اختصاص المحكمة الاتحادية العليا (العراقية) بالفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس (مجلس الوزراء) (والوزراء)
سفيان علي عبود1
1 كلية الحقوق، الجامعة الإسلامية في لبنان.
المشرف: الأستاذ الدكتور/ أمين عاطف صليبا
HNSJ, 2024, 5(9); https://doi.org/10.53796/hnsj59/28
تاريخ النشر: 01/09/2024م تاريخ القبول: 17/08/2024م
طريقة التوثيق
المستخلص
خلافاً للتفصيل الذي أورد الدستور بشأن اتهام رئيس الجمهورية وإدانته والنتائج المترتبة على هذه الإدانة، جاء الدستور مقتضباً في تنظيمه لحالة اتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء وإدانتهم، فلم يحدد التهم التي يمكن أن يدانوا بسببها والنتائج التي تترتب على هذه الإدانة، واكتفى بالإشارة إلى أن المحكمة الاتحادية العليا هي الجهة المختصة بالفصل في التهم الموجهة إليهم، وجدير بالملاحظة أن الأحكام التي تطبق بحق رئيس الوزراء تنطبق على نوابه ومن هم بدرجة وزير ورؤساء الهيئات المستقلة ولو لم يشر إليهم، لأنهم لا يقلون عن الوزير درجة في السلم الإداري للدولة.
Abstract
Contrary to the detail in the constitution regarding the accusation and conviction of the President of the Republic and the consequences of this conviction, the Constitution was brief in its regulation of the case of accusation and conviction of the Prime Minister and the Ministers, so it did not specify the charges for which they could be convicted and the consequences of this conviction, and only indicated that the Federal Court The supreme authority is the competent authority to adjudicate the charges against them, and it is worth noting that the provisions that are applied against the prime minister apply to his deputies and those who are of the rank of a minister and heads of independent bodies even if they are not referred to, because they are no less than the minister in the administrative ladder of the state.
المقدمة
منح الدستور العراقي الدائم لعام 2005 اختصاص الفصل في التهم الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء بموجب نص المادة (93/6)، ويلاحظ أن المشرع قد ختم نص المادة أعلاه بعبارة “وينظم ذلك بقانون” أي أنه جعل طريقة مراجعة المحكمة في هذه القضية وتوجيه التهم وآلية سير الدعوى لقانون خاص يسن لاحقاً، ويمكن أن نعلل ذلك بدقة وخطورة موضوع اتهام رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء وما ينتج عنه من تأثير على الحياة السياسية في الدولة فقد يؤدي ذلك إلى نشوء أزمات سياسية خطيرة في البلاد إذا ما حدثت، ومن هنا يبرز الدور الدستوري والوطني المهم المناط بالمحكمة الاتحادية العليا باعتبارها حامية للنظام الدستوري الديمقراطي وحافظة للتوازن السياسي بين السلطات والقوى السياسية في الدولة
ومن الملاحظ أن التهم التي يمكن أن توجه إلى رئيس الجمهورية قد حددها الدستور بثلاث تهم هي:
1- الحنث في اليمين الدستورية 2- انتهاك الدستور 3- الخيانة العظمى.
وقد وضح الفقه الدستوري العراقي التهم التي توجه إلى رئيس الجمهورية، فذهب اتجاه إلى ان الخيانة العظمى تظهر في الأعمال التي تصدر عن رئيس الجمهورية وتشكل إخلالاً جسيماً في الوظائف الدستورية الملقاة على عاتقه، وكذلك الأعمال التي تصدر عنه وفيها مساس بسلامة الدولة وأمنها الداخلي والخارجي وفقاً لأحكام الدستور، ويعد رئيس الدولة منتهكاً للدستور إذا خرق نص من نصوصه أو قام بأعمال من شأنها الانقلاب عليه أو تغييره، أما إذا وقع من رئيس الجمهورية أفعال تؤدي إلى الإخلال بموجب من موجبات اليمين الدستوري المنصوص عليها فإنه يعد عند ذلك مرتكباً لجريمة الحنث باليمين الدستوري.
ومن الملاحظ على نص المادة (93/6) انها نصت على “الفصل في الاتهامات الموجهة” مما يعني أن على المحكمة ممارسة وظيفة التحقيق في التهمة الموجهة وبعد اكتماله فإنها تبدأ بإجراءات المحاكمة، ولكن الأخذ بهذا الرأي معناه أن هناك تعارض مع اختصاص مجلس النواب في إجراء التحقيق من خلال لجنة التحقيق التي تشكل لهذا الغرض، ويمكن أن نؤيد ونسند التفسير المتقدم من خلال ما نص عليه المشرع في النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية حيث منح هيئة المحكمة صلاحية القيام بما تراه من تحقيقات في المنازعات المعروضة أمامها وتندب لذلك أحد أعضائها، فللمحكمة أن تكون هيئة قضائية إجرائية إذا اقتضى الأمر، وأن في هذا ضمان لحسن تطبيق الدستور وتوفير الحماية للنظام الدستوري في الدولة، ولكننا لا نتفق مع الرأي الذاهب إلى اعتبار منح المحكمة صلاحية التحقيق فيه تعارض مع اختصاص اللجان البرلمانية في التحقيق، فمنح المحكمة إمكانية إجراء التحقيق هو إجراء سليم وخالي من التعارض كون عمل اللجان البرلمانية هو إجراء إداري في طبيعتها وعمل المحكمة يعتبر إجراء قضائي وصادر عن هيئة قضائية، وأن الولاية العامة هي للقضاء على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها، إضافة إلى أن في ذلك تحقيق لمبدأ الولاية العامة.
وفي ظل ما تم ذكره في عدم تنظيم ممارسة المحكمة الاتحادية لهذا الاختصاص، يتبادر إلى ذهننا الإشكالية الآتية: ما مدى فعالية نص المادة (93) من الدستور العراقي في ظل الاقتضاب الذي جاء في دستور 2005 لجهة تنظيمه لحالة اتهام رئيس مجلس الوزراء وإدانته؟
وبهدف الإحاطة بذلك تم تقسيم هذا البحث إلى مبحثين في المبحث الأول سنتكلم عن الأصول الإجرائية لمحاكمة رئيس الجمهورية وفي المبحث الثاني إجراءات محاكمة وملاحقة رئيس مجلس الوزراء والوزراء.
المبحث الأول
الأصول الإجرائية لمحاكمة رئيس الجمهورية
حيث توجد السلطة توجد المسؤولية، وهذه المسؤولية لا يمكن أن تصل إلى غايتها الأساسية وهدفها المنشود إلا من خلال متابعة الأصول الإجرائية لمحاكمة الحكام عن مسؤوليتهم الجزائية، تطبيقا لمبدأ سيادة القانون وترسيخا لمبدأ المساواة بين جميع المواطنين لأن القانون يعلو ولا يعلى عليه سواء من الحكام أو المحكومين.
المطلب الأول
إجراءات ملاحقة ومحاكمة رئيس الجمهورية
تعد الأحكام الإجرائية همزة الوصل بين ارتكاب الجرمية وتوقيع العقوبة على مرتكبها استيفاء لحق الدولة في توقيع الجزاء عليه. وعلى هذا الأساس فإن وقوع الجريمة من المتهم يعطي للدولة الحق في توقيع الجزاء. إلا أن وسيلتها في ذلك محددة بطريقة صارمة وهي تحريك الدعوى الجزائية وإجراء التحقيق والمحاكمة، باعتبار كل ذلك يحقق الوسيلة التي تربط بين الجريمة المرتكبة والعقوبة المنطوق بها في حالة الإدانة، ومن هنا فإن قواعد الإجراءات الجزائية مرتبطة ارتباطا عميقا بالقواعد الموضوعية للقانون الجزائي حيث لا عقوبة دون حكم قضائي([1]).
أولاً: إقامة الدعوى في التشريع العراقي
تقام الدعوى الجزائية على رئيس الدولة في العراق وفقا للإجراءات المشار إليها في الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب العراقي، نظرا لعدم صدور قانون خاص ينظم إجراءات اتهام ومحاكمة رئيس الدولة، إذ أشار الدستور في المادة (61 سادسا- أ) إلى مساءلة رئيس الجمهورية بناء على طلب مسبب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب. ونص النظام الداخلي لمجلس النواب في (المادة 57) على مساءلة أعضاء مجلس الرئاسة بناء على طلب مسبب وبالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه الذين يتكون منهم مجلس النواب (أحد مجلسي السلطة التشريعية في العراق)([2])، وليس الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين([3]). يتبين لنا مما تقدم:
1- إجراءات رفع الدعوى الجزائية على رئيس الدولة تختلف من دولة لأخرى ومن تشريع لأخر من حيث النصاب القانوني اللازم توافره لرفع الدعوى، أو من حيث الموضوع الذي تتضمنه عريضة الدعوى الجزائية والأدلة والبراهين اللازمة الإشارة إليها وكذلك من حيث الجهة التي توجه إليها العريضة.
٢- الدعوى الجزائية على رئيس الدولة يجب أن ترفع من أشخاص معينين ومحددين بخلاف القواعد العامة في قانون أصول المحاكمات الجزائية للعديد من الدول التي تعطي حق رفع الدعوى الجزائية للادعاء العام منفردة أو مجتمعة مع بقية الأفراد أو للأفراد فقط.
3- ترفع الدعوى الجزائية على رئيس الدولة بدعوى مشتركة وموقعة من جانب عدد من الأعضاء باستثناء ما ورد في تشريع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعطي الحق لنائب واحد رفع الدعوى الجزائية ضده.
4- لا يوجد ما يمنع قانونا قيام المدعي العام برفع الدعوى أمام المحاكم الجزائية العادية أو إخبار أي عضو من أعضاء البرلمان بارتكاب الرئيس للجريمة أو الجرائم موضوع المساءلة الجزائية، لكنه في الحالة الأولى يتوقف تحريك الدعوى الجزائية بسبب الحصانة الإجرائية التي يتمتع بها الرئيس في فترة رئاسته، ولكنه وبعد انتهاء تلك الفترة تبدأ الدعوى بالتحرك من جانب الادعاء العام، أما في الحالة الثانية فإن الأمر متروك لقناعة هذا العضو أو الأعضاء البرلمانيين([4]).
ثانياً: جهة التحقيق مع رئيس الجمهورية في التشريع العراقي
نظرا لعدم صدور قانون خاص ينظم مسألة كيفية إجراء التحقيق مع رئيس الدولة عند إقامة الدعوى الجزائية عليه في مجلس النواب([5])، فإننا وبالسير على ما سارت عليه التشريعات المقارنة نشير إلى أنه لمجلس النواب عدة لجان دائمة، كما وله تشكيل لجان مؤقتة من أجل أداء مهام المجلس كلما دعت الحاجة لذلك، وبذلك يستطيع المجلس الاستعانة بتلك اللجان لإجراء التحقيق في التهم الموجهة للرئيس.
ومن أهم اللجان الدائمة للمجلس، اللجنة القانونية ولجنة النزاهة وهما يتكونان من عدد من الأعضاء لا يقل عددهم عن سبعة أعضاء ولا يزيد على خمسة عشر عضوا([6])، ويكتمل النصاب في اجتماعات اللجنة بحضور أكثرية عدد أعضائها، ولها الاستعانة بالخبراء عند الحاجة إليهم، وتتخذ قرارها بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائها وترفع قراراتها لهيئة الرئاسة (رئاسة مجلس النواب) بتوقيع رئيس اللجنة أو نائبه أو أعضاء اللجنة بغيابهم([7]).
كما وأن للمجلس تشكيل لجنة التحقيق بموافقة أغلبية الحاضرين وبناء على اقتراح من هيئة رئاسة مجلس النواب أو من خمسين عضوا من الأعضاء([8]).
تمنح لجنة التحقيق صلاحية تقصي الحقائق فيما هو معروض عليها من قضايا ويحق لها دعوة أي شخص لسماع أقواله على وفق الطرق الأصولية، ولها حق الاطلاع على كل ما له علاقة بالقضية المعروضة عليها من دون المساس بالقضايا المعروضة على القضاء ولها كذلك الاستعانة بالخبراء([9]).
وبعد انتهاء التحقيق ترفع اللجنة تقريرها وتوصياتها إلى هيئة رئاسة المجلس على المجلس لاتخاذ ما يراه مناسبا([10]).
وبناء على ذلك نرى أنه ما دام للمجلس لجنة متخصصة بأمر التحقيق، فإن تكليف تلك اللجنة بإجراء التحقيق مع رئيس الدولة في حالة ارتكابه لما يحقق مسؤوليته الجزائية أفضل بكثير من تكليف بقية اللجان الأخرى نظرا لاختصاصها الأولى بالتحقيق، وعليه يتبين لنا من خلال هذا المطلب ما يلي:
1- رغم أن أحد مجلسي البرلمان في الدول ذات المجلسين، والبرلمان في الدول ذات المجلس الواحد مكلف بالتحقيق أصلا في عريضة الدعوى، إلا أنها تحيل التحقيق في الاتهام إلى الجان منشأة أصلا (لجان دائمة وفرعية) أو لجان تنشؤها لهذا الغرض الجان مؤقتة أو خاصة).
2- تقوم اللجان التحقيقية بالتحقق من توافر الشروط الشكلية والموضوعية في الدعوى الجزائية المقامة على رئيس الدولة، وكذلك التحقق من الأدلة المتوفرة ضد رئيس الدولة وتصدر قرارها بالأغلبية البسيطة أو المطلقة.
٣- لم تشر التشريعات المقارنة والتشريع العراقي إلى وجوب حضور المتهم (رئيس الدولة) أمام اللجنة التحقيقية، إلا أنه في حالة ضرورة ذلك لا يوجد مانع دستوري أو قانوني، وقد حصل ذلك بالفعل بالنسبة للرئيس الأمريكي المتهم في قضية ووترغيت – الجهة التي تقوم بالتحقيق مع رئيس الدولة قد لا تتألف من أشخاص ذي صفة قضائية وإن كان معظمهم من القانونيين.
5- قرارات اللجنة قد تكون إدانة الرئيس أو براعته أو عدم كفاية الأدلة وتوجهها إلى المجلس الذي أحال إليها ولا تكون ملزمة له.
6- الذي يقوم بالتحقيق مع رئيس الدولة هم أعضاء في المجلس الذي شكل اللجان التحقيقية، وقد يكونوا أعضاء في اللجنة ذاتها أو لهم دور أساسي في تشكلها، كما أنه قد يكون هو الذي أقام الدعوى ضد الرئيس، لذا نفضل النص على استبعاد العضو أو الأعضاء الذين قاموا برفع الدعوى على الرئيس من عضوية اللجنة التحقيقية أو حتى اختيار أعضاء تلك اللجنة تحقيقا لمبدأ الحياد والنزاهة.
ثالثاً: القرار النهائي لجهة التحقيق والإحالة للمحكمة الاتحادية العليا
عندما ترفع لجنة التحقيق تقريرها وتوصياتها إلى هيئة مجلس النواب، تعرض على المجلس للمناقشة واتخاذ ما يراه مناسبا([11]). فإذا قرر المجلس بالأغلبية المطلقة اتهام رئيس الجمهورية، يحال الأمر إلى المحكمة الاتحادية العليا للنظر فيه وفق قانونها الخاص بها([12]).
وعليه لم يشر الدستور العراقي إلى آثار صدور قرار الاتهام (الإحالة)، فهل يوقف بمجرد صدور قرار الاتهام، رئيس الجمهورية عن مزاولة أعماله الرئاسية والعادية كما في التشريعين المصري واللبناني، أو أن قرار الوقف يصدر بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا بإدانته؟
وبما أنه لا يوجد أية إجابة لهذا السؤال ضمن الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب العراقي وعدم صدور القانون الخاص بمحاكمة رئيس الجمهورية في العراق، نرى أن وقف رئيس الجمهورية عن مزاولة عمله هو في حد ذاته عقوبة، لأنها تندرج ضمن العقوبات التبعية (عقوبة الحرمان من بعض الحقوق والمزايا الوظائف والخدمات التي كان يتولاها)، وبناء لكل ما تقدم يتبين ما يلي([13]):
1- بعد انتهاء التحقيق في التهمة الموجهة لرئيس الدولة، وإعادة الأوراق التحقيقية إلى الجهة التي قامت بفتح التحقيق مع رئيس الدولة وإنشاء أو تكليف اللجنة التحقيقية بذلك، لا يكون قرار تلك اللجنة ملزمة لتلك الجهة.
۲- على الجهة التي استلمت قرار اللجنة التحقيقية البت فيها سواء بموافقتها لها أو رفضها لها وذلك خلال مدة معينة في أغلب التشريعات.
٣- القرارات التي تصدر من الجهة المكلفة بالاتهام إما أن تكون باتهام رئيس الجمهورية (الإحالة إلى المحكمة المختصة) أو رفض الاتهام وإقفال التحقيق.
4- القرارات التي تصدر نتطلب موافقة أغلبية معينة من الأعضاء المنتمون للجهة التي أصدرتها، قد تكون بالأغلبية المطلقة أو البسيطة كما في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والعراق، أو قد تكون بأغلبية الثلثين كما في مصر ولبنان.
5- صدور قرار باتهام رئيس الجمهورية (الإحالة) قد يتطلب موافقة مجلس واحد من مجلسي البرلمان في الدول ذات المجلسين كما في التشريع العراقي والولايات المتحدة الأمريكية، أو بموافقتهما معا كما في التشريع الفرنسي.
6- صدور قرار الاتهام يترتب عليه وقف رئيس الجمهورية عن مباشرة أعماله وتعيين نائبه رئيسا لحين البت في موضوع اتهامه أمام المحكمة المختصة في تشريعات كل من لبنان ومصر([14])، بينما قرار الاتهام لا يترتب عليه وقف رئيس الجمهورية عن مزاولة نشاطه في تشريع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والعراق. ونرى أنه لا يجوز بقاء الرئيس المتهم في منصبه لأن بقاءه بعد الاتهام والإدانة يجعله يستعمل كامل صلاحياته ونفوذه في معاقبة المسببين في ملاحقته واتهامه.
المطلب الثاني
تشكيل المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية
ينص القانون على شروط خاصة تتعلق بتشكيل وإجراءات المحكمة الخاصة بمحاكمة الرئيس حتى تكون الاحكام الصادرة منها صحيحة قانوناً ومنتجة لآثارها، وتشكيل المحاكم الجزائية يقوم على عناصر ثلاثة لا غنى عنها، وإلا كانت الأحكام وما سبقها من إجراءات باطلة بطلاناً مطلقاً، وهذه العناصر هي القاضي وممثل النيابة وكاتب الجلسة.
أولاً: تشكيل المحكمة في التشريع العراقي
نص الدستور العراقي النافذ في (مادته ۹۱/سادسا- ب) على: “إعفاء رئيس الجمهورية… بعد إدانته من المحكمة الإتحادية العليا …”، ونص في مادته ۹۳/سادسة) على اختصاص المحكمة الاتحادية العليا في الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية، وينظم ذلك بقانون” إلى جانب اختصاصات أخرى للمحكمة ذاتها.
وبذلك تكون المحكمة الاتحادية العليا([15]) هي المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية، وهي هيئة قضائية مستقلة([16])، تتكون من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب([17]).
وقد أحسن المشرع العراقي عندما اختصت المحكمة الاتحادية العليا بمحاكمة رئيس الجمهورية عند توجيه الاتهام الرسمي إليه من جانب مجلس النواب، ذلك لأن المحاكمة تتم أمام أعلى هيئة قضائية في الدولة، بالإضافة إلى أن الدستور العراقي منع تشكيل المحاكم الخاصة أو الاستثنائية بموجب نص واضح وصريح”([18]).
عليه تبين لنا من خلال ما تقدم:
1- هناك اختلاف في التشريعات المقارنة والتشريع العراقي فيما يتعلق بتشكيل المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية، وهذا الاختلاف ينصب على أعضاء تلك المحكمة أو الجهة التي تتولى المحاكمة.
۲- تتألف المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية من جميع أعضاء مجلس الشيوخ برئاسة رئيس المحكمة العليا فيها، وفي فرنسا من جميع أعضاء مجلسي البرلمان برئاسة رئيس الجمعية الوطنية، وفي مصر تكون مختلطة بين أعضاء مجلس الشعب والقضاة، وفي لبنان تكون ذات تشكيلة قضائية برلمانية، وفي العراق وإن كانت تتألف من القضاة وغيرهم من الأشخاص إلا أنها تتجرد من عضوية أي عضو في السلطة التشريعية (مجلس النواب).
٣- إن تشكيل المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية من أعضاء السلطة التشريعية لا يفقدها الاختصاص الجزائي، فمن الجائز أن تتشكل بعض المحاكم الجزائية الخاصة من أعضاء ليسوا قضاة، أو بالأحرى من أعضاء السلطة التشريعية.
وبالتالي، فإن الأصول التي تطبق أمام المجلس الأعلى، هي الأصول ذاتها التي تطبق أمام محكمة الجنايات، وهذه الأصول تتعلق “بالشروع في المحاكمة واستجواب المتهم، والاستماع إلى الشهود، والانتقال إلى مكان الجريمة، والتوسع في التحقيق، واستيضاح الخبراء والمرافعة”.
ثانياً: إجراءات المحاكمة في التشريع العراقي
لم يشر الدستور العراقي 2005 إلى الإجراءات المتبعة في المحكمة الاتحادية العليا عند محاكمتها لرئيس الدولة عن التهم الموجهة إليه، وكذلك لم يصدر القانون المنظم لتلك المسألة.
وبناء على ذلك نرى بأنه ليس هناك مانع من تطبيق القواعد والإجراءات الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي عند محاكمة أي رئيس جمهورية في العراق، مع التقيد بالأحكام الخاصة لتلك المحاكمة الواردة في الدستور([19]).
نخلص إلى القول إلى أن هناك اختلاف جذري في الإجراءات التي تتبع أمام المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الدولة في التشريعات المقارنة والتشريع العراقي من حيث مكان إجراء المحاكمة وكيفية سير المرافعة (سرية أو علنية)، والسلطات التي تملكها المحكمة تجاه المتهم٫ وأدلة الاتهام بالإضافة إلى حدود الاتهام، وكيفية تبليغ المتهم والجهة التي تكلفها المحكمة بأداء هذا الدور، ومن حيث محاكمة شركاء رئيس الدولة من لا ينطبق عليهم القانون الخاص بمحاكمة رئيس الدولة.
ثالثاً: إصدار الحكم في التشريع العراقي
ورد في الدستور العراقي: إعفاء رئيس الجمهورية بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب بعد إدانته من المحكمة الإتحادية العليا…”([20]).
وبذلك لم يشر الدستور إلى النسبة المتطلبة لصدور قرار الإدانة من المحكمة أو البراءة من التهم الموجهة إليه، ولم يبين عدد الأعضاء التي تتألف منهم المحكمة، لذا نرى الأخذ بقاعدة الأكثرية الموصوفة (المطلقة) لعدد أعضاء المحكمة([21]).
نخلص إلى القول إلى أن غالبية التشريعات ذهبت إلى اشتراط توافر الأغلبية المشددة أغلبية الثلثين) للأعضاء الذين تتألف منهم المحكمة التي تحاكم رئيس الدولة في إصدار حكم الإدانة عليه.
المبحث الثاني
إجراءات محاكمة وملاحقة رئيس مجلس الوزراء والوزراء
إن محاكمة وملاحقة رئيس مجلس الوزراء والوزراء وفق النصوص الدستورية والقانونية تختلف باختلاف الدساتير والقوانين الخاصة بكل دولة. فبعضها تنيط صلاحيات المحاكمة إلى هيئة سياسية كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية حيث يتولى مجلس الشيوخ محاكمة الرئيس والوزراء بناء على قرار اتهامي يصدر عن مجلس الممثلين بالأغلبية المطلقة من أعضائه، وبعض الدول تنيط صلاحية المحاكمة إلى هيئة قضائية كما هو الحال في الدستور الإيطالي([22]) والبعض الآخر من الدول ينيط هذه الصلاحية في المحاكمة إلى هيئة مختلطة (سياسية قضائية) كما هو الحال في فرنسا حيث تتألف المحكمة من برلمانيين وأعضاء من محكمة التمييز، ولبنان الذي يتألف المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء من سبع نواب وثماني قضاة، أما في العراق فتتألف المحكمة الاتحادية العليا من ثلاث أصناف من الأعضاء من القضاة وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون. كل هذه الاختلافات في المحاكمة وإجراءاتها وآثارها([23]).
المطلب الاول
سلطة محاكمة رئيس مجلس الوزراء والوزراء في العراق
أولاً: موقف المشرع الدستوري
إن المحكمة الاتحادية العليا في العراق تعد السلطة المختصة بمحاكمة رئيس الوزراء استنادا لأحكام الفقرة سادساً من (المادة ۹۳) من الدستور. يتراءى للقارئ لأول وهلة، أن اختصاص هذه المحكمة يعد اختصاصا حصرية مانعة لغيرها من المحاكم الأخرى من مشاركتها هذا الاختصاص، ويعد شام حالات الإتهامات الجزائية الموجهة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء كافة، كون صياغة المادة أعلاه جاءت بصورة مطلقة، ولم يرد نص يقيدها.
لكن هذا القول غير صحيح على إطلاقه، فنحن لا نؤيد الصلاحية الحصرية للمحكمة الاتحادية العليا في محاكمة رئيس مجلس الوزراء والوزراء في العراق، في ضوء التحديد الدستوري للجرائم الموجبة للاتهام، ونرى إقرار الصلاحية المزدوجة للمحكمة الإتحادية والمحاكم الجزائية في إجراء محاكمة كل من رئيس الوزراء أو الوزير عند ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، إذ أن الوزير عندما يرتكب جناية تتعلق بوظيفته كاختلاسه للمال العام أو أخذ الرشوة أو تجاوز حدود وظيفته يشكل جريمة، ومن ثم فإن تقاعس المحكمة الاتحادية عن إجراء المحاكمة بحجة عدم وجود القواعد التشريعية الي تنظم عملية المحاكمة فإن ذلك لا يمنع القضاء العادي من محاكمة رئيس الوزراء أو الوزير، ولا يعلق المحاكمة على إصدار قرار الاتهام من مجلس النواب بالقياس على رئيس الجمهورية، لأن القضاء الجزائي العادي يلاحق الجريمة أينما ارتكبت ما دامت داخله في اختصاصه مكانياً.
ثانياً: تشكيل المحكمة وطبيعتها
سبق وأن بينا أن المحكمة الاتحادية العليا تكونت من ثمانية أعضاء بالإضافة إلى رئيسها، وعلى الرغم من أن الواقع العملي يشير إلى تبني الطابع القضائي لها، إلا أن الدستور تبني التشكيل المختلط بتشكيلها من القضاة وفقهاء القانون والشريعة، لذا نحيل ذلك إلى ما سبق بیانه منعا للتكرار([24]).
ثالثاً: موقف القضاء العراقي
من استقراء القرارات القضائية التي تطرقت للسلطة المختصة بمحاكمة رئيس مجلس الوزراء والوزراء نجد أن موقف القضاء من ذلك تمثل في قرارين:
أولهما : الرأي الاستشاري لمجلس شورى الدولة المرقم 86/2005 الصادر في 5/12/2005، إذ جاء فيه: عدم إمكانية استقدام الوزير أو التحقيق معه مباشرة إلا بعد أخذ موافقة الجمعية الوطنية (السلطة التشريعية السابقة)، فيتبين من ذلك بصورة ضمنية أن المحاكم العادية لا تختص بمحاكمة رئيس مجلس الوزراء والوزراء بصورة مطلقة، إنما يستوي في ذلك ارتكابهم الجرائم الوظيفية أو العادية.
وعلى الرغم من سكوت الدستور عن تحديد الجرائم الموجبة لمحاكمة رئيس مجلس الوزراء والوزراء، إلا أن المحكمة الاتحادية ملزمة بالفصل في الاتهامات الموجهة لرئيس الوزراء والوزير، في حالة تكييف الاتهامات بأنها من الواجبات الوظيفية، وهي تشكل صورة من صور الفساد الإداري والمالي، فتخضع لاختصاص هيئة النزاهة استنادا للفقرة الأولى من (القسم 3) من أمر سلطة الائتلاف رقم 57 المتعلق بالمفتشين العموميين الذي نص على أنه:
وفي حال ورود شكاوى أو بلاغات يدعى فيها أن الوزير المعني أساء التصرف، يرفع المفتش العمومي تقريره إلى المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة وهو رئيس مجلس الوزراء حاليا بموجب البند (1) من (القسم 2) من الأمر رقم 100 أو إلى رئيس المفوضية المعنية بالنزاهة العامة بعد تولي الإدارة الانتقالية كامل سلطات الحكم في العراق.
أما القرار الثاني: فهو قرار المحكمة الإتحادية العليا المرقم 1/ اتحادية/ 2005 الصادر في 29/5/2006 ومما جاء فيه: إن (المادة 136/ب) من قانون اصول المحاكمات الجزائية أوجبت عند إحالة المتهم على المحكمة في جريمة ارتكبها أثناء تأدية وظيفته الرسمية، أو بسببها، حصول الإذن بالإحالة من الوزير التابع له، فهذا لا يعني أن الإذن ورد على الإحالة دون الإجراءات الأخرى وهو المباشرة معه بالتحقيق، حيث أن التحقيق يجري بمجرد الإخبار بوقوع الجريمة، وتتخذ جميع الإجراءات القانونية، وعند انتهاء التحقيق إن وجدت أدلة كافية يتم أخذ الإذن بالإحالة فقط، فإن امتنع الوزير أو من له صلاحية بإعطاء الإذن فإن بإمكان المتضرر إقامة الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري… لذا والحالة هذه لا يكون قرار الوزير بعدم إعطاء الإذن باتا وقطعية، وإنما له طريق قانوني”([25]).
يتضح مما تقدم: أن المحكمة الإتحادية تقرر وجوب استحصال موافقة رئيس مجلس الوزراء على إحالة الوزير إلى المحاكمة بموجب (المادة 136/ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ۲۳ لسنة ۱۹۷۱، كون رئيس الوزراء يعد الرئيس الأعلى للوزير، ومن ثم يتوجب الرجوع إليه وطلب الإذن منه في حالة ارتكاب الوزير الجرائم الوظيفية المنصوص عليها في قانون العقوبات حصرة دون أن يسري ذلك إلى الإخلال بالواجبات الوظيفية المنصوص عليها في الدستور.
إلا أن الحكم المذكور لم يعد بالإمكان تطبيقه في الوقت الحاضر، وذلك لإلغاء المادة أعلاه([26]). وعليه في حالة اتهام الوزير بأي جريمة وظيفية، فلا يملك رئيس الوزراء منح الاذن بإحالته إلى المحاكم المختصة لعدم وجود سند قانوني لذلك.
رابعاً: موقف الفقه العراقي
لم يتطرق الفقه العراقي إلى الحالة التي يجمع فيها رئيس مجلس الوزراء والوزراء بين منصب الوزارة والنيابة، علما أن سقوط حصانة النائب الوزير يستوجب نصاً دستورياً، ونرى عدم وجود نص دستوري أو قانوني يقضي بضرورة استحصال مثل هذا الإذن في إحالة الوزير، لذا فيمكن القياس على حالة الموظف العادي، ومن ثم لا يتوجب استحصال هذا الإذن من رئيس الوزراء للشروع في إجراءات المحاكمة بالنسبة إلى الجرائم المرتكبة من الوزير استنادا (للمادة 136/ب) من قانون اصول المحاكمات الجزائية، إذ أن القول بغير ذلك يؤدي إلى التحايل على أحكام الدستور والقوانين المكملة له، والتي عالجت مسألة اتهام ومحاكمة الوزير([27]) .
المطلب الثاني
إجراءات محاكمة رئيس مجلس الوزراء في العراق
على الرغم من عدم إصدار القانون الخاص باتهام رئيس وأعضاء السلطة التنفيذية، إلا أن ذلك لا يحول دون وجوب اتباع الإجراءات المحددة لدى الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء، من قبل المحكمة الإتحادية العليا، إذ أن (المادة 92/ثانياً) من الدستور، بينت آلية تشكيلها، حيث تتكون من ثلاثة أصناف من الأعضاء: الأول: من القضاة. فيما يكون الثاني: من الخبراء في الفقه الإسلامي([28]). أما الثالث: فهو من فقهاء القانون([29]).
ونرى أن تشكيل المحكمة على النحو المذكور بتبني الطابع المختلط مما يجعل هذه المحكمة ذات طبيعة قانونية قضائية بحتة، وهي ضمانة مثالية لالتزام الأحكام الصادرة عن المحكمة بالحياد والموضوعية بعيدا عن التأثير السياسي. وبالنظر إلى إجراءات المحاكمة في العراق سيتم تناولها كالآتي:
أولاً: الإجراءات السابقة على المحاكمة
وبالعودة إلى قانون المحكمة الاتحادية رقم ۳۰ لسنة 2005 فإنه حدد بعض الإجراءات التي يتوجب اتباعها، إذ تتمثل الإجراءات السابقة على المحاكمة في وجوب عدم المباشرة بأي عمل من أعمال المحكمة إلا بعد أداء رئيسها وأعضاءها اليمين أمام مجلس الرئاسة([30]).
فضلاً عن إناطة تحديد موعد انعقادها برئيس المحكمة حصرا بعد توجيه دعوته لأعضائها بالانعقاد قبل وقت كاف لا يقل عن خمسة عشر يوما([31]).
ثانياً: الإجراءات المعاصرة للمحاكمة
فيما تتمثل الإجراءات المعاصرة للمحاكمة في وجوب حضور جميع أعضاء المحكمة جلسات المحاكمة، وعقد المحكمة جلساتها بصورة علنية، إلا إذا قررت سريتها بناء على مقتضيات المصلحة العامة، أو النظام، أو الآداب العامة([32])، ووجوب حضور محام ذي صلاحية مطلقة([33]).
وتباشر المحكمة في نظر الدعوى حتى في حالة عدم حضور أطرافها شريطة تحققها من صحة تبليغهم بموعد المحاكمة([34]).
وبالعودة إلى الفصل الأول من الباب الثالث من قانون أصول المحاكمات الجزائية المعنون قواعد المحاكمة نجد: أن صلاحية المحكمة مقيدة في ضرورة عدم محاكمة غير الشخص الذي أحيل إلى المحاكمة، كون التحقيق وجوبية في الجنايات([35])، وعدم جواز إبعاد المتهم عن قاعة المحكمة إلا في حالة إخلاله بالنظام، وشريطة أن يكون الإبعاد مؤقتا، فضلا عن ضرورة إعلامه بالإجراءات المتخذة بغيابه.
تبدأ المحكمة إجراءاتها بالمناداة على المتهم، وباقي الخصوم وتحرير محضر بما تم من إجراءات أثناء المحاكمة يوقع جميع صفحاته رئيس المحكمة، ويجب أن يشتمل على تاريخ كل جلسة وما إذا كانت علنية أم سرية، وبيان الأوراق التي تليت، والطلبات التي قدمت والإجراءات التي تمت، وخلاصة القرارات التي أصدرت، وغير ذلك مما يكون قد جرى في المحاكمة.
ثالثاً: سلطات المحكمة
إن السلطات التي تتمتع بها المحكمة الاتحادية العليا تتمثل في إجراء التحقيقات التي تراها ضرورية وفقا للأصول، ولها أن تنيب القيام بذلك أحد قضاة المحكمة، فضلا عن أنها تطلب أي أوراق أو بيانات من الحكومة، أو غيرها، حتى إن كانت القوانين لا تسمح بإفشائها أو الاطلاع عليها، ولها الاستعانة برأي الخبراء، أو المستشارين لديها، أو الادعاء العام، دون أن يكون ذلك ملزما لها([36]).
وبالمقابل فإن رئيسها مسؤول عن إدارة الجلسات، إذ له الحق في منع أي شخص من مغادرة قاعة المحاكمة، وإخراج كل من يخل بنظامها، وبعد إكمال الإجراءات المذكورة يصار إلى إعلان ختام المرافعة، إذ تختلي هيئة المحكمة للتداول وإصدار الحكم.
ويلاحظ أن المشرع الدستوري ساوى بين رئيس مجلس الوزراء والوزراء ورئيس الجمهورية في إخضاعهم للجهة المختصة بالمحاكمة ذاتها وهي المحكمة الاتحادية العليا، إلا أنه لم يساو بينهما في المعاملة الدستورية المتعلقة بتحديد الجريمة الوظيفية أو الأفعال التي يتم بموجبها إخضاعهم للمحاكمة. وعليه يستنتج أن المحاكمة ذات طابع مختلط قضائي وسياسي في آن معاً.
الخاتمة
رغم الاختلاف على الجهة التي تتولى أمر المحاكمة التي تختص بها المحكمة الاتحادية العليا في العراق، حيث ساوى المشرع الدستوري بين رئيس الجمهورية والرئيس الوزراء في إخضاعهم لذات الجهة المختصة بالمحاكمة وهي المحكمة الاتحادية العليا، إلا أنه لم يساوهما في المعاملة الدستورية المتعلقة بتحديد الجريمة الوظيفية أو الأفعال التي يتم بموجبها محاكمتهم.
ومن خلال ما تقدم تم التوصل إلى جملة من النتائج والمقترحات
أولاً: النتائج
- على الرغم من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا بمحاكمة رئيس الوزراء والوزراء وفقاً لنصوص الدستور، إلا أن الباحث تبنى المعيار التنافسي مع القضاء العادي في المحاكمة عن الجرائم الوظيفية والجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، لعدم التحديد الدستوري للجرائم الوظيفية التي تخضع لاختصاص المحكمة الاتحادية.
- في العراق فإن المشرع الدستوري ساوى بين رئيس الوزراء والوزراء ورئيس الجمهورية في إخضاعهم للجهة المختصة بالمحاكمة ذاتها وهي المحكمة الاتحادية العليا، إلا أنه لم يساويهما في المعاملة الدستورية المتعلقة بتحديد الجريمة الوظيفية أو الأفعال التي يتم بموجبها محاكمتهم.
- وفي العراق يلاحظ سكوت التشريعات عن تحديد العقوبة، لذا بالإمكان فرض إحدى العقوبات الجزائية المنصوص عليها في قانون العقوبات في حالة إصدار الحكم بالإدانة من المحاكم الجزائية العادية، دون أن يخل ذلك بإمكانية إيقاع العقوبة السياسية المتمثل بالعزل أو الإعفاء من المنصب من قبل مجلس النواب، خلافاً لحالة إصدار قرار الإدانة من المحكمة الاتحادية العليا، إذ يتوجب إصدار قرار العقوبة السياسية المتمثلة بالعزل من مجلس النواب.
ثانياً: التوصيات
- نتمنى على مجلس النواب العراقي وجوب إصدار قانون محاكمة رئيس وأعضاء السلطة التنفيذية دفعاً للاجتهادات والتفسيرات المتقاربة، وضرورة النص الصريح بعدم إمكانية استخدام العفو الخاص عن المتهم من قبل المحكمة المختصة بالمحاكمة.
- وجوب قيام المشترع العراقي بتحديد مدة الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الدولة والحكومة والوزراء وفي كافة المراحل السابقة واللاحقة للمحاكمة وذلك خلال مدة زمنية محددة ضماناً للحقوق وصوناً للعدالة المرجوة.
- إدخال تعديل على سلطة المحكمة الاتحادية لتتمكن من إصدار الحكم بالعقوبة مباشرة وليس إصدار الإدانة فقط مما يعطي أحكامها القوة العقابية الملزمة الصادرة عن سلطة الحكم.
- إدخال تعديلات على نسبة الأغلبية الواجب توافرها لإصدار قرار الاتهام لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء لأن هذا القرار هو بمثابة إذن بالملاحقة أمام المحكمة الاتحادية العليا.
قائمة المصادر والمراجع
أولاً: الكتب
- إحسان المفرجي، النظرية العامة في القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق، مطبعة العاني، بغداد، 2010.
- إسماعيل مرزة، مبادئ القانون الدستوري والعلم السياسي، دار الملاك للفنون والآداب، بغداد، 2015.
- رافع حضر صالح شبر، دراسات في مسؤولية رئيس الدولة العراقية، مطبعة العاني، بغداد، 2011.
- عبد الرحمن سليمان زيباري، السلطة القضائية في النظام الفيدرالي، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2013.
- عدنان عاجل عبيد، القانون الدستوري النظرية العامة والنظام الدستوري في العراق، النبراس للطباعة، النجف الأشرف، العراق، 2013.
- غازي فيصل مهدي، المحكمة الاتحادية العليا ودورها في ضمان مبدأ المشروعية، مطبعة شفيق، بغداد، 2014.
- فرمان درویش حمد، اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا في العراق، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2013.
- محمد زكي أبو عامر، الإجراءات الجزائية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، ۲۰05.
- مدحت المحمود، القضاء في العراق، مكتبة العدالة، بغداد، 2005.
- مدحت المحمود، القضاء في العراق، منشورات موسوعة القوانين العراقية، بغداد، 2014.
- منذر الشاوي، القانون الدستوري، مطبعة شفيق، بغداد، 2010.
ثانياً: المجلات
- إسماعيل نعمة عبود، المسؤولية الجزائية لرئيس الجمهورية، مجلة كلية التربية، جامعة بابل، العدد 4، 2008.
- سامي جبار حسون، المحكمة الاتحادية العليا في ظل دستور جمهورية العراق لعام 2005، مجلة الكلية الإسلامية الجامعة، بغداد، العدد 44، 2014.
- هادي عزيز علي، خبراء الفقه الإسلامي وعضوية المحكمة الاتحادية العليا، منشورات المؤتمر المدني في الوحدة الوطنية، بغداد، 2010.
ثالثاً: الدساتير والقوانين
- الدستور العراقي لعام ۲۰۰5
- قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لعام 1971
- قانون المحكمة الإتحادية العليا العراقي رقم ۳۰ لسنة 2005
- النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي لعام 2006
الهوامش:
- () محمد زكي أبو عامر، الإجراءات الجزائية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2005، ص 5-6. ↑
- () نصت المادة 48 من الدستور العراقي لعام 2005 على أن: “تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد…”. ↑
- () رافع حضر صالح شبر، دراسات في مسؤولية رئيس الدولة العراقية، مطبعة العاني، بغداد، 2011، ص۵۰. ↑
- () سامي جبار حسون، المحكمة الاتحادية العليا في ظل دستور جمهورية العراق لعام 2005، مجلة الكلية الإسلامية الجامعة، بغداد، العدد 44، 2014، ص2. ↑
- () نصت المادة (69) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي لعام 2006 على أن: ” تشكل اللجان الدائمة في أول جلسة يعقدها المجلس بعد إقرار النظام الداخلي ويراعى في تشكيلها رغبة العضو واختصاصه وخبرته.” ↑
- () (المادة ۷۳) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي. ↑
- () مدحت المحمود، القضاء في العراق، منشورات موسوعة القوانين العراقية، بغداد، 2014، ص36. ↑
- () (المادة ۸۳) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي ↑
- () (المادة 84) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي ↑
- () (المادة 85) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي ↑
- () نصت المادة (85) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي لعام 2006 على أن: “ترفع اللجنة التحقيق بعد إنهاء تقريرها وتوصياتها على هيئة الرئاسة لعرضها على المجلس لاتخاذ ما يراه مناسباً”. ↑
- () إسماعيل نعمة عبود، المسؤولية الجزائية لرئيس الجمهورية، مجلة كلية التربية، جامعة بابل، العدد 4، 2008، ص160. ↑
- () عدنان عاجل عبيد، القانون الدستوري النظرية العامة والنظام الدستوري في العراق، النبراس للطباعة، النجف الأشرف، العراق، 2013، ص44. ↑
- () إن سبب كف يد الرئيس يعود إلى أن الاتهام يصدر في مصر ولبنان بأكثرية الثلثين في حين أنه في أميركا يصدر بالأكثرية العادية، فعندما يصدر القرار بالاتهام بأكثرية الثلثين نادرا ما يخلو القرار من عناصر إدانة واضحة لذلك تكف يد الرئيس في حين أن القرار بالأكثرية العادية هو أشبه بأي قرار عادي أو سياسي وقد يتضمن افتراء على الرئيس. ↑
- () تم تشكيل المحكمة الاتحادية العليا في ظل قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لتتولى مهمة ضمان احترام مضامين الدستور وترسيخ مبدأ سيادة القانون والحيلولة دون قيام السلطة التشريعية = = و السلطة التنفينية بمخالفة المبادئ الأساسية أو النصوص الواردة في الدستور، وقد تولى مجلس القضاء بجلسته المنعقدة بتاريخ 21/7/2004 تقديم قائمة بالمرشحين بعد عملية اقتراع سري وحر والأصوات التي حصل عليها كل منهم، وبعد التشاور مع مجلس القضاء في كوردستان وذلك إلى (مجلس الرئاسة) وفي الوقت ذاته أعد مشروع قانون المحكمة، وأصدر مجلس الوزراء – بعد موافقة مجلس الرئاسة وحسب صلاحياته التشريعية الأمر المرقم (۳۰) لسنة 2005 بتاريخ 24/2/2005 (قانون المحكمة الاتحادية العليا) وقد نصت (المادة 1) منه على: “تنشأ محكمة تسمى المحكمة الاتحادية العليا ويكون مقرها في بغداد تمارس مهامها بشكل مستقل الا سلطان عليها لغير القانون”. انظر: مدحت المحمود، القضاء في العراق، مكتبة العدالة، بغداد، ۲۰۰5، ص52. ↑
- () (المادة ۹۲/أولا) من الدستور العراقي. ↑
- () (المادة ۹۲/ثانيا) من الدستور. ↑
- () (المادة95) من الدستور. ↑
- () عبد الرحمن سليمان زيباري، السلطة القضائية في النظام الفيدرالي، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2013، ص22. ↑
- () (المادة 61/سادسا- ب) من الدستور العراقي ۲۰۰5. ↑
- () إسماعيل مرزة، مبادئ القانون الدستوري والعلم السياسي، دار الملاك للفنون والآداب، بغداد، 2015، ص44. ↑
- () المادة (16) من الدستور الإيطالي التي تعطي صلاحية محاكمة الرؤساء والوزراء إلى القضاء العادي. ↑
- () إسماعيل مرزة، مبادئ القانون الدستوري والعلم السياسي، مرجع سابق، ص45. ↑
- () منذر الشاوي، القانون الدستوري، مطبعة شفيق، بغداد، 2010، ص223. ↑
- () إحسان المفرجي، النظرية العامة في القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق، مطبعة العاني، بغداد، 2010، ص76. ↑
- () إن (المادة 136/ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لعام 1971 نصت على أنه: (… لا تجوز إحالة المتهم على المحاكمة في جريمة ارتكبت أثناء وظيفته الرسمية أو بسببها، إلا بإذن من الوزير التابع له، مع مراعات ما تنص عليه القوانين الأخرى)، وألغي العمل بهذه المادة بموجب القانون الصادر عن مجلس النواب رقم 8 السنة 2011 المنشور في الوقائع العراقية 4193 الصادرة في 13/6/2011، وجاء في الأسباب الموجبة الإصدار هذا القانون الحصر صلاحية تقرير براءة المتهم وإدانته بيد القضاء ولتأكيد استقلاله وضمان دور أكبر في محاربة الفساد، وعملا بمبدأ الفصل بين السلطات، شرع هذا القانون). ↑
- () غازي فيصل مهدي، المحكمة الاتحادية العليا ودورها في ضمان مبدأ المشروعية، مطبعة شفيق، بغداد، 2014، ص93. ↑
- () خبراء الفقه الإسلامي يرشحون من قبل ديوان الوقف الإسلامي وتبدأ مدة خدمتهم اثنتا عشرة سنة من تاريخ مباشرتهم مهامهم، وقد اعتبر دورهم استشاري وهم غير مخولين بحق التصويت على قرارات المحكمة الاتحادية لأن الدستور وضعهم موضع الخبير فقط، علما أن هناك تعريف لخبراء الفقه الإسلامي بأنهم أهل العلم والفضل يشاورهم القاضي في المعروض أمامه من نزاعات وماهية الحكم الشرعي المناسب. وهذه المشورة أمر مطلوب في عمل القاضي وإن كان عالما. أنظر: هادي عزيز علي، خبراء الفقه الإسلامي وعضوية المحكمة الاتحادية العليا، منشورات المؤتمر المدني في الوحدة الوطنية، بغداد، 2010، ص3. كذلك فرمان درویش حمد، اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا في العراق، منشورات زين الحقوقية، بيروت، 2013، ص 82. ↑
- () تجدر الإشارة إلى أن المحكمة في الوقت الحاضر مكونة من رئيس وثمانية أعضاء يتم تعيينهم من مجلس الرئاسة، وبترشيح من مجلس القضاء الأعلى بالتشاور مع المجالس القضائية للأقاليم، وفقا لأحكام المادة الأولى من قانون المحكمة الإتحادية العليا العراقي رقم 30 لسنة 2005 الأمر الذي يشكل مخالفة دستورية صريحة من قبل مجلس الرئاسة ومجلس القضاء الأعلى لأحكام المادة 92) من الدستور، إذ لم تضم في عضويتها إلا القضاة، الأمر الذي يوجب تدخل رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء أو مجلس النواب، أو الوزراء، كونهم الجهة التي أناطت بها (المادة 50) من الدستور المحافظة على تطبيقات التشريعات وبضمنها الدستور . ↑
- () تكون صيغة اليمين استناداً لأحكام (المادة 7) من قانون المحكمة الإتحادية العليا رقم ۳۰ لسنة 2005 كالآتي: (أقسم بالله العظيم أن أؤدي وظيفتي بصدق وأمانة، وأقضي بين الخصوم بالحق وبالعدل، وأطبق القوانين بأمانه ونزاهة وحياد، وأحافظ على استقلال القضاء وكرامته ونزاهته، والله على ما اقول شهيد). ↑
- () (المادة 5/ أولا) من قانون المحكمة الاتحادية العليا، و (المادة 9) من النظام الداخلي للمحكمة الإتحادية العليا. ↑
- () (المادة ۱۰) من النظام الداخلي للمحكمة الإتحادية العليا. ↑
- () ان اشتراط حضور المحامي المنصوص عليه في المادة (20) من النظام الداخلي للمحكمة، جاء منذ المراحل التمهيدية للدعوى، كون المادة المذكورة أوجبت حتى تقديم اللائحة من المحامي، إلا أنها أجازت استثناء تقديمها من غير المحامي، وهي في الحالة التي يكون مقدم الدعوى فيها من دائرة رسمية، إذ أجازت ذلك من الممثل القانوني للدائرة، شريطة كونه يحمل عنوان مدیر . ↑
- () (المادة 11) من النظام الداخلي للمحكمة الإتحادية العليا . ↑
- () الفقرة الأولى من المادة (155) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم ۲۳ لسنة ۱۹۷۱ ↑
-
() (المادتان 16۷ و 168) من قانون أصول المحاكمات الجزائية. ↑