في جسد الفتات الصغيرة ولا يتطلب أن يذكر دون رضاها كونها قاصر لم تكمل سن الرشد وبالتالي لا يعتد برضاها قانوناً أي أنه حتى إذا كان الفعل برضاها لا يعد مباحاً.
ونجد في المادة (393) فقرة (1) منه نصت على ( يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن خمس عشرة سنة من واقع أنثى دون رضاها …) وبين في الفقرة (2) من المادة ذاتها حالات تشدد العقوبة في حالات عديدة وأولها أن كانت الجريمة واقعة على أنثى قاصر كما بين ذلك نص الفقرة بالقول (يعتبر ظرفاً مشدداً إذا وقع الفعل في إحدى الحالات التالية: أ– إذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ الثامنة عشرة سنة كاملة).
ونرى من أحكام هذا النص أن المشرع قد جعل عقوبة الجريمة شديدة قد تصل للسجن المؤبد أن كانت الجريمة واقعة على أنثى لم تكمل سن الرشد القانوني، لكنه مقيد في حالة أن كان الفعل تم برضا الفتات أن كانت قد أكملت الخامسة عشرة من عمرها وهذا التوجه غير صائب، إذ أن المشرع قد أعطى نوع من الاعتبار لسن الفتات التي تبلغ حد معين من عمرها وخفف العقوبة أن كانت القاصر أتمت الخامسة عشرة ولن تكمل الثامنة عشرة من عمرها، كما بينت ذلك الفقرة (1) من المادة (394) بالقول (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس من واقع في غير حالة الزواج أنثى برضاها … إذا كان من وقعت عليه الجريمة قد أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة سنة. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين إذا كان من وقعت عليه الجريمة دون الخامسة عشر سنة كاملة من عمره) ومن جانبنا نرى أن هذا النص لا داعي له كونه يقيد النص الوارد في الفقرة (2 – أ) من المادة (393) الذي شدد العقاب على الجريمة أن كانت واقعة على قاصر دون سن الرشد، لذا نرى أن تعدل أحكامها أو تلغى كونها تقلل من الحماية للفتات القاصر التي تكون ضحية لمثل تلك الأفعال الجرمية البشعة.
الفرع الثاني
جريمة استغلال القاصر بإعمال البغاء والدعارة
أن ظاهرة استغلال الإناث القاصرات في إعمال البغاء والدعارة تعد إخلالاً في استقرار المجتمع صحياً وثقافياً ونفسياً، وتعد من الظواهر الاجتماعية المعقدة والتي لا تنشأ من فراغ وإنما لها أسبابها الاجتماعية والاقتصادية لذا عاقبت القوانين كافة على ارتكاب جريمة البغاء وشددت العقوبة في حال ممارستها على صغار السن وذلك من خلال استغلالهم وتشغيلهم بأعمال البغاء، وتمثل تلك الأفعال صورة من اشد صور الانحراف عن الطبيعة السوية للنوع الإنساني لما يقوم به الشخص من المتاجرة في بعض نفسه وفي جزء من ذاته أو بغيره وأيضاً يظهر البغاء كمشكلة صحية يجب مقاومتها، وبذلك فان تنظيم البغاء وجعله جريمة يعاقب عليها القانون ضرورة ملحة من اجل الوقاية من الأمراض التي تهدد الصحة العامة للمجتمع، وما يسببه من انحراف أخلاقي وهدر للقيم المثلى في المجتمع، وبكل المقاييس الأخلاقية والدينية، فالاستغلال اللا أخلاقي للفتيات على البغاء لاسيما القاصرات اللاتي يكن هدفاً لاستغلال شائن، لما في ذلك من امتهان للكرامة الإنسانية ورذيلة تؤدي لفساد المجتمع وانهيار للقيم النبيلة وسيادة الثقافة المادية التي تؤثر في بعض الأشخاص أو تستغل حاجتهم وظرفهم الصعب، مما يؤدي الى الانحرافات الجنسية كافة عن طريق البغاء كونه وسيله مغرية للكسب السريع دون بذل أي مشقة والبحث عن الكسب المشروع (د. فخري ميخائيل فرج، 1994، ص 4؛ د. حسن علام، 1961، ص61-62) (18).
ويعرف البغاء فقهياً بأنه (حدوث عملية جنسية بين رجل وامرأة لتلبية حاجة الرجل الجنسية وحاجة المرأة الاقتصادية) (نوال السعداوي، 1977، ص188)(19). أو هو (الاتصال الجنسي مقابل اجر) (سيد البغال، ص11) (20)، ونجد أن قانون مكافحة البغاء العراقي رقم (8) لسنة 1988، قد عرف البغاء في المادة (الأولى) منه بأنه (1ــ البغاء: هو تعاطي الزنا أو اللواط باجر مع أكثر من شخص) ومن هذا التعاريف نجد أن فعل البغاء عموماً يستند على الهدف من القيام بالفعل المجرم وهو الغرض للطرفين الأول إشباع الرغبة الجنسية وللطرف الأخر هو التربح والكسب المادي من هذا الفعل، ويتطلب التكرار ومع أكثر من شخص، أي امتهان فعل الزنا والممارسات الجنسية الشاذة مع الأشخاص بقصد الربح، أما صورة استغلال القاصرات خصوصاً بالبغاء هي من صور استغلال الأطفال أو الصغار عموماً بتلك الأفعال، وعرف بأنه (استخدام طفل للقيام بأنشطة جنسية لقاء مكافأة أو أي شكل من أشكال العوض تعطى له أو لأي شخص ثالث) (. بسام عاطف المهتار،2008، ص58) (21) والإناث القاصرات هن جزء من تلك الطفولة ومن السهل أن يصبحن ضحايا لهذه الأفعال المجرمة.
ونجد المشرع العراقي في قانون مكافحة البغاء ذي الرقم (8) لسنة 1988، وتحديداً في المادة (5 فقرة-1) جاء بالنص على حماية جنائية عامة تشمل البالغ والصغير وفرضت عقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، إما (الفقرة-2) من المادة نفسها فقد نصت على التشديد في الحماية من خلال تشديد العقوبة المقررة على الفعل وجعلت العقوبة السجن مدة لا تزيد عن خمس عشر سنة، إذا كان المجني عليه دون سن الثامنة عشر، أي أنها تشمل الإناث القاصرات دون سن البلوغ المحدد وفي الحالتين يجوز للمحكمة الحكم بالتعويض العادل للمجني عليه (المادة 5 فقرة-3).
كما قرر المشرع العراقي في قانون مكافحة الاتجار بالبشر ذي الرقم(28) لسنة 2012 حماية جنائية خاصة للفرد بجعل جريمة الاستغلال في أعمال البغاء أو الدعارة المرتكبة في حق الصغير من جرائم الاتجار بالبشر كما بينت ذلك المادة (1) فقرة (أولاً) منه، ونصت المادة(6) على حماية جنائية خاصة بالصغير إذ عاقبت بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن(15000000) خمسة عشر مليون دينار ولا تزيد عن(25000000) خمسة وعشرين مليون دينار كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر ومنها الاستغلال بأعمال الدعارة أو أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي إذا كان المجني عليه لم يتم الثامنة عشر من عمره كما بينت ذلك الفقرة (أولاً) من المادة (5)، أو إذا كان المجني علية أنثى كما أفصحت عن ذلك الفقرة (ثانياً) من المادة نفسها، لذا نجد أن القاصر مشمولة بالحماية في كلا الفقرتين بالأولى كونها قاصر دون سن الثامنة عشر، وبالثانية كونها أنثى.
الفرع الثالث
جريمة انتهاك عرض القاصر وخدش حيائها
تقوم جريمة هتك عرض الفتات القاصر بأي فعل من الأفعال يكون دون المواقعة الطبيعية أو اللواط، لذلك يعرف بأنه (فعل مخل بالحياة يقع على جسم مجني علية معين ويكون على درجة من الفحش الى حد مساسه بعورات المجني عليه التي لم يدخر جهداً في صونها وحجبها عن الناس) (سيد البغال، مصدر سابق، ص214) (22). وقد عالج المشرع العراقي جريمة هتك العرض في نص المادة (396) إذ جاء فيها (1- يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس من اعتدى بالقوة أو التهديد أو بالحيلة أو بأي وجه آخر من أوجه عدم الرضا على عرض شخص ذكرا أو أنثى أو شرع في ذلك. 2- فإذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ من العمر ثماني عشرة سنة أو كان مرتكبها ممن أشير إليهم في الفقرة (2) من المادة (393) تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين) وكذلك في نص المادة (397) وجاء فيها (يعاقب بالحبس من اعتدى بغير قوة أو تهديد أو حيلة على عرض شخص ذكراً أو أنثى ولم يتم الثامنة عشرة من عمره. فإذا كان مرتكب الجريمة ممن أشير إليهم في الفقرة (2) من المادة (393) تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس) ومما نلاحظه على تلك النصوص أن المشرع قد شدد العقاب على فاعل الجريمة أن كانت مرتكبة ضد الأنثى القاصر وبالحالتين أن كان الفعل تم بالقوة أم بغيرها من صور عدم الرضا كالحيلة والتغرير بالقاصر.
المطلب الثاني
جرائم تعريض القاصر للخطر واستغلال ضعفها
حرص المشرع العراقي على حماية الأنثى القاصرة جزائياً بموجب قانون العقوبات العراقي النافذ رقم (111) لسنة 1969 المعدل حيث خصص الفصل الخامس المواد القانونية (381-385) للجرائم المتعلقة بالبنوة ورعاية القاصر وتعريض الصغار والعجزة للخطر وهجر العائلة حيث يعاقب بالحبس من ابعد طفلاً حديث العهد بالولادة عمن لهم سلطة شرعية أو أخفاه أو أبدله بآخر أو نسبه زورا الى غير والدته ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة كل من كان متكفلاً بطفل وطلبه منه من له حق في طلبه بناء على قرار أو حكم صادر عن جهة القضاء بشان حضانته ولم يسلمه إليه، ويسري هذا الحكم ولو كان المتكفل للصغير احد الوالدين أو الجدين ويعاقب بالعقوبة ذاتها إي من الوالدين أو الجدين أخد بنفسه أو بواسطة غيره ولده الصغير ممن حكم له بحضانته أو حفظه ولو كان ذلك بغير حيلة أو أكراه ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة من عرض للخطر سواء بنفسه أو بواسطة غيره شخصاً لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره أو شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه، بسبب حالته الصحية أو النفسية أو العقلية وتكون العقوبة الحبس إذا وقعت الجريمة بطريق ترك الطفل في مكان خال من الناس أو وقعت من قبل احد من أصول المجني عليه أو ممن هو مكلف بحفظه أو رعايته فإذا نشأ عن ذلك عاهة بالمجني عليه أو موته دون إن يكون الجاني قاصداً ذلك عوقب بالعقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي الى العاهة أو الموت.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها إذا كان التعريض للخطر بحرمان الصغير عمداً عن التغذية أو العناية التي تقتضيها حالته مع التزام الجاني قانوناً أو اتفاقاً أو عرفاً بتقديمها كما إن حق الطفل في النفقة من الحقوق المقررة شرعا وقانونا وقد حرص المشرع العراقي على توفير الحماية الجزائية للحق في النفقة حيث نصت المادة (384) على:(من صدر علية حكم قضائي واجب النفاذ بأداء نفقة لزوجته أو احد من أصوله أو فروعه أو لأي شخص أخر أو بأدائه أجرة حضانة أو رضاعة أو سكن وامتنع عن الأداء مع قدرته على ذلك خلال الشهر التالي لإخباره بالتنفيذ يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين ولا يجوز تحريك الدعوى إلا بناءً على شكوى من صاحب الشأن وتنقضي الدعوى بتنازله عن شكواه كما إن المشرع العراقي يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين أو بالحبس مدة لا تقل عن سنة الأم التي تقتل طفلها حديث العهد بالولادة اتقاءً للعار إذا كانت حملت به سفاحاً.
كما إن القانون العراقي اعتبر جرائم الخطف والاعتداء الجنسي والتحريض على الانتحار جرائم يتوفر فيها الظرف المشدد إذا كان المجني عليه فيها لم يتم الثامنة عشرة من عمره سواء كان ذكراً أم أنثى، كما إن المشرع العراقي حرص على توفير الحماية القانونية لأموال الأنثى القاصر ضمن نص المادة (458) التي جاءت لحماية الصغير من الاستغلال المالي والإضرار بمصالحه المادية ونصت على إن:( يعاقب بالحبس من انتهز حاجة قاصر لم يتم الثامنة عشرة من عمره أو استغل هواه أو عدم خبرته وحصل منه إضرار بمصلحته أو بمصلحة غيره على مال أو سند مثبت لدين أو مخالصة أو على إلغاء السند أو تعديله ويعتبر في حكم القاصر المجنون والمعتوه والمحجور ومن حكم باستمرار الوصاية عليه بعد بلوغه الثامنة عشرة وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس إذا كان مرتكب الجريمة ولياً أو وصياً أو قيماً على المجني عليه أو كان مكلفاً بأية صفة برعاية مصالحه سواء كان ذلك بمقتضى القانون أو بمقتضى حكم أو اتفاق خاص).
المطلب الثالث
جرائم استغلال القاصرات بالتسول
جرم المشرع العراقي في المادة (392) من قانون العقوبات العراقي، كل من يستغل الأطفال عموماً بتشغيلهم في جرائم التسول وإذ جاء فيها (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أغرى شخصاً لم يتم الثامنة عشر من عمره على التسول، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا كان الجاني ولياً أو وصياً أو مكلفاً برعاية أو مراقبة ذلك الشخص) وجاء النص عليها في قانون التسول المصري رقم (49) لعام 1933 المعدل، وتحديداً في المادة (6) منه ونصت على (يعاقب بنفس العقوبة: 1- كل من أغرى الأحداث الذين تقل سنهم عن خمسة عشر سنة على التسول) (23).
وجاء النص عليها كذلك في قانون رعاية الأحداث العراقي، في مواد الفصل الثالث والخاصة بمسؤولية الأولياء إذ جاء في المادة(28) منه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد على خمسمائة دينار كل ولي دفع الصغير أو الحدث إلى التشرد أو انحراف السلوك) والتسول يعد إحدى صور التشرد في قانون رعاية الأحداث كما بينت ذلك المادة (24فقرة 1).
كما يعد التسول صورة من صور الاتجار بالأشخاص إذ تم النص عليه وتجريمه في قانون مكافحة الاتجار بالبشر العراقي رقم (28) لسنة 2012، وجاء ذلك في نص المادة (1 فقرة أولاً) منه عند تعريف أعمال الاتجار وتحديد صورها ونصت على ( يقصد بالاتجار بالبشر لإغراض هذا القانون تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم… بهدف… استغلالهم في أعمال… التسول…) ومن هنا فأن حماية القاصرات قد شملتها تلك الأحكام التجريمية في التشريع الجنائي العراقي سواء في قانون العقوبات العام أم في القوانين الخاصة.
المطلب الرابع
جرائم استغلال القاصرات في الأعمال المسلحة (التجنيد)
تفاقمت ظاهرة تجنيد الأطفال في الأعمال المسلحة بشكل كبير مع قصور القوانين الجزائية التي تعد جهة الاختصاص الأصيل لحماية الفرد ولاسيما الإناث القصر من صور العنف المختلفة التي تقع على الأطفال عموماً التي تعرقل نموهم الجسدي والفكري في المجتمعات كافة وتؤثر سلباً على المجتمع لكون الطفولة عموماً هي المستقبل، وبذلك فالحماية القانونية لهذه المرحلة العمرية الحرجة، نجدها مقررة في الاتفاقيات والمواثيق والإعلانات الدولية والتي بدورها تعد قانوناً وطنياً، متى ما صادقت عليها الدول، وأيضا الدساتير الوطنية وقوانين العقوبات والقوانين الخاصة بالجرائم والتي تعد مكملة للقوانين العقابية، ويقصد بالتجنيد هو (ضم الطفل ذكراً كان أم أنثى لم يتم الثامنة عشر من العمر إلى المجموعة المسلحة، وتحويله إلى تابع لها، يأتمر بأمرها، وينفذ المهام التي تكلفه بها سواء أكانت الأعمال قتالية أم الأعمال المتصلة بها) (منال مروان منجد، 2015، ص127-129) (24).
وقررت التشريعات الخاصة حماية للطفولة من تلك الأعمال إذ قرر المشرع الإماراتي على هذه الصورة في قانون حقوق الطفل ذي الرقم(3) لسنة 2016 في المادة (33-6) يعد بوجه خاص مما يهدد سلامة الطفل البدنية أو النفسية أو الأخلاقية أو العقلية وما يستدعي حقه في الحماية تعرض الطفل للاستغلال من قبل التنظيمات غير المشروعة وفي الإجرام المنظم كزرع أفكار التعصب أو الكراهية للقيام بأعمال العنف والترويع. وقرر المشرع التونسي في قانون منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته ذي الرقم(61) لسنة 2016 في المادة(5-5) يعد استخدام طفل في أنشطة إجرامية أو نزاع مسلح… ، إذ عدت المادة نفسها استخدام الطفل في النزاع المسلح من الممارسات الشبيهة بالرق. وقرر المشرع السوداني في قانون الطفل لسنة 2010 في المادة(43-1 ) على أنه (يحظر تجنيد أو تعيين أو استخدام الأطفال في القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة أو استخدامهم للمشاركة في الأعمال الحربية)، أما في العراق فلا يوجد نص خاص أو تشريع يجرم تلك الصورة من صور استغلال الطفل ويوفر له الحماية المطلوبة ولا سيما الأنثى القاصر.
الخاتمة
بعد أن أتممنا دراسة وبحث موضوع الحماية الجنائية للطفولة نعرض في ختام الموضوع جملة من الاستنتاجات ونقدم ما نراه من مقترحات حول المعالجة التشريعية لهذا الموضوع، وذلك ضمن الفقرتين الأولى للاستنتاجات والثانية للتوصيات.
أولاً: الاستنتاجات
- الحماية الجناية للقاصر عموماً بمفهومها العام تنعني مجموعة القواعد التشريعية الجنائية بشقيها الموضوعي والإجرائي التي تقدم الحماية الأزمة لحقوق فئة الإناث القاصرات سواء في القوانين العامة أم القوانين الخاصة.
- للحماية القانونية أطر عديدة في مجال النظام القانوني للدول فلها أحكام في مجال القانون الدولي متمثلة بالمواثيق والاتفاقيات الدولية إضافة الى مجال التشريعات الوطنية الداخلية للدول وفي مستويات النظام القانوني كله كالقواعد الدستورية والقواعد التشريعات العامة أو الخاصة منها.
- صور الحماية الجزائية والمتمثلة في التجريم والعقاب عديدة منها تجريم كافة أشكال الاستغلال الأنات القصر بجرائم التسول أو استغلال ضعفهن وقلة حيلتهن. وتجريم تعريض سلامتهن للخطر، وتجريم استغلالهن بالدعارة والأعمال المسلحة التجنيد.
ثانياً: التوصيات
- نوصي المشرع العراقي بتشريع نص خاص يجرم استغلال الأطفال عموماً وفئة الإناث خصوصاً بالأعمال المسلحة (التجنيد).
- كما نوصي بإصدار قانون خاص لحماية الطفولة في العراق كما هو الحال في باقي الدول العربية وإفراد أحكام خاصة للإناث القاصرات تفي لحمايتها من الاعتداء والاستغلال كونها أشد ضعفاً وأكثر عرضة للانتهاك في المجتمعات.
المصادر
أولاً: المعاجم والقواميس اللغوية
- أبو بكر الرازي، معجم مختار الصحاح، مكتبة لبنان، بيروت لبنان، 1995، ص112.
- ابن منظور، معجم لسان العرب، ط2، دار صادر، بيروت، 2005.
- جيرار كورنو، معجم المصطلحات القانونية، ط2، مجد للدراسات والنشر، بيروت، 2009.
ثانياً: الكتب القانونية
- ابراهيم حامد طنطاوي، جرائم العرض والحياء العام، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004.
- احمد عبداﳊﻤيد الدسوﻗﻲ، اﳊﻤﺎﻳﺔ اﳌﻮﺿﻮﻋﻴﺔ واﻹﺟﺮاﺋﻴﺔ ﳊﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ﰲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﶈﺎﻛﻤﺔ، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007.
- أيهاب عبد المطلب، الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المجلد3، ط 2، المكتب القومي للإصدارات القانونية، بدون مكان نشر، بدون سنة طبع.
- بسام عاطف المختار، استغلال الأطفال )تحديات وحلول)، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2008.
- جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، ج3، ط2، دار المنشورات القانونية، بدون سنة طبع،.
- حسين الخزاعي وطه إمارة، التشريعات الاجتماعية وحقوق الإنسان، دون طبعة، دار يافا للنشر، عمان، الأردن، 2009.
- سيد البغال، الجرائم المخلة بالآداب فقها وقضاءً، ط2، دار الفكر العربي، القاهرة، 1983، ص11.
- علي عبد القادر القهوجي، قانون العقوبات القسم الخاص، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة وعلى الإنسان والمال، ط2، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2002.
- فخري ميخائيل فرج، انتشار البغاء والأمراض التناسلية في القطر المصري، المطبعة المصرية،القاهرة، 1994.
- نوال السعداوي، الأنثى هي الأصل، ط1، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1977.
ثالثاً: الرسائل و الاطاريح الجامعية
- حمو بن ابراهيم فخار، الحماية الجنائية للطفل في القانون الجزائري والمقارن، أطروحة دكتوراه مقدمة الى جامعة محمد خيضر- كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2014-2015.
- صليحة غنام، عمالة الأطفال وعلاقتها بظروف الأسرة- مذكرة ماجستير في علم الاجتماع العائلي، كلية العلوم الاجتماعية و العلوم الإسلامية- جامعة الحاج لخضر، باتنة، 2009/2010.
- ياسر محمد عبدالله محمد العبوب، الحماية الجنائية لجثة الميت دراسة مقارنة، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون- جامعة الموصل، 2002.
رابعاً: البحوث
- حسن الساعاتي، مشكلة البغاء في الإقليم الجنوبي، منشورات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أعمال الحلقة الأولى لمكافحة الجريمة، 1961.
- حسن علام، العوامل الاجتماعية في ظاهرة احتراف البغاء، منشورات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أعمال الحلقة الأولى لمكافحة الجريمة، القاهرة.
- منال مروان منجد، الطفل في جريمة تجنيد الأطفال بقصد إشراكهم في أعمال قتالية مجرم أم ضحية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد(31)، العدد(1)، دمشق، 2015.
خامساً: الاتفاقيات والإعلانات الدولية
- اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989.
- الإعلان العالمي لبقاء الطفل و حمايته و نمائه لسنة 1990.
سادساً: الدساتير والتشريعات الوطنية
- القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951.
- قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969.
- قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980.
- قانون الإحداث العراقي رقم 76 لسنة 1983
- قانون الطفل المصري رقم (12) لسنة 1996
- دستور جمهورية العراق لعام 2005.
- قانون حقوق الطفل الإماراتي رقم(3) لسنة 2006.
- قانون الطفل للجمهورية السودانية لعام( 2010).
- قانون حماية الطفل الجزائري رقم (15 – 12) لسنة 2015.
سابعاً: منشورات الانترنيت
- مصطفى الجبوري، التفرقة بين الصغير والحدث والطفل، منشور في الانترنيت (شبكة القانونيين العرب)، على الموقع:ــ