الاحكام القانونية لجريمة التسليب في الفقه والقانون

م.م. اعتدال شاكر عباس1

1 الجامعة الإسلامية في لبنان.

بريد الكتروني: Aatedalshakerabas22@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(8); https://doi.org/10.53796/hnsj58/21

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/08/2024م تاريخ القبول: 21/07/2024م

المستخلص

تعدد الاحكام الخاصة بالجرائم , بتعدد الجرائم ,فلكل جريمة احكامها الخاصة التي تؤكد ذاتيتها وتحدد نطاقها وتميزها عن غيرها من الجرائم , وان هذا الامر لا يمنع من وجود بعض الاحكام المشتركة بينها, فلا يوجد تعارض في هذا الامر, بل ان ذلك يعد امرا طبيعيا لكونها تخضع لنظام قانوني واحد وجد من اجل احاطة المجتمع بصورة تامة بحصن منيع ضد التهديدات التي تلحق به بفعل جريمة والمجرم , وان هذه الحماية لا يمكن ان تكون متكاملة مالم يتم مكافحة اي سلوك يرقى الى مرتبة الجريمة ويدل على خطورة صاحبه وجدارته بالجزاء الجنائي.

الكلمات المفتاحية: الجريمة الجنائية – التسليب -الحرابة – المسؤولية الجنائية – العقوبة الجنائية.

Research title

Legal provisions for the crime of robbery in jurisprudence and law

HNSJ, 2024, 5(8); https://doi.org/10.53796/hnsj58/21

Published at 01/08/2024 Accepted at 15/07/2024

Abstract

The multiplicity of provisions for crimes, the multiplicity of crimes, each crime has its own provisions that confirm its subjectivity and determine its scope and distinguish it from other crimes, and that this does not prevent the existence of some common provisions between them, there is no conflict in this matter, but that this is natural because it is subject to a single legal system found in order to surround the meeting fully fortified against threats caused by a crime and the criminal, This protection cannot be integrated unless any behavior that amounts to a crime and indicates the seriousness of its owner and his deserving of criminal punishment is combated.

Key Words: criminal crime – robbery – banditry – criminal liability – criminal punishment

المقدمة

ان نطاق الحماية التي توفرها القانون الجنائي تتسع لتشمل كل مصلحة جديرة بتلك الحماية ما يهمنا منها تلك المصالح التي يريد المشرع حمايتها من وراء معالجة الجريمة محل الدراسة التي ارتأينا دراستها تحت عنوان(( الاحكام القانونية لجريمة التسليب في الفقه والقانون))

أولا-اهمية البحث

ترجع اهمية جريمة التسليب الى خطورة هذه الجريمة ,اذ ان هذه الجريمة تمس حق الانسان في الحياة وفي الامن الشخصي وحقه في الحفاظ على حقه في ملكية امواله وحيازته حيازة هادئة خالية من اي تهديد بسلبها او الاعتداء عليها

ثانيا-مشكلة البحث

تتحدد المشكلة بوجود فرق شاسع بين نصوص القانون الجنائي الوضعي والنصوص الشرعية التي استند عليها التشريع الجنائي الاسلامي في معالجته لجريمة التسليب , حيث ان السياسة الجنائية التي تبناها المشرع الجنائي الوضعي في مواجهة اخطار هذه الجريمة لا تناسب خطورة الجريمة , الامر الذي يفرض على المشرع الجنائي الوضعي ان يعيد النظر في المعالجة الجنائية التي بنى عليها موقفه من تلك الجريمة,لذا فان البحث يطرح تساؤلات عديدة ابرزها:

  1. ما لمقصود بجريمة التسليب في القانون الجنائي؟ وما الاسس التي تستند عليها ؟
  2. ماهي المصلحة التي يهدف المشرع الجنائي الى حمايتها من تجريم الافعال التي تقوم عليها جريمة التسليب
  3. ما هو موقف الفقه الجنائي الاسلامي من الجريمة ؟ وماهي الاركان الواجب توافرها لقيامها وماهي الجزاءات الشرعية لمن يرتكب هذه الجريمة؟
  4. هل وفق المشرع الجنائي العراقي في معالجته هذه الجريمة ذات الاثر البالغ في المجتمع ام ان معالجته لأحكام هذه الجريمة اتسمت بالقصور؟

ثالثا-منهجية البحث

اتبعنا في هذه الدراسة المنهج التحليلي والواعي القائم على استعراض النصوص الجنائية والشرعية التي عالجت الجريمة محل البحث ,ثم بيان الآراء الفقهية التي طرحت حولها ومناقشتها للتوصل الى الرأي الراجح بينها, محاولين بحث الموضوع بدقة لوضع افضل الحلول مقارنين كلما اقتضى الحال مع التشريعات العربية المقابلة.

رابعا-خطة البحث

من اجل الاحاطة بموضوع البحث فقد ارتأينا دراسة هذا الموضوع في مطلبين خصصنا المطلب الاول لدراسة مفهوم جريمة التسليب وخصصنا الثاني لدراسة احكام جريمة التسليب ثم انهينا البحث بخاتمة تتضمن جوهر ما توصل اليه الباحث من نتائج وتوصيات .

المطلب الأول

مفهوم جريمة التسليب

تعد جريمة التسليم من اقدم البرامج التي عرفها المجتمع البشري على مختلف مراحل تطوره ولازالت هذه الجريمة تتزايد بصورة مستمرة لاسيما في الواجب بسبب عدم استقراره الوضع الامني .. ولتحديد مفهوم جريمة التسليب نقسم البحث الى فرعين نتناول في الفرع الاول تعريف جريمة التسليب وفي الفرع الثاني نعرض شروط جريمة التسليب.

الفرع الاول

تعريف جريمة التسليب

بالرجوع الى القوانين الجنائية لم نجد تعريف لجريمة التسليب وهذا امر طبيعي لأنه ليس من اختصاص المشرع وضع التعريفات والغوص في تفاصيل تكون عرضة للتغيير المستمر , وبخلاف ذلك نجد ان المشرع السوداني اشار الى تعريف جريمة التسليب في نص المادة(167) من قانون العقوبات السوداني الصادر سنة 1991 النافذ بانها( يعد مرتكبا جريمة الحرابة من يرهب العامة او يقطع الطريق بقصد ارتكاب جريمة على الجسم او العرض او المال شريطة:أ.خارج العمران في البر او الجو او داخل العمران مع تعذر الغوث.ب. باستخدام السلاح او اي اداة صالحة للإيذاء او التهديد بذلك. ([1])

اما على صعيد الفقه فقد اختلف الفقهاء في تعريف جريمة التسليب فظهرت عدة تعريفات بصياغات مختلفة الا انها تحمل ذات المضمون فذهب جانب من الفقه الى تعريفها السرقة المقترنة بالإكراه وتمثل مجاهرة الاجرام وفيها يعمد السارق الى مواجهة ضحيته وتحديها). ([2])

ولايمكن الاخذ بهذا التعريف ,لأنه يخلط بين جريمة التسليب وجريمة السرقة بالإكراه وان كانت القوة عنصر مشترك بينهما ,الا انها تعد ركنا في جريمة التسليب ولاتعدو ان تكون ظرفا مشددا لعقوبة السرقة ان اقترنت بها.

وعرفها جانب اخر من الفقه بانها:(اخذ الشيء من المجني عليه عنوة باستخدام القوة او بالتهديد سواء كان المجني عليه مالكا للشيء ام كانت يده عليه يد امين كدائن مرتهن ام مودع لديه ,ام اجباره على تسليمه اياه). ([3])

ولايمكن الاخذ بهذا التعريف ايضا, اذ يلاحظ عليه انه قد ركز على الوسيلة المعول عليها في ارتكاب الجريمة, دون الاشارة الى المكان الذي وقعت فيه سلوكيات الجريمة ,وهذا الشيء يحسب لهم حقيقة ,لن الركن الاساسي للجريمة هو استخدام القوة او التهديد بها بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة لان الجريمة في العراق باتت تقع داخل العمران كما تقع خارجه على سواء.

اما على مستوى الفقه الجنائي الاسلامي ,فنجد ان الاخير لم يستخدم لفظ(التسليب) للدلالة على الجريمة وانما استخدم لفظ الحرابة بدلا عنه, ومنهم من يطلق عليها –السرقة الكبرى- كما تسمى جريمة قطع الطريق. ([4])

نعتقد ان التسمية الراجحة هي الحرابة , لأنها التسمية التي نص عليها القران الكريم في قوله تعالى ( انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله)).

الفرع الثاني

شروط جريمة التسليب

لنتمكن من تمييز جريمة التسليب عن كل ما يمكن ان يختلط بها من الجرائم لابد لنا من الوقوف على الشروط التي يلزم توافرها في السلوكيات المكونة لركنها المادي وكما يلي:-

اولاً-الاهلية:

اذ لإخلاف بين الفقه الجنائي حول مسألة اشتراط بلوغ الجاني التكليف وهي في الشريعة الاسلامية على الرأي الراجح تمام الخامسة عشر من العمر, غير ان ذلك لا يكفي ,بل لابد ان يكون عاقلا خاليا من العاهات العقلية التي تؤثر على درجة تمييزه , فاذا توفر في الجاني هذا الشرط عدت ارادته معتبرة شرعا وصالحة لان ترتب على صاحبها الاحكام الشرعية واثارها.([5])

اما على مستوى التشريع فنجد الفقرة الاولى من المادة(47) من قانون رعاية الاحداث العراقي رقم 76لسنة1983 جاء فيها:( لا تقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد اتم التاسعة من عمره). ([6])

نعتقد ان اساس تقرير هذا الحكم يرجع الى ان المشرع الجنائي قد وضع في حسابه مسألة ضعف ملكة الادراك لدى الاطفال وعدم قدرتهم على التمييز السليم ووزن الامور قبل الاقدام على ارتكابها.

ثانيا-المجاهرة:

ينبغي لتحقق جريمة التسليب ان يجاهر بها الجاني اي ان يمارس الجريمة بصورة علنية , وهذا ان دل على شيء , انما يدل على ترسخ الشر في نفسية من يأتيها وعلى الخطورة الاجرامية الكبيرة التي يحملها هذا الشخص في جنباته وعدم اكتراثه بكل ما ينظم المجتمع من شرائع وقوانين ويرجع السبب في ذلك على ما يبدو الى عدم اتزان سلوكه الامر الذي يعزز الخطورة ويدعمها حمل السلاح وتهديده لضحاياه او استخدامه بالفعل من اجل الوصول الى هدفه وتحقيقيه. ([7])

ثالثا-عدم وجود معين:

عادة ما ترتكب جريمة التسليب في الاماكن النائية البعيدة عن المناطق الاهلة بالسكان , لسهولة ارهاب الضحايا في تلك الاماكن وماترتب عليه من سرعة استسلامهم وتنفيذ ما يطلب منهم بسبب تأخر النجدة مالم يتسلل الى روع الضحايا باستحالة حصول المساعدة ,لذا يفضلون الاستسلام لإنقاذ ما يمكن انقاذه من المصالح, واذا كان الاصل كذلك , الا انه لا يمكن الاخذ به على اطلاقه حيث ان في المجتمعات التي تعاني الانفلات الامني فان من تسول له نفسه تسليب الناس والاعتداء على حرماتهم اصبح يرتكب جريمته في الاسواق ومفترقات الطرق الرئيسية والبيوت , وسبب ذلك يعود الى انه امن على نفسه من ان يرده او يقف في مواجهته أحد ([8])

اما على صعيد الفقه الاسلامي فلم يتفق اراء الفقه الجنائي الاسلامي على هذا الشرط ,اذ ذهب المالكية والشافعية الى القول بعدم اشتراط البعد عن العمران وانما يشترط الغوث ولهذا اسباب منها ضعف اهل العمران او ضعف السلطان لان ارتكاب الجريمة داخل الامصار والقرى كان اعظم خوفا واكثر ضررا لذا كان الاولى بان تعد جريمة حرابة, اما الحنفية والحنابلة فقد اشترطوا البعد عن البنيان والا فلا يعدون محاربين ,لأن من يتواجد داخل العمران يلحقه الغوث وان تعرض للعدوان , وبالنتيجة تذهب رهبة المحاربين وتنكسر شوكتهم. ([9])

المطلب الثاني

احكام جريمة التسليب

يتطلب البحث في الاحكام العامة لجريمة التسليب التطرق الى الاركان التي ترتكز عليها الجريمة اول ثم نبين العقوبة التي يتعرض لها الجاني في القانون الوضعي والفقه الاسلامي , ولكل ذلك اقتضت دراسة هذا الموضوع تقسيم البحث الى مطلبين, الاول اركان الجريمة والثاني عقوبة جريمة التسليب

الفرع الاول

اركان جريمة التسليب

لقد اختلف الفقهاء في تحديد الاركان العامة للجريمة وذهبوا فيها مذاهب شتى , ونحن نتفق مع من ذهب الى ان للجريمة ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي , لذلك اقتضت دراسة اركان جريمة التسليب تقسيم المطلب الى الفرعيين الآتيين :الاول الركن المادي لجريمة التسليب والثاني الركن المعنوي لجريمة التسليب

أولا-الركن المادي لجريمة التسليب

يقوم الركن المادي في جريمة التسليب على عنصرين اساسيين الاول هو فعل سلوك ذو طبيعة ايجابية , والثاني المحل الذي ينصب عليه النشأ الاجرامي وتتحقق فيه النتيجة الاجرامية التي ارادها الجاني ,فضلا عن الرابطة السببية التي تربط النتيجة الجرمية التي تتمثل بسلب الحق الذي يحميه القانون بالاعتماد على السلوك الذي يأتيه الجاني في ظل الشروط التي حددها الفقه بتوافر الجريمة , وسنتناول دراسة هذه العناصر في النقاط الاتية:

أ-سلوك ذو طبيعة ايجابية:

نصت المادة(542) من قانون العقوبات العراقي رقم11لسنة1969النافذ المعدل على(1.يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين او بالحبس من حمل اخر بطريق التهديد على تسليم نقود او اشياء اخرى غير ما ذكر في المادة 451من هذا القانون 2.وتكون مدة العقوبة لا تزيد على عشر سنة اذا ارتكبت بالقوة او الاكراه) فالواضح من النص ان السلوك الاجرامي يشكل العنصر الاول للركن المادي في جريمة التسليب ويأخذ صورتان ,الأول ذات طبيعة ادبية تتمثل بتهديد الضحية بالحق ضرر بإحدى مصالحها دون تنفيذ التهديد وهو بهذا الوصف شر محتمل الوقوع بها ,والثانية ذات طبيعة مادية ,وهي استخدام القوة المادية بالفعل على جسم الضحية , بحيث تصبح الضحية اداة طيعة لتنفيذ ارادة الجاني مصدر القوة المكره ,الى درجة نسبة السلوك الذي صدر تحت الاكراه للجاني وليس لضحية المسلوبة الارادة. ([10])

ب-محل الجريمة:

رغم ان غالبية الفقه الجنائي اعتبروا محل الجريمة يتمثل باغتصاب الاموال ,والسبب في ذلك يعود الى معالجتها من المشرع العراقي في قانون العقوبات رقم 11لسنة 1969 النافذ المعدل ضمن الباب الخاص بجرائم الاموال , غير ان ذلك الامر غير دقيق اذا نظرنا اليه بصورة مطلقة فضلا عن عدم انسجامه مع نصوص التجريم الجنائية فأنها وان كانت تمس الحق في التمتع بالملكية الا انها لا تقتصر عليه , كما ان المشرع العراقي لم يوصد الباب وتركه مفتوحا ليدخل في نطاق الحماية التي يشملها النص كل مصلحة اخرى ممكن ان تخضع للاغتصاب بدلالة الالفاظ التي ختم بها النص , حيث وان كان الاصل في القانون الجنائي الاخذ بالتفسير الضيق في مجال التجريم والعقاب ,بهدف عدم تقييد الحريات العامة او يشمل النص بأحكام لا يريدها المشرع الا ان هذا العذر لا يمكن العمل به في جريمة التسليم , اذ ان مضمون النص يشير صراحة الى ادخال كل نشاط تتوافر فيه مقومات الجريمة ([11])

ج-النتيجة الجرمية:

يظهر في تحديد معنى النتيجة الجرمية بصفة عامة مدلولين, الاول مدلول مادي يتمثل بالتغيير الذي يحدث في العالم الخارجي ,والثاني هو مدلول قانوني يتمثل بالعدوان الذي يلحق المصلحة المحمية, اي انه الاثر الذي يعاد به المشرع ويرتب عليه اثارا قانونية.([12])

والنتيجة الجرمية في جريمة التسليب تتمثل بسلب حيازة الاموال او تهديد الامن الشخصي للضحية او الاعتداء على حرمة عرضها في ظل توافر الشروط التي يشترط توافرها متلازمة مع الاركان حتى يتحقق وجود الجريمة وفي مقدمتها استخدام القوة او مجرد التهديد بها مع عدم استطاعة الضحية طلب الغوث.([13])

د-العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة:

هي الصلة بين السلوك الاجرامي والضرر الذي لحق بمصلحة جديرة بالحماية والتي تشكل الرابطة السببية التي تجمع بين عناصر الركن المادي وتوحد كيانه ولتلك الرابطة دور كبير في تحديد مسؤولية الجاني وقد اكد هذا المعنى نص الفقرة 1من المادة 29 من قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969 النافذ المعدل.([14])

نستنتج مما تقدم: ينبغي لاكتمال الركن المادي الذي تقوم عليه جريمة التسليب ان يكون تسليم الاموال او الخضوع لإرادة الجاني فيما يبتغيه سببه التهديد الذي صدر من الجاني او القوة المادية التي استخدمها على الضحية واللذان يشترط فيهما ان يكونا سابقان على التسليم اللاإرادي او على الاقل معاصران له ,والا فلايعتد بهما ولاوجود للجريمة.

ثانيا-الركن المعنوي لجريمة التسليب :

يمثل الركن المعنوي الجانب النفسي للسلوك فالجريمة ليست ظاهرة مادية خالصة, قوامها السلوك الذي وقع واثاره ولكنها فوق ذلك تعد كيانا نفسيا, الامر الذي دفع الفقه الجنائي الوضعي الحديث عن ذلك المبدأ الذي يقضي بان ماديات الجريمة لا تنشئ مسؤولية جنائية ولا تستوجب عقابا , مالم تتوافر الى جانبها العناصر النفسية التي يتطلبها كيان الجريمة , وتجتمع هذه العناصر بركن يدعى (الركن المعنوي) وهو بهذا الوصف العلاقة التي تربط ماديات الجريمة وشخصية الجاني لتكون محل اللوم القانوني , وتتمثل فيها سيطرة الجاني على السلوك واثاره وجوهرها الارادة , ويعطي المشرع الجنائي لهذا الركن اهمية كبيرة جدا لأنه ركن المسؤولية الجزائية اولا ,ودليلا واضحا على الخطورة الاجرامية للجاني.([15]) `تجدر الاشارة ان لتلك العلاقة النفسية حسب قوتها صورتان الاولى تاخذ صورة القصد الجنائي في الجرائم العمدية والثانية صورة الخطأ غير العمدي في الجرائم غير العمدية , وتعد جريمة التسليب من الجرائم العمدية , التي يتوافر فيها علم الجاني وهو يأتي ماديات الجريمة ,بان ما يطلبه من الصحية لاحق له فيه, بل هو عدوان على مصلحة محاطة بحماية المشرع وع ذلك اتجهت ارادته الى اكراه الضحية على التسليم لإرادته .([16])

الفرع الثاني

عقوبة جريمة التسليب

نصت المادة(542) من قانون العقوبات العراقي رقم11لسنة1969النافذ المعدل على(1.يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين او بالحبس من حمل اخر بطريق التهديد على تسليم نقود او اشياء اخرى غير ما ذكر في المادة 451من هذا القانون 2.وتكون مدة العقوبة لا تزيد على عشر سنة اذا ارتكبت بالقوة او الاكراه)

يتضح من الاحكام الواردة في هذا النص ان المشرع العراقي قد تبنى سياسة جنائية متوسطة الشدة من حيث العقوبة الجنائية , وان وضع الجريمة في مصاف الجنايات من حيث التجريم , حيث عاقب على التسليب بالسجن المؤقت , غير ان شدة العقوبة السالبة للحرية لم تكن على درجة واحدة , وانما ميز بين فئتين من الجناة , والمعيار الذي عول عليه في معاملته العقابية هو الوسيلة المستخدمة في ارتكاب الجريمة , فان سلمت الضحية للجاني وانقادت لرغباته بمجرد التهديد بالقوة دون استخدامها , فان العقوبة تكون السجن الذي تتراوح مدته بين الخمس سنوات والسبع سنوات , في حين تكون العقوبة اشد اذا استخدم الجاني القوة او الاكراه المادي بالحبس الذي لا تزيد عن عشر سنوات , اذ انه قد خفف العقوبة في الحالة الاولى نوعا ما قياسا الى الحالة الثانية , وعلى ما يبدو ان السبب في ذلك يكمن في ان الضحية التي تسلم تحت وطأة التهديد لاتزال تملك قدرا من الحرية في الاستجابة لأراده الجاني من عدمها وان كانت تلك الارادة مسلوبة الى حد كبير , في حين ان الضحية التي تتعرض للإكراه المادي تسلب ارادتها تماما، ([17])اما بالنسبة الى موقف المشرع المصري فقد تهاون كثيرا في سياسته بمعالجة جريمة التسليب حيث نصت المادة(326) من قانون العقوبات المصري النافذ المعدل ( كل من حصل بالتهديد على اعطائه مبلغا من النقود او اي شيء اخر يعاقب بالحبس , ويعاقب بالشروع في ذلك بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين)

يتبين من قراءة النص ان المشرع المصري تساهل في معالجة جريمة التسليب الى حد وضع الجريمة رغم خطورتها في مصاف الجنح حيث لا تزيد عقوبتها في جميع الاحوال عن الثلاث سنوات. ([18])

تجدر الاشارة الى تشابه موقف المشرع العراقي مع موقف المشرع المصري بخصوص التساهل في معالجة احكام جريمة التسليب , لذا كان الاولى بهما بناء معاملتهم الجنائية على معالجة جنائية فعالة قادرة على الحد من هذه الجريمة التي باتت تشكل مهنة لكثير من الناس الذين انحدروا في طريق الاجرام. ([19])

اما بالنسبة الى عقوبة جريمة التسليب في الفقه الجنائي الاسلامي فيرجع اصله الى القران الكريم في قوله تعالى (( وانما جزاء الذي يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخر عذاب عظيم*الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم)). ([20])

يتضح من الاطلاع على النص الشرعي ان الجناة في جريمة الحرابة وفقا للجزاء الذي قد ينال منهم اربعة اصناف , اشدهم خطرا ذلك الذي يقتل النفس ويسلب المال ,فهؤلاء يجب قتلهم , ثم صلبهم على مرتفع كخشبة , زيادة في التنكيل بهم والتشهير بحالهم وفي المرتبة الثانية الذين يقتلون فأولئك جزائهم القتل دون الصلب , ولا اثر هنا لعفو الضحية ولاذويه في اسقاط الحد عن الجاني, اما في المرتبة الثالثة من حيث الخطورة الاجرامية فنجد انه يحتلها من يرعب الضحايا لأجل سلب المال فتكون عقوبته قطع اليد اليمنى من مفصل الكف وقطع الرجل اليسرى من مفصل القدم , فان عاد الجاني تقطع ما تبقى من اطرافه , اما في المرتبة الرابعة من حيث الخطورة الاجرامية فيحتلها المحاري الذي يخيف الناس دون اعتداء على النفس او المال والعرض , فأولئك عقوبتهم النفي او الحبس ,و الامر راجع الى السلطة التقديرية لولي الامر. ([21])

الخاتمة

بعد الانتهاء من دراسة موضوع الاحكام القانونية لجريمة التسليب نورد اهم النتائج التي توصلنا لها, مع اهم المقترحات في هذا المجال وعلى النحو الاتي:-

اولا: النتائج

  1. بينت الدراسة ان جريمة التسليب تقوم على فكرة اساسية مفادها الخروج لأخافة عابر الطريق وترويعه من اجل القتل او اخذ المال او انتهاك العرض علنا ومجاهرة
  2. كشفت الدراسة عن مدى التقارب بين جريمة التسليب وغيرها من الجرائم التي تعتمد على استخدام القوة او التهديد لاسيما السرقة بالإكراه او السطو المسلح
  3. تبين من خلال الدراسة ان هناك شروطا خاصة في جريمة التسليب لا تتوفر في بقية الجرائم ابرزها شرط المجاهرة والبعد عن الغوث ,ما يمنحها صفة الاستقلالية عن بقية الجرائم
  4. بينت الدراسة مدى اهتمام الفقه الجنائي الاسلامي بهذه الجريمة وشدة ادراكه للخطورة التي تجلبها هذه الجريمة للمجتمع ,لذلك جعلها من جرائم الحدود لا يلحقها التغيير ولاتنفع معها الشفاعة
  5. بينت الدراسة قصور المشرع الوضعي عن ادراك خطورة هذه الجريمة, ويظهر ذلك بصورة جلية من خلال عم تبنيه سياسة جنائية فعالة وقادرة على الحد من معدلات حدوثها .

ثانيا: المقترحات :

لكل ما تقدم نقترح ماياتي :

  1. نقترح على المشرع العراقي تعديل المادة (452) من قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969النافذ المعدل لتصبح بالصيغة الاتية (يعد مرتكبا جريمة التسليب : من يرهب العامة او يقطع الطرق بقصد ارتكاب جريمة على الجسم او العرض او المال) شريطة ان يقع الفعل :أ. خارج العمران في البر او البحر او الجو او داخل العمران مع تعذر الغوث .ب. باستخدام السلاح او اي اداة صالحة للإيذاء او التهديد بذلك .2. من يرتكب جريمة التسليب يعاقب. بالإعدام او بالإعدام ثم الصلب اذا ترتب على فعله القتل او الاغتصاب .ب. بقطع اليد والرجل اليسرى اذا ترتب على فعله الاذى الجسيم او سلب مال يبلغ نصاب السرقة الحدية.ج, بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات نفيا في غير الحالات الواردة في أ،ب)
  2. نقترح على المشرع العراقي اعادة النظر في النصوص التي عالجت جريمة التسليب وتبني النهج الذي جاءت به احكام الشريعة الاسلامية الغراء بهذا الشأن لان احكامها كانت اكثر تحقيقا للعدالة, واشد ردعا واقل تكلفة من العقوبات السالبة للحرية.

قائمة المراجع:

عبود علوان, جريمة السرقة ,اطروحة دكتوراه, مقدمة الى كلية القانون, جامعة الموصل,2005.

محمود محمود مصطفى , شرح قانون العقوبات/القسم الخاص,ط7,مطبعة جامعة القاهرة,مصر,1975.

محمد شلال العاني, التشريع الجنائي الاسلامي,ط2,مؤسسة مروة للطباعة,الاردن,1996.

محمود نجيب حسني, الفقه الجنائي الاسلامي(الجريمة),ط1,دار النهضة العربية,القاهرة,2007,ص499.قانون رعاية الاحداث العراقي رقم (76) لسنة 1983 النافذ, المادة (47/1) .

محمد شلال حبيب ,اصول علم الاجرام ,ط2,دار ابن الاثير للطباعة والنشر ,جامعة الموصل ,2011.

ماجد ابو رخية, الوجيز في احكام الحدود والقصاص والعزير,ط1,دار النفائس,الاردن,2010.

سعود بن عبد العالي البارودي , الموسوعة الجنائية الاسلامية ,ط2,المجلد1,دارالتدمرية,الرياض,2009.

ماهر عبد شويش الدرة، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، دار ابن الاثير، جامعة الموصل، 1997.

عبد الفتاح خضر, النظام الجنائي ,دار الرياض للنشر,ج1,الرياض,2007.

مصطفى فهمي الجوهري ,القسم الخاص من القانون الجنائي، جرائم الاعتداء على الاشخاص والاموال، دار الثقافة الجامعية للنشر، ١٩٩٠.

واثبة السعدي، قانون العقوبات القسم الخاص، بدون دار نشر,بغداد,1988.

سمير عالية ,شرح قانون العقوبات القسم العام ,المسؤولية والجزاء,1,مؤسسة مجد الجامعية للنشر,بيروت,1993.

رمسيس بهنام الجريمة والمجرم والجزاء, منشأة المعارف,الاسكندرية,1972.

عباس فاضل سعيد العبادي, الاكراه في القانون الجنائي العراقي, اطروحة دكتوراه, كلية القانون ,جامعة الموصل,2005.

جمال ابراهيم الحيدري, شرح احكام القسم الخاص في قانون العقوبات, بدون دار نشر,بيروت,2015.

احمد مكي تركي حمد, جريمة السرقة في قانون العقوبات العراقي, بحث مقدم الى كلية القانون والعلوم السياسية ,جامعة ديالى ,2017.

المادة (167 (من قانون العقوبات السوداني الصادر سنة 1991

الهوامش:

  1. () انظر المادة (167 (من قانون العقوبات السوداني الصادر سنة 1991
  2. () عبود علوان, جريمة السرقة ,اطروحة دكتوراه, مقدمة الى كلية القانون, جامعة الموصل,2005,ص15.
  3. () د. محمود محمود مصطفى , شرح قانون العقوبات/القسم الخاص,ط7,مطبعة جامعة القاهرة,مصر,1975,ص525.
  4. () د. محمد شلال العاني, التشريع الجنائي الاسلامي,ط2,مؤسسة مروة للطباعة,الاردن,1996,ص216.
  5. () د. محمود نجيب حسني, الفقه الجنائي الاسلامي(الجريمة),ط1,دار النهضة العربية,القاهرة,2007,ص499.
  6. () انظر قانون رعاية الاحداث العراقي رقم (76) لسنة 1983 النافذ, المادة (47/1) .
  7. () د. محمد شلال حبيب ,اصول علم الاجرام ,ط2,دار ابن الاثير للطباعة والنشر ,جامعة الموصل ,2011,ص93.
  8. () د. ماجد ابو رخية, الوجيز في احكام الحدود والقصاص والعزير,ط1,دار النفائس,الاردن,2010,ص162.
  9. () سعود بن عبد العالي البارودي , الموسوعة الجنائية الاسلامية ,ط2,المجلد1,دارالتدمرية,الرياض,2009,ص345.
  10. () د. ماهر عبد شويش الدرة، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، دار ابن الاثير، جامعة الموصل، 1997، ص311.
  11. () د. عبد الفتاح خضر, النظام الجنائي ,دار الرياض للنشر,ج1,الرياض,2007ص86.
  12. () د. محمود نجيب حسني , مصدر سابق,ص377.
  13. () د. ماهر عبد شويش ,مصدر سابق,309.
  14. ()مصطفى فهمي الجوهري ,القسم الخاص من القانون الجنائي، جرائم الاعتداء على الاشخاص والاموال، دار الثقافة الجامعية للنشر، ١٩٩٠، ص255، وانظر ايضا د. واثبة السعدي، قانون العقوبات القسم الخاص، بدون دار نشر,بغداد,1988,ص154
  15. () د. سمير عالية ,شرح قانون العقوبات القسم العام ,المسؤولية والجزاء,1,مؤسسة مجد الجامعية للنشر,بيروت,1993,ص938.
  16. () د. رمسيس بهنام الجريمة والمجرم والجزاء, منشأة المعارف,الاسكندرية,1972,ص231.
  17. () د. عباس فاضل سعيد العبادي, الاكراه في القانون الجنائي العراقي, اطروحة دكتوراه, كلية القانون ,جامعة الموصل,2005,ص168.
  18. () د. جمال ابراهيم الحيدري, شرح احكام القسم الخاص في قانون العقوبات, بدون دار نشر,بيروت,2015,ص380.
  19. () احمد مكي تركي حمد, جريمة السرقة في قانون العقوبات العراقي, بحث مقدم الى كلية القانون والعلوم السياسية ,جامعة ديالى ,2017,ص18.
  20. () د. ماهر عبد شويش ,مصدر سابق,ص376.
  21. () د. واثبة السعدي، مصدر سابق، ص154