الخيارات الاستراتيجية لتدبير وظائف الموارد البشرية في المؤسسات الاكاديمية لتعزيز الابتكار المؤسسي المستدام.

أحمد مثنى عبد الرب1

1 باحث بسلك الدكتوراه، جامعة محمد الخامس ، كليه العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، أكدال، المملكة المغربية.

HNSJ, 2024, 5(7); https://doi.org/10.53796/hnsj57/31

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/07/2024م تاريخ القبول: 15/06/2024م

المستخلص

هدف هذا البحث الى دراسة الخيارات الاستراتيجية لتدبير وظائف الموارد البشرية في المؤسسات الاكاديمية لتعزيز الابتكار المؤسسي المستدام. وتوصل الباحث الى عدة نتائج أهمها أن أهمية الابتكار المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية منها، حيث يمثل أساسا للتطوير الهادف للتنمية الإدارية، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تلمس العوائق التي تواجه الابتكار والمبتكرين، إذ تعد تهيئة الأجواء المناسبة للعاملين في المؤسسة وذلك من خلال تجويد وسائل التدبير والتنفيذ لوظائف الموارد البشرية، وتكثيف برامج التدريب والتأهيل والاستقطاب الجيد والسليم والتحفيز بمختلف أنواعه ومنح التمكين والتفويض باعتبارها الركيزة الأساسية لإطلاق مواهبهم لابتكاراتهم وإبداعاتهم في انجاز الأعمال وحل المشاكل وتنفيذ الاستراتيجيات والخطط

كما توصل البحث أيضا الى أن المؤسسات الأكاديمية اليوم بحاجة كبيرة إلى أن تولي أهمية قصوى لهذا الجانب من خلال البحث والدراسة المتعمقة لمعرفة المشاكل والعوائق التي تواجه المؤسسات بهدف معالجتها، ورسم توجهات استراتيجية تتناسب التخطي للمشاكل وتعزز المقومات

الكلمات المفتاحية: الخيارات الاستراتيجية، وظائف الموارد البشرية، الابتكار المؤسسي

تقديم:

إن إدراك المؤسسات الأكاديمية لواقع التحولات ومتطلبات التكيف معها، زا د من التركيز على وظائف الموارد البشرية داخل تلك المؤسسات والتركيز بشكل كبير على أسلوب تدبير تلك الوظائف، باعتبارها محور التنمية لكل الموارد البشرية سواء داخل المؤسسات أو مخرجاتها التي ستنعكس على جميع الوظائف في المؤسسات والجهات والمنظمات داخل الدولة ككل، والتركيز هنا على وظائفها المتمثلة في التوظيف والاستقطاب والتدريب والتمكين للعاملين ومتابعة برامج الحوافز والمكافئات وحتى مرحلة التقييم.

وبالتالي تبقي تلك الوظائف ووفق الخيارات الاستراتيجية لتنفيذها هي محور التشجيع على الابتكار وتطوير المدارك باعتبار الموار د البشرية من أكثر الوظائف في المؤسسة تأثُّرا بتلك التغيرات؛ نظرا لكونها المسؤولة عن مختلف الأنشطة المرتبطة بالموار د البشرية بالمؤسسة، لذا يجب إجراء التطوير الملائم على استراتيجيات إدارة الموارد البشرية بشكل مستمر، لضمان تكيف إيجابي للمؤسسة، مما يعزز من عناصر القوة بالمؤسسة، والحد من عناصر ضعفها، كما يُسهم في استثمار الفر ص البيئية الخارجية، ويُقلل من مخاطر التغيرات الخارجية.

كما أنه أصبحت جودة الخدمة اليوم هي المعيار الأساسي لنجاح المؤسسات الأكاديمية والضامن لبقائها وديمومتها في سوق عالي المخاطر والمنافسة ، مما يدفع تلك المؤسسات للتحسين وتطوير المستمر لخدماتها المقدمة لعملائها، متوجبا عليها تقييم جودة هذه الخدمات اعتمادا على آراء هؤلاء العملاء واتجاهاتهم إزاء ما يقدم لهم من الخدمات، لأن مفهوم تحسين الخدمة يُمكن تلك المؤسسات من الحصول على المعرفة اللازمة التي تسمح لها بإعادة تصميم وتشكيل خدماتها بما يلبي حاجات ورغبات عملائها والطلبات المتزايدة من المجتمعات التي تعمل فيها لتتجاوز توقعاتهم، وصولا إلى رضاهم..

ومن هذا المنطلق تتجلى أهمية ودور الابتكار المؤسسي المستدام للوصول إلى مستويات متقدمة من التميُّز المؤسسي المستدام من أجل الإسهام في تحسين الخدمات ومن ثم نمو المؤسسات وتقدمها.

لذاـ وجود توجهات استراتيجية لتنمية الموارد البشرية من خلال التوظيف الأمثل للمورد البشري وتطويره والمحافظة عليه باستمرار، ولما له من أثر على تحسين الخدمات المقدمة من المؤسسات الأكاديمية سوف يشكل ضرورة للبحث الدائم عن الأساليب الجديدة والابتكارات المؤسسية المستدامة هو أفضل تلك الأساليب والوسائل، إلى جانب كون الابتكار المؤسسي المستدام يتيح التميَّز المؤسسي للمؤسسة أن تكون دائما في موقف أفضل من المنافسين، وأن يكون لها السبق في تطوير الأداء بما يكفل لها التفوق والتفرد والريادة.

من أجل ذلك كان لابد من وضع إشكاليه محورية ترتبط بدراسة أثر وجود توجهات استراتيجية لوظائف الموارد البشرية في المؤسسات الاكاديمية تساهم في تعزيز الابتكار المؤسسي المستدام، وبالتالي يمكن صياغة الإشكالية في التالي: للتوجهات الاستراتيجية المتبعة في تدبير وظائف الموارد البشرية في المؤسسات الاكاديمية أبعاد مستدامة للابتكار المؤسسي؟

وللإجابة على التساؤل تم وضع التصميم التالي:

المطلب الأول: الأدوات التدبيرية الاستراتيجية لتنفيذ وظائف الموارد البشرية في المؤسسات الاكاديمية

المطلب الثاني: تعزيز استدامة الابتكار المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية في ظل اعتماد وظائف الموارد البشرية على توجهات استراتيجية

المطلب الأول: الأدوات التدبيرية الاستراتيجية لتنفيذ وظائف الموارد البشرية في المؤسسات الاكاديمية

إذا كانت أغلب الإدارات في المؤسسات وبالأخص المتقدمة منها قد قامت بالارتقاء بمفاصل الموارد البشرية ووظائفها إلى مستوى أكثر حداثة وتطور كما هو في المؤسسات الاكاديمية في فرنسا والولايات المتحدة والعديد من الدول المتقدمة من خلال تحديث تدبير وظائف الموارد البشرية من توظيف واستقطاب وتدريب وتأهيل وتقييم ومتابعة ونظام الحوافز والمكافئات والمناصب.. وغيرها، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الانتقال في هياكلها الإدارية من استعمال مصطلح تسيير شؤون الموظفين إلى مصطلح تدابير الموارد البشرية[1]، وذلك انطلاقا من التحول نحو الرؤية الشمولية للموارد البشرية ووظائفها بعيد عن الدور التقليدي المتمثل في تسيير شؤونها.

لذا، تشكل وظائف الموارد البشرية أهمية بالغه في المؤسسات، ووضع توجهات استراتيجية هي الداعم الأساسي لتحقيق أبعاد وأهداف أي مؤسسة أكاديمية أو غيرها.

ونتيجة لذلك تعددت الوظائف الجديدة لإدارة الموارد البشرية في القرن الواحد والعشرين حيث تم التوصل كنتاج تجارب لسنوات طويلة على أن الوظائف الرئيسة للموارد البشرية تتمثل في التالي:

  • إدارة الموارد البشرية الحديثة تختار الأفراد ليس على الأساس المهني والمؤهل العلمي فقط، ولكن أيضا حسب شخصياتهم وقيمهم وتوجهاتهم
  • العبرة في التعيين ليست بالموقع التنظيمي للفرد، إدارة كذا في فرع كذا، ولكن بالمكان الذي يستطيع أن يقدم فيه أحسن عطاء. لذلك سيختفي التنظيم الهرمي التقليدي ليحل محله التنظيم المصفوفي أو الدائري أو الأفقي.
  • تعزيز نظم قيادة الأفراد.
  • الموظفين المبتكرين يحتاجون إلى قيادة مبتكرة.
  • أن العاملين ذوي الدوافع العالية، يحتاجون إلى قادة طموحين.
  • أن الأفراد الذين لديهم قيم صالحة واتجاهات صحية، يلزمهم قادة من النوع نفسه.
  • أن القائد الإداري الجديد سيكون عضوًا في فريق عمل متكامل: معلما، موجها، مرشدا، منصتا جيدا، ومتحدثا لبقا، مستبشرا، ومتبادلا للمعلومات.

ومن الوظائف الحديثة لإدارة الموارد البشرية[2]:

  • إعداد دليل سياسات الموارد البشرية Preparing a human resources policy guide : قيام إدارة الموارد البشرية بإعداد دليل سياسات العمل، لتحديد وتوضيح سياسات. ونظم العمل المتعلقة بإدارة الموارد البشرية، مما يساعد المديرين ورؤساء الأقسام في التعامل مع المرؤوسين وتوجيههم ومتابعتهم، ويعد هذا الدليل مكملا لأحكام وأنظمة العمل الموجودة بالمؤسسة، ويهدف هذا الدليل إلى الحفاظ على الروح المعنوية، وتطوير الأداء للموظفين، وتوحيد نظم سياسات التعامل في كل إدارات المؤسسة، ويجب أن ينشر هذا الدليل في موقع إدارة الموارد البشرية الالكتروني، ليكون متاحا للاطلاع عليه من قبل كل العاملين.
  • إعداد دليل الموظف الجديد[3] أن تقوم إدارة الموارد البشرية بإعداد دليل الموظف الجديد متضمنا حقوق الموظف وواجباته، ومعلومات عن المؤسسة والأنظمة واللوائح التي يفترض أن يطلع عليها، وغيرها من الموضوعات ذات الأهمية بالنسبة إلى الموظف.
  • المساعدة في تعزيز قيم المؤسسة: حيث يعد وجود قيم للمؤسسة، أحد المظاهر الدالة على تطور أي جهة، لذا تحرص معظم المؤسسات على إيجاد قيم مشتركة، تحرص على تعزيزها ونشرها بين العاملين.

الفرع الأول: إستراتيجيات تنفيذ وظائف الموارد البشرية

إذا كانت التوجهات الاستراتيجية هي الخيارات الداعمة للابتكار المؤسسي المستدام في المؤسسات الأكاديمية فبضرورة أن تعتمد تلك التوجهات على كفاءات إدارية وموظفين قادرين على تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وهذا لا يمكن الحصول عليه من خلال الاستقطاب والتوظيف أو التأهيل للفرص المتاحة إلى جانب تمكين ذلك الفرد من ممارسة وظائفه والاعتماد على برامج متابعة وتقييم النتائج.

كما أن المشاركة في تنفيذ برنامج تهيئة الموظفين الجدد: أوضحت النتائج أن الموظفين الجدد الذين يلتحقون ببرنامج توجيهي معد ومنظم من قبل إدارة الموارد البشرية وإدارات أخرى بالمؤسسة، يكونون أقل من نظرائهم ترگا للعمل، لذلك فإن إحدى السمات المميزة للمؤسسات الناجحة، وجود برنامج تهيئة للموظفين الجدد المؤسسة، تسهم إدارة الموارد البشرية في إعداده وتنفيذه عن طريق إتاحة الفرصة للموظف الجديد للتعرف إلى حقوقه وواجباته، وأهم الأنظمة واللوائح التي يجب عليه الاطلاع عليها في عمله.

وإذا كان التوظيف والاستقطاب يمثل أولى خطوات وعمليات الوظيفة في أي مؤسسة عامة أو خاصة، ويمثل أهمية كبيره إلى جانب وظيفة التدريب والتأهيل، والواقع المنظور والمعاش له في المؤسسات وبالأخص العربية منها أبانت أن تلك الموارد البشرية لا تستجيب بشكل كاف لمتطلبات المنتفعين منها.

أولاً: استراتيجية الاستقطاب للمورد البشري(التوظيف)

إن إجراء الاستقطاب أو التوظيف يكتسي أهمية خاصة، حيث أن أي خطأ في التقدير في هذا أجمالا تكون له عواقب وخيمة وغير قابلة للإصلاح لفترة طويلة، وهذا بدون شك يؤدي إلى نقاط ضعف الإدارة في أي منظمة أو مؤسسة[4]، أضف إلى ذلك تظافر مجموعة من العوامل السياسية والتاريخية والاجتماعية قد تؤدي إلى اختلالات تنظيمية وقانونية تؤثر على عملية التوظيف وهي مرتبطة ببلد المنظمة أو المؤسسة.

لذلك، يتطلب الأمر العمل على وضع سياسات وتوجهات أستراتيجية للموارد البشرية تضمن استقطاب وتوظيف سواء من البيئة الخارجية للمؤسسة أو داخل كيانها وبما يضمن تلافي تلك الاختلالات والذهاب إلى تشجيع فكرة الابتكار المؤسسي المستدام من خلال تلك الموارد البشرية.

ومن ضمن تلك التوجهات الاستراتيجية المرتبطة بوظيفة التوظيف أحدى وظائف الموارد البشرية تبدأ بتحديد احتياجات المؤسسة من العنصر البشري طبقا لنتائج تخطيط الموارد البشرية، ثم يبدأ البحث عن أفراد لسد هذه الاحتياجات، وتقتضي عملية البحث التدقيق في مصادر استقطاب الموارد البشرية، والمتمثلة في المصادر الداخلية: و هي التي تعني توفير الاحتياج للكفاءات المطلوبة من للقوى العاملة، تفضله داخل المؤسسة، وذلك من العاملين الحاليين فيها الذين يشكلون مصدرا لتغطية احتياجاتها بأقل التكاليف، من أجل تلبية احتياجاتها من الموارد البشرية.

وتلجأ بعض المؤسسات إلى المصادر الخارجية، وذلك بالبحث من خارج كوادرها العاملة للوفاء باحتياجاتها من الأفراد المؤهلين والصالحين للتقدم للوظائف الشاغرة[5].

ونظرا لتقارب المزايا والعيوب للخيارين، فتلجأ الكثير من المؤسسات إلى النظر في الكفاءات المتوفرة لديها داخليا لتتم عملية الترقية للوظائف الشاغرة لعدد من الاعتبارات، أهمها خفض تكلفة التوظيف والتدريب للعمالة الخارجية وزيادة رفع الروح المعنوية لدى الموظفين، ولا تلجأ لخيار المصدر الخارجي إلا عند عدم توفر الكفاءات المطلوبة داخليا.

وتستخدم بعض المؤسسات سياسة أكثر ملائمة في التوظيف أو الاستقطاب تتمثل في تنمية العاملين داخل كيانها أو الاعتماد على استقطاب المؤهلين من خارجها.

ويبدي أرباب الأعمال اليوم ميلا واضحا للشراء أكثر من البناء فيما يتعلق بالعاملين ذوي الاختصاصات النادرة في سوق العمل. غير أن الاعتماد على التوظيف كبديل عن التنمية قد لا ينسجم مع استراتيجية المؤسسة وبالأخص المؤسسات الأكاديمية في تحقيق ميزة تنافسية اعتمادا على مواردها البشرية عالية التكلفة.

ثانياً: التوجهات الاستراتيجية للتدريب والتأهيل

تعد وظيفة تنمية الموارد البشرية من الأنشطة الأساسية والخطيرة في إدارة الموارد البشرية، وتنفق إدارات الموارد البشرية في الدول الغنية والنامية أموالا باهظة في تدريب الموارد البشرية وتنميتها؛ أملاً في أن تؤدي تلك الجهود إلى رفع كفاءة العاملين فيها، وزيادة إنتاجيتهم، مما يساعد على تحقيق أهداف المؤسسة[6].

تتضح أهمية استراتيجية تدريب الموارد البشرية من خلال الفوائد المتحققـة منها لجميع أطرافها وهم: الأفراد ثم المؤسسة وأخيراً المجتمعات، وفيما يلي توضيح ذلك:

أ. أهمية التدريب للأفراد:

تتمثل أهمية التدريب للأفراد في الآتي[7] :

    • توسيع وزيادة فرص الترقية الوظيفية وما يترتب عليها من فوائد مادية ومعنوية.
    • رفع الروح المعنوية والرضا عن الأداء وتحسين العلاقات الإنسانية.
    • إثراء الخبرات والتجارب وتبادلها والتعرف على المستجدات الفكرية والعملية ذات العلاقة بالعمل.
    • تقليل الأخطاء والانحرافات والإصابات واحتمالات التعرض للعقوبات التأديبية.

ب. أهمية التدريب للمؤسسات:

تتمثل أهمية التدريب للمؤسسات في الآتي[8]:

  • زيادة الإنتاجية من خلال الأداء الجيد وانسياب العمل، وتعرف العاملين على ما هو مطلوب منهم، وتطوير المهارات لديهم لتحقيق الأهداف التنظيمية المطلوبة.
  • تحسين سمعة المؤسسة داخليا وخارجيا كنتيجة لجودة المخرجات النهائية للمؤسسة.
  • تطوير أساليب القيادة وترشيد القرارات الإدارية وبناء قاعدة فعالة للاتصالات الداخلية بين العاملين والإدارة.
  • تنشي مهارات الإبداع والابتكار مما يسهم في تحقيق التميُّز والرفع من كفاءة وفاعلية المؤسسة.

ج. أهمية استراتيجية التدريب للمجتمعات:

تتمثل أهمية التدريب للمجتمعات في الآتي[9]:

  • تسهم في تقليص معدلات البطالة المقنعة والتضخم الإداري وتحسين معدلات الإنتاجية على المستوى الوطني.
  • تُعد أحد جهود وبرامج التنمية البشرية الشاملة للمجتمعات كاستثمار طويل المدى للدول التي تحرص على البقاء والنماء.
  • تُعد أحد آليات التوطين التي تُمكن الدول من إحلال العمالة الوطنية بدلاً عن العمالة الوافدة التي تم الاستعانة بها نتيجة نقص المهارات والخبرات.
  • تقليص ما يخصص في الموازنات للأضرار والإصابات أو ما ينجم عن سوء الاستغلال والهدر والفساد.

ومن خلال الأهمية والفوائد المتحققة على المستويات الثلاثة يتضح عمق أثر استراتيجية تدريب الموارد البشرية، وأن الفوائد لا تصب في منفعة طرف واحد فقط، وإنما تشمل المعنيين بعملية التدريب بشكل خاص وأصحاب المصالح في المؤسسة بشكل عام.

وتؤدي استراتيجية تدريب الموارد البشرية في أي جهة دوراً مهما في تحديد احتياجات تلك الجهة من المهارات والسلوكيات والمعارف المطلوبة من حيث الكيف والكم وبشكل يتناسب مع التطلعات الاستراتيجية لتوجهاتها العامة والاستراتيجية الشاملة، ثم الإسهام المباشر في زيادة مهارة وقدرات العاملين والرفع من مستوى أدائهم لتحقيق مستوى أفضل للميزة التنافسية لمنظماتهم. وتمر عملية إعداد استراتيجية التدريب بالمراحل الآتية[10]:

  • تحليل استراتيجية المؤسسة وما تتضمنه من أهداف ومهام وسياسات وبرامج.
  • تحليل ودراسة البيئة الداخلية للمؤسسة من حيث: الوضع الحالي، ومعدل دوران العمل، وكفاءة العاملين.
  • تحليل ودراسة البيئة الخارجية للمؤسسة من حيث الظروف والاتجاهات الاقتصادية، والتطور التكنولوجي، والعوامل الديموغرافية، والأنظمة الحكومية والمنافسة.
  • إعداد وصياغة استراتيجية التدريب وما تتضمنه من سياسات وبرامج وموازنات بشكل يسهم في التكامل مع استراتيجية المؤسسة.
  • مراجعة الخطة الاستراتيجية للتدريب عند حدوث تغيرات في البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة.

وتطرق بعض خبراء الإدارة إلى خطوات عملية للتدريب، والتي تعني بأنها: التنمية المستمرة والمؤسسة لمعارف ومهارات واتجاهات العاملين في المؤسسة على اختلاف مستوياتهم الإدارية، ويعتمد نجاح هذه العملية في المؤسسات الأكاديمية على مدى التخطي الجيد لها قبل وبعد التنفيذ الفعلي، ويجب أن ننظر إلى عملية التدريب بوصفها عملية متعددة الأوجه ومتماسكة ويكمل بعضها بعضا[11] . ويمكن تحديد خطوات عملية التدريب حسب كشواي[12] Foster[13]، Jacksonو Mathisr[14] بأربعة خطوات على النحو الآتي:

الخطوة الأولى: تحديد وتحليل الاحتياجات التدريبية: يُعرف يونس[15] الاحتياجات التدريبية “بأنها مجموعة التغيرات المطلوب إحداثها في الفرد، لغرض تحقيق التوازن بين أداء الفرد ووظيفته وأهداف منظمته، كما أنه لا معنى لنشاط تدريبي ما لم يكن هناك احتياج حقيقي إليه”.

الخطوة الثانية: تصميم البرامج التدريبية: تهدف عملية تصميم البرامج التدريبية إلى تحديد محتوى التدريب وإظهار الطرائق والأساليب التدريبية والمدربين ومدة التدريب ومكانه وتكاليفه[16]. وتأتي عملية تصميم البرامج التدريبية بعد الانتهاء من تحديد الاحتياجات التدريبية وترجمتها إلى أهداف ومعايير[17].

الخطوة الثالثة: تطبيق البرامج التدريبية: تعتبر هذه المرحلة بأنها التدريب الفعلي الذي يتضمن تطبيق البرامج الرئيسة والطرائق التي تستخدم لزيادة المعرفة وتغيير الاتجاهات واكتساب المهارات والقدرات الجديدة[18] .

الخطوة الرابعة: تقييم البرامج التدريبية: الشــلماني أشار[19] إلى أن عملية تقييم البرامج التدريبية تتضمن الإجراءات المستخدمة في قياس كفاءة البرامج التدريبية ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، إلى جانب قياس كفاءة المتدربين ومدى التغيير الذي نجح التدريب في إحداثه فيهم، وكذلك قياس كفاءة المدربين الذي نفذوا البرامج التدريبية.

والمعروف أن هناك مجموعة من المعوقات التي يمكن أن تؤثر في عدم وجود رؤية واضحة وبعيدة المدى لأهمية الدور الاستراتيجي للتدريب في المؤسسات بأنواعها ، وبالتالي تعيق وتحد من تطبيق هذه الاستراتيجية، وأهم هذه المعوقات[20]:

  1. عدم وضوح الاستراتيجية العامة للمؤسسة، وبالتالي عدم وضوح أهدافها التي تسعى لتحقيقها.
  2. . عدم وجود الدعم الكافي من قبل الإدارة العليا، وعدم اهتمامها بتنفيذ الاستراتيجية العامة للمؤسسة والاستراتيجيات الوظيفية الأخرى.
  3. جمود القوانين والتشريعات.
  4. . عدم توفر الثقافة التنظيمية الداعمة للتدريب.
  5. عدم توفر النظم التكنولوجية الحديثة الداعمة للتدريب.
  6. . ضعف إيمان الإدارة العليا بالدور الاستراتيجي للتدريب.
  7. . ضعف نشاط تحليل الوظائف.
  8. ضعف الإمكانيات المالية المتاحة للتدريب.

ثالثاً: استراتيجية تنمية القيادات

تمثل استراتيجية تنمية القيادات إحدى أبعاد التوجهات الاستراتيجية لوظائف الموارد البشرية، وهذه الاستراتيجية تأخذ أبعاد متعددة من خلال التعرف على مفهومها يمكن استخلاص الابعاد الاستراتيجية لتلك التوجهات، حيث تعرف على أنها ذلك الأسلوب الذي “يعزز الاتصال والمواءمة بين الجهود الفردية للقادة والنظم التي من خلالها تتم العمليات المؤسسية”[21].

ولاستراتيجية تنمية القيادات وفقا للأبعاد الاستراتيجية للمؤسسة أهمية كبيرة لمستقبل المؤسسة ووصولها لغاياتها بكفاء وفاعلية، وقد تطرق العديد من الباحثين[22] ، ومنهم أيضا الغافري[23] لجوانب تلك الأهمية، وذلك على النحو الآتي:

  1. الدور الكبير لاستراتيجية تنمية القيادات في نجاح تنفيذ الاستراتيجية العامة للمؤسسة.
  2. تهيئة القيادات للتعامل مع بيئة شديدة التعقيد وسريعة التغيير.
  3. الإسهام في تعزيز ثقافة التميُّز في أداء القطاعين العام والخاص.
  4. . إيجاد قيادات إدارية ذات كفاءة عالية وتحديد كيفية تنمية قدراتها.
  5. النتائج الإيجابية العالية لوجود قيادات إدارية وكيفية إيجاد الظروف اللازمة لإعدادها.
  6. معالجة العجز في الكوادر على أن تكون من بين الأولويات الرئيسية لإدارة المؤسسة.
  7. تحقيق الرضا الوظيفي والشعور بالقيمة لدى القيادات بالمؤسسة.

الفرع الثاني: تنظيم وظائف تحديد الحوافز والمكافئات

لسلامة تحقيق المؤسسات بمختلف اشكالها لأهدافها يستدعى الأمر التركيز على وسائل تدبير حديثة ومتطورة مع ضرورة أن تكون تلك التدابير قامت على عدد من النظريات وأخذت تجربتها وتجريبها في السياق العام الإداري لمختلف المؤسسات، وتعتبر منظومة الأجور إحدى العناصر المركزية ضمن تدبيري الموارد البشرية لأي مؤسسة، بالنظر إلى أمكانية الموارد البشرية وما تقدمة لها المؤسسات من حوافز مالية ومادية من المؤكد سيكون لها المردود على دعم التوجهات الاستراتيجية والاهداف المسطرة في إطارها على المستوى الفرد وكيان المؤسسة ككل.

ومن المؤكد أن تلك المكافئات والحوافز المرتبطة بالموظف لا يمكن قياسها دون تفعيل عنصر الرقابة والمتابعة والتقييم لتلك النتائج على المستوى الفردي والجماعي داخل كيان الإدارات والمؤسسة ككل.

وبالتالي التركيز على الحوافز والمكافئات بمختلف أنواعها المادية والمالية أمرا مهم، والتمكين إلى جانب التفويض هو إحدى وسائل التحفيز المشجعة للموظف، حيث قدمت الكثير من المنجزات على مستوى تحقيق الكفاءة والفعالية والاقتصاد وعززت من مهارات الابداع والابتكار وهو ما ركزنا علية من خلال بحثنا.

أولاَ: التفويض والمشاركة في اتخاذ القرارات وسيله لدعم الابتكار المؤسسي

يعتبر التفويض كتوجه استراتيجي وخيار مهم للتوجهات الاستراتيجية لإي مؤسسة أو على مستوى كيانات الدول، حيث يلعب دور ويساهم بشكل فعال في تطوير الأداء الوظيفي والمؤسسي في العديد من المؤسسات، ولكن بشكل متفاوت، فالتجربة الفرنسية كان لها السبق في ظل التنظيم الإداري الحديث.

ومن أمثلة التفويض الهادف إلى تعزيز فكرة التوجهات الاستراتيجية للدولة في سبيل تعزيز التوجهات المرتبطة بالموارد البشرية، والذي تم على هذا الأساس[24]، المرسوم الفرنسي الصادر بقانون في 23 يناير 1947 والمعدل بالمرسوم بقانون الصادر في 19 يوليو 1968، الذي منح الوزراء الحق في تفويض توقيع يتم بواسطة قرارات منهم في حالات معينة إلى معاونيهم.

والمرسوم الصادر في 23 يونيو 1950 الذي منح المدير حق التفويض في ممارسة اختصاصاته للسكرتير العام، ومدير الإدارة ورئيس المكتب. ثم جاء مرسوم 26 شتنبر 1953 الذي منع التفويض من جانب الوزراء في دائرة المحافظة لغير المحافظ، إذ نص على أنه لا يجوز للوزراء أن يفوضوا اختصاصاتهم مباشرة إلى موظفي وزاراتهم في الأقاليم، ولكن يجب أن يتم هذا التفويض إلى مدير المحافظة أولا، ثم يقوم هذا الأخير بالتفويض إلى موظفي الوزارات المختصين في محافظته.[25]

في نفس السياق كان التفويض الإداري في مصر قد ظهر في الخمسينات، حيث جاءت مجموعة من النصوص التي نظمت أحكامه، لكن أول قانون مستقل اختص بتنظيم التفويض، كان هو القانون رقم 390 لسنة 1956 الذي ألغي لقصوره وحل محله القانونان رقمي 42 لسنة 1967 و37لسنة 1968 المعمول بهما حاليا، والقانون الأول منهما ينظم التفويض في الاختصاص داخل الإدارة المركزية وبينها وبين الإدارات اللامركزية الإقليمية والمرفقية. أما القانون الثاني فينظم في بعض نصوصه التفويض في الاختصاص داخل الإدارات اللامركزية الإقليمية وحدها، وتوجد بجانبهما بعض النصوص المتفرقة في قوانين.

وهنا نؤكد أن التفويض وفقا لمفهومة وأرتباطه بالعنصر البشري يعد نموذج متقدم للتوجهات الاستراتيجية الرامية إلى تحقيق جملة من الأهداف والأبعاد الاستراتيجية.

ثانياً: خصائص واستراتيجية التمكين لدعم الابتكار المؤسسي

لدراسة التمكين وعلاقته بالأبعاد الاستراتيجية للموارد البشرية كان من الضروري في البداية توضح جوانب الاختلاف بين مفهوم التمكين والمفاهيم ذات العلاقة، حيث يختلف مفهوم التمكين في مضمونه وأهدافه عن مفهوم التفويض الذي يعني منح الآخرين جزءا من الصلاحيات، ويختلف عن مفهوم المشاركة، التي تعد أحد الأجزاء المهمة في التمكين، إذ إن مفهوم التمكين أوسع وأحدث وأكثر شمولاً .

وعرف أبو النصر[26] استراتيجية التمكين بأنها: ” استراتيجية تهدف إلى تحرير الطاقات الكامنة لدى العاملين وإشراكهم في عمليات بناء المؤسسة، باعتبار أن نجاح المؤسسة يعتمد على تلاؤم حاجات العاملين مع رؤيتها وأهدافها البعيدة”.

وللتمكين خصائص استراتيجية ، وذلك كالآتي:

  • عمليات وممارسات مستمرة في تشجيع وتعزيز الثقة للموارد البشرية.
  • إيجاد صلاحيات وامتيازات أوسع للعاملين.
  • . تعزيز أوسع لفرص العمل مع تقليص التسلسل الهرمي للسلطة.
  • . مشاركة أكبر في جمع معلومات متعلقة بالعمل مع الموظفين.
  • . المسائلة والمسؤولية عن نتائج الأداء الوظيفي.
  • . تفريط المديرين والمسؤولين للمهام والواجبات الأكثر أهمية.

و يرى الباحث أن استراتيجية تمكين الموارد البشرية في المؤسسات الأكاديمية تتمثل في: مجموعة الطرق والأساليب الإدارية التي تهدف من خلالها المؤسسة إلى دعم العاملين وتشجيعهم على استثمار معارفهم وتفعيل مهاراتهم وخبراتهم من أجل أداء أفضل، وذلك بمنحهم متطلبات النجاح والتميُّز الوظيفي لأداء أعمالهم بكفاءة وفاعلية عالية ومنحهم صلاحيات كاملة تمكنهم من إنجاز أعمالهم دون العودة إلى الإدارة العليا، وبما يسهم في تحقيق أهداف المؤسسة بكفاءة وفاعلية ويعزز مهارات الابتكار المؤسسي المستدام لديهم.

ومن خلال ذلك تبرز أهمية استراتيجية تمكين الموارد البشرية في دورها الفاعل على المستويين الآتية[27] :

      • الأهمية بالنسبة للمؤسسة:

والتي يمكن استخلاص تلك الأهمية في النقاط التالية:

  1. تنمية تفكير المديرين وتطوير قدراتهم الإبداعية من خلال إتاحة وقت أكبر أمامهم للتركيز في الشؤون الاستراتيجية للمؤسسة.
  2. تحقيق التحولات الإدارية اللازمة لتجاوز سلبيات المركزية والهيكل التنظيمي الهرمي ومحدودية الصلاحيات التي تُمنح للعاملين.
  3. تحقيق متطلبات الجودة الشاملة في تقديم منتجات تتصف بالجودة العالية والمرونة اللازمة لتلبية متطلبات العملاء، والاستجابة السريعة.
  4. الاستفادة المُثلى من كافة الموارد المتاحة، وفي مقدمتها الموارد البشرية والكفاءات العلمية داخل تلك المؤسسات الأكاديمية.
  5. استشراف المستقبل والتنبؤ بملامحه من خلال تأهيل الموارد البشرية لمسؤوليات مستقبلية أكبر.
      • . الأهمية بالنسبة للموارد البشرية:

على نفس الصعيد توجد أهمية ترتبط بالموارد البشرية أهمها ما يلي:

  1. إطلاق العنان للأفراد لتفعيل معرفتهم وقدراتهم الابتكارية ومنحهم الطاقة والمقدرة على العمل باستمرار.
  2. الإسهام في زيادة فهم العاملين لدورهم في تحقيق أهداف المؤسسة وتطوير الكفاءة الذاتية وزيادة مستوى رضا العاملين.
  3. زيادة التزام الأفراد وتعهدهم بمسؤوليات جديدة.
  4. رفع الروح المعنوية للعاملين والمحافظة على الكفاءات البشرية.

وقد حددت دراسة [28]Daft أربعة أبعـاد أساسية لاستراتيجية تمكين الموارد البشرية وضمان نجاحها، وهي على النحو الآتي:

  1. توفر المعلومات (Information): ويقصد بها إتاحة المعلومات عن جميع جوانب المؤسسة وتقديمها للأفراد العاملين.
  2. امتلاك المعرفة (Knowledge): يعد امتلاك الأفراد العاملين للمعرفة بمتضمناتها عامل حسم مهم في نجاح برامج تطبيق التمكين.
  3. امتلاك القوة (Power): ويشير هذا العامل إلى ضرورة امتلاك الأفراد العاملين القوة اللازمة لدعم القرارات، ذلك أن معظم المؤسسات الأكاديمية المعاصرة تمنح منتسـبيها القوة اللازمة للتأثير في إجراءات العمل والمخرجات عن طريق منح فرص العمل بأنواعها والقوة اللازمة لاتخاذ قرارات تصب في صالح المؤسسة نفسها والمؤسسات المتأثره بمخرجاتها.
  4. تقديم المكافآت (Rewards): تقوم أكثر المؤسسات بتقديم المكافآت التي يستحقها الأفراد العاملون اعتماداً على الأداء المنظمي الذي يعزز دافعيـتهم نحو العمل.

وبالنظر إلى ما ذُكر أعلاه ، يتضح أن استراتيجية تمكين الموارد البشرية عملية شاملة وواسعة ولها مراحل متسلسلة لا بد من مراعاتها، ومن تحديد متطلبات كل مرحلة حتى تحقق النتائج المرجوة والوصول إلى أهدافها المرسومة.

ويمكن القول، إنه لتعزيز دور الابتكار لا بد من تجاوز أي معوقات للتمكين ويجب تبني استراتيجية تمكين الموارد البشرية من قبل القيادة العليا ومتابعة تنفيذها والتخلص من الأنظمة البيروقراطية المعيقة للتمكين، وكذا انتقاء موظفين لديهم الرغبة والقدرة على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات اللازمة في المواقف الإدارية المختلفة مع ضرورة تبني أنظمة للحوافز والمكافآت لتشجيع تحقيق النتائج الجيدة لاستراتيجية تمكين الموارد البشرية.

المطلب الثاني: تعزيز استدامة الابتكار المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية في ظل اعتماد وظائف الموارد البشرية على توجهات استراتيجية

يعد الابتكار من اهم دعائم استراتيجيات الريادة والتطور والكفاءة وعنصراً أساسياً في تحقيق أهداف المؤسسة وبلوغ الميزة التنافسية، ووسيلة مهمة تضمن البقاء والمنافسة للمؤسسة في السوق المحلية والعالمية، إذ يكتسب الابتكار وبالأخص المرتبط بالعمل المؤسسي أهمية كبيرة على مستوى المؤسسات الأكاديمية ويعد المحرك لأنشطة المؤسسة من خلال دعمها لقدراتها وتطوير منتجاتها[29].

والابتكار المؤسسي يعرف بأنه: عملية تطوير وتنفيذ أفكار جديدة ومبتكرة داخل المؤسسة أي منظومة متكاملة تتألف من السياسات والاستراتيجيات والعمليات والأدوات التي تمكن المديرين والعاملين في التعامل والعمل المشترك للتصدي للتحديات واستغلال الفرص.

الفرع الأول: حاجة وظائف الموارد البشرية في المؤسسات الأكاديمية للابتكار المستدام

في المؤسسات الأكاديمية بمختلف أشكالها الأولية أو مؤسسات التعليم العالي الحديثة على وجه الخصوص، يعد الابتكار أمرا بالغ الأهمية، لتظل قادرة على المنافسة وذات صلة بالسوق وتطلعات المجتمعات من المعرفة، يساعد الابتكار المؤسسات على تحسين منتجاتها أو خدماتها، وزيادة الكفاءة والتكيف مع المتغيرات في السوق أو التطور في المخرجات، كما أنه يدفع النمو والربحية ويعزز سمعة العلاقة ويشجع الابداع بين العاملين داخل تلك المؤسسات وأبقائها في الصدارة وتوقع الاحتياجات التي يحتاجها عملائها.

الأمر ذاته لا يقتصر على خدمة العملاء وتعزيز موارد المؤسسات الأكاديمية فقط، بل يتعدى ذلك إلى معالجة قضايا اجتماعية وتحسين الرفاهية العامة وتعزيز الثقافة العامة والنمو المجتمعي، ويمكن أن يساعد في أحداث تأثيرات إيجابية على المجتمع.

أولاً: الابعاد الاستراتيجية للابتكار

يتزايد الاهتمام بموضوع الابتكار في ظل التحديات المتنامية والطلبات المتزايدة بجودة المنتجات والخدمات، كما أن لظاهرة العولمة والتغيرات المرتبطة بالمنافسة الشديدة وثورة المعلومات كانت سبباً في التأكيد على أن الابتكار أصبح مهم في العملية الإدارية على وجه الخصوص.

ولعل، استمرار‌ التطور التقني‌ والتقدم العلمي الذي وصلت‌ إليه البشـرية ‌بمختلف مجالاتها يستلزم‌ توليد‌ الأفكار‌ الجديـدة، والنظرة المتجددة للأشياء، وتـشجيع‌‌ الإبداع والإبتكار، وخاصة في‌ الدول الناميـة الحريصة‌ على الالتحاق بركب‌ التطـور التقني والتقدم العلمي، ‌ للدول المتقدمة.

ولذلك، لا بد أن تزويدها الابتكارات، لأنها‌‌ تسهم ‌‌بتحسين ‌قدرات ‌‌الموظفين ‌لمواكبة ‌التطـورات ‌‌التقنية ‌الحديثة، ‌وتوليد ‌‌الأفكار ‌المتميزة،‌ ووضع‌ حلول ‌للمشكلات‌، والمشاركة ‌باتخاذ ‌القرار ‌المناسب‌ بالوقت ‌الصحيح، ‌فالإبداع والابتكار ‌نظام‌ متكامل يتشارك به أفراد ‌التنظيم‌ والمؤسسة ‌الإدارية (موظفين ومديرين) وبيئة ، ويعتبر‌ العنصر الفاعل في أداء ‌المؤسسة هو ‌الإدارة،‌ فكان ولابد‌ من ‌اتجاهها للتطوير كي ‌تحقق أهدافها، ويلاحظ في بعض المؤسسات‌ ظهور الروتين والرتابة الذي يمارسه العاملون عند ‌تأدية‌ مهامهم وبالتالي لايساهم ‌في‌ دفع عجلة التـطوير‌ للأفضل،‌ ولذلك لا نتوقـع تميزاً منهم وابتكارا لعناصر ‌العملية ‌الإدارية والتنظيمية‌ إلا من خلال حجر الأساس المتمثل في الموظف، لأن به ومنه تسير‌ المؤسسة ‌في‌ طريق “الابتكار المؤسسي المستدام ([30])

وللابتكار ابعاد أوجزها كلايسون وستريت في خمسة أبعاد رئيسة لاستراتيجية الابتكار، وذلك على النحو الآتي[31] :

  1. استكشاف الفرص: وذلك بتشجيع البحث عن الفرص الإبداعية والابتكارية بقصد الـتعلم والاسـتفادة منها، وهذا شرط ضروري للحد من الروتين السائد في المؤسسة.
  2. . توليد الأفكار وابتكارات جديدة: ويهتم بإيجاد الأفكار الجديدة والمبادرات التي تهتم على مستوى المؤسسة، ويؤكد مامفورد أن الأفراد هم مصدر أي فكرة جديدة.
  3. التحقق: ويعني المساهمة في صياغة الأفكار والحلول، وتجربتها باستخدام الوسائل العلمية، ثم تقييم الأفكار والحلول الإبداعية المطروحة.
  4. . التحدي: ويعني الأفكار والحلول الإبداعية الكامنة وتحريكها وتحمل المخاطر في سبيل دعمها.
  5. التطبيق: وهو يضمن استمرار تطبيق الفرص الإبداعية، وتصحيح أي انحرافات للأداء تحدث في الوضع الراهن الجديد.

وهناك أنواع للابتكار المؤسسي وفقا لطبيعة التغيير الذي يحدث في أي مؤسسة ، ونتيجة للممارسات المرتبطة بالابتكار وعلاقته بالثقافات الخاصة بالمجتمعات تبين أن للابتكار مؤشرات خاصة، من خلال ذلك حدد المشروع الأوربي لقياس الابتكار في القطاع العام Sector Public European Innovation Scoreboard ثلاثة أنواع للابتكار، وهي([32]):

  1. الابتكار في الخدمة innovation Service )):
  • والذي يعني تقديم خدمة جديدة أو إدخال تحسين على جودة خدمة قائمة فعلا
  1. الابتكار في توفير الخدمة innovation delivery Service )):
  • الذي يعني تعديل أو تغيير أو ابتكار طرق جديدة في إيصال الخدمة العامة.
  1. الابتكار الإداري التنظيمي (Administrative and Organisational innovation).

ثانياُ: التصورات الإيجـابية لوجود الابتكار في المؤسسة

أثبتت الكثير من الدراسات أن الابتكار هو من أهم أدوات النهوض بالمؤسسات وعلى وجه الخصوص الأكاديمية منها، من خلال تميزها في المنافسة وجودة الخدمات

وأنطلاقا، من فكرة أن الابتكار ليس علما أو تكنولوجيا، ولكنه قيمة يجب أن يأخذ في الاعتبار كل المتغيرات المتوقعة وغير المتوقعة وهو ما يستوجب على المؤسسات الأكاديمية وضع نظام غير تقليدي للتغيير يمكنها من التفكير الابتكاري الخلاق للتغلب على المتغيرات التي تؤثر على نشاطها بشكل مستمر، كون الابتكار ليست أهميته تأخذ من ناحية المنتج الجديد، ولكن أيضا لإدارة أي عمل لتطوير النتائج في المستقبل من حيث نمو السوق والربحية وهو ما يوضح أن الابتكار يرتبط بكافة أوجه النشاط في المؤسسة والنواحي المختلفة المرتبطة بهذا النشاط، وبالتالي يمثل الابتكار ضرورة كظاهرة إيجابية لتطوير تلك المؤسسات[33].

وهناك مجموعة من المقومات التي يجب توافرها لتعزيز الابتكار المؤسسي أهمها:

  1. يعد الابتكار ‌ظاهـرة ‌إنسانية ‌طبيعيـة لا تقتصر على ‌اصحاب‌ المواهب‌، ‌فالإبداع ومهارة الابتكار موجوده‌ عند‌‌ البشر ‌بأساليب ‌متنوعة‌ وبمستويات‌‌ متفاوتة، ‌ليـصبح ‌التحدي ‌الكبير‌ لدى ‌الفرد‌ أن ‌يوظف ‌ما‌ يملكه من ‌إمكانـياته ‌الابتكارية لتقديم جديد[34].
  2. الابتكار ‌ظـاهـرة ‌مركبـة ‌قابله للفهم أخضعت للدراسة إلى جانب الإبداع ‌منذ ‌(40 عاماً) ‌ فظهرت ‌نظريات‌ عديدة تساعد‌ على تنظيمها‌ وفهمها.
  3. الابتكار ‌متعة إذا يتعرف ‌الفرد‌ على ‌ما يملكه من “أفكار‌” ويوظفها ‌،‌ ذلك‌ سيعود عليه ‌بالرضا‌ والإنجاز والإنابة ويخفف من التوتر عند ابتكار أساليب جديدة لحل المشاكل وتلافيها قبل حدوثها([35]).

ثالثاُ: الخصـائص الـرئيسيـة للمؤسسات الأكاديمية الابتكارية

هناك خصائص يجب: على المؤسسات الأكاديمية أن تمتلكها لتحقق ميزتها التنافسية كالحصول على الموارد النادرة، تكامل اللمسة الإنسانية مع التكنولوجيا، درجة استمرارية الخدمة لمدى أطول، وأن تكون خدماتها ذات قيمة للعميل. وهذه الخصائص نسبية، وليست مطلقة، ولكن توفرها يحقق الأفضل، من أجل المنافسة والربحية والرقي بالعملية التعليمية والبحث العلمي المستدام.

وتتسم المؤسسات الأكاديمية الداعمة للابتكار والمبتكرين ‌بخصائص‌ مميزه عن مثيلاتها من المؤسسات ‌التقليديـة وأهمها‌ ما‌ يلي([36]):

  1. وجود‌ مجموعة ‌من ‌الأفـراد ‌المبتكرين ‌ ولديهم ‌الدوافع‌ الداخلية ‌لخلق الأفكار‌ الإبداعيـة ‌ليتم‌ حل‌ المشكلات ‌في المؤسسة.
  2. العمل المستمر على تحفيز ‌كل ‌العاملين‌ للتجريب.
  3. التأكيد على أن الأسلوب ‌البيروقراطي ‌أنه حاجز للإنجاز.
  4. عمليـة الاتصال ‌تتميز ‌بالانفتاح ‌والمرونة..
  5. تدعيم‌ قيم ‌تنظيمية‌ تتوافق ‌مع ‌قيم‌ الابتكار والمبتكرين والإبداع ‌والتغيير وتمثل ‌قـوة‌ دفع عالية للمؤسسة.
  6. تهيئة‌ المناخ الملائم‌ وايجاد فرق ‌عمل ‌للتفكير ‌الابتكاري.
  7. تشجيع ‌الحوار الهادئ‌ البناء والمناقشات‌ بهدف البناء والنقد‌ وليس الهدم‌.([37])
  8. سياسة المؤسسة نحو تنمية الأفراد وتعزيز خصائص وسمات الابتكار لديهم.
  9. بناء‌ علاقة ‌متينة‌ مع ‌البيئة‌ الخارجية‌ للمؤسسة الأكاديمية‌ وخاصة‌ مـا‌ يتعلق بالصلة‌ القوية‌‌ مـع ‌المستفيدين من مؤسسات ومجتمع‌ من الخدمة المقدمة‌ منها‌ بالقدر ‌الذي يجعل ‌جميع ‌عمليات‌ التجديد‌ والابتكار ‌والتطوير ‌موجهة ‌لتحقيـق ‌رغبـات‌ عملاء تلك المؤسسات.
  10. الاعتماد على ‌التـخطيط ‌الاستراتيجي ‌المـرن ‌والاستفادة ‌من ‌الأبحاث ‌العلمية ‌في ‌مجال ‌عمل‌ المؤسسة الأكاديمية ومساندة‌ الأفكار والابتكارات ‌الحديثة.
  11. الايمان بالانتماء لأهداف ‌المؤسسة‌ وقيمها‌ والعمل ‌في‌ مناخ يتميز ‌بالمرونة‌ والثقة
  12. تجهيز البيئة ‌الداخلية ‌المساعدة‌ على ‌التفكير الابتكاري ‌الذي ‌يتميز بوجود ‌رسالة ‌واضحة‌ للمؤسسة، وخطة ‌دقيقة ‌تترجم‌ هذه‌ الرسالة، وقيم‌ مشجعة‌ وواضحة‌ للعمليـة الابتكارية وابعادها‌ والحرص‌ في ‌اتخاذ ‌القرارات‌ على ‌اللامركزية.

المطلب الثاني: عناصر ومجالات الابتكار المؤسسي المستدام الناجح في ظل وجود معوقات

رابعاً: أهمية أستراتيجية تنمية الأبتكار في المؤسسات الأكاديمية

تنمية الابتكار ُعرفه الشرفي[38] بأنه “جهود المؤسسة في دعم العاملين وتشجيعهم، وتوفير الأعمال التي تمثل تحديا لهم، وإعطاؤهم الحرية الكافية لإنجاز أعمالهم، وكذلك توفير الموارد المالية والمعلوماتية”.

وعرفها المزروع[39] بأنها “تنمية القدرات الخاصة التي تتوفر لدى الفرد والتي تمكنه من الابتكار والابداع والتجديد سواء في إيجاد حلول للمشكلات أو التوصل لأداة جديدة أو إثراء فني أو أسلوب جديد في العمل أو إضافة جديدة للمعرفة”.

ولعملية الابتكار المؤسسي أهمية بالغة سيترتب عليها مردود سواء على مستوى العاملين أو المؤسسة ككل، من أجل ذلك يمكن حصر تلك الأهمية المرتبطة بالعوائد التي ستأول على العاملين والمتمثلة في التالي:

  1. تحقيق الذات: حيث يتطلع العاملون إلى أن يكونوا مبدعين وأبتكاريين؛ ليحققوا التميُّز والتفوق، ويبحثون عن الشهرة التي تجعلهم في مستوى الكبار والعظماء.
  2. التغلب على المجهول وغموض المستقبل: يدفع الخوف من المجهول وغموض المستقبل العاملين إلى أن يكونوا مبتكرين ومبدعين من أجل امتلاك المزيد من الجرأة والتحدي ومجابهة المخاطر لتخفيف المخاطر الكبيرة من المستقبل المجهول، واستحضاره قبل أن يقع أو يقترب خطره.
  3. المساهمة في تنمية القدرات الفكرية والعقلية للعاملين عن طريق إتاحة الفرصة لهم في اختبار تلك القدرات.
  4. يمكن للمبتكرين الحصول على فوائد مالية كبيرة من الخدمات التي يقدمونها. من خلال المبدعين والمبتكرين في أي مجتمع ويمكن لهذا المجتمع أن يدخل سوقًا تنافسيًا ضخمًا ومن ثم ستنتقل الدولة من موقع وسيط إلى موقع أعلى بين الدول ([40]).
  5. الاهتمام بجماعات العمل الصغيرة والتنظيمات اللارسمية وتشكيلاتها وبالعلاقات الإنسانية والاجتماعية ([41]).

وتتميز بعض المؤسسات التعليمية والأكاديمية بالكفاءة في مرحلة معينة، وقد تتفوق على غيرها من المؤسسات الأكاديمية في هذا الصدد، لكنها لا تستطيع بالضرورة الحفاظ على هذا التفوق في المستقبل، إلا إذا جندت كل ما يمكنها لتنمية الابتكار والمبتكرين وتوفير مقومات ذلك التوجه كوسيلة فعالة للبقاء في عالم متغير ومتسارع، وإن أي تجاهل لذلك من شأنه أن يؤدي إلى التعجيل بانهيار المؤسسة.

وعليه فإن استراتيجية تنمية الابتكار في المؤسسات الأكاديمية تنال أهميتها من أنها:

  1. تسهم في زيادة القدرة التنافسية في ظل ازدياد حدة المنافسة وتعدد المؤسسات وبروز برامج اكاديمية وعلمية تستدعي من تلك المؤسسات التغيير المستمر.
  2. تحقق امتلاك موارد بشرية قادرة على تقديم حلول للمشكلات التي تواجهها المؤسسات الأكاديمية وابتكار طرق جديدة للتعامل معها.
  3. المساهمة في تجاوز تعقيدات العمل التي تواجه المؤسسات.
  4. الإسهام الدائم في تحسين مخرجات المؤسسات الأكاديمية وفقا للطموحات الناتجة عن طلبات المجتمع في ظل وجود تجارب دوليه ناجحة في هذا المجال.
  5. تحسين سمعة المؤسسات الأكاديمية بامتلاك ميزة تنافسية مُستدامة كنتيجة لوجود موارد بشرية مبدعة وابتكارية.

الفقرة الثانية: تعزيز وغرس ثقافة الابتكار كوسيلة للتغيير

الإنسان، بطبيعته ‌توجد‌ به ‌البذرة الإبداعية والنزعة الابتكارية، وإذا‌ أتيحت لها‌ البيئة الصالحة التي تحتضنها أثمرت ‌ونمت، وهناك ‌بيئتان للابتكار المؤسسي تؤثران على نموه ورعايته، ‌وهما البيئة ‌الخارجيـة ‌والبيئة الداخلية للإنسان.

تجسيدا لذلك المنطلق التنموي للإنسان وفق العمل بعوامل البيئتين فتنمية وتنشيط‌ الابتكار لديه‌ يكون عن طريق العديد‌ من ‌العوامل الذاتية (الشخصية) التي ‌تخص‌ المبتكر نفسه، والعوامل البيئية، فهي تساهم‌ جميعها ‌في اسـتثارة ‌الابتكارات لديه لتكوين الأفكار وتحويلها وبلورتها‌‌ إلى ‌شكل يخدم كافة ‌النظم الإدارية للمؤسسات‌ بطريقة فعاله، سـواء في‌ نظرتها وتعليماتها أو ‌في‌‌ سياسات‌ عملها.

كما أنه وتخصيصا في المؤسسات الأكاديمية يمكن لها أن تبتكر بمعزل عن غيرها، ونتيجة لما تمتلك من كفاءات علمية وتعمل على رفع كفاءة الأداء وفتح المجال أمام تبادل المعرفة وأفضل الممارسات التي يمكن تكرارها وتطويرها في سياق المنافسة وتحقيق المردود المالي والاجتماعي في نفس السياق وفق دراسة تلك الأفكار وتجريبها.

كما أن التفكير الاستراتيجي المتكامل. يمثل التخطيط الاستراتيجي جزءًا أساسيًا من عمليات تكوين الابتكار والمبتكرين، في حين يجب وضع الابتكار كأولوية واضحة ضمن جدول الأعمال الاستراتيجية لقيادات تلك المؤسسات الأكاديمية.

الخاتمة:

على ضوء ما تم تقديمه تتأكد لنا أهمية الابتكار المؤسسي في المؤسسات الأكاديمية منها، حيث يمثل أساسا للتطوير الهادف للتنمية الإدارية، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تلمس العوائق التي تواجه الابتكار والمبتكرين، إذ تعد تهيئة الأجواء المناسبة للعاملين في المؤسسة وذلك من خلال تجويد وسائل التدبير والتنفيذ لوظائف الموارد البشرية، وتكثيف برامج التدريب والتأهيل والاستقطاب الجيد والسليم والتحفيز بمختلف أنواعه ومنح التمكين والتفويض باعتبارها الركيزة الأساسية لإطلاق مواهبهم لابتكاراتهم وإبداعاتهم في انجاز الأعمال وحل المشاكل وتنفيذ الاستراتيجيات والخطط.

كما خلاصنا إلى إن المؤسسات الأكاديمية اليوم بحاجة كبيرة إلى أن تولي أهمية قصوى لهذا الجانب من خلال البحث والدراسة المتعمقة لمعرفة المشاكل والعوائق التي تواجه المؤسسات بهدف معالجتها، ورسم توجهات استراتيجية تتناسب التخطي للمشاكل وتعزز المقومات، وإيجاد حلول لها ولا ريب في أن ما وصلت إليه بعض هذه المؤسسات من نجاح ليس وليد الصدفة بل يعتمد بشكل كبير على تهيئة الظروف المناسبة للمبتكرين لإبراز طاقاتهم واستثمارها بصورة عقلانية رشيدة.

ولا يمكن أن تكون المؤسسات الاكاديمية بالقدر الذي هو مطلوب منها ولديها القدرة على دمج خيارات الابتكار بكل أنشطتها مالم يكن هناك ثقافة سائدة للابتكار وتحليل النظريات التي رافقت تطور هذه المهارة، وكيف ستساهم وظائف الموارد البشرية من برامج التدريب والتأهيل، على تشجيع وتحسين الأداء، والسعي لرفع كفاءة المؤسسات في تطوير أدائها وتحسين مخرجاتها والتعرف على المتطلبات الشمولية لذلك التطوير[42].

وأرتباطا بتدبير وظائف الموارد البشرية لا يمكن أن تعزز الابتكار المؤسسي المستدام مالم تهتم بإستراتيجية الامتثال المورد البشري كافة ودون استثناء بالامتثال للمؤسسة ورؤيتها ورسالتها، ويعني الامتثال تقيد الموارد البشرية بقواعد وإجراءات وسياسات المؤسسة، وإذا كان الامتثال لابد منه لكي لا تقع المؤسسة في المجهول فإن معرفة حجم الامتثال قد يكون أمرا مفيدا أو مرغوبا به.

الهوامش:

  1. أحمد بن عامر البوبي، السياسات العمومية في ميدان تدبير الموارد البشرية، أطروحة دكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الأول بوجدة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، 2021، ص9.
  2. محمد رويد العايدي، الاتجاهات الحديثة لإدارة الموارد البشرية، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، الأردن، 2010، ص12.
  3. نور الحسين، دليل الموظف، أداة تتضمن بيانات ومعلومات عامة عن المنظمة لتعريف وتوعية الموظفين في المنظمة كأداة. مجدية للحد من الزمن، أساسيات ادارة الموارد البشرية وفرنسية 2013، ص55,
  4. الوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، تدبري الموارد البشرية مقاربة جديدة للتحديث – دراسات وأبحاث رقم 3، مرجع سابق، ص12.
  5. منصور محمد العريقي، إدارة الموارد البشرية، الأمين للنشر والتوزيع، الطبعة. السابعة، صنعاء، اليمن.، 2018، 130-131
  6. عبد البارئ إبراهيم درة، زهري نعيم الصباغ، إدارة الموارد البشرية في القرن الحادي والعشرين، عمان (الأردن)، دار وائل لنشر والتوزيع، 2008، ص 301.
  7. عامر خضير الكبيسي، التدريب الإداري والأمني، رؤية معاصرة للقرن الحادي والعشرين، الطبعة الأولى، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض 2016.، ص17-18
  8. جازم ساسي، أهداف وأبعاد التنمية المستدامة التدخل والتأثير، معهد المصرفية والمالية الإسلامية، الجامعة الإسلامية العالمية، ماليزيا، 2020، ص 72..
  9. عامر خضير الكبيسي، المرجع السابق، ص 20-21
  10. أحمد عطا الله القطامين، الإدارة الإستراتيجية، دار مجدلاوي، عمان،1996، ص 24.
  11. صايم مصطفى، بوقناديل محمد، مساهمة إدارة المعرفة في تنمية وتطوير الموارد البشرية وانعكاسها على مخرجات التعليم العالي كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير بجامعة تلمسان نموذجا، مجلة تنمية الموارد شرية للدراسات والأبحاث – المركز الديمقراطي العربي – برلين. ألمانيا – العدد الثاني، أكتوبر 2018.، ص 5
  12. باري كشواي، إدارة الموارد البشرية، الناشر الأجنبي: گوجان بيدج، الطبعة العربية، دار الفاروق النشر والتوزيع، القاهرة 2006، ص 121.
  13. Ferraresi, M.; Galmarini, U.; Rizzo, L, (2014). Local infrastructures and externalities: Does the size matter
  14. Zehir, C., Can, E., & Karaboga, T. (2015). Linking entrepreneurial orientation to firm performance: the role of differentiation strategy and innovation performance. Procedia-Social and Behavioral Sciences, 210, 358-367.
  15. أحمد مؤيد الحيالي، ونجلة يونس ، مؤشرات نجاح نظام المعلومات الإدارية ودورها في الإبداع والتميز، دراسة استطلاعية في المصارف الحكومية والأهلية، في الموصل، جامعة الموصل، العراق، 2009، ص 20.
  16. مازن فارس رشيد، إدارة الموارد البشرية، الطبعة الأولى، العبيكات للنشر، المملكة العربية السعودية،2018.، ص 694.
  17. نصر الله، 2002، 232
  18. إبراهيم علي صالح الحسنی، التدريب التعاوني ورفع كفاءة العمل، ط1، مركز ديبونو لتطيم التفكير، عمان، 2015، ص 64.
  19. طارق عبد الفتاح الجعبري، دور الإدارة العليا في تحقيق الإبداع المؤسسي في المنظمات الأهلية في جنوب الضفة الغربية من وجهة نظر المديرين، رسالة ماجستير في الدراسات العليا، جامعة القدس، فلسطين، 2008. ، ص81
  20. الشرعة والطراونة، 2011، 14
  21. Chandra Balodi, K. (2014). Strategic orientation and organizational forms: an integrative framework. European Business Review, 26(2), 188-203.
  22. جيمس ركوفمان، العمل والطمأنينة في البيئة الأكاديمية، استثمار الوقت والمال والطاقة الفكرية عبر إدارة الصراع، نقله للعربية مجد الابراهيم، راجعه: محمد خليل، الطبعة العربية الأولى، مكتبة العبيكان الرياضية 2010-1431،ص 620
  23. نفس المرجع، ص62.
  24. ظهر التفويض الإداري في القانون الفرنسي منذ سنوات عديدة، فبعض نصوصه ترجع إلى سنة 1854 حيث صدر المرسوم المؤرخ في 1854/12/29 والذي كان يرخص للمحافظ في أن يفوض توقيعه في بعض اختصاصاته إلى سكرتير عام المحافظة. وفي حكم صدر في 1949/05/13 رأى مجلس الدولة الفرنسي أن هذا المرسوم لا يزال قائما فيما عدا نصة الذي كان يخضع نفاذ قرار التفويض لتصديق وزير الداخلية. هذا بالإضافة إلى مجموعة النصوص المتفرقة المتعلقة بالتفويض. لكن يبقى أهمها المرسومان الصادران في 1947/01/23 و1950/06/24.
  25. عبد الغني بسيون، التفويض في السلطة الإدارية، الدار الجامعية، القاهرة، 1986، ص 127
  26. أبو النصر، 2007، 165
  27. الكبيسي، المرجع السابق، 137؛ أفندي، 2003، 25؛ المغربي، 2001، 3
  28. Daft، 2015، 504
  29. Education, T. T. (2018). Preparation of a Learning Module for Entrepreneurship Course at Economic Education Study Program of Faculty of Teacher Training and Education Sriwijaya University. International Education Studies, 11(5).
  30. سيد عيد، الإدارة الإبداعية للبرامج ‌والأنشطة ‌في ‌المؤسـسات‌ الحكوميـة‌ والخاصـة التحديات التي تواجه الإدارة، ندوة للمنظمة العربية للتنمية الإدارية، 17 ـ 21 فبراير، القاهرة، مصر، 2008، ص33.
  31. مكيد ويحياوي، 2015، 9
  32. نوال عثنان عثمان الشحي، الابتكار في المؤسسات الحكومية الاتحادية، رسالة ماجستير حول دراسة ميدانية على القطاع الحكومي في دولة الإمارات، جامعة الامارات العربية المتحدة، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم العلوم السياسية، 2016، ‘ص17.
  33. محمد الهجان، الابتكار في القطاع الحكومي ضرورة أم ترف، مقال منشور في تاريخ 3 سبتمر، 2023م.
  34. مريم نور، الابداع، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، الطبعة السابعة، بيروت، لبنان، 2016، ص 10.
  35. صفاء الأعسر، الابداع في حل المشكلات، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 2000، ص12.
  36. سيد عيد، نفس المرجع،، ص23.
  37. سيد عيد، المرجع السابق، ص31ــ32.
  38. الشرفي، 2006، 52
  39. المزروع، 2014، 29
  40. https://mqaall.com/creativity-innovation/
  41. عصام عبد الوهاب الدباغ، إدارة الأفراط، دار النشر والتوزيع، الطبعة الأولى، الأردن، 2008، ص 176.
  42. المواضية، يوسف عطيوي مرزق. (2019). أنموذج تكاملي للتحقق من أثر التوجه الاستراتيجي ودور اليقظة الريادية المؤسسية كعامل معدل في تعزيز المزايا التنافسية: دراسة ميدانية. المجلة الأردنية في إدارة الأعمال، مج15, ع3 ، 331.