مدة الالتزام بصيانة العين المأجورة

أحمد عبد السادة حسن1

1 كلية الحقوق، الجامعة الإسلامية في لبنان.

إشراف الأستاذ الدكتور/ محمد رياض دغمان

HNSJ, 2024, 5(8); https://doi.org/10.53796/hnsj58/29

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/08/2024م تاريخ القبول: 15/07/2024م

المستخلص

يعدّ حقّ المؤجر والمستأجر في تحديد مدّة الإيجار أحد أهم الحقوق التي خوّلها القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951‏ المعدل لطرفي عقد الإيجار، فتحديد هذه المدة (مدة عقد الإيجار) تتمّ بإرادة المؤجر والمستأجر،‏ فما تراضى عليه المتعاقدان هو القانون الساري، وشريعتهما هي الغالبة؛ إذ لا يستطيع المستأجر الانتفاع بالمأجور من دون أنْ تمر مدّة من الزمن يتمكن فيها من الانتفاع بالمأجور.

وعقد الإيجار كسائر العقود الأخرى تترتّب عليه التزاماتٍ -إذا ما صيغ صياغةً صحيحة- على عاتق طرفي العقد، سواءٌ أكان المؤجر أم المستأجر، وحقوق متقابلة لكليهما ضمن مدة عقد الإيجار، ويلزم طرفا عقد الإيجار بتنفيذ تلك الالتزامات بحسن نية، وضمان كل من المؤجر والمستأجر سلامة الطرف الآخر من الضرر الذي قد يلحق به في أثناء تنفيذ العقد.

وفي إطار القانون المدنيّ العراقيّ، يمكن أنْ يكون هنالك نوع من التوازن بين القيمة الإيجارية التي يحصل عليها المؤجر مع مقدار ما ينفقه على أعمال الصيانة، إلّا أنَّ بقاء المستأجر بالمأجور والتزام كلّ من المؤجر والمستأجر بالصيانة في إطار قوانين الإيجار الاستثنائيّة، كقانون إيجار العقار المعدل، يعدّ رهن إرادة المشرّع، بمجرد تنفيذ المستأجر لالتزامه بدفع الأجرة؛ حيث جعل المشرّع الالتزام ملقى على عاتق كلّ من المؤجر والمستأجر منذ لحظة الاتفاق بين الطرفين، واتحاد الإيجاب بالقبول، فيتحول عندئذٍ من التزامٍ عقدي إلى التزامٍ قانوني، وهذا يعني أنَّ نص القانون هو مصدر لاستمرار حياة العقد بعد انتهاء مدته، وهذا ما أدّى إلى اختلال التوازن بين التزامات المؤجر والمستأجر، ولا يجوز الاتفاق على ما يخالف أحكام قانون إيجار العقار رقم (87) لسنة ‎1979 المعدل.

المقدمة

لما كان عقد الإيجار يعدّ من عقود المدة، فإنَّ المستأجر لا يستطيع أنْ ينتفع بالعين المأجورة إذا لم تنقضِ مدة من الزمن، يصبح بمقتضاها مستوجباً لاستيفاء تلك المنفعة.

لذلك، يلتزم كلٌّ من المؤجر والمستأجر بإعمال جُلّ الالتزامات المفروضة عليهما، والتي يُتفق على إبرامها في عقد الإيجار، ومن أهم تلك الالتزامات: الالتزام بصيانة المأجور، والحفاظ عليه من التلف أو الدمار. وما تجدر الإشارة إليه أنَّ هذه الالتزامات تعدّ من الالتزامات التي يستمر تنفيذها طوال مدة عقد الإيجار، سواءٌ الأصليّة منها أم الممتدة. وبما أنَّ عقد الإيجار يعدّ من العقود الرضائيّة، وتعدّ المدّة أحد عناصر المحل فيه، فالتزام طرفا هذا العقد بصيانة المؤجر والحفاظ عليه بموجب القانون المدنيّ العراقيّ، غالباً ما يحقّق توازناً بين الالتزام بصيانة العين المأجورة والالتزام بدفع الأجرة؛ وذلك لأنَّ العقد يبرم بناءً على رضا طرفيه بما جاء في فحواه، فلطرفي العقد الحرية في إبرام عقد الإيجار، وتحديد قيمة الأجرة، ومدة العقد، والالتزامات الملقاة على عاتق كلٍّ منهما، وذلك تطبيقاً لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين.

وفي سياقٍ متصل، تجدر الإشارة إلى أنَّ القانون المدني العراقي لم يتطرّق إلى فكرة عدم التوازن بين ما يلقى على عاتق المؤجر وما هو مفروض على المستأجر، باستثناء بعض الحالات. لكن مع مرور الزمن تبدّلت الأحوال التي كانت سائدة في ظل وضع قواعد هذا القانون، مما دفع المشرع العراقيّ لسن تشريعاتٍ خاصة بعقد الإيجار، كان آخرها: قانون إيجار العقار رقم (87) لسنة ‎1979 المعدل، ومن ثم أُصدر عقبه عدداً من قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل)، ويليها أمر سلطة الائتلاف (المنحلة)، وبعد ذلك شُرّعت قرارات مجلس الحكم (المنحل)، وتتمثّل الغاية التي تقف وراء تشريع هذه القوانين والقرارات كلها بتحقيق التوازن بين الالتزامات الملقاة على عاتق كلّ من المؤجر والمستأجر، لكنها باءت بالفشل في كثيرٍ من الأحيان.

وبقيت أحكام هذه التشريعات حيّز النفاذ حتى اليوم، وما زالت القيمة الإيجارية تُحدّد بنسبةٍ معيّنة، ولا يمكن الاتفاق على زيادتها، وفي المقابل ازدادت أسعار مواد البناء بالتزامن مع ارتفاع تكاليف المعيشة بوجهٍ عام.

ومن ذلك، نجد أنَّ إشكاليّة البحث تتجلّى في كون أغلبيّة المؤجرين هم من كبار السن، الذين يقتاتون على ما يدرّه عليهم آجار العقار، وهذا ما يجعلهم غير قادرين على ترميم العين المأجورة وإصلاحها في حال تلفها أو هلاكها؛ وذلك لما يتطلّبه هذا الأمر من نفقاتٍ باهظة؛ عندها يصبح قيام المؤجر بالتزامه يشكّل عبئاً كبيراً عليهم؛ بل أمراً مستحيلاً في أغلب الأحيان،‏ وهذا ما أسفر عن إحجام المؤجّرين عن تنفيذ الترميم أو الإصلاح الذي تقتضيه العين المأجورة، معرّضين تلك العين لخطر الهلاك أو الدمار، وهذا ما يفضي بدوره إلى تبديد الثروة العقاريّة العراقيّة.

وعليه، فإنَّ موضوع الإطار الزمني للالتزام بصيانة المأجور والمحافظة عليه لضمان بقائه بحالةٍ جيدة تمكّن المستأجر من الانتفاع به، يعدّ من الموضوعات المهمة في الوقت المعاصر، ومن أجل ذلك فقد التفتت الأنظار إلى بحث هذا الموضوع في القانون المدنيّ العراقيّ رقم (40) لسنة 1951م‏ المعدل وقانون إيجار العقار رقم (87) لسنة 1979 المعدل، وكذلك في بعض القوانين محل المقارنة كالقانون المدني المصري والقانون المدني الفلسطيني والقانون المدني الفرنسي، إلى جانب التطرّق إلى بعض القوانين الخاصة بعقد الإيجار، كقانون إيجار الأماكن المصري، وقانون المالكين والمستأجرين الأردني؛ وذلك لما لهذا الموضوع من أهميةٍ بالغة في الحياة العمليّة.

ولمعالجة ذلك الموضوع، ارتأينا تقسيم هذا البحث إلى مبحثين، تسبقهما مقدمة؛ حيث سنتناول في المبحث الأول: الإطار النظري للالتزام بصيانة المأجور؛ وذلك في مطلبين؛ حيث سنستعرض في المطلب الأول مفهوم الالتزام بصيانة المأجور، بينما في المطلب الثاني سنبيّن النطاق القانوني للالتزام بصيانة المأجور. أمّا المبحث الثاني فسنبيّن فيه القوانين المحلية التي تحدّد الإطار الزمني للالتزام بصيانة المأجور؛ وذلك في مطلبين أيضاً؛ حيث سنتناول في المطلب الأول الإطار الزمني للالتزام بصيانة المأجور في إطار القانون المدنيّ العراقي، بينما سنبين في المطلب الثاني في الإطار الزمني للالتزام بصيانة المأجور وفق قانون إيجار العقار المعدل.

وفي الختام، سنبيّن في الخاتمة أبرز النتائج التي تمّ التوصل إليها، وبعض المقترحات التي نرجو أنْ يتم أخذها بعين الاعتبار من قبل أُولي الأمر.

المبحث الأول

ماهيّة الالتزام بصيانة المأجور

للبحث في موضوع الإطار الزمني للالتزام بصيانة المأجور، لا بدّ بدايةً من تبيان مفهوم هذا الالتزام والنطاق القانوني له؛ لذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين؛ حيث سنبيّن في المطلب الأول مفهوم الالتزام بصيانة المأجور، في حين سنتطرّق في المطلب الثاني النطاق القانوني لهذا الالتزام؛ وذلك على النحو الآتي:

المطلب الأول

مفهوم الالتزام بصيانة العين المأجورة

يعدّ الالتزام بصيانة العين المأجورة من أبرز الالتزامات الملقاة على عاتق طرفي عقد الإيجار (المؤجر والمستأجر)، وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ هذا الالتزام يعتريه الكثير من اللبس والغموض؛ لذلك سنتطرّق إلى وضع تعريف لهذا الالتزام؛ وذلك في الفرع الآتي:

الفرع الأول

تعريف الالتزام بصيانة العين المأجورة

لم يضع المشرّع العراقيّ تعريفاً للالتزام بصيانة العين المأجورة؛ حيث خلت القوانين والتشريعات العراقيّة من تعريف هذا الالتزام؛ ومع ذلك فقد صاغ بعض شرّاح القانون عدّة تعريفاتٍ للالتزام، فمنهم مَن وضع تعريفاً يتعلّق بالتزام العامل بالحفاظ على أموال رب العمل وصونها، ومنهم مَن وضع تعريفاتٍ تتعلّق بعقد البيع؛ حيث عُرّف الالتزام بالمحافظة على أموال رب العمل بأنّه: “الالتزام الذي يقوم به العامل بصيانة أموال صاحب العمل على أنْ تكون هذه الصيانة وفقاً لمهارته الفنيّة، واستناداً إلى تعليمات صاحب العمل أو وفقاً للأعراف التي تحكم المهنة التي يمارسها العامل وبحسب ظروف العمل”([1]). كما عَرّف الالتزام بصيانة العين المأجورة في عقد البيع بأنّه: “التزام بعمل محله قيام البائع بهذا الإصلاح بما تقتضيه مع استبدال قطع غيار جديدة بالأجزاء المعيبة”([2]).

أمّا بالنسبة إلى الالتزام بصيانة العين المأجورة، فلم نجد له تعريفاً في القانون العراقي؛ غير أنَّ التشريع العراقي ذكر فحوى هذا الالتزام في الفقرة الأولى من المادة (750) من القانون المدني، والتي جاء فيها: “على المؤجر إصلاح وترميم ما حدث من خللٍ في المأجور، أدّى إلى إخلال في المنفعة المقصودة منه”.

وبناءً على ما تقدّم، يمكن تعريف الالتزام بصيانة العين المأجورة بأنّه: “تعهد المدين (المؤجر) مبني على أساس العقد أو نص القانون بالقيام بمجموعة من الأعمال اللازمة لبقاء العين المأجورة واستمرارها لأداء المنفعة المقصودة منها، وبصفةٍ دوريّة أو طارئة، ولمدّة معيّنة في مقابل الأجرة التي يتقاضاها من الدائن (المستأجر) ومقابل المنفعة التي يتلقاها المستأجر من العين المأجورة”.

المطلب الثاني

النطاق القانوني للالتزام بصيانة العين المأجورة

إنَّ التزام طرفا عقد الإيجار (المؤجر والمستأجر) بإصلاح المأجور والحفاظ عليه، يجب أنْ يكون له مرجع قانوني يرتكز عليه، فقد يستند هذا الالتزام إلى مبدأ حسن النيّة، كونه مبدأً أساسيّاً في مجال العقود من حيث تكونيها وتنفيذها، كما قد يستند إلى مبدأ المحافظة على السلامة، والذي مفاده إلزام المدين بالحفاظ على سلامة الدائن، أو الحفاظ على العين محل العقد.

وبناءً على ما تقدّم سنتناول مبدأ حسن النيّة؛ وكذلك مبدأ الالتزام بضمان السلامة؛ وذلك في الفرعين الآتيين:

الفرع الأول

المبادئ القانونيّة التي تحكم الالتزام بصيانة العين المأجورة

أولاً: مبدأ حسن النيّة

يعدّ مبدأ حسن النيّة من المبادئ الأساسيّة التي تحظى باهتمامٍ بارزٍ في التشريعات القانونيّة المختلفة، لا سيّما في التشريعات المدنيّة، ففي حال لم يتم النص عليه صراحةً، فيمكن التوصل إليه من المظاهر التي تدل عليه، كالالتزام بالتقيّد بالقواعد القانونيّة وعدم مخالفتها؛ وبذلك أصبح هذا المبدأ جزءاً لا يتجزأ من الأنظمة القانونيّة المتعدّدة، ومن الصعب إنكار وجوده.

وفي سياقٍ متصل، تجدر الإشارة إلى أنّه عند إبرام أيّ عقدٍ تكون له قوة ملزمة من حيث التنفيذ، فإنّ هذا التنفيذ يجب أنْ يكون بحسن نيّة، ويعدّ ذلك التزاماً تعاقديّاً يمكن أنّ تترتب عليه مسؤوليّةً عقديّةً كجزاءٍ في حال الإخلال به؛ لذا، ينبغي مراعاة هذا المبدأ في كافة مراحل العقد، سواءٌ في مرحلة إبرامه أم في مرحلة تنفيذه؛ وذلك للاطمئنان من عدم وجود سوء نية لدى المتعاقدين([3]).

وبناءً على ما ذُكر، فقد فرض المشرّع العراقي على المتعاقدين إعمال العقد على نحوٍ ينسجم مع ما يتطلبه مبدأ حسن النية، وهذا ما جاءت به المادة ‎(150/1) من القانون المدني العراقي التي نصّت على أنه: “يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقةٍ تتفق مع ما يوجبه حسن النيّة”([4]).

وعليه، فإذا سلمنا بأنَّ أساس الالتزام بصيانة العين المأجورة يستند إلى مبدأ حسن النية، فينبغي على المؤجر أنْ يمكّن المستأجر من الانتفاع بالمأجور، وذلك عبر إصلاح وترميم ما قد تلف أو هلك في العين؛ إذ يشترط المستأجر أنْ يكون انتفاعه بالمأجور كاملاً([5]). ‏وفي المقابل يلتزم المستأجر بإجراء الترميمات البسيطة التي يقتضيها العرف، والمحافظة على المأجور([6]).

إذن، نجد أنَّ مبدأ حسن النيّة يُلزم المؤجر (المدين) بتحقيق الغاية التي أُبرم العقد من أجلها، ألا وهي: تمكين المستأجر (الدائن) من الانتفاع بالمأجور، ولا يتحقق ذلك ما لم ينفّذ المؤجّر ما أُلزم بها تنفيذاً عينيّاً كلما اقتضت الحاجة. ولا يحقّ للمؤجر التحلل من هذا الالتزام، إلّا في حال تعذّر عليه التنفيذ، أو في حال أنَّ الضرر الذي لَحِقَ بالمأجور كان بسبب المستأجر أو مَن يُسأل عنهم، فلا يُلزم المؤجّر عندئذٍ بإصلاح المأجور، ومع ذلك يُعَدّ حَسَن النيّة([7]).

ومن ذلك، نجد أنَّ المؤجر على الرغم من عدم تنفيذه لما هو ملزمٌ به، فإنّه يُعَدّ حَسَن النيّة، كون إرادته قد اتجهت نحو تنفيذ ما التزم به، فإذا كان إحجامه عن التنفيذ ناتجاً عن تعذّرٍ، فلا يُعَدّ عندئذٍ سيئ النيّة، ولا يعدّ مخالفاً لما التزم به، فالتزامه يجب أنْ يؤدّى بحسب طاقاته وقدراته وتبعاً لظروفه المحيطة، أمّا إذا كان هذا الالتزام ممكناً ولا يتعذّر تنفيذه، فهنا لا يتحلّل المدين (المؤجر) من التزامه تجاه الدائن (المستأجر)، وفي حال أخل به فعندئذٍ يعدّ المؤجر سيئ النيّة؛ إذ إنَّ واجب التنفيذ لا يزال قائماً في هذه الحالة، ولو اعترض طريق المدين (المؤجر) بعض الصعوبات التي يستطيع تجاوزها([8]).

ثانياً: مبدأ الالتزام بضمان السلامة

انخرط مبدأ الالتزام بضمان السلامة مع مبدأ الالتزام بإصلاح العيوب الخفيّة، لكن بعد مدةٍ من الزمن، تطوّر الالتزام بضمان السلامة، وأصبح مستقلاً عن مبدأ الالتزام بإصلاح العيوب الخفيّة، ويعود الفضل في استقلالهما عن بعضهما إلى القضاء الفرنسي، الذي رأى أنَّ مفهوم الالتزام بضمان السلامة أوسع من مفهوم الالتزام بصيانة العيب الخفي([9]).

لذا، يعدّ الالتزام بضمان السلامة من أهم الالتزامات القانونيّة التي أقرّها القضاء الفرنسي ليكون مرتكزاً في حماية الدائن؛ وذلك عبر تفسير فحوى العقد على نحوٍ موسّع، وقد اعترف القضاء الفرنسي بوجود هذا الالتزام حتى لو لم يُدرج صراحةً ضمن بنود العقد.

وعلى الرغم من أنَّ مضمون العقد يعبّر عن إرادة طرفيه، فإنّ محكمة الموضوع يمكنها لما تتمتّع به من سلطةٍ تقديريّة في تفسير العقد من أنّ تُدرج التزاماتٍ لم يُنصّ عليه في العقد([10])، وهذا ما يعبّر عن السّلطة التي يمتلكها القضاء والتي تمكّنها من إنشاء التزامات لم يتم النص عليها صراحةً ضمن بنود العقد، ومن تلك الالتزامات: الالتزام بضمان السلامة.

الفرع الثاني

الطبيعة القانونيّة للالتزام بصيانة العين المأجورة

تحظى كافة الالتزامات بطبيعةٍ قانونيّةٍ خاصة بها، تنفرد بها عن غيرها من الالتزامات، وتختلف هذه الطبيعة من التزامٍ إلى آخر؛ لذا، فالتساؤل الذي يثار في هذا الصدد هو: ما طبيعة الالتزام بصيانة العين المأجورة الملقى على عاتق طرفي عقد الإيجار؟

للإجابة عن هذا التساؤل، سنوضح هذه المسألة على النحو الآتي:

أولاً: الالتزام بصيانة العين المأجورة

إنَّ الهدف الذي يسعى المستأجر من ورائه لإبرام عقد الإيجار مع المؤجر، هو تمكينه من الانتفاع بالمأجور طوال مدة عقد الإيجار، وتحقيقاً لذلك فرض المشرّع العراقي على المؤجر عدّة التزاماتٍ ألقاها على عاتقه، وجميعها تصب في تحقيق ذلك الهدف، ومن تلك الالتزامات: الالتزام بصيانة العين المأجورة، فعندما يلحق أيّ ضررٍ أو تلفٍ بالمأجور، فإنَّ ذلك سيؤثر سلباً على انتفاع المستأجر به، وعندها تتبدّد الغاية التي أبرم من أجلها عقد الإيجار؛ لذلك ألزم المشرّع المؤجر بصيانة المأجور طوال مدة عقد الإيجار، ليتمكّن المستأجر من الانتفاع بالمأجور على النحو المطلوب، وهذا ما أكّدته الفقرة الأولى من المادة (758) من القانون المدني العراقي([11]).

وعليه، نجد أنَّ المؤجر ملزمٌ بإجراء الترميمات اللازمة كلما اقتضت الحاجة، بغض النظر عن دواعي حدوث الضرر أو الدمار، كما لو حدث الضرر لسببٍ أجنبيٍ لا يد له فيه، أما في حال كان تضرّر العين أو تلفها ناتجاً عن فعلٍ صادر من الغير (إحدى صور السبب الأجنبي)، فعندئذٍ يجب على المؤجر إجراء الترميمات، ومن ثم مطالبة هذا الغير بما بتكلفة هذه الترميمات في حال أراد ذلك([12]).

غير أنَّ ذلك لا يعني أنَّ المؤجر ملزمٌ بإجراء جل ما يقتضيه المأجور من ترميماتٍ؛ إذ ينبغي التمييز بين نوعين من الترميمات، وهما: الترميمات اللازمة والترميمات البسيطة، فالترميمات اللازمة هي التي يُفرض على المؤجر إجرائها، أمّا الترميمات البسيطة فيلتزم المستأجر بإجرائها بحسب ما يقتضيه العرف([13])؛ إذ يفرض على المستأجر إجراء الإصلاحات البسيطة على نفقته الخاصة، ولا يحق له مطالبة المؤجر بما دفعه على تلك الترميمات.

وبناءً على ما تقدّم، نستنبط أنَّ الالتزام بصيانة العين المأجورة ملقى على عاتق كلٍّ من المؤجر والمستأجر على حدٍّ سواء؛ وذلك تبعاً لما ورد في القانون المدني العراقي في الفقرة الأولى من المادة (750) والفقرة الثانية من المادة (763) منه.

ثانياً: الحق في الالتزام بصيانة العين المأجورة

يعدّ الالتزام بإجراء الترميمات الضروريّة لتمكين المستأجر من الانتفاع بالمأجور على النحو المطلوب التزاماً أساسيّاً ومهماً يُلقى على عاتق المؤجر، لكن هناك ترميماتٍ قد تكون ضروريّة لحفظ المأجور نفسه من الهلاك أو التلف، وهذا النوع أكثر خطورةً من النوع الأول، الذي يفرض على المؤجر إجراء تلك الترميمات لصالح المستأجر، كما يحق للمستأجر إلزام المؤجر بها في حال كانت ضروريّة ولازمة لكي يتمكن الانتفاع بالمأجور، وفي الوقت نفسه، يحقّ للمؤجر القيام بها ولو كان المستأجر غير راضٍ عن ذلك([14]).

ومن أجل أنْ يمارس المؤجر هذا الحقّ، يُشترط أنْ تكون تلك الترميمات ضروريّة ومستعجلة، ولا تتعلّق بمجرد إدخال تحسين على العين المأجورة؛ لأنَّ التحسينات يمكن تأجيلها إلى حين انتهاء مدة عقد الإيجار، فلا يضطر المؤجّر عندئذٍ إلى مضايقة المستأجر، الذي له الحقّ في الانتفاع بالمأجور خلال مدة عقد الإيجار على أكمل وجه وعدم التفريط بهذا الحق([15]).

كما يُشترط أنْ تكون هذه الترميمات ضروريّة لحماية المأجور من الضرر أو الدمار، فعلى سبيل المثال: يحق للمؤجر إجراء بعض الترميمات في الطابق العلوي من المنزل من أجل حماية الطابق([16]) المعرّض للدمار، ولحماية المنزل من الضرر الذي قد يلحق به.

وبناءً على ما تقدّم، يمكن القول إنَّ إصلاح المؤجر أو المستأجر للعقار المأجور يعدّ التزاماً يُلزم به كلٍّ منهما، وفي الوقت نفسه هو حقٌّ ممنوحٌ لهما على حدٍ سواء.

المبحث الثاني

القوانين المحليّة التي تحدّد الإطار الزمني للالتزام بصيانة العين المأجورة

سنسلط الضوء في هذا المبحث على القوانين المحليّة التي تحدّد الإطار الزمني للالتزام بصيانة العين المأجورة في إطار القانون المدني العراقيّ، وفي إطار قانون إيجار العقار المعدل؛ وذلك في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول

الإطار الزمني للالتزام بصيانة العين المأجورة وفق القانون المدنيّ العراقي

تعدّ أحكام القانون المدنيّ –تبعاً للأصل- هي المنظّمة لعقد الإيجار، كونها تنظّم كلّ علاقةٍ لم ينظّمها التشريع الخاص، وإنَّ التزام طرفي هذا العقد بإصلاح العقار المأجور والمحافظة عليه في إطار القانون المدنيّ العراقي، حاله في ذلك كحال أيّ التزامٍ يُنشئه العقد المبرم بين الطرفين، ويجب تنفيذه ضمن المدّة المتّفق عليها، وهي مدّة الإيجار، وينقضي هذا الالتزام بانقضائها، إلّا إذا اتفق الطرفان على تجديده أو تمديد مدة العقد. وهذا ما سنتطرّق إليه بشيء من التفصيل في الفرعين الآتيين.

الفرع الأول

الاتفاق على مدة عقد الإيجار في إطار القانون المدني العراقي

بما أنَّ المدّة تعدّ عنصراً من عناصر المحل في عقد الإيجار، فإنَّ هذا العقد لا يبرم في حال اختلف المؤجر والمستأجر على تجديدها، وذلك لعدم توافر أحد عناصر المحل؛ كون المحل هو أحد أركان عقد الإيجار.

أما في حال لم يتطرّق طرفا عقد الإيجار لمدة العقد أصلاً أو أنَّ العقد أُبرم لمدّة غير محدّدة، أو اتفق الطرفان على مدةٍ محدّدة، لكن تعذر إثباتها، ففي هذه الحالات لا يعدّ عقد الإيجار باطلاً، بل يعدّ مبرماً بموجب المدة المحدّدة لدفع الأجرة، وذلك بحسب ما ورد في المادة (741) من القانون المدنيّ العراقي([17])، لذا، يجب على طرفي العقد الاتفاق على مدة انتفاع المستأجر بالمأجور صراحةً، وأنْ يدوّن ذلك العقد المبرم بينهما، ولهما الحق في الاتفاق على أية مدّة كانت، سواءٌ طالت أم قصرت؛ إذ إنَّ المشرّع العراقي لم يفرض حداً أدنى أو أقصى لمدة الإيجار([18]).

وفي بعض الأحيان، يتم الاتفاق بين الطرفين على نحوٍ غير مباشرٍ، وذلك بأنْ يُسندا انتهاء المدة لأمورٍ خارجة عن العقد، أيّ أنْ يتّفق المتعاقدان في العقد على أساس تعيين المدة، فتكون بذلك المدة قابلة للتعين، كما لو أُبرم عقد الإيجار لمدّةٍ تكفي المستأجر لإنجاز عملٍ معيّن كان قد استأجر المأجور لأدائه([19]).

وكذلك يمكن أنْ يكون الاتفاق على مدّة الإيجار ضمنيّاً، كأنْ يبرم عقد الإيجار ولم يتم تحديد المدة -سواءٌ بطريقةٍ مباشرة أم غير مباشرة- أو أنْ يُبرم لمدّةٍ غير محدّدة، أو تعذّر إثباتها، أو أنَّ المتعاقدين لم يتطرّقا أصلاً لموضوع المدة، فإنَّ عقد الإيجار يبرم عندئذٍ بموجب المدّة المحددة لدفع الأجرة، فعلى سبيل المثال: لو دفع مستأجر العقار أجرة شهر، عُدّ الإيجار منعقداً لمدّة شهر، وينتهي العقد بانتهاء ذلك الشهر، ويتجدّد في حال دفع المستأجر أجرة شهرٍ آخر… وهكذا([20]).

الفرع الثاني

الاتفاق على تعديل المدة في إطار القانون المدني العراقي

ينقضي عقد الإيجار بانقضاء المدّة المتّفق عليها في العقد، لكن يحق للمتعاقدَين في حال انقضت تلك المدة الاتفاق على إبقاء الرابطة التعاقديّة بينهما؛ وذلك بحسب ما جاء في المادة (‎741) من القانون المدني العراقي، والتي نصّت على أنّهُ: “إذا عقد الإيجار دون اتفاقٍ على مدّة، أو عُقد لمدّةٍ غير محدّدة، أو تعذّر إثبات المدة المدّعى بها، فيعتبر الإيجار منعقداً للمدّة المحدّدة لدفع الأجرة، وينتهي بانقضاء هذه المدة بناءً على طلب أحد المتعاقدين إذا هو نبّه المتعاقد الآخر بالإخلاء…”.

كما قد يتّفق الطرفان على إبرام عقد إيجارٍ جديد، ولمدّةٍ معيّنة جديدة، وعندها يكون العقد بهذا التحديد الصريح خالٍ من أية إشكالياتٍ؛ إذ إنَّ الإشكاليّة تكمن في حال تجدّد عقد الإيجار ضمنياً.

المطلب الثاني

الإطار الزمني للالتزام بصيانة العين المأجورة وفق قانون إيجار العقار المعدل

يسري قانون إيجار العقار المعدل على كافة العقارات المشيّدة ضمن منطقة أمانة بغداد وبلدياتها، شريطة أنْ تكون هذه العقارات مؤجّرة بقصد السكن حصراً؛ حيث نصّت الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون إيجار العقار المعدل على أنّه: “تسري أحكام القانون على العقارات المبنيّة المؤجرة لأغراض السكنى للعراقيين الواقعة ضمن حدود أمانة بغداد والبلديات”. كما نصّت الفقرة (ب) منها على أنّه: “ويعامل معاملة العراقي لأغراض القانون، الفلسطيني المقيم في العراق منذ عام 1948‏ وذريته”([21]).

وعليه، نجد أنَّ العقارات المؤجرة لأغراضٍ مهنيّة، تخضع لأحكام القانون المدني العراقي([22])، وقد أحسن عملاً المشرّع العراقي في ذلك؛ إذ إنَّ هذه العقارات جاءت بالدرجة الأولى لحماية المستأجر من استغلال المؤجر لأزمة السكن، ولما كانت تلك العقارات لا صلة لها بالسكن، فإنَّ مبررات إخضاعها لقانون إيجار العقار المعدل باطلة.

ولما كان عقد الإيجار من عقود المدة، فإنَّ المدّة تعدّ وسيلةً زمنيّة تقاس بها المنفعة في عقد الإيجار؛ بحيث يمكن عن طريقها تحديد انتفاع المستأجر بالمأجور([23]).

وعلى هذا الأساس، سنسلط الضوء على اتفاق أطراف عقد الإيجار على المدة في إطار قانون إيجار العقار المعدل، ومن ثم سنتطرق إلى الامتداد القانوني لعقد الإيجار؛ وذلك في الفرعين الآتيين:

الفرع الأول

الاتفاق على المدّة في إطار قانون إيجار العقار المعدل

يقضي الأصل بأنَّ الاتفاق على مدة انتفاع المستأجر بالمأجور يجب أنْ يُنَصّ عليه صراحةً في العقد، لكن في حال عدم النص عليه صراحةً، فلا يترتّب على ذلك بطلان عقد الإيجار، وإنّما يعدّ مبرماً لمدة سنة، تبدأ من الوقت المسمى في العقد، وفي حال عدم تسمية هذا الوقت، فإنّها تبدأ من تاريخ تسليم العين المأجورة إلى المستأجر على أنْ تكون صالحة للانتفاع بها. وهذا ما نصّت عليه المادة الثانية من قانون إيجار العقار المعدل، التي جاء فيها: “تعيّن مدّة الإيجار في العقد، وعند عدم تعينها، يعتبر الإيجار منعقداً لمدّة سنة، تبدأ من الوقت المسمّى في العقد، فإنْ لم يسمَ، فمن تاريخ تسليم المأجور إلى المستأجر خالياً من الشواغل”.

وعليه، نلاحظ من هذا النص أنَّ القانون المدني العراقي وقانون إيجار العقار المعدل اتفقا على أنَّ تحديد مدة العقد يتم باتفاق طرفي عقد الإيجار، لكنّهما اختلفا في حالة عدم تحديد مدة عقد الإيجار، فبموجب القانون المدني العراقي، فإنّه في حال عدم تحديد المدة، أو تم تحديدها لكن تعذّر إثباتها، أو أُبرم العقد لمدّةٍ غير محدّدة، فإنَّ الإيجار يُعقد لمدةٍ غير معيّنة؛ وبذلك يعدّ منعقداً بموجب المدة المحدّدة لدفع الأجرة. بينما في قانون إيجار العقار المعدل، فإنّه في حال عدم تحديد مدة الإيجار، فيعدّ منعقداً لمدّة سنة.

وكذلك يختلف هذان القانونان في تحديد الحد الأقصى لمدة الإيجار، فبموجب القانون المدني العراقي، إنَّ المشرّع العراقي لم يضع حداً أقصى أو أدنى لمدة الإيجار، ومع ذلك سمح لكلا المتعاقدين بإنهاء عقد الإيجار، إذا عُقد لمدّةٍ تزيد على ثلاثين عاماً؛ وذلك بموجب نص المادة (‎740) من القانون المدني، ولكنه في الوقت نفسه لم يسمح بإنهاء العقد، في حال اتُفق على إبرام العقد لمدة حياة المؤجر أو المستأجر، حتى لو تجاوزت مدّة الإيجار الثلاثين عاماً. بينما في قانون إيجار العقار المعدل فنجد أنَّ المشرّع قد أقرّ بأنَّ الحد الأقصى لمدة عقد الإيجار الأصلية في حال لم يتفق عليها الطرفان، هي سنة، ومع ذلك فإنَّ هذه السنة يمكن أنْ تمتد بعد انتهائها بحكم القانون، أيّ على الرغم من انقضاء مدة الإيجار الأصليّة، فإنَّ العقد يعدّ ممتداً بشروطه السابقة، ما دام المستأجر ما زال يشغل العقار المأجور ومستمراً في دفع التزاماته الماديّة طبقاً لما ورد في القانون، عندها فلا يحقّ للمؤجر طلب تخلية المأجور، إلّا في حال توافرت أحد أسباب التخلية، التي نصّت عليها المادة السابعة عشرة من قانون إيجار العقار المعدل.

الفرع الثاني

الامتداد القانوني لعقد الإيجار في إطار قانون إيجار العقار المعدل

نصّت المادة (3/1) من قانون إيجار العقار المعدل رقم (87) لسنة ‎1979 على أنّه: “يمتد عقد الإيجار بعد انتهاء مدّته، ما دام المستأجر شاغلاً للعقار، ومستمراً بدفع الأجرة، طبقاً لأحكام هذا القانون، مع مراعاة أحكام الفقرة (14) من المادة السابعة عشرة منهُ”. كما جاء في الفقرة الثانية من المادة نفسها أنّه: “يستثنى من حكم الفقرة (١)‏ من هذه المادة، العقارات المعدّة للسكن المبنية حديثاً، واكتمل بناءها في 1/1/1998، أو‏ بعده، وتكون مدّة نفاذ عقد الإيجار فيها وفق اتفاق الطرفين”([24]).

وعليه، نجد أنَّ الرابطة العقديّة التي تنشأ عن العقد المبرم بين الطرفين (المؤجر والمستأجر) تتحوّل إلى رابطةٍ تعاقديّةٍ مصدرها القانون، وهذا ما يفضي إلى مخالفة مبدأ العقد شريعة المتعاقدين([25]).

وفي كافة الأحوال، ينقضي الامتداد القانوني لعقد الإيجار في حال توافر أحد أسباب التخلية المنصوص عليها في المادة السابعة عشرة من قانون إيجار العقار المعدل([26]).

الخاتمة

وفي ختام بحثنا (مدة الالتزام بصيانة العين المأجورة)، سنعرض أهم النتائج التي تم التوصل إليها في هذا البحث، وسنقدم على ضوئها جملةً من المقترحات؛ وذلك على النحو الآتي:

أولاً: النتائج :

  1. ‎لم يورد المشرّع العراقي يورد تعريفاً يتناول الالتزام بصيانة العين المأجورة؛ إلّا أنّه تطرّق إلى فحوى هذا الالتزام ضمن إطار التزامات ‏المؤجر، فذكر مصطلح الترميم والإصلاح والعمارة في نص المادة ‎(750) من القانون المدني العراقي، وجميعها تفضي إلى معنى الصيانة.
  2. تبيّن لنا أنَّ الأساس القانوني للالتزام بصيانة العين المأجورة والحفاظ عليه، هو أساسٌ مزدوجٌ يرتكز على نص المادة (150) من القانون‏ المدني العراقي،‏ أيّ إنّه يرتكز على مبدأ حسن النية ومبدأ ضمان السلامة معاً، وبناءً على ذلك فإنَّ إرادة طرفي عقد الإيجار لم تعدّ هي المصدر الوحيد لتحديد حقوقهما والتزاماتهما، بل يشاركهما في هذه المهمة القانون والعرف والعدالة.
  3. اتضح لنا أنَّ إصلاح طرفي عقد الإيجار للعقار المؤجر هو التزامٌ واجبٌ عليهما وحقٌ ممنوحٌ لهما في الوقت نفسه، وهذا يقودنا إلى القول إنَّ الطبيعة القانونيّة لصيانة العين المأجورة من قِبل طرفي عقد الإيجار هي طبيعةٌ مزدوجة (حقٌ والتزام).
  4. استنتجنا أنَّ المؤجر ملزمٌ بتأمين استمراريّة انتفاع المستأجر بالمأجور حتى انقضاء مدة عقد الإيجار الأصلية أو الممتدة منها، وفي المقابل له الحق في إجراء الترميمات اللازمة لحماية المأجور من الاندثار. كما يلزم المستأجر أيضاً بالحفاظ على المأجور وصيانته طوال مدة عقد الإيجار، وفي المقابل له الحق في الانتفاع الكامل غير المنقوص بالمأجور.

ثانياً: المقترحات

  1. ‏ ينبغي إعادة النظر في عقود الإيجار لمعالجة اختلال التوازن بين التزامات طرفي عقد الإيجار؛ إذ نرى أنَّ المشرّع العراقيَ يجب يلقي بعبء الالتزام بصيانة العين المأجورة على عاتق المستأجر، لا سيّما إذا أصبح هذا الالتزام مرهقاً لكاهل المؤجر، وهذا الحل في نظرنا ينسجم مع قواعد العدالة.
  2. على المشرّع العراقي أنْ يحذو حذو المشرّع المصري، ويعمل على منح المؤجر قروضاً يتم تسديدها على المدى البعيد مع إعفائها من الفوائد؛ وذلك لتشجيعه على إجراء الترميمات والإصلاحات اللازمة، فهذا الحل يؤدّي إلى حماية عقار المؤجر من التلف أو الدمار هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى يساعد على حل أزمة السكن الخانقة.
  3. ينبغي أنْ يكون لمحكمة الموضوع الحريّة في اختيار أحد الحلول التي اقترحناها آنفاً، فيما إذا رأت إلقاء عبء الالتزام بالإصلاح على عاتق المؤجر فقط، أو إلزام المستأجر بإجراء الترميمات الضروريّة، إلى جانب إلزامه بالترميمات البسيطة، وبذلك يكون للمحكمة أنْ تحكم في كلّ حالة أو نزاع يثار أمامها على حدة، وطبقاً للظروف والملابسات بما تراه محققاً للعدالة وكفيلاً بإقامة التوازن بين مصلحة طرفي عقد الإيجار.
  4. نقترح على المشرع العراقيّ النص صراحة في قانون إيجار العقار المعدل رقم (87) لسنة 1979‏ على إعفاء المؤجر من إجراء الترميمات اللازمة للانتفاع بالعين المأجورة في حال الامتداد القانوني لعقد الإيجار، كون العقد هنا يمتد رغماً عن إرادة المؤجر، فيكون مصدر التزامه القانون لا الاتفاق؛ وبذلك يصعب إجبار المؤجر على صيانة العين المأجورة بعد انقضاء المدة المحدّدة بالاتفاق، وخروج المأجور عن سلطته بمقتضى الامتداد القانوني، وعدم التوازن بين القيمة الإيجارية التي يحصل عليها المؤجر وبين مقدار ما ينفقه على إجراء الترميمات والإصلاحات، لا سيّما بعد الحد من القيمة الإيجارية بنسبٍ معيّنة وعدم السماح بزيادة الأجرة عن تلك النسب؛ لذا، يكون من العدل أنْ يتحمل المستأجر جزءاً من المسؤوليّة لقاء انتفاعه بصيانة العين المأجورة خارج المدة المتفق عليها، فيلتزم بإجراء الترميمات الضرورية واللازمة للانتفاع بالمأجور.

قائمة المراجع

  1. عدنان العابد، يوسف إلياس، قانون العمل، من دون دار نشر، بغداد، 1989.
  2. سعيد جبر،‏ الضمان الاتفاقي للعيوب الخفية في عقد البيع، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985.
  3. حسين عامر، عبد الرحيم عامر، المسؤولية المدنية- التقصيرية والعقدية، دار المعارف، الإسكندرية، 1979.
  4. أنور سلطان، الموجز في مصادر الالتزام، الإسكندرية، ‎1970.
  5. سعدون العامري، الوجيز في شرح العقود المسماة-‏ البيع والإيجار، ج١‏، مطبعة العاني، بغداد، ‎1974.
  6. عبد المجيد الحكيم، عبد الباقي البكري، محمد طه البشير، القانون المدني- أحكام الالتزام، ج2، مكتبة السنهوري، مكتبة داليا، بغداد، من دون سنة نشر.‏
  7. جابر محجوب علي، ضمان سلامة المستهلك من أضرار المنتجات المعيبة- دراسة مقارنة بين القانون الفرنسي والقانونين المصري والكويتي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995.
  8. مواقي بنائي أحمد، الالتزام بضمان السلامة، بحث منشور في جامعة الحاج خضر، جامعة باتنة، الجزائر، من دون سنة.‏
  9. كمال قاسم ثروت، شرح أحكام عقد الإيجار، ج١‏، من دون دار ومكان نشر، 1976.
  10. عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني- العقود الواردة على الانتفاع بالشيء- الإيجار والعارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1963.
  11. عصمت عبد المجيد بكر، شرح أحكام عقد الإيجار، دار الكتب والوثائق، بغداد، ‎2002.
  12. نبيل إبراهيم سعد، العقود المسماة، الإيجار في القانون المدني وقوانين إيجار الأماكن، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004.
  13. محمد لبيب شنب، الوجيز في شرح أحكام الإيجار، دار النهضة العربيّة، القاهرة، 1965.
  14. قرار محكمة النقض المصرية في الطعن رقم (5094) الصادر في 11/5/2008، دار القضاء العالي محكمة النقض المصريّة الموقع الإلكتروني الرسمي: www.cc.ogr.eg .
  15. حسين علي الذنون، دور المدة في العقود المستثمرة، بغداد، ‎1988.
  16. صاحب عبيد الفتلاوي، ملاحظات في قانون إيجار العقار رقم (87) لسنة 1979 المعدل، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، جامعة بغداد، المجلد السابع، العدد الأول والثاني، مطبعة العاني، بغداد، ‎1988.
  17. مثنى هاشم، عقد الإيجار في القانون المدني العراقي، بحث منشور في مجلة القانون والقضاء، العدد السادس، ‎2011‏.
  18. كاظم الشيخ جاسم، قواعد إيجار العقار، ط١‏، مطبعة الحافظ, بغداد، 1987.
  19. قرار رئاسة محكمة استئناف بغداد/ الرصافة الاتحادية، العدد 23/ب/2017، الصادر بتاريخ 6/4/2017.
  20. قرار رئاسة محكمة استئناف بغداد/ الرصافة الاتحادية، العدد 474/ مدنية عقار/2009‏، الصادر بتاريخ 19/7/2009، منشور في النشرة القضائية، العدد ‎(10)،‏ لسنة 2010‏.

الهوامش:

  1. () عدنان العابد، يوسف إلياس، قانون العمل، من دون دار نشر، بغداد، 1989، ص265.
  2. () سعيد جبر،‏ الضمان الاتفاقي للعيوب الخفية في عقد البيع، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985، ص44.
  3. () حسين عامر، عبد الرحيم عامر، المسؤولية المدنية- التقصيرية والعقدية، دار المعارف، الإسكندرية، 1979، ص524- 543.
  4. () أنور سلطان، الموجز في مصادر الالتزام، الإسكندرية، ‎1970، ص243.
  5. () ينظر: المادة (722) من القانون المدني العراقي، التي نصّت على أنه: “الايجار تمليك منفعة معلومة بعوضٍ معلوم لمدّةٍ معلومة، وبه يلتزم المؤجر أنْ يمكّن المستأجر من الانتفاع بالمأجور”، وتقابلها المادة (558) من القانون المدني المصري، والمادة (1706) من القانون المدني الفرنسي بالعربية، دالوز، جامعة القديس يوسف، بيروت.
  6. () الفقرة الثانية من المادة (763) من القانون المدني العراقي، التي نصّت على أنّه: “وعلى المستأجر إجراء الترميمات الطفيفة التي يقضي بها العرف”.
  7. () سعدون العامري، الوجيز في شرح العقود المسماة-‏ البيع والإيجار، ج١‏، مطبعة العاني، بغداد، ‎1974، ص244.
  8. () عبد المجيد الحكيم، عبد الباقي البكري، محمد طه البشير، القانون المدني- أحكام الالتزام، ج2، مكتبة السنهوري، مكتبة داليا، بغداد، من دون سنة نشر، ص17- 18.‏
  9. () جابر محجوب علي، ضمان سلامة المستهلك من أضرار المنتجات المعيبة- دراسة مقارنة بين القانون الفرنسي والقانونين المصري والكويتي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995، ص35-36.
  10. () مواقي بنائي أحمد، الالتزام بضمان السلامة» بحث منشور في جامعة الحاج خضر، جامعة باتنة، الجزائر، من دون سنة، ص414.‏
  11. () كمال قاسم ثروت، شرح أحكام عقد الإيجار، ج١‏، من دون دار ومكان نشر، 1976، ص151- 152.
  12. () نصّت على أنّه: “على المؤجر إصلاح وترميم ما حدث من خللٍ في المأجور أدّى إلى إخلالٍ في المنفعة المقصودة منه”، وتقابلها الفقرة الأولى من المادة (567) من القانون المصري، والفقرة الثانية من المادة (1719) من القانون المدني الفرنسي والتي نصّت على أنه: “يلزم المؤجر بحكم طبيعة العقار، ومن دون الحاجة لأيّ اشتراطٍ خاص بصيانة المأجور، وإبقائه بحالةٍ تسمح باستعماله للغرض الذي أُجّر من أجله”؛ ينظر: عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني- العقود الواردة على الانتفاع بالشيء- الإيجار والعارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1963، ص291.
  13. () الفقرة الثانية من المادة (763) من القانون المدني العراقي، والتي نصّت على أنّه: “وعلى المستأجر إجراء الترميمات الطفيفة التي يقضي بها العرف”، وتقابلها المادة (582) من القانون المدني المصري، والمادة (1754) من القانون المدني الفرنسي.
  14. () الفقرة الأولى من المادة (752) من القانون المدني العراقي والتي نصّت على أنّه: “إذا احتاج المأجور لعمارة ضروريّة لصيانته، فليس للمستأجر أنْ يمنع المؤجّر عن إجرائها، فإذا ترتّب على ذلك ما يضرّ بالسكنى، أو يخل بالمنفعة، جاز للمستأجر أنْ يطلب فسخ الإيجار أو إنقاص الأجرة”. تقابلها المادة (570‏) من القانون المدني المصري، والمادة (1724) من القانون المدني الفرنسي.
  15. () عصمت عبد المجيد بكر، شرح أحكام عقد الإيجار، دار الكتب والوثائق، بغداد، ‎2002، ص41 وما بعدها.
  16. () نبيل إبراهيم سعد، العقود المسماة، الإيجار في القانون المدني وقوانين إيجار الأماكن، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004، ص396- 397.
  17. () تقابلها المادة (563) من القانون المدني المصري.
  18. () محمد لبيب شنب، الوجيز في شرح أحكام الإيجار، دار النهضة العربيّة، القاهرة، 1965، ص68- 69؛ وسعيد مبارك وآخرون، مرجع سابق، ص 248- 249؛ ينظر كذلك: قرار محكمة النقض المصرية في الطعن رقم (5094) الصادر في 11/5/2008، دار القضاء العالي محكمة النقض المصريّة الموقع الإلكتروني الرسمي: www.cc.ogr.eg .
  19. () حسين علي الذنون، دور المدة في العقود المستثمرة، بغداد، ‎1988، ص69.
  20. () جعفر الفضلي، مرجع سابق، ص227.
  21. () تقابلها المادة الثالثة من قانون المالكين والمستأجرين الأردني رقم (١١)‏ لسنة 194‏ المعدل بالقانون رقم (14)‏ لسنة 2013.
  22. () صاحب عبيد الفتلاوي، ملاحظات في قانون إيجار العقار رقم (87) لسنة 1979 المعدل، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، جامعة بغداد، المجلد السابع، العدد الأول والثاني، مطبعة العاني، بغداد، ‎1988، ص225.
  23. () مثنى هاشم، عقد الإيجار في القانون المدني العراقي، بحث منشور في مجلة القانون والقضاء، العدد السادس، ‎2011‏، ص99.
  24. () تقابلها الفقرة ( أ/١)‏ من المادة الخامسة، والمادة (8) من قانون المالكين والمستأجرين الأردني.
  25. () كاظم الشيخ جاسم، قواعد إيجار العقار، ط١‏، مطبعة الحافظ, بغداد، 1987، ص70-71.
  26. () ينظر: قرار رئاسة محكمة استئناف بغداد/ الرصافة الاتحادية، العدد 23/ب/2017، الصادر بتاريخ 6/4/2017؛ وكذلك قرار رئاسة محكمة استئناف بغداد/ الرصافة الاتحادية، العدد 474/ مدنية عقار/2009‏، الصادر بتاريخ 19/7/2009، منشور في النشرة القضائية، العدد ‎(10)،‏ لسنة 2010‏.