مستقبل منطقة الشرق الأوسط في ضوء التنافس الأمريكي الصيني
قيصر فرحان حسن 1
1 كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، الجامعة الإسلامية في لبنان.
اشراف الاستاذ الدكتور/ محمد منذر
HNSJ, 2024, 5(7); https://doi.org/10.53796/hnsj57/39
تاريخ النشر: 01/07/2024م تاريخ القبول: 15/06/2024م
المستخلص
في ظل التنافس الأمريكي الصيني داخل منطقة الشرق الأوسط، تثور إشكالية هذه الدراسة والتي مفادها: ما هو مستقبل منطقة الشرق الأوسط في ضوء التنافس الأمريكي _ الصيني؟. استخدم البحث المنهجين الوصفي والتحليلي. توصل البحث الى عدة نتائج أهمها منطقة الشرق الأوسط تحتل أهميةً استراتيجيةً لكلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وتشكل نقطة ارتكاز أساسية في حساباتهما الخارجية، مما يجعلها منطقة تنافس أساسية واستراتيجية بين كل من الدولتين المذكورتين. تشكل السيطرة على أمن الطاقة والحفاظ على أمن إسرائيل إلى جانب التصدي للأنظمة والقوى الإقليمية المناوئة، أهم أسس ومحددات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منقطة الشرق الأوسط. كذلك توصل البحث الى أن المصالح الاقتصادية والأهمية النفطية والاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط تشكل أساس الاهتمام الصيني والتوجه نحو منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في ظل أولوية الاقتصاد وتحقيق النمو الاقتصادي في سلم أولويات السياسة الخارجية الصينية. أوصى البحث بأنه يجب على دول الشرق الأوسط تعزيز أمنها الداخلي وتماسكها، ذلك أن التنافس الأمريكي الصيني على المنطقة قد يقود إلى افتعال وإشعال العديد من الحروب والأزمات لتسوية المنافسة عبر الوكلاء دون المواجهة المباشرة.
الكلمات المفتاحية: الشرق الأوسط، التنافس الأمريكي الصيني.
The Future of the Middle East in Light of US-China Competition
HNSJ, 2024, 5(7); https://doi.org/10.53796/hnsj57/39
Published at 01/07/2024 Accepted at 15/06/2024
Abstract
In light of the US-China competition in the Middle East region, the problem of this study arises, which is: What is the future of the Middle East region in light of the US-China competition? The research used the descriptive and analytical approaches. The research reached several results, the most important of which is that the Middle East region occupies strategic importance for both the United States of America and China and constitutes a basic focal point in their foreign calculations, which makes it a basic and strategic area of competition between the two aforementioned countries. Controlling energy security and maintaining Israel’s security, in addition to confronting hostile regional regimes and powers, constitute the most important foundations and determinants of US foreign policy towards the Middle East region. The research also concluded that the economic interests and the oil and strategic importance of the Middle East region constitute the basis of Chinese interest and orientation towards the Middle East region, especially in light of the priority of the economy and achieving economic growth at the top of the priorities of Chinese foreign policy. The research recommended that the Middle Eastern countries must strengthen their internal security and cohesion, as the US-China competition over the region may lead to the fabrication and ignition of many wars and crises to settle the competition through proxies without direct confrontation.
Key Words: Middle East, US-China competition
المقدمة:
بعد انتهاء الحرب الباردة وتفرد الولايات المتحدة الامريكية بقيادة العالم وتشكيل نظامٍ دوليٍّ أحادي القطبية. ولكن بعد فترة لا بأس بها بدى أن قيادة دولة واحدة للعالم هو أمرٌ لا يمكن أنْ يستمر طويلاً لاعتبارات القوة المتبدلة والتطور والتقدم المستمر واختلاف توازن القوى مع كل مرحلة تاريخية. منذ بداية القرن الحادي والعشرين بدأت تظهر ملامح تشكل قوى صاعدة جديدة أو ملامح لاستعادة قوى تقليدية توازنها وثقلها الدولي وهو ما بدأ يهدد المكانة الأمريكية المتفردة في العالم، ويضع نموذجها أمام تحدٍ ومنافسةٍ من قبل دول أخرى. في هذا السياق بدأت الصين تبرز كواحدة من أبرز المنافسين للولايات المتحدة الامريكية، وذلك بعد أن حققت نهضةً اقتصاديةً ومعدلات نموٍّ عاليةً جداً منذ أنْ بدأت سياسة الانفتاح والإصلاح عام 1978 بقيادة “دينغ شياو بينغ”، لتتحول بموجب هذه السياسة من دولةٍ فقيرةٍ ناميةٍ إلى الاقتصاد الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة الامريكية، فيما أُطق عليه “المعجزة الصينية”، وأصبحت الصين “مصنع العالم” وحققت تقدماً لافتاً في شتى المجالات والقطاعات، وأصبحت الحالة الصينية واحدةً من حالات النجاح الاقتصادي التي تُدرس بعمق لاستخلاص الدروس منها، ولاسيما بالنسبة لدول العالم النامي لتشابه ظروفها مع ظروف الصين. في ظلِّ الإمكانيات الكبيرة التي تتوافر في الصين، وعلى اعتبار أنَّ القوة الاقتصادية واحدةً من أهم دعامات النفوذ الدولي والمكانة الدولية والسياسية، وفي ظل تراجع القوة الأمريكية وتعرضها لأزمات أو صعوبات في مجالات عدة، سواءً ما حدث في أفغانستان أو العراق أو معاناتها للخروج من الأزمة المالية العالمية عام 2008.
إشكالية البحث:
في ظل التنافس الأمريكي الصيني داخل منطقة الشرق الأوسط، تثور إشكالية هذه الدراسة والتي مفادها: ما هو مستقبل منطقة الشرق الأوسط في ضوء التنافس الأمريكي _ الصيني؟
أهمية البحث:
تثور أهمية هذا البحث من التحليلات والدراسات تنتشر عن تنافسٍ أمريكي صيني على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، كما أنَّه ووفقاً لمحليين كثر إنَّ هذا التنافس أو في بعض الأحيان هذا الصراع هو المحدد الأبرز لأحداث القرن الحادي والعشرين، والذي سيحدد شكل النظام الدولي القادم، هل ستستمر الأحادية القطبية أم يعود النظام الدولي إلى الثنائية القطبية، أم يتنقل إلى التعددية القطبية التي تنادي بها الدول الصاعدة، كما أنَّ هذا التنافس سيترك أثره على مناطق مختلفة من العالم.
منهجية البحث:
اعتماد المنهجين الوصفي والتحليلي لإجراء هذه الدراسة، عبر توصيف الظاهرة المدروسة ومعرفتها وتحليلها، حيث تم جمع المعلومات والبيانات المتعلقة بالإشكالية والمدروسة، وتحليلها وصولاً إلى تفسيرات منطقة مستندة إلى الأدلة والبراهين.
تقسيم البحث
المطلب الأول: انعكاسات التنافس الأمريكي-الصيني على منطقة الشرق الأوسط.
الفرع الأول: انعكاسات التنافس الأمريكي-الصيني على قضايا منطقة الشرق الأوسط.
الفرع الثاني: انعكاسات التنافس الأمريكي-الصيني على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
المطلب الثاني: مستقبل منطقة الشرق الأوسط في ضوء التنافس الأمريكي-الصيني.
الفرع الأول: خارطة توزع النفوذ الأمريكي-الصيني في الشرق الأوسط.
الفرع الثاني: سيناريوهات مستقبل المنطقة في ضوء التنافس الأمريكي-الصيني.
المطلب الأول: انعكاسات التنافس الأمريكي-الصيني
تزخر منطقة الشرق الأوسط بالعديد من الملفات والقضايا الساخنة والتي تجعلها أحد أكثر مناطق العالم عرضة للاضطراب وعدم الاستقرار وذلك لكونها كانت ومازالت ساحة للصراع والتنافس بين الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والصين، واللتان تتعامل كل منهما بشكل مختلف إزاء قضايا هذه المنطقة واستقرارها.
الفرع الأول: انعكاسات التنافس الأمريكي-الصيني
إن المنافسة الحاضرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ستترك آثار لها على قضايا وأزمات الشرق الأوسط، رغم أن النفوذ الصيني يعمل كموازن أو معادل للنفوذ الأمريكي في المنطقة.
ترددت بكين في الانخراط في قضايا الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وذلك رغم حضورها وتواجدها الفاعل والمتزايد اقتصادياً ودبلوماسياً في المنطقة. ففي الوثائق السياسة التي تحدد نهج الصين في الشرق الأوسط، بما في ذلك “رؤى وإجراءات 2015 بشأن البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين” و “ورقة السياسة العربية” لعام 2016، يمكن القول أن الإشارات إلى المبادرات الدبلوماسية والاقتصادية الإقليمية أساسية ورئيسية، بينما يتم إعطاء قضايا الأمن أهمية أقل بكثير ضمن هذه الوثائق. ذلك أنه تماشياً مع هذا التركيز على العلاقات الاقتصادية بدلاً من العلاقات الأمنية، هو ما يجعل الصين إلى حد كبير على هامش خطوط الصدع الجيوسياسية الأساسية في الشرق الأوسط. حافظت بكين، على سبيل المثال، على علاقات إيجابية على جانبي التنافس الإيراني السعودي. وينطبق الشيء نفسه على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويتوافق بشكل عام مع نهج الصين في النزاع بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي[1].
بعبارةٍ أخرى، تمكنت الصين من إقحام نفسها اقتصاديًا ودبلوماسيًا مع جميع الأطراف تقريبًا في المنطقة دون أن تتحمل أي من الأعباء الأمنية ودون الشروع في أي من المغامرات الأمنية التي هي ميزة تتميز بها الولايات المتحدة في المنطقة. فإن التنافس بين بكين وواشنطن يمكن أن يجرهما المتحدة إلى مشاركة أكبر في شؤون الشرق الأوسط دون ان يكون لأي منهما خيار، انطلاقاً زيادة استثماراتهما والتزاماتهما لمواجهة النفوذ الإقليمي للطرف الآخر. وبالنظر إلى التردد الحالي لكل من الحكومتين الأمريكية والصينية في الخوض في النزاعات الإقليمية المعقدة، يبدو من الأرجح أن المنافسة العالمية من شأنها إثارة المنافسة الإقليمية، بدلاً من العكس. وبالنسبة لكليهما فقد تكون قضايا الأمن في الشرق الأوسط ساحة جيوسياسية يتم اللجوء إليها كملاذٍ أخيرٍ، ولكن في منافسة أوسع، حيث يمكن للبلدين البحث عن الفرص أينما يمكن العثور عليها.[2]
أنه بعد سنوات من تردد الصين في الانخراط في قضايا الشرق الأوسط السياسية، شهدت الأعوام السابقة حضوراً صينياً متزايداً في هذا الإطار، وتفاعلاً دون تردد مع قضايا الشرق الأوسط.
تعد قضية الصراع العربي الفلسطيني من أبرز وأهم قضايا الشرق الأوسط، بل في العالم ككل، فقد بدأت الصين تظهر كلاعبٍ أساسيٍّ في هذه القضية، والتي قد تلقى قبولاً أكثر من قبل أطراف الصراع مقارنةً بالولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تكن دولة وسيط في هذا الصراع، بل اصطفت بشكل كامل إلى جانب إسرائيل، واعتبرت الحفاظ على أمن إسرائيل هو أحد مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ذلك ما ساهم في تعقد هذه القضية وتعنت إسرائيل وعدم قبولها لحل يراعي مصالح كل الأطراف.
تاريخياً، “كانت الصين أولى الدول غير العربية التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، ورفضت في الوقت نفسه الاعتراف بإسرائيل، رغم اعتراف الأخيرة بها، وشكل مؤتمر “باوندونغ” عام 1955، بداية الانفتاح الصيني على القضية الفلسطينية، من خلال انفتاحها التدريجي على العالم العربي، بعد اللقاء التاريخي الذي جمع بين الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر” ورئيس وزراء الصين آنذاك “شوآن لاي”، على هامش المؤتمر، والذي أعقبه اعتراف مصر بالصين الشعبية عام 1956، ثم توالت بعد ذلك اعترافات الدول العربية بها، وقد أدى هذا التقارب الصيني – العربي إلى إغلاق الباب تماماً أمام أية محاولات للتقارب الصيني – الإسرائيلي، وأصبحت الصين هي الدولة الكبرى التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل خلال هذه المرحلة[3].
بعد ذلك بدأ الموقف الصيني يتغير ويتخذ منحى مختلفاً، “فعلى الرغم من أن الصين اعترفت بالدولة الفلسطينية في عام ١٩٨٨، أي قبل إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، لُوحظ، في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، من إقامة علاقات دبلوماسية لها مع “إسرائيل”. هذا دليل على وجـود اتجاه نزولي في الموقف الصيني إزاء القضية الفلسطينية. فعوضاً من تمسّكها برؤيةٍ مبدئيّةٍ إزاء حل القضية الفلسطينية؛ فإنها أخذت تقترب تدريجياً لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا هو الموقف الذي انطوى على تنازلات صينية. ولكن على الرغم من التأييد الصيني لتسوية تاريخية للصراع العربي الإسرائيلي، فقد كانت الصين تتعمد الابـتـعـاد عـن تفاصيل هـذه العملية الـتـي كـانـت تعتبرها تحت الـوصـايـة المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية”[4].
“يتضح ذلك بالتحديد في عام 1985 عندما ألقى رئيس مجلس الدولة الصيني محاضرة في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية، عبر فيها عن الموقف الصيني من القضية الفلسطينية، فلم يتطرق خلال هذه المحاضرة إلى أية تفصيلات حول هذه الحقوق، ولم يشر إطلاقاً إلى إصرار الصين التقليدي على الكفاح المسلح، واكتفى بتكرار “تأييد الشعوب العربية ضد سياسة التوسع الإسرائيلي”، وأكد هذا التوجه في السياسة الخارجية الصينية تجاه السلام في المنطقة، وزير الخارجية الصيني آنذاك عام 1986 عندما صرح بقوله: “إننا نؤيد المفاوضات السلمية التي تخدم الحل العادل والشامل لمشكلة الشرق الأوسط”. وفي أعقاب بداية مفاوضات السلام بين العرب والإسرائيليين، أعلنت الصين عن رغبتها في القيام بدور رئيسي في عملية السلام إلا إنّ الرد الإسرائيلي كان متعنّتاً، حيث رفضت إسرائيل دخول الصين كطرف في عملية السلام إلا بعد أن تعترف بإسرائيل اعترافاً كاملاً، وبعد أن تقيم علاقات دبلوماسية كاملة معها. من هنا بدأ التغير في السياسة الصينية جلياً، خاصة بعد توقيع الرئيس المصري “أنور السادات” على اتفاقية السلام مع إسرائيل، حيث أكدت الصين في عام 1978 عن استعدادها للاعتراف بإسرائيل على شرط تخليها عن الأراضي التي احتلتها عام 1967. وقد دعمت الصين المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، والعمل على تشجيعها وعدم توقفها، كما دعت الصين إلى عدم اتخاذ الإجراءات أحادية الجانب والتي من شأنها أن توقف عملية التفاوض مع ضرورة تنفيذ الأطراف الاتفاقات الموقعة عليها”[5].
وفي مـؤتـمـر أنـابـولـيـس الــذي ُعـقـد فـي تـشـريـن الـثـانـي 2007 بـغـرض إحـيـاء عملية تـفـاوض فلسطينيةـ إسرائيلية تنتهي بإعلان الدولة الفلسطينية، أو على الأقـل، تحدد ملامحها النهائية. وفي هذا المؤتمر، طرح وزيـر خارجية الصين رؤيـة شاملة لما اعتبره تعزيز أسس السلام في الشرق الأوسط، حيث دعت الولايات المتحدة الصين لهذا المؤتمر، وقد تضمنت خمسة مبادئ على النحو التالي”:
- “احترام الـتـاريـخ، ونـظـراً لذلك يـجـب عـلـى الأطــراف الـمـعـنـيـة أن تـواجـه الـواقـع، وأن تـتـخـذ خـطـوات جـريـئـة تـتـمـاشـى مـع تـيـار الـعـصـر، ومــن ثــم، فـمـن الـمـهـم الـشـروع فـي عـقـد مـفـاوضـات حــول قـضـايـا الـوضـع النهائي.
- نبذ الـعـنـف وإزالــــة الـعـقـبـات ومـواصـلـة الالتزام الصارم بمحادثات السلام، فالقوة لا يمكنها دائماً أن تحقق سلاماً.
- دفــــع مــحــادثــات الــســلام بـطـريـقـة كـلـيـة ومتوازنة وتوفير البيئة المؤدّية لنجاحها. وبما أنّ هـنـاك ارتـبـاطـا بـيـن الـقـضـيـة الفلسطينية وقـضـايـا الـصـراع العربي الإسرائيلي الأخــرى، لذلك ينبغي اسـتـئـنـاف مــحــادثــات الــســلام بـيـن إســرائــيــل وكـل مـن سـوريـة ولـبـنـان، حـتـى يمكن لـهـذه الـمـحـادثـات ولمثيلتها الفلسطينيةـ الإسرائيلية أن تساندا وضع بعضها البعض.
- إعطاء أولوية للتنمية وتعزيز التعاون من أجل تدعيم أساس محادثات السلام، ومن هنا تأتي أهمية قيام المجتمع الدولي بزيادة المساعدات الإنسانية ومساعدات التنمية إلى فلسطين، وإيجاد تعاون اقتصادي إقليمي كمدخل لضمان الأمن الإقليمي.
- بناء توافق وزيـادة الإسهامات وتعزيز مساندة عملية السلام، إذ ينبغي على المجتمع الدولي أن ينفذ تعاون وثيقاً ويقيم آلية متعددة الأطراف لتسهيل ومساندة محادثات السلام[6].
لقد تطور التفاعل الصيني مع القضية الفلسطينية مع تزايد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، وتحديداً في عهد الرئيس “شي جين بينغ”. فتقدمت الصين بمبادرة جديدة لحل القضية الفلسطينية أثناء استقبالها رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” والرئيس الفلسطيني محمود عباس في مايو 2013، وترى في هذه القضية كجوهر لكل قضايا الشرق الأوسط، ولقد طرح الرئيس الصيني “شي جين بينغ” الرؤية الصينية ذات النقاط الأربع حول تسوية القضية الفلسطينية خلال مباحثاته مع الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، كما يلي:
“أولاً: يجب التمسك بالاتجاه الصحيح المتمثل في إقامة دولة فلسطين المستقلة والتعايش السلمي بين دولتي فلسطين وإسرائيل، وإن إقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ثانياً: يجب التمسك بالمفاوضات بوصفها الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى السلام الفلسطيني – الإسرائيلي.
ثالثاً: يجب التمسك بثبات بمبدأ “الأرض مقابل السلام”.
رابعاً: يجب على المجتمع الدولي أن يقدم دعماً قوياً لدفع عملية السلام، يتعين على الأطراف المعنية في المجتمع الدولي أن تشدد على الشعور بالمسؤولية وإلحاح القضية، وتتخذ موقفاً موضوعياً ومنصفاً وتعمل بنشاط على النصح بالتصالح والحث على التفاوض”.[7]
ومـن بين الـمـؤشـرات التي توضح الاهتمام الصيني بالدخول كلاعب أسـاسـي فـي موضوع الصراع العربي الإسرائيلي استضافة الصين للاجتماع السنوي للجنة الأمم المتحدة للحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في العاصمة الصينية بكين يومي 18 و19 حزيران (بمشاركة نحو 150 ممثلاً وخبيراً من 50 دولة ومنظمة دولية ً وقد ركزت القيادة الصينية على دفع عملية السلام المتوقفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ عام 2010 ورحبت السلطة الفلسطينية بالدور الصيني وتأكيد الصين على أن المخرج لتحقيق السلام هو في تحقيق الإرادة الدولية التي تنادي بحل الدولتين. وقـد شجعت الـبـلـدان الـعـربـيـة الـصـيـن عـلـى الـقـيـام بــدور أكـبـر فـي منطقة الـشـرق الأوســط، ورأت أن ذلك قد يـؤدي إلى إعـادة هيكلة النظام العالمي بما يعيد تحقيق التوازن في العلاقات كسوق حالية ومستقبلية كبيرة لمنتجات تلك البلدان، لاسيما النفط ومشتقاته، ونظرت هذه الدول إلى الصين أيضاً أو كملجأ آمن لرؤوس الأموال والاستثمارات[8].
ذلك أنه يمكن للصين أن تلعب دوراً إيجابياً في القضية الفلسطينية كونها تحتفظ بعلاقات إيجابية مع جميع أطراف الصراع، ويمكن الاعتماد على علاقاتها الودية في بناء ثقة وقاعدة مشتركة للتفاهم، فعلاقاتها جيدة لدى كل من الطرف الفلسطيني العربي والطرف الإسرائيلي، حيث كـانـت إسرائيل أول دولة شرق أوسطية تعترف بالصين الشعبية عام1950، ولكنها كانت آخر دولة تقيم معها الصين علاقات دبلوماسية في عام 1992، ومنذ تأسيس تلك العلاقات، حصلت زيـارات متبادلة متعددة بين كبار المسؤولين في البلدين[9]، وتطورت العلاقة الثنائية وتعزز التعاون بشكل كبير، واعتمدت الصين بشكل كبير على الخبرات الإسرائيلية ولا سيما في قطاع التكنولوجيا لكن ما تزال الصين تتعامل مع إسرائيل من مبدأ المنفعة والمصلحة المتمثلة في العلاقات العسكرية والتكنولوجية بين البلدين، وأنها لا تنوي في المستقبل القريب أن تحيد عن ذلك النهج، وفيما يتعلق بالدولة الفلسطينية، فإن الصين أيدت بالفعل منح فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة وفقاً للقرار 67/19 عام 2012، وأنها لا زالت تقيم علاقات تجارية جيدة مع قطاع غزة والضفة الغربية، الأمر الذي يمكن أن نتوقع استمراره في المستقبل، دون أن تتخلى الصين عن دعم الشعب الفلسطيني[10].
بالعموم بدأت الصين فعلياً بأخذ دور متزايد في أزمات الشرق الأوسط لاسيما القضية المحورية الأهم، وهي النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، من خلال تقديمها مقترحات ومبادرات وطرحها استضافة مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع في بكين، والبحث عن سبل جديدة ومختلفة لحل النزاع في إطار ما شرعته الأمم المتحدة لحل هذا النزاع، وهو حل الدولتين. وتسعى الصين إلى التأثير في قضايا الشرق الأوسط من خلال بلورة مبادرة تشمل المنطقة ككل، وتهدف لحل النزاعات الأهم بين دول المنطقة على أساس من الاحترام المتبادل، والتأسيس لشراكة في السلام والتنمية المتبادلة تساعد على إيجاد حلول وتفاهمات سياسية بين دول المنطقة[11].
فعندما اندلع ما سمي بـ “الربيع العربي”، أخذت الصين في بداية التطورات السياسية موقفا ً متحفظاً فسر في البداية بأنه خشية من انتقال عدوى هذه الأحداث إليها، إلا أنها سعت عقب تلك التطورات السياسية في المنطقة إلى صوغ دبلوماسية جديدة في تعاملها مع الفاعلين الجدد في المنطقة لتأمين المصالح المشتركة والبحث عن آليات أخرى للتعاون مع البلدان الأخرى التي تمر بمراحل انتقالية في المنطقة كتونس ومصر وليبيا واليمن. أما في الحالة السورية، فقد كان الموقف الصيني أكثر وضوحاً في الحضور السياسي من خلال استخدام حق الفيتو بالاشتراك مع روسيا، ما أدى إلى إسقاط ثلاثة مشروعات قرارات في مجلس الأمن لإدانة النظام السوري ومعاقبته. والـدافـع الحقيقي لاسـتـخـدام الفيتو فـي مجلس الأمــن فـي الأزمــة الـسـوريـة هـو المعارضة الصينية، بالتنسيق مع روسـيـا، للانفراد الأمريكي الأوروبي بتقرير مصير بعض الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط. كما إنّ سقوط سورية سيؤدي إلى تحكم الغرب في مركز الشرق الأوسط، ويجعل الضغط الغربي برمته مسلطاً على إيران مما يهدد إمدادات النفط للصين[12].
يمكن القول أخيراً إن العلاقات الاقتصادية للصين مع دول المنطقة قد أعطتها نفوذاً سياسياً يمكنها استثماره لمعالجة قضايا المنطقة بما يتوافق مع مصالحها ويشكل بديلاً عن الولايات للمتحدة الأمريكية ودورها التدخلي في المنطقة الذي أزّم بل وافتعل أزمات الشرق الأوسط، ذلك أن حماية المصالح الاقتصادية للصين يفرض عليها لعب دور إيجابي في قضايا هذه المنطقة.
الفرع الثاني: انعكاسات التنافس الأمريكي-الصيني على الاستقرار
شكل عدم الاستقرار سمة ملازمة لمنطقة الشرق الأوسط خلال العقود الماضية، ولا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على قيادة النظام العالمي وتفردها بإدارة الشرق الأوسط وترتيبه بما يخدم مصالحها.
لقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على استقرار “إسرائيل” وأنظمة الحكم الموالية لها وضمنت أمنها، لكنها في المقابل أغرقت المنطقة بالحروب وأشعلت العديد من الأزمات، أو أقله أطالت في أمد أزمات عديدة، والأمثلة عديدة من حرب الخليج الأولى إلى جرب الخليج الثانية، إلى الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وتغذية الخلافات الإيرانية الخليجية، ودورها في الأزمات المشتعلة في سورية اليمن، وتغاضيها عن الانتهاكات والتجاوزات الإسرائيلية وغيرها الكثير.
في حين أن تنامي نفوذ الصين في المنطقة وظهروها كمنافس للولايات المتحدة الأمريكية بما يضع حدّاً لهيمنتها على المنطقة قد يسهم في تغيير وتحسين الأوضاع في الشرق الأوسط، وتعزيز الاستقرار والأمان في المنطقة، والمؤشرات هنا عديدة.
إن عدم الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط يشكل تهديداً وتحدياً للصين في إطار علاقاتها وتعاونها مع دولها ، وإن كان أساس هذه العلاقات هو الاقتصاد، لكن قدرة الصين للتعامل مع التحديات الاقتصادية هي أكبر من تلك القدرة التي تملكها للتعامل مع التحديات الأمنية والسياسية. لذلك لا بد للصين من إيجاد وتفعيل بيئة أمنية شاملة وفاعلة مع كل دول الشرق الأوسط لحماية مصالحها الاقتصادية والطاقوية، ولا بد هي أن تكون فاعلةً في أمن المنطقة.
فخلال ما أطلق عليه “الربيع العربي” عام 2011، عملت الصين على الحفاظ على علاقات ودية مع كلا الطرفين في كل نزاع إقليمي تقريباً، حيث أقامت علاقات ودية مع كل من معمر القذافي والمتمردين الليبيين، فعلى سبيل المثال (على الرغم من إعطائها الأولوية للسيادة وعدم التدخل)، مثلما كانت الصين من بين الحكومات الأولى التي اعترفت بحكم “حماس” في غزة في العقد السابق.[13]
وتمتاز علاقات الصين مع أطرافٍ فاعلةٍ إقليمياً في الشرق الأوسط مثل إيران وتركيا والسعودية وغيرها بالجيدة، وتوصف بالممتازة مع بعض تلك الدول. هذا في مقابل علاقات أمريكية متوترة بدرجات متفاوتة مع بعض الأطراف في الشرق الأوسط وتثبت بعض الدراسات العلمية الحديثة بأن بعض الأطراف والقوى الفاعلة إقليمياً في الشرق الأوسط تثق بالصين بدرجةٍ أعلى من ثقتها بأمريكا. هذا يعود إلى تاريخ من التعامل مع كل من الصين وأمريكا الذي أوصل تلك الأطراف إلى هذه النتيجة[14].
لقد استثمرت الصين في هذه العلاقات المتطورة وتمكنت من إنجاز اختراق مهم جداً وقد يكون له الأثر الكبير في استقرار الشرق الأوسط وإعادة صياغة نظام إقليمي جديد، حيث تمكنت من النجاح في لعب دور الوساطة بين أبرز الخصوم في الشرق الأوسط وهما السعودية وإيران، وتم الإعلان عن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين في 10 آذار 2023.
ذلك أنه مع التطورات الدبلوماسية الأخيرة التي دفعتها القيادة الصينية الاستباقية في الشرق الأوسط، يبدو أن التنافس الطويل بين الرياض وطهران يقترب من نهايته. في عام 2016، علقت الدولتان علاقاتهما بعد هجوم على سفارة الرياض في طهران. ومع ذلك، من خلال الجهود الصينية، دخلت المملكة العربية السعودية وإيران بنجاح في مفاوضات، مما أدى إلى إنهاء العداوة بينهما. هذا تطور مهم لا يعزز السلام في المنطقة فحسب، بل يخدم أيضًا مصالح بكين. تنعكس مشاركة الصين المتزايدة في الشرق الأوسط في نجاحها في جلب هذين الخصمين الشرق أوسطيين إلى طاولة المفاوضات. كما تُظهر مفاوضات بكين الأخيرة مع المملكة العربية السعودية لعضوية بريكس نفوذها المتزايد في المنطقة. وتمثل المصالحة الأخيرة بين القوتين المسلمتين، المملكة العربية السعودية وإيران، علامة تاريخية في سعي الشرق الأوسط لتحقيق السلام والاستقرار. كما يشير هذا الاختراق الكبير إلى نهاية الخصومات طويلة الأمد والوكلاء التي ابتليت بها المنطقة لسنوات. حيث لا يمكن المبالغة في تأثير هذا التقارب، لأنه يمثل توقفًا نهائيًا للوضع الشبيه بالحرب الباردة السائدة في العالم العربي. لقد لعبت الولايات المتحدة دورًا مهمًا في التوترات بين هاتين القوتين، من خلال سياساتها التدخلية التاريخية في المنطقة، ذلك أنه أدى دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ومعارضتها لإيران وتشكيلها تحالفٍ قويٍّ مع المملكة العربية السعودية، مما زاد من حِدّة التنافس بين القوتين المسلمتين، كانت نشطة بشكل متزايد منذ عام 2013. كما تختلف سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط بشكل ملحوظ عن الموقف التدخلي للولايات المتحدة، وبدلاً من ذلك تؤكد على السلام والاستقرار[15].
يعتبر التقارب السعودي الإيراني الذي توسطت فيه الصين اختراقاً دبلوماسياً كبيراً بعد سنوات من العداء المتبادل والهجمات المشبوهة والتجسس بين البلدين، وهو يمثل أول غزو بكين للوساطة في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي احتلتها واشنطن إلى حد كبير على مدى العقود القليلة الماضية. وقال المحللون لشبكة سي إن بي سي إن الصفقة هي “صمام ضغط تشتد الحاجة إليه وسط التوترات الإقليمية المتزايدة”، لكن التغييرات المهمة هي بعيدة عن أن تكون مضمونة. وعندما أعلن الخصمان اللدودان السعودية وإيران أنهما يعيدان العلاقات الدبلوماسية، أصيب الكثير من دول العالم بالذهول -ليس فقط بسبب الاختراق بعد سنوات من العداء المتبادل والهجمات المشبوهة والتجسس بين البلدين، ولكن بسبب من توسط في الصفقة، أي الصين. بأخذ دورٍ محدّدٍ لا يمكن للولايات المتحدة أن تؤديه، كانت هذه أول غزوة لبكين في وساطة الشرق الأوسط، وهي منطقة احتلتها واشنطن إلى حد كبير على مدى العقود القليلة الماضية. من وجهة النظر السعودية، فإن التطبيع مع إيران، الدولة التي لطالما اعتبرها النظام الملكي السعودي أحد أكبر التهديدات الأمنية، يزيل العقبات في رحلة الإصلاح والتحول الاقتصادي. من الواضح أن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على جعل هذا الاتفاق ممكنا لأننا لا نتمتع بعلاقة مع إيران”. “أعتقد أن الصين كانت شريكاً جيداً للقيام بذلك. وقال “أعتقد أنهم الأشخاص المناسبون”، مشيراً إلى أن الصين تستثمر بكثافة في المملكة العربية السعودية وهي أكبر شريك تجاري لها.[16].
قال “توربيورن سولتفيدت Torbjørn Saltved”، المحلل الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة Verisk Maplecroft، إن تحسين الاتصال سيقلل على الأقل من مخاطر المواجهة، ووصف الصفقة بأنها “صمام ضغط تشتد الحاجة إليه وسط التوترات الإقليمية المتزايدة”.
ومع ذلك، فمن الخطأ افتراض أن كل شيء قد تم حله، وقال: “بسبب حرب الظل المستمرة بين إيران وإسرائيل -والهجمات المتفرقة التي تدعمها إيران ضد البنية التحتية للشحن والطاقة في جميع أنحاء المنطقة -لا يزال خطر التصعيد بسبب سوء التقدير مرتفعًا بشكل غير مريح”.
وفي السنوات القليلة الماضية، شهدت المنطقة العديد من الهجمات، لا سيما على السفن السعودية والإماراتية والبنية التحتية للطاقة، والتي ألقت الرياض وواشنطن باللوم فيها على إيران. وترفض طهران الاتهامات. وأكد سولتفيدت أن الرياض وطهران ستظلان خصمين مع رؤى متنافسة للمنطقة. “لكن قنوات الاتصال المحسنة لديها القدرة على الحد من مخاطر المواجهة العسكرية المباشرة بين الدولتين”.
وكان من الصعب عدم ملاحظة إحجام البيت الأبيض الواضح عن الثناء على الصين. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي عن أخبار الوساطة “نعتقد أن ذلك في مصلحتنا”، مضيفًا أن إدارة بايدن بذلت جهودًا مماثلة في هذا الاتجاه، “نحن ندعم أي جهد لتهدئة التوترات في المنطقة” ولكن عندما سُئل عن دور بكين، أجاب كيربي: “هذا لا يتعلق بالصين ولن أصف هنا أيًا كان دور الصين”.
وقال “آرون ديفيد ميللر Aaron David Miller” وهو زميلٌ بارزٌ في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومستشارٌ سابقٌ لسياسة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية لشبكة إن بي سي نيوز “أعتقد أنه يدل على أن نفوذ الولايات المتحدة ومصداقيتها في تلك المنطقة قد تضاءلا، وأنّ هناك نوعًا جديدًا من التوافق الإقليمي الدولي يحدث، والذي مكّن كلّاً من روسيا والصين ومنحهما مكانةً وتأثيراً جديداً”[17].
لقد تمثلت استعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران مؤخرًا في منح فرصة واعدةٍ للصين لتعزيز مصالحها في المنطقة من خلال دعم الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة والاستقرار. وللمصالحة بين هذين الخصمين اللدودين تداعيات عديدة على المنطقة، بما في ذلك احتمال اتخاذ موقف أكثر حياديةً من الحكومة السعودية تجاه التنافس بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك قد تقل احتمالية تصعيد الصراع في سوريا واليمن والعراق ولبنان إلى حد كبير من خلال تقليل التوتر بين هذه الدول. باختصار، يمثل إنهاء هذا التنافس بين قوتين مسلمتين اختراقاً هائلاً يوفر آفاقاً مهمةً للسلام والاستقرار في المنطقة[18].
وعلى الرغم من أن الاختراق الدبلوماسي الأخير بين المملكة العربية السعودية وإيران قد وضع حداً للتنافس طويل الأمد بينهما، إلا أنه يشير أيضًا إلى بداية محتملة لحرب باردة جديدة في الشرق الأوسط بين القوة العظمى الولايات المتحدة والقوة الصاعدة الصين. هذا التطبيع للعلاقات له تداعيات مهمة على المصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة. ومع ذلك، قد تكون مشاركة الصين في الشرق الأوسط بمثابة جسر بين المملكة العربية السعودية وإيران، مما يسهل العلاقات الودية بينهما، ويحتمل أن يغير في النظام الإقليمي. علاوةً على ذلك فقد يُنظر إلى ظهور الصين كوسيط في هذه الصفقة على أنه ضربة كبيرة لقيادة الولايات المتحدة العالمية، حيث تم التأكيد على فقدان الولايات المتحدة لدورها التقليدي كشرطي عالمي من خلال النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة. ويشير إلى تراجع القوة السياسية الأمريكية على الساحة الدولية. في المقابل، يشير دور الصين المتنامي كقائد عالمي إلى تحول محتمل نحو نهج أكثر دبلوماسية لحل الصراع، على عكس تاريخ الولايات المتحدة في التدخل. ويسلط هذا الضوء على تغيير محتمل للحرس في السياسة العالمية، حيث تستعد الصين لتولي دور متزايد الأهمية في تشكيل العلاقات الدولية[19].
إن الشعار الذي ترفعه الصين هو تحقيق السلم والتطور لكافة الدول من خلال التعاون المبني على الثقة المتبادلة والمساواة والمنفعة المتبادلة والفوز والتطور والازدهار المشترك. إن ما يميز الاستراتيجية الصينية هو السعي للسلام والتنمية، والرغبة في التعايش مع الآخر الذي يوصل إلى تفاهم أكبر يتعدى الحكومات ليصل إلى الشعوب، وهذا ما يحقق الاستقرار الفعلي من وجهة النظر الصينية. إذ ترى الصين بأنه في عصر الانفتاح، أصبح المصير مشتركا فما يؤثر على بلد لا بد أن يترك أثراً في أماكن أخرى من العالم. وكون الشرق الأوسط أصبح ساحةً للنزاع والتنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية، فتزايد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط يوازيه تراجع في قدرة أمريكا على لجم الصعود الصيني الذي تسعى لاحتوائه. هذا سيمهد الطريق لدول الشرق الأوسط للاستفادة من التغيير في ميزان القوى، الذي بدوره سيعطي الصين فرصة أكبر لتطبيق سياستها في حل الأزمات وتنفيذ مشاريعها الاقتصادية في المنطقة، مما قد يجلب لدول الشرق الأوسط الاستقرار المنشود، وبالتالي يكسر دوامة الفوضى، ويؤسس مستقبل جديد مبني على السلام الدائم والشامل والتنمية التي قد تؤدي للازدهار الذي بدوره يصنع الاستقرار حسب الرؤية الصينية.[20]
فعلى سبيل المثال وبشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن بكين تبدو غير مهتمّةٍ بوصول إيران إلى العتبة النووية، لأنه لا يعد تهديداً لها كما هو الحال بالنسبة للغرب (وإن كانت بكين لا تفضل امتلاك طهران لأسلحة نووية)، كما أنها غير متحمسة لإنجاز الاتفاق النووي، أو تحسين العلاقة بين إيران والغرب، لأن ذلك سيقلل الاعتماد الإيراني عليها، وسيحرمها من التيسيرات التي تمنحها لها طهران فيما يتعلق باستيراد النفط، والتي ترتبط بظروف العقوبات. وعلى الجانب الآخر، فإن الصين لا ترغب في تأزم العلاقات بين إيران وبين الولايات المتحدة وإسرائيل، خشية اندلاع صراع عسكري، بما يؤثر سلبياً على نشاطها الاقتصادي الواسع النطاق في المنطقة، كما سيؤدي فرض عقوبات أكثر شدّةً على طهران، إلى تقويض عمل الشركات الصّينية في إيران بشكلٍ عام[21].
“وترى الصين بوجوب إيجاد تصور جديد للأمن يكمن في التعاون الأمني الجماعي المتبادل والدائم، وأن يبنى ذلك على أساس احترام سيادة الدول، عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وأن يترافق ذلك مع تعاون اقتصادي كبير وعميق. فالأمن الفردي المطلق للدول يتعارض مع السياسة التي تطرحها الصين والتي تتمثل بالأمن الجماعي. هذا عدا ما قد يسببها الأمن المطلق لدول أخرى من حالة من الخوف وفقدان الأمان. لذلك تسعى الصين لخلق وسائل جديدة للتعاون في الجانب الأمني بموازاة غيره من جوانب التعاون. وضمن هذه الرؤية، تسعى الصين لخلق تحالفات مع دول المنطقة، الأمر الذي يعزز الأمن. وتركز الصين على التطور الاقتصادي المبني على الاحترام المتبادل، إذ ترى وجوب إيجاد حلول طويلة الأمد، وحلول كتلك لا تتأتى بالتدخل العسكري بل بالوسائل السلمية. وتدعم الصين تعزيز قوة الدول في المنطقة لأن الدول الضعيفة أو الفاشلة لا تستطيع أن تواجه التحديات لنفسها ولغيرها من الدول. فالقائد القوي والجيش والمؤسّسات تستطيع أن تواجه التحديات، وقد تشكل تهديدا للتطور الاقتصادي وتساعد مؤسسات الدولة القوية على إيجاد حلولٍ للمشاكل، وتصنع مستقبلاً واضحاً للتطور الاقتصادي وتساعد مؤسسات الدولة القوية على إيجاد حلول للمشاكل المختلفة لها وللمنطقة كلك. إن من مصلحة الصين أن تتمتع منطقة الشرق الأوسط بالاستقرار لحماية المصالح الصينية في المنطقة، وهذا سبب يدعم ثقة الجانب العربي والشرق أوسطي بأن الصين صادقةٌ وجادّةٌ في سعيها لتحقيق السلام”[22].
وبالتالي فإن تنامي نفوذ الصين في الشرق الأوسط وتزايد منافستها للولايات المتحدة الأمريكية قد يجل المنقطة تشهد فترات من التهدئة والاستقرار وذلك لسعي الصين لحصول هذا الاستقرار بما ينسجم مع مبادئها في السياسة ونهجها في التنمية، وبما يسهم في الحفاظ على مصالحها الحيوية في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما مع تزايد قبولها من قبل دول المنطقة، قد لا يكون ذلك في كل الملفات والأزمات بذات الوقت، لكن مؤشرات الاستقرار أصبحت ملحوظة.
المطلب الثاني: مستقبل منطقة الشرق الأوسط في ضوء التنافس الأمريكي-الصيني
إن التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط، سوف يبقي عليها وعلى مستقبلها ونظامها الإقليمي مفتوحين على احتمالاتٍ وخياراتٍ عديدة، تحددها ظروف هذا التنافس ومعطيات القوة المختلفة وكيفية توزع النفوذ والقوة في الشرق الأوسط.
الفرع الأول: خارطة توزع النفوذ الأمريكي-الصيني في الشرق الأوسط
“خلال عقود الثلاثة الماضية تجلى الوجود الأمريكي المباشر في الشرق الأوسط – مع ما يصاحبه من حضور عسكري ودبلوماسي واقتصادي – في مظاهر عدة بداية من حرب تحرير الكويت عام 199/1991، مروراً بغزو أفغانستان رداً على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية في نيويورك وواشنطن، ثم احتلال العراق عام 2003، وانتهاءً بالحرب على الإرهاب في عمومه خاصة في العراق، وسوريا، والصومال، وبعض الدول الأفريقية. لقد جعلت هذه التداخلات من الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط كثيفاً، ليس فقط من الناحية العسكرية والأمنية، ولكن أيضاً من زوايا اقتصادية وسياسية، والانخراط في القضايا المحلية مع ما يتفرع عنها من توترات مذهبية وعرقية وفئوية. إلا إنّه يلاحظ، مع بداية العقد الثاني من القرن الحالي، بدأت الولايات المتحدة التقليل من وجودها في المنطقة من خلال التخفيف من الحضور العسكري الأمريكي في العراق منذ عام 2011 بهدف الانسحاب الكامل لاحقاً، وهو ما جرى الاتفاق عليه مع بغداد لاحقاً عام 2020، وتلا ذلك انسحابٌ كاملٌ من أفغانستان، بينما يقتصر الحضور العسكري للقوّات الأمريكية في سوريا على أعدادٍ محدودةٍ من الجنود لا يتجاوز عددهم 900 عنصر عسكري، وهو أمرٌ قد يفسّره البعض على أنّه تراجعٌ في أهمّيّة منطقة الشرق الأوسط في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة. ولكن هناك من يرى عكس هذا، فالولايات المتحدة ما تزال ترى في انتشار الأسلحة النووية خطراً يهدد مصالحها، ومن ثم فإنه بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران في عهد الرئيس أوباما عام 2015 (وهو ما عرف باتفاق 5+1) انسحبت منها في عهد الرئيس ترامب عام 2018، وما أن تولى الرئيس الحالي “جو بايدن” السلطة حتى أعاد الحديث مرة أخرى على ضرورة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها وهو ما تجري الآن بشأنه المفاوضات غير المباشرة في فيينا”[23]. وهو ما قد يعكس اهتماماً بالمنطقة، لكن قد يكون بشكل مختلف عن الفترات السابقة.
يقابل هذا الوضع نفوذ صيني متزايد في المنطقة، مما جعل التنافس قائماً بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين على مواقع النفوذ ضمن الشرق الأوسط، وهو ما يجعل بعض الدول الحليفة لأمريكا والتي لها مصالح هامة مع الصين في موقف حرج، حيث يظهر التنافس الأمريكي الصيني بوضوح في إطار التعامل مع هذه الدول.
وتعد إسرائيل مثالاً توضيحيًا على ذلك – وهي ممزّقةٌ بالفعل بين المصالح الاقتصادية والدبلوماسية للتعاون مع الصين والضغط المستمر، ولا سيما من جانب الحزبيين من الولايات المتحدة للحد من مثل هذا التعاون. قد يصبح هذا النوع من الموازنة أكثر أهمية في السنوات والعقود القادمة، حيث ينتقل إلى مركز الصدارة في حسابات الأمن القومي لإسرائيل ودول أخرى في المنطقة. ففي أيار 2020، قام وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” بزيارة غير عادية إلى “إسرائيل”، فكان أول مسؤول أجنبي يزور منذ أن اجتاح جائحة COVID-19 كلا البلدين، فعل ذلك وسط قيود صارمة على السفر إلى إسرائيل. تناولت الرحلة قضية ذات أولوية قصوى لصانعي السياسة الأمريكيين: الاستثمار الصيني في البنية التحتية الإسرائيلية. وبحسب ما ورد في الإعلام جاء “بومبيو” للضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته لرفض محاولة صينية لتشغيل أكبر محطة تحلية في إسرائيل. لقد نجح الضغط، ولم تكن هذه هي المرة الأولى تقريبًا التي تتدخل فيها الولايات المتحدة في مصلحة اقتصادية كبيرة في إسرائيل خوفًا من التقدم الصيني. لم تكن القضية سوى حالةً واحدةً لظاهرةٍ أوسع نطاقاً – من المرجح أن تزداد أهميتها. تمتد مخاوف الولايات المتحدة بشأن الاستثمار الصيني في إسرائيل إلى قضايا تتجاوز محطة تحلية المياه فقط حيث تشارك الشركات الصينية بعمق في الإدارة المستقبلية للميناء الرئيسي في حيفا حيث يرسو الأسطول السادس للبحرية الأمريكية بانتظام، مما يثير اعتراضات شديدة من المسؤولين الأمريكيين. كما إنّ واشنطن حذرة أيضًا من مشاركة الصين في مستقبل اتصالات 5G في إسرائيل، كما هو الحال في العديد من دول العالم. الحالات السابقة التي استخدمت فيها الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد صفقات الأسلحة الإسرائيلية الصينية تجعل هذه النقطة أكثر وضوحًا. في عام 1999، وقعت إسرائيل والصين صفقة لبيع ثلاث طائرات إنذار مبكر إسرائيلية من طراز فالكون إلى الصين، مما أدى إلى اعتراض الولايات المتحدة الشديد فأدى إلى إلغائها حتى بعد دفع السلفة الصينية. وغني عن البيان أن القضية تسببت في توتر كبير في العلاقات الإسرائيلية الصينية. ففي عام 2004، أرسلت الصين طائرات بدون طيار إسرائيلية الصنع من طراز Harpy للترقيات في إسرائيل. وطالبت الولايات المتحدة بمصادرة الطائرات بدون طيار -وهي بالفعل من ممتلكات الدولة الصينية -. في نهاية المطاف، أعادت إسرائيل الطائرات إلى الصين دون إصلاح، مما تسبب في ضغوط خطيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأزمة ثانية بين إسرائيل والصين[24].
إن الاختيار بين الولايات المتحدة والصين سيكون مكلفًا لإسرائيل – الفرص الاقتصادية الصينية كبيرة ومتنامية. لكن الخيار واضحٌ بالنسبة لإسرائيل أكثر من اللاعبين الإقليميين الآخرين. من وجهة نظر إسرائيل، فإن اهتمام بكين المستمر بالحفاظ على التدفق الآمن للطاقة من المنطقة، يعني أن مصالحها الأساسية تكمن مع أطراف أخرى غير إسرائيل، ولا سيما المملكة العربية السعودية وإيران. وفي الحالات القصوى، قد يكون هذا بمثابة تحدٍ كبير للأمن القومي الإسرائيلي في المستقبل حيث تشارك الصين بشكل أكبر في الشؤون الإقليمية وتحولت الديناميكيات الإقليمية إلى حساب إسرائيل. فإذا قادت المنافسة الأمريكية الصينية البلدين إلى مشاركة أكبر في الشؤون الأمنية للشرق الأوسط، فإن مثل هذه المسابقة ستضع ضغوطًا كبيرةً على دول المنطقة، لا سيما تلك التي دخلت في شراكة تقليدية مع الولايات المتحدة. ومن المحتمل أن تجد إسرائيل نفسها في مواجهة نسخة مكثفة من المهمة الصعبة المستمرة لإدارة العلاقات مع الولايات المتحدة بينما تسعى إلى اغتنام الفرص مع الصين، لا سيما في البنية التحتية ونقل التكنولوجيا[25].
إلى جانب إسرائيل هنالك المملكة العربية السعودية والتي هي أيضاً تعد حليفاً أساسيّاً للولايات المتحدة الأمريكية وحجر زاوية في نظامها الإقليمي وحماية مصالحها في هذه المنطقة، لكن بات النفوذ الصيني يظهر بشكلٍ متزايدٍ في السعودية، وتتعمق العلاقات الاقتصادية وشتى أشكال التعاون وهو ما بات يقلق الولايات المتحدة الأمريكية بشكل جدي. ففي تموز 2022، ذكر الرئيس الأمريكي “جو بايدن” مواجهة الصين كأحد أسباب رحلته إلى المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها والإعلانات التي صدرت خلال زيارة “شي جين بينغ” إلى الرياض في أوائل كانون الأول أظهرت أن جهود الزعيم الأمريكي لم تكن ناجحةً. وزادت المقارنة بين استقبال “بايدن” الفاتر في تموز والسجادة الحمراء التي تم فردها لنظيره الصيني. ومن المهم النظر في دور الفاعلين الإقليميين، حيث ترغب الدول الصغيرة والمتوسطة في زيادة الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه من القوى الأقوى. وفي الوقت نفسه، هم أيضاً حساسون بشكلٍ خاص لمحاولات تقليص استقلاليتهم. ولا تختلف دول الشرق الأوسط، وبالتالي، فهي بطبيعة الحال أكثر ميلًا للاقتراب مع من لا يطلب منهم تحديد خياراتهم الخاصة. على هذا النحو، تبدو الصين في وضع جيد لمواصلة زيادة نفوذها في المنطقة، على الرغم من أن هذا لا يعني أنها ستصبح أهم قوة خارج إقليمية في أي وقت قريب. ومن غير المحتمل أن يكون ذلك من أولويات بكين أيضاً[26].
كما تسعى بكين في عهد رئيسها الحالي شي جين بينغ إلى اعتماد سياسةٍ خارجيةٍ وأمنيةٍ متوازنةٍ أكثر من الناحية الجغرافية الاستراتيجية، في حين تغير الولايات المتحدة التوزان في منطقة آسيا والمحيط الهادي وتعمل الصين على إعادة فرص التوازن غرباً لتصحيح ما كان أشبه بتركيزٍ مفرطٍ وغير متكافئٍ على الشرق من ناحية النمو الاقتصادي وحماية الأمن القومي[27].
“تمر الصين بمرحلة إعادة توازن جغرافية استراتيجية يمكن اعتبارها استكمالاً للجهود المبذولة في صب اهتمام أكبر على الشرق الأوسط منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وتزداد أهمية الشرق الأوسط بالنسبة إلى الصين مع تفاقم مخاوفها من عدم الاستقرار المزمن في المنطقة ولاسيما في سوريا والعراق وتشمل إعادة التوزان اتجاهات واضحة لا بد من أن يفهمها صنّاع السياسات الأمريكيون، وتعمل الصين على حماية مصالحها الكبيرة في المنطقة من خلال الاستفادة من العلاقات التي تربطها بقوى إقليمية بارزةٍ في المنطقة مثل السعودية وإيران وتركيا. وتسعى الصين من خلال مبادرة “الحزام والطريق” إلى توسيع رقعة نفوذها في الشرق الأوسط من خلال ذلك المشروع الاقتصادي والاستثماري الطموح الذي سيربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، وبالفعل فقد وقّعت الصين اتفاقيات مع عدد كبير من دول الشرق الأوسط ضمن هذه المبادرة كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران وتركيا ومصر وهو الأمر الذي حظي باهتمام متبادل خصوصاً من هذه الدول الذي قد يكون على حساب الاتفاقيات الاستراتيجية الغربية في الشرق الأوسط لأسباب عدة:
أولها القوة الاقتصادية الصينية الكبيرة حيث إنّ بكين تحظى بثاني أكبر معدل دخل قومي في العالم ومرشحة لتكون صاحبة الدخل القومي الأعلى في العالم عام 2028 بالإضافة إلى أنها دائنةٌ وتقدم قروضاً بفوائد ميسرة إلى عددٍ كبيرٍ من الدول.
ثانياً، إن الصين تختلف اختلافاً كلياً عن الولايات المتحدة الأمريكية في التعاطي مع أزمات الشرق الأوسط حيث تنتهج حلولاً دبلوماسيةً أكثر سلمية وهي استراتيجيةٌ متبعةٌ من قِبل القيادة الصينية تقضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول على عكس استراتيجية واشنطن”[28].
أمّا عند دراسة النفوذ الدبلوماسي للقوتين في المنطقة يمكن القول أن واشنطن تنخرط بشكلٍ مكثّف على مستوى قادتها الكبار وذلك من خلال سفر كبار القادة السياسيين والعسكريين بانتظام إلى المنطقة للانخراط مع الحلفاء والشركاء بشأن القضايا السياسية وزيارة القوات الأمريكية الموجودة في القواعد والبؤر الاستيطانية في جميع أنحاء المنطقة. وبالنظر إلى هذا، فإن المشاركات الأمريكية الرفيعة المستوى يفوق عددها إلى المنطقة إلى حَدٍّ كبير عدد الزيارات الروسية والصينية. ويتفاخر القادة الصينيون المزيد من الزيارات إلى إيران وسوريا -وهما دولتان لا تعقد بينهما الولايات المتحدة العلاقات الرسمية -ومع ذلك، فإن الأنماط العامة للنشاط الدبلوماسي للولايات المتحدة تظهر ذلك مشاركة واشنطن أكبر (من الناحية العددية) من مشاركة الصين[29].
بالمقابل، لقد قدّمت بكين العديد من الطروحات واستضافت مؤتمرات واجتماعات حول الأمن الإقليمي والصراعات في الشرق الأوسط. في العام 2018، وخلال حفل افتتاح الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية، قدّم الرئيس “شي جين بينغ” اقتراحاً لهيكليةٍ أمنيةٍ مستدامةٍ جديدةٍ في الشرق الأوسط.24 وفي العام 2019، عقدت بكين منتداها الأمني الشرق أوسطي الأول وقد تلت نسخته الثانية في العام 2022. علاوة على ذلك، تقدّمت الصين بمبادرات واقتراحات: “منصّة الحوار المتعدّد الأطراف لمنطقة الخليج”، والمبادرة الخماسية النقاط حول تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، والاقتراح الرباعي النقاط حول حلّ القضية السورية، ناهيك عن الأفكار الثلاثة لتطبيق “خطة الدولتين” للصراع الإسرائيلي الفلسطيني[30]، كل ذلك يعكس تنامي النفوذ الصيني في المنطقة وتغييرها لسياستها الخارجية التي بنتها على أساس التعاملات الاقتصادية والابتعاد عن التدخل في الأمور السياسية والأمنية والانخراط المكثف في قضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط.
لقد حققت الصين نجاحاتٍ كبيرةً في الشرق الأوسط، تراجعاً في الرصيد الأمريكي في المنطقة، وقد شهدت السنوات الماضية توقيع الصين لخمس شراكاتٍ استراتيجيةً شاملةً مع أبرز القوى الإقليمية، وهي: مصر والسعودية والإمارات والجزائر وإيران، وعلى الرغم من ذلك، فإن أغلب دول المنطقة غير مرحبة بسياسة الانسحاب الأمريكي، ولا تنظر للصين على أنها بديل للولايات المتحدة، بل كدولة يمكن استخدامها كوسيلة للتحوط، مما يمنح دول المنطقة نفوذاً إضافياً. وكانت الاستراتيجية الصينية في السنوات السابقة تقوم على انتقاد السياسة الأمريكية في المنطقة مع عدم تحدي الهيمنة الأمريكية بشكل علني، والاستثمار بدلاً من ذلك في تعزيز العلاقات الاقتصادية، لكن الفترة الأخيرة قد شهدت تراجعاً صينياً عن سياستها المرنة، في مقابل تعزيز حضورها وتحديها لواشنطن. ومن أبرز مؤشرات ذلك سعي بكين لإنشاء بنية تحتية عسكرية في الإمارات، فضلاً عن مساعدة السعودية في تطوير نظام للصواريخ الباليستية. لقد أظهر ردّ الفعل الصيني على هجمات الحوثيين على الإمارات أنه بمرور الوقت، تكتسب بكين المزيد من الثقة في تحدي الولايات المتحدة، خاصة في منطقة الخليج. ففي الوقت الذي أدانت فيه الموجة الأولى من الهجمات، صمتت بكين عن الموجة الثانية التي استهدفت منشأة عسكرية يستخدمها الجيش الأمريكي، أي أن الصين صارت أكثر انتقائية في ردود فعلها تجاه التطورات في الخليج، وفقاً لتصورها حول تأثير هذه التطورات على المصالح الأمريكية.[31]
أما اقتصاديًا فقد تتفوق الصين على الولايات المتحدة الأمريكية في الواردات والصادرات من وإلى الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن الدور الاقتصادي للولايات المتحدة فهو دور كبيرٌ ومتنامٍ. أثبت الشرق الأوسط أنه سوق تصدير واعد: الصادرات الأمريكية إلى المنطقة بنسبة 3.8 في المائة سنوياً من 2009 إلى 2018، لتصل إلى 79 مليار دولار، الواردات نمت بنسبة 2.8 في المائة سنوياً، لتصل إلى 86 مليار دولار، على الرغم من أن الصين كانت وجهة 9.8 في المائة من جميع صادرات الشرق الأوسط في المتوسط من عام 2009 حتى عام 2018، الولايات المتحدة كانت وجهة 7.5% من الدول. وعلى الرغم من أن البضائع الصينية قد استأثرت بالنسبة إلى 11.4 في المائة من جميع واردات الشرق الأوسط في المتوسط خلال العقد، فإن البضائع الأمريكية لديها 8.0 %، لقد حافظ المستثمرون الأمريكيون على اهتمام قوي بالشرق الأوسط. على الرغم من أن المركز الاستثماري المباشر في الخارج للشركات الأمريكية قد نما بنسبة 5.9 بالمائة سنوياً في جميع أنحاء العالم اعتبارًا من عام 2009 -2018، نمت بنسبة 6.7 في المائة سنويّاً في الشرق الأوسط. نمت بسرعة في العراق (من قاعدة منخفضة) والإمارات وإسرائيل. في بعض البلدان، كان ينمو بشكل مرتفع ومستمر. وبحلول عام 2018، بلغ مجموعها 85.3 مليار دولار، 88 % منها في خمس دول: إسرائيل (32٪)، الإمارات (20٪)، السعودية (13٪)، قطر (12٪)، ومصر (10%). ومع ذلك، كان هذا لا يزال النمو صغيراً بالنسبة إلى الاستثمار الأمريكي المباشر في جميع أنحاء العالم ما يقرب من 6 تريليونات دولار، مع استثمارات في الشرق الأوسط تصل إلى 1.4 في المائة من ذلك. في الاتجاه الآخر، نما الاستثمار المباشر من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة أكثر ببطء من الاستثمار من العالم ككل، 5.6 % مقابل 8.8 % على التوالي[32].
الفرع الثاني: سيناريوهات مستقبل المنطقة في ضوء التنافس
إن المنافسة بين القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين، إذا نشأت بكامل قوتها، ستغير وجه شؤون الشرق الأوسط. ستواجه دول المنطقة حساباتٍ جيوسياسية واقتصادية جديدة، مع ضغوط جديدة على الطريقة التي يدير بها العديد منهم أمنهم القومي.
ستُحدّد عودة المنافسة بين القوى العظمى معالم حقبةٍ جديدةٍ في السياسة العالمية، وستكون لها مضاعفاتٌ كبيرةٌ على السياسة الإقليمية، وسيستمر كذلك اللجوء إلى المقارنات مع المنافسة في خلال الحرب الباردة لفهم السباق الراهن. مرّةً أخرى، تبحث كل من الولايات المتحدة والصين عن شركاء إقليميين. كما برزت من جديد استراتيجيةٌ مبنية على الاحتواء في التفكير الاستراتيجي الأمريكي الغربي، على المستويين الإقليمي والعالمي. بيد أنّه، خلافاً للحرب الباردة، تفتقد منافسة القوى العظمى اليوم إلى مبادئ تنظيمية أو مشاريع سياسية شاملة، وخير دليلٍ على ذلك زيارات بايدن وشي جين بينغ إلى الشرق الأوسط. ففي خلال فترات التنافس بين القوى العظمى، تحتل الاعتبارات الجيوسياسية والأمنية الأولوية وتأخذ السياسة الخارجية الأفضلية على السياسات المحلية. ولا تتلاءم إعادة ترتيب الأولويات بهذا الشكل مع إحلال الديمقراطية وحقوق الإنسان والأجندات الإصلاحية، إقليمياً وعلى صعيد الدول الفردية على حدٍّ سواء. وبما أن العقد الأخير في السياسة الإقليمية قد شهد صراعاً شرساً على النظام الإقليمي كما وعلى النظام السياسي المحلي للدولة، يكتسي ذلك أهميةً خاصة للشرق الأوسط. فضلاً عن ذلك، إنّ هذه المنافسة مجرّدةٌ من الرؤى والسرديات الكبرى. وخلافاً للحرب الباردة، لا تصدّر الصين ولا روسيا الأيديولوجيات والنماذج. كما أنّ انخراط الولايات المتحدة في المنطقة لم يتّخذ منحى أيديولوجياً، فيما يتعلّق بالشرق الاوسط، وتشير وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية للعام 2022 بوضوح إلى أنّها تتجنّب “المخططات الكبرى وتميل إلى اتخاذ خطوات أكثر عملية من شأنها أن تعزّز المصالح الأمريكية”، كما تتعهّد بعدم استعمال القوة العسكرية الأمريكية “لتغيير الأنظمة أو إعادة تشكيل المجتمعات”. وبالتالي، إنّ عدم تصدير الصين لنموذجها لا يعني أنها ليست نموذجاً للأنظمة السلطوية. بالفعل، تُمثّل الصين صيغة تنمية الشرعية المجتمعية من خلال التنمية الاقتصادية بدلاً من الإصلاح السياسي. وتروق هذه الصيغة لحكّام المنطقة وأنظمتهم[33].
كما تترك المنافسة بين الدول الكبرى الباب واسعاً ومفتوحاً أمام العديد من السناريوهات والتطورات المختلفة لمستقبل الشرق الأوسط، والتي قد يكون كل منها متحقق الحدوث.
إنّ الاستقطاب الأمريكي- الصينــي مرهون بأحد اتجاهيــن مختلفيــن: الأول تفــادي القوتيــن الدوليتيـن للتنابـذ المباشـر بالإبقاء علـى الوضـع الراهـن دون تعديـل، والثانـي تفاقـم سياسـات التصعيـد والمناكفـة وصـولاً إلـى حـربٍ بـاردةٍ تعتـري مناطـق التمـاس بيـن القوتيـن، وعلـى رأسـها منطقـة الشـرق الأوسط، بمـا يعيـد رسـم خارطــة التحالفــات واستراتيجيات دول المنطقــة.[34]
“كما يمكن لمنافسات القوى العظمى أن تؤدي إلى التشرذم الإقليمي، فقد شهدت أوروبا تشرذماً حادّاً خلال الحرب الباردة عندما كان الستار الحديدي يفصل أوروبا الشرقية والوسطى الموالية للاتحاد السوفياتي عن أوروبا الغربية. وعمّقت الحرب الباردة الانشقاقات والانقسامات الإقليمية في الشرق الأوسط، ولعلّ أبرز مثال على ذلك الشرخ والتنافس بين المعسكر القومي العربي الثوري والأنظمة الملكية المحافظة. في المقابل، نجحت منطقة جنوب شرق آسيا في إدارة وجود الولايات المتحدة والصين واليابان والتناحر فيما بينها دون أن يؤدي ذلك إلى تنامي الانقسامات والخلافات الإقليمية. وبإمكان صنّاع القرار في الشرق الأوسط مثلاً أن يستخلصوا العِبر من النظام الإقليمي في جنوب شرق آسيا من أجل إدارة التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا والصين بهدف تفادي المزيد من الانشقاقات والعداءات الإقليمية”[35].
لكن هنالك عاملٌ مؤثّرٌ وهو طبيعة الصعود الصيني، حيث يمكن الأخذ بعين الاعتبار الاحتمالات السلمية لصعود الصين كقوةٍ ذات تأثيرٍ فـي مجريـات الشـرق الأوسط، متـى مـا تيقَظـت إلـى عـدم المسـاس بمكانـة الولايات المتحــدة ونفوذهــا فــي المنطقــة. العلاقات المتبادلة الصديقــة َّ التـي تمارسـها دول المنطقـة مـع القوتيـن الصينيـة والأمريكية علـى السـواء، تسـاهم فـي اسـتدامة الوضـع الراهـن. يعـزِز هذا الاتجاه تفـادي الصـدام فـي المنطقـة لما توليه الولايات المتحـدة والصيـن مـن أهميـة بالغـة لأمن الطاقـة، فالدولتـان يؤرقهما تعطيل انســياب صــادرات النفــط، وانعكاســات ذلــك علــى الأسواق العالميــة. كما إنّ هنالك متغيرات إقليمية حديثة تساعد في الإبقاء على الوضع الراهن واهمها اتفاقات “أبراهام” الموقعة بين عدة دول عربية وإسرائيل، حيث أنها تعزز مكانة واشنطن في وجه أيّ قوّةٍ مناهضةٍ[36].
كما تلعب دول المنطقة أيضاً دور لعبة الموازنة بين الولايات المتحدة والصين. هناك اتجاه عام في المنطقة “للنظر للشرق”، وبناء علاقات مع آسيا وخاصة الصين. على الرغم من جهود دول مجلس التعاون الخليجي ليكونوا أكثر استقلالاً في السياسة الأمنية لم تنجح في هذا، ولا نجحت في بتطوير إطار أمني موحد، حيث لا يزالون يعتمدون على القوى الكبرى، وعلى وجه الخصوص على الولايات المتحدة، لتوفير الأمن. هناك عدد من الباحثين لا يرون فرصة بالنسبة للصين لتصبح ركيزةً أمنيّةً للمنطقة في المستقبل المنظور، ولا مطلب لمثل هذا الدور من قبل دول مجلس التعاون الخليجي أو حتى الصين، لأسباب ليس أقلها أهمية نقاط الاختلاف في وجهات النظر الأمنية بين الجانبين، ووجهات النظر الصينية التي تتجنب الصراعات الإقليمية والمنافسة تعتبر أيضاً عائقاً[37].
أما بالنسبة للدول المنتجة للنفط، والتي تعتبر الصين هي الدولة الرئيسية بالنسبة لها زبون تصدير الطاقة وبالنسبة لتلك الدول التي ترغب في جذب الاستثمار الصيني، تواجه هذه الدول تحدي يتعلق بكيفية تجنب الضرر الاقتصادي الذي قد تجلبه الصراعات بين الولايات المتحدة والصين. مع توقع أن تحافظ الولايات المتحدة على موقف متشدد ضد الصين، سواء في ظل إدارة ترامب أو بايدن، ومن المرجح أن تسعى دول الشرق الأوسط إلى الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة والصين، أن تخطو بحذر عند التعاون مع الصين في قطاعي التكنولوجيا الفائقة والعسكريين حيث تعزز الولايات المتحدة يقظتها. بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تريد خفض تكلفة التدخل في الشرق الأوسط، فإنّها تظلّ مَحلّ شَكٍّ عادل حول أنها إلى أي مدى ستعمل على محمل الجد في تقييد طموحات الصين في المنطقة. من الممكن أن تزيد الولايات المتحدة من الضغط على الدول الأخرى في الشرق الأوسط لاتخاذ هذا النوع من الإجراءات الملموسة[38].
وعلى الجانب الآخر، فإن أكثر السيناريوهات المقلقة بالنسبة لواشنطن أن يحدث تطوراً لأحد الأشكال الجديد من التعاون بين الصين ودول المنطقة، يجمع بين التقنيات الإسرائيلية والتمويل الإماراتي والسعودي والبنية التحتية الصينية، الأمر الذي سيشكل خطورة بالغة على المصالح الأمريكية في المنطقة ككل، أخذاً في الاعتبار أن بكين تحاول تعزيز تعاونها العسكري مع دول الشرق الأوسط، حيث زادت من مبيعات أسلحتها لدول المنطقة، وبالرغم من انخفاض حجم الأسلحة الصينية مقارنة بمزودي الأسلحة التقليديين، إلا أنه من المرجح أن تستغل الصين التحولات الإقليمية الجارية، وسط تحرك واشنطن نحو تقليل مشاركتها واشتباكها مع القضايا الإقليمية، لتوسيع مبيعاتها من الأسلحة، خاصة إلى الدول الخليجية تأسيساً على ما سبق، فإن واشنطن ستكون مضطرةً إلى تكييف سياساتها بحيث تحافظ على حلفائها وشركائها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الشرق الأوسط، حيث ستسعى واشنطن إلى إنشاء أحلاف وبناء شراكات جديدة، ولن تقتصر على مبدأ الحفاظ على الشركات القديمة فحسب.[39]
فـي سـياق التنافـس المتزايـد بيـن الطرفيـن، نجـد أن الشـقاق الحقيقـي فيمـا يتعلَق بدول الشـرق الأوسط يتمظهرٍ بشـكل صارخ في المناكفات السياسـية داخـل أروقـة المنظَّمـات الدوليـة؛ كمجلـس الأمن الدولـي والوكالـة الدوليـة ً للطاقـة الذريـة. علـى سـبيل المثـال، نجـد الاختلاف قائمـاً بيـن الطرفيـن حيـال الملــف النــووي الإيراني والقضيــة الســورية، فضــلاً عــن اســتخدام كل طــرف لهـذه الأوراق بشـكلٍ يخـدم مصالحـه الذاتيـة. فلطالمـا توازنـت الصيـن وروسـيا توزانـاً ناعمـاٍ – بحسـب المقاربـة الواقعيـة فـي العلاقات الدولية- ضـد الولايات المتحـدة دولياً؛ بغيـة تقويـض جهودهـا، أو تشـويه شـرعيتها القانونيـة، متـى مـا سـنحت لهمـا الفُرصـة. برغـم تأثر دول المنطقـة سـلباً مـن جـراء المنـاورات الدبلوماسـية التـي تفرضهـا أيديولوجية الإدارات الأمريكية، على وجه التحديد الديمقراطية، إلا أن الشراكة الأمنية والعسـكرية مـع الطـرف الأمريكي لا يمكـن أن تُضاهـى ببديـل، ولـن يكـون بمقـدور الـدول الشـركاء فـي المنطقـة أن تتخلَّى عـن الامتيازات الأمنية التي تحظى بها لتذهب وتمكن قوة أخرى مثـل الصيـن مـن إحلال مقدراتهـا العســكرية المقوضــة لمســتوياتِ النفــوذ الأمريكية. رّبمــا كان بوســع بعــض الـدول اسـتخدام العلاقة مـع الصيـن كورقـة ضغـطٍ علـى الجانـب الأمريكي، لكـن الميـل التـام َّ تجـاه القـوة الشـرقية مفـاده إشـهار العـداء للقـوة الأمريكية، وبالتالـي خسـارتها كحليـفٍ أمنـي[40].
مفتاح التطورات المستقبلية هو ما يحدث في المنطقة العربية، حيث تلعب المملكة العربية السعودية الدور الرائد. السبب الرئيسي لعدم الاستقرار الحالي في الشرق الأوسط هو التفريغ المحلي للسلطة داخل الشرق الأوسط والمنطقة العربية نتيجة “الربيع العربي” وصعود داعش، إلى جانب حقيقة أن الولايات المتحدة كانت غير قادرةٍ على اتّخاذ إجراءاتٍ فعّالةٍ لملء الفراغ. من خلال تصعيد تدخلاتها وتدخلاتها العسكرية في سوريا، اليمن، وليبيا، والعراق، ولبنان، ودول عربية أخرى نشأ فيها فراغ في السّلطة، تصاعدت التوترات بين كلٍّ من تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، التي تفتخر بأنها القوة الرائدة بين الدول العربية. ومع ذلك، فإن الثقة في المملكة العربية السعودية البالغة الأهمية تتضاءل في المنطقة العربية بعد سلسلة من الأحداث، بما في ذلك المستنقع المتزايد والأزمة الإنسانية في اليمن بعد التدخل السعودي في الحرب الأهلية بالبلاد، احتجاز ومصادرة أصول أعضاء نافذين من العائلة المالكة السعودية ورجال الأعمال منذ نهاية عام 2017، وقتل جمال خاشقجي في أكتوبر 2018. على عكس تراجع السعودية، فإنَّ الإمارات العربية المتحدة قفزت إلى قمة الترتيب، بينما في عام 2019، قفزت مصر، التي كانت في السابق المتصدرة بين العرب، صعدت إلى المركز الثاني والأمل يعلق على الإمارات ومصر كقادة للعالم العربي سواء كان في ذلك مكان المملكة العربية السعودية أو بجانبها[41].
بالعموم إنَّ التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين من شأنه أن يخلــق تــوازن قُـوى جديــد والتخلُّــص مــن قيــود الأحادية القطبيــة: فمــن مصلحـة الـدول متوسـطة القُوى والـدول الصغيـرة أن يسـود النظـام الدولـي تعدديــة، بــدلاً عــن حالــة الأحاديــة الراهنــة، ورّبمــا تجــد دول الشــرق الأوسط فــي صعــود الصيــن ورّبمــا قوى دوليــة أخــرى لمعــاودة منافســة الولايات المتحدة فرصة للدفع قدماً بتأثيـرات تعدديـة النظـام الدولي على المسـتوى الإقليمي، وهــذا مــن شــأنه أن يخلــق مســاحة أكبــر للحركــة والمناورة، كمــا يخفِف مـن القيـود والإملاءات الأمريكية، ورّبمـا العقوبـات والضغـوط، فلا شك أنَّ التنافُـس بيـن الصيـن والولايات المتحـدة يتيـح لـدول الشـرق الأوسط التـوازُن فـي علاقاتها، وكذلـك تنويعهـا وتوزيعهـا بيـن الـدول المتنافسـة، مما يتيح لها خيارات أوسع. كما يقدم هذا التنافس وجود شــريك تجــاري بديــل لدعــم الخطــط التنمويــة: وعلـى المسـتوى الاقتصادي، فإن اغلب دول المنطقــة تمر بتحولات اقتصاديــة عميقــة، تشــمل تغييــرات بنيويــة، مــن قبيــل التحــول مــن الاعتماد علــى النفــط إلــى الرقمنــة، وتحديــث روافــد الاقتصادات الوطنيــة. والصيــن التــي أصبحــت منــذ 2016م أكبـر شـريكٍ تجـاري لعـددٍ كبيـر مـن دول المنطقـة، مـن الممكـن أن تلعـب دوراً فــي إنجــاح هــذه الخطــط[42].
لكن قد ينتج عن التنافس الصيني الأمريكي عقبات وتحديات لدول الشرق الأوسط، منها معاقبــة القوتيــن للــدول التــي تنخــرط فــي محــاور ضدهمــا، حيـث إنّه مـن المرجـح أن تلجـأ إحـدى القوتيـن إلـى وسـائل وأدواتٍ أخرى للحد من اندفاع الآخر وبناء السدود في طريقه، ومن المتوقع ان يزداد ميل واشنطن لممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية على عدد من دول الشرق الأوسط مصحوبة بتهديدات اقتصادية وتجارية على الحكومات التي تتجاوز الخط الأحمر في تعاملاتها مع الصين، وهو ما ظهر في الحالة الإسرائيلية التي سبق ذكرها، وليــس من المستبعد أبداً، أن يفضــي هــذا التنافُــس فـي المنطقـة بيـن العملاقين، إلـى دفـع الصين إلـى تخطِّ ـي حذرهـا التقليـدي فـي اللجـوء إلـى خيـاراتٍ عسـكرية فـي سياسـاتها الخارجيـة، والتفكيـر بزيـادة وجودهـا العسـكري فـي المنطقـة؛ الأمر الـذي قـد يدفـع بالولايات المتحـدة للدخـول فـي حـربٍ بـاردة معهـا تكـون سـاحتها هـذه َ المـرة منطقـة الشـرق الأوسط المليئـة بالتوتُرات والصراعـات.[43]
كل ما سبق يؤكد أن الخيارات مفتوحةٌ أمام منطقة الشرق الأوسط في ظل التنافس الأمريكي الصيني، حيث تلعب العديد من العوامل والظروف والتطورات في تحديد السيناريو الأكثر قابلية للحدوث، ويمكن لدول المنطقة استثمار هذا التنافس بما يحقق مصلحة منفعة لها ويجنبها كوارث التنافس.
الخاتمة
النتائج:
- تحتل منطقة الشرق الأوسط أهميةً استراتيجيةً لكلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية والصين وتشكل نقطة ارتكاز أساسية في حساباتهما الخارجية، مما يجعلها منطقة تنافس أساسية واستراتيجية بين كل من الدولتين المذكورتين.
- تشكل السيطرة على أمن الطاقة والحفاظ على أمن إسرائيل إلى جانب التصدي للأنظمة والقوى الإقليمية المناوئة أهم أسس ومحددات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منقطة الشرق الأوسط.
- تشكل المصالح الاقتصادية والأهمية النفطية والاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط أساس الاهتمام الصيني والتوجه نحو منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في ظل أولوية الاقتصاد وتحقيق النمو الاقتصادي في سلم أولويات السياسة الخارجية الصينية.
- يشكل ضمان أمن الطاقة ومكافحة الإرهاب والتطرف الدولي إلى جانب تحسين وضع بكين كقوة عظمى في العالم، أبرز اهداف السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط.
- إن التنافس الصيني الأمريكي على الشرق الأوسط سيترك أثره على القضايا المطروحة والإشكالية في هذه المنطقة، ولا سيما مع تنامي نفوذ الصين ودورها مما يشكل بديلاً للولايات المتحدة الأمريكية أو أقله موازن لدورها في قضايا الشرق الأوسط.
التوصيات:
- يجب على دول الشرق الأوسط تعزيز أمنها الداخلي وتماسكها، ذلك أن التنافس الأمريكي الصيني على المنطقة قد يقود إلى افتعال وإشعال العديد من الحروب والأزمات لتسوية المنافسة عبر الوكلاء دون المواجهة المباشرة.
- يجب على دول الشرق الأوسط العمل على إيجاد نظامٍ إقليمي فاعل يقوم على التعاون والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وذلك لتسطيع مواجهة التحديات والتهديدات بكفاءة وفعالية.
قائمة المراجع
- اتجاهات المراكز البحثية بشأن الدور الصيني في الشرق الأوسط (1-3)، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، 2022.
- إسلام عيادي، المنظور الصيني للقضية الفلسطينية: المواقف، والأهداف، وآليات تعزيز العلاقات ومستقبل العلاقات الثنائية، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية، 2019.
- بثينة محمد الزواهرة، ، دور الصين في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، تحليلات سياسية، المعهد المصري للدراسات، نيسان 2022
- بثينة محمد الزواهرة، دور الصين في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، تحليلات سياسية، المعهد المصري للدراسات، نيسان 2022
- عبد الله خليفة مترف، الشرق الأوسط…إقليم متغير وتطورات دولية متسارعة، مركز تريندز للبحوث والدراسات، 2021.
- علاء عبد الحفيظ محمد، السياسة الصينية تجاه الصراع العربيـ الإسرائيلي: الثوابت والمتغيرات، مجلة المستقبل العربي، عدد 418، مجلد 36، 2013
- محمد بن صقر السلمي، التنافس الأمريكي-الصيني وانعكاساته على منطقة الشرق الأوسط، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، نيسان 2020
- منافسة القوى العظمى في الشرق الأوسط: سباق من دون رؤية؟ موجز قضية، مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، 2022.
ب- مراجع باللغة الأجنبية:
- Andrea Ghiselli, China and the United States in the Middle East: Policy Continuity Amid Changing Competition, the Middle East Institute, 2023.
- BECCA WASSER, HOWARD J. SHATZ, JOHN J. DRENNAN, ANDREW SCOBELL,BRIAN G. CARLSON, YVONNE K. CRANE, Crossroads of Competition China, Russia, and the United States in the Middle East, RAND Cooperation, 2022.
- BECCA WASSER, HOWARD J. SHATZ, JOHN J. DRENNAN, ANDREW SCOBELL,BRIAN G. CARLSON, YVONNE K. CRANE, Crossroads of Competition China, Russia, and the United States in the Middle East, RAND Cooperation, 2022.
- CHINA AND THE CHALLENGES IN GREATER MIDDLE EAST Conference report, Conference report, Danish Institute for International Studies and University of Copenhagen on 10 November 2015,
- Ito Mashino, THE FUTURE OF THE MIDDLE EAST CAUGHT BETWEEN US-CHINA AND US-RUSSIA RIVALRY, Global Strategic Studies Institute Monthly Report August 2020, p6.
- Michael Singh, China and the United States in the Middle East: Between Dependency and Rivalry, The Washington Institute for Near East Policy, 2020.
- Natan Sachs and Kevin Huggard, Israel and the Middle East amid U.S.-China competition, The Brookings Institution, 2020.
- Natan Sachs and Kevin Huggard, Israel and the Middle East amid U.S.-China competition, The Brookings Institution, 2020.
- Natasha Turak, The China-brokered Saudi-Iran deal has big repercussions for the Middle East — and the U.S., MAR 15 2023 https://www.cnbc.com
- Syed Inam Ali Naqvi, A New World Order: China’s Role in Reshaping the Middle East and Challenging American Hegemony, March 2023, https://moderndiplomacy.eu
الهوامش:
- Natan Sachs and Kevin Huggard, Israel and the Middle East amid U.S.-China competition, The Brookings Institution, 2020. ↑
- Ibid. ↑
- إسلام عيادي، المنظور الصيني للقضية الفلسطينية: المواقف، والأهداف، وآليات تعزيز العلاقات ومستقبل العلاقات الثنائية، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية، 2019. ↑
- علاء عبد الحفيظ محمد، السياسة الصينية تجاه الصراع العربيـ الإسرائيلي: الثوابت والمتغيرات، مجلة المستقبل العربي، عدد 418، مجلد 36، 2013، ص14. ↑
- د. إسلام عيادي، مرجع سابق. ↑
- علاء عبد الحفيظ محمد، مرجع سابق، ص15. ↑
- د. إسلام عيادي، مرجع سابق. ↑
- علاء عبد الحفيظ محمد، مرجع سابق، ص20. ↑
- علاء عبد الحفيظ محمد، مرجع سابق، ص15. ↑
- إسلام عيادي، مرجع سابق ↑
- بثينة محمد الزواهرة، ، دور الصين في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، تحليلات سياسية، المعهد المصري للدراسات، نيسان 2022، ص 8. ↑
- علاء عبد الحفيظ محمد، مرجع سابق، ص17. ↑
- Michael Singh, China and the United States in the Middle East: Between Dependency and Rivalry, The Washington Institute for Near East Policy, 2020. ↑
- بثينة محمد الزواهرة، دور الصين في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، تحليلات سياسية، المعهد المصري للدراسات، نيسان 2022، ص 4. ↑
- Syed Inam Ali Naqvi, A New World Order: China’s Role in Reshaping the Middle East and Challenging American Hegemony, March 2023, https://moderndiplomacy.eu ↑
- Natasha Turak, The China-brokered Saudi-Iran deal has big repercussions for the Middle East — and the U.S., MAR 15 2023 https://www.cnbc.com ↑
- Ibid. ↑
- Syed Inam Ali Naqvi, op.cit. ↑
- Ibid. ↑
- بثينة محمد الزواهرة، مرجع سابق، ص 7. ↑
- اتجاهات المراكز البحثية بشأن الدور الصيني في الشرق الأوسط (3-3)، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، 2022. ↑
- بثينة محمد الزواهرة، مرجع سابق، ص 7. ↑
- عبد الله خليفة مترف، الشرق الأوسط…إقليم متغير وتطورات دولية متسارعة، مركز تريندز للبحوث والدراسات، 2021. ↑
- Natan Sachs and Kevin Huggard, Israel and the Middle East amid U.S.-China competition, The Brookings Institution, 2020. ↑
- ibid. ↑
- Andrea Ghiselli, China and the United States in the Middle East: Policy Continuity Amid Changing Competition, the Middle East Institute, 2023. ↑
- عبد الله خليفة مترف، مرجع سابق. ↑
- المرجع السابق. ↑
- BECCA WASSER, HOWARD J. SHATZ, JOHN J. DRENNAN, ANDREW SCOBELL,BRIAN G. CARLSON, YVONNE K. CRANE, Crossroads of Competition China, Russia, and the United States in the Middle East, RAND Cooperation, 2022. ↑
- منافسة القوى العظمى في الشرق الأوسط: سباق من دون رؤية؟ موجز قضية، مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، 2022. ↑
- اتجاهات المراكز البحثية بشأن الدور الصيني في الشرق الأوسط (1-3(، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، 2022. ↑
- BECCA WASSER, HOWARD J. SHATZ, JOHN J. DRENNAN, ANDREW SCOBELL,BRIAN G. CARLSON, YVONNE K. CRANE, Crossroads of Competition China, Russia, and the United States in the Middle East, RAND Cooperation, 2022. ↑
- منافسة القوى العظمى في الشرق الأوسط: سباق من دون رؤية؟ موجز قضية، مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، 2022. ↑
- محمد بن صقر السلمي، التنافس الأمريكي-الصيني وانعكاساته على منطقة الشرق الأوسط، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، نيسان 2020، ص 13- 14. ↑
- منافسة القوى العظمى في الشرق الأوسط: سباق من دون رؤية؟ مرجع سابق. ↑
- محمد بن صقر السلمي، ورجع سابق، ص 13- 14. ↑
- CHINA AND THE CHALLENGES IN GREATER MIDDLE EAST Conference report, Conference report, Danish Institute for International Studies and University of Copenhagen on 10 November 2015, p6. ↑
- Ito Mashino, THE FUTURE OF THE MIDDLE EAST CAUGHT BETWEEN US-CHINA AND US-RUSSIA RIVALRY, Global Strategic Studies Institute Monthly Report August 2020, p6. ↑
- اتجاهات المراكز البحثية بشأن الدور الصيني في الشرق الأوسط (1-3(، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، 2022. ↑
- محمد بن صقر السلمي، مرجع سابق، ص16- 17. ↑
- Ito Mashino, op.cit, p7. ↑
- محمد بن صقر السلمي، مرجع سابق، ص20. ↑
-
المرجع السابق، ص 23-24. ↑