من آثار الرحمة الإلهية في التشريعات الجنائية الإسلامية

أ. حاتم أحمد انديشة1

1 الجامعة الأسمرية الإسلامية، الكلية كلية الشريعة والقانون، قسم القانون، ليبيا.

DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj61/28

المعرف العلمي العربي للأبحاث: https://arsri.org/10000/61/28

الصفحات: 456 - 471

تاريخ الاستقبال: 2024-12-04 | تاريخ القبول: 2024-12-15 | تاريخ النشر: 2025-01-01

Download PDF

المستخلص: هدف هذا البحث الى بيان كمال أحكام الشريعة والرحمة التي جبلت على أحكام عقوباتها، وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وأن أحكامها فيها من المصلحة والحكمة مالا تدركه عقولنا وبصائرنا، وقد كان لها كبير الأثر في إصلاح الناس في فترة وجيزة، وذكر أمثلة لهذه الرحمة في تشريعاتها الجنائية. وقد اتبعت فيه المنهج الاستقرائي. توصل البحث الى عدة نتائج أهمها أن الرحمة من آكد أسس التشريع الإسلامي التي حث عليها القرآن والسنة وطبقها النبي بأفعاله  والصحابة من بعده في تنفيذ الحدود وإقامة الحق والعدل بين الناس حتى أصبحوا خير أمة أخرجت للناس. كما توصل البحث الى أن العبرة في تنفيذ الحدود المنصوص عليها شرعا هو الردع والزجر لا القتل والإهلاك، وأن هدف العقوبة منع الجريمة والتقليل منها، حتى يرتدع الظالم ولا يتأسي به أحد.

الكلمات المفتاحية: الرحمة الإلهية، التشريعات الجنائية.

المقدمة

هدف الاسلام في بدايته إلى إرساء بعض القواعد التي تنظم حياة الناس وتحفظ حقوقهم وتقضي على الظلم بشتى صوره وأشكاله وتردع الظالم عن ظلمه والمعتدي عن عدوانه وتقضي على الفساد الذي كان منتشرا زمن الجاهلية, حيث لا قوانين تضبط حياتهم, وإن وجدت قوانين إلا أنها تنفذ على الفقير دون الغني, كما قال صلى الله عليه وسلم” “إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مَنْ قَبْلِكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ، ‌لَوْ ‌سَرَقَتْ ‌فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”[1] وهو القائل عندما كلم في شأن المرأة المخزومية: “أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة” [2] ؛ هذا هو فعل نبي الأمة صلى الله عليه وسلم ومن نزلت عليه الشرائع, ومن أوكل بتطبيقها, فكان لزاما عليه أن ينفذ أحكام الله في أرضه, وفق ماأمره خالقه عز وجل, وهذه الحكمة وراء بعثة الأنبياء والرسل والشرائع قال تعالى: ” رسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ”[3].

فهدف كل هذه الشرائع من عهد آدم هو إصلاح العباد وهدايتهم إلى طريق الخير والمنفعة للفرد والجماعة, فصمم الإسلام منظومة من الأحكام التي تقضي على الخلل الذي كان زمن الجاهلية, ولا يتم هذا الإصلاح إلا ببعض القوانين التي بها شيء من الصعوبة, فكيف يزال الوسخ إلا ببعض القسوة والشدة, والهدف هو تأليف مجتمع خال من الشرور ما أمكن, وإرجاع الناس بعد الانفلات واللاقانونية التي كانت سائدة في الجاهلية, إلى اتباع أمر واحد أحد, وقد نجح الإسلام في هذا أكبر نجاح, فبعد أن كان الناس لا يحكمهم نظام ولا قانون أصبحوا في فترة وجيزة كالبنيان المرصوص, إذا تكلم رسول الله امتثلو أمره, وأذعنوا وأطاعوا ابتغاء مرضاة ربهم.

ومن المعروف أن من لم يكن عنده قانون أو نظام يتبعه هو أشد وأبعد في الامتثال ممن كان عنده ناموس أو دستور يحكمه, ومشى عليه زمنا؛ وتغيير الأحكام أسهل من إحداث أحكام جديدة, ومع هذا في أقل من نصف قرن كانت الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس.

وقد حاولت القوانين الوضعية والمذاهب الإصلاحية في الأرض, من عهد أفلاطون وجمهوريتة وأرسطو وسياسته, ومعارضة أبيقور, وزينون, وغيرهم من الأقدمين, ومانشر كارل ماركس, ومن أتى بعده إلى لينين لإصلاح النفوس والشعوب, فمنها ماطبق وعاش دهرا ثم اضمحل ونسي, ومنها ما أفسد الشعوب, ومنها مالم يطبق إلى زماننا, والشيء يعرف بأثره على الفرد والمجتمع, فمن هذه التشريعات ماكان أثره طويلا, ومنها ماكان له قليل الأثر ومنها مالم يكن له أثر, وإنما ظهر خلله فعدل وغير, وهذا حال التشريعات الوضعية ومايعتريها من نقص وقصور, ولا أدل على ذلك من أنه دائم التعديل والتغيير, فكيف بشريعة آتت أكلها, وظهر قدرها, وكانت نبراسا يهتدي بها من بعدها من الأمم في تشريعاتها وعلو قدر أحكامها.

مشكلة الدراسة:

ولكن لا يخلو الأمر من وجود بعض المعترضين على أحكامها السامية العلية, ويتهمونها بالشدة والغلظة في تطبيق حدودها, ومعالجة مخالفيها, كي يمرروا باطلهم وماهم عليه من الانفتاح والانحلال, حتى اتهموا خالق الخلق بأنه ظالم في أحكامه, ومن أعلم بمصلحة عباده منه عز وجل, فهو سبجانه يعلم ماكان وما سيكون, ويعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور, وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى؛ وماهذه السطور إلا لتبيين بعض الأمثلة من رحمة الله بخلقه في التشريعات الجنائية الإسلامية, وذودا عن حياضها المنيعة, وجمعا لبعض من مظاهر التيسير على خلقه, حتى في أشد احكامه, وهي العقوبة والجناية والجرم.

الهدف من الدراسة والمنهج المتبع:

بيان كمال أحكام الشريعة والرحمة التي جبلت على أحكام عقوباتها، وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وأن أحكامها فيها من المصلحة والحكمة مالا تدركه عقولنا وبصائرنا، وقد كان لها كبير الأثر في إصلاح الناس في فترة وجيزة، وذكر أمثلة لهذه الرحمة في تشريعاتها الجنائية. وقد اتبعت فيه المنهج الاستقرائي.

أهمية الدراسة:

تكمن أهمية الدراسة في تبرئة الشريعة، مما يلمزها به أعداؤها دعاة العلمانية والحضارة الزائفة، من قسوة في الأحكام أو شدة في تنفيذ حدودها وعقوباتها، وبيان مقدار العفو الإلاهي والرحمة التي طبقها النبي في أحكام الجنايات في العهد الأول وفي عهد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

الدراسات السابقة:

ومن الدراسات السابقة التي أولت الموضوع الاهتمام اللائق به:

“الرحمة في التشريع الإسلامي” محمد زراقط

“مقاصد الرحمة في التشريع الإسلامي” عبد المجيد خلادي

وفي مجلة الحصن بحث قيم جدا لمجموعة من الأساتذه عنوانه: “ادعاء وحشية الشريع الجنائي الإسلامي”

تقسيم البحث

وقد قسمته إلى مبحثين بكل مبحث مطلبين:

المبحث الأول الرحمة لغة واصطلاحا وأمثلتها في الكتاب والسنة

المطلب الأول معنى الرحمة لغة

المطلب الثاني الرحمة اصطلاحا

المطلب الثالث الرحمة في الكتاب والسنة

المبحث الثاني التشريعات الجنائية في الجاهلية وصدر الإسلام ونماذج للرحمة فيها

المطلب الأول: التشريعات الجنائية في الجاهلية وصدر الإسلام وأثرها

المطلب الثاني نماذج من تجلي الرحمة الإلهية في العقوبات

المبحث الأول الرحمة لغة واصطلاحا وأمثلتها في الكتاب والسنة

المطلب الأول

معنى الرحمة لغة:

الرحمة: هي الرقة والتعطف[4] ،والرَّحْمَةُ في بني آدم عند العرب رِقَّةُ القلب وعطفه [5]،ومنها الرَّحِم: وهي عَلاقة القرابة، ثم سمِّيت رَحِمُ الأنثى رَحِماً من هذا، لأنّ منها ما يكون ما يُرْحَمُ وَيُرَقّ له مِن ولد [6].

وقد تطلق الرحمة ويراد بها ما تقع به الرحمة كإطلاق الرحمة على الرزق والغيث[7].

(والرَّحْمة والمرحمة) بمعنى واحد ويختصُّ برحمته أي بنُبُوَّتِه، والرَّحِم بالكسر (في الحاء) كَكَتِف: بيتُ مَنبَتِ الولد ووعاؤه، والقرابة أو أصلها وأسبابها[8]، والمرْحَمَةُ مِثْلُهُ، وَقَدْ رَحِمْتُهُ وتَرَحَّمْتُ عَلَيْهِ. وتَراحَمَ القومُ: رَحِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. [9]

والرَّحْمَةُ وردت في القرآن على معان عدة:

فقَوْلُهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْقُرْآنِ: “هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”،أَي فَصَّلْناه هَادِيًا وَذَا رَحْمَةٍ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: “وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ”،أَي: هُوَ رَحْمةٌ لأَنه كَانَ سَبَبَ إِيمانهم.[10]

وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ؛ أَي أَوصى بعضُهم بَعْضًا بِرَحْمَة الضَّعِيفِ والتَّعَطُّف عَلَيْهِ.[11]

وتأتي بمعنى الرزق, كما فِي قَوْلِهِ عز وجل: ” ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها”

وقوله تعالى: “وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ”

ولها معان أخرى كما في قوله تعالى: “وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً”: أَي عَطْفاً وصُنعاً. وحَياة وخِصْباً بَعْدَ مَجاعَةٍ كما في قوله تعالى: “وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ”[12].

وتأتي بمعنى النبوة كما في قَوْلُهُ تَعَالَى: “وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ” مَعْنَاهُ يَخْتَصُّ بنُبُوَّتِهِ مَنْ يَشَاءُ.

ووصف – جل وعلا- سعة رحمته فِي كتابه، بأنها وسعت كل شيء ومن هم أهلها فقال: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ”[13].

وتطلق الرحمة على الجنة، كما قال الله تبارك وتعالى: “وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”[14].

وفي الحديث القدسي يقول الله -تبارك وتعالى- للجنة: “أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء”[15].

المطلب الثاني الرحمة اصطلاحا

اصطلاحا: هي إرادة إيصال الخير وهى: اللطف والإحسان: أى التخلص من كل آفة أو نزعة تدفع الإنسان إلى الشر، مع إيصال الخير إلى الناس، فمساعدة الضعيف رحمة، ومد يد العون للمحتاج رحمة، وتخفيف آلام الناس رحمة، وعدم القسوة على من -وما- تحت يد المرء رحمة، ومعاملة الأرحام -وخاصة الوالدين- بالحسنى رحمة. [16]

وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله:

(الرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد وإن كرهتها نفسه وشقت عليها فهذه هي الرحمة الحقيقية فأرحم الناس بك من شق عليك في إيصال مصالحك ودفع المضار عنك؛ فمن رحمة الأب بولده: أن يكرهه على التأدب بالعلم والعمل ويشق عليه في ذلك بالضرب وغيره ويمنعه شهواته التي تعود بضرره ومتى أهمل ذلك من ولده كان لقلة رحمته به وإن ظن أنه يرحمه ويرفهه ويريحه، فهذه رحمة مقرونة بجهل)[17] .

يقول الجاحظ: (الرّحمة خلق مركّب من الودّ والجزع، والرّحمة لا تكون إلّا لمن تظهر منه الرحمة ، فالرّحمة هي محبّة للمرحوم مع جزع من الحال الّتي من أجلها رحم)[18].

المطلب الثالث الرحمة في الكتاب والسنة

الرحمة في القرآن الكريم

قد ذكرت كلمة “رحمة” فى القرآن الكريم 79 مرة[19] توزعت فى سوره، ابتداء من قوله تعالى: “أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة”[20] ، وحتى قوله تعالى: “وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة”[21] ، وتدور معانيها حول رحمات الله بعباده الكثيرة، وذلك بإنزال النعم عليهم فى الدنيا والآخرة، فأول هذه الرحمات إرسال الرسل ومنهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول تعالى: “فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة”[22] ، وثانيها إنزال القرآن الكريم يقول عز من قائل: ” … وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين”[23] ،ولبيان أن الرحمة لأصحاب الفضل واجبة كالأقربين وأولاهم بها الوالدين ، يقول تعالى: “واخفض لهما جناح الذل من الرحمة … “[24] وهي كذلك لمن تاب وأناب بعد عصيانه لربه فهو الغفور الرحيم، يقول تعالى: “قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله” [25] ،فرحمة الله قريب من المحسنين، وهى لعباده المطيعين لأوامره، سواء كانت أمرا أو نهيا، كما بين القرآن الكريم أن الرحمة هى أساس كذلك في العلاقة بين الزوجين، يقول الله تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”[26] ومدح الله بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم “محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم …. “[27].

الرحمة في السنة النبوية:

وردت كلمة “رحمة” ومشتقاتها فى أحاديث عديدة، وكلها تدور حول: التواصل بين الناس، ووصف المؤمنين بالتراحم والتعاطف فيما بينهم، كحديث النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي ‌تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»[28].

وحث على الرحمة وجعلها صفة لمن هم أهل لرحمة ربهم كما في حديث: «‌الرَّاحِمُونَ ‌يَرْحَمُهُمُ ‌الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»[29]

كما تنفرهم من القسوة وعدم الرحمة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: “الجماعة رحمة والفرقة عذاب “[30] ،وقوله :” لا تنزع الرحمة إلا من شقى”[31].، وقوله صلى الله عليه وسلم : (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)[32] .

ولهذا نص عليها فى رد السلام: (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)، ليتذكرها الناس دائما فيسود التعاطف والتآلف بينهم.[33]

وأكد عليها في حديث:” أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ ‌تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ”[34].

والسنة زاخرة بكثير من معاني الرحمة وإن لم تكن بلفظ الرحمة فهي تدل عليها ومنها ما روي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ ‌أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا»[35]

ومنها الرحمة والتيسير اللذان بعث بهما معاذا وأبا موسى إلى اليمن كما رواه البخاري في صحيحه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى اليَمَنِ فقَالَ لهما: «‌يَسِّرَا ‌وَلَا ‌تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا»[36] .

وماقاله للأيمة الذين يطيلون الصلاة فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلَانٌ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ ‌فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الحَاجَةِ»[37] .

ويسمع صلوات الله وسلامه عليه بكاء الصبي وهو في حال خشوعه في قرة عينه -الصلاة- فيخففها لكي لايشوش على أمه ويشغلها به؛ فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ ‌أَشُقَّ ‌عَلَى ‌أُمِّهِ»[38].

ولم يكلفنا من الأحكام إلا مانطيق، رحمة بنا وتسهيلا علينا؛ بل ونهاهم عن السؤال في بداية الإسلام فقال جل من قائل: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ”[39]، كي لا تكثر التكاليف فتكون المشقه والحرج فقال : “إن اللَّهَ‌ فرَضَ ‌فرائضَ فلا تُضَيِّعوها، وحَدَّ حُدودًا فلا تَعتَدوها، ونَهَى عن أشياءَ فلا تَنتَهِكوها، وسَكَتَ عن أشياءَ رُخصَةً لَكُم لَيسَ بنِسيانٍ فلا تَبحَثوا عَنها”[40].

وفي إجابته لسائل سأله عن الحج أكل عام هو… فلم يجبه إلا تأكيدا للرحمة التي أمر بها من رب العالمين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَوْ ‌قُلْتُ: ‌نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ “، ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ»[41].

ومثال آخر يظهر فيه أثر الرحمة جليا عندما صلى بهم التراويح يومين ثم لم يخرج اليوم الثالث حتى لاتفرض علينا فتكثر علينا التكاليف والفرائض فلا نطيقها فيحصل التقصير والتهاون فقد روت ام المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى فِي المَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي ‌خَشِيتُ ‌أَنْ ‌تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا»[42].

وشبه لهم الرحمة الإلهية كرحمة الأم بولدها في صورة بليغة واضحة أمام الصحابة فيما رواه عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ ‌طَارِحَةً ‌وَلَدَهَا فِي النَّارِ» قُلْنَا: لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: « لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا»[43].

ومظاهر الرحمة في القران والسنة أكثر من أن تحصر وتجمع في كتاب فضلا عن بحث، ولولا موضوع البحث لأسهبت في ذكر الأمثلة من السنة النبوية ولن أحصيها؛ ولكنها إشارات وإضاءات فقط، لمن أنار الله بصيرته، وتنور بهدي الوحيين، وإلا فالقصد ذكر أمثلة من الرحمات التي قصدها الإسلام في تشريع عقوباته الجنائية حماية للمجتمع ودفعا للإجرام والرذيلة والله الموفق والمعين.

المبحث الثاني التشريعات الجنائية في الجاهلية وصدر الإسلام وأمثلة للرحمة فيها

المطلب الأول: التشريعات في الجاهلية وصدر الإسلام وأثرها

فأول ماجاء الإسلام إلى جزيرة العرب, وكان الناس في جاهلية لم يرتاضوا على القوانين والأحكام, وكانوا يأكلون الميراث ويأكل القوي الضعيف, بل ويخلف الرجل أباه في زوجته بعد وفاته, ويتعاملون ببيوع الغرر والجهالات, وأنواع الأنكحة الفاسدة والعادات السيئة من وأد البنات وإباحة الزنى والربا والغنا والخمر والميسر والأنصاب والأزلام, وغيرها من الجهالات التي يتنزه عن فعلها صاحب العقل السليم؛ ومع ذلك فالإسلام لم يفجأ أهل الجاهلية بالأحكام, أو فرضها عليهم من أول أيام الدعوة المباركة, وإنما كان أول مانزل ترغيب هؤلاء الناس في هذا الدين وترك باطلهم والدعوة إلى عبادة رب واحد لا شريك له, يصرفون عبادتهم ودعاءهم وقربانهم إليه وحده عز وجل, ليس له شريك أو ولد, وقص عليهم قصص الأنبياء السابقين للعظة والاعتبار بهم, وبما آل إليه من أخبارهم، وذكرهم بالنعيم ووعدهم ثوابه وخوفهم من عقابه وسعيره, هذا في بداية الإسلام بمكة أيام البعثة الأولى, ولما هاجر إلى المدينة صلوات ربي وسلامه عليه, بدأ نزول الأحكام ولم ينزل قبله في مكة من الأحكام إلا القليل, فلم تكن التكاليف والأحكام إلا بعد ثلاثة عشر سنة من البعثة لم يفرض قبلها شيء من صلاة أو صيام أو زكاة أو حج أو جهاد إلا بعد رسوخ العقيدة الصحيحة في قلوب أصحابها, حتى تعتاد النفوس على الأحكام, وترتاض على القوانين, فنزلت الأحكام تدريجيا باليسر والسهولة كما قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: “لو نزل أول الأمر لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا….”[44] ، فأعطاهم الفترة الزمنية الكافية ليمتثلوا ويتدربوا على الأحكام, وهذا أساس من أسس الشريعة الإسلامية انتهجه الإسلام ترغيبا وتيسيرا على أهله, وتراه جليا واضحا في الخمر إذ كان أول الأمر مباحا والناس قبل تحريمها، كانوا مولعين بشربها، فأول ما نزل صريحًا في التنفير منها، وتحريمها، قول الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ”[45].

فلما نزلت هذه الآية، تركها بعض الناس، وقالوا: لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير، بجانب منفعة قليلة، ولم يتركها بعضهم، وقالوا: نأخذ منفعتها، ونترك إثمها، فنزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ[46].

فتركها بعض الناس، وقالوا: لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشربها بعضهم في غير أوقات الصلاة؛ حتى نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”[47] ، فصارت حرامًا عليهم؛ حتى صار يقول بعضهم: ما حرم الله شيئًا أشد من الخمر.[48]

فبعد نزول التحريم النهائي لزمن العقوبه ولا يتصور أن تكون العقوبة مبنية على الانتقام والتشفي, وإنما هي مبنية على الردع؛ حتى يكف الناس عن هذا الفعل, وذلك لأن العقوبة تضاعف مع إهمال الناس, والتساهل بالجريمة كالطلاق ثلاثا في مجلس واحد, عندما وجد عمر أن لناس قد تساهلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فأمضاه عليهم, فكان إجماعا من الصحابة, وشرب الخمر كانت عقوبة شربه ثمانين, ثم زيدت إلى الثلاثمائة جلدة, عند تساهل الناس به في الأماكن التي فتحت حديثا, وحكم عمر رضي الله عنه بتحريم المعتدة على من تزوجها في حال عدتها معاملة له بنقيض مقصوده[49], وأحيانا تخفف إذا وجد أن الناسس لم يطيقوا هذا الأمر, كإيقاف الحد عام المجاعة, لحاجة الناس للقوت هو وعياله؛ فربما يؤدي به الأمر إلى السرقة؛ لأنه لن يكون رادعا له عند جوعه وجوع أهله.

ولو نظرنا إلى الجرائم التي نص عليها القرآن الكريم والحدود الرادعة لها نجدها قليلة جدا كالزنا والقذف والسكر واللعان والسرقة والإفساد في الأرض, فالكتاب والسنة الصحيحة يقرران على مرتكب الجريمة الأولى – الزنا – إن كان محصنا الرجم، وإلا فمائة جلدة، وعلى مقترف الثانية – القذف – ثمانين جلدة، وعلى مقترف الثالثة – السكر – ثمانين أو أربعين جلدة، وعلى جاني الرابعة – السرقة – قطع اليد، وعلى فاعل الخامسة – الإفساد في الأرض – أن تقطع يده ورجله من خلاف، أو يقتل، أو ينفى من الأرض.

مع أنها تواجه موجة اعتراضات وانتقادات من بعض المشرعين الذين يجيزون السكر والزنا ويعتبرونه حرية شخصية, لا ينبغي أن تصل عقوبتها إلى القتل, ونسي هؤلاء المغرورين المعترضين أنهم يعارضون التشريع السماوي المنزل من خالقهم وهو الأعلم بما يصلح به أحوالهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, فكيف لا يكون الزنا جريمة وهو في نظر أي مشرع أو فيلسوف – في الأرض – جريمة من أبشع الجرائم؛ لعدوانها على الشرف والكرامة والأنساب والأخلاق، وهو يؤدي إلى هتك الأعراض واختلاط الأنساب, وقطع العلاقات والصلات؛ فالإسلام قرر أن يجلد مرتكبها إن لم يكن محصنا مائة جلدة، وأن يرجم إن كان من أهل الإحصان؛ وكيف يكون من شرب الخمر وجعل نفسه كالمجنون الذي لا يزن أفعاله بعد أن كان إنسانا عاقلا سويا ميزه الله بهذه الميزة عن الحيوانات بل المجنون أفضل حالا منه لأنه لم يدخله على نفسه بإرادته, ولو نظرنا إلى الفوائد والمنافع نجدها قليلة بل لا تذكر إلى جانب المفاسد المترتبة على الخمر، ولو تركنا المفسد في الأرض وما أراد لتمادى في غية, ولكان بعد زمن أكبر مفسد ولتتابع في تقليده كثير من الناس, واغتروا به ممن أعجبهم فعله, فكيف يترك دون عقاب.

والقتل وهو أول خطيئة في الأرض, ولايخفى جرمها وخطرها الجسيم وما وهبه الله للنفس من حرمة ومكانة, حيث قال صلى الله عليه وسلم:” لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم”[50] وقد فرضه الله حتى على الأنبياء الأولين والأمم الماضين يقول جل وعلا: ” منْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ” [51] وعصم نفس الكافر إذا أعطي الأمان, وغيرها مما دل على حفظ النفس ومكانتها في الشريعة,

والسرقة ومافيها من اعتداء على حقوق الغير ومكتسباتهم، فإن العقول الصافية لترى جليا عظم خطر هذه الجرائم على البشرية جمعاء, والإنسان بطبعه يرتدع إذا علم أن في الأمر عقوبة, ولايقدم على الفعل, ويهمل وتمادى في إجرامه إذا لم توجد عقوبة أو عفي عنه عدة مرات, فإقامة الحدود ليست هي غاية التشريع الإسلامي, وإنما هي وسيلة إلى مقصود أسمى, وهو إصلاح الناس وتقنينا لسلوك البشر المضطرب, وليس الشرع بعد أن قرر الحدود من قطع ورجم وجلد غرضه الدم والقتل، وإنما هي وسيلة لإدارة الحياة؛ وقد أعلم الشرع الناس بعقوباتها وحذرهم خطرها, بل ولو كان الإنسان جاهلا بالحكم أو العقوبة عفي عنه وارتفع عنه الإثم والعقوبة, فالله أرحم من أن يعذب عبدا لم يتعمد مخالفة أمره, فالعقوبات التي قررها الإسلام كالزنا والسرقة والقذف والسكر والإفساد هي جرائم وقائية ردعية كما مر, إضافة إلى أن هناك حالات لا ينفع معها إلا العقاب خصوصا إذا كانت كتعمدة أويمتد ضررها للغير كالقتل والسرقة والزنا.

المطلب الثاني نماذج من تجلي الرحمة الإلهية في العقوبات

  • توبة ماعز بن مالك الأسلمي

روى مسلم في صحيحه عن بريدة بن الحصين أنَّ مَاعِزَ بنَ مَالِكٍ الأسْلَمِيَّ أَتَى رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي قدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَزَنَيْتُ، وإنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَرَدَّهُ، فَلَمَّا كانَ مِنَ الغَدِ أَتَاهُ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي قدْ زَنَيْتُ، فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ، فأرْسَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلى قَوْمِهِ، فَقالَ: أَتَعْلَمُونَ بعَقْلِهِ بَأْسًا؟ تُنْكِرُونَ منه شيئًا؟ فَقالوا: ما نَعْلَمُهُ إلَّا وَفِيَّ العَقْلِ مِن صَالِحِينَا، فِيما نُرَى، فأتَاهُ الثَّالِثَةَ، فأرْسَلَ إليهِم أَيْضًا فَسَأَلَ عنْه، فأخْبَرُوهُ أنَّهُ لا بَأْسَ به، وَلَا بعَقْلِهِ، فَلَمَّا كانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ له حُفْرَةً، ثُمَّ أَمَرَ به فَرُجِمَ.

وفي رواية أخرى له قال:” جَاءَ مَاعِزُ بنُ مَالِكٍ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ: وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إلَيْهِ، قالَ: فَرَجَعَ غيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إلَيْهِ، قالَ: فَرَجَعَ غيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مِثْلَ ذلكَ، حتَّى إذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ قالَ له رَسولُ اللهِ: فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟ فَقالَ: مِنَ الزِّنَى، فَسَأَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَبِهِ جُنُونٌ؟ فَأُخْبِرَ أنَّهُ ليسَ بمَجْنُونٍ، فَقالَ: أَشَرِبَ خَمْرًا؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ، فَلَمْ يَجِدْ منه رِيحَ خَمْرٍ، قالَ: فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَزَنَيْتَ؟ فَقالَ: نَعَمْ، فأمَرَ به فَرُجِمَ، فَكانَ النَّاسُ فيه فِرْقَتَيْنِ؛ قَائِلٌ يقولُ: لقَدْ هَلَكَ؛ لقَدْ أَحَاطَتْ به خَطِيئَتُهُ، وَقَائِلٌ يقولُ: ما تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِن تَوْبَةِ مَاعِزٍ؛ أنَّهُ جَاءَ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ في يَدِهِ، ثُمَّ قالَ: اقْتُلْنِي بالحِجَارَةِ، قالَ: فَلَبِثُوا بذلكَ يَومَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ جَاءَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقالَ: اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ، قالَ: فَقالوا: غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ، قالَ: فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ تَابَ تَوْبَةً لو قُسِمَتْ بيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ”.

  • توبة الغامدية

روى مسلم في صحيحه عن بريدة بن الحصين أيضا قالَ: …. فَجَاءَتِ الغَامِدِيَّةُ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي قدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وإنَّه رَدَّهَا، فَلَمَّا كانَ الغَدُ، قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كما رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى، قالَ: إمَّا لا فَاذْهَبِي حتَّى تَلِدِي، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بالصَّبِيِّ في خِرْقَةٍ، قالَتْ: هذا قدْ وَلَدْتُهُ، قالَ: اذْهَبِي فأرْضِعِيهِ حتَّى تَفْطِمِيهِ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بالصَّبِيِّ في يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقالَتْ: هذا يا نَبِيَّ اللهِ قدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بهَا فَحُفِرَ لَهَا إلى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فيُقْبِلُ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ بحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا، فَتَنَضَّحَ الدَّمُ علَى وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سَبَّهُ إيَّاهَا، فَقالَ: مَهْلًا يا خَالِدُ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لو تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ[52] لَغُفِرَ له. ثُمَّ أَمَرَ بهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ[53].

وفي روايةٍ أُخرى عندَ مُسلمٍ:

قالَ: ثُمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِن غَامِدٍ مِنَ الأزْدِ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ: وَيْحَكِ! ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ، فَقالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كما رَدَّدْتَ مَاعِزَ بنَ مَالِكٍ، قالَ: وَما ذَاكِ؟ قالَتْ: إنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقالَ: آنْتِ؟ قالَتْ: نَعَمْ، فَقالَ لَهَا: حتَّى تَضَعِي ما في بَطْنِكِ، قالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ حتَّى وَضَعَتْ، قالَ: فأتَى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: قدْ وَضَعَتِ الغَامِدِيَّةُ، فَقالَ: إذنْ لا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا ليسَ له مَن يُرْضِعُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَقالَ: إلَيَّ رَضَاعُهُ يا نَبِيَّ اللهِ، قالَ: فَرَجَمَهَا.

حديثين عظيمين تتجلى فيهما الرحمة في جميع صورها من النبي الكريم وعلو قدر الصحابة العظام رضوان الله عليهم وماهم عليه من الرحمة ببعضهم.

  • ومن صور الرحمة في الحديثين أن النبي لم يرجمهم حتى تأكد من صحة عقل وذهن ماعز، وأنه قصد الفعل، وفعله تحقيقا وإقراره على نفسه ثلاثا رضي الله عنه كما ورد في بعض الروايات.
  • ومن صور الرحمة الإلهية عفو الله عمن عوقب بذنب في الدنيا وقبول توبة من تاب ورجع وندم عن ذنبه.
  • ومن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم عدم قبول انتقاص من أخطأ وأذنب وتصوير توبته بأنها لو وزعت على جميع أهل الأرض لوسعتهم، وأنها لو تابها صاحب مكس وهو مِن أقبْحِ المَعاصِي والذُّنوبِ المُوبقاتِ؛ وذلك لِكثرةِ مُطالبة النَّاسِ له، وتَكرُّرِ ذلكَ منه، وانتهاكِه لِلنَّاسِ، وأخْذِ أموالِهم بغَيرِ حقِّها، وصَرْفِها في غيرِ وَجْهِها.
  • ومن مظاهر الرحمة صلاة النبي على من أذنب وأخطأ ودفنه لهم وطلبه من أصحابه الدعاء له إشعارا بقبول توبته واعترافا بفضله ورغبته في تطهير نفسه في الدنيا قبل الآخرة.
  • ومن مظاهر الرحمة النبوية الجلية ماثبت في بعض روايات قصة ماعز الأسلمي أنه هرب عندما أقيم عليه الحد ولم يحتمل؛ لأن النفس البشرية لا تحتمل ذلك، فَهَرَبَ فأدركه بعض الصحابة فأجهزوا عليه رحمه الله ورضي عنه، وظنهم أنهم فعلوا الصواب فلما أخبر النبي بذلك غضب صلى الله عليه وسلم وقال: هلَّا ترَكْتُموهُ لعلَّهُ أن يتوبَ فيتوبَ اللَّهُ عليهِ[54] ،أي: لعَلَّه صدَقَتْ نيَّتُه في التَّوبةِ فيتقَبَّلَ اللهُ منه توبَتَه فيَغْفِرَ له، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، ‌فَلَمَّا ‌أَذْلَقَتْهُ ‌الحِجَارَةُ ‌هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ»[55]
  • وفي إعراض النبي عن ماعز والغامدية أول ماسمع كلامهم حتى أعادوه أربع مرات مالا يخفى من رحمة النبي بأمته صلوات ربي وسلامه عليه، والا لكان أمر بإمساكهم أول ماسمع منهم أو حبسهم حتى يقام عليهم الحد وليعلم الصحابة أن العبرة من الحدود هي الردع والمنع لحدوثه أما بعد وقوعه فالتوبة بين الإنسان وربه أولى.
  • ولم يأمر بحبس الغامدية قبل وضعها الحمل ولا بعد أن وضعت إلى حين فطام صبيها وإقامة الحد عليها، لمظهر واضح للرحمة النبوية ، لعلها أن تتوب بينها وبين الله عز وجل وترجع عن اعترافها، ولكن رغبة منها رضي الله عنها في تطهير نفسها في الدنيا قبل الآخرة.
  • ولم يطلب النبي المرأة التي زنى بها ماعز ليقيم عليها الحد عندما أراد التثبت منه وسأله بمن زنيت، وقطعا هي ليست الغامدية؛ لأنها لم تكن من نساء حيهم.
  • وهذه الرحمة العامة من النبي بأصحابه لأن الزنى كان منتشرا وشائعا في الجاهلية فلم يرد الحرج بأمته صلى الله عليه وسلم حتى يعتادوا على نزول الأحكام ويرتاضوا عليها كما قالت عائشة رضي الله عنها:” إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلَامِ نَزَلَ الحَلَالُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لَا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: ‌لَا ‌نَدَعُ ‌الزِّنَا ‌أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [56] وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ “[57]
  • مكانة النبي باعتباره الناقل والمشرع للأحكام عن ربه عز وجل فيحكم باجتهاده على مايرى فيه المصلحة للبشرية والرحمة والتسهيل واليسر، كيف لا وهو القائل: “خشيت أن تفرض عليكم”[58] على صلاة التراويح، “ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة”[59]، وفي الحج عندما قال له قائل أكل عام يارسول الله فقال: “لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم”[60].
  • وبنو على ذلك فروعا فقهية كإن أقر الإنسان على نفسه بالزنى فلا يحفر له عند رجمه، وأما إن ثبت بالبينة فيحفر له؛ وعلة ذلك ليتمكن من الهرب إن أراد لأنه هو من أقر على نفسه[61]، ولا يخفى مافيه من الرحمة والتيسير.
  • ومن الرحمة في تحديد المكان المراد ضربه من المحدود لئلا يؤدي إلى إزهاق روحه: ماروي عن علي – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أنه قال للجلاد: “اضْرِبْ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، وَاجْتَنِبْ ‌وَجْهَهُ ‌وَمَذَاكِيرَهُ”[62] .
  • وأخذوا منه أنه يُضْرَبُ فِي الْحُدُودِ جَمِيعُ الْبَدَنِ مَا عَدَا الرَّأْسَ وَالْوَجْه والفرج وَقَالَ مَالك ضرب الظّهْر ومَا يُقَارِبه وَحسب. ولأن القصد الردع والتخويف، لا الإيذاء والقتل[63].
  • وقد طٌلب لإثبات الزنا أربعة شهود عدول، يقرون أنهم رأوا الفعل رأي العين مما يجعل إثباته أمرا صعبا، بل شبه مستحيل.
  • ولو أن أحدا اتهم اثنين بوقوع الزنا منهما، طولب بإحضار أربعة شهود عدول، فإن عجز عن إحضارهم؛ عُدّ قاذفا، وجلد ثمانين جلدة هو وشهوده إن كانوا أقل من أربعه، وعلة ذالك حماية العرض من المساس به أو اتهامه بلا بينة، ولئلا يتجرأ إنسان باتهام عرض أخيه المسلم بغير وجه حق، أو بشبهة أو بظن، حتى يكون يقينا.
  • وإذا ذكرنا أن الشهود يجب أن يكونوا أربعه من ناحية العدد فكذلك أوجبت الشريعة أن تتوفر فيهم شروط من العدالة والصدق والصلاح، فلا يقبل شهادة أي شاهد، حتى يكون فيه التحري والتثبت، لا أن تنقل بالإشاعات والادعاءات من أي أحد، كما ورد أن رجلا شهد عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشهادة فقال له: لستُ أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك، ائت بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه، قال: بأي شيء تعرفه، قال: بالعدالة والفضل، فقال: فهو جارك الأدنى الذي تعرفه ليله ونهاره ومدخله ومخرجه، قال: لا، قال: فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع، قال: لا، قال فرفيقك في السفر الذي يستدل على مكارم الأخلاق، قال: لا، قال لست تعرفه، ثم قال للرجل ائت بمن يعرفك[64] .
  • فهذا بيان لما يجب أن يكون عليه الشاهد في الإسلام من الصفات، ولا شك أن هذا كذلك يوضح لنا رحمةً بالعباد لا تخفى؛ فلو كانت الشريعة تعاقب لأدنى سبب، وتتشوف للدماء؛ كما يهمزها أعداؤها، لقبلت شهادة أي شاهد ولو كان دون درجة العدالة.
  • وروي كذلك أنه رأى رجلا وامرأة على فاحشة، فلم يستطع – على شدته وحرصه على حدود الله – أن يبت في هذا الأمر بنفسه، فجمع الناس وقام فيهم خطيبا وقال: ما قولكم أيها الناس لو رأى أمير المؤمنين رجلا وامرأة على فاحشة؟ فقام علي بن أبي طالب وأجابه بقوله: يأتي أمير المؤمنين بأربعة شهود، أو يجلد حد القذف – ثمانين جلدة ـ ؛ فسكت عمر، ولم يعمل شيئا[65].
  • وفي ترك عمر – رضي الله عنه – حد السرقة في عام الرمادة ؛ حيث كانت الشبهة قائمة في اضطرار الناس للسرقة بسبب الجوع؛ فقيام ظروف تدفع إلى الجريمة؛ يمنع تطبيق الحدود، وهذا من أكبر الأدلة على الرحمة التي فهمها الصحابة من النبي في تطبيق الحدود.
  • وفي هذا المعنى أيضا جاء رجل يشكو خادما له في زمن عمر، وقد أكل من طعامه فقال له عمر رضي الله عنه: “لو جئتني شاكيا له مرة أخرى لقطعت يدك أنت”[66]؛ وذلك لأنه يشبع وعبده جائع فهو سبب جوعه فهو الأولى بالعقوبة منه، فقد كانو رضوان الله عليهم ينظرون في مآلات الأمور وأسبابها قبل التسرع في الحكم وتنفيد الحد.
  • ومن مظاهر الرحمة ماورد أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ: «يُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا، وَالْمَرْأَةُ قَاعِدَةً»[67]

قيل وعلة ذلك في ضرب الرجل قائماً، ليتمكن من تفريق الضرب على أعضائه، والمرأة جالسة؛ لأنه أستر لها، وتشد عليها ثيابها، وتمسك يداها لئلا تتكشف[68].

  • ولو فصلنا باب الحدود والعقوبات مسألة مسألة وتعليلات العلماء في أحكام الرجم والجلد والقصاص، لما استطعنا جمع كل ماقيل فيها وإنما نختار منها نماذج توضح الرحمة في الشريعة الإسلامية، لعلنا أن نسلط بعض الضوء على بعض النماذج الحية التي تنفي انتحال المبطلين وتأويل الغالين ممن لمزوا الشريعة بأشد التهم ووصفوها بالوحشية، وهي التي حفظت للإنسان كرامته بقوله عز وجل: “ولقد كرمنا بني آدم …” حتى في أشد شؤونها، وهي عقوبة مرتكب الكبيرة, مع كبير خطرها، وعظم جرمه؛ عاملته الشريعة بأفضل طريقة، وأيسر أسلوب؛ لكي يرجع إلى حياضها، كالأم تقسو على ولدها، مع الرأفة به ليرتدع ويترك ماهو عليه من الخطأ والإثم.

ومن الرحمة عند تنفيذ الحد:

إن الحد في الشرع زاجر لا مهلك ؛فالعقوبات البدنية تقام في أوقات معينة من اليوم كوقت اعتدال الهواء، فلا تقام في الحر الشديد، والبرد المفرط؛ لأنه يخشى هلاك الشخص المحدود، مما يدل على الحرص على حياته، وأن الغرض الزجر والردع لا إزهاق روحه.

  • فقيل إن كان المحدود لا يطيق الضرب لضعفه وكثرة ضرره، ضرب بحزمة من عصي مجتمعة ضربة واحدة، أو ضربتين، أو بسوط فيه خمسون شمراخاً؛ لما روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف «عن بعض أصحاب رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – من الأنصار: أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى[69]، فعاد جلداً على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم، فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك، وقال: استفتوا لي رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكروا ذلك لرسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقالوا: ما رأينا بأحد من الضر مثل ما به، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه، ما هو إلا جلد على عظم، فأمر رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أن يؤخذ له مائة شمراخ[70]، فيضربونه بها ضربة واحدة.»[71]
  • بل ومن الرحمة أيضا أنه إذا كان الانسان المراد رجمه أو جلده مريضا مرضا يرجى شفاؤه فلا يقام عليه الحد حتى يشفى ؛ لما «روى علي أن جارية لرسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي، فقال: أحسنت»[72].
  • وكذالك النفساء لا يقام عليها حد حتى تطهر؛ كما روي عن علي رضي الله عنه أنه لم يجلد شراحة الهمذانية حتى ارتفع عنها نفاسها، لأنهم يعدون النفاس كالمرض الذي تؤجل لسببه العقوبة[73].

وفي تتمة للحديث أجد أثرا آخر من آثار الرحمة من فعل علي رضي الله عنه حيث رَدَّهَا حَتَّى وَلَدَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَ: “ائْتُونِي ‌بِأَقْرَبِ ‌النِّسَاءِ مِنْهَا”[74]، فَأَعْطَاهَا وَلَدَهَا، ثُمَّ جَلَدَهَا وَرَجَمَهَا فبحث عمن يتولى رعاية الصبي قبل إقامة الحد على أمه، وقد مر مثله من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في الغامدية.

  • ومنهم الحامل لا يقام عليها حد حتى تضع حملها فقد ورد أن رجلا جاء إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنِّي غِبتُ عن امرأتي سنتين، فجئتُ وهي حُبلى. فشَاوَرَ عمرُ الناسَ في رجمها، فقال معاذ بن جبل: يا أميرَ المؤمنين، هذا لك سبيلٌ عليها، فليس لك سبيلٌ على ما في بطنها، فتَرَكها، فلما وَضَعَت، وَضَعَتْ غلامًا قد خَرَجت ثنيَّتاه (ابن سنتين)، فعَرَفَ الرجلُ الشَّبَهَ فيه، فقال: ابني، وربِّ الكعبةِ! فقال عمرُ: “عَجِزَتِ النساءُ أن يَلِدنَ مثلَ معاذٍ، لولا معاذٌ هَلَكَ عمرُ” [75]

ولا أدل وأصرح على آثار الرحمة الظاهرة في السنة القولية من حديث النبي : ‌‌‌”ادْرَءُوا ‌الْحُدُودَ ‌بِالشُّبُهَاتِ” وفي لفظ له: «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم»[76] وفي حديث آخر بمعناه: «ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا»[77] وله تتمة عند البيهقي ” ادْرَءُوا الْحُدُودَ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ ‌أَنْ ‌يُعَطِّلَ ‌الْحُدُودَ “[78]

ويؤكد هذا الحديث أفعاله الماضية مع ماعز والغامدية رضي الله عنهما من السنة الفعلية.

واستدل الشافعي بهذا الحديث وبنى عليه مسائل فقال: “النَّاسُ لَا يُحَدُّونَ إِلَّا بِإِقْرَارِهِمْ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِالْفِعْلِ ، وَأَنَّ الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ. فَأَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا حَدَّ”[79].

  • وهو مَذْهَبَ عُمَرَ رضي الله عنه أنه لا ترجم الحبلى إلا إِذَا كَانَ مَعَ الْحَبَلِ إِقْرَارٌ بِالزِّنَا أَوْ بينة قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَا إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ»[80]
  • وبنوا على هذا الحديث أن الحامل إذا كانت حاملا وادعت أنها أكرهت على الزنا أو أنها متزوجة ولو زواج شبهة فلا حد عليها[81].
  • ومن رحمة الله أن بعض الجرائم المنصوص عليها كالقتل لها عدة مخارج كالعفو عن القاتل بمال يدفعه أو العفو حتى بدون مال.
  • وهناك جرائم تركت للتعازير ومايراه الحاكم مناسبا لمنع تلك الجريمة حتى يتواكب مع الزمن، كالحبس للشخص الغني الذي لايرتدع بدفع المال، وكالعقوبة المالية على الشخص الفقير ليرتدع ويكف، أو التشهير به في الأسواق إذا كان هذا رادعا له.

الخاتمة

وبعد فقد توصل البحث إلى نتائج اوجزها في الآتي:

  • أن الرحمة من آكد أسس التشريع الإسلامي التي حث عليها القرآن والسنة وطبقها النبي بأفعاله والصحابة من بعده في تنفيذ الحدود وإقامة الحق والعدل بين الناس حتى أصبحوا خير أمة أخرجت للناس.
  • أن العبرة في تنفيذ الحدود المنصوص عليها شرعا هو الردع والزجر لا القتل والإهلاك، وأن هدف العقوبة منع الجريمة والتقليل منها، حتى يرتدع الظالم ولا يتأسي به أحد.
  • أن الحدود والجنايات عقوبة للمعتدي على عدوانه، ومع ذالك فهي لا تقام على المعتدي إلا بتوفر أسباب وشروط ولا تقام العقوبة لأنى شبهة أو احتمال.
  • أن لا صلاح للبشرية ولا تقل الجريمة وينتشر العدل إلا بالأحكام التي أنزلها الحكيم الخبير الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

قائمة المصادر والمراجع

  • المصنف ،المؤلف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (المتوفى: ٢١١هـ)،المحقق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: المجلس العلمي- الهند، يطلب من: المكتب الإسلامي – بيروت ،الطبعة: الثانية، ١٤٠٣،عدد الأجزاء: ١١.
  • صحيح مسلم، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: ٢٦١هـ) ،المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي ،الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، عدد الأجزاء: ٥.
  • صحيح البخاري ،الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي ،المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة ،الطبعة: الأولى، ١٤٢٢هـ،عدد الأجزاء: ٩،شرح وتعليق د.مصطفى ديب البغا .
  • سنن النسائي ، المجتبى من السنن = السنن الصغرى للنسائي، المؤلف: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: ٣٠٣هـ) ، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة ،الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب ،الطبعة: الثانية، ١٤٠٦ – ١٩٨٦ ،عدد الأجزاء: ٩ (٨ ومجلد للفهارس)
  • سنن الترمذي ،المؤلف: محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: ٢٧٩هـ) ،تحقيق وتعليق:أحمد محمد شاكر (جـ ١، ٢)،ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ ٣)، وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف (جـ ٤، ٥)،الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر،الطبعة: الثانية، ١٣٩٥ هـ – ١٩٧٥ م،عدد الأجزاء: ٥ أجزاء.
  • سنن النسائي، المجتبى من السنن = السنن الصغرى للنسائي ،المؤلف: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: ٣٠٣هـ) ،تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة ،الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب ،الطبعة: الثانية، ١٤٠٦ – ١٩٨٦،عدد الأجزاء: ٩ (٨ ومجلد للفهارس)
  • سنن أبي داود ،المؤلف: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (المتوفى: ٢٧٥هـ)،المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد ،الناشر: المكتبة العصرية، صيدا – بيروت.
  • السنة ،المؤلف: أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى: ٢٨٧هـ) ،المحقق: محمد ناصر الدين الألباني ،الناشر: المكتب الإسلامي – بيروت ،الطبعة: الأولى، ١٤٠٠ ،عدد الأجزاء: ٢
  • الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ،المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: ٣٥٤هـ) ،ترتيب: الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (المتوفى: ٧٣٩ هـ) ،حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط ،الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الأولى، ١٤٠٨ هـ – ١٩٨٨ م، عدد الأجزاء: ١٨ (الأخير فهارس)
  • المحكم والمحيط الأعظم ،المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ت: ٤٥٨هـ] ،المحقق: عبد الحميد هنداوي ،الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت ،الطبعة: الأولى، ١٤٢١ هـ – ٢٠٠٠ م ،عدد الأجزاء: ١١
  • الصحاح للجوهري الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ،المؤلف: أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (ت ٣٩٣هـ) ،تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار ،الناشر: دار العلم للملايين – بيروت ،الطبعة: الرابعة ١٤٠٧ هـ‍ – ١٩٨٧ م ،عدد الأجزاء: ٦
  • التحقيق في أحاديث الخلاف ،المؤلف : جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى : ٥٩٧هـ) ،المحقق : مسعد عبد الحميد محمد السعدني، الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت ،الطبعة : الأولى ، ١٤١٥،عدد الأجزاء : ٢
  • معجم مقاييس اللغة لابن فارس ،المؤلف: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (ت ٣٩٥هـ)،المحقق: عبد السلام محمد هارون ،الناشر: دار الفكر، عام النشر: ١٣٩٩هـ – ١٩٧٩م.
  • مجمل اللغة لابن فارس ،المؤلف: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: ٣٩٥هـ) ،دراسة وتحقيق: زهير عبد المحسن سلطان ،دار النشر: مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة الثانية – ١٤٠٦ هـ – ١٩٨٦ م، عدد الصفحات: ٩٤٤.
  • لسان العرب ،المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: ٧١١هـ) ،الحواشي: لليازجي وجماعة من اللغويين ،الناشر: دار صادر – بيروت، الطبعة: الثالثة – ١٤١٤ هـ، عدد الأجزاء: ١٥.
  • كتاب موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مصر، عدد الصفحات: ٦٨٤ أعده للشاملة: عويسيان التميمي البصري.
  • معرفة السنن والآثار ,المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: ٤٥٨هـ),المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي, الناشرون: جامعة الدراسات الإسلامية (كراتشي – باكستان)، دار قتيبة (دمشق -بيروت)، دار الوعي (حلب – دمشق)، دار الوفاء (المنصورة – القاهرة),الطبعة: الأولى، ١٤١٢هـ – ١٩٩١م،عدد الأجزاء: ١٥
  • مصابيح السنة ، لأبي محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (ت ٥١٦ هـ)، تحقيق: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي، محمد سليم إبراهيم سمارة، جمال حمدي الذهبي ،الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان ،الطبعة: الأولى، ١٤٠٧ هـ – ١٩٨٧ م، عدد الأجزاء: ٤.
  • الأساس في التفسير ،المؤلف: سعيد حوّى (المتوفى ١٤٠٩ هـ)،الناشر: دار السلام – القاهرة ،الطبعة: السادسة، ١٤٢٤ هـ، عدد الأجزاء: ١١
  • الإلمام بأحاديث الأحكام ، لتقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد (ت ٧٠٢ هـ) ،حقق نصوصه وشرح غريبه: محمد خلوف العبد الله ،الناشر: دار النوادر، سوريا ،الطبعة: الأولى، ١٤٣٤ هـ – ٢٠١٣ م، عدد الصفحات: ٦٦٤.
  • الاستذكار ،المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت ٤٦٣هـ) ،تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض ،الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت ،الطبعة: الأولى، ١٤٢١ – ٢٠٠٠،عدد الأجزاء: ٩.
  • مسند الفاروق أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقواله على أبواب العلم ، المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت ٧٧٤ هـ)،المحقق: إمام بن علي بن إمام ،الناشر: دار الفلاح، الفيوم – مصر ،الكتاب إهداء من المحقق والناشر – جزاهما الله خيرا – للمكتبة الشاملة ،الطبعة: الأولى، ١٤٣٠ هـ – ٢٠٠٩ م ،عدد الأجزاء: ٣.
  • إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ،المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت ٧٥١هـ) ،المحقق: محمد حامد الفقي ،الناشر: مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية،عدد الأجزاء: ٢.
  • الكافي في فقه الإمام أحمد، المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: ٦٢٠هـ),الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، ١٤١٤ هـ – ١٩٩٤ م, عدد الأجزاء: ٤

الهوامش:

  1. سنن النسائي 8/74 ورقمه 4901 ، المجتبى من السنن = السنن الصغرى للنسائي ،المؤلف: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: ٣٠٣هـ)

  2. صحيح البخاري، 4/175، ورقمه 3475.

  3. النساء 165.

  4. الصحاح للجوهري (5/1929) و معجم مقاييس اللغة لابن فارس (2/498).

  5. لسان العرب (12/230).

  6. معجم مقاييس اللغة (2/498)

  7. لسان العرب (12/230)

  8. الكتاب: مجمل اللغة لابن فارس ص (424) ،المؤلف: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: ٣٩٥هـ).

  9. الكتاب: لسان العرب (12/230) ،المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: ٧١١هـ).

  10. المحكم والمحيط الأعظم (3/336)،المؤلف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ت: ٤٥٨هـ] .

  11. المرجع نفسه.

  12. لسان العرب (12/230)

  13. الأعراف: 156.

  14. آل عمران:107.

  15. صحيح البخاري 6/138 ورقمه 4850.

  16. موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة ص308،المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية .

  17. إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (2/174)، ،المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت ٧٥١هـ) .

  18. تهذيب الأخلاق للجاحظ ص24.

  19. ينظر صحيفة الخليج بحث (الرحمة . . الغاية العظمى للرسالة الإسلامية) بتصرف.

  20. البقرة:157

  21. الحديد:27

  22. الأنعام:157

  23. الإسراء:82

  24. الإسراء:24

  25. الزمر:53

  26. الروم:21

  27. الفتح:29

  28. الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري8/10 رقم 6011، المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي .

  29. سنن أبي داود 4/285 رقم4941. ،المؤلف: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (المتوفى: ٢٧٥هـ).

  30. السنة 1/44 ورقمه 93 ،المؤلف: أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى: ٢٨٧هـ) .

  31. الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان2/213 رقم466 ،المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: ٣٥٤هـ) .

  32. سنن الترمذي 4/323 رقمه 1922 ،المؤلف: محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: ٢٧٩هـ) .

  33. من كتاب موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة بتصرف ص 308.

  34. سنن أبي داوود 4/350 رقمه 5193.

  35. صحيح البخاري 4/189 ورقمه 3560.

  36. صحيح البخاري 4/65 ورقمه 3038.

  37. صحيح البخاري 1/30 ورقمه 90.

  38. صحيح البخاري 1/143 ورقمه 707.

  39. المائدة:101.

  40. السنن الكبرى 19/617 .

  41. صحيح مسلم 2/975 ورقمه1337.

  42. صحيح البخاري 2/11 ورقمه 924.

  43. صحيح البخاري 8/8 ورقمه 5999.

  44. سبق تخريجه.

  45. البقرة:219

  46. النساء:43

  47. المائدة:90

  48. الأساس في التفسير 3/1504 ،المؤلف: سعيد حوّى (المتوفى ١٤٠٩ هـ) .

  49. السنن الكبرى للبيهقي 15/ 576 ورقمه 15632.

  50. سنن النسائي 7/32ورقمه 3987 .

  51. المائدة الآية 32.

  52. والمكْسُ: الجِبايةُ، وغَلَبَ استعمالُه فيما يَأخُذُه أعوانُ الظَّلمةِ عِندَ البيعِ والشِّراءِ.

  53. صحيح مسلم 3/1323 رقمه1695 المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: ٢٦١هـ).

  54. أخرجه أبو داود 4/145 ورقمه (4419) .

  55. البخاري 8/156 ورقمه 6817.

  56. [القمر: ٤٦]

  57. صحيح البخاري 6/158 ورقمه 4993.

  58. سبق تخريجه.

  59. صحيح البخاري 2/4 ورقمه 887.

  60. سبق تخريجه.

  61. الكافي في فقه الإمام أحمد 4 /94، المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: ٦٢٠هـ.

  62. المصنف 7/369 ورقمه 13715 ،المؤلف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (المتوفى: ٢١١هـ.

  63. التحقيق في أحاديث الخلاف 2/332 ، المؤلف : جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى : ٥٩٧هـ) .

  64. السنن للبيهقي (السنن 10/ 125).

  65. أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق، باب ما يستحب للمرء من ستر عورة أخيه المسلم وماله، أن عمر بن الخطاب كان يعس ص(397)، وعلاء الدين فوري في كنز العمال، كتاب الحدود من قسم الأفعال، فصل في أنواع الحدود (13597).

  66. لم أجده في الكتب التسعه.

  67. معرفة السنن والآثار 13/65 ,المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: ٤٥٨هـ.

  68. الكافي في فقه الإمام أحمد,[ابن قدامة] 4 /94.

  69. أي: أصابه الضنى، وهو شدة المرض حتى نحل جسمه، الإلمام بأحاديث الأحكام 1/609، لتقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد (ت ٧٠٢ هـ) .

  70. شمراخ : الغصن، مصابيح السنة 2/544، لأبي محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (ت ٥١٦ هـ).

  71. سنن أبي داوود 4/161 ورقمه:4472.

  72. صحيح مسلم 3/1330 ورقمه 1705.

  73. الاستذكار 7/473 ،المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت ٤٦٣هـ).

  74. السنن الكبرى 8/383 ورقمه 16962.

  75. مسند الفاروق أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقواله على أبواب العلم 2/223، المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت ٧٧٤ هـ).

  76. السنن الكبرى 8/413.

  77. الجامع الصغير ص1274 .

  78. السنن الكبرى 8/414 .

  79. معرفة السنن والآثار 12/323

  80. معرفة السنن والآثار 12/323، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت ٤٥٨هـ) .

  81. معرفة السنن والآثار 12/323.