الأثر القرآني في شعر الدكتور محمد حسين الصغير – ديوان أهل البيت مثالاً
م.م. علي جعفر حسن الربيعي1 ، م.م. مرفد محمد بكر عطوان.1
1 جامعة كربلاء، كلية علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات، العراق.
HNSJ, 2024, 5(8); https://doi.org/10.53796/hnsj58/20
تاريخ النشر: 01/08/2024م تاريخ القبول: 22/07/2024م
المستخلص
مع بزوع فجر الاسلام تأثر المسلمون بالقران الكريم لما فيه من حلاوة الاسلوب وسحر البلاغة وروعة الالفاظ, وهذا التأثر جعلهم ينهلون من مشاربه الفصاحة والبلاغة حتى خالط القران كلامهم فاصبحوا يستشهدون بآياته ويستعملون ألفاظه في تدعيم خطبهم وأقوالهم، فما لبث العرب حتى خطوا مؤلفاتهم ناهلين من عذب ذلك المشرب الزلال الأوفر, وأستمر هذا التأثر الى يومنا هذا, ولاسيما عند من آثرنا دراسة نتاجه ألا وهو الدكتور محمد حسين الصغير، فكان التأثر في القرآن الكريم واضحًا في أسلوبه، وبعد التوكل على الله آثرنا على دراسة الأثر القرآني في شعر الدكتور محمد حسين الصغير في كتابه الشهير ديوان أهل البيت(عليهم السلام)، وانتظم المبحث في مبحثين؛ حمل المبحث الأول عنوان(الدكتور محمد حسين الصغير حياته ونشأته) فيما جاء المبحث الثاني بعنوان:( الأثر القرآني في شعر الدكتور محمد حسين الصغير)، ومن ثم خاتمة توصل فيها الباحث إلى أبرز النتائج، وقائمة مصادر ومراجع.
الكلمات المفتاحية: الإثر القرآني، محمد حسين الصغير، ديوان أهل البيت.
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمةً للعالمين الذي اضاء الدنيا بنور الإسلام وأنقذ البشرية من الضلالة والظلام نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبعد…
إن القرآن الكريم منذ نزوله وهو مبهر للعقول؛ إذ وقف الناس أمامه بذهول، لما في من روعة الأسلوب، وسحر البلاغة، وقوة السبك، وفي العصر الإسلامي برز التأثير في القرآن الكريم في شعر الشعراء الإسلاميين، إذ وظفوا الآيات القرآنية الكريمة في اشعارهم لتقوية المعنى أولًا، وجذب المتلقي ثانيًا، والتأثر بالكتاب العظيم استمر إلى وقتنا الحاضر، إذ لا نتاج أي شاعر يخلو من توظيف القرآن الكريم في شعره، ومن هؤلاء شاعرنا الدكتور محمد حسين علي الصغير، إذ درسنا الأثر القرآني في شعره في ديوان المسمى بـ _ديوان أهل البيت – (عليهم السلام).
جاءت الدراسة بمبحثين؛ حمل المبحث الأول عنوان:( الدكتور محمد حسين الصغير حياته ونشأته) في حين حمل المبحث الثاني عنوان:( الأثر القرآني في شعر الدكتور محمد حسين الصغير)، وسبق هذين المبحثين بمقدمة، وخُتم بخاتمة تحدثنا فيها عن أبرز ما توصلنا إليه، ومن ثم قائمة مصادر ومراجع.
أولا: أهداف البحث:
يسعى هذا البحث إلى دراسة الأثر القرآني في شعر الدكتور محمد حسين الصغير على مستوى المفردة والتركيب، وبيان كيفية توظيفه في أبياته الشعرية.
ثانيًا: دوافع اختيار البحث:
أرتا الباحثان دراسة هذا الموضوع، وذلك لعدم وجود دراسة تناولت الأثر القرآني في شعر الدكتور محمد حسين الصغير.
منهجية البحث.
هو المنهج التكاملي التحليلي، ويتم ذلك من طريق إحصاء الأبيات الشعرية المتضمنة للمعاني القرآنية ومن ثم تحليلها.
المبحث الأول:
الدكتور محمد حسين الصغير حياته ونشأته.
ولد الدكتور محمد حسين الصغير في محافظة النجف الأشرف عام (1939م)، فهو باحث ومؤلف وناقد وأديب، وبلاغي، عمل استاذًا جامعيًا في المحافظةِ نفسها[1]، وبدأت مرحلة شبابه بمعاصرة زعيم الطائفة السيد محسن الحكيم (قدس)، نشأ في أسرة متحفظة ذات علم وأدب، وكان والده من طلائع شعراء النجف الأشرف، كما كان عمهُ شاعرًا أيضًا، في عام (1952م) لبس العمامة البيضاء وهو لم يزل صغيرًا ولم يبلغ سن الرشد، وأخذ يتلقى الدروس الحوزوية والعلمية على يد ثلة من العلماء الأفذاذ، وفي عام (1968م) تخرج من كلية أصول الدين وبدرجة التفوق وبتقدير امتياز[2].
حاز على شهادة الماجستير من جامعة بغداد عن رسالته الموسومة بـ (الصورة الأدبية في الشعر الأموي/ دراسة نقدية بلاغية)، وأخذ يتطلع لدراسة الدكتوراه ودفعه لذلك نبوغه الفكري وطموحه الثقافي، فقُبل في كلية الآداب جامعة القاهرة عام (1975م) في قسم اللغة العربية، وأتم دراستهُ وشُكلت لجنة المناقشة وكان رئيسها الدكتور (شوقي ضيف، وقبل أن تُناقش رسالته، قامت السلطة المصرية باعتقالهِ، بعد ذلك تقرر مناقشة رسالته في جامعة بغداد بكلية الآداب، وحصل على درجة الامتياز ونال مرتبة الشرف في عام (1979م)[3].
وبعد اكمال دراسة الدكتوراه تم ترقيته إلى أستاذ مساعد وذلك في عام (1983م) وبعدها نال درجة الاستاذية عام (1988م)، ومن ثم نال مرتبة الأستاذ المتمرس منحتها له جامعة الكوفة عام (2002م) وهي أرقى درجة علمية[4].
توفي الدكتور محمد الصغير عام (2023م) تاركًا خلفه مجموعة من المؤلفات الدينية والعلمية والثقافية.
مؤلفات الدكتور محمد حسين الصغير.
للدكتور محمد حسين الصغير مؤلفات كثيرة، حملت في طياتها نبوغه الفكري والعلمي، وهي كالآتي:
فقه الحضارة في ضوء فتاوى السيد السيستاني.
المثل العليا في تراث أهل البيت الحضاري.
الإمام جعفر الصادق عليه السلام زعيم مدرسة أهل البيت.
المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم.
أصول البيان العربي في ضوء القرآن الكريم.
تطور البحث الدلالي “دراسة تطبيقية في القرآن الكريم”.
المستشرقون والدراسات القرآنية.
نظرات معاصرة في القرآن الكريم.
مجاز القرآن: خصائصه الفنية وبلاغته العربية.
موسوعة الدراسات القرآنية.
الصوت اللغوي في القرآن الكريم.
نحو التجديد في دراسات الدكتور الجواري.
علم المعاني “بين الأصل اللغوي والموروث البلاغي”.
أصول البيان العربي “رؤية بلاغية معاصرة”.
تطور البحث الدلالي- دراسة تطبيقية في القرآن الكريم.
الإمام علي الرضا (عليه السلام) قيادة الأمة.. وولاية العهد.
الإمام زين العابدين: القائد.. الداعية.. الإنسان.
رحلة الإنسان من عالم الذر حتى حياة البرزخ.
نحو التجديد في الدراسات الدكتور الجواري.
الإمام علي سيرته وقيادته في ضوء المنهج التحليلي.
قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف.
الإمام المهدي المنتظر نصب عينيك كأنك تراه.
الإمام الباقر مجدد الحضارة الإسلامية.
الإمام محمد الجواد- معجزة السماء في الأرض.
النبي محمد: وحي السماء ورسالة الإسلام.
الزهراء من الوجه الآخر.
الإمام الحسين عملاق الفكر الثوري.
الإمام الحسن رائد التخطيط الرسالي
الصوت اللغوي في القرآن.
تأريخ القرآن.
نوادر وطرائف.
ديوان أهل البيت: وهو عينة الدراسة التي سوف نتحدث عنها في بحثنا هذا، وينبغي الإشارة إلى أن هذا الديوان عبارة عن مجموعة قصائد اتفقت للشاعر في خمسين عامًا في بدايتها، وقد قيلت بحق السيدة الزهراء والأئمة الاثنا عشر (عليهم السلام) أجمعين، وهي تتغنى بأمجادها في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض، وتعرض إلى ظلامتهم في إقصائهم من منازلهم التي رتبهم الله فيها، وتستنكر استبعادهم عن قيادة الأمة، وتستعظم عدم الرجوع إليهم في شأن الدين والدنيا، وهم الذين أذهب الله الرجس عنهم وطهرهم تطهيرًا”[5].
المبحث الثاني: الأثر القرآني في شعر الدكتور محمد حسين الصغير.
مما لا يخفى على كُلِ باحثٍ متتبعٍ للغةِ العربية أن القرآن الكريم أثر في العرب أيّما تأثير إذ أخذ بعقولِهم وألباب قلوبهم، وأخذوا ينهلون من آياته الزلال الأوفر لتقوية المعنى أولاً، وجذب المتلقي ثانيًا، كون القرآن الكريم مُجذب للعقول والقلوب على السواء.
وهذا البحث يسعى لدراسة الأثر القرآني عند الدكتور محمد حسين الصغير من حيث المفردة والتركيب، إذ نجد الأثر القرآني حاضرًا في قول الشاعر الصغير في أبياته التي قيلت في فضل أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، وذكر يوم الغدير الأغر، وندبة صاحب الأمر، وولاء أهل البيت، جاء فيها:
فهم الصراط المستقيم وهم سراج المستنير[6]
نلحظ أن الشاعر قد ركن في مدح أهل البيت (عليهم السلام) إلى المرجعيَّات القرآنيَّة التي باتت واضحة في مفاصل قصيدته، واستجلى مضامين الآيات القرآنيَّة وجعلها جوهر خطابه، وهو إسهام – بحسب ما تتيح له قريحته الشعريَّة- في بيان حقِّ أهل البيت (عليهم السلام) وبيان مظلوميَّتهم،
إذ نجد مصطلح ( الصراط المستقيم ) قد استلهمه الشاعر من قوله تعالى: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ))([7]) إذ قيل في تفسيرها (( أدمْ لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا… وقال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : قوله عز وجل ( اهدنا الصراط المستقيم ) يقول : أرشدنا للصراط المستقيم ، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ إلى جنتك والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك))([8]) ولا أصدق من عليٍّ والأئمَّة من ولده مصداقًا للصراط المستقيم، ولذلك كان الشاعر دقيقا في اقتباسه من الآية المباركة في البيت موضع التحليل؛ لأنَّ النص القرآني يقدِّم المضمون ويقرنه بالمصداق الكامل لمضامينه، ومن ذلك نجد حديث الثقلين هو الآخر قرن بين المضمون والمصاديق بشكل صريح عندما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((إنِّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ))([9]) فهم الصراط المستقيم الذي لن يخيب متَّبِعه، ولن يضل من سلكه، ومن الآيات القرآنيَّة التي حملت المصطلح – أيضا- قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ))([10]) وقوله تعالى: ((قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ))([11]).
وكما جاء عن الإمام زين العابدين (عليه السلام):” نحن الصراط المستقيم، ونحن عيبة علمه”[12]، وعلى هذا يكون المعنى حقيقي لا مجازي؛ لأن الصراط هو الإمام علي (عليه السلام)، والائمة من ولده (عليهم السلام اجمعين).
ومن الإشارات القرآنية الأخرى نجدها في الشطر الآخر من البيت(وهم سراج المستنير) حيث قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا))([13]) إذ جعلهم (عليهم السلام) سراجا وهَّاجًا يهدي الناس إلى الصراط المستقيم، وفي البيت إشارة لطيفة؛ إذ وصف الذي يتمسَّك بهم بأنَّه(مستنير) وهو أمر طبيعي؛ لأنَّ من يقترب من النور يزدد نورا، بشرط العقيدة الصادقة والإخلاص في العمل، فمن اعتقد بإمامتهم وسار على خطاهم لا شكَّ أنَّه سيستنير بنورهم، وهذا ليس ببعيد؛ إذ قال الله سبحانه في الحديث القدسي: ((يا عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون))([14])، وقد جعل الله سبحانه الصالحين منائر في الأرض تهدي من يشاء الهداية، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، يعبدون الله وحده، مخلصين له الدين، فمن اقتدى بهم استنار بهديهم، ومن ضلَّ عنهم فقد نكب عن الصراط المستقيم، وقد طفق الشاعر يخصف من الأدلَّة القرآنيَّة على أفضليَّة أهل البيت (عليهم السلام) وبيان مكانتهم السامقة، بوصفهم الأئمة الهداة إلى الطريق المستقيم.
ومن الأبيات الشعرية التي تضمنت أثرًا قرآنيا قول الشاعر في أبيات قيلت في أعياد المولد النبوي:
فلــــــــــــينصرنه الله ناصـر ديـنه لا غيـره، وليخــــــــلن المعــــتدي
يا أيها النبأ العظيم شــــكايةً لك باستباحة قدس أقصى مسجدِ[15].
اقتبس الشاعر هذه الأبيات من قصيدتهِ التي حملت عنوان ( تراجيدية أمير المؤمنين عليه السلام) من قولهِ تعالى:” الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ”[16]. وجاءت هذه الآية كبيت شعري كامل في هذه القصيد، وقد وضفها الشاعر بمعناها الذي جاء في القرآن فكان اقتباسها بشكلٍ مباشر دون أن يجري عليها الشاعر تغيير أو تحويل أو تبديل، إذ كان توظيف الشاعر للآية توظيفًا موفقًا وموائمًا كيفها الشاعر بطريقة فنية ذكية أرخت سدولها على البيت الشعري، وحققت فعالية النص المقدس.
ونلحظ الأثر القرآني أيضًا في أبيات قالها الشاعر في قصيدةٍ عنوانها (قف في ربى الطف)، قيلت في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) في 10 محرم الحرام، جاء فيها:
إن يقتلوا الشمس، فالأضواء واجمةٌ أو ينحروا الفجر، فالأنداد احزان
لولا الحسين لغام الأفق واندلعت شرارةٌ وطغى للغيَّ طوفان[17].
وقد استلهم الشاعر ذلك من قوله تعالى:” فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ“[18]. فاستعار لفظة (الطوفان) التي كانت تنمُ عن العذاب أو الهلاك لقوم نوح بعد أن عصوه أو خالفوه، فكان مصيرهم الغرق إلا من آمن به وركب في سفينة، ووظفها الشاعر توظيفًا دقيقًا مستعملاً تلك اللفظة القرآنية، وجاعلاً من الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته الخالدة وتضحياته الجسام بمثابة أمان للأمة وحفظها من الانحراف، إذ لولا الإمام الحسين (عليه السلام) لما حفظ الدي، ولم تقام الحدود التي أرادها الله تبارك وتعالى، وقد قدم نفسه قربانًا لحفظ الدين وتعالينهُ، وبهذا حُفظ الإسلام، ورُفعت هامات المسلمين، كما ورد في القول المأثور: الدين محمدي الوجود حسيني البقاء، وبهذا اجاد الشاعر حين مزج بين قضية الإمام الحسين (عليه السلام) وقضيته النبي نوح (عليه السلام) في قصة الطوفان.
ونجد الأثر القرآني أيضَا في قصيدة الشاعر التي حملت عنوان: (علي والحياة الخالدة) كتبها الشاعر ليستعرض لنا حياة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الإنساني، ويعرض لنا عيد الغدير، وما جرى فيه من أحداث كانت سببًا في نزول قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم)، وجاء في هذه القصيدة:
فيه البشائر والشعائر تلتقي ومن البشارة دولةٌ وشعارُ
الله أكمل دينهُ ومحمد منه البلاغ الصلب والانذار[19].
فنلحظ أن الشاعر اقتبس معاني هذا البيت من قوله تعالى: ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا“[20]. إذ يشير الشاعر إلى أن المقصود من إكمال الدين هو تنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) أمام المسلمين والخليفة عليهم من بعده، لذا نرى الشاعر قد وظف معنى هذه الآية في قصيدته.
فقد روي عن رسول الله (صل الله عليه وآله) أنه لما نزلت هذه الآية، قال: ” الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) من بعدي، وقال: ” من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وآل من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله”[21]. وبذلك أكمل الله تبارك وتعالى الدين بولاية الإمام علي (عليه السلام)، وعلى أثر ذلك قال الإمام علي (عليه السلام): ” أُعطيت سبعًا لم يُعطها أحدٌ قبلي سوى النبي (صلى الله عليه وآله) لقد فُتحت لي السبل، وعلمت المنايا، والبلايا، والأنساب، وفضل الخطأ، ولقد نظرتُ إلى الملكوت بإذنِ ربي، فما غاب عني ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي، وإنّ بولايتي أكمل الله لهذه الأمة دينهم، وأتم عليهم النعم، ورضي لهم إسلامهم، إذ يقول يوم الولاية لمحمد (صل الله عليه وآله: يا محمد، أخبرهم أنّي أكملت لهم اليوم دينهم، وأتممت عليهم النعم، ورضيت لهم إسلامهم، كل ذلك منَّ الله به عليَّ فله الحمد”[22].
كذلك نلمح الأثر القرآني واضحًا وجليًا في أبيات الشاعر في قصيدتهِ التي جاءت بعنوان: (أنشودة الزهراء عليها السلام)، إذ جاء فيها:
(فاطـــــــمة) بنـــــــــت من أزال عــــــــــــــــــنا الظلم
والله فـــــــــــي فضله علمــــــــــــــنا بالقــــــــــــــــلم[23]
نلحظ أن الشاعر قد أستعان معاني هذه الأبيات من قولهِ تعالى: ” الذي علم بالقلم”[24]. وهو يقول للسيد (عليها السلام): إن أباكِ هو الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، وهو الذي هدانا الله به، ويقول أيضًا أن أبناءك هم ساداتنا وقادتنا بعد جدهم المصطفى (صل الله عليه وآله)، وهذه حقيقة لا يمكن أن نتجاهلها.
ونلحظ أيضًا الأثر القرآني واضحًا وجليًا في قول الشاعر الصغير في قصيدتهِ التي حملت عنوان: (علي صوت العدالة الإنسانية) وهذه القصيدة أُلقيت في جامع براثا في بغداد بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام علي (عليه السلام)، جاء فيها:
دينٌ عليه المسلمون تواكبت خطواتهم بأغر من ألف السنا
وكتاب وحي فصلت آياته فمحي بها ليل الشكوك الأدكنا[25].
فالشاعر استلهم معاني هذه الابيات من قوله تعالى:” وكتب وحي فصلت آياته”[26]. ويورد الشاعر في هذه القصيدة الكثير من الصفات لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن بين ما ذكر الشاعر في قصيدتهِ (وكتاب وحي فصلت آياته) وأراد الشاعر أن يبين أن دين الله فوق كل الاهواء والميول ولم يكرم الإمام (عليه السلام) لقرابته برسول الله (صل الله عليه وآله) فهو من أركان الدين التي فصل في القرآن الكريم.
الخاتمة:
توصل الباحثين إلى جملة من النتائج، أهمها:
- أثر القرآن الكريم في حياة الشعراء وأخذوا ينهلون من سورة وآياته وكلماته وتراكيبه، لتقوية المعنى أولاً، وجذب المتلقي ثانيًا.
- كان للبيئة الدينية أثر كبير في تكوين شخصية الشاعر.
- جاء الأثر القرآني المباشر بشكل قليل في ديوان الشاعر، وهذا أن دلّ على شيء إنما يدلُ على أن الشاعر كان يستقي ويستلهم معانيه من القرآن الكريم بصورة غير مباشرة.
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم.
بحار الأنوار، العلامة العسكري، تح: يحيى العابدي الزنجاني، السيد كاظم الموسوي المياموي، مصادر الحديث الشيعية، القسم العام، ط2، 1983م.
البرهان في تفسير القرآن، العلامة المحدث المفسر السيد هاشم الحسيني البحراني، (1107هـ) تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، قم.
تفسير الإمام العسكري، المنسوب إلى الإمام العسكري (ع)، تح: مدرسة الإمام المهدي (ع)، ط1، 1409هـ.
تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي(ت1418هـ)، د.ط، 1997م.
جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد، محمد بن سليمان المغربي(ت1094هـ)، تحقيق: أبو علي سليمان بن دريع، مكتبة ابن كثير- الكويت، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 1998.
خلفيات كتاب مأساة الزهراء (ع)، السيد جعفر مرتضى، الطبعة الخامسة، 1422هـ، د.ط.
الدرس البلاغي – رؤية معاصرة – محمد حسين الصغير مثالاً، أ.د. عادل راضي جابر، أ.د. عبد الحسن علي مهلهل، مجلة الخليج العربي، المجلد (49) العدد (الرابع) كانون الأول 2021م
ديوان أهل البيت، الدكتور محمد حسين علي الصغير، قسم الشؤون الفكرية والثقافية، مؤسسة البلاغ، بيروت- لبنان، ط1، 2012.
القرآنية في شعر محمد حسين الصغير “دراسة بنيوية تحليلة” حسام محمد محيسن نايف، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية، المجلد 15، العدد 60، حزيران.
ماضي النجف وحاضرها، جعفر الشيخ باقر آل محبوبة، دار الأضواء، سنتر زعرور، طريق المطار، ط2، 1430، هـ، 2009م.
مجمع البحرين في زوائد المعجمين الأوسط والصغير للطبراني، نور الدين الهيثمي، نور الدين الهيثمي(807هـ)، تحقيق ودراسة: عبد القدوس بن محمد نذير الناشر، مكتبة الرشد- الرياض، الطبعة الأولى، 1992م.
الهوامش:
- الدرس البلاغي – رؤية معاصرة – محمد حسين الصغير مثالاً، أ.د. عادل راضي جابر، أ.د. عبد الحسن علي مهلهل، مجلة الخليج العربي، المجلد (49) العدد (الرابع) كانون الأول 2021م: 3. ↑
- القرآنية في شعر محمد حسين الصغير “دراسة بنيوية تحليلة” حسام محمد محيسن نايف، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية، المجلد 15، العدد 60، حزيران 2023: 224. وينظر: ماضي النجف وحاضرها، جعفر الشيخ باقر آل محبوبة، دار الأضواء، سنتر زعرور، طريق المطار، ط2، 1430، هـ، 2009م، جـ2:416. ↑
- البحث القرآني عند الدكتور محمد حسين الصغير، قيصر كاظم عاجل:14. ↑
- القرآنية في شعر محمد حسين الصغير “دراسة بنيوية تحليلة” حسام محمد محيسن نايف: 225 ↑
- ديوان أهل البيت، الدكتور محمد حسين علي الصغير، قسم الشؤون الفكرية والثقافية، مؤسسة البلاغ، بيروت- لبنان، ط1، 2012. ↑
- ديوان أهل البيت: 310. ↑
- () سورة الفاتحة: 6. ↑
- () تفسير الإمام العسكري ( ع )، المنسوب إلى الإمام العسكري ( ع ):44. ↑
- () مجمع البحرين في زوائد المعجمين، الأوسط والصغير للطبراني، جـ6: 331. وينظر: جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد، محمد بن سليمان المغربي، جـ1: 29. ↑
- () سورة آل عمران: 51. ↑
- () سورة الحجر: 41. ↑
- ( ميزان الحكمة، جـ: 347 ↑
- () سورة الأحزاب: 45- 46. ↑
- () خلفيات كتاب مأساة الزهراء (ع) السيد جعفر مرتضى، جـ2: 352. ↑
- ديوان أهل البيت:28. ↑
- سورة الناس: 3-4. ↑
- ديوان أهل البيت: 184. ↑
- سورة التحريم: 9 ↑
- ديوان أهل البيت:122. ↑
- سورة المائدة: 3 ↑
- البرهان في تفسير القرآن، العلامة المحدث المفسر السيد هاشم الحسيني البحراني، (1107هـ) تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، قم، جـ2: 224-225. ↑
- المصدر نفسه، جـ2: 225، وينظر: بحار الأنوار، العلامة العسكري، تح: يحيى العابدي الزنجاني، السيد كاظم الموسوي المياموي، مصادر الحديث الشيعية، القسم العام، ط2، 1983م، جـ37: 138. ↑
- ديوان أهل البيت: 127. ↑
- سورة العلق: 4. ↑
- ديوان أهل البيت: 111. ↑
-
سورة فصلت: 3. ↑