المسؤولية القانونية عن جريمة الاختلاس في القانون العراقي

م.م. أيناس جمعة راضي1 أ.د. أحمد كيلان عبد الله2

1 الجامعة الإسلامية في لبنان. بريد الكتروني: enas.g@pgiafs.uobaghdad.edu.iq

2 أستاذ القانون الجنائ، الجامعة الإسلامية في لبنان. بريد الكتروني: Ahmed.gailan77@gmail.com

HNSJ, 2024, 5(8); https://doi.org/10.53796/hnsj58/23

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/08/2024م تاريخ القبول: 22/07/2024م

المستخلص

إنَّ البحث في المسؤولية القانونية للموظف العام بفرعيها الجنائي والانضباطي عن جريمة الاختلاس يتمتع بقدر كبير من الأهمية نظراً لكونها من الجرائم المخلة بالشرف و بسبب ضررها بالمصلحتين العامة والخاصة وتأثيرها على المعاملات مع الدولة التي يجب أن تتسم بالثقة ، ولتحديد المسؤولية الجنائية والتأديبية على الفاعل لابد من توافر أركان هذه الجريمة فضلاً عن توفر صفة الموظف العام ومن في حكمه ، إذ تعتبر كل من المسؤولية التأديبية و المسؤولية الجزائية وسيلتان قانونيتان تتخذ ضد الموظف الذي قام بفعل مجرم بموجب القانون أو التنظيمات، وعلى الرغم من أن الأصل فيهما أنهما منفصلتان نظرا لطبيعة كل واحدة، بيّد أن ذلك لا ينفي وجود علاقة بينهما فمتى ارتكب الموظف فعل يعاقب عليه القانون و يخل في نفس الوقت بقواعد الوظيفة العامة، كما يتوجب على الإدارة قبل ان تقوم بفرض العقوبة الانضباطية إزاء الموظف المختلس ان تحيله على التحقيق استنادا إلى القانون ولقد انتهت الدراسة إلى جملة من الاستنتاجات منها اشتراط المشرّع في تحقق المسؤولية القانونية في جريمة الاختلاس ركناً جوهرياً وهو صفة الموظف أو المكلف بخدمة عامة في مرتكب جريمة الاختلاس، والتشدد في فرض العقوبة واوصت الدراسة ضرورة تدخل المشرّع العراقي بالتعديل على المادة 317 من قانون العقوبات والتي نصت على جعل العقوبة الحبس بدلاً من السجن في حال تفاهة المال المسروق وذلك عندما تقل قيمته عن خمسة دنانير، ذلك لأن قلة قيمة المال المسروق لا ينفي وجود الجريمة طالما اكتمل ركنيها المادي والمعنوي إلا أنه يصلح ظرفاً لتخفيف العقوبة على الفاعل.

الكلمات المفتاحية: اختلاس، المال العام ، جريمة، مسؤولية قانونية، عقوبة.

Research title

Legal responsibility for the crime of embezzlement in Iraqi law

HNSJ, 2024, 5(8); https://doi.org/10.53796/hnsj58/23

Published at 01/08/2024 Accepted at 22/07/2024

Abstract

The study of the legal responsibility of the public employee, in its criminal and disciplinary branches, for the crime of embezzlement is of great importance, given that it is a crime that violates honor and because of its harm to the public and private interests and its impact on transactions with the state, which must be characterized by trust. To determine the criminal and disciplinary responsibility of the perpetrator, the elements of this crime must be present, in addition to the availability of the status of the public employee and those in his position, as both disciplinary responsibility and criminal responsibility are considered two legal means taken against the employee who committed a criminal act under the law or regulations. Although the origin of them is that they are separate due to the nature of each one, this does not negate the existence of a relationship between them. When the employee commits an act punishable by law and at the same time violates the rules of public service, the administration must refer him to investigation based on the law before imposing the disciplinary penalty on the embezzling employee. The study concluded with a number of conclusions, including the legislator’s requirement for the realization of legal responsibility in the crime of embezzlement, an essential element, which is the status of the employee or the person charged with a public service in the perpetrator. The crime of embezzlement, and the severity of the penalty. The study recommended the necessity of the Iraqi legislator’s intervention by amending Article 317 of the Penal Code, which stipulated that the penalty be imprisonment instead of imprisonment in the event of the triviality of the stolen money, when its value is less than five dinars, because the small value of the stolen money does not negate the existence of the crime as long as its material and moral components are complete, but it is a suitable circumstance to mitigate the penalty for the perpetrator.

Key Words: embezzlement, public money, crime, legal responsibility, punishment.

المقدمة :

أولاً: التعريف بالموضوع

إنّ الجرائم المتعلقة بالاعتداء على المال العام أفردت لها التشريعات في مختلف الدول، الاهتمام البالغ، وذلك لخطورتها من ناحية، ولمدى انتشارها الواسع من ناحية أخرى، ومن أخطر هذه الجرائم هي جريمة الاختلاس الواقعة على المال العام، وهذه الخطورة دفعت القوانين إلى تجريم هذا الفعل المتعلق بالاختلاس، وذلك لأن الدولة تريد حماية أموالها العامة، فيكون غاية وهدف المختلس الاستيلاء على المال العام، وأيضاً تحقيق الإثراء على حساب أموال الدولة، وإنّ هذه الجريمة يفترض الفاعل فيها هو الموظف العام، وركنها المادي يكون واقعاً على مال يحوزه الموظف، وذلك بحكم وظيفته، فيعهد المال تحت رعايته، لكنه يقوم إما باختلاس هذا المال العام، أو يقوم بإتلاف هذا المال، وتخصُّ التشريعات الحديثة جريمة الاختلاس بأهمية واضحة في نطاق الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة، وتلاحظ هذه الأهمية بشكلٍ خاص في مجال العقوبة حيث نلاحظ أن المشرّع يميل فيها إلی التشديد بشكل عام لأن دور الدولة في حماية الأموال والمصالح العامة المعهودة إلی العاملين في المؤسسات ذات النفع العام وتوظيف هذه الأموال والمصالح بما يخدم المجتمع هو السمة المميزة لها أيّاً كان اتجاهها السياسي أو الاقتصادي

ثانياً: أهمية البحث

تظهر أهمية دراسة المسؤولية القانونية في جريمة اختلاس الأموال العامة، في أن الجرم ذاته جدير بالبحث والدراسة، لأن الأموال العامة عامل أساسي للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة، وذلك بالوقوف على الصور المُستحدثة لجريمة الاختلاس التي تقع على المال العام، مع بيان بنيانها القانوني(أركانها) وكذلك الجزاءات المقررة لها، بالإضافة إلی آليات مكافحتها وقمعها. ذلك لأن دور الدولة يتجلى في حماية الأموال والمصالح العامة المعهودة للموظفين العموميين ومن في حكمهم، الذين يتسلمون المال العام بحكم وظائفهم أو بسببها، مما يسهل عليهم اختلاسه.

ثالثاً: أهداف البحث :

  1. دراسة البنيان القانوني لجريمة اختلاس الأموال وتحديد العقاب.
  2. تحديد مسؤولية الموظف الجنائية و الانضباطية عن جريمة الاختلاس
  3. تحديد العقاب التشريعي المحدد لجريمة اختلاس الأموال وماهي الظروف والأعذار الخاصة بهذه الجريمة.

خامساً: إشكالية الموضوع

من المعلوم أن الدولة وأشخاصها المعنوية المختلفة، وفي إدارتها للمرافق العامة والمؤسسات العامة تحتاج إلی أموال متنوعة، منها الثابت ومنها المنقول، فالأموال العامة تخصص للنفع العام أي لاستعمال الجمهور أو لخدمة مرفق، فهي بذلك تستهدف غرض يخالف تلك التي تحكم الأموال الخاصة، هذه الأموال قد تتعرض للاختلاس من قبل الموظفين المؤتمنين عليها، ومن بين الصعوبات التي تواجهها الدولة في مجال تحديد الآليات الكفيلة في مواجهة الجرائم الواقعة على المال العام، هي صعوبة ربط المصلحة الفردية بالمصلحة العامة، ومن جهة أخرى محاولة حماية الاقتصاد الوطني الذي يعد صمام الأمان، بالإضافة إلی أن المال العام هو المحرك الأساسي للمصلحة العامة، والمساس به يعني الإضرار بالنظام العام للدولة، وأمام خصوصية هذه الجريمة تثور إشكالية هذه الدراسة التي بالتساؤل التالي: ماهي السياسة التي يتبعها المشرّع الجزائي في تجريم وعقاب اختلاس الأموال العامة؟

سادساً: منهاج الدراسة

بغيـة تحقيـق أكبـر قـدر مـن الفائدة، اتبعـت الدراسـة المنهج الاستقرائي والذي يعتمد على استقرار الجزئيات المتعلقة بالدراسة بغية الوصول إلی أفضل النتائج ومعالجتها بطريقة سليمة والمتعلقة بموضوع اختلاس الأموال العامة، واتبعت الدراسة المنهج التحليلي، من خلال الاعتماد على تحليل النصوص القانونية النافذة والأحكام القضائية ذات العلاقة بموضوع البحث.

سابعاً: دراسات سابقة

أ-نهلة عاشور منسي، جريمة الاختلاس الوظيفي في ضوء قانون النزاهة العراقي (دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون) مجلة الجامعة العراقية، مركز البحوث والدراسات الاسلامية، عدد 52، مجلد 3، 2021

تناول هذه الدراسة التعريف بجريمة الاختلاس الوظيفي في ضوء قانون النزاهة العراقي، دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون. وقسمت الدراسة إلی ثلاثة مباحث، عرض المبحث الأوّل التعريفات بمفردات البحث، عرف المطلب الأوّل الجريمة شرعاً، الموظف، النزاهة. وتناول المطلب الثاني تعريف المال وأهميته عند الفقهاء المسلمين، المال لغةً واصطلاحاً وعند المالكية والشافعية والحنابلة. وأهتم المطلب الثالث بالجرائم التي تقع على الأموال العامة، السرقة لغةً واصطلاحًا، جريمة الحرابة لغةً وشرعاً، وحدة الحرابة. وأكد المبحث الثاني على جريمة الاختلاس، وتعريفها، وأركانها، المتطلبات المعنوية، بين المطلب الأوّل تعريف الاختلاس لغةً وشرعاً، والمطلب الثاني حوى أركان جريمة الاختلاس بصورة مبسطة، والمطلب الثالث المتطلبات المعنوية. وكشف المبحث الثالث عن حكم جريمة الاختلاس في الشريعة الإسلامية وقانون العقوبات العراقي وقانون النزاهة العراقي، وفيه ثلاثة مطالب، أشار المطلب الأوّل حكم جريمة الاختلاس في الشريعة الإسلامية، والثاني عقوبة جريمة الاختلاس في قانون العقوبات العراقي، والمطلب الثالث عقوبة جريمة الاختلاس وفق قانون هيئة النزاهة العراقي. واختتمت الورقة بالنتائج جرائم الأموال كثيرة ومتعددة فبعضها عقوبة ضمن الحدود والأخرى تعزيز. وعرضت التوصيات، ضرورة امتثال جميع الموظفين في الدولة باختلاف درجاتهم للسلوك الحسن.

ب- عدي طلفاح محمد، موائمة تجريم الاختلاس في القطاع الخاص مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، كجلد6، عدد 22، 2017

تناولت هذه الدراسة جريمة الاختلاس في صورتها التقليدية من الجرائم التي يجب أن يتوفر فيها ركن خاص، إذ يشترط المشرّع فيمن يرتكبها أن يكون ذو صفة معينة تتمثل بكونه موظف أو مكلف بخدمة عامة، ومراعات للتطور الحاصل في المجتمع وانسجاماً مع ما سارت عليه الدول في تشريعاتها فقد جرّم المشرّع العراقي الاختلاس في القطاع الخاص، وذلك من خلال المصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد لعام 2004 في عام 2007. ولخصوصية ودقّة هذه الجريمة التي تتقاطع بشكل كبير مع جرائم أخری سيما جريمتي السرقة وخيانة الأمانة، الأمر الذي تطلب منا دراستها بشيءٍ من الدقّة لتمييزها عن غيرها من الجرائم سابقة الذكر، مبتغين من ذلك بيان مدى فاعليتها في مكافحة الفساد المالي المستشري في المجتمع، لذلك تناول الباحث في دراسته بيان أركانها الأساسية ومن ثم بيان ذاتيتها بتمييزها عن غيرها من الجرائم التي تقترب منها ومن ثم بيان دورها في الحدّ من الفساد المالي.

ثامناً: خطة البحث

ان طبيعة موضوع البحث تقتضي تقسيمه إلى مطالب وفروع ،يتضمن المطلب الأول المسؤولية الجزائية لجريمة الاختلاس وهو يتفرع إلى أربعة فروع أوْلها يتضمن صفة الفاعل في جريمة الاختلاس أما الفرع الثاني فيتناول الركن المادي للجريمة بينما يتضمن الفرع الثالث الركن المعنوي ،والركن الرابع تم التطرق فيه إلى العقوبات المقررة على جرم الاختلاس، اما المطلب الثاني فيشتمل على بيان المسؤولية الانضباطية لجريمة الاختلاس، وقد تم تقسيمه إلى ثلاثة فروع، يتضمن الفرع الأول الركن الشرعي للجريمة التأديبية، بينما يتضمن الفرع الثاني الركن المادي، أما الفرع الثالث فقد تم تخصيصه لبيان الركن المعنوي للجريمة التأديبية

المطلب الأول

المسؤولية الجزائية لجريمة الاختلاس

حتى تتحقق المسؤولية الجزائية وتتحقق جريمة الاختلاس وفق ما نص عليه المشرّع العراقي، فإنه لابد من توافر أركان هذه الجريمة، والتي تتمثل بما يلي:

الفرع الأول

صفة الفاعل

إن الطبيعة التي تميز جريمة اختلاس الأموال العامة عن غيرها من الجرائم، إنما تتوجب في الفاعل أن يكون موظفاً بإحدى صور الوظيفة التي نص عليها قانون العقوبات في الفصل الثاني من الباب السادس وذلك في المواد من 315 – 321، وعلاوة على ذلك أن يكون هذا الموظف مختصاً في أحد شؤون الوظيفة، وهذا الاختصاص يشمل ما يلي:

اولاً- أن يكون الجاني مختصاً بحيازة تكون لحساب الدولة

ومعنى ذلك أن يكون الموظف وانطلاقاً من صفته الرسمية التي يتمتع بها قد تمكن من الحيازة على المال الذي يعود أصلاً للدولة، وقد يكون هذا الموظف ( الجاني ) مختصاً بتلك الحيازة بشكل أو بآخر فقد يكون هذا الاختصاص مصدره الأنظمة والقوانين أو التعليمات أو بموجب السلطة الآمرة من رئيسه المختص، إلا أن قانون العقوبات العراقي لم يشترط أن يكون هذا المال قد تمّ تسليمه إلی الموظف، بمعنى آخر أنه يكفي أن تكون طبيعة عمل الموظف تفترض أو تستوجب أن يوجد هذا المال أو الشيء ما بين يديه وبالتالي اختصاصه بهذه الحيازة ([1]).

ثانياً-أن يكون للعمل الذي يقوم به الفاعل الشأن في أن يرتكب جريمة الاختلاس

أي أن هذا الموظف وبغض النظر عن شغله لوظيفته، فإنّ استغلاله لهذا المنصب أو الاختصاص هو الذي سهل له أن يستولي على المال العائد للدولة أو الأفراد بعير حق، ومن الأمثلة على ذلك، قيام الموظف المختص بتوزيعه البريد والذي يمكنه اختصاصه من أن يدخل إلی المكاتب العائدة للموظفين في الدوائر الحكومية، ففي حال أقدم على اختلاس شيء ما من هذه المكاتب التي يقوم بالتردد إليها فإنه فعله يعتبر بأنه جناية اختلاس على الأموال العامة، أما في حال كان دخول هذا الموظف إلی هذه المكاتب ليس له بوظيفته ( موزع بريد ) وأخذ شيئاً، فإنّ فعله في هذه الحالة يعتبر سرقة، وينطبق الأمر على الموظف الحكومي والذي يقوم بسرقة الكهرباء التي تعود ملكيتها للدولة ولكن في منزله، فإنه في هذه الحالة يعتبر سارقاً وليس مختلساً .

ثالثاً-أن يكون معهوداً للجاني في جريمة الاختلاس المحافظة على مصلحة الجهة التي يعمل بها

فقد حدد المشرّع الأعمال التي يكون الجاني مختصاً بأنّ يقوم بها، وأن يكون هذا التكليف قد صدر من الجهة التي يعمل فيها ويتبع إليها، وأن يكون عمله محدداً، وبالتالي فإنه ذلك لا ينطبق على الأعمال التي تدخل في الاختصاص العام للمتهم، وإنما يجب أن يصدر تكليف قانوني خاص به على وجه التحديد، كما أنه لابد أن يكون هذا التكليف مستوفياً لما يتطلبه من شروط موضوعية وشروط شكلية في هذا الخصوص، وأن يصدر كذلك من الرئيس الإداري المختص بذلك، وتجدر الإشارة إلی أن هذا التكليف وفي بعض الأحوال قد يكون مصدره القانون بشكل مباشر، أو قد يكون من الجهة التي تلقت التفويض بذلك .([2])

رابعاً- أن يكون الجاني صاحب اختصاص في إدارة المقاولات أو الأشغال أو التعهدات

ويقصد بذلك أن يكون للجاني الشأن في أن يقوم بإعداد أو إحالة أو تنفيذ الأشغال أو المقاولات أو أن يكون له شأن في أن يقوم بالإشراف عليها، ولا يشترط أن يكون الجاني مختصاً بذلك على وجه الانفراد

بل إنه من الممكن أن يقوم أشخاص آخرون بالإسهام معه في ذلك، ويستنتج من ذلك بأنّ الجاني إذا لم يكن صاحب اختصاص في ذلك، كأن يقحم نفسه في الأمور التي لا تدخل في اختصاصه، أو أن يتجاوز الاختصاصات الممنوحة له، ففي هذه الحالة لا يمكن أن تقوم جريمة الاختلاس، وتطبيقاً لذلك فقد صدر حكم في فرنسا بعدم قيام جرم الاختلاس من قبل الموظف الذي يعمل محصلاً في البلدية والذي رسا عليه عطاء الأشغال في أحد الطرق العامة من الطرق التي تعود للبلدية على أساس، وقد جاء رفض توصيف الجرم على أنه اختلاس انطلاقاً من أن المتهم لم يكن له شأن في أعمال الإدارة أو الإشراف، لا بالنسبة للأمور التي تتعلق بتنظيم العطاءات ولا رسوها، ولا كذلك بالنسبة للأشغال المراد أن يتم إنجازها في الطريق . ([3])

خامساً-أن يكون الجاني صاحب اختصاص في أن يستخدم العمال

إضافة لما سبق فقد اشترط المشرّع وحتى تثبت على المتهم جريمة الاختلاس، أن يكون من له شأن في أن يستخدم العمال ضمن الأعمال التي يكون لها صلة بالوظيفة التي يشغلها، ويشترط هنا أن يكون اختصاص الموظف في استخدامه للعمال اختصاصاً أصلياً لا عارضاً، ففي بعض الأحوال قد يكلف الموظف بصورة عرضية، أو أن يصدر له أمر من رئيسه الإداري المختص، ويضاف إلی ذلك أن القانون اشترط على الجاني أن يكون مكلفاً باستلام الأجور الخاصة بالعمال وأيضاً توزيعها عليهم([4]) وأن تكون هذه الأجور المراد توزيعها محسوبة على الحكومة وأن يتم تقريرها لصالح المنفعة العامة التي يقررها القانون . ([5])

الفرع الثاني

الركن المادي

حدد المشرّع العراقي في قانون العقوبات عن الفعل الذي يعتبر مكوناً لجرم الاختلاس، وجاء ذلك في نص المادة 315 حين نص على لفظي الاختلاس أو الإخفاء، إلا أنه اكتفى في الفقرة الثانية من نفس المادة المذكورة بأنّ يذكر كلمة اختلاس فقط والتي تعتبر أكثر تعبيراً عن المعنى المراد لتلك الجريمة، إلا أن المشرّع العراقي لم يشترط في جرم الاختلاس أن يكون فعل الاختلاس قد وقع على المال الذي تمّ تسليمه إلی الموظف بسبب وظيفته، ويستنتج ذلك من قوله ( أو غير ذلك مما وجد في حيازته ) وبالتالي فإنّ الاختلاس يتحقق بمجرد أن يقع من قبل الموظف على الشيء الذي يقع بين يديه، ويختلف في هذه النقطة المشرّع العراقي عن المشرّع المصري، والذي توجب في قانون العقوبات المصري المادة 112 منه بأنه وحتى يتحقق وقوع جرم الاختلاس بأنّ يكون المال قد سلم إلی الموظف بسبب وظيفته ويتحقق جرم الاختلاس وفق القانون العراقي عندما تتوافر لدى الجاني النية بأنّ يضيف الأموال أو الأشياء إلی ملكيته الخاصة، أي أنه يقوم بتغيير حيازته على هذه الأشياء من حيازة ناقصة إلی حيازة كاملة ([6])، أو إذا اعتبره مملوكاً له، وتصرف بما يدل على ذلك كأن يقوم بعرضه للبيع مثلاً، أو أن يقوم بإهدائه للغير أو يقوم بإيداعه أحد البنوك أو أن يقوم برهنه، أو انه من الممكن أن يتجاوز ذلك ويبدد هذا الشيء كان يقوم بصرف النقود التي قام باختلاسها على سبيل المثال، أو أن يقوم بالتبرع بها لأحد الجمعيات الخيرية، وتجب الإشارة إلی أن عدم قيام الموظف المختلس بالتصرف بالمال المختلس لا يمنع من تحقق الجرم وثبوته، وإن مجرد تأخر الموظف في أن يقوم برد المبلغ الذي وجد تحت حيازته أو في حال وجود نقص في الحسابات المسؤول عنها يعتبر دليلاً على تحقق الركن المادي لجرم الاختلاس، إلا أنه لا يثبت وجود القصد الجرمي أو الجنائي لديه.

الفرع الثالث

الركن المعنوي

إن جريمة اختلاس الأموال التي نصت عليها المادة 3165 من قانون العقوبات العراقي، تعتبر جريمة تتطلب توافر القصد الجرمي لدى الفاعل، أي أنها جريمة عمدية، ويتوفر القصد الجنائي لدى الجاني في جريمة الاختلاس على النحو التالي:

أولاً-القصد العام

ويتمثل القصد العام بضرورة أن يعرف الفاعل بأنّ المال الذي بحوزته، له عليه حيازة ناقصة وليست مطلقة، بمعنى آخر أن يدرك ويعلم بأنه لا يملك الحقّ في أن يتصرف به، وأن هذا المال إنما هو للدولة أو الأفراد، وقد وجد في حيازته لكونه موظفاً، إلا أنه تجب الإشارة إلی أنه إذا كان الموظف المتهم يجهل بأنّ حيازته ناقصة على هذه الأموال أو الأشياء، أو أنه علم بحيازته الكاملة ولكن كان يعتقد بأنّ وجود هذا المال بين يديه لا يرتبط بوظيفته وليس لها علاقة به فإنّ جرم الاختلاس هنا لا يتحقق، ومثالها أن يعتقد الموظف بأنّ هذا المال قد سلمه المالك له على سبيل الوديعة، فإنّ القصد هنا لا يتحقق، ومن الصور التي لا يتحقق فيها القصد الجرمي أيضاً، أن يقوم الموظف بصرف الأموال التي وقعت بين يديه في الأوجه العامة لم يسمح القانون بصرفها نتيجة جهله بالأمور الحسابية([7]).

ثانياً-القصد الخاص

ويتحقق القصد ك لدى الجاني في جريمة اختلاس الأموال أو الأشياء بمجرد حدوث التحول في نيته بأنّ يضيف المال الذي يحوزه إلی ملكه، وعلاوة على ذلك أن تنصرف كامل نيته إلی أن يعامل هذا المال معاملة المالك فيباشر عليه كلّ السلطات المسموحة للمالك قانوناً، بالتالي فإنّ الارتباط بين الاختلاس والقصد الجنائي هو ارتباط وثيق، حيث أنه إذا كان القصد الجنائي مرتبط بحالة الجاني النفسية، فإنّ تقدير ذلك يعود لسلطة محكمة الموضوع، والتي تقوم بالمهمة الموكلة إليها بأنّ تحاول استخلاص وجود القصد من عدم وجوده من حيثيات القضية المعروضة أمامها، وحيثياتها، بالتالي واستناداً لما سبق فإذا ثبت للمحكمة عدم توافر القصد الجنائي السابق الذكر فإنه في هذه الحالة تقرر المحكمة براءة المتهم من الجرم المنسوب إليه، بينما في حال توافر هذا القصد فلا عبرة بعد ذلك لدوافع أو لبواعث الجاني والتي دفعته لارتكاب هذا الجرم ([8])، أي أنه لا فرق في هذه الدوافع أن تكون دوافع طيبة أو حسنة أو أن تكون دوافع سيئة أو شريرة، والعلة في عدم تأثير الدوافع على عقوبة الاختلاس هو ان هذه البواعث ليست من عناصر القصد الجرمي، ولا يهم بعد أن يقع الجرم أن يكون الجاني قد نوى إعادة المال المختلس لأصحابه، أو أن يقوم بتعويض الدولة عما أصابها من ضرر جراء فعله، بمعنى آخر ليس هناك أي تلازم بين ثبوت الجريمة وعقوبتها وبين را الجاني لما قام باختلاسه من أموال أو أشياء، كما أن المشرّع العراقي عمد على تشديد الحماية الموضوعة قانونياً على المال العام ووضع نفس الحماية على الوظيفة العامة خوفاً من انتشار الجريمة في أوساط الوظيفة العامة، الأمر الذي سيؤدي لامحالة إلی تدهور الأوضع في المؤسسات الحكومية وكافة المرافق العامة، وبالنتيجة تدهور المجتمع أيضاً من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وتنعدم الثقة بمؤسسات الدولة والوظيفة العامة، إلا أنه وفي هذا الخصوص فإنّ للفقه رأياً آخر، حيث يرى جانب من الفقهاء بأنّ الجاني وفي حال بادر وبسرعة إلی إعادة المال الذي قام باختلاسه، فإنه بالإمكان أن يتم التوقف عن تحريك الدعوى العامة بحقه، وذلك إما بعدم التبليغ عنها أو عن طريق إعادة البحث والدراسة في توفر القصد الجرمي عند الجاني، ويرى أصحاب هذا الرأي أيضاً بأنه وفي حال تأخر رده ( الجاني ) للمال أو الأشياء أو كانت الواقعة تتمثل بوجود عجز في الحسابات التي يباشرها الجاني، فإنه من الواجب أن لا يعتبر ذلك دليلاً على توافر القصد الجرمي لديه لأنه في هذه الحالة قد يعتبر ذلك من الأخطاء الغير مقصودة التي قد تحدث سهواً بعدم توفر النية المسبقة لدى المتهم بالقيام بذلك وبالتالي فإنّ ذلك يجب ان يعتبر قرينة على عدم توافر القصد الجرمي لديه، لأنه من غير الممكن أن يقوم المتهم بجرم الاختلاس وخاصة أنه يعرف نتائج ذلك مسبقاُ ومن ثم يقوم بإعادة المبلغ لكي يقوم بتسديد العجز الذي حصل كذلك يرى أصحاب هذا الرأي بوجوب عدم اعتبار القصد الجرمي متوفراً في الأحوال التي يستحيل فيها رد الشيء أو المال المختلس وذلك نتيجة الامور التي قد تكون خارجة عن سيطرته وإرادته، كحصول حريق مثلاً أو كارثة طبيعية ([9]) .

رأي الباحث:

يرى الباحث وانطلاقاً من موقفه المتوازن بين النص القانوني والموقف الفقهي، بأنه وفيما يتعلق بالقصد الجرمي للجاني في جرم الاختلاس، فإنه لم يعد مهماً وبمجرد أن يقع الاختلاس أن ننظر في دوافع المتهم، والعلة في ذلك أن المحكمة مكلفة بالبحث عن نية المتهم في القيام بالفعل لاستخلاص وجود القصد الجرمي من عدمه، ويكفيها في هذا جهداً، بمعنى آخر فإنه ليس من مهام محكمة الموضوع أن تبحث في دوافع المتهم لكي تشدد أو تخفف العقوبة عنه، أو أن تبرئه أصلاً، كما يرى الباحث بأنه من الممكن أن يكون لرد الحاني لما قام باختلاسه من أموال أو أشياء الأثر الايجابي في تخفيف العقوبة دون أن يكون ملغياً لثبوت الجرم واعتباره قد وقع، على أن يكون هذا الرد مشروطاً بمدة زمنية معينة كأن تكون شهراً من تاريخ ثبوته لارتكاب الجرم، أو أن تكون خلال مرحلة معينة وليست مدة، كأن يكون الرد قبل صدور الحكم في الدعوى المرفوعة .

الفرع الرابع

العقوبات المقررة على جريمة الاختلاس

تعتبر جريمة الاختلاس شانها شأن الجرائم الأخرى التي نص عليها قانون العقوبات العراقي فإنه تترتب عليها عقوبات بموجب النصوص القانونية بشقيها، العقوبات الأصلية والعقوبات التبعية، وأيضاً قد توجد ظروف مشددة فيها، وفي المقابل أيضاً قد توجد ظروف مخففة:

نص المشرّع العراقي في قانون العقوبات الصادر في العام 1969 على عقوبة جرم الاختلاس، وهي السجن في حال كان المختلس موظفاً أو كان مكلفاً بخدة عامة وتتراوح مدة السجن من 5 – 15 سنة وقد قام المشرّع العراقي برفع العقوبة لتصبح السجن المؤبد أو المؤقت في حال كان الجاني من مأموري التحصيل أو المندوبين له أو من هم مؤتمنين على الودائع ([10])، وعلاوةً عن تلك العقوبة فإنه يتوجب على الفاعل أن يقوم برد الأموال التي تمّ اختلاسها أو استبدالها أو قيمتها في حال قام ببيعها، كما نص القانون على حجز الأموال في حال تمّ نقل ملكيتها إلی شخص آخر، وذلك وفق ما جاء في المادة 183 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، كما يتوجب عليه أن يقوم برد قيمة ما تحصل عليه من منفعة أو ربح، كما استثنى القانون المحكوم عليه في جرم الاختلاس من الأحكام التي تتعلق بالإفراج المشروط، كما أنه لا تطبق بحقه القوانين التي تتعلق بالعفو العام ولا القرارات التي تستهدف تخفيف العقوبة / وأيضاً لا يتم إطلاق سراحه بعد ان يقضي عقوبته ما لم يتم إعادة ما تم اختلاسه وذلك وفق نص المادة 321 من قانون العقوبات العراقي، وتطبق أيضاً بحق المجرم المختلس عقوبة الحرمان من الوظائف والخدمات العامة التي كان يتولاها، وذلك وفق المادة 96 من قانون العقوبات العراقي، كما أنه قد يحرم من تولي الوظائف والخدمات العامة الأخرى كعقوبة تكميلية، كما جاء في المادة 100 من قانون العقوبات العراقي .

المطلب الثاني

المسؤولية الانضباطية لجريمة الاختلاس

لا شك بأنّ جريمة الاختلاس وعلاوة على المسؤولية الجزائية الثابتة فيها فإنه يثبت فيها المسؤولية التأديبية أو الانضباطية، وتعرف المسؤولية الانضباطية على أنها الإخلال بالواجبات الوظيفية التي نص عليها القانون مما يعرض مرتكبها للمسائلة التأديبية أو الانضباطية ([11])، حيث تتحقق في جريمة الاختلاس أركان الجريمة الانضباطية، والتي هي :

الفرع الأول

الركن الشرعي

حيث أن الاتجاه السائد في العقوبات التأديبية أو الانضباطية لا يقوم على إعمال المبدأ القانوني بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، ويعود أمر تحديد الأفعال التي تعتبر من الجرائم التأديبية من خلال تمتع سلطات التأديب بسلطات شبه تشريعية في أن تكيف وتحدد ما يعتبر من الجرائم الانضباطية وما لا يعتبر كذلك، على أن يتم الرقابة على ذلك من قبل القضاء منعاً للانحراف والتعسف في استعمال هذا الحقّ الممنوح لها ([12])، أما فيما يتعلق بالعقوبة المفروضة على الجرم الانضباطي فإنه لا يشترط وجود الارتباط بين الخطأ الانضباطي وما هو مفروض عليه من جزاء، فالقانون التأديبي عموماً يقوم بتحديد قائمة العقوبات التأديبية التي يمكن فرضها على المخطئ من الموظفين، على أن يترك أمر اختيار العقوبة المناسبة من اختصاص السلطة التأديبية صاحبة الاختصاص في ذلك، إلا أنه تجب الإشارة إلی أن السلطة الممنوحة للإدارة في إيقاع العقوبة التي تراها مناسبة، تعتبر في حكم الملغية في الأحوال التي ينص عليها القانون أو المشرّع على فرض عقوبة بخصوص جريمة تأديبية معينة، كما أن الإدارة وفي هذا السياق لا تستطيع أيضاً أن تقوم باستبدال عقوبة مكان عقوبة أخرى وبغض النظر عن الدافع الموجود لديها في هذا التصرف، وبغض النظر إن كانت العقوبة المستبدلة أخف أو أشد من سابقتها، وحتى لو رضي الموظف بذلك، والسبب في ذلك أن منصب الموظف مستمد من القانون يعتبر باطلاً كلّ اتفاق على عكس ذلك ([13])، وانطلاقاً من مبدأ الشرعية في إيقاع العقوبة التأديبية استناداً لوجود نص قانوني، فإنه يتوجب على السلطة الإدارية أن تكون ملتزمة بقراراتها التي تصدرها بمبدأ الشكلية والموضوعية للجزاء، وفيما يتعلق بجريمة الاختلاس فإنّ الركن الشرعي يعتبر متوفراً بنص المادة 315 من قانون العقوبات والتي نصت على أن ” يعاقب بالسجن كلّ موظف أو مكلف بخدمة عامة اختلس أو اخفى مالاً أو متاعاً أو ورقة مثبتة لحق أو غير ذلك مما وجد في حيازته .

الفرع الثاني

الركن المادي

ويتمثل الركن المادي في الجريمة الانضباطية أو التأديبية القيام بالفعل أو الامتناع عن القيام بفعل يستوجبه القانون على الموظف ولم يقم به، أو لم يمتنع عنه مما يعتبر إخلالاً بالواجبات الوظيفية التي فرضتها النصوص القانونية عليه، وفي اجتهاد للقضاء المصري في هذا السياق، فقد نصت العديد من الأحكام التي صدرت عن المحكمة الإدارية العليا بأنّ الجريمة الانضباطية تختلف عن الجريمة الجنائية، ويتمثل هذا الاختلاف في أن الجريمة الانضباطية أو التأديبية إنما هي مخالفة الموظف للواجبات الوظيفية المفروضة عليه، والتي تتعلق بكرامة الوظيفة واعتباراتها، بينما الجريمة الجنائية تعتبر من الأفعال التي يرتكبها الجاني وتمثل خروجاً عن المجتمع وارتكاباً لما نهى عن ارتكابه قانون العقوبات في مواده، وبالتالي يتضح من خلال هذين التعريفين ضرورة الفصل والتفريق بين الجريمتين مع التأكيد على وجود الترابط بينهما ([14])، ومن المؤكد أنه ومن خلال الاستقراء لتعريف الاختلاس نجد أن قوامه الفعل المادي المتمثل بوضع اليد أو الأخذ للأموال أو الأشياء بغية نقل ملكيتها

الفرع الثالث

الركن المعنوي

ويتمثل في الجريمة التأديبية بوجود الإدارة والنية السلبية للموظف في أن يقترف الفعل الممنوع أو امتناعه عن القيام بالفعل الذي أوجب القانون تطبيقه، ويتمثل الركن المعنوي في جريمة الاختلاس بوجود النية المبيتة لأن يقوم بالفعل المشكل للاختلاس واذي لا يمكن أن يقوم عن الطريق الخطأ، ولكن وحتى تتحقق المسؤولية الانضباطية الكاملة بحق الموظف، فإنه لابد أن يجتمع كلّ من الركنين المادي والمعنوي معاً، وفي حال تخلف أحدهما فإنّ الفعل لا يشكل جريمة.

4. ركن الصفة ( صفة الموظف العام ): ويمكن تسميته أيضاً بالركن الشخصي، وهو الركن الذي لا يمكن للجريمة الانضباطية أن تقوم في حال عدم تواجده، وهو ركن ضروري في الجريمة الانضباطية على وجه الخصوص، بالتالي فإنه لا بد أن يكون الفاعل في هذه الجريمة موظفاً عامّاً، وقد وردت عدة تعاريف للموظف العام، وقد تطرقنا إلی بعضها في بحثنا هذا، لذا فإنه من الممكن أن نستخلص الشروط الواجب توافرها في الشخص ليكون موظفاً عامّاً، وبالتالي ينطبق عليه عقاب الجريمة التأديبية وهذه الشروط هي :

  1. أن يكون هذا الموظف قد تمّ تعيينه من الجهة المختصة في ذلك.
  2. أن تكون العلاقة الوظيفية التي تربط هذا الشخص مع السلطة أو المؤسسة دائمة.
  3. أن يكون العمل الذي تمّ تكليفه به لصالح أحد المرافق العامة التي يتم إدارتها من قبل الدولة أو من قبل أحد الأشخاص المعنوية العامة. ([15])

الخاتمة

إنَّ البحث في المسؤولية القانونية عن جريمة الاختلاس اوصلنا في نهايته إلى جملة من النتائج والتوصيات والتي تتمتع بقدر كبير من الأهمية حيث يمكن اجملها بما يأتي :

أولا –الاستنتاجات

١- لقد اشترط المشرّع في تحقق المسؤولية القانونية في جريمة الاختلاس ركناً جوهرياً وهو صفة الموظف أو المكلف بخدمة عامة في مرتكب جريمة الاختلاس، وقد تتحول إلی جريمة أخرى في حال عدم توافر هذا الركن وذلك يعتبر نوع من التشدد في الرقابة على أعمال الموظف العام لكونه جزء لا يتجزأ من النظام العام في الدولة واستقراره، بالإضافة إلی سهولة اقترافه لهذه الجريمة كونه مؤتمن على الأموال العامة وموضوعة في حيازته أصلاً وهذا بحد ذاته من شأنه التشدد في التعامل معه.

2-لقد تشدد المشرّع العراقي في عقوبة جريمة الاختلاس حيث جعلها جنائية الوصف وأكثر من الظروف المشددة وفي المقابل لم ينص على أي عذر معفي من العقاب وعذر واحد فقط مخفف في حال تفاهة المال المختلس وهو نص كما قلنا غير مقبول عملياً نظراً لأنَّ مبلغ الخمس دنانير غير منطقي من الناحية العملية.

٣-تعتبر جريمة الاختلاس جريمة خاصة فهي تعتمد على صفة الفاعل ولا تنطبق إلا على موظف أو شخص تمّ تكليفه بخدمة عامة .

٤-إن الشيء الذي هو محل لجريمة الاختلاس يجب أن يكون قد سلم إلی الجاني بحكم وظيفته

٥-تبين لنا من خلال هذه الدراسة ان صفة الفاعل في جريمة الاختلاس وهو موظف او مكلف بخدمة عامة تجعله ازاء مسؤولية جنائية فضلاً عن المسؤولية التأديبية إذ ان كلا المسؤوليتان هما وسيلتان قانونيتان تتخذ ضد الموظف الذي قام بفعل مجرم بموجب القانون أو التنظيمات، و الأصل فيهما أنهما منفصلتان نظرا لطبيعة كل واحدة، بيّد أن ذلك لا ينفي وجود علاقة بينهما فمتى ارتكب الموظف فعل يعاقب عليه القانون و يخل في نفس الوقت بقواعد الوظيفة العامة وبالتالي يكون من الممكن فرض العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ استنادا لمسؤوليته الجزائية، وكذلك فرض العقوبات الانضباطية المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم ١٤ لسنة ١٩٩١ ، تكون فيها مسؤولية الفاعل استنادا لصفته الوظيفية مدى أهمية جريمة الاختلاس وخطورتها على المجتمع العراقي، ولهذا نجد المشرّع العراقي وعلى غرار التشريعات الجزائية الأخرى قد قام بإعطائها الاهتمام والرعاية الفائقين ولهذا تكاد تكون معظم تلك التشريعات متشابهة في طريقه معالجة تلك الجريمة، مع وجود اختلاف بسيط في مقدار العقوبة .

ثانياً-التوصيات:

١-ضرورة تدخل المشرّع العراقي بالتعديل على المادة 317 من قانون العقوبات والتي نصت على جعل العقوبة الحبس بدلاً من السجن في حال تفاهة المال المسروق وذلك عندما تقل قيمته عن خمسة دنانير، ذلك لأن قلة قيمة المال المسروق لا ينفي وجود الجريمة طالما اكتمل ركنيها المادي والمعنوي إلا أنه يصلح ظرفاً لتخفيف العقوبة على الفاعل، وأن يكون النص المقترح لتعديل هذه المادة هو:(أن يتم تخفيف العقوبة بناء على مبلغ يتناسب مع سعر صرف العملة الوطنية، لأنه وبهذا الشكل يخلو التشريع العراقي من أيّ عذرٍ مخفف لعقوبة جريمة الاختلاس من الناحية العملية).

٢-ضرورة العمل على أن يتم تطوير أجهزة الرقابة في الدوائر الحكومية وأهمها ديوان الرقابة المالية الاتحادي، كونه الجهاز الأعلى في البلاد والمخول بأنّ يقوم بالرقابة على الأموال العامة، وكذلك لابد من تطوير عمل هيئة النزاهة العراقية كونها الجهة المختصة في جميع قضايا الفساد المالي والإداري.

٣-رفع مستوى معاشات الموظفين في العراق بما يؤمن لهم الحدّ الأدنى من المعيشة لإبعادهم عما يعتمر في نفوسهم من شبهة سرقة الأموال العامة والتعدي عليها.

٤-العمل على تدعيم قانون العقوبات العراقي ببعض النصوص التي توضح مفهوم الاختلاس والمال العام على غرار النصوص التي توضح مفهوم الموظف العام.

قائمة المراجع:

عمر السعيد رمضان، قانون العقوبات، القسم الخاص، جرائم الاعتداء على النفس والجرائم المضرة بالمصلحة العامة، دار النهضة العربية، 1164.

عبد الرحمن الجوراني، جريمة اختلاس الأموال العامة في التشريع والقضاء العراقي، مطبعة الجاحظ، بغداد 1110.

علي حسين الخلف، جريمتي السرقة وخيانة الامانة، دراسة قانونية مقارنة، 1117 مطبعة الزهراء، بغداد.

علي غالب الداودي، شرح قانون العقوبات العراقي، القسم العام، دار الطباعة الحديثة، البصرة، 2001.

مأمون محمد سلامة، قانون العقوبات، القسم الخاص، الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، دار الفكر العربي، 1111.

عبد الرحمن الجوراني، جريمة اختلاس الأموال العامة في التشريع والقضاة العراقي، مطبعة الجاحظ، بغداد 1110.

علي حسين الخلف، جريمتي السرقة وخيانة الامانة، دراسة قانونية مقارنة، مطبعة الزهراء، 1118 بغداد.

أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الجرائم المضرة بالمصلحة العامة 2002، دار المناهج للطباعة، بغداد.

حمود، زهوة عبدالوهاب، التأديب في الوظيفة العامة، مطبعة الزهراء، بغداد 2000.

إبراهيم، وحيد محمود، حجية الحكم الجنائي على الدعوى التأديبية، مطبعة الزهراء، بغداد، 2007.

عبدالمنعم، سليمان، النظرية العامـة لقـانون العقوبات، دراسـة مقارنـة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2003.

المحكمة الإدارية العليا المصرية، جلسة 2/5/1165، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العلي

أشرف قنديل، حرية القاضي الجنائي في تكين عقيدته، دار النهضة العربية، 2001.

الهوامش:

  1. () عمر السعيد رمضان، قانون العقوبات، القسم الخاص، جرائم الاعتداء على النفس والجرائم المضرة بالمصلحة العامة، دار النهضة العربية، 1164، ص282.
  2. () عبد الرحمن الجوراني، جريمة اختلاس الأموال العامة في التشريع والقضاء العراقي، مطبعة الجاحظ، بغداد 1110، ص 100 .
  3. () د . علي حسين الخلف، جريمتي السرقة وخيانة الامانة، دراسة قانونية مقارنة، 1117 مطبعة الزهراء، بغداد، ص18
  4. () د. علي غالب الداودي، شرح قانون العقوبات العراقي، القسم العام، دار الطباعة الحديثة، البصرة، 2001 ص56.
  5. () عمر السعيد رمضان، المرجع السابق، ص 282.
  6. () د. مأمون محمد سلامة، قانون العقوبات، القسم الخاص، الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، دار الفكر العربي، 1111، ص 67.
  7. () عبد الرحمن الجوراني، جريمة اختلاس الأموال العامة في التشريع والقضاة العراقي، مطبعة الجاحظ، بغداد 1110، ص74.
  8. () د، علي حسين الخلف، جريمتي السرقة وخيانة الامانة، دراسة قانونية مقارنة، مطبعة الزهراء، 1118 بغداد، ص21.
  9. () مأمون محمد سلامة، مرجع سابق، ص 315.
  10. () د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الجرائمالمضرة بالمصلحة العامة

    2002، دار المناهج للطباعة، بغداد، ص 57 .

  11. () د. حمود، زهوة عبدالوهاب، التأديب في الوظيفة العامة، مطبعة الزهراء، بغداد 2000، ص 31 .
  12. () د.إبراهيم، وحيد محمود، حجية الحكم الجنائي على الدعوى التأديبية، مطبعة الزهراء، بغداد، 2007 ص81.
  13. () عبدالمنعم، سليمان، النظرية العامـة لقـانون العقوبات، دراسـة مقارنـة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2003، ص180.
  14. () المحكمة الإدارية العليا المصرية، جلسة 2/5/1165، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا، ص 1433.
  15. () أشرف قنديل، حرية القاضي الجنائي في تكين عقيدته، دار النهضة العربية، 2001.