النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية

قيصر فرحان حسن 1

1 كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، الجامعة الإسلامية في لبنان.

اشراف الاستاذ الدكتور/ محمد منذر

HNSJ, 2024, 5(8); https://doi.org/10.53796/hnsj58/31

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/08/2024م تاريخ القبول: 15/07/2024م

المستخلص

في ظل المتغيرات المتعددة في منطقة الشرق الأوسط على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأهم المستوى العسكري والسياسي إقليمياً ودولياً، تثور إشكالية هذا البحث والتي مفادها: ما هو أثر المتغيرات الإقليمية والدولية على النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط؟. اعتمد البحث المنهجين الوصفي والتحليلي. توصل البحث الى عدة نتائج أهمها أن التواجد والنفوذ الأمريكي يشهد تراجع في منطقة الشرق الأوسط تراجعاً ملحوظاً وإخفاقاتٍ تمثلت في الانسحاب الأمريكي من العراق وأفغانستان وما خلّفه من تداعياتٍ، فضلاً عن فشل الولايات المتحدة الأمريكية في إسقاط الدولة السورية وتنفيذ مشروعها التفكيكي، والفشل في احتواء إيران ومعالجو ملف اليمن. كما توصل البحث الى أن الصين وروسيا ستستفيدان من الانسحاب الأمريكي من العراق في زيادة نفوذهما في هذه الدولة ومن ثم في منطقة الشرق الأوسط على العموم، وإجراء ترتيبات وتغييرات إقليمية أكثر مراعاة لمصالحهم. ومن ناحيةٍ أخرى قد يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى التخفيف من المنافسة الدولية في منطقة الشرق الأوسط. أوصى البحث بضرورة تشجيع المزيد من الدراسات والبحوث المستقبلية المستفيضة حول موضوع التنافس الأمريكي الصيني على منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما من ناحية اقتراح سياسات وتقديم مقترحات لكيفية الاستفادة من هذا التنافس من قبل دول المنطقة وتعزيز استقرارها وازدهارها.

الكلمات المفتاحية: النفوذ الأمريكي، الشرق الأوسط، المتغيرات الإقليمية والدولية.

Research title

American influence in the Middle East in light of regional and international variables

HNSJ, 2024, 5(8); https://doi.org/10.53796/hnsj58/31

Published at 01/08/2024 Accepted at 15/07/2024

Abstract

Influence In light of the multiple variables in the Middle East region at the economic, social, and most importantly, military and political levels regionally and internationally, the problem of this research arises, which is: What is the impact of regional and international variables on American influence in the Middle East? The research adopted the descriptive and analytical approaches. The research reached several results, the most important of which is that the American presence and influence is witnessing a noticeable decline in the Middle East region and failures represented by the American withdrawal from Iraq and Afghanistan and its repercussions, in addition to the failure of the United States of America to overthrow the Syrian state and implement its dismantling project, and the failure to contain Iran and those handling the Yemeni file. The research also concluded that China and Russia will benefit from the American withdrawal from Iraq in increasing their influence in this country and then in the Middle East region in general, and making regional arrangements and changes that are more in line with their interests. On the other hand, the American withdrawal may lead to a reduction in international competition in the Middle East region. The study recommended the need to encourage more comprehensive future studies and research on the subject of US-China competition in the Middle East region, especially in terms of proposing policies and presenting proposals on how to benefit from this competition by the countries of the region and enhance their stability and prosperity.

Key Words: American influence, the Middle East, regional and international variables.

المقدمة:

شكّلت منطقة الشرق الأوسط منطقة ذات أهمية استراتيجية ومجالاً واسعاً لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية طوال الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الوقت الراهن، وأفردت لها مكاناً واسعاً من استراتيجياتها العالمية ومخططاتها الدولية وتحركاتها العالمية، لكن قد طرأ على هذه الاستراتيجية تغيراتٌ وتبدلاتٌ بحكم التحولات والمتغيرات والمعطيات الإقليمية والدولية والظروف الكائنة، بما يحافظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ويحقق أهدافها ضمن منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب بعض التحركات في المنطقة التي قد تترك آثارها المباشرة وغير المباشرة على عناصر الإقليم ودوله.

إشكالية البحث:

في ظل المتغيرات المتعددة في منطقة الشرق الأوسط على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأهم المستوى العسكري والسياسي إقليمياً ودولياً، تثور إشكالية هذا البحث والتي مفادها: ما هو أثر المتغيرات الإقليمية والدولية على النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط؟

أهمية البحث:

تبرز أهمية هذا البحث في ظل تتراجع قوة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل ملحوظ، ورغم أنها مازالت تتربع على قمة النظام الدولي كالدولة الأقوى في العالم، إلا أن هذه القوة آخذة في التراجع والتناقص في عدة مجالات، رغم بقاء الفارق بينها وبين باقي الدول كبيراً من حيث إجمالي القوة، إلا أن هذا الفارق أيضاً آخذ في التناقص والتضاؤل أيضاً مع تقدم السنوات.

منهجية البحث:

اعتماد المنهجين الوصفي والتحليلي لإجراء هذه الدراسة، عبر توصيف الظاهرة المدروسة ومعرفتها وتحليلها، حيث تم جمع المعلومات والبيانات المتعلقة بالإشكالية والمدروسة، وتحليلها وصولاً إلى تفسيرات منطقة مستندة إلى الأدلة والبراهين.

تقسيم البحث:

المطلب الأول: التداعيات المحلية والإقليمية والدولية للانسحاب الأمريكي من العراق وأفغانستان.

الفرع الأول: تداعيات الانسحاب الأمريكي من العراق

الفرع الثاني: تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان

المطلب الثاني: الفشل الأمريكي في تطويع القوى الإقليمية المناوئة لمصالحها

الفرع الأول: الفشل الأمريكي في إسقاط الدولة السورية

الفرع الثاني: الفشل الأمريكي في احتواء إيران واليمن

المطلب الأول: التداعيات المحلية والإقليمية والدولية للانسحاب الأمريكي من العراق وأفغانستان

ترك تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق في بداية الألفية الثالثة العديد من الآثار الإقليمية والدولية، حيث أسس لمرحلة جديدة ضمن لاستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وبالمثل فإن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من هاتين الدولتين ترك العديد من الآثار والتداعيات على مختلف الأصعدة وعلى مختلف المستويات، سواء كان ذلك على مستوى الدول المعنية مباشرة أو على دور ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والعالم ككل، أو على تطورات الأحداث وموازين القوة في الإقليم.

الفرع الأول: تداعيات الانسحاب الأمريكي من العراق

أعلن الرئيس الأمريكي أوباما انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وفي ليلة 18 أغسطس/آب 2010، عبرت آخر وحدة قتالية أمريكية كانت لا تزال مرابطة في العراق الحدود باتجاه الكويت. ورغم أن الرئيس الأمريكي السابق بوش كان قد أعلن أن “المهمة قد أُنجِزت” يوم 1 مايو/أيار 2003، فلم تكن هناك أية مراسيم خاصة للاحتفال بنجاح المهمة حين غادرت القوات الأمريكية العراق.[1] لكن عادت القوات الامريكية ودخلت العراق في إطار التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، والحملة الدولية على تنظيم “داعش” الإرهابي عام 2014.

وبعد ثلاث سنوات فقط من الانسحاب الأمريكي الأول، كانت الدولة العراقية في خطر، حيث سقط ثلث البلاد في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية وبغداد وأربيل تحت تهديد مباشر. وكانت النتيجة عودة العمليات القتالية الأمريكية في العراق عام 2014. حلول عام 2017، لم يعد تنظيم “داعش” يسيطر على الأراضي العراقية، واستطاعت القوات العراقية وبدعم من قوة المهام المشتركة من تحرير الموصل اَخر معقل للتنظيم. ومنذ عام 2017، احتفظت الولايات المتحدة بوجود عسكري محدود في العراق لتدريب وتقديم المشورة ودعم القوات العراقية في مهامها لملاحقة فلول وخلايا ذلك التنظيم. وفي حين أن تنظيم “داعش” لم يعد يسيطر على الأراضي العراقية، لكنه أظهر قدرته على الظهور مرةً أخرى عبر تنفيذ هجمات ضد القوات الأمنية العراقية. ففي شهر 6/2020، عقدت الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي والإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي المخصص لمعالجة مستقبل الوجود الأمريكي في العراق. لقد تضمنت الجولات اللاحقة من الحوار لقاء أيضا بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الكاظمي في شهر 4/2021، حيث أكد الطرفان أن مهمة القوات الأمريكية انتقلت إلى مهمة التدريب والمهام الاستشارية، مما يسمح بإعادة انتشار أي قوات قتالية متبقية في العراق، مع تحديد موعد محادثات لاحقة، وفي محادثات شهر 6/2021، أعلنت الحكومتان العراقية والأمريكية، أن العلاقة الأمنية سوف تنتقل بالكامل إلى دور التدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وأنه لن يكون هناك قوات أمريكية ذات دور قتالي في العراق بحلول 31/12/2021، وأن الولايات المتحدة ستواصل دعمها للقوات الأمنية العراقية بما في ذلك قوات البيشمركة، لبناء قدراتها في التعامل مع التهديدات المستقبلية[2].

لقد شكل مقتل قائد فيلق القدس الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد في العراق ابو مهدي المهندس واَخرين في 3/1/2020 في غارةٍ أمريكية بطائرةٍ بدون طيار على محيط مطار بغداد التي وافق عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انتهاك للشروط المكتوبة التي تم الاتفاق عليها مع الجانب العراقي، فلم يقتصر الأمر على أياَ من الأهداف التابعة لتنظيم “داعش”، ولكن الأمر أشتمل على أن العديد من القتلى (بمن فيهم المهندس) والذين كانوا بموجب القانون العراقي، أفراداً في القوات المسلحة العراقية بحكم مناصبهم في قوات الحشد الشعبي (التي تم دمجها بموجب القانون العراقي في قوى الأمن الداخلي في عام 2016). وعلى الفور تم إدانة الغارة التي أمر بها الرئيس ترامب رداً على سلسلة الهجمات المتصاعدة على المصالح الأمريكية في العراق بما في ذلك السفارة الأمريكية، من قبل الطيف السياسي العراقي.

وفي 5/1/2020، أي بعد يومين من الضربة، أصدر البرلمان العراقي قراراً غير ملزمٍ يدعو الحكومة العراقية إلى إنهاء تواجد جميع القوات الأجنبية على أرض العراق وقد تم مقاطعة التصويت من قبل العديد من ممثلي السنة والأكراد. وأصبحت الدعوات العراقية الداخلية لانسحاب الولايات المتحدة أو طردها (لا سيما الجماعات الشيعية) صرخةً سياسيةً وأساساً للتعبئة، فكثفت تلك المجاميع المسلحة هجماتها بالصواريخ والطائرات بدون طيار على الأفراد والمواقع الأمريكية في العراق، وهو ما قاد بصورة أو أخرى إلى الحوار الاستراتيجي الأمريكي لمعالجة مستقبل الوجود الأمريكي في العراق[3].

منذ عام 2003، كانت الولايات المتحدة وسيطًا قويًا في العلاقات المتوترة بين أكراد العراق والحكومة المركزية. إن الوجود القتالي المتجدد للولايات المتحدة في العراق، والمساعدة الأمنية لكل من أربيل وبغداد في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، زودت الولايات المتحدة بقدرةٍ إضافيةٍ ونفوذٍ في تهدئة الشؤون الكردية العربية. على هذا النحو، قد يتكهن البعض بأن الانسحاب الأمريكي قد يؤدي إلى تدهورٍ خطيرٍ في العلاقات بين أربيل وبغداد، والذي قد يتحول في النهاية إلى أعمال عنف بين الطرفين. على الرغم من أن العلاقات بين أربيل وبغداد كانت مستقرّةً نسبيًا خلال فترة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في منصبه، إلا إنّ احتمال حدوث مزيد من عدم الاستقرار بين أكراد العراق والحكومة المركزية موجودٌ دائماً. فقد تشكل انتخابات أكتوبر، وما تلاها من مساومات في تشكيل الحكومة، أن تقلب شروط هذا الاستقرار، والمصادر الرئيسية للصراع بين حكومة إقليم كردستان وبغداد (أي وضع الأراضي المتنازع عليها والحدود الداخلية، وقضايا الميزانية، وتقاسم عائدات النفط) دون حلٍّ[4].

ذلك أنه من بين أهم المشاكل التي اعترضت العراق، هناك إشكالية الانتقال الديمقراطي للسلطة على يد الحكومة العراقية. فإلى جانب كون الحكومة الحالية لديها علاقات مع جارتها إيران، فإنها سوف تعاني هذه الحكومة قريباً من صعوباتٍ في الحفاظ على وحدة البلاد، في الوقت الذي أصبحت فيه إمكانية الانقسام أكثر احتمالاً يوماً بعد يوم. ولكن ورغم أن نوري المالكي، الذي انتُخِب سنة 2008، تبدو عليه علامات رجل الدولة، فإن المؤسسة السياسية للبلاد لم تنجح في خلق دولةٍ حقيقية منذ انتخابات 2005. ومنذ التوترات التي ظهرت سنتي 2006 و2007[5].

لقد واجه العراق عند الانسحاب الأمريكي العديد من التحديات، ذلك أنه هيمنت التحديات السياسية والاقتصادية في العراق على كل من سياساته الداخلية وعلاقاته مع الولايات المتحدة وإيران وجيران العراق الآخرين. يحتاج العراق إلى التجارة والدعم عبر الحدود مع إيران، مثلما تحتاج إلى دعم دبلوماسي وعسكري من الولايات المتحدة، كما أن القدرات العسكرية العراقية مخفضةٌ بشكلٍ كبيرٍ، مما يجعلها معتمدة على المساعدات والمبيعات العسكرية والتدريب من الولايات المتحدة، علاوةً على ذلك، لا يزال الاقتصاد العراقي معطلاً بسبب انعدام الأمن المحلي في العديد من المناطق، كما أنّ العراق فيه مستوى من الفساد.

ووفقاً لمنظمة الشفافية الدولية فإن العراق احتل المرتبة 175 من أصل 183 دولة في عام 2011 -مما جعلها الدولة السابعة كأكثر دول العالم فسادًا، كما فشل العراق في تمرير قوانين فعالة للاستثمار والضرائب وتأمين الممتلكات لتأمين الاستثمار المحلي والأجنبي وكذلك إنشاء قوات أمنية فعالة لحمايتها البنية التحتية والشركات. وأزمة الميزانية التي استمرت من عام 2008 إلى عام 2010، وأزمة سياسية بدأت قبل فترة طويلة من انتخابات آذار 2010 التي أنتجت جمودًا فعليًا في العديد من جوانب الحكم، قد أفضت إلى إضافة إلى هذه المشاكل الاقتصادية، فضلاً عن تأخيرٍ حادٍّ في التحسينات النوعية الهامة في كل فرع من فروع قوات الأمن الوطني العراقية[6].

لقد تصاعدت التوترات داخل الجيش مع تزايد التوترات بين الشيعة المدعومين من إيران اكتسبت الميليشيات (الحشد الشعبي) قوة متزايدة في بغداد، وأكد مسؤولون عسكريون عراقيون كبار أنَّ انسحاب 500 جندي أمريكي سيكون له تأثيرٌ طفيفٌ فقط، ولكن خارج العاصمة حيث إعادة الإعمار. وقد تأخرت استعادة الخدمات حيث يخشى المسؤولون المحليون أن الرحيل الأمريكي سيؤدي إلى فراغٍ أمنيٍّ في العراق، حتى الانسحاب المحدود للقوات الأمريكية من شأنه أن يضع عبئًا ثقيلًا على قوى الأمن الداخلي لهزيمة قوات داعش المتبقية. وقال مسؤولون كبار في التحالف والمسؤولون العراقيون إن القوات العراقية ستستمر في الاعتماد على الدعم الجوي الأمريكي، الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية في المستقبل المنظور. إن انسحاب أمريكي سريع وكامل من المرجح أن يؤدي إلى انخفاض في الدعم الأوروبي. ففي هذه الحالة، سيتحمل العراق المسؤولية عن جميع التدريبات، التخطيط والعمليات واللوجستيات، حيث تفتقر قوى الأمن الداخلي حاليًا إلى هذه القدرات ومن المحتمل أن تعاني تدهوراً على المدى القريب، بحيث أضحت النعرات الطائفية هي السائدة على المشهد العراقي[7].

وإقليمياً بدأ رد الفعل الإقليمي للخروج الأمريكي، قبل وقت من بدء الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط عموماً، بعد دخول المنطقة في حالة من التهدئة والمصالحة ووضع الأسس لنظام وأمن إقليمي يسعى إلى تجنب صراعات كبرى، والبحث عن حلول للمشاكل المزمنةٍ. وقد وضع “بيان العلا” الصادر عن القمة الخليجية في يناير 2021، الأساس لعودة العلاقات بين دول التحالف الرباعي (السعودية ومصر والإمارات والبحرين)، وقطر. وهذا ما تجدد مؤخراً في قمة بغداد الخاصة بأمن العراق من حيث إجراء مقابلات وفتح مباحثات بين السعودية وإيران، وبين مصر وتركيا، وبين الإمارات وكل من قطر وتركيا. ومع هذا التوجه نحو التهدئة والبحث عن حلول إقليمية للمشاكل الإقليمية، فإن اتجاه السلام مع “إسرائيل” أخذ اتجاهين كلاهما له طبيعة اقتصادية تصدق مؤشراً على توجهات المرحلة المقبلة. فهناك اتفاق منتدى الغاز لشرق البحر المتوسط الذي يضم سبع دول من بينها فلسطين و”إسرائيل” والأردن ومصر، والاتفاق الإبراهيمي للسلام بين الإمارات والبحرين في ناحية و”إسرائيل” من ناحية أخرى. وأخذاً لتلك الاتجاهات كلها في الاعتبار، فإنها تشير إلى أن الشرق الأوسط رتب بدوره لمرحلة ما بعد الخروج الأمريكي”[8].

إن المشاكل التي تواجه الجيل الجديد من العراقيين وبالأخص اقتصادية إلى حد كبير أوضحت من خلال الاحتجاجات الحاشدة في عام 2019، وبعد عام من الجهد المبذول لتشكيل حكومة أوضحت الانتخابات البرلمانية لعام 2021 بنفس القدر أن هيكل السياسة العراقية كان متيناً ولكنه مختل بنفس الوقت. فمن المرجح أن يؤدي فك الارتباط العسكري عن العراق إلى تقليص نفوذ الولايات المتحدة في بغداد وأربيل. فلا ينبغي المبالغة في وزن واشنطن، لكنه حقيقي وتعززه وجود القوات الأميركية. الحكومة العراقية الجديدة، بقيادة محمد شيعي السوداني، أيدت علنًا الوجود العسكري الأمريكي بموافقة شركائها في التحالف. ومع ذلك، فإن العلاقات الدبلوماسية الثنائية لا تعتمد عادة على القوات الأمريكية المنتشرة. وإن تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق فإنه سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى انسحاب قوات الولايات المتحدة. وكما هو الحال في كل الأشياء، سيكون هناك تناقص في العوائد القياسية للولايات المتحدة[9].

إن العراق هو نقطة محورية للمنافسة بين الولايات المتحدة وإيران على النفوذ، ومن الواضح أن القادة الإيرانيين يسعون إلى ذلك في تعظيم نفوذهم في البرلمان العراقي، وإن رئيس الوزراء يعمل لجني الفوائد الاقتصادية في العراق وعائدات النفط والاقتصاد المحلي ولممارسة التأثير على قطاع الطاقة العراقي، والهيمنة على القطاع الأمني ​​العراقي من خلال قوات الحشد الشعبي. لقد استفادت إيران باستمرار من هذه القوة والنفوذ في العراق لتقويض مصالح الولايات المتحدة، وتدعم إيران بشكل متكرر الهجمات على الولايات المتحدة. فمنذ عام 2003، سعت الولايات المتحدة إلى التقليل أو على الأقل إلى موازنة النفوذ الإيراني في العراق. وكان الوجود العسكري الإيراني في العراق يمكّن الولايات المتحدة من القيام بذلك، بشكلٍ أساسيٍّ من خلال توفير مصدر بديل للأمان، وتقديم الدعم الاقتصادي والمشورة السياسية، وحشد مصادر الدعم الأخرى من المنطقة وما بعدها، وعليه فإن إلغاء المساعدة القتالية المباشرة لقوى الأمن الداخلي العراقية والقوات القتالية يترك فجوةً يمكن أن يملأها الحرس الثوري الإسلامي أو وكلاء الحشد الشعبي، وإطلاق يد إيران في قطاع الأمن العراقي وتقويض السيادة العراقية، وترك فرصة للمستشارين والوكلاء الإيرانيين للتلميح لأنفسهم في قواعد تدريب قوى الأمن الداخلي وتجنيد الأوامر، فالانسحاب سوف يدفع العراق للسعي للحصول على ترتيبات دعمٍ ماليٍّ ومادّيٍّ أقوى، وهذه ستشمل حتماً إيران[10].

إن إحدى الحجج المؤيدة للانسحاب من العراق هي الحاجة إلى إعادة تنظيم القوات العسكرية الأمريكية نحو منافسةٍ معاديةٍ مع الصين وروسيا. كفلا الدولتين تتنافسان بنشاطٍ في إفريقيا والشرق الأوسط. على نحوٍ متزايدٍ، أصبح الشرق الأوسط نقطةً محوريةً لـمنافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة وروسيا الصين عبر المجالات الدبلوماسية والإعلامية والعسكرية والاقتصادية ذات الاهتمام. والعراق هو واحد من عدة أمور مهمة في هذا التنافس. لهذا وقعت الصين على المساعدة في إعادة بناء بعض من العراق، واعتباراً من 2018، حيث كانت الصين هي ثاني أكبر شريك تجاري للعراق، حيث تجاوز حجم تجارة الصين مع العراق بشكل ملحوظ الولايات المتحدة، وصدّر العراق 22.4 مليار دولار من النفط الخام إلى الصين حسب السفير الصيني في العراق، فقد تجاوز حجم التجارة بين الصين والعراق في جميع القطاعات مليار دولار أمريكي في 2018. بالمقابل، روسيا تتنافس مع كل من الولايات المتحدة والصين على أسواق المبيعات الاقتصادية والعسكرية المحدودة في العراق. فروسيا والعراق لديهما دبلوماسية طويلة الأمد بالرجوع إلى علاقة العراق مع الاتحاد السوفيتي. وتسعى روسيا حاليًا إلى تقوية العلاقات مع العراق لدعم أهدافها الإقليمية الأوسع: الاعتراف بها كقوةٍ رئيسيةٍ في الشرق الأوسط، وتعزيز اقتصادها الخاص، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي من أجل منع مزيد من الصعود للتطرف الإسلامي[11].

الفرع الثاني: تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان

اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة أوباما قراراً بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان الذي سيتم على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى هي الالتزام المقرر من الذي قطعته إدارة الرئيس “أوباما” مع الرئيس “حامد كرزاي” عام 2010، حيث تم نقل السلطة العسكرية والسياسية والعملياتية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأفغان، دون انسحاب فعلي. أما المرحلة الثانية فهي الانسحاب المادي للقوات الامريكية من حوالي 140000 إلى 10000. والمرحلة الثالثة تمت في 2021 في ظل إدارة الرئيس “جو بايدن”[12]. فقد جاء قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، الذي أعلن عنه الرئيس “جو بايدن” فى 14 نيسان 2021 ليعبر عن موقف الإدارة الجديدة من الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترمب” مع حركة طالبان في شباط 2020،اذ قرر البدء في انسحاب قوات بلاده في الأول من أيار 2021، على أن تستكمل عمليات الانسحاب قبل الحادي عشر من أيلول 2021، باستثناء الوجود الدبلوماسي، وذلك لإنهاء الحرب التي دامت لسنواتٍ طويلةٍ[13].

لقد ترك هذا الانسحاب في كل مراحله العديد من التداعيات والتحولات ذات الأبعاد والآثار المتعددة.

وكانت أولى هذه التداعيات هو الوضع الأمني الداخلي في أفغانستان.” لم يكتمل الانسحاب الأمريكي بالكامل وبوادر تداعياته أضحت في الظهور، بعد أن أصبح الجيش الأفغاني مسؤولاً عن الأمن القومي بالكامل وهو ما أتضح منه ضعف قدرة الجيش الأفغاني على تحقيق الأمن القومي، بالإضافة لتصاعد حدة العنف وسيطرة طالبان على بعض المدن الأفغانية. لقد تدهور الوضع الأمني في البلاد، مما حمّل الرئيس الأفغاني “أشرف غني” الولايات المتحدة المسؤولية عن تدهور الوضع الأمني في بلاده، مشيراً إلى أنّ السبب هو القرار المفاجئ بالانسحاب الأمريكي وقد أكد ذلك في خطاب وجهه “غني” إلى البرلمان الأفغاني, وأكد على أنه حذر الأمريكيين من أن الانسحاب ستكون له “عواقب, ولازالت قوات الأمن الأفغانية تكافح لصد طالبان، وتخوض معارك طاحنة ضد مقاتلي طالبان لمنع سقوط أول مدينة رئيسية في أيدي المتمردين، بعد سلسلة هجمات استهدفت مراكز حضرية في تصعيد متصاعد، لكن لا تستطيع القوات الأفغانية مواجهة طالبان بمفردها دون المساعدات الأممية بصفة عامة والأمريكية بصفة خاصة، إلى جانب التقدم العسكري لطالبان التي سيطرت حركة طالبان على مساحات من الأراضي خلال شهري تموز وآب 2021. فقد تجاوزت المساحات التي كانت تسيطر عليها عندما كانت الحركة في قمة قوتها قبل الإطاحة بها عن حكم افغانستان في عام 2001، حيثُ استطاع مسلحو حركة طالبان الانتشار في جميع أنحاء البلاد، خاصة في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية والأقاليم الوسطى مثل غزني وميدان وردك، كما أنهم يقتربون من المدن الكبرى مثل قندوز وهيرات وقندهار ولشكرغاه. ولم يستكف مسلحو حركة طالبان من الانتشار في جميع أنحاء البلاد ولكن شنت الحركة هجوماً واسعاً شمل عواصم ثلاث ولايات على الأقل، هي “لشكر قاه وقندهار وهرات”، وقد شهدت على إثرها مواجهات عنيفة نزح خلالها آلاف من المدنيين في ظل تقدم المتطرفين، وأصبح العنف في البلاد مستمر في التصاعد، مع سيطرة طالبان على المزيد من الأراضي. فقد أعلنت طاجيكستان إن ما يزيد على ألف جندي أفغاني فروا عبر الحدود مع سيطرة طالبان على مزيد من الأراضي في شمالي أفغانستان، وقالت لجنة الأمن الوطني الطاجيكية إن القوات تراجعت لإنقاذ حياتها بعد اشتباكات مع متمردين في عدد من المناطق الحدودية. وسيطرت طالبان على معظم أجزاء إقليم باداخشان المجاور، بما في ذلك المعبر الحدودي الرئيسي. وبالتالي أصبحت حركة طالبان تشكل تهديدًا على الداخل الافغاني وامتد التهديد للحدود المجاورة لأفغانستان، كما أن انسحاب القوات الامريكية والناتو أصبح ضروريًا خاصة عقب تهديد طالبان بأن أي قوات أجنبية تبقى في أفغانستان، بعد الموعد النهائي لانسحاب الناتو في سبتمبر، ستكون معرّضةً للخطر بصفتها “محتلة“، وسوف تواصل حركة طالبان الجهاد ضدها”[14].

وقد تحاول “داعش”، وهي العدو التاريخي لحركة “طالبان”، أن تستفيد الآن من مكاسب خصمها فتسعى إلى تكثيف حملة التجنيد عبر تقديم نفسها بصورة «الدولة الإسلامية الأفغانية» الشرعية صاحبة الحق. بعبارة أخرى، لا مفر من حملة تعبئة جهادية أخرى – والسؤال الذي يُطرح ليس ما إذا كانت هذه الحملة ستحدث، بل إلى أي مدى ستكون كبيرة. ويبدو منذ الآن أن قوات “داعش” تكثف هجماتها على وحدات ” طالبان” كما حصل في ولاية ننجرهار قبل سقوط كابول بوقت قليل. وفيما يتعلق بردود فعل الحركة الجهادية عموماً، سبق لعدة جماعات وعناصر أن أشادوا بنجاح “طالبان”، حيث جاء محتوى تلك التصريحات المهنّئة متفاوتاً[15].

وقد يكون في المرحلة المقبلة أن “تنظيم القاعدة هو التنظيم الذي ينبغي مراقبته بعد صعود “طالبان”. فبفضل الأحداث الأخيرة، أصبح التنظيم في وضعٍ يخوّله إعادة تكوين نفسه مع أنه يصعب تقدير عدد العناصر الذين بقوا داخل أفغانستان وهويتهم، بالرغم من توفر بعض المعلومات عن شخصيات بارزة. فإلى أي مدى ستحاول شبكة القاعدة الدولية المنتشرة معاودة دخول البلاد بعد أن وصلت “طالبان” إلى السلطة؟ ربما يعود العناصر المنتمون إلى تنظيم «القاعدة في سوريا»، على الأقل أولئك الذين نجوا من حملة القمع التي شنتها هيئة تحرير الشام والضربات التي نفذتها الولايات المتحدة بواسطة الطائرات المسيّرة إلى أفغانستان. وربما يعود سيف العدل، المرشح خلفاً للظواهري، إلى هناك من إيران. فمهما حدث فإنه من المرجح أن تكون قدرة واشنطن على اعتراض المؤامرات الإرهابية في وقتٍ باكر محدودة إلى حدٍّ ما بسبب افتقارها إلى المعلومات الاستخباراتية على الأرض، بالرغم من التطور الكبير في الآليات الأمريكية الراهنة لمكافحة الإرهاب[16].

هذا على صعيد الداخل الأفغاني ومكافحة الإرهاب، لكن البعض يعتبر الخروج الأمريكي من أفغانستان هو مؤشر لتراجع وانحسار الدور القيادي للولايات المتحدة الأمريكية، وليس فقط لمجرد هزيمة تُضاف إلى سلسلة الهزائم العسكرية الأمريكية، لكن يمكن القول أنّ ما حدث هو علامة أو محطة على طريق تسارع انهيار منظومة الهيمنة الاستعمارية الغربية بقيادة الولايات المتحدة. مثلاً “فرانسيس فوكوياما الذي كتب منذ عشرين عاماً عن نهاية التاريخ وانتصار الحضارة الغربية، يكتب الآن عن نهاية الهيمنة الأمريكية وتمزق المجتمع بمروره بحالة غير مسبوقة من الانقسام الداخلي كعامل أكثر أثرا تدميرياً، ويرى فوكوياما، أن الولايات المتحدة بالغت في تقدير فعالية القوة العسكرية في إحداث تغيير سياسي أساسي، سواء في أفغانستان أو العراق؛ وأنه مع نهاية العقد، خلّف ذلك “أزمةً ماليةً دوليةً زادت من التفاوتات الهائلة التي أحدثتها العولمة التي تقودها الولايات المتحدة”. وفي النهاية، يستنتج فوكوياما بأنه “ليس من المرجح أن تستعيد الولايات المتحدة مكانتها المهيمنة السابقة، ولا ينبغي لها أن تطمح إلى ذلك أبداً. ولكن كل ما يمكن أن تأمل في تحقيقه مع الدول التي تشاطرها نفس التفكير، هو الحفاظ على نظام عالمي يكون صديقاً للقيم الديمقراطية. ولا يعتمد مدى استطاعتها القيام بذلك على الإجراءات قصيرة المدى في كابول، بقدر ما يعتمد على استعادة الشعور بالهوية والأهداف”[17].

وفي مقال “لكريس هيدجز بعنوان “آلة الانتحار الجماعية وسقوط كابول”30. استشرف هيدجز أيضاً أن سقوط كابول وعودة طالبان للسلطة سيكون أحد العلامات على قرب نهاية الإمبراطورية الأمريكية. وشرح بالتفصيل كيف يكون ذلك بقوله “تكون الإمبراطوريات في النهاية آلات انتحار جماعي. حيث يصبح العسكر في أواخر أيام الإمبراطورية غير خاضعين للتوجيه، وغير خاضعين للمساءلة، ويسعون لضمان الاستمرار إلى ما لا نهاية، بغض النظر عن عدد الأخطاء، والكوارث، والهزائم، التي تتكبدها الأمة بسببهم، أو مقدار الأموال التي ينهبونها، مما يؤدي إلى إفقار المواطنين وتآكل المؤسسات الحاكمة وتدهور البنية التحتية المادية. وهذا الحال هو الذي صاحب انهيار ما يقارب 70 إمبراطورية خلال الأربعة آلاف سنةٍ الماضية”[18].

كما ترك الانسحاب الأمريكي تداعيات آثار على الإقليم والجوار الأفغاني، حيث يمثل الوضع في أفغانستان مسألةً بالغة الحيوية بالنسبة لجميع جوارها الجغرافي بالنظر إلى اعتباراتٍ عدةٍ متشابكةٍ، دينيةٍ وعرقيةٍ وأمنية وسياسية واستراتيجية، فباكستان تبدو كأكثر الأطراف الاقليمية حاجةً لاستقرار باكستان كي تتخفف من عبء نحو 1,4 مليون أفغاني يقيمون فيها منذ سنوات طويلة، فضلاً عن أن باكستان تنظر منذ عقود إلى أفغانستان كأحد أبرز ملفات أمنها القومي بالنظر إلى التداخلات العرقية والدينية والأيديولوجية التي تجعل هذا الملف رقماً صعباً في معادلات الأمن الاقليمي في قلب آسيا، حيث تنظر إسلام آباد إلى سيطرة حركة طالبان على الحكم من منظور صراع النفوذ والتنافس الاقليمي التقليدي بين القطبين النوويين في الجنوب الآسيوي، الهند وباكستان، بمعنى أن وجود طالبان يصب في مصلحة باكستان الاستراتيجية، كما أن هناك مصالح اقتصادية ضخمة يمكن أن تحققها باكستان في حال استقرار أفغانستان وبالأخص حال وجود طالبان في الحكم، حيث يمكن لأفغانستان أن تكون سوقاً ضخمة للصادرات الباكستانية، وتتحول كذلك إلى جسر تجاري حيوي بين باكستان وجمهوريات آسيا الوسطى[19].

بالمقابل شكل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسيطرة طالبنا مصدراً للقلق لدى كل من الصين وروسيا من تفشي خطر التطرف الإسلامي في ولاياتها ومدنها، ومناطق الأقليات المسلمة المضطربة، والإضرار بالمصالح سواء في أفغانستان أو جوارها. كما تخشى الصين من تمدد الإرهاب الى خارج أفغانستان ليصل الى المواطنين والاستثمارات الصينية في باكستان ودول وسط أسيا، والتحالف بين التنظيمات المتطرفة مثل داعش وحركة ” تركستان الشرقية ” من التنظيمات المناهضة للدولة الصينية في إقليم شينجيانغ، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على مصالح الصين الاستراتيجية في أفغانستان والمنطقة.[20] “كما وتزايدت المخاوف الروسية أكثر فأكثر نتيجة تخوفها من تحالف طالبان مع الجماعات الاسلامية في الشيشان، لذلك تسير الاستراتيجية الروسية في اتجاهات متوازية من خلال: زيادة الجاهزية العسكرية الروسية في القاعدة 201 الروسية بالقرب من الحدود الأفغانية، زيادة التعاون العسكري مع طاجكستان في إطار منظمة الأمن الجماعي، وزيادة التعاون مع الصين التي تواجه نفس الخطر. كما حذرت روسيا حركة طالبان بلهجةٍ حادةٍ من تجاوز الحركة في أفغانستان لـ “الحدود” خلال توسعاتها السريعة في الأراضي الأفغانية، التي جعلتها على تماس مباشر مع المصالح الروسية بعد سيطرة الحركة على مناطق قرب الحدود بين أفغانستان وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، في مقابل تعهدات الحركة بعدم التحول لشن قاعدة هجوم على دول حليفة أو حدودية مع روسيا، حيث صرح المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان، سهيل شاهين، إن طالبان تناقش مع الجانب الروسي قضية رفع العقوبات عن الحركة”[21].

أما إيران التي تشترك أيضاً في الحدود مع أفغانستان وتمثل قوةً إقليمية مهمة في منطقة الشرق الأوسط، توثر به وتتأثر بمجريات الأمور فيه، “فقد شعرت بارتياح شديد بإعلان الرئيس الأمريكي بايدن عن موقف ادارته الجديدة من الانسحاب من أفغانستان، حيث قامت الولايات المتحدة بتسليم القواعد العسكرية التي أقامتها في أفغانستان بموجب اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعتها الولايات المتحدة مع أفغانستان الى قوات الأمن الأفغانية، إلا إن ما شهدته أفغانستان من عدم استقرار بسبب تردى للأوضاع الأمنية في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو، فضلاً عن سيطرة طالبان على الأراضي الأفغانية أثار قلق ايران وتخوفها من التمدد الإرهابي الى خارج أفغانستان وتدفق المزيد من اللاجئين خاصة في ظل تردى الأوضاع الاقتصادية، وكذا أيضاً توقف حركة الصادارت من إيران الى أفغانستان، فقد بلغ حجم الخسائر بسبب توقف الصادرات الى أفغانستان حوالى 250 مليون دولار.هذا بالإضافة الى القضايا المائية الخلافية كسد هلمند،اذ تخشى ايران من عدم التزام الحركة بالاتفاقيات المائية بين البلدين (النفط مقابل المياه) بعد تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذى من شأنه أن يهدد مصالحها الاستراتيجية في أفغانستان والمنطقة”[22].

وبالنسبة لرد طهران على الانسحاب الأمريكي، يشير الإعلام المحلي إلى أن النظام يركز بالدرجة الكبرى على موضوع الهزيمة الأمريكية بدلاً من سيطرة “طالبان” على البلاد. وقد تبين أن العداوة المشتركة تجاه واشنطن شكلت حافزاً قوياً دفع طهران إلى التعاون مع الجماعات السنية المتطرفة، حتى تلك التي ارتكبت المذابح بحق الشيعة (على سبيل المثال، تنظيم «القاعدة في العراق»)، ولم ينتهِ هذا التعاون إلا بعد أن أصبح القادة الإيرانيون يعتقدون أن تلك الجماعات تشكل تهديداً للنظام نفسه. لذلك، من الممكن أن تتغير مواقفهم من “طالبان” بشكلٍ حاد إذا بدا أن التنظيم يشدد قبضته على السلطة في الداخل، سواء بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر[23].

المطلب الثاني: الفشل الأمريكي في تطويع القوى الإقليمية المناوئة لمصالحها

لقد شكل الحفاظ على وجود أنظمةً سياسيةً مؤيّدةً لسياسات الولايات المتحدة الامريكية واستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط واحدة من أبرز أهدافها في هذه المنطقة، كما عملت على تطويع القوة والأنظمة المناوئة لمصالحها، لكن لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ هذا الهدف على الدوام، وتعرضت لعدة حالات من الفشل.

الفرع الأول: الفشل الأمريكي في إسقاط الدولة السورية

بدأت الازمة في سورية في آذار 2011 واستمرت على مدى 12 عاماً لتشكل واحدة من أكثر الأزمات تعقيداً وتركيباً في الشرق الأوسط، حيث تداخلت فيها العوامل المحلية مع الإقليمية مع الدولية، لتشكل بشكل أو بآخر في بعض مراحلها حرب بالوكالة وتصارع بين قوى عديدة على الساحة السورية.

كانت الأدوار الإقليمية والدولية واضحة جداً في مجريات الحرب السورية، حيث تم ضخ ملايين الدولارات وتجنيد المقاتلين والوسائل الإعلامية لإسقاط الدولة السورية وتغيير النظام، لكن رغم كل هذا الدعم لم يتم تحقيق هذا الهدف وحافظت الدولة السورية على ثباتها وصمودها.

شهدت الساحة السورية تنافساً محموماً بين مختلف القوى واللاعبين الإقليميين والدوليين، من روسيا وإيران إلى الولايات المتحدة الامريكية وتركيا وبعض دول الخليج العربي والأردن في بعض المراحل، ولكل من هذه الأطراف أهدافها ومصالحها، ووفقاً للعديد من الدراسات لم تشهد أي فيما سمي “ثورات الربيع العربي” حالة من الاصطفاف الإقليمي والدولي كما شهدت الحالة السورية، ويعود السبب في ذلك بأن سورية تشكل بيضة القبان في توازنات إقليمية دقيقة، وأي طرف يستميلها قد يكون غير ميزان القوة لمصلحته بشدة، فضلاً عن ذلك تقع سورية على تخوم الملفات الثلاث الساخنة في المنطقة وهي لبنان والعراق وفلسطين، وهي تؤثر وتتأثر بها بقوة، ومع بدء الأزمة السورية راحت سورية تتحول سيئاً فشيئاً من لاعب أساسي في شؤون الإقليم إلى ساحة تنافس إقليمي ودولي.[24] وحدثت مواجهات فعلية بين أكثر من طرف إقليمي ودولي على الأرض السورية ولا سيما بعد دخول الجيش الروسي رسمياً بطلب من الدولة السورية عام 2015، واحتلال الولايات المتحدة الأمريكية وسيطرتها على أجزاء من شمال شرقي سورية، فحدثت مواجهات أمريكية إيرانية أكثر من مرة في الشمال السوري.

“وقد يكون “التفاهم” الوحيد شبه المستقر بين سورية والولايات المتحدة الأمريكية هو حول صعوبة (شبه استحالة) التوصل إلى تفاهم مستقر. وقد نظرت الأخيرة إلى سورية نظرة ريبة، وعدتها في معظم تاريخها المعاصر مصدر تهديد لسياستها، وحكمت العلاقات البينية سياسات احتواء وتدبير للمصالح والتناقضات، حيث مالت غالباً ً لبراغماتية متفاوتة بين تعاون دون التحالف وصراع دون الحرب، غير أن ذلك هو في ظاهر الأمور، أما الأساس العميق فهو العداء، وقد قالت الرئاسة السورية في بيان 7 نيسان 2017 إن » ما قامت به أميركا، ما هو إلا تصرّف أرعن غير مسؤول، وأكدت أن استهداف دولة ذات سيادة يوضح أن تعاقب الإدارات لهذا النظام لا يغير من السياسة العميقة لكيانه « ويمكن الحديث عن “جوهرانية” ما للعداء أو استمراريته، بالأحرى الطبيعة الخاصة من العداء التي لم تمنع من وجود حالة من “التكيف” أو “التعايش” مع حالة حرجة لم يكن من سبيل للتخلص منها، حتى الآن. وقد تحولت العلاقات من منظور واشنطن من سياسات “تغيير سلوك النظام” التي برزت في أعقاب حرب الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، إلى سياسات “تغيير النظام” التي برزت في أعقاب حرب تموز بين حزب الله و”إسرائيل ” 2006، ولكنها لم تتول الانخراط المباشر والتام في العملية، وأرادت أن تفعل ذلك بنوع من ” الحرب بالوكالة” أو ما يعرف بـ “الحرب الهجينة”.[25]

فعندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003 بضرب العراق عسكرياً، كانت سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي رفضت قيام الولايات المتحدة الأمريكية بضرب العراق، مما أغضب الولايات المتحدة الأمريكية من سوريا، وقامت بإرسال تهديدات لها بالتدخل العسكري في حالة استمرار الرفض للتدخل الأمريكي في العراق، ولكن مع استمرار المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتخلي عن القيام بأي عمليات عسكرية داخل الدول العربية؛ بسبب التحديات التي تواجهها داخل العراق[26].

وعندما بدأت الأزمة في سورية، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل، وفق بعض المحللين فإن اندلاع الازمة بالأساس كان عملية استخباراتية أمريكية، ونددت الولايات المتحدة بالدولة السورية ودعت إلى إسقاطها وتدخلت في تفاصيل الحرب الدقيقة.

وفي أيلول 2014، بدأت الولايات المتحدة ضربات جوية في سوريا، بهدف معلن هو منع تنظيم الدولة الإسلامية من استخدام سوريا كقاعدة لعملياته في العراق المجاور. وفي تشرين الأول 2014، أنشأت وزارة الدفاع قوة المهام المشتركة المشتركة -عملية متأصلة بالقرار (CJTF-OIR) “لإضفاء الطابع الرسمي على الأعمال العسكرية الجارية ضد التهديد المتزايد الذي تشكله داعش في العراق وسوريا، وفق مزاعم الولايات المتحدة الأمريكية. CJTF-OIR هو “العنصر العسكري” للتحالف العالمي لمحاربة داعش. في عام 2015، قد نشرت الولايات المتحدة قوات عسكرية في سوريا لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وتدريب القوات المحلية الشريكة[27]، وتجهيز وزارة الدفاع لمكافحة داعش. حيث هذا كان الهدف المعلن، لكن الولايات المتحدة الأمريكية تذرعت تحت شعار مكافحة الإرهاب وتحالفت مع القوات الكردية في شمال شرق سورية لإسقاط الدولة السورية، وبالتحديد “قوات سوريا الديمقراطية” وساعدتها على السيطرة على الأراضي التي يسيطر عليها ” تنظيم الدولة الإسلامية”.

فالولايات المتحدة الأمريكية لم تكتف بالحرب بالوكالة ومارست كل أنواع الضغوط لإسقاط الدولة السورية وزاد التورط العسكري الأمريكي في سورية. فقد أقامت حتى 2017، سبع قواعد عسكرية ومطارات عسكرية في غير مكان من شمال سورية، ومن المتوقع أن تزيد الولايات المتحدة –بالتعاون مع القوات الكردية– في عدد القواعد وفي طبيعتها واستعداداتها. والقواعد المشار إليها هي:

  • “قاعدة الرميلان، وتقع في مطار “رميلان” شرق مدينة “القامشلي” الحدودية، وهي من أولى القواعد العسكرية الأميركية المعروفة في سورية.
  • قاعدة “المبروكة” قرب قرية بالاسم نفسه غرب مدينة القامشلي.
  • قاعدة الجلبية المعروفة باسم “خراب عشق” غرب بلدة “عين عيسى “.
  • قاعدة “عين عيسى” وتقع في محيط المدينة نفسها، وهي من أكبر القواعد الأمريكية في شمال سورية مساحة.
  • قاعدة مطار روباريا، قرب مدينة عين العرب بريف حلب الشمالي.
  • قاعدة “تل حجر” قرب منطقة بالاسم نفسه، شمال محافظة الحسكة.
  • قاعدة تل أبيض، في مدينة “تل أبيض” على الحدود السورية التركية.
  • بالإضافة إلى قواعد عسكرية بريطانية وألمانية في البادية قرب مثلث الحدود بين: سورية، والأردن، والعراق، وثمة وجود عسكري فرنسي.”

كذلك واصلت الولايات المتحدة مسعاها لأن يكون التدخل المباشر والكبير تحت لواء الأمم المتحدة وبغطاء منها كما فعلت في ليبيا[28].

وأنفقت الولايات المتحدة الأمريكية الملايين للقوات الامريكية في سورية، وهو ما يمثل فقط جزء صغير من الانفاق الأمريكي على إسقاط الدولة السورية. (CTEF) هي السلطة المالية الرئيسية لبرنامج تدريب وتجهيز سورية، في العام المالي 2022 خصص قانون الاعتمادات الموحدة مبلغ 500 مليون دولار متاحًا لـ CTEF، بما في ذلك 155 مليون دولار لسوريا، وسعى طلب الدفاع الذي قدمته إدارة بايدن للسنة المالية 2023 للحصول على 541 مليون دولار في صندوق تمويل الإرهاب، بما في ذلك 183 مليون دولار لسورية. وهذا يعكس زيادة عن السنتين السابقتين (500 دولار مليون دولار و460 مليون دولار تم إقرارهما لصالح CTEF في السنتين الماليتين 2022 و2021، على التوالي)[29].

إلى جانب ذلك فرضت الولايات المتحدة الأمريكية قائمة طويلة من العقوبات على الدولة السورية، لكن جزء من هذه العقوبات يعود إلى تاريخ سابق عن بداية الحرب السورية فيعود إلى سبعينيات القرن العشرين، حيث أبقت الولايات المتحدة على العقوبات التي فرضتها على سوريا منذ السبعينيات، لكن القسم الأكبر من العقوبات الأميركية على سوريا فرض في مرحليتين عريضتين: الأولى في العقد الأول من الألفية الجديدة، وقد عزاها صناع السياسات الأمريكية إلى دعم سوريا للإرهاب، وإلى أنشطتها في لبنان، وغيرها من أنشطة الحكومة السورية؛ والثانية منذ العام 2011 وحتى يومنا الحاضر، حيث فُرضت، وفقاً لصناع السياسات الأمريكيين، بسبب “الحرب الأهلية السورية”، وتم فرض عقوبات أساسية وثانوية على سوريا،[30]، وصولاً إلى 2019 عندما تبنى الكونغرس الأمريكي قانون قيصر، الذي حدد له مدة خمس سنوات من تاريخ دخوله حيز النفاذ الذي تسري أحكامه خلالها، وينتهي بعدها سريان هذا القانون. “لقد استهدفت الإجراءات الأمريكية السابقة لما يطلق عليه قانون قيصر بصورة أساسية سورية، إذ أدرجتها الولايات المتحدة الأمريكية في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ عام ّ 1979.وفي عام ّ 2004 قرر الرئيس جورج بوش أن ّسورية تشكل تهديد للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة واقتصادها، وفي هذا تم اتخاذ تدابير ضد المصالح السورية تراوحت بين الحجز على ممتلكات مسؤولين سوريين البارزين في الولايات المتحدة، وصولاً إلى الحجز على ممتلكات ومصالح الحكومة السورية، كذلك على ممتلكات ومصالح كل شخص أمريكي أو في الولايات المتحدة يقدم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً للحكومة السورية، واستهدفت هذه الإجراءات القطاع العسكري، وفرض حظر الطيران السوري إلى الولايات المتحدة منذ عام 2004، وكذلك تم استهداف قطاع النفط والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ثم ليأتي قانون قيصر ليشدد هذه العقوبات ويوسع مداها، فمثلاُ بعد استهداف العقوبات للمصرف العقاري والتجاري السوري استهدف قانون قيصر البنك المركزي السوري، وتم استهداف قطاع الطيران دون التمييز بين الطيران المدني والعسكري، إلى جانب قطاع الإعمار”[31].

لكن رغم كل هذه الجهود المبذولة والإمكانات الموضوعة التي عكست مقدار أهمية إسقاط الدولة السورية في الحسابات الأمريكية، نجحت الدولة السورية في الصمود ولم تتمكن الولايات المتحدة من إسقاطها، حيث استطاعت الدولة السورية تغيير المعادلات على الأرض ومجابهة التحديات المفروضة عليها، وعودتها طرفاً إقليمياً فاعلاُ يستعيد دوره ومكانته وعلاقاته الطبيعية مع الجوار.

الفرع الثاني: الفشل الأمريكي في احتواء إيران واليمن

احتفظت الولايات المتحدة الامريكية مع إيران بعلاقات جيدة خلال عهد الشاه الذي كان حليفاً للغرب. وعادت تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لإسقاط حكومة مصدق التي أطاحت بنظام الشاه في خمسينيات القرن العشرين وأعادت نظام الشاه بالقوة، ولعبت إيران دوراً فاعلاً في حماية المصالح الأمريكية وتنفيذ الخطط الامريكية، مثل استدراج إيران لدول المنطقة للدخول في احلاف رعتها الولايات المتحدة الأمريكية مثل حلف بغداد عام 1955[32].

“ومع اندحار الشاه وانتصار الثورة الإيرانية الإسلامية بقيادة آية الله الخميني عام ١٩٧٩م وانتهاء فترة التوافق الإيراني الأمريكي، رفعت الثورة الإيرانية شعارات دينية وايديولوجية عريضة، كأسلمة المجتمع والسياسة وضرورة تصدير الثورة للدول المجاورة خاصة تلك التي يوجد أقلّيّات شيعية بين سكانها. فمنذ انطلاقتها، استشعرت الولايات المتحدة خطورة الثورة الإيرانية على مصالحها في المنطقة، خاصة في ظل النزعة الاستقلالية الإيرانية ومعاداة النفوذ الأمريكي، وقد ساعدت الأحداث التالية للثورة في تدهور العلاقات وتعميق الخلاقات بين الطرفين لتدخل مرحلة القطيعة، وكان أبرز هذه الأحداث هو أزمة الرهائن الأمريكية لدى طهران ذلك أنها في عام ١٩٨٠م وأثناء اقتحام السفارة الأمريكية قد تم احتجاز اكثر من ٦٦ رهينة أمريكية احتجاجا من الإيرانيين على الدور السلبي الأمريكي الداعم للشاه على حساب الشعب الإيراني، وتم احتجازهم داخل السفارة الأمريكية في طهران لأكثر من ٤٤٤ يوما، وقد أعلن الرئيس الإيراني ”بني صدر“ آنذاك شروطاً للإفراج عن الرهائن، تضمنت عودة الشاه إلى إيران، وإعادة ثروة الشاه، واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية وتعهدها بعدم التدخل في سياسة إيران الداخلية والخارجية في المستقبل، إلا أن ردود الفعل الأمريكية تجاه دعاة الثورة تراوحت بين قطع العلاقات الدبلوماسية وإيقاف كل اشكال الدعم وبخاصة العسكرية للنظام الجديد، كما تبنت الولايات المتحدة خطوات أخرى لمعاقبة إيران على شاكلة تجميد كل الأصول المالية الإيرانية في البنوك الأمريكية ومنع تحويل عائدات الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة من الوصول إلى إيران ووقف كل علاقات الاستيراد والتصدير بين البلدين، وتحريم كل أشكال الزيارات المتبادلة بين وفود البلدين”[33]. واستمرت العلاقة الثنائية في اتخاذ مناحي سلبية، وتم إشغال إيران في حرب الخليج الأولى، وطرح قضية الملف النووي الإيراني الذي تحول إلى واحدة من أبرز القضايا والأزمات التي تواجه المنطقة، وفي ظل سعي الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من التأكد من سلمية البرنامج النووي الإيراني واتهامات إيران باستخدام البرنامج لأغراض عسكرية، وإصرار إيران بالمقابل على سلمية برنامجها وأحقيتها في استخدام الطاقة النووية.

بالعموم يمكن القول انه شكل انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩ وسقوط نظام الشاه نقطة تحول مهمة في السياسـة الخارجيـة الأمريكيـة تجـاه إيـران، إذ تحولـت إيـران مـن حليـف اسـتراتيجي للـدول الغربيـة عامـة، والولايـات المتحـدة الأمريكيـة بصـورة خاصـة إلى دولـة ذات ثقـل ووزن إقليمـي ومركـز جـذب واستقطاب للسياسات المعادية للولايات المتحدة الأمريكية. وممـا عـزز مـن تلـك الرؤيـة الأمريكيـة قناعـة الولايـات المتحـدة انـه لـيس بمقـدورها أن تـترك مصـالحها الحيويـة (الـنفط) في المنطقـة بأيـدي غـير أمينـة علـى مصـالحها أو تتركـه عرضـة للظـروف والمفاجآت، لاسيما في ظـل انعدام الثقـة بـين الولايـات المتحـدة الأمريكيـة والنظـام الجديـد في إيـران الذي نشأ بعد الثورة الاسلامية عام1979 [34]، وعليه سعت الوليات المتحدة الأمريكية لاحتواء إيران بشتى الطرق والتضييق على النظام وعزله تمهيداً لسقوطه.

لكن لم تكن سياسة الولايات المتحدة في عزل وإضعاف التنمية العسكرية والسياسية والاقتصادية لإيران من خلال الاحتواء، ناجحة تمامًا. فبعد الانتصار الانتخابي للإصلاحيين في مايو 1997 ووصول محمد خاتمي إلى السلطة كرئيس لإيران، أدركت إدارة كلينتون أنه من المصلحة الاستراتيجية للبلاد السعي إلى علاقات طبيعية مع طهران، حيث تم إدراك التغييرات على المستويين الداخلي والخارجي. على المستوى الخارجي، بدأ الرئيس خاتمي سياسة خارجية انفراجية. على الرغم من أن سياسة التقارب قد تبناها الرئيس السابق رفسنجاني، إلا إنّ نظام خاتمي اعتمدها ونفذها بحزم وثقة. فمنذ عام 1997، كانت سياسة الانفراج هي حجر الزاوية في السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس خاتمي، حصل بعض التغيير في موقف الولايات المتحدة ومشاعرها تجاه إيران بعد الانتخابات الرئاسية في أيار 1997. وصرح الرئيس كلينتون في مأدبة عشاء بالبيت الأبيض في نيسان 1999، أنه من المهم الاعتراف بأن “إيران، بسبب أهميتها الجغرافية، مع مرور الوقت كان موضوع الكثير من الإساءات من مختلف الدول الغربية “. فتحركت إدارة كلينتون لتخفيف العقوبات الاقتصادية والتجارية ضد إيران. مرة أخرى، في أبريل 1999، أعلن مسؤول في البيت الأبيض “إعفاء من البيع التجاري للأغذية والأدوية والمعدات الطبية، مما يتيح البيع بالجملة للحبوب الأمريكية للمشترين الإيرانيين”. لذلك، من الواضح أن الولايات المتحدة مهتمة بإشراك إيران. ورغم أن إيران حريصة أيضًا على تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، إلا أنها حذرة بسبب تجاربها السابقة، حيث قال خاتمي إنه “يحترم الشعب الأمريكي ويأمل في علاقات أفضل بين طهران وواشنطن، لكن ما ننتقده هو السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الدول الأخرى، وخاصة إيران في الماضي”.

وقال الرئيس خاتمي في كلمة ألقاها أمام طلاب جامعة طهران: “عندما نقول إن هناك جداراً من انعدام الثقة بين إيران والولايات المتحدة، فهذا ليس مجرد شعارٍ بسيطٍ”. لكنه شدد في الوقت نفسه على أن إيران ليست عدواً للشعب الأمريكي وقال إنه “يجب أن يعلموا أن الشعب الإيراني لا يقبل أيّ هيمنةٍ ويعتقد أن أساس جميع العلاقات يجب أن يكون الاحترام المتبادل وإسقاط جدار عدم الثقة”. وشدد الرئيس خاتمي على أن “إيران لن تستعيد العلاقات إلا بعد موافقة الولايات المتحدة على قبول مطالبها المحددة بوضوح. وطالما لم يتم تلبية تلك المطالب، وطالما لم يتم إسقاط جدار عدم الثقة العالي بين إيران وأمريكا، لن نشهد أي تغيير جوهري في العلاقات بين البلدين”. كذلك لا يزال مناخ الشك وعدم الثقة المتبادلين قائماً، لذا سيستغرق بناء علاقة جديرة بالثقة الكثير من الوقت.وقد شهدت سياسة إيران الخارجية في عهد الرئيس خاتمي تغييرًا ملموسًا: الابتعاد عن المواجهة نحو المصالحة. لتجنب “صدام الحضارات”، يفضل “حوار الحضارات” و “الحوار بدلاً من الصراع” في خيارات سياسته الخارجية. لذلك، خلقت سياسة الانفراج التي انتهجها خاتمي بيئة متناغمة لتوسيع علاقات إيران مع العالم وتحسين علاقاتها مع القوى الكبرى، على الرغم من أن العلاقات مع الولايات المتحدة لا تزال تشوبها الشكوك وعدم الثقة المتبادلة[35].

كمثال تفصيلي يمكن أخذ قضية الملف النووي الإيراني. كان البرنامج النووي الإيراني مصدر خلاف بين إيران والولايات المتحدة، وقد اتخذ الرئيس أوباما مقاربة جديدة لإيران، دون التخلي عن المصالح الأمريكية. وعلاوة على ذلك، وخلال فترة أوباما الرئاسة دعا إلى إبقاء القنوات المفتوحة لـ الاتصال والحوار بين الولايات المتحدة وخصومها مثل إيران، كما يمكن تحقيق ذلك من خلال ترك مساحة للتفاوض بشأن المشكلة النووية الإيرانية. لقد نتج عن إدارة أوباما النووية الإيرانية تقارب بين الولايات المتحدة وإيران وتوقيع اتفاق باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، بما خدم كلاً من المصلحة الوطنية للولايات المتحدة وإيران من خلال تقليل التهديد النووي وتعزيز العلاقات الاقتصادية على التوالي، وسيضع هذا الاتفاق حداً للحرب الأيديولوجية بين البلدين، مما يسمح لإيران بالاندماج في العالم[36].

لكن تبدل الوضع مع إدارة الرئيس ترامب. تزايد عداء ترامب لإيران خلال فترة إدارته واتهموها بأنها دكتاتورية فاسدة. أدرك ترامب أنه من المفيد للولايات المتحدة مواجهة إيران والوقوف إلى جانب دول الخليج. وبالمثل، بدأ ترامب بتحدي إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي ووضع العقوبات الاقتصادية على البلاد بسبب أن إيران لا يمكن وقفها في أن تصبح أكبر داعم للإرهاب في العالم، كما يتضح من تمويلها للحوثيين في اليمن، والذين تزودهم بالمال والأسلحة، وتركيزها على توسيع نظام الصاروخ الإيراني البعيد المدى. اما الحكومات الأمريكية المختلفة فقد ناقشت إلى أي درجة ينبغي عليهم متابعة التعاون مع إيران سواء لأسباب محدودة أو لتحقيق تغيير مهم في العلاقات الأمريكية الإيرانية. لقد شجع الرئيس ترامب علانية الحوار مع المسؤولين في إيران، كما قال وزير الخارجية بومبيو في خطابه يوم 21أيار 2018، كما وضعت الإدارة شروطاً مفصلة لإجراء تغيير مهم في العلاقات الأمريكية الإيرانية، وأن العديد من هذه الطلبات سيكون لها تداعيات على ثورة إيران وسياسات الأمن القومي وإيران من غير المرجح أن تمتثل، لهذا انهارت المحادثات المباشرة التي كانت محتملة بين البلدين. لقد أفاد الرئيس روحاني في كانون الأول 2018 أن الولايات المتحدة قد طالبت بإجراء مفاوضات مع إيران في ثماني مناسبات في عام 2017 وثلاث مرات في عام 2018، وأن الولايات المتحدة أمرت بإجراء مفاوضات “بشكل غير مباشر” في ثلاث مناسبات في 2018. وأضاف أن إيران رفضت هذه المبادرات. وصرح روحاني ومسؤولون إيرانيون آخرون أنهم لن يقبلوا التفاوض مع إدارة ترامب حتى يتم رفع العقوبات بعد انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة. لدعم استراتيجية الولايات المتحدة، هددت العديد من الحكومات باستخدام العمل العسكري ضد إيران، إما بشكل غير مباشر أو مباشر. فقبل “خطة العمل الشاملة المشتركة”، كان دعاة العمل ضد إيران من جانب واحد يقولون إن القيام بذلك سيعيق برنامج إيران النووية[37].

وبالعموم كل الجهود الامريكية لم تلق نجاحها في تحييد إيران واحتوائها، حيث لا زالت إيران تلعب دوراً فاعلاً في الإقليم وتمسك بأوراق مهمة، وتتجه علاقاتها إلى الانفراج مع باقي دول منطقة الشرق الأوسط، لا سيما مع نجاح الصين في تحقيق اختراق في العلاقات الإيرانية السعودية، وإعلان البلدان استئناف علاقاتهما الدبلوماسية عام 2023، والتي بقيت مقطوعة منذ عام 2016.

“لقد اعترفت الولايات المتحدة بالمملكة المتوكلية اليمنية عام 1946، لكنها لم تفتتح سفارة لها هناك حتى عام 1959. فقبل ذلك، كان سفيرها لدى السعودية يشغل منصب سفير غير مقيم لدى اليمن. وبعد حرب 1967 بين إسرائيل والدول العربية المتاخمة لها، قطع اليمن الشمالي علاقاته مع الولايات المتحدة، وبعد عامين، أي عام 1969، فعل اليمن الجنوبي ذات الأمر. ثم عادت العلاقات بين الولايات المتحدة واليمن الشمالي عام 1972، ولم تعد مع اليمن الجنوبي إطلاقًا. وقد أبقت واشنطن اليمن على مسافة معينة في أعقاب حرب الخليج في عامي 1990-1991 والتصويت غير المدروس الذي أدلى به الرئيس صالح في مجلس الأمن. وشهدت العلاقة الأمريكية اليمنية تحولًا دراماتيكيًّا بعد التفجير الذي استهدف المدمرة الأمريكية يو إس إس كول عام 2000 وهجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001. وعلى مدى العقدين الماضيين، اعتبرت الولايات المتحدة اليمن مشكلةً أمنيةً يجب إدارتها. هذا التهديد الإرهابي المتصور أثر تقريبًا على جميع قرارات واشنطن بشأن علاقتها مع اليمن. ففي البداية، منذ 2001 حتى 2004، سعت الولايات المتحدة ونجحت في الحصول على إذنٍ واضحٍ من حكومة صالح لملاحقة تنظيم القاعدة في اليمن. وقد أدى ذلك إلى اتخاذ قرارات من قبيل غارة الطائرة المسيّرة في تشرين الثاني 2002”[38].

هذا وكان واقع علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع اليمن قبل اندلاع الحرب وتفجر الأزمة عام 2011.

ويعود جذور الصراع في اليمن إلى انتفاضات ما يعرف بالربيع العربي عام 2011، عندما أجبرت انتفاضة شعبية الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي كان في السلطة لفترة طويلة، على تسليمها إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، وكان من المفترض أن يجلب ذلك الانتقال السياسي الاستقرار إلى اليمن الذي يعد من أفقر دول الشرق الأوسط. لكن الرئيس هادي واجه صعوبات مختلفة بما في ذلك هجمات المتشددين والفساد وانعدام الأمن الغذائي واستمرار ولاء العديد من الضباط العسكريين للرئيس السابق علي عبد الله صالح. إنما بدأ القتال عام 2014 عندما استفادت الحركة الحوثية من ضعف الرئيس الجديد، وسيطرت على محافظة صعدة الشمالية والمناطق المجاورة. ثم سيطروا على العاصمة صنعاء، الأمر الذي أجبر هادي على الفرار إلى الخارج[39].

لقد تطور النزاع وتصاعد مع تدخل السعودية العسكري المباشر، حيث تم تشكيل تحالفٍ من قبل المملكة العربية السعودية مع 8 دول أخرى لإعادة هادي إلى السلطة، بدعمٍ من الولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت مصلحة الجزيرة العربية هي حماية واحتواء حدودها لمنع اليمن من التفتت واحتواء النفوذ المتنامي المتصور لإيران. وفي آذار 2015 بدأ التدخل العسكري بقيادة السعودية في شنّ غارةٍ جويةٍ وحصارٍ بحريٍّ على الموانئ اليمنية، وفي عام 2017 بعد أن كانت قوات صالح والحوثيين حليفتين لأن كلا الطرفين عارض الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، عادت وحولت قوات صالح دعمها للتحالف الذي تقوده السعودية الذي على محاربة الحوثيين وإيران[40].

وخشي التحالف الذي تقوده السعودية من أن يقود استمرار نجاح الحوثيين إلى تثبيت قدم إيران، ذات الأغلبية الشيعية، في اليمن وهي القوة الإقليمية المنافسة للسعودية. وتقول السعودية إن إيران تدعم الحوثيين بالأسلحة والدعم اللوجستي وهو ما تنفيه إيران. وقد عانى كلا الطرفين من الاقتتال الداخلي. وقُتل صالح على يد المقاتلين الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2017، بعد أن انشق الحوثيون عنه[41].

لقد تدخلت الولايات المتحدة في اليمن لعدد من الأسباب، بداية هي العلاقة الثنائية الطويلة تاريخياً مع المملكة العربية السعودية، ودعم التحالف بقيادة السعودية بما يمكنها من زيادة قوتها في الشرق الأوسط، وبيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والمساهمة في توفير ربح اقتصادي جيد ووظائف في قطاع مصنعي الأسلحة الأمريكية، كما تعمل السعودية على استقرار سعر النفط للولايات المتحدة. من جانب آخر فقد تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لدعم السعودية ومحاربة إيران من خلال محاربة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة في شبه الجزيرة العربية لمنع الهجمات المستقبلية على الأراضي الداخلية الأمريكية[42].

كانت الحرب في اليمن منذ اللحظة الأولى لانطلاقها مرتبطة بالعلاقات السعودية-الأمريكية وتطور الأحداث داخل السعودية. فالمملكة قررت قيادة التحالف العربي في 26 آذار 2015 استجابة لطلب من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بعد انقلاب حركة أنصار الله (الحوثيين)، إلا أن الإعلان جاء من واشنطن بواسطة سفير المملكة آنذاك عادل الجبير الذي أخبر بانطلاق أولى العمليات العسكرية باسم عاصفة الحزم، ليعقبه بعد ساعات قليلة بيان من البيت الأبيض يؤكد فيه دعم إدارة الرئيس أوباما للتحالف العربي وتقديم بلاده للدعم اللوجستي والاستخباراتي وتأسيس خلية التخطيط المشتركة. بعد أسبوعين من انطلاق الحملة، أيدت إدارة أوباما قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يطالب الحوثيين بالتراجع عن الانقلاب والأعمال العسكرية والعودة للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني. وبعد أسبوع من قرار مجلس الأمن، أعلنت المملكة انتهاء عملية عاصفة الحزم باعتبارها حققت أهدافها وبدء عملية إعادة الأمل. بعد هذا التغيير بأيام، صدرت أوامر ملكية بإقالة ولي العهد آنذاك مقرن بناءً على طلبه، وتعيين وزير الداخلية محمد بن نايف وليّا للعهد، وتعيين وزير الدفاع محمد بن سلمان وليّاً لوليّ العهد[43].

لكن عادت الولايات المتحدة الأمريكية وخففت من دعمها للتحالف بقيادة السعودية، فقد “اتسمت السياسـة الأمريكية تجـاه الصـراع فـي اليمـن بأنها “متأرجحةٌ وفقــاً للتعقيــدات السـابقة، فقـد انتقلـت غيـر مـرة مـن تأييـد التحالـف العربـي المناصـر للشـرعية، إلـى وضـع قيـود على هذا التأييـد، ثـم إلـى إلغائها والتركيز على الحل السياسـي”، مـع الحفـاظ دائمـا علـى إعلان الالتزام بحمايـة أمـن الســعودية وحلفائهــا، ورغــم إعــلان الســعودية بعــد أســبوعين مــن صـدور قـرار انتهـاء “عاصفـة الحـزم” باعتبـار أنهـا قـد حققـت أهدافهـا وبـدء عمليـة “إعـادة الأمل”، اسـتمر القتــال وتزايــدت معــه أعــداد الضحايــا المدنييــن، وتفاقمـت الأوضاع الإنسانية، وتصاعـدت انتقـادات “مؤسسـات الإغاثة والمنظمـات الحقوقيـة. ابتـداء مــن تشرين الأول 2015، وجــدت هــذه الانتقادات طريقهــا للكونجــرس، وأعــرب بعــض أعضائــه عــن انتقادهــم المستمر لمبيعـات السـلاح للسـعودية، ثـم وقعـت الحادثـة التـي بـدأ بعدهـا تخفيـض الدعـم العسـكري والاستخباراتي واللوجســتي الأمريكي للتحالــف، وهــو اســتهداف قاعــة للعــزاء فــي صنعــاء بغــارة جويــة فــي تشرين الأول 2017، ممــا أدى إلــى ســقوط نحــو 150 قتيل و500جريـح، وأدى هـذا الحـادث إلـى عاصفـة مـن الإدانات من قبــل المنظمــات الحقوقيــة والأمم ِ المتحــدة، وأدانــت إدارة “أوبامــا” الغــارة وتوعــدت بمراجعـة دورهـا، وبعـد شـهرين أعلنـت تعليـق بيـع أســلحة للســعودية، وتقليــل مســتوى مشــاركة المعلومــات الاستخباراتية، وزيــادة تدريــب القــوات الجويــة الســعودية لتحســين الأداء مــع اســتمرار ًّ تزويــد طائــرات التحالــف بالوقــود جــواً.[44]

كانت سياسة “ترامب” عكس السياسة التي اتبعها أوباما، حيث رفض الاتفاق النووي الإيراني كما أنه وصف إيران على أنّها دولةٌ إرهابيةٌ حيث كانت تقوم بنقل أسلحةٍ وصواريخ متطورة إلي وكلائها الاقليمين ومنهم الحوثيين الذين كانوا يستخدمونها ضد سفن أمريكية، كما أعلن “ترامب” أن الحوثيين جماعه إرهابية وهم أداةٌ في يد قوات الحرس الثوري الإيراني، وكان الذي يشغل الإدارة الامريكية خلال هذه الفترة هو الخوف من زيادة نفوذ طهران وتحولها إلى قوة إقليميةٍ خطيرةٍ وتحوّل الحوثيين إلى قوة عسكرية مشابهة لحزب الله في لبنان، لذلك حاول “ترامب” بقدر الإمكان زيادة الدعم والمساعدات إلي التحالف العربي بقياده السعودية. بالمجمل فإنّ ” ترامب” كان مع تصعيد الحرب في اليمن وأنّ اليمن تحتل موقعاً مهماً وأمامياً في استراتيجية “ترامب” من أجل التعامل مع الملف الإيراني، حيث قام “ترامب” باستخدام حق الفيتو عندما أعلن الكونجرس الأمريكي بضرورة وقف الدعم الأمريكي لليمن بسبب الكوارث الإنسانية التي نتجت عن الحرب في اليمن وارتفاع عدد القتلى المدنيين وصعوبة وصول الإمدادات الإنسانية اليهم نتيجة الحصار الشديد المفروض علي مداخل ومخارج اليمن للرّدّ علي الحوثيين الذين قاموا بإطلاق الصواريخ البالستية على المطار الدولي في الرياض. أمّا عندما تولي “بايدن” رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أعلن ضرورة إنهاء الحرب في اليمن وعلى أمريكا أن توقف الدعم الموجه للعمليات العسكرية التي تتم في اليمن، وأيضا وقف جميع صفقات التسليح، وضرورة التوصل إلى حلٍّ دبلوماسي، وأعلن “بايدن” في شباط 2021 إسقاط الحوثيين من قائمة الإرهابيين[45].

أخيراً يمكن القول إنّ هذا التذبذب والتحوّل في موقف الولايات المتحدة من حرب اليمن يعكس فشلها بتحقيق أهدافها في اليمن وإنهاء النفوذ الإيراني المتنامي، والانتصار الساحق على الحوثيين.

الخاتمة

النتائج:

  1. يشهد التواجد والنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط تراجعاً ملحوظاً وإخفاقاتٍ تمثلت في الانسحاب الأمريكي من العراق وأفغانستان وما خلّفه من تداعياتٍ، فضلاً عن فشل الولايات المتحدة الأمريكية في إسقاط الدولة السورية وتنفيذ مشروعها التفكيكي، والفشل في احتواء إيران ومعالجو ملف اليمن.
  2. الصين وروسيا ستستفيدان من الانسحاب الأمريكي من العراق في زيادة نفوذهما في هذه الدولة ومن ثم في منطقة الشرق الأوسط على العموم، وإجراء ترتيبات وتغييرات إقليمية أكثر مراعاة لمصالحهم. ومن ناحيةٍ أخرى قد يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى التخفيف من المنافسة الدولية في منطقة الشرق الأوسط.
  3. وعليه شكلت الولايات المتحدة الأمريكية أحد أبرز اللاعبين الدوليين في الحرب السورية، ودعمت بشتى الطرق إسقاط الدولة السورية، مالياً وعسكرياً ودبلوماسياً واقتصادياً.
  4. بالإضافة إلى ذلك فقد شكل اليمن واحد من الملفات والأزمات المتداخلة في الشرق الأوسط والتي شهدت تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وانخراطها في هذه الأزمة، وفشلها في تحقيق أهدافها من هذا التدخل.

التوصيات:

  1. تشجيع المزيد من الدراسات والبحوث المستقبلية المستفيضة حول موضوع التنافس الأمريكي الصيني على منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما من ناحية اقتراح سياسات وتقديم مقترحات لكيفية الاستفادة من هذا التنافس من قبل دول المنطقة وتعزيز استقرارها وازدهارها.

قائمة المراجع:

المراجع باللغة العربية:

  • أحمد يوسف أحمد، السياســـة الأمريكية تجـــاه الصـــراع فـــي اليمـــن: هل من دور فاعل لحله، مجلة آفاق استراتيجية، العدد 5، آذار 2022
  • إسراء إيهاب حافظ العزيزي، التدخلات الخارجية في الأزمة اليمنية في الفترة من (2011 – 2022)، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2022.
  • أمل يازجي، قانـون قيصر بيـن الشـرعية والمشـروعية وانعدامهمـا، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، شباط 2019
  • أمير خالد سعيد محمد حسن، أثر التدخلات الخارجية على فشل الدولة السورية (2011 – 2022)، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية، 2022.
  • الانسحاب الأمريكـــي من افغانستان: التداعيات والانعكاسات المحتملة، مجلة درع الوطن، مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة، 2021.
  • أيمن يوسف، إيران في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية: من الاحتواء المزدوج إلى الشرق الأوسط الجديد، مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب، العدد 1، المجلد5،2008،
  • د. خالد هاشم محمد، تبعات الإنسحاب: أسباب ودلالات استمرار بقاء القوات الأمريكية في العراق، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 2022.
  • د. غريغوري دي جونسن، الجهات الفاعلة الأجنبية في اليمن: التاريخ والسياسة والمستقبل، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، شباط 2021
  • سلطان العامر، بايدن وحرب اليمن: السياق الطويل لتحولات الموقف الأمريكي، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 2021.
  • شيماء فاروق، تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان: محليًا وإقليميًا، المركز الديمقراطي العربي، آب 2021.
  • العقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا، مركز كارتر، أيلول 2020
  • عقيل محفوض، الثعلب والقنفذ الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017
  • عمار حميد ياسين، الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قراءة في حسابات الدوافع والتداعيات المستقبلية على معادلة الأمن الإقليمي، العراق: جامعة بغداد، 2022.
  • عمرو دراج، ما بعد الهزيمة الأميركية في أفغانستان: المسارات المستقبلية للمنطقة العربية، المعهد المصري للدارسات، تقارير سياسيا، تشرين الأول، 2021،
  • فادي جمعة، العلاقات الإيرانية الأمريكية، وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط، فلسطين: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2019،
  • كاثرين ويلبارغر، هارون ي. زيلين، پاتريك كلاوسون، من أفغانستان إلى الشرق الأوسط: تداعيات الانسحاب الأمريكي وانتصار “طالبان”، معهد واشنطن لسياسة الشرق القريب، المرصد السياسي 3525، 2021.
  • ما بعد الخروج الأمريكي من الشرق الأوسط، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أيلول 2021.
  • مروان قبلان، المسألة السورية واستقطاباتها الإقليمية والدولية: دراسة في معادلات القوة والصراع على سورية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013
  • ميشيل غويا، انسحاب القوات الأمريكية من العراق وعواقبه، مركز الجزيرة للدراسات، 2011.
  • ياسمين احمد اسماعيل صالح، التداعيات الدولية والإقليمية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد 14، المجلد 15، نيسان 2022، 464.

المراجع باللغة الأجنبية:

  • Anthony H. Cordesman and Sam Khazai, Iraq After US Withdrawal, Center for Strategic and International Studies, 2012.
  • Ben Connable, James Dobbins, Howard J. Shatz, Raphael S. Cohen, Becca Wasser, Weighing U.S. Troop Withdrawal from Iraq Strategic Risks and Recommendations, RAND Corporation, 2020,
  • Carla E. Humud, Armed Conflict in Syria: Overview and U.S. Response, Congressional Research Service, 2022
  • Linnea Johansson, The United States involvement in Yemen A case study with rational and humanitarian reasoning of the involvement, influence and its objective, Linnaeus University, Faculty of Social Sciences, Department of Social Studies. 2021.
  • LTC Octavian Dorobantu, ROU Army, CSAG CCJ5, The Implications of a US Withdrawal from Iraq for USCENTCOM
  • Morgan L. Kaplan, The U.S. Withdrawal from Iraq and Its Impact on Baghdad, Erbil, and the Relations Between Them, Italian Institute for International Political Studies, 2021.
  • Priorities and Great Power Competition, NESA Center, 2021.
  • Steven Simon and Adam Weinstein, You Can Go Home Again: A Proposal for Phased Military Withdrawal from Iraq and Normalizing U.S.–Iraq Relations, QUINCY institute for responsible statecraft, QUINCY PAPER NO. 10, March 2023.
  • Zainaddin M. Khidhir, US FOREIGN POLICY GOALS IN THE MIDDLE EAST BETWEEN 2011 AND 2021, NSTITUTE FOR FOREIGN AFFAIRS AND TRADE

الهوامش:

  1. ميشيل غويا، انسحاب القوات الأمريكية من العراق وعواقبه، مركز الجزيرة للدراسات، 2011.
  2. د. خالد هاشم محمد، تبعات الإنسحاب: أسباب ودلالات استمرار بقاء القوات الأمريكية في العراق، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 2022.
  3. المرجع السابق.
  4. Morgan L. Kaplan, The U.S. Withdrawal from Iraq and Its Impact on Baghdad, Erbil, and the Relations Between Them, Italian Institute for International Political Studies, 2021.
  5. ميشيل غويا، مرجع سابق.
  6. Anthony H. Cordesman and Sam Khazai, Iraq After US Withdrawal, Center for Strategic and International Studies, 2012.
  7. LTC Octavian Dorobantu, ROU Army, CSAG CCJ5, The Implications of a US Withdrawal from Iraq for USCENTCOM

    Priorities and Great Power Competition, NESA Center, 2021.

  8. ما بعد الخروج الأمريكي من الشرق الأوسط، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أيلول 2021.
  9. Steven Simon and Adam Weinstein, You Can Go Home Again: A Proposal for Phased Military Withdrawal from Iraq and Normalizing U.S.–Iraq Relations, QUINCY institute for responsible statecraft, QUINCY PAPER NO. 10, March 2023.
  10. Ben Connable, James Dobbins, Howard J. Shatz, Raphael S. Cohen, Becca Wasser, Weighing U.S. Troop Withdrawal from Iraq Strategic Risks and Recommendations, RAND Corporation, 2020, p11.
  11. Ben Connable, James Dobbins, Howard J. Shatz, Raphael S. Cohen, Becca Wasser, Weighing U.S. Troop Withdrawal from Iraq Strategic Risks and Recommendations, RAND Corporation, 2020, p 14.
  12. عمار حميد ياسين، الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قراءة في حسابات الدوافع والتداعيات المستقبلية على معادلة الأمن الإقليمي، العراق: جامعة بغداد، 2022.
  13. ياسمين احمد اسماعيل صالح، التداعيات الدولية والإقليمية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد 14، المجلد 15، نيسان 2022، 464.
  14. شيماء فاروق، تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان: محليًا وإقليميًا، المركز الديمقراطي العربي، آب 2021.
  15. كاثرين ويلبارغر، هارون ي. زيلين، پاتريك كلاوسون، من أفغانستان إلى الشرق الأوسط: تداعيات الانسحاب الأمريكي وانتصار “طالبان”، معهد واشنطن لسياسة الشرق القريب، المرصد السياسي 3525، 2021.
  16. المرجع السابق.
  17. عمرو دراج، ما بعد الهزيمة الأميركية في أفغانستان: المسارات المستقبلية للمنطقة العربية، المعهد المصري للدارسات، تقارير سياسيا، تشرين الأول، 2021، ص 26-27.
  18. المرجع السابق، ص 27.
  19. الانسحاب الأمريكـــي من افغانستان: التداعيات والانعكاسات المحتملة، مجلة درع الوطن، مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة، 2021.
  20. ياسمين احمد اسماعيل صالح، مرجع سابق، ص472.
  21. شيماء فاروق، مرجع سابق.
  22. ياسمين احمد اسماعيل صالح، مرجع سابق، ص477.
  23. كاثرين ويلبارغر، هارون ي. زيلين، پاتريك كلاوسون، مرجع سابق.
  24. مروان قبلان، المسألة السورية واستقطاباتها الإقليمية والدولية: دراسة في معادلات القوة والصراع على سورية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013، ص10.
  25. عقيل محفوض، الثعلب والقنفذ الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017، ص12.
  26. أمير خالد سعيد محمد حسن، أثر التدخلات الخارجية على فشل الدولة السورية (2011 – 2022)، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية، 2022.
  27. Carla E. Humud, Armed Conflict in Syria: Overview and U.S. Response, Congressional Research Service, 2022, p 14- 15.
  28. د. عقيل محفوض، مرجع سابق، ص 13.
  29. Carla E. Humud, op.cit., p 15.
  30. العقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا، مركز كارتر، أيلول 2020، ص 3.
  31. أمل يازجي، قانـون قيصر بيـن الشـرعية والمشـروعية وانعدامهمـا، مركز دمشق للأبحاث والدراسات، شباط 2019، ص 5.
  32. أيمن يوسف، إيران في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية: من الاحتواء المزدوج إلى الشرق الأوسط الجديد، مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب، العدد 1، المجلد5،2008، ص 155.
  33. فادي جمعة، العلاقات الإيرانية الأمريكية، وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط، فلسطين: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2019، ص 27.
  34. م.د. سليم كاطع علي، البعد الايراني في السياسة الخارجية الامريكية، مجلة دراسات دولية، العدد ستون، ص 164.
  35. Mohd Naseem Khan, op.cit,
  36. Zainaddin M. Khidhir, US FOREIGN POLICY GOALS IN THE MIDDLE EAST BETWEEN 2011 AND 2021, NSTITUTE FOR FOREIGN AFFAIRS AND TRADE, p173.
  37. Ibid, p174.
  38. د. غريغوري دي جونسن، الجهات الفاعلة الأجنبية في اليمن: التاريخ والسياسة والمستقبل، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، شباط 2021. ص31.
  39. اليمن: لماذا اندلعت الحرب؟تاريخ التصفح 17/5/2023، على الرابط https://www.bbc.com
  40. Linnea Johansson, The United States involvement in Yemen A case study with rational and humanitarian reasoning of the involvement, influence and its objective, Linnaeus University, Faculty of Social Sciences, Department of Social Studies. 2021.
  41. اليمن: لماذا اندلعت الحرب؟ مرجع سابق.
  42. Linnea Johansson, op.cit.
  43. سلطان العامر، بايدن وحرب اليمن: السياق الطويل لتحولات الموقف الأمريكي، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 2021.
  44. أحمد يوسف أحمد، السياســـة الأمريكية تجـــاه الصـــراع فـــي اليمـــن: هل من دور فاعل لحله، مجلة آفاق استراتيجية، العدد 5، آذار 2022، ص 13.
  45. إسراء إيهاب حافظ العزيزي، التدخلات الخارجية في الأزمة اليمنية في الفترة من (2011 – 2022)، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2022.