الموروث الحكائي مصدرًا للخيال وفائدة توظيفه في القصص المقروءة للأطفال

إبراهيم عبد الرضا رشم1

1 الجامعة الإسلامية في لبنان.

إشراف الأستاذ الدكتور/ جورج خليل مارون

HNSJ, 2024, 5(8); https://doi.org/10.53796/hnsj58/4

تنزيل الملف

تاريخ النشر: 01/08/2024م تاريخ القبول: 13/07/2024م

المستخلص

يمثل التراث الشعبي مصدراً من مصادر الخيال ، إذ يبدو قائماً بحد ذاته على قصص من وحي الخيال ، وهو شكل عريق من أشكال التعبير الإنساني الذي بدأ مع الحضارة ، وإنه نتاج خيال أمُّم وشعوب ، توارثته جيلاً بعد جيل حتى جاءنا بهذه الصورة معبراً عن قيم هذهِ الأُمَّة وتقاليدها ، وتاريخها ، وأصالتها ، التي حكمت العالم عدة قرون .

Research title

Narrative heritage as a source of imagination and the benefit of employing it in stories read to children

HNSJ, 2024, 5(8); https://doi.org/10.53796/hnsj58/4

Published at 01/08/2024 Accepted at 13/07/2024

Abstract

Folklore is a source of imagination, as it appears to be based in itself on stories inspired by the imagination. It is an ancient form of human expression that began with civilization, and it is the product of the imagination of nations and peoples, passed down from generation to generation until it came to us in this form expressing the values of this nation. And its traditions, history, and originality, which have ruled the world for several centuries.

المُقدِّمة

الحكاية الشعبية للأطفال تعدّ من أبرز وسائل الترفيه، والتعليم للأطفال في مختلف ثقافات العالم، تتميز الحكايات الشعبية بأنها تروي قصصاً تتعلق بالحياة اليومية والقيم الأخلاقية بطريقة مشوقة وممتعة للصغار، إنّها جزء من التراث الثقافي الذي يُنقل من جيل إلى آخر، وتعكس تجارب البشر ومعاركهم وتطلعاتهم.

مصدر الخيال في الحكايات الشعبية يكمن في قدرة الكاتبين أو الرواة على خلق شخصيات خيالية، وعوالم متخيلة تأسر خيال الأطفال، وتثير استكشافهم وفضولهم. كما تعكس الحكايات الشعبية قيم الشجاعة والصداقة والعدل، وتعلم الأطفال كيفية التعامل مع التحديات والصعوبات التي قد تواجههم في حياتهم اليومية.

بفضل بساطة اللّغة والأسلوب السردي السهل، تستطيع الحكايات الشعبية أن تصل إلى قلوب الأطفال، وتثير لديهم مجموعة من المشاعر والأفكار، وتعدُّ هذه الحكايات أداة قوية لتعزيز الإبداع لدى الأطفال، وتطوير مهاراتهم اللّغوية والاجتماعية، إلى جانب تعزيز قيم التسامح والاحترام للآخرين.

إشكاليات البحث

إشكالية الخيال والقصة الشعبية للأطفال تتعلق بعدة جوانب مهمة تؤثر على الأطفال وتمثل هذه الإشكاليات الاتي:

1. المحتوى والقيم الأخلاقية: قد تواجه القصص الشعبية التحدي في نقل قيم إيجابية وأخلاقية دون تعريض الأطفال لمحتوى غير مناسب، يجب أن تكون القصة تحفيزية وتشجع على الخير والإيجابية دون الترويج للعنف أو السلوكيات السلبية.

2. التنوع الثقافي واللغوي: تعدُّ الحكايات الشعبية وسيلة لنقل التراث الثقافي واللّغوي ومع ذلك، يمكن أن تواجه القصص التقليدية التحدي في تمثيل التنوع الثقافي بشكل شامل وموجه لجميع الأطفال، بغض النظر عن خلفيتهم الثقافية.

3. التأثير على النمو العقلي والاجتماعي: تؤدي الحكايات دوراً هاماً في تطوير خيال الأطفال، وتعزيز قدراتهم اللّغوية والاجتماعية ومع ذلك، يجب أن تكون القصص مناسبة لمراحل تطورهم العقلي والعاطفي، وأن تحترم قدراتهم ومستويات فهمهم.

4. التحديات التقنية والمحتوى الرقمي: في عصر التكنولوجيا الحديثة، تواجه الحكايات الشعبية التحدي في جذب انتباه الأطفال الذين قد يفضلون المحتوى التفاعلي، والرقمي على الكتب التقليدية.

5. الإبداع والتجديد: من أجل الحفاظ على جاذبية القصص الشعبية، يتعين على الكتاب، والمؤلفين المبتكرين، تجديد القصص، وإضافة عناصر جديدة تناسب الأطفال في عصرهم.

وأساس إشكالية الخيال والقصة الشعبية للأطفال تتطلب التوازن بين تعليم القيم والأخلاقيات، وبين جذب الأطفال وتشويقهم بالخيال والمغامرة، مع مراعاة تحديات العصر الحديث، واحتياجات الأطفال النفسية والعقلية.

الحكاية الشعبية مصدراً للخيَال:

تعدُّ الحكاية الشعبية بتعريفها العام هي : (( كل صيغة أو انموذج من الحكايات المكتوبة أو المنطوقة التي ورثتها الأجيال المتعاقبة اعواماً طوالاً وصارت ملكاً لكل العصور ، ويسقط اسم المؤلف مع أولى خطوات الزمن وتنسب إلى جماعة ، وتصبح كالنهر يأتيه الماء من روافد متعددة ويجري ، فلا يعرف من أي رافد أتى لذلك تتميز الحكاية الشعبية بعراقتها وجماعيتها))([1]) .

ومن مجموع هذه الحكايات الشعبية المكتوبة والمنطوقة يتألف الموروث الشعبي فهو : ((كل ما هو متوارث مكتوباً أو شفوياً سواء أكان هذا التراث تاريخياً ، أم دينياً ، أم أسطورياً ، أم صوفياً ، أم فولكلورياً ، توارثته الأجيال))([2]) . ومن خلال هذا يتبين لنا أن الموروث الشعبي : ((عالم خاص هو عالم خَيَال الإنسان وإدراكه في آنٍ واحد بما يتضمنه هذا الخيال وذلك الإدراك من معارف موروثة وخبرات مكتسبة وتصورات ذهنية وفنية حيثما يخرج الإنسان بافتراضاته الذهنية من مجال التجربة الموضوعية إلى مجال الافتراضات الخيالية ليأتي بفكرة إلى عالم الواقع المحسوس ، إلى عالم يفوق الواقع ويخرج من نطاق الواقع إلى عالم آخر يغايره ، أو يماثله ولكن لكائنات ذات طبيعة خاصة فهو عالم يمتزج فيه خداع الحواس مع شخصيات الفكرة ، حيث يمتزج الحلم بالفعل ويتداخل المعقول مع اللامعقول في بناء فني خاص وهو سمة أساسية من سمات الإبداع الفني في الحكاية الشعبية مع ملاحظة أنّ الحكايات الشعبية هي في أصالتها الفنية مروية شفاهية يتحقق وجودها الفني مع اللقاء بين الراوي والمستمع ، ولذلك قد تتغاير بعض العناصر ويتبدل بعضها تبعاً لفنية المؤدي الراوي وفئة المتلقي))([3]) ، وعلى الرغم من تلك التعاريف السابقة التي تشترك فيما بينها في تعريف الحكاية ، نتوصل إلى أن أساس الموروث الشعبي هو الخيال ، وذلك بتعريف الحكاية الشعبية بمفهومه الخاص بأنها : ((قصة ينسجها الخيال الشعبي حول حديث مهم ، وأنّ هذه القصة يستمتع الشعب بروايتها والاستماع إليها لدرجة إنه يستقبلها جيلاً بعد جيل عن طريق الرواية الشفوية))([4]) .

ويرى الباحث : أن دراسة التراث الشعبي والاهتمام به هو موضوع متعلق بالموروث الشعبي وعلاقته بأدب الأطفال .

إذ التراث الشعبي أصبح علماً قائماً بذاته ، يُطلق عليه ((علم الفولكلور [folklore] وهو اصطلاح علمي مشتق من مقطعين (folk) ويعني الشعب و (Lore) وتعني معرفة أو حكمة ، وأصله إنكليزي أدخله العلامة (وليم تومز) لأول مرة عام 1946))([5]) .

ونفهم من اسم التراث الشعبي أو الفولكلور ، حكمة الشعب وتراثه ومعرفته الشعبية .

أو بمعنى آخر استلهام ((المأثورات الروحية الشعبية))([6]) .

نشأت التراث الشعبي:

أمّا من ناحية نشأتِهِ فمن الصعب تحديدها فهو : ((أعرق من التاريخ نفسه))([7]) . وهنا لابدّ أن نذكر ارتباطه بالخيال في كل مراحل تاريخه، حيث سجل التاريخ أروع ملحمة ، هي ملحمة جلجامش([8]*) ((أقدم الآثار وأجدرها بالتقدير))([9]) .

إنَّ أساس الموروث الشعبي هو الخَيَال ، فحينما نذكر نشأة الخيال ، يتبين لنا مدى قدم الموروث الشعبي ، فهو موجود منذ وجود الإنسان نفسه ؛ لأن الخيال العنصر الأساس الذي تقوم عليه الحكايات الشعبية ، لابدّ هنا أن نذكر شيئاً بسيطاً عن الخيال ، الذي يعد في أبسط تعريفاته هو : ((التصور ، أو الظن ، أو التوهم))([10]) .

وهو يعني أيضاً الأرتفاع فوق الواقع وتكوين الصور . إن الخيال في أثناء تشكيلهِ الصور لا ينسج ما يضمه الواقع ، بل ينتخب منه جزيئات يُكون منها صوراً لا مثيل لها في بيئته وواقعه([11]) .

ويبدو لنا أن هناك علاقة عضوية بين الخيال والموروث ، لسبب مهم جداً هو أن الخيال حاجة ضرورية للإنسان ؛ فهو يعمل على تجرده من الواقع المحيط به ، ويجعله يتصور واقعاً آخر أكثر ملاءمة له ، وأشد قرباً من أحلامه وتطلعاته.

فلولا ((الخيال لما تقدم الإنسان ولما تطور الواقع الذي يعيش فيه))([12]) . إذن فطريقة التعبير عن الخيال هي الموروث الشعبي ، فلابدّ من استغلال الموروث الشعبي ، وصياغته بشكل يتلاءم مع تفكير الطفل وقدراته على الفهم ؛ ((لأنّ الإنسان يولد وهو يملك إمكانية الخيال ، وكلما نما وزاد عمره اتضحت هذه الإمكانيات وتبلورت واتجهت إلى أن تصبح قوة عقلية))([13]) . يمكن توظيفها من خلال قصص الأطفال الهادفة ، التي ننتقيها من الموروث الشعبي ، وبذلك ((نُعرف الطفل بتراثه ، ونعمق روح الانتماء العربي الإسلامي لدى الأطفال ، وغرس قيم الشجاعة في نفوسهم وخيالهم من خلال تقديم البطولات ؛ كذلك توجيه هذا الخيال الذي هو في نمو وتبلور مستمر))([14]) . وتتعّدى صوره العربيّة إلى بلدان الغرب ، حيث إن كُتّاب أوربا بعد إطلاعهم على الموروث الشعبي مثل كتاب ” ألف ليلة وليلة” ، إذ يعد ((انموذجاً فريداً وفذاً للحكايات الشعبية سواء كان في الثقافة العربية أو الثقافة العالمية))([15]) . و( كليلة ودمنة ) ، وغيرها من الكتب .

حيث إنهم استطاعوا صياغته بشكل يتلاءم مع بيئاتهم ، وبهذا نصل إلى نتيجة ، أنَّ الأدب العربي له القيادة والريادة والفضل على أدباء العالم وعلى الآداب العالمية كافة.

ومثلما صاغ أدباء أوربا والعالم الغربي التراث العربي ، بشكل يتلاءم مع بيئاتهم ، وديانتهم ، وآدابهم ، ينبغي على كُتّابنا العرب إعادة صياغة الموروث الشعبي ، وتبسيطه ، وتوظيف قوته الخيالية التي هي اللبنة الأساسية للموروث الشعبي ، والعمل على بلورته ونموه .

وكذلك عليهم أن يرسخوا مبادئنا ، وديننا وكل ما هو صحيح ، ليكون بأيدي أطفالنا ، كما أن التلاقح بين ثقافة أطفال العالم وبين الموروث الشعبي ، يعد من أبرز المقومات الأساسية ، لإعداد جيل مشترك بين أطفال العرب ، وأطفال العالم ؛ لأنّ :((التراث الشعبي مصدر إنساني أصيل لثقافة أطفال العالم))([16]) .

ولابدّ من القول : إن خيال الطفل ، وتنميته هدف أدبي ، وتربوي معاً ، ولكي نحقق هذين الهدفين ، لابدّ لنا من مراعاة بعض الاعتبارات عند نقل التراث الشعبي وتوجيهه إلى الطفل ،

ومنها :

  1. إبراز القيم الإيجابية في التراث .
  2. إسقاط ما يتناقض مع القيم الروحية والوطنية ، والحقائق العلمية الثابتة .
  3. إغفال دور الخيال المرعب في تنمية الوجدان .
  4. توسيع البهجة والمتعة والطرافة ، وجاذبية المظهر وتوافقها مع المحتوى العام للقصة .
  5. تنقية القصة الشعبية ممّا فيها من أحداث تجلب الفزع والرعب والعنف .
  6. تطويع الحكايات الشعبية التي تعكس في موضوعاتها تصورات الإنسان القديم وأفكاره وطبائعه ، وتطويعها بما يلائم حاجات الطفل .
  7. عدم إبراز الحلول السحرية والأسطورية للمشكلات والمصاعب والمآزق التي يتعرض لها الإنسان في القصة والحياة ، وحلّ مشاكله بقدراته الذاتية والجماعية([17]) .

ثانياً : خيال الأطفال بين المرئي والمقروء:

يجب أن نحمل على عاتقنا ، ليس انتقاء الموروث الشعبي فقط ، بل كيفية توصيله إلى الأطفال ، الذين هم أمانة في أعناقنا ، وهم بناة المستقبل ، حيث إننا في هذا المبحث نُرجّح قراءة قصة من الموروث الشعبي بطريقة ((التّخييل المقروء))([18]*) على ((التخييل المرئي))([19]**) ؛ لأنّ المرئي له آثارٌ سيئة على الطفل ، عكس التّخييل المقروء الذي له فوائد مرتبطة بتنمية خيال الطفل ، ومنها : ((إن الصورة التي يتلقاها الطفل من القصة المقروءة لا يشترط فيها أن تطابق الصورة التي رسمتها مخيلة القاص))([20]) .

وهذا ما نسعى إليه من طرح الموروث الشعبي من خلال قراءة القصة أو التّخييل المقروء ، وهو سعي يرتبط بحرية خيال الطفل ، واستقلاله عن خيال القاص ، حيث إن الطفل من خلال سرد القصص عليه ، يقوم عقله بتكوين صور سواءً كانت للبطل ، أو للأجواء المحيطة به ، فتختلف بعض الشيء ، أو تختلف كثيراً بحسب مخيلة هذا الطفل عن الصورة التي جسدتها مخيلة القاص .

فوائد قراءة القصص الأطفال:

الفائدة الأولى :

((قراءة القصة تحرض خيال الطفل مهما تكن المخيلة التي يملكها هذا الطفل ، وأن حرية خيال الطفل هي الهدف الأدبي والتربوي معاً))([21]) .

إنَّ أهم شيء يستغل في الموروث الشعبي ، هو تنشيط الخيال أو اطلاقه ؛ لأنّ الأطفال الذين لا يملكون خيالاً ليس لديهم القدرة على التفكير ، أو يكون تفكيرهم مقيداً ، وإذا نشأ هكذا جيل من دون خيال أو تفكير سوف يكون وبالاً على الأمّة ، وتكون الأمّة التي يكون أفرادها هكذا ، هي أمّة مقيدة ، ومقادة ، ولا يمكنها أن تقود العالم : فحرية ((الخيال هي التي تبني شخصية مستقلة قادرة على الإبداع في المستقبل))([22]) .

الفائدة الثانية :

(( أن خيال الكاتب لا يقيد خيال الطفل لكون العلاقة بين التَّخيلين لُغوية))([23]) ، ومن خلال تجارب الباحث الشخصية عند سرد القصص على مجموعة من الأطفال ، يجدهم يسألون أسئلة تنمّ عن سعة خيالهم ، ومن هذه الأسئلة : هل البطل طوله يصل إلى السماء ؟ ، وهل باستطاعته ان يخترق الأرض ، ويعلو إلى السماء ؟ ، وغيرها من الأسئلة .

ويشير بعض العلماء والتربويين ومنهم (إيليس Ellies) : (( إلى أن رواية القصة تنمّي الإبداع لدى الأطفال عبر تعريضهم لكمّ أكبر من الخبرات ، وطرق مختلفة في التفكير وأساليب حياتية متباينة ، وإتاحة الفرصة لهم لإعادة أنتاج الأفكار القديمة ضمن مواقف جديدة …))([24]) .

الأثار السلبية:

وبعد أن ذكرنا الفوائد من القصة المقروءة ؛ لابدّ أن نذكر الآثار السيئة للتّخييل المرئي . وأعني (مشاهدة التلفاز ) على خيال الطفل ومنها :

  1. يضعف خيال الطفل ، بدلاً من تنميته أو يجمده .
  2. أن خيال الطفل يعتاد الكسل والخمول ؛ لأنّ كل شيء أمامه محددٌ بالصور والحركات وحتى الصوت ، فلا حاجة له إلى تخيّل شيء ولو كان بسيطاً .
  3. يفقده فرصة التأمل ، نتيجة الصور المحددة والمتلاحقة ؛ لأنّ التأمل دليل على نشاط الخيال ، وحركته في اتجاه تشكيل الصور([25]) . وكل هذا يؤدي إلى ((التلقي السلبي)) ، ويقصد به هنا : ((التقاط الصور ، وإيداعها الذهن ، دون أي جهد من الطفل في استعمال خياله))([26]) .

وهذا يعني أن الطفل الذي أعتاد على مشاهدة التلفاز ، اعتاد في الوقت نفسه على الكسل والخمول ، وعلى عدم استعمال خياله ، وهذا يجعله في مواقف الحياة كلّها سلبياً ، يطلب الراحة ، والأمر الجاهز ، ويتذمر من أية محاولة لدفعه إلى العمل داخل الأسرة والمدرسة وخارجها .

وليس التقيد بالأمر الهين ؛ لأنّه يعني أن خيال الطفل لن ينطلق حراً فيجاوز الواقع والمعروف والمألوف ، ويخترق كل شيء ويعلو فوق الحواجز والعوائق ويروح يحلق وينشئ صوراً لا مثيل لها في واقعه ، وليست هناك إمكانية لتلقيها بغير خيال حرّ موازٍ لخيال صانعها . وهذا الخيال هو الذي يمهد للاختراعات ، ويساعد على تغيير الواقع الأليم ، ويدفع صاحبه إلى مناهضة ظلم الظالمين ، بل أن الخيال يجعل الحياة أكثر جمالاً في عيني الطفل ؛ لأنّها تصبح ذات معنى لديه ، فيها من يهب لنصرة الناس ومساعدتهم ، ومن يهاجم الأشرار ويمنح السعادة للآخرين ، وهذا ما نسعى إليه من طرح قصص الموروث الشعبي([27]) .

كذلك يرى الدكتور علي الحديدي : ((أن من الضروري ، خلق حوار حقيقي ليساعد على جذب اهتمام الطفل ، أو بالأحرى استعادة الحوار إذا فقد في جزء من الحكاية))([28]) .

ومن ملاحظات الباحث في هذا الموضوع ، أن الطفل يكون اهتمامه أكثر بكثير للقصة والاستماع لها ، إذا كان التكلم بلسان البطل ، وتقليد صوته ، ونبرّته ، حيث يبدأ خياله برسم صورة لهذا البطل ، ويحاول تقليده في كلامهِ ، وصوتهِ ، وكل حركاتهِ ، وفي كلّ شيء سمعه ورسمه في خيالهِ ، والله أعلم مدى سعة خيال هذا الطفل الصغير ، ويبدو لي أن الخيال له القدرة على ترسيخ العِبَرة والحكمة ، عند الطفل ، أكثر من غيرّه من الوسائل التوضيحية الواقعية ، ونجد أن كثيراً من الأطفال يتعايشون مع أحداث القصة ، وتصبح بعض تصرفات البطل ، في القصة جزءاً من شخصيته وتفكيره ، ولصيقة به مع بقية مراحل عمره . ويتفق الباحث مع الدكتور عمر عبد الرحمن الساريسي : ((حين حصر وظائف الحكاية الشعبية في ثلاثة اتجاهات ، الأولى : اجتماعية ، والثانية : عقائدية ، والثالثة : نفسية ، بالإضافة إلى الإمتاع والتسلية))([29]) . أي ليس هناك : ((ضير من تقديم الحكاية الشعبية لجميع المراحل العمرية للطفولة ، وعدم تقيدها بمرحلة عمرية معينة ، فهي زاد مكمل لكل مرحلة أدبية من عمر الطفل الذي يجب ان نستقصي فيه نوعية المواضيع ، والأفكار التي تتجاوب معها أذواق ، كل مرحلة عمرية أو تنسجم مع دوافع الأطفال))([30]) .

لذلك فالقصة إذا سردت في بداية عمر الطفل ، فإن الاستفادة والعِبرة تكون قليلة وبسيطة جداً ، وتكاد تكون مهمشة ؛ لأنّ خياله مازال فتياً لاستيعاب كل المفاهيم ، أمّا إذا سردت له مرّة أُخرى في عمر يكون فيه أكبر ، فإن الاستفادة منها لا تكونْ فقط المتعة والتسلية ، بل يأخذ منها العِبرة ، لاسيَّما قصص الموروث الشعبي ، التي تؤكد في أغلبها على قيم الخير وتخلد الأبطال ، بسبب نُبل أخلاقهم ونكرانهم لذواتهم .

الخاتمة

مع اختلاف آراء الباحثين والأدباء حول ذلك ، نجد أن معظمهم يتفقون على ضرورة الانتقاء الصحيح من التراث([31]) . بيد أن عملية الانتقاء أو ما يسمى بالتطوير أو التحوير أو التعديل ، ليست عملية سهلة ، بل محفوفة بالمخاطر ، خصوصاً وأنّ التعامل مع الحكايات الشائعة بين الأطفال سرعان ما يكتشف الأطفال فيها أي تحوير والأمر يكون عندئذٍ مربكاً لهم([32]) .

ونعتقد أن الكاتب يكون مسؤولاً عن كيفية حصول تغيير دون الاضرار بالنصَّ الأصلي وذلك عن طريق الخيال ، وجعله يتلاءم مع عقول الأطفال ، بحيث إذا كانت كلماته صعبة ، وغير متلائمة مع هذا العصر ، يجعل له كلمات أكثر ملاءمة ، وسهلة ، وسلسة تتناسب مع عقول الأطفال وأعمارهم ، والكاتب هو الذي يأخذ على عاتقه مخاطبة الصغار ، والوصول إلى عقولهم وسلوكهم عن طريق الحكاية والخيال ؛ لأنه : ((هو المسؤول عن كيفية حصول تغير دون الاضرار بالنصّ الأصلي ، وجعله مستساغاً لدى الأطفال))([33]) ، والمهم أن يأخذ كاتب الحكايات الشعبية في نظره ، توعية انطباعات الأطفال بعد قراءتهم القصص الشعبية ، ليتمكن من تقديم قصص مناسبة لأعمارهم وتنمية التّخيل إذ ((أن للطفل عالماً خاصاً يبنيه ويعيشه بقوة خياله ، ولا يدركه إلاّ هو ، فهو عالم قائم بذاته ، يفهمه ويعيشه ، ويعبر عنه ، ومن هنا فإن قدرة (القاص) تتمثل في أنه يرى العالم من خلال نظرة الطفل))([34]) .

اهم النتائج والتوصيات:

تتمثل في بعض النقاط وهي :

أوّلًا : النتائج:

  1. تنمية التذوق الأدبي عند الأطفال في الوقت نفسه ، وذلك بتقديره للمعاني والأخيلة في عقول الأطفال ، والأساليب الأدبية الجميلة ، والكشف عن الموهوبين منهم .
  2. تزويد الأطفال بالعادات الصحيحة السليمة ، وتمييزهم بين ما هو واقع ومدروس ومستند إلى قاعدة فكرية ، أو نظري صحيح ، وبين ما هو مستند على الخرافة في القصة .
  3. تدريب الأطفال على التذكر، وتركيز الانتباه والتخيّل ، وربط الحوادث بالحياة العامة ، والقدرة على حلّ المشكلات، من خلال السرد القصصي .
  4. تمكين الأطفال من شغل أوقات فراغهم ، بشكل مفيد ومُسلي .
  5. القضاء على الملل والسأم الذي يصيبهم ، وتنمية حبّ القراءة والاطلاع ؛ وكذلك تخليصهم من الإدمان على مشاهدة ،الموبايل التلفاز .

ثانيًا : التوصيات :

  1. توصلت الدارسة أن القصة وسردها بطريقة مشوقه، تعدُّ أفضل شيئا يقدم اليهم، لسد فراغهم والقضاء عليه .
  2. توصلت الدراسة أن الموروث الحكائي من أفضل القصص التي يتفاعل معه الأطفال لاسيّما في المراحل العمرية الأولى .
  3. بينت الدراسة نستطيع أن نعطي القصة في قالب فيه أرشاد وتوجيه الطفل، من خلال الموروث الحكائي .
  4. توصلت الدراسة أن القصة من أفضل باب لدخول لطرق عقول الأطفال والولج فيه ، لما تحتويه من كلمات تؤنس عقلهم وتريح فكرهم .
  5. وأهم ما توصلت إليه الدراسة تخليص الأطفال من إدمان التلفاز الذي يجمد أفكارهم، وأجهزة – الموبايل- الذي يدمر عقول الأطفال، وبعضهم أصابه الهوس، والتوحد، وهذا ما لا تحمد عقباه .

المقترحات

  1. سرد القصة للطفل بطريقة مشوقة ، وفي أجواء مريحة للطفل ، وبطريقة مغرية تحرك خيال الطفل .
  2. استعمال مغلفات جميلة، وعليه طابع الحداثة ، كي تجذب الأطفال .
  3. استعمال صور ورسومات محببه للأطفال ، تكون ملائمه للقصة المكتوبة، والرسوم الموضوعة ، كي تؤثر على خيال الطفل ، وتحفز إدراكه .
  4. وأخيرا يقترح الباحث، أن تتغلب القصة على أجهزة النقال، حتى لو باختراع القصة الإلكترونية، ولا يكون أسير جهاز الموبايل الذي يذهب بهم إلى نتائج لا تحمد عقباها .

المصادر والمراجع:

فيلي ، عبد الأمير ، توظيف المرجعية التراثية في الرواية العربيّة ، اطروحة دكتوراه ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 2008.

كمال ، صفوت ، التراث الشعبي وثقافة الطفل ، المركز القومي لثقافة الطفل ، د ط ، 1995.

إبراهيم ، نبيلة ، أشكال التعبير في الأدب الشعبي ، دار غريب ، القاهرة – مصر ، ط3 ، 1981.

سوكولوف ، يوري ، الفولكلور قضايا وتاريخه ، ترجمة : حلمي شعراوي ، وعبد الحميد حواس ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، القاهرة ، د ط ، 1971.

بطة ، سامي عبد الوهاب ، الحكاية الشعبية ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة – مصر ، د ط ، 2004.

العنتل ، فوزي ، الفلوكلور ما هو ؟ ، دار المعارف ، مصر ، د ط ، 1965.

دراور ، الليدي ، في الفلوكلور العراقي ، ترجمة : كاظم سعد الدين ، مجلة التراث الشعبي المركز الفولكلوري ، العراق ، العدد (24) ، 1975.

يونس ، عبد الحميد ، معجم الفولكلور ، مكتبة لبنان ، القاهرة ، ط1 ، 1983.

ديرلان ، فردريش فون ، الحكاية الخرافية ، نشأتها (مناهج دراستها فنتها) ، ترجمة : نبيلة إبراهيم ، دار النهضة ، مصر ، القاهرة ، د ط ، 1965.

الفيصل ، سمر روحي ، أدب الأطفال وثقافتهم ، دراسة نقدية ، منشورات أتحاد الكُتّاب العرب ، دمشق – سوريا ، د ط ، 1998.

الفيصل ، سمر روحي ، مقالة بعنوان : الخيال والتخيل في أدب الأطفال ، مجلة الموقف الأدبي ، العدد (365) ، 1422هـ.

طاهر ، طاهرة داخل ، الموقف الانتقائي وأهميته في توظيف التراث للطفل ، مؤسسة النور للدراسات والإعلام ، العراق ، 2009.

مرسي ، أحمد علي ، بين يدي الليالي ، مجلة التراث العشبي ، دار الشؤون الثقافية العامة ، وزارة الثقافة والإعلام ، العراق ، العدد (1) ، 1989.

العباس ، حبيب ظاهر ، مقالة رئيس التحرير ، مجلة فصلية تُعنى بثقافة الأطفال ، دار ثقافة الأطفال ، العراق ، العدد (3) ، 2010.

جري ّ، د . خضير عباس ، التقنيات التربوية تطويرها – تصنيفاتها – أنواعها – اتجاهاتها ، المكتبة الوطنية ، بغداد – العراق.

الساريسي ، د . عمر عبد الرحمن ، الحكاية في المجتمع الفلسطيني ، دراسة ونصوص ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت – لبنان ، ط1 ، 1980.

بعلوشة ، إبراهيم محمد ، الفنّ الشعبي وأثره في التكوين النفسي للأطفال ، وزارة الإعلام ، مصر ، ص9 . نقلاً عن : شوقي ، عبد الحليم ، الفلكلور والأساطير العربية ، دار بن خلدون ، بيروت ، 1978.

ward , bywimfred , Theeter for children , children They atyre prss u.s.a. , 1982.

الهوامش:

  1. () طاهر ، قصة الطفل في العراق ، ص174 .
  2. () فيلي ، عبد الأمير ، توظيف المرجعية التراثية في الرواية العربيّة ، اطروحة دكتوراه ، كلية الآداب ، جامعة بغداد ، 2008 ، ص10 .
  3. () كمال ، صفوت ، التراث الشعبي وثقافة الطفل ، المركز القومي لثقافة الطفل ، د ط ، 1995 ، ص14 .
  4. () إبراهيم ، نبيلة ، أشكال التعبير في الأدب الشعبي ، دار غريب ، القاهرة – مصر ، ط3 ، 1981 ، ص119 .
  5. () سوكولوف ، يوري ، الفولكلور قضايا وتاريخه ، ترجمة : حلمي شعراوي ، وعبد الحميد حواس ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، القاهرة ، د ط ، 1971 ، ص17 ؛ وللمزيد ينظر : بطة ، سامي عبد الوهاب ، الحكاية الشعبية ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهرة – مصر ، د ط ، 2004 ، ص55 .
  6. () العنتل ، فوزي ، الفلوكلور ما هو ؟ ، دار المعارف ، مصر ، د ط ، 1965 ، ص44 .
  7. () دراور ، الليدي ، في الفلوكلور العراقي ، ترجمة : كاظم سعد الدين ، مجلة التراث الشعبي المركز الفولكلوري ، العراق ، العدد (24) ، 1975 ، ص11 ؛ وللمزيد ينظر : يونس ، عبد الحميد ، معجم الفولكلور ، مكتبة لبنان ، القاهرة ، ط1 ، 1983 ، ص13 .
  8. (*) ملحمة جلجامش : ملحمة سومرية مكتوبة بخط مسماري على 12 لوحاً طينياً اكتشفت لأول مرة عام 1853م في موقع أثري أكتشف بالصدفة ، وعرف فيما بعد أنه كان مكتبة شخصية للملك الآشوري ” آشور بانيبال ” في نينوى في العراق ، ويحتفظ بالألواح الطينية الآن التي كتبت عليها الملحمة في المتحف البريطاني ، الألواح مكتوبة باللّغة الأكادية وتحمل في نهايتها توقيع لشخص (شين نيتفي نوشين) ، الذي يتصور بعضهم أنه كاتب الملحمة ، التي تعد أقدم قصة كتبها الإنسان في التراث الشعبي المطرز بالخيال ؛ ينظر : باقر ، طه ، ملحمة جلجامش ، منتدى الإسكندرية ، القاهرة ، د ط ، د ت ،
  9. () ديرلان ، فردريش فون ، الحكاية الخرافية ، نشأتها (مناهج دراستها فنتها) ، ترجمة : نبيلة إبراهيم ، دار النهضة ، مصر ، القاهرة ، د ط ، 1965 ، ص175 .
  10. () يُراجع التمهيد، ص6 .
  11. () يُنظر : الفيصل ، سمر روحي ، أدب الأطفال وثقافتهم ، دراسة نقدية ، منشورات أتحاد الكُتّاب العرب ، دمشق – سوريا ، د ط ، 1998 ، ص47 .
  12. () الفيصل ، سمر روحي ، مقالة بعنوان : الخيال والتخيل في أدب الأطفال ، مجلة الموقف الأدبي ، العدد (365) ، 1422هـ ، ص1 .
  13. () الفيصل ، المرجع السابق ، ص1 .
  14. () طاهر ، طاهرة داخل ، الموقف الانتقائي وأهميته في توظيف التراث للطفل ، مؤسسة النور للدراسات والإعلام ، العراق ، 2009 ، ص3 .
  15. () مرسي ، أحمد علي ، بين يدي الليالي ، مجلة التراث العشبي ، دار الشؤون الثقافية العامة ، وزارة الثقافة والإعلام ، العراق ، العدد (1) ، 1989 ، ص4 .
  16. () العباس ، حبيب ظاهر ، مقالة رئيس التحرير ، مجلة فصلية تُعنى بثقافة الأطفال ، دار ثقافة الأطفال ، العراق ، العدد (3) ، 2010 ، ص4 .
  17. () يُنظر : طاهر ، الموقف الانتقائي واهميته في توظيف التراث للطفل ، ص3.
  18. (*) التّخييل المقروء : تّخييل تصنعه اللّغة ، وليس المراد رمزية الحروف والكلمات في اللّغة ، بل المراد رمزية الصورة التي ترسمها اجتماع الكلمات على نحو خاص في تشبيه أو استعارة شعرية ، أو حدث قصصي أو مسرحي ههنا الصورة مجازية وليست واقعية ، صورة رسمتها المخيلة وجسدتها الكلمات . فإذا رغبنا في معرفة الصورة وجب علينا أن نقرأ الكلمات أولاً .
  19. (**) التّخييل المرئي : ويقصد به مشاهدة التلفاز أو الوسائل المرئية الأخرى ؛ للمزيد يُنظر : جري ّ، د . خضير عباس ، التقنيات التربوية تطويرها – تصنيفاتها – أنواعها – اتجاهاتها ، المكتبة الوطنية ، بغداد – العراق ، ط1 ، 1431هـ – 2010 م ، ص93 .
  20. () الفيصل ، الخيال والتّخييل في أدب الأطفال ، ص2 .
  21. () الفيصل ، المرجع السابق ، ص3 .
  22. () الفيصل ، المرجع السابق ، ص3 .
  23. ()الفيصل ، الخيال والتّخييل في أدب الأطفال ، ص3 .
  24. () قطامي ، الفرا ، التفكير الإبداعي القصصي للأطفال ، ص86 .
  25. () الفيصل ، المرجع السابق ، ص2 .
  26. () الفيصل ، المرجع اسابق ، ص2 .
  27. () يُنظر : الفيصل ، أدب الأطفال ، ص49 .
  28. () الحديدي ، في أدب الأطفال ، ص182 .
  29. () الساريسي ، د . عمر عبد الرحمن ، الحكاية في المجتمع الفلسطيني ، دراسة ونصوص ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت – لبنان ، ط1 ، 1980 ، ص133
  30. () طاهر ، قصة الطفل في العراق ، ص180 .
  31. ()يُنظر : طاهر : المرجع السابق ، ص3 .
  32. () يُنظر : طاهر : الموقف الانتقائي واهميته في توظيف التراث للطفل ، ص3 .
  33. () بعلوشة ، إبراهيم محمد ، الفنّ الشعبي وأثره في التكوين النفسي للأطفال ، وزارة الإعلام ، مصر ، ص9 . نقلاً عن : شوقي ، عبد الحليم ، الفلكلور والأساطير العربية ، دار بن خلدون ، بيروت ، 1978 ، ص105 .
  34. () ward , bywimfred , Theeter for children , children They atyre prss u.s.a. , 1982, p177.