دور الموطن في جنسية التأسيس والجنسية الأصلية والمكتسبة

THE ROLE OF THE CITIZEN IN THE NATIONALITY OF ESTABLISHMENT, ORIGINAL AND ACQUIRED NATIONALITY

م.م. كاظم نعمة حسين حلو1، ا.د. هلا العريس2

1 وزارة التربية، العراق. بريد الكتروني: Kadum774@gmail.com

2 الجامعة الإسلامية في لبنان.

DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj61/32

المعرف العلمي العربي للأبحاث: https://arsri.org/10000/61/32

الصفحات: 535 - 557

تاريخ الاستقبال: 2024-12-04 | تاريخ القبول: 2024-12-15 | تاريخ النشر: 2025-01-01

Download PDF

المستخلص: يلعب الموطن دورًا حيويًا في تحديد القانون الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية في الدول الأنغلو أمريكية، حيث نجد أنها نظمت أحكام الموطن الدولي. بالمقابل، يُعتبر الموطن دورًا ثانويًا بجانب الجنسية في معظم دول العالم، بما في ذلك العراق، التي تتبع الاتجاه اللاتيني، حيث لم تقم بتنظيم أحكام الموطن على المستوى الدولي، واكتفت بتنظيم أحكام الموطن الداخلي، لذا، لفهم ما يتضمنه الموطن من أحكام وأهميته ودوره في الجنسية التأسيسية والأصلية والمكتسبة، وما يحيط به من إشكاليات.

الكلمات المفتاحية: الجنسية، الجنسية الاصلية، الجنسية المكتسبة، جنسية التأسيس، قضاء، تفسير.

Abstract: Nationality is generally the political status or condition of a person by which a person owes allegiance to a particular state. Domicile represents the civil status or condition of a person, and determines personal rights and obligations. In general, and in most countries, original nationality is based on blood right (lineage or kinship) and on the place of birth. Domicile consists of residence in a particular country with the intention of remaining permanently. Consequently, a person may be a citizen of one country, i.e. hold the nationality of one country, but his domicile may be in another country. As a result of the historical development that occurred in the past two centuries, the personal law of individuals has been affected by various political and economic factors, including the French Revolution, the struggles in Italy to gain independence, the nationalist wave in Europe, and the desire of poorer countries to share their success with their immigrants. Therefore, these circumstances have led to a widespread adoption of the principle of nationality. At present, countries in Europe and Latin America have adopted nationality as a control of personal law, while the courts of England and the United States of America still adhere to domicile.

Keywords: Nationality. Original nationality, Acquired nationality, Nationality of establishment. elimination, interpretation.

مشكلة البحث: تتمثل مشكلة البحث في دراسة القيود والشروط المفروضة على دور الموطن وتأثيرها على جنسية التاسيس والجنسية الاصلية والمكتسبة. هناك تفاوت في شدة هذه القيود من دولة إلى أخرى، حيث قد تتجاوز بعض الدول الحدود المقررة لمنح جنسية تاسيس والجنسية الاصلية والمكتسبة.

تعاريف ومصطلحات

مفهوم الموطن: هو المكان الذي يرتبط فيه الشخص باقليم دولة معينة ويقيم فيه على وجه الاعتياد وتتركز فيه مصالحه ،ويعد الموطن في نظام الانجلوسكسوني مرادفا الى وطن الشخص الدائم.

الجنسية المكتسبة: ويقصد بها الجنسية التي تمنحها الدولة للفرد بعد الميلاد بناءً على طلبه وموافقة السلطة المختصة فيها عند توافر شروط محددة قانونا اهمها الاقامة والاهلية .

الجنسية الاصلية: فهي تكون على اساس الميلاد من حيث الاصل الوطني للمولود او من ناحية الطبيعة الوطنية لمكان الميلاد، وتقوم على اسس متعدده التي بدورها تختلف حسب طريقة اكتساب الجنسية، وتسمى هذه الجنسية لدى بعض الفقه (بجنسية الميلاد او النسب) لان اساسها هو الاصل العائلي الذي ينحدر منه الابن، وبعضهم الاخر يسميها (جنسية الام او البنوة ) ، وهناك من يطلق عليها بالجنسية الاصلية كونها تنتقل بشكل آلي لكل من يولد لوطنيي الدولة عبر الاجيال بشكل متتابع ليحفظ استقرارها من الاصول الى الفروع لوحدة الاصل.

جنسية التاسيس: وهي الجنسية التي تكون في بداية تاسيس الدولة ونشوئها وتسمى بجنسية التاسيس.

خطة الدراسة: يمكن تقسيم موضوع دور الموطن في جنسية التأسيس والجنسية الأصلية والمكتسبةإلى مبحثين رئيسيين:

دور المــوطــن في مجال جنسية التأسيس والجنسية الأصلية

دور المــوطــن في الجنسية المكتسبة (اللاحقة)

دور الموطن في جنسية التأسيس والجنسية الأصلية والمكتسبة

تُعتبر الجنسية بشكل عام الحالة السياسية للفرد التي تعكس ولاءه لدولة معينة، بينما يمثل الموطن الحالة المدنية التي تحدد حقوقه والتزاماته الشخصية، تعتمد الجنسية الأصلية في معظم الدول على مبدأ حق الدم (النسب أو القرابة) ومكان الولادة، من جهة أخرى، يتطلب الموطن الإقامة في دولة معينة بنية الاستقرار الدائم، مما يعني أنه يمكن أن يكون الشخص مواطناً لدولة معينة (أي يحمل جنسيتها) بينما يكون موطنه في دولة أخرى، نتيجة للتطورات التاريخية التي شهدها القرنان الماضيان، تأثر القانون الشخصي للأفراد بعوامل سياسية واقتصادية متعددة، مثل الثورة الفرنسية والصراعات من أجل الاستقلال في إيطاليا، بالإضافة إلى الموجة القومية في أوروبا ورغبة الدول الفقيرة في الاستفادة من نجاح المهاجرين. هذه الظروف أدت إلى انتشار واسع لمبدأ الجنسية، حيث اعتمدت الدول في أوروبا وأمريكا اللاتينية الجنسية كمعيار من معايير القانون الشخصي، في المقابل، لا تزال المحاكم في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية تركز على مفهوم الموطن، وعليه سوف يتم تقسيم هذا البحث إلى مبحثين:

المبحث الأول

دور المــوطــن في مجال جنسية التأسيس والجنسية الأصلية

يكتسب الموطن في بعض الدول أهمية خاصة فيما يتعلق بالجنسية، ويتجلى ذلك في المادة الرابعة من قانون الجنسية الفرنسي الصادر عام 1927 والذي تم إلغاؤه لاحقًا، اذ نص على :”يصبح فرنسيا بقوة القانون ، كل شخص ولد في فرنسا وأكمل سن الحادية والعشرين، إذا كان قد توطن في فرنسا” ،يلعب الموطن دورًا بارزًا في كل من جنسية التأسيس، والجنسية الأصلية، والجنسية المكتسبة، وقد ورد ذلك في قانون جنسية التأسيس العراقي رقم 42 لسنة 1924 (الذي تم إلغاؤه) حيث نصت(المادة الثالثة) منه على: ” كل من كان في اليوم السادس من آب سنة 1924 من الجنسية العثمانية وساكناً في العراق عادةً …….” من الملاحظ ان عبارة “ساكن في العراق” تشير عادةً إلى الشخص الذي يقيم بشكل دائم في العراق. أما الإقامة العادية أو المعتادة، فهي تعني التوطن. وبالنسبة للجنسية الأصلية، فهي تعتمد على مبدأين هما حق الدم وحق الإقليم. بعض التشريعات، مثل القانون التونسي، تتطلب من الأفراد الإقامة في البلاد بهدف الاندماج في المجتمع والارتباط بالدولة من أجل الحصول على الجنسية الأصلية بناءً على حق الإقليم، وسنقسم هذا المبحث إلى مطلبين:

المطلب الأول : دور المواطن في مجال الجنسية التأسيسية

تُعتبر جنسية التأسيس نتيجة لإنشاء دولة مستقلة كانت تحت سيطرة دولة أخرى، وعليه تقوم هذه الدولة بعد الاستقلال بإصدار تشريعات خاصة بالجنسية بهدف تحديد سكانها، إذ لا يمكن أن توجد دولة بدون عنصر السكان، وفي هذا السياق، نجد أن الدول العربية التي كانت تحت السيطرة العثمانية، تفككت بموجب معاهدة لوزان الموقعة عام 1923، مما أدى إلى ظهور دول متعددة مثل العراق ومصر والأردن وغيرها، وبالتالي كان قانون الجنسية العراقي، الذي صدر في 9 أكتوبر 1924 برقم 42 لسنة 1924، هو أول تشريع خاص بالجنسية العراقية. وفقًا لهذا القانون، تم فرض الجنسية العراقية في حالتين:

الأولى إذا كان العثماني يقيم في العراق بشكل دائم، والثانية: إذا كان العثماني موظفاً في الحكومة العراقية، كما تم السماح باختيار الجنسية العراقية في الحالة الثالثة.

الحالة الأولى : جنسية التأسيس العراقية المفروضة بحكم القانون

أولاً: جنسية التأسيس العراقية المفروضة بسبب سكن العثماني في العراق عادة اذا كانت المادة الثالثة من قانون جنسية التأسيس العراقي رقم 42 لسنة 1924 (الذي تم إلغاؤه) تنص على “كل من كان في اليوم السادس من آب سنة 1924 من الجنسية العثمانية وساكناً في العراق عادةً تزول عنه الجنسية العثمانية ، ويعد حائزا للجنسية العراقية ابتداء من التاريخ المذكور”.

تُشير عبارة “الساكن في العراق عادة” إلى مفهوم محدد تم توضيحه في الفقرة (هـ) من المادة الثانية، حيث تنص على أن “الساكن في العراق عادة” تعني كل من كانت إقامته المعتادة في العراق خلال الفترة من 23 أغسطس 1921 حتى 6 أغسطس 1924، يتضح من هذا النص أن المشرع العراقي اعتمد على الإقامة كعنصر أساسي لتأسيس الجنسية العراقية، حيث يدمج القانون العراقي بين الموطن والإقامة المعتادة.

ثانياً: جنسية التأسيس العراقية المفروضة على العثماني بسبب توظفه في الحكومة العراقية :

وقد نص قانون جنسية التأسيس العراقية رقم 42 لسنة 1924 (الملغي) على هذه الحالة في المادة الثامنة (فقرة ج) إذ جاء فيها “يعتبر عراقيا كل من كان في يوم السادس من شهر آب سنة 1924 من الجنسية العثمانية وساكنا في العراق ، إذا كان مستخدما في الحكومة العراقية كموظف عراقي في ذلك التاريخ أو قبله وان لم تكن سكناه قد بلغت المدة الواردة في الفقرة ) هـ) من المادة الثانية” ، لم يشترط المشرع في هذه الحالة “عبارة الساكن عادة” ،كما في الحالة الأولى، حيث يكفي أن يكون الشخص العثماني مقيمًا ليُعتبر عراقياً إذا كان موظفاً في الحكومة العراقية. بمعنى آخر، اعتمد المشرع على مفهوم الإقامة بمعنى السكن دون الحاجة إلى أن تكون اعتيادية، أي أن الإقامة البسيطة تكفي. وعندما صدر قانون الجنسية العراقي رقم 43 لسنة 1963 (المعدل)، نصت (المادة الثالثة) منه على:”

  1. من كان عثماني الجنسية وبالغ سن الرشد وساكنا في العراق عادة تزول عنه الجنسية العثمانية ويعتبر عراقي الجنسية ابتداء من اليوم السادس من آب سنة 1924 ويعتبر ولده الصغير عراقي الجنسية تبعا له .
  2. من كان في التاريخ المذكور بالفقرة السابقة غير بالغ الرشد وفاقد الأبوين أو الأب وحده تزول عنه الجنسية العثمانية ويعتبر عراقي الجنسية ابتداء من التاريخ المذكور “، ولم يتم معالجة حالة توظيف العثماني في الحكومة. وقد وردت المادة الثالثة من قانون الجنسية العراقية والمعلومات المدنية رقم 46 لسنة 1990 بنفس النص المذكور أعلاه.

الحالة الثانية: اختيار جنسية التأسيس العراقية

كانت المادة السابعة من قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 (الذي تم إلغاؤه) تنص على: “من بلغ سن الرشد من تبعة الدولة العثمانية ولم يكن ساكنا في العراق عادة إلا أنه مولود فيه أن يقدم في 17 تموز سنة 1927 أو قبله بياناً خطياً يختار فيه الجنسية العراقية وعند ذلك يصبح عراقياً إذا وافقت الحكومة العراقية على ذلك وكان بينها وبين حكومة الدولة التي يسكنها ذلك الشخص اتفاق بهذا الخصوص إن كان وجود اتفاق من هذا القبيل لازماً “، ويلاحظ أن المشرع العراقي اشترط أن لا يكون الشخص في هذه الحالة ساكنا في العراق عادة لأنه لو كان ساكنا لفرضت عليه الجنسية العراقية وفقا للمادة (الثالثة من القانون) وقد عززت التبعية العثمانية هنا بأساس حق الإقليم، ولكن يؤخذ على النص عدم اشتراط احتفاظ المولود في العراق بالإقامة فيه حتى تاريخ معين “كأن يكون قد أقام هذا المولود في العراق مدة معينة قبل تقدميه الطلب حتى يكون جديرا باختياره لحمل الجنسية العراقية، ومدى قدرته للاندماج في المجتمع العراقي ومعرفة عاداته وتقاليده وتقديم الولاء والارتباط بالدولة”.

نستعرض هنا أحد القرارات الصادرة عن محكمة بداءة بغداد المتعلقة بجنسية التأسيس العراقية، تتلخص وقائع هذه الدعوى في تقديم المدعي (ن) طلباً إلى مديرية الجنسية العامة للحصول على شهادة الجنسية العراقية، وقد تم إحالة طلبه إلى الجهات الرسمية المعنية، حيث أُجري تحقيق في هذا الطلب، وقد أكدت تلك الجهات المختصة أنه وُلِد في محلة (المشاهدة) ببغداد عام 1934 من أبوين وجدين عراقيين لم يغادروا العراق حتى وفاتهم، وأنه مسجل كعراقي في سجلات دائرة الأحوال المدنية وقد أدى خدمة العلم عند بلوغه، كما وُلِد لأب عراقي يُعتبر من رعايا الدولة العثمانية،

ومع ذلك، قرر المدعى عليهما، وهما وزير الداخلية ومدير الجنسية العامة، عدم اعتباره عراقياً بالولادة، لذا طلب المدعي استدعاءهما للمرافعة والحكم عليهما، بالإضافة لوظيفتهما، بتثبيت جنسيته العراقية ومنحه الشهادة المؤيدة لذلك، مع تحميلهما المصاريف في 15/5/1970، أصدرت المحكمة حكمها في القضية رقم 1324/1969، والذي قضى بمنع المدعى عليهما من معارضة المدعي في ما يتعلق بجنسيته، واعتباره عراقياً بالولادة.

القرار: بعد التدقيق والمداولة، تبين أن الحكم المميز، استناداً إلى الأسباب المقدمة، جاء صحيحاً ومتوافقاً مع القانون، فقد أثبتت التحقيقات التي أجرتها الجهات المختصة أن المدعي (المميز عليه) كان يقيم بانتظام في العراق في السادس من آب عام 1924، وكان يحمل الجنسية العثمانية، وبناءً على ذلك، يُعتبر هذا الأب عراقياً وفقاً للمادة الثالثة من القانون رقم 42 لسنة 1924، أو وفقاً للمادة الثالثة (الفقرة 1) من القانون رقم 43 لسنة 1963، يُعتبر المدعي (المميز عليه) عراقياً قانونياً، بالإضافة إلى ذلك، فإن الوثائق التي قدمها المدعي أظهرت أنه يتمتع بالجنسية العراقية، من خلال تسجيله في دائرة الأحوال الشخصية، وأدائه خدمة العلم، وتملكه لعقار. كما أن اعترافات (المميز) لا تُعتبر ذات قيمة، حيث إن وجود أسماء أعجمية في قيد نفوس (المميز عليه) لا ينفي الأدلة المقبولة التي تثبت عراقيته، وقد صدر القرار في 30/1/1971([1]).

أما في التشريع المصري: اعتبر القانون رقم 29 لسنة 1929 البداية الفعلية لتنظيم الجنسية المصرية الحديثة على أسس واضحة. وقد حدد هذا القانون معايير الجنسية المصرية، مما يعكس استقلالها عن الدولة العثمانية، بعد ذلك، صدر القانون رقم 160 لسنة 1950، الذي استند إلى الأحكام السابقة المتعلقة بجنسية التأسيس المصرية. ثم جاء القانون رقم 391 لسنة 1956، الذي اعتبر المصريين هم الأفراد الذين كانوا مقيمين في الأراضي المصرية قبل الأول من يناير 1900، والذين حافظوا على إقامتهم فيها حتى تاريخ صدور هذا القانون. وبالتالي، يمكن القول إن هذه القوانين الأربعة قد وضعت الأسس لجنسية التأسيس المصرية ومنحت الجنسية المصرية للأفراد المذكورين.

العثمانيون الذين وُلِدوا في الأراضي المصرية من أبوين مقيمين فيها، والذين حافظوا على إقامتهم العادية حتى 10 مارس 1929 دون اكتساب جنسية أجنبية، وكذلك العثمانيون المولودون في مصر والمقيمون فيها حتى 1 مارس 1929، بالإضافة إلى المتوطنين في الأراضي المصرية قبل 1 يناير 1848 الذين حافظوا على إقامتهم العادية حتى 10 مارس 1929، وأعضاء الأسرة المالكة السابقة، هم من حصلوا على هذه الجنسية بموجب القانون، أما جنسية التأسيس، التي تُمنح بناءً على الطلب، فتشمل العثمانيين الذين أقاموا في مصر بشكل عادي بعد 5 نوفمبر 1914 واستمروا في تلك الإقامة حتى 10 مارس 1929، وقدموا طلب الحصول على الجنسية المصرية خلال سنة من هذا التاريخ، كما تشمل أيضًا العثمانيين الذين اكتسبوا جنسية أجنبية بالتبعية لآبائهم، ولكنهم أقاموا بشكل عادي في مصر وأعربوا عن رغبتهم في الحصول على الجنسية المصرية خلال سنة من 10 مارس 1929 أو من تاريخ بلوغهم سن الرشد([2]) .

يلاحظ أن المشرع المصري قد أسس معظم هذه الحالات على مبدأ حق الإقليم، الذي يتعزز بالإقامة العادية والمحافظة عليها، بالنسبة للأشخاص الذين يتقدمون بطلب الحصول على الجنسية المصرية خلال سنة من التاريخ المحدد، فالإقامة العادية المعززة بحق الإقليم (الولادة) تسهم في تسهيل اندماج الفرد مع شعب الدولة وتعزيز ارتباطه بها، مما يجعله جديراً بحمل جنسيتها، وقد صدر قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975 (المعمول به حالياً في مصر)، والذي تضمن أحكاماً وتعديلات جديدة تحدد الأصول المصرية التي تتمتع بجنسية التأسيس المصرية، وتختلف عن الأحكام السابقة. حيث نصت(المادة الأولى) من هذا القانون على: “المصريون هم : أولاً :- المتوطنون في مصر قبل 5 من تشرين الثاني سنة 1914 من غير رعايا الدول الأجنبية ، المحافظون على إقامتهم فيها حتى تاريخ العمل بهذا القانون ، وتعتبر إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع ، وإقامة الزوج مكملة لإقامة الزوجة”.

من المقرر أن تكون إقامة الأصول مكملة لإقامة الفروع، شريطة أن تتوفر لديهم نية التوطن. فالتوطن يُعتبر أساس ارتباط الأسرة بالوطن. وبناءً على ذلك، يحق للأبناء الاستفادة من إقامة آبائهم وأجدادهم، طالما كانت هذه الإقامة متصلة بين الأصول والفروع ([3]) ، أما موقف التشريع الأردني كانت المادة الأولى من قانون جنسية شرق الأردن لعام 1928 (الذي تم إلغاؤه) تنص على:”يعتبر جميع العثمانيين المقيمين عادة في شرق الأردن في اليوم السادس من شهر آب سنة 1924 أنهم أحرزوا جنسية شرق الأردن” بموجب هذه المادة، فإن عبارة “مقيم عادة في شرق الأردن” تشمل أيضاً كل شخص قام بتحديد محل إقامته في شرق الأردن لمدة اثني عشر شهرًا قبل السادس من آب عام 1924.

يُعتبر جميع الرعايا العثمانيين، وفقاً لهذه المادة، أردنيين بموجب القانون، دون الحاجة إلى اتخاذ إجراءات محددة. ويُفهم من مصطلح “المقيم عادة” أنه يشير إلى الإقامة المستمرة بنية التوطن لمدة لا تقل عن سنة لذا، فإن أي عثماني لم تصل مدة إقامته في شرق الأردن إلى الحد المطلوب (سنة) لا تنطبق عليه أحكام هذا النص، فالإقامة العادية تعني أن العثماني قد اتخذ من إقليم شرق الأردن مكانًا لإقامته المعتادة ومركزاً لأعماله واستقراره([4])، تنص المادة الخامسة من قانون شرق الأردن لعام 1928 (الذي تم إلغاؤه) على انه: “كل عثماني مولود في شرق الأردن بالغ سن الرشد طلب في يوم السادس من شهر آب سنة 1926 أو قبله ببيان خطي ، بحسب ما هو منصوص عليه فيما بعد هذا القانون أن يصير أردنيا ويجوز له أن يحرز هذه الجنسية بموافقة رئيس النظار” ، وسار الفقه على هذه المادة مشيراً إلى أنها تفتقر إلى شرط احتفاظ العثماني المولود في شرق الأردن بإقامته المعتادة لفترة محددة قبل تقديم الطلب، ويعتبر هذا الشرط ضرورياً للتأكد من مدى لياقته للانضمام إلى المجتمع الأردني، خاصةً أنه عاش في الخارج بعد ولادته في شرق الأردن([5]).

المطلب الثاني : دور المــوطــن في الجنسية الأصلية

الجنسية الأصلية هي الجنسية التي تُمنح للفرد بموجب القانون بمجرد توافر شروطها، دون الحاجة إلى أي إجراءات إضافية مثل تقديم طلب أو الحصول على موافقة من السلطات. في معظم التشريعات، تُستند الجنسية الأصلية إلى مبدأ حق الدم أو حق الإقليم، أو كليهما معاً، كما هو الحال في التشريعات العراقية والمصرية والأردنية، أما حق الدم، أو ما يُعرف بالنسب، فيشير إلى حصول الفرد على جنسية الدولة التي يحملها والديه عند ولادته. يُعتبر حق الدم دليلاً على الروابط الأسرية وصلة القرابة بين الأفراد. تميل معظم التشريعات إلى اعتبار جنسية الأب، حيث تُمنح الجنسية لمن وُلِد لأب وطني، بينما توجد تشريعات أخرى، مثل القانون الفرنسي، التي تعطي أهمية متساوية لجنسية الأب والأم([6]).

أما حق الإقليم يعني اكتساب الفرد لجنسية الدولة التي وُلِد فيها، ويعتمد هذا المبدأ على تأثير البيئة التي نشأ فيها الطفل. وغالبًا ما تكون الجنسية التي تُكتسب من خلال حق الإقليم مرتبطة بجنسية الأسرة. كما أن بعض التشريعات في الدول قد تشترط إقامة الشخص (أو توطنه) في إقليمها عند ولادته، مما يعزز من حق الإقليم في الجنسية بناءً على الإقامة المعتادة([7]).

وقد اعتد المشرع العراقي في فرض الجنسية الأصلية بحق الدم المنحدر من الأب، وبأساس حق الإقليم وحق الدم معا ، وفرضها على أساس حق الإقليم فقط، فقد نصت الفقرة الثانية من (المادة الرابعة) من قانون الجنسية العراقية والمعلومات المدنية رقم 46 لسنة 1990 على انه: “يعتبر عراقيا من ولد في العراق من أم عراقية وأب مجهول أولا جنسية له”، في هذا النص، قام المشرع العراقي بدمج حق الإقليم المتعلق بتحقق واقعة الميلاد في العراق مع حق الدم المستمد من الأم كحق ثانوي([8]) ، يُلاحظ أن حدوث الميلاد على الأراضي العراقية يرتبط غالباً بالإقامة الدائمة فيها (التوطن)، حيث تعني الولادة في إقليم معين الاندماج الكامل في المجتمع والعيش فيه، واكتساب أسس التربية من خلاله، مما يعزز الشعور بالانتماء للدولة. وغالباً ما يتحقق هذا الارتباط من خلال الإقامة الدائمة الناتجة عن الولادة،كما نصت الفقرة الثالثة من (المادة الرابعة) من قانون الجنسية العراقي رقم 46 لسنة 1990 على انه: “يعتبر عراقيا من ولد في العراق من والدين مجهولين …. ويعتبر اللقيط الذي يعثر عليه في العراق مولودا فيه ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك” ، قد نص المشرع العراقي على أن اللقيط يُعتبر مولوداً في العراق، ما لم يُثبت أنه وُلِد خارج البلاد، وتجدر الإشارة إلى أن واقعة الميلاد تُعتبر حدثاً مادياً يمكن إثبات عكسه([9])، تشير هذه القرينة إلى أن اللقيط الذي يتم العثور عليه في العراق يُعتبر دليلاً أولياً على أنه موطنه هناك، حتى يتم إثبات العكس، أي أن موطنه في بلد آخر إذا كان ذلك معروفاً، وقد وضع المشرع المصري قرينة قانونية تتعلق باللقيط الذي يُعثر عليه في مصر، حيث اعتبره مولوداً في مصر حتى يتم إثبات العكس، وذلك وفقاً لنص المادة الثانية (الفقرة 4) من قانون الجنسية المصري رقم 26 لسنة 1975، التي نصت على: “يكون مصريا من ولد في مصر من أبوين مجهولين، ويعتبر اللقيط في مصر مولودا فيها ما لم يثبت العكس” ،كما ينطبق ذلك على قانون الجنسية الأردني رقم 6 لعام 1954، حيث ورد في نص المادة الثالثة (الفقرة 5) ما يلي: “يعتبر أردني الجنسية من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية من والدين مجهولين، ويعتبر اللقيط في المملكة مولودا فيها ما لم يثبت العكس” ، ونصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون الجنسية الأردني على ما يلي: “يعتبر أردني كل من كان يحمل الجنسية الفلسطينية من غير اليهود قبل تاريخ 15/5/1948 ويقيم عادة في المملكة الأردنية الهاشمية خلال المدة الواقعة ما بين 20/12/1949 لغاية 16/2/195” ، حدد المشرع الأردني في هذه المادة الفلسطينيين الذين يُعتبرون أردنيين، مشدداً على ضرورة الإقامة العادية (التوطن) في المملكة الأردنية وفقاً للتاريخ المشار إليه، وقد اعتمدت معظم قوانين الدول العربية على حق الإقليم كأساس لمنح الجنسية.

قام المشرع الفرنسي بمساواة الطفل الشرعي والطبيعي مع الطفل المتبنى، وذلك وفقاً لما ورد في المادة الثامنة عشر من القانون رقم 42 لسنة 1972، حيث نصت هذه المادة على ما يلي: “يعتبر فرنسيا الطفل ، الشرعي أو الطبيعي متى كان أحد والديه على الأقل فرنسيا”، استمر هذا الوضع حتى صدور القانون لعام 1998، الذي تم تعديله بالقانون رقم 1999، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة (الثامنة عشرة) على انه: “إلا أنه إذا كان أحد الوالدين فرنسيا فالطفل الذي لم يولد في فرنسا يتمتع بقدرة رفض سمة الفرنسي في الأشهر الستة التي تسبق بلوغه أو خلال ألاثني عشر شهرا التي تلي ذلك” ، عندما ترتبط الولادة في فرنسا بمدة معينة من الإقامة، فإن هذه الولادة تتيح الحصول على الجنسية الفرنسية، إذ أن الولادة في فرنسا من والدين أجنبيين لا تُعتبر سبباً كافياً لمنح الجنسية، فقد كانت المادة التاسعة من قانون الجنسية الفرنسي لعام 1804 (الملغى) تتيح للفرد المولود في فرنسا من أبوين أجنبيين المطالبة بالجنسية الفرنسية عند بلوغه، بشرط أن يكون موطنه أو محل إقامته في فرنسا، كما كانت المادة الرابعة والأربعون من قانون الجنسية الفرنسي لعام 1927 تنص على، “يكتسب كل فرد ولد في فرنسا من أبوين أجنبيين عند بلوغه الجنسية الفرنسية في هذا التاريخ على أن يكون موطنه في فرنسا” وفي هذا السياق، يتطلب المشرع الفرنسي وجود موطن في فرنسا، مما يعني ضرورة الإقامة، لكي يتمكن الشخص من الحصول على الجنسية الفرنسية.

المبحث الثاني

دور المــوطــن في الجنسية المكتسبة (اللاحقة)

الجنسية المكتسبة (اللاحقة أو الطارئة) هي الجنسية التي تُمنح للفرد بعد ولادته، أي أنها تتعلق بالجنسية التي تُكتسب بعد الميلاد. لا تُعتبر عناصر اكتسابها مكتملة عند الولادة بموجب القانون، بل تكتمل في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن الحصول على هذه الجنسية يتطلب موافقة السلطة المختصة، وليس مجرد تطبيق القانون. يلعب الموطن دورًا مهمًا في اكتساب الجنسية اللاحقة، حيث يُعتبر استقرار الشخص في دولة معينة لفترة زمنية محددة سببًا لاكتساب هذه الجنسية أو لمنح الجنسية الأصلية لأبناء هذا الشخص المتوطن.

تُكتسب الجنسية اللاحقة (الطارئة) في حالات مثل تغيير السيادة من خلال الضم أو الانفصال، وعبر التبني، والهجرة، وإثبات الصلة بين الشخص ومكان إقامته، والتجنيس، والزواج المختلط، والتبعية بسبب صغر السن. ومع ذلك، لم يتضمن قانون الجنسية العراقي الحالي (رقم 46 لسنة 1990) حالات التبني والهجرة وإثبات الصلة ضمن حالات اكتساب الجنسية اللاحقة، بل اكتفى بالحالات الأخرى التي تم النص عليها. وقد نصت المادة 81 من قانون الجنسية العراقية والمعلومات المدنية رقم 46 لسنة 1990 على ما يلي: “يلغى قانون الجنسية العراقية ذو الرقم (43) لسنة 1963 المعدل وقانون الاحوال المدنية ذو الرقم (65) لسنة 1972 المعدل وقانون منح الجنسية العراقية للعرب ذو الرقم (5) لسنة 1975 ببيان يصدره وزير الداخلية”، لذا سوف نتطرق الى دور الموطن في هذه الحالات في القانون العراقي والقوانين المقارنة الأخرى.

المطلب الأول : اكتساب الجنسية اللاحقة في حالة تبدل السيادة على الإقليم

تُكتسب الجنسية اللاحقة نتيجة لتغيير السيادة على الإقليم، وذلك في حالات مثل الضم والانفصال، فالضم يشير إلى إلحاق إقليم أو جزء من إقليم دولة معينة بدولة أخرى نتيجة للحرب أو الانقسام. أما الانفصال فيعني خروج جزء من إقليم دولة معينة من تحت سيادتها لينتقل إلى سيادة دولة أخرى أو لتشكيل دولة جديدة([10]).

وجد آراء فقهية متعددة حول تأثير تغيير السيادة على جنسية سكان الإقليم (سواء كان مضمومًا أو منفصلًا)، ومن بين هذه الآراء:

الاتجاه القديم: ينص على أن سكان الإقليم (المضموم أو المنفصل) يُلحقون بجنسية الدولة (الضامة أو المنفصلة)، مع منحهم حق الاختيار في قبول أو رفض هذه الجنسية، وقد ظهرت العديد من الآراء في هذا الاتجاه لتحديد جنسية السكان، ومن أبرزها:

1. الميلاد: وفقاً لهذه النظرية، يحصل الأطفال المولودون في الإقليم (سواء كان منفصلًا أو مضمومًا) على الجنسية الجديدة، حيث تُعرض عليهم الجنسية عند ولادتهم في الإقليم، ومع ذلك، قد تؤدي هذه النظرية إلى إدخال بعض الأجانب ضمن الجنسية الجديدة لمجرد أنهم وُلِدوا هناك بالصدفة([11]) .

2. نظرية الميلاد والإقامة: وفقاً لهذه النظرية، يحصل على الجنسية الجديدة كل من وُلد في الإقليم المعني وكان مقيماً فيه أثناء تغيير السيادة، ومع ذلك، فإن تطبيق هذه النظرية يواجه صعوبات، حيث إن العديد من الأشخاص الذين وُلدوا في الإقليم (سواء كان مضموماًأو منفصلاً) قد لا يكونون موجودين عند حدوث تغيير السيادة.

3. نظرية الميلاد أو الإقامة: بموجب هذه النظرية، يحصل على الجنسية الجديدة الأفراد الذين وُلدوا في الإقليم، سواء كانوا مقيمين فيه أثناء تغيير السيادة أم لا. ويعتبر هذا الاتجاه الأكثر ملاءمة، حيث يتم منح الجنسية بناءً على الولادة أو الإقامة، مما يتيح للسكان حق اختيار أو رفض هذه الجنسية. نحن نفضل هذه النظرية لأنها تتيح للأهالي حق الاختيار، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن قانون الجنسية العراقي رقم 42 لسنة 1924 (الملغي) اعتمد على الإقامة (بمعنى التوطن) في المادة الثالثة، وعلى الولادة في المادة السابعة من نفس القانون. أما الاتجاه الحديث، فيرى أنه يجب ضم الإقليم حاليًا من سكانه الأصليين بالكامل.

المطلب الثاني : اكتساب الجنسية اللاحقة في حالتي (التجنس والزواج المختلط)

تُكتسب الجنسية اللاحقة، كما تم توضيحه سابقاً، من خلال التجنس، والزواج المختلط، والتبعية. أما الحالات الأخرى لاكتساب الجنسية، فلم يعترف بها القانون العراقي ولا القوانين المقارنة. لذا، ستركز هذه الدراسة على دور الموطن في التجنس والزواج المختلط، حيث تُعتبر الإقامة الاعتيادية، أو ما يُعرف بالتوطن، من الشروط الأساسية للحصول على جنسية دولة معينة. ومن الجدير بالذكر أن القانون العراقي يدمج بين الإقامة الاعتيادية والموطن، وهو ما سنستعرضه في هذا المطلب من خلال الفرعين التاليين:

الفرع الأول : دور المــوطــن في مجال التجنس

التجنس هو عملية اكتساب الفرد لجنسية دولة معينة بعد تاريخ ميلاده، وذلك بناءً على طلب يتضمن توافر شروط محددة، بالإضافة إلى موافقة الجهة المختصة، يُعتبر التجنس منحة يُقدمها الفرد، ويعتمد على السلطة التقديرية للدولة التي يسعى للحصول على جنسيتها([12])، تتطلب عملية التجنس شروطًا موضوعية محددة، حيث لا تكتفي معظم الدول بمجرد إعلان الشخص عن رغبته في الحصول على الجنسية، بل تشترط مجموعة من المعايير التي تهدف إلى التأكد من جدية طلب التجنس، من بين هذه الشروط، تأتي الإقامة كشرط أساسي في العديد من الأنظمة القانونية، حيث تختلف مدة الإقامة المطلوبة من دولة لأخرى، كما يشترط أن يكون المتجنس قادراً على التعبير عن إرادته، بالإضافة إلى أن بعض التشريعات مثل تلك المعمول بها في العراق ومصر والأردن، تفرض شروطاً إضافية تعكس اندماج الفرد في المجتمع الوطني، مثل إتقان اللغة، والقدرة على كسب العيش، والتمتع بصحة جيدة، وحسن السيرة والسلوك، وغيرها من المتطلبات الأخرى.

شرط الإقامة: تشترط معظم تشريعات الدول لمنح الجنسية عن طريق التجنس أن يكون المتقدم مقيماً على أراضيها. فالإقامة الطويلة في دولة معينة تعكس نية الشخص في الابتعاد عن مجتمعه الأصلي، وتظهر ارتباطه بالدولة التي يقيم فيها ورغبته في الانضمام إليها من خلال طلب الحصول على جنسيتها([13])، من الواضح أن شرط الإقامة يعد أمراً ضرورياً ولا غنى عنه، إذ لا يعقل أن تمنح الدولة جنسيتها لأجنبي لم يثبت استعداده للاندماج في مجتمعها الوطني ولم يقم على أراضيها، يعتبر هذا الشرط جزءاً من طبيعة الجنسية له، وان هذا الاندماج يبرر انضمامه إلى جنسيتها، ولا يمكن تحقيق هذا الاندماج إلا من خلال فترة إقامة معينة، تُعتبر بمثابة دليل في نظر الدولة على تأقلمه مع ثقافة شعبها واندماجه بينهم. كما أن وجوده على أراضي الدولة يتيح لها فرض رقابتها عليه، مما يمكنها من تقييم ولائه ومدى استعداده لحمل جنسيتها([14])، بعد أن استعرضنا مفهوم التجنس وشروطه، وخاصة شرط الإقامة، سنوضح الآن دور الموطن في الحالات الخاصة بالتجنس التي تم تحديدها بشكل حصري، وذلك في القانون العراقي والقوانين المقارنة الأخرى.

الحالة الأولى : التجنس على أساس حق الدم المنحدر من الأم

تنص المادة الخامسة من قانون الجنسية العراقية رقم 46 لسنة 1990 (الذي تم إلغاؤه) على ما يلي:”للوزير أن يعتبر من ولد خارج العراق من أم عراقية وأب مجهول أو لا جنسيه له عراقي الجنسية إذا اختارها خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد بشرط أن يكون مقيما في العراق وغير مكتسب جنسية أجنبية”، سمح المشرع العراقي لهذا الشخص باختيار جنسيته خلال سنة من بلوغه سن الرشد وإقامته في العراق. وقد أخذ المشرع في اعتباره أن هذا الشخص وُلد خارج إقليم العراق، مما قد يؤدي إلى عدم انسجامه مع أفراد الشعب العراقي وولائه لمكان ولادته. لذا، لم يُفرض عليه الحصول على الجنسية العراقية بموجب القانون، وقد اشترط المشرع إقامة هذا الشخص في العراق عند بلوغه سن الرشد قبل تقديم طلبه، مما يعكس رغبته في تعزيز حق الاختيار من خلال شرط مادي يتمثل في الإقامة في العراق، دون تحديد مدة معينة أو وصفها بالاعتياد، ويعتبر شرط الإقامة وسيلة للتأكد من مدى انسجام الشخص مع المجتمع المحلي، وشعوره بأهدافه، وارتباطه بالعراق وولائه له([15])، لم تحدد هذه المادة معنى الإقامة المقصودة، لذا لا يُشترط أن يكون المولود متواجداً في العراق طوال الفترة من لحظة ميلاده حتى بلوغه سن الرشد وتقديم الطلب، بل يكفي أن يكون موجودًا في العراق عند بلوغه سن الرشد وتقديمه الطلب([16]).

نرى أن الإقامة غير المحددة وغير الاعتيادية لا تكفي لضمان ولاء الفرد للعراق ومدى اندماجه في مجتمعه. وبما أن المشرع العراقي اعتبر هذه الحالة جنسية لاحقة وطارئة، فإن للسلطة حق تقديري في منحها أو عدم منحها،لذا كان من الضروري وصفها بـ “الإقامة الاعتيادية” كشرط أساسي للتجنس لفترة معينة، أما إذا اعتبر المشرع العراقي هذه الجنسية حقاً قانونياً يُكتسب بمجرد توافر الشروط وتقديم الطلب، دون أن يكون للسلطة حق تقدير في منحها، فإن الإقامة المحددة والمتصفة بالاعتياد تصبح غير ضرورية.

لم يتناول قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 (الملغي) هذه الحالة، بينما عالجت المادة الخامسة من قانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963 هذه المسألة، وهي متوافقة مع النص السابق من القانون رقم 46 لسنة 1990، ومع ذلك، لم تكن المادة الخامسة من قانون رقم 43 لسنة 1963 قبل تعديلها تشترط الإقامة في العراق أو عدم اكتساب الجنسية الأجنبية، لكنها عدلت بموجب قانون التعديل الأول رقم 206 لسنة 1964، حيث أضيفت إليها عبارة “الإقامة وعدم اكتساب الجنسية الأجنبية”.

أما في التشريع المصري: فقد نصت المادة (الثالثة) من قانون الجنسية المصري رقم 26 لسنة 1975 على:” يعتبر مصريا من ولد في الخارج من أم مصرية ، ومن أب مجهول أو لا جنسية له أو مجهول الجنسية ، إذا اختار الجنسية المصرية خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد بإخطار يوجه إلى وزير الداخلية ، بعد جعل إقامته العادية في مصر ، ولم يعترض وزير الداخلية على ذلك خلال سنة من وصول الإخطار إليه”، وقد اشترط المشرع المصري الإقامة العادية في مصر والمراد بها الإقامة العادية المرادفة للموطن بركنيه المادي (الإقامة والاستقرار الفعلي)، والمعنوي (نية البقاء والاستقرار في مصر)، ولكون شرط الإقامة العادية في مصر يعبر عن ارتباط الشخص بالجماعة الوطنية والولاء للبلاد([17]) ، كان قانون الجنسية المصري لعام 1958 (الذي تم إلغاؤه) يتطلب أن تكون الإقامة العادية لطالب التجنس في مصر قد استمرت لمدة خمس سنوات متتالية على الأقل قبل بلوغه سن الرشد، وذلك وفقًا لنص المادة السادسة([18])، لم يحدد قانون الجنسية المصري لعام 1975 (المعمول به حالياً) مدة معينة للإقامة، حيث تم تبرير ذلك بعدم الحاجة إليها، إذ ثبت من خلال الممارسة العملية أنه لا توجد أهمية لشرط تحديد مدة للإقامة العادية.

موقف التشريع الأردني: لم يتضمن قانون الجنسية الأردني الإشارة إلى هذه الحالة، بل أشار إلى حالات أخرى لاكتساب الجنسية اللاحقة، مع الأخذ بعين الاعتبار الإقامة المعتادة في المملكة الأردنية الهاشمية. ومن بين هذه الحالات ما ورد في المادة الرابعة (المعدلة) من قانون الجنسية الأردني رقم (6) لسنة 1954″ يحق لكل عربي يقيم عادة في المملكة الأردنية الهاشمية مدة لا تقل عن خمس عشر سنة متتالية، أن يحصل على الجنسية الأردنية، بقرار من مجلس الوزراء بناء على تنسيب وزير الداخلية، إذا تخلى عن جنسيته الأصلية بإقرار خطي وكانت قوانين بلاده تجيز له بشرط.

اعتمد المشرع الأردني في هذه الحالة على الإقامة المعتادة للعربي في الأردن لمدة خمس عشرة سنة متتالية، وذلك قبل تقديم طلب الحصول على الجنسية الأردنية، ويجب أن تكون هذه الإقامة فعلية، دون فترات انقطاع غير مؤقت تعكس نية إنهائها، كما ينبغي أن تكون بهدف جعل الأردن مركزاً لعمل هذا الشخص ونشاطه ومكان إقامته المعتادة([19]).

يبدو أن المشرع المصري كان موفقاً في وصف الإقامة في هذه الحالة بأنها معتادة لغرض طلب اكتساب الجنسية المصرية، وذلك للأسباب التي تم تناولها سابقاً، وكان من الأفضل أن يقوم المشرع العراقي بتحديد وصف الإقامة بالاعتياد ليكون النص أكثر وضوحاً، كما فعل المشرع المصري.

الحالة الثانية : التجنس على أساس الولادة المضاعفة

اعتمد المشرع العراقي على مفهوم الميلاد المضاعف كمعيار لاكتساب الجنسية العراقية اللاحقة، ويعني الميلاد المضاعف أن يكون كل من الأب والابن قد وُلدا في العراق، بالإضافة إلى ضرورة إقامة الأب في العراق بشكل معتاد عند ولادة ابنه، لذا لا يكفي أن يكون الأب والابن قد وُلدا في العراق فقط، بل يجب أن تترافق هذه الولادة مع إقامة الأب المعتادة في البلاد. وقد نصت المادة السادسة من قانون الجنسية العراقية رقم 46 لسنة 1990 على هذه الحالة، “للوزير أن يعتبر عراقيا ، من ولد في العراق وبلغ سن الرشد فيه من أب أجنبي مولود فيه أيضا ، وكان مقيما فيه بصورة معتادة عند ولادة ولده بشرط أن يقدم الولد طلبا بمنحه الجنسية العراقية خلال سنتين من بلوغه سن الرشد”، يشترط هنا أن يحدث ولادة الابن والأب في الوقت نفسه، حيث إن ولادة جيلين متعاقبين في العراق تعكس بشكل واضح وقوي مدى ارتباط هذه الأسرة بالعراق واندماجها في المجتمع العراقي([20])،لا تكفي ولادة الأب والابن في العراق في هذه الحالة، بل يجب أن يكون الأب مقيماً في العراق بشكل دائم عند ولادة ابنه، وذلك للتأكد من استقرار العائلة واندماجها في المجتمع العراقي. المقصود بالإقامة الدائمة هو أن يتخذ الأب العراق مركزاً لأعماله ونشاطاته ومكاناً لإقامته المعتادة، بحيث يكون متواجداً في العراق غالباً. ولا مانع من الغياب المؤقت بنية العودة إلى العراق، حتى لو حدثت ولادة الابن خلال هذا الغياب، وقد أشار الدكتور غالب الداؤدي إلى أن النص المذكور يشترط الإقامة ولا يشترط التوطن، لذا ليس من الضروري أن يكون الوالد حياً عند ولادة ابنه([21])، ذهب الدكتور جابر إبراهيم الراوي إلى أن المقصود بالإقامة المعتادة (التوطن) هو أن الشخص يمكن أن يقيم بشكل مستمر أو مؤقت لفترة معينة، طالما أن لديه نية العودة إلى العراق، وبالتالي لا يشترط أن يكون الوالد على قيد الحياة عند ولادة المولود، بل يكفي إثبات توطنه في العراق عند وفاته([22]).

نحن نتبنى الرأي الذي طرحه الدكتور جابر إبراهيم الراوي، حيث نرى أن الإقامة المعتادة وفقاً للنص تعني التوطن، فلو أراد المشرع العراقي الإشارة إلى الإقامة المجردة، لما أضاف كلمة “معتادة”. كما أن المادة (42) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 تعرف الموطن بأنه: “المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة بصفة دائمة أو مؤقتة”، وتعتبر الإقامة الركن المادي للموطن، وعندما تقترن بكلمة “معتادة” فإنها تشير إلى التوطن، مما يدل على أن المشرع العراقي يدمج بين الإقامة العادية والموطن ويعتبرهما بمعنى واحد.

تعتبر الولادة المضاعفة من حالات الجنسية المكتسبة بموجب القانون، حيث تنص المادة الثامنة، الفقرة (ب)من قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 على:” يعتبر عراقياً كل من ولد في العراق وبلغ سن الرشد إن كان والده مولوداً في العراق وكان مقيماً به عادة حين ولادة ابنه”، كان أساس منح الجنسية العراقية في هذه الحالة يعتمد على حق الإقليم، حيث تُعتبر الولادة في العراق الشرط الأساسي([23])، ومع ذلك، فقد جعل قانون (43) لسنة 1963 المعدل هذه الحالة من حالات الجنسية المختارة، حيث نصت المادة السادسة منه على “1- للوزير أن يعتبر عراقياً من ولد في العراق وبلغ سن الرشد فيه من أب أجنبي مولود فيه أيضا وكان مقيماً فيه بصورة معتادة عند ولادة ولده ويسري هذا الحكم على من لم يحصل على شهادة الجنسية العراقية قبل نفاذ هذا القانون …. 2- يعتبر عراقياً من ولد في العراق وبلغ سن الرشد وكان أبوه وجده الصحيح مولوداً فيه”، وجب قانون التعديل الأول رقم 206 لسنة 1964، الذي يعدل قانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963، تم حذف المادة السادسة من القانون واستبدالها بالنص التالي: “للوزير أن يعتبر عراقياً من ولد في العراق وبلغ سن الرشد فيه من أب أجنبي مولود فيه أيضا وكان مقيماً فيه بصورة معتادة عند ولادة ولده بشرط أن يقدم الولد طلباً بمنحه الجنسية العراقية خلال سنتين من بلوغه سن الرشد”.

نرى أن حالة الولادة المضاعفة، التي تتضمن ولادة جيلين متعاقبين (الأب والابن) في العراق، وتوطينهم بشكل دائم واندماجهم في المجتمع العراقي، بالإضافة إلى ارتباطهم بالدولة، تمثل دليلاً كافياً وواضحاً على حقهم في الحصول على الجنسية العراقية بموجب القانون، دون الحاجة لموافقة الوزير، لذا كان من الأفضل للمشرع العراقي أن يحتفظ بنص المادة الثامنة من قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 (الملغي) مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة، بحيث يكون النص بالشكل التالي:” يعتبر عراقياً من ولد في العراق وبلغ سن الرشد فيه من أب أجنبي مولود فيه أيضا وكان مقيماً فيه بصورة معتادة عند ولادة ولده بشرط أن يقدم الولد طلباً بمنحه الجنسية العراقية عند بلوغه سن الرشد”.

أما في التشريع المصري: نصت المادة (الرابعة) من قانون الجنسية المصري المرقم 26 لسنة 1975 على انه: “يجوز بقرار من وزير الداخلية منح الجنسية المصرية لكل أجنبي ولد في مصر لأب أجنبي ولد أيضا فيها ، إذا كان الأجنبي ينتمي لغالبية السكان في بلد لغته العربية ، أو دينه الإسلام ، متى طلب التجنس خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد”.

رأى عز الدين عبد الله أنه كان ينبغي على المشرع المصري أن يشترط إقامة الأب أو توطنه في مصر. فرغم أنه اشترط أن يكون الابن والأب مولودين في مصر بهدف تعزيز الارتباط بالدولة، إلا أن هذا الارتباط لا يتحقق فقط من خلال الميلاد، بل يتطلب أيضًا استقرار العائلة في مصر من خلال الإقامة الدائمة. ومن الناحية العملية، يصعب التأكد من ارتباط الأسرة دون وجود إقامة معتادة، حيث إن الميلاد المتكرر يفترض عادةً أن الأب كان مقيمًا في مصر على الأقل خلال الفترة بين ميلاده وميلاد ابنه([24])، يبدو أن المشرع المصري قد استبدل شرط الإقامة المعتادة بشرط آخر ينص على أن يكون والد الأجنبي الذي يتقدم بطلب التجنس منتمياً إلى غالبية السكان في بلد يتحدث اللغة العربية أو يتبع الدين الإسلامي. وبالتالي، فإن النص يشمل العرب كصفة أساسية حتى وإن لم يكونوا مسلمين، وكذلك المسلمين حتى وإن لم يكونوا عرباً، أي من سكان البلدان الإسلامية([25]).

اشترط المشرع المصري أن يكون المولود وأبوه الأجنبي قد وُلِدا في مصر، وهو ما يتماشى مع ما نصت عليه المادة السادسة من قانون الجنسية العراقية، مع وجود بعض الاختلافات الطفيفة. فقد اشترط المشرع العراقي أن يكون الأب مقيماً بشكل دائم في العراق عند ولادة ابنه، ويعود السبب في ذلك إلى رغبة المشرع في التأكد من استقرار عائلة المولود في العراق واندماجها في المجتمع العراقي، وأن الولادة لم تكن مجرد صدفة([26]).

أما في التشريع الأردني: نصت المادة السادسة / فقرة (ب) من قانون جنسية شرق الأردن لسنة 1928 الملغي على “يعتبر أردنيا كل شخص ولد في شرق الأردن ممن بلغ سن الرشد ، وولد والده في شرق الأردن ، وكان في الوقت الذي ولد فيه ذلك الشخص مقيما عادة في شرق الأردن، على أن لا يكون هذا الشخص قد أحرز أية جنسية أخرى”.

عندما صدر قانون الجنسية الأردني رقم 6 لعام 1954، الذي ألغى قانون جنسية شرق الأردن لعام 1928، لم يتضمن هذا القانون أي إشارة إلى مسألة الولادة المضاعفة لاكتساب الجنسية الأردنية اللاحقة، فلم يكن هناك نص يتناول هذه الحالة، سواء بالإبقاء عليها أو بإلغائها([27]).

أما عن أحكام التجنس في القانون الفرنسي: نصت (المادة 44 ) من قانون تعديل الجنسية الفرنسية لسنة 1973 على انه: “كل شخص ولد في فرنسا من أبوين أجنبيين ، يكتسب الجنسية الفرنسية عند بلوغه سن الرشد، متى كانت إقامته في فرنسا عند هذا التاريخ ومتى كان له فيها إقامته المعتادة منذ خمس سنوات”، أقر القانون المدني الفرنسي بتاريخ 16 مارس 1998، المعدل، أن الولادة والإقامة في فرنسا تُعتبران سببين للحصول على الجنسية الفرنسية للأشخاص الذين يبلغون من العمر ثمانية عشر عاماً، كما منح القانون الفرنسي القاصرين الحق في الحصول على الجنسية الفرنسية من خلال إعلان (تصريح) يُقدم عند بلوغهم سن السادسة عشرة، بشرطين: الأول هو الإقامة الاعتيادية في فرنسا اعتباراً من تاريخ الإعلان، والثاني هو الإقامة الاعتيادية في فرنسا لمدة خمس سنوات، سواء كانت هذه الفترة مستمرة أو متقطعة، عند بلوغهم سن الحادية عشرة([28])، نصت المادة 21/ فقرة 11 من القانون المدني الفرنسي رقم 170 لسنة 1998 المؤرخ في 16/3/1998 على انه:” للقاصر المولود في فرنسا من أبوين اجنبين ، يستطيع واعتبارا من السن السادس عشر عند طلب الجنسية الفرنسية ، وذلك بإعلان (تصريح) ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة (26) عند القيام بالتصريح ، ويكون له سكن في فرنسا أو أن يكون سكنه المعتاد في فرنسا في أثناء فترة مستمرة أو غير مستمرة”، يمكن تقديم الطلب للحصول على الجنسية باسم الشخص عند بلوغه سن الثالثة عشرة، ويحق له رفض الجنسية الفرنسية خلال السنة التي تلي بلوغه([29])، وعليه يكون الشخص فرنسياً إذا توافرت فيه شروط التجنس الآتية :”

  1. الولادة في فرنسا لأبوين أجنبيين ولدا في الخارج .
  2. بلوغ سن (الثامنة عشرة) أي سن الرشد وان يكون مقيماً في فرنسا عند بلوغ هذا السن .
  3. أن يكون منسجما مع المجتمع الفرنسي وذلك بمعرفة جيدة للغة الفرنسية، وقد عرف المنشور المؤرخ في 23/4/1952 ، الأجنبي المتجانس: بأنه ذلك الشخص الذي بلغته وطريقة حياته، وتصرفه تجاه المؤسسات الفرنسية، تكون له صورة مقبولة من قبل الناس الذين يسكنون في المنطقة”.
  4. الإقامة في فرنسا، يجب أن يكون لديه إقامة في فرنسا عند توقيع المرسوم الخاص بالتجنس، أو أن يكون قد أقام بشكل معتاد في فرنسا لمدة لا تقل عن خمس سنوات قبل تقديم طلب التجنس([30]).

الحالة الثالثة : تجنس الأجنبي بالإقامة على أساس أداء خدمة نافعة للبلاد

نصت المادة (الثامنة) من قانون الجنسية العراقية رقم 46 لسنة 1990 على ما يلي:”للوزير أن يقبل تجنس الأجنبي عند توفر الشروط الآتية:

أولاً: أن يكون بالغاً سن الرشد.

ثانياً: دخل العراق بصورة مشروعة وكان مقيما فيه عند تقديم الطلب.

ثالثا: أقام في العراق بصورة مشروعة مدة لا تقل عن عشر سنوات متتاليات سابقة على تقديم الطلب.

رابعاً: أن يكون حسن السلوك والسمعة ولم يحكم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف.

خامساً: أن تكون له وسيلة جلية للعيش.

سادساً: أن يكون سالماً من الأمراض الانتقالية ، والعاهات الجسمية والعقلية .

سابعاً: أن يؤدي خدمة نافعة للبلاد ، وتقتضي المصلحة العامة ذلك”.

اشترط المشرع العراقي في هذا النص أن يكون الأجنبي قد أقام في العراق بشكل قانوني لمدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية قبل تقديم طلب التجنس، ولا يُشترط أن تبدأ هذه الإقامة بعد بلوغه سن الرشد، ولكن يجب أن يكون مقيماً في العراق عند تقديم الطلب بعد استيفاء مدة الإقامة المطلوبة. يُعتبر بلوغ سن الرشد شرطاً ضرورياً فقط عند تقديم طلب التجنس، حيث تُعتبر هذه الإقامة فترة للتأكد من سلوك الشخص ومدى تأثيره على أمن الدولة، بالإضافة إلى تقييم استعداده للاندماج في المجتمع العراقي واستقراره في البلاد، كما يُشترط أن تكون هذه الإقامة بنية التجنس، أي أن يكون الهدف منها هو اتخاذ العراق موطناً لطالب التجنس ومركزاً لنشاطاته وأعماله، ومكاناً لإقامته المعتادة طوال الفترة المطلوبة([31])، تُعتبر الإقامة المعتادة نافذة ومستدامة ومتواصلة، حتى في حال وجود غياب متقطع قصير مع وجود نية للعودة، أما إذا كان الغياب متقطعاً لفترات طويلة، مثل الإقامة لمدة سنة أو سنتين ثم الانقطاع لمدة 3 أو 4 سنوات، ثم العودة مرة أخرى للإقامة في العراق، فإن ذلك لا يُعتبر إقامة فعلية، ومع ذلك إذا كان عدم العودة إلى العراق ناتجاً عن قوة قاهرة تمنع الشخص من ذلك، فلا ينبغي أن يؤثر ذلك على حقه في الإقامة الاعتيادية المستمرة في العراق، طالما أنه يحتفظ بنية العودة وعاد فعلاً بمجرد زوال تلك القوة([32]).

من المهم الإشارة إلى أن المشرع العراقي، رغم أنه نص على الإقامة بشكل عام، إلا أنه كان يقصد في الواقع التوطن، فمدة الإقامة القصوى في القانون العراقي هي سنة واحدة يمكن تكرارها، وإذا استمر وجود الشخص في بلد معين لأكثر من سنة مع نية البقاء، فإن ذلك يعتبر توطناً، لذا من غير المنطقي أن يطلب المشرع العراقي من الشخص البقاء بشكل مستمر لمدة عشر سنوات (متتالية) ويطلق عليها إقامة، فهي في الحقيقة توطن وليست مجرد إقامة([33])، نحن نؤيد الرأي الذي طرحه الدكتور جابر إبراهيم الراوي، حيث كان من الأفضل للمشرع العراقي استخدام مصطلح “توطن” بدلاً من “إقامة”. فمصطلح “توطن” يحمل دلالة أوسع تتناسب مع الهدف الذي تم ذكره، وهو فترة العشر سنوات التي نص عليها القانون العراقي، والتي تهدف إلى التأكد من اندماج الشخص في المجتمع الذي يعيش فيه وقدرته على بناء علاقات مدنية ضمن المجتمع العراقي.

لم يتضمن قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 (الملغي) نصاً يتعلق بهذه الحالة، بينما تناول قانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963 هذا الأمر في المادة الثامنة، التي تتوافق مع النص السابق، ومع ذلك تم حذف هذه المادة بموجب قانون التعديل الأول لقانون الجنسية العراقية رقم 206 لسنة 1964، حيث تم التمييز بين تجنس العرب وتجنّس الأجانب، وقد جعلت الموافقة على طلب تجنس العرب بالجنسية العراقية من صلاحية وزير الداخلية، بينما كانت صلاحية تجنس الأجانب من اختصاص مجلس الوزراء.

أما بالنسبة للتشريع المصري : قد استثنى كل من الأجنبي الذي يقدم خدمات جليلة لمصر ورؤساء الطوائف الدينية من شروط التجنس، بما في ذلك شرط الإقامة المعتادة في مصر لفترة محددة، وذلك وفقًا لنص المادة الخامسة من قانون الجنسية المصري رقم 26 لسنة 1975.

والتشريع الأردني: لم يتطرق صراحة إلى هذه الحالة وإنما أشار ضمنا في نص المادة الثالثة عشر ، فقرة 2 من قانون الجنسية الأردني رقم 6 لسنة 1954 إلى أن” لمجلس الوزراء بموافقة جلالة الملك، أن يستغني عن الشرط القاضي بسبق الإقامة أربع سنوات إذا كان مقدم الطلب عربياً وكانت هناك ظروف خصوصية تؤول إلى ما يفيد المصلحة العامة”. وتعبير “الظروف الخاصة التي تؤول إلى ما يفيد المصلحة العامة” تفسر كأن يكون ذلك الشخص من العناصر التي تؤدي خدمة نافعة للأردن([34])، إن موقف كل من القانون المصري والأردني بعدم تحديد مدة إقامة الأجنبي للحصول على جنسية الدولة التي يقيم فيها، خاصة إذا كان من العناصر التي تسهم في تقديم خدمات مفيدة للمجتمع، يعكس تشابهاً مع قوانين وتشريعات دول أخرى، ومن الجدير بالذكر أن نص المادة الثامنة، الفقرة (2) من قانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963 (المعدل) قد تم تعليقه بموجب قرار مجلس قيادة الثورة (الملغي) رقم (200) لسنة 1980، الذي حدد مدة إقامة الأجنبي في العراق بخمس سنوات، مع إمكانية تمديدها استثنائياً إلى ثماني سنوات فقط، وقد جاء نص القرار في فقرته الأولى على النحو التالي: “لا يسمح للأجنبي الذي أقام في العراق قبل نفاذ هذا القرار، أن يقيم فيه مدة خمس سنوات أو الاستمرار في إقامته لأي سبب كان ، ولوزير الداخلية بناء على مقتضيات المصلحة العامة ، وباقتراح من الجهة الرسمية المنتفعة تمديد إقامة الأجنبي مدة لا تزيد على ثمان سنوات” سمح قرار مجلس قيادة الثورة رقم 210 لسنة 2000 للأجانب بالإقامة في العراق لأكثر من خمس سنوات، بشرط أن يكونوا متزوجين وأن تعيش عائلتهم معهم في العراق. وبذلك، تم إلغاء التعطيل الذي كان يطال المادة الثامنة من قانون الجنسية العراقي سنستعرض هنا الحالتين اللتين تم إضافتهما بموجب قانون التعديل الرابع رقم 131 لسنة 1972 لقانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963 على النحو التالي:

الحالة الأولى : حالة التجنس المبني على الولادة في الإقليم المعزز بالإقامة العادية

نصت المادة الثامنة في الفقرة الثالثة التي أضيفت “بموجب قانون التعديل الرابع رقم 131 لسنة 1972″ على انه : ” للوزير أن يمنح الجنسية لكل من ولد في العراق وسكن فيه حتى بلوغه سن الرشد من أب أجنبي غير مولود فيه بالشروط التالية :

  1. أن يقدم طلب التجنس خلال سنة من نفاذ هذا القانون .
  2. أن يكون قد أكمل الخدمة العسكرية في العراق قبل نفاذ هذا القانون وبقي ساكنا في العراق حتى تقديم الطلب.

جـ .أن يكون حسن السلوك والسمعة ولم يحكم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف إلا إذا كان قد رد إليه اعتباره .

  1. أن لا يكون في وجوده في العراق ضرر على امن وسلامة الجمهورية العراقية “.

اشترط المشرع العراقي أن يكون المولود في العراق من أب أجنبي غير مولود فيه مقيماً في العراق منذ ولادته وحتى بلوغه سن الرشد، يجب أن يكون محل إقامته في العراق طوال هذه الفترة، مع إمكانية غيابه لفترات متقطعة، بشرط أن يستمر في الإقامة في العراق وأن تكون لديه نية العودة إليه([35])، نرى أن اشتراط المشرع العراقي أن يكون الأجنبي قد أكمل الخدمة العسكرية في العراق يعد شرطاً تعسفياً، حيث لا نجد له مثيلاً في التشريعات المقارنة. فليس من المنطقي أن يُطلب من شخص أجنبي أداء الخدمة العسكرية لدولة لا يحمل جنسيتها، كما أن قانون الجنسية العراقية والمعلومات المدنية رقم 46 لسنة 1990 لم يتضمن نصاً يتعلق بهذه الحالة، علاوة على ذلك، فإن استخدام المشرع العراقي لعبارة “وسكن فيه حتى بلوغه سن الرشد” يشير إلى مفهوم التوطن في العراق، وكان من الأفضل أن يتم استخدام مصطلح “التوطن” بشكل صريح. كما اشترط المشرع في الفقرة (ب) أن يكون هذا الأجنبي قد أكمل الخدمة العسكرية في العراق قبل سريان هذا القانون، وأن يبقى متوطنًا حتى تقديمه الطلب. إذ يُعتبر أداء الأجنبي المتوطن في الدولة للخدمة العسكرية دليلًا على ولائه لها، نظرًا لأن الخدمة العسكرية تتطلب تضحية وإخلاصًا في سبيل الوطن ([36]).

أما في التشريع المصري: نصت المادة الرابعة / فقرة (4) من قانون الجنسية المصري رقم 26 لسنة 1975 على حالة ولادة الأجنبي في مصر المعززة بالإقامة ، وجاءت بالقول” يجوز بقرار من وزير الداخلية منح الجنسية المصرية، لكل أجنبي ولد في مصر، وكانت إقامته العادية فيها عند بلوغه سن الرشد، متى طلب خلال سنة من بلوغه سن الرشد التجنس بالجنسية المصرية وتوافرت فيه الشروط الآتية:

  1. أن يكون سليم العقل غير مصابة بعاهة تجعله عالة على المجتمع.
  2. أن يكون حسن السيرة والسلوك محمود السمعة ، ولم يسبق الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.
  3. أن يكون ملم باللغة العربية.
  4. أن يكون له وسيلة مشروعة للكسب”.

لم يقيد المشرع المصري الإقامة المطلوبة بمدة محددة، بل يكفي أن تُعتبر إقامة معتادة، وهذا يتطلب توافر عنصرين أساسيين: الإقامة العادية ونية الاستقرار في مصر، وبالتالي فإن هذين العنصرين يشكلان الركنين الأساسيين للموطن. ومن هنا، يتضح أن المشرع المصري قد أراد توطين الأجنبي في مصر، مع ضرورة توافر هذا التوطن عند بلوغ سن الرشد([37])، أما في التشريع الأردني، فلم يتطرق قانون الجنسية الأردني رقم 6 لسنة 1954 إلى هذه الحالة.

الحالة الثانية : تجنس الأجنبي على أساس الإقامة الطويلة

نصت الفقرة الرابعة من المادة الثامنة، من قانون التعديل الرابع لقانون الجنسية رقم 131 لسنة 1972 على ما يلي “لرئيس الجمهورية بناء على اقتراح الوزير ، أن يقبل تجنس الأجنبي البالغ سن الرشد بالشروط الآتية:

  1. أن يكون ساكنا في العراق مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة متتاليات سابقة على نفاذ هذا القانون .
  2. أن يكون احد أقربائه من الدرجة الأولى أو الثانية قد حصل على الجنسية العراقية .
  3. أن يكون حسن السلوك والسمعة ولم يحكم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف إلا إذا كان قد رد إليه اعتباره.
  4. أن تكون له وسيلة جلية للعيش .
  5. أن لا يكون بوجوده في العراق ضرر على امن الدولة وسلامة الجمهورية العراقية .
  6. أن يقدم طلب التجنس خلال سنة واحدة من نفاذ هذا القانون”.

تشير الفقرة الأولى إلى ضرورة أن يكون الشخص مقيماً في العراق لمدة لا تقل عن 15 سنة متتالية قبل سريان هذا القانون. ولا تُعتبر الغيابات القصيرة عن العراق عائقاً، بشرط أن تكون لدى الشخص نية العودة إلى البلاد([38])، اشترط المشرع العراقي أن يكون أحد أقارب طالب التجنس من الدرجة الأولى أو الثانية قد حصل على الجنسية العراقية قبل ذلك. ويعتبر هذا الشرط دليلاً على أن إقامة طالب التجنس ليست عابرة، بل تأتي بنية الحصول على الجنسية. كما يدل على أن الشخص قد اتخذ العراق مركزاً لأعماله ومكاناً لإقامته ضمن عائلته، حيث ارتبط بعض أفرادها بالعراق بشكل دائم واندمجوا في المجتمع العراقي([39]).

أما في التشريع المصري: نصت المادة الخامسة من قانون الجنسية المصري رقم 26 لسنة 1975 على ما يلي: “يجوز بقرار من وزير الداخلية ، منح الجنسية المصرية لكل أجنبي جعل إقامته العادية في مصر ، مدة عشر سنوات متتالية على الأقل سابقة على تقديم طلب التجنس متى كان بالغا سن الرشد ، وتوافرت فيه الشروط الآتية:

  1. أن يكون سليم العقل غير مصابة بعاهة تجعله عالة على المجتمع .
  2. أن يكون حسن السلوك محمود السمعة ولم يسبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف ما لم يكن قد رد إليه اعتباره .
  3. أن يكون ملما باللغة العربية .
  4. أن تكون له وسيلة مشروعة للكسب “.

وفي التشريع الأردني: نصت المادة (الثانية عشرة) من قانون الجنسية الأردنية رقم 6 لسنة 1954 على انه:”لأي شخص غير أردني ليس فاقدا للأهلية متى توافرت فيه الشروط الآتية أن يقدم طلبا إلى مجلس الوزراء لمنحه شهادة التجنس بالجنسية الأردنية:

  1. أن يكون قد اتخذ محل إقامته العادية في المملكة الأردنية الهاشمية لمدة أربع سنوات قبل تاريخ طلبه .
  2. أن لا يكون محكوما بأي جريمة ماسة بالشرف والأخلاق .
  3. أن ينوي الإقامة في المملكة الأردنية الهاشمية .
  4. أن يعرف اللغة العربية قراءة وكتابة .
  5. أن يكون حسن السيرة والسلوك .
  6. أن يكون سليم العقل غير مصاب بعاهة .
  7. أن تكون له وسيلة مشروعة للكسب مع مراعاة ، عدم مزاحمة الأردنيين في المهن التي يتوافر فيها عدد منهم”،

سعى المشرع الأردني من خلال تعريف الإقامة العادية في الأردن (التوطن) إلى التأكيد على ضرورة توافر الإقامة المعتادة لطالب التجنس، كما يتضح من الفقرة الأولى، حيث ينص النص على ضرورة الإقامة العادية لمدة أربع سنوات، مما يجعل تكرار ذلك في الفقرة (3) من نفس المادة بعبارة “أن ينوي الإقامة” غير مبرر([40]).

الفرع الثاني : دور المــوطــن في الزواج المختلط

يُعتبر الزواج أحد الأسباب التي تتيح للمرأة المتزوجة الحصول على جنسية زوجها في بعض التشريعات الحديثة، يُعرف الزواج المختلط بأنه الزواج الذي لا تتطابق فيه جنسية الزوجين عند إبرام العقد أو بعده، تتبنى بعض التشريعات مبدأ وحدة الجنسية في الأسرة، والذي يعني منح المرأة الأجنبية المتزوجة من مواطن جنسية زوجها تلقائياً عند الزواج، دون الحاجة إلى اتخاذ إجراءات إضافية، بينما تتبنى تشريعات أخرى مبدأ استقلال الجنسية في الأسرة، مما يتطلب من المرأة تقديم طلب والحصول على موافقة السلطة المختصة، مما يعكس احترام إرادتها، في القانون العراقي، تُعتبر المرأة الأجنبية قادرة على اكتساب جنسية زوجها العراقي، بينما لا يتمكن الرجل الأجنبي من الحصول على الجنسية العراقية من خلال زواجه من امرأة عراقية، بناءً على ذلك، سنستعرض دور الموطن في الزواج المختلط وفقًا للقانون العراقي مقارنة بالقوانين الأخرى.

أولاً : في القانون العراقي :

نصت (المادة الثانية عشرة) من قانون الجنسية العراقية رقم 46 لسنة 1990على ما يلي:”

أولاً: أ. إذا تزوجت العربية من عراقي تكتسب الجنسية العراقية من تاريخ موافقة الوزير .

ب. إذا تزوجت الأجنبية من عراقي ، فلا يحق لها أن تقدم طلبا لاكتساب جنسية زوجها العراقي إلا بعد مضي مدة ثلاث سنوات على الزواج وإقامتها في العراق المدة المذكورة ، وبشرط استمرار الزوجية حتى تقديم الطلب ، ويستثنى من ذلك من يتوفى عنها زوجها أو كان لها منه ولد …، د. للوزير استثناء الأجنبية التي تروم اكتساب جنسية زوجها العراقي من شرط مرور ثلاث سنوات على الزواج المنصوص عليها في الفقرة (ب) من البند (أولاً) من هذه المادة إذا ثبت ولادتها ووالدها في العراق”([41])، استناداً إلى ما تم ذكره في نص المادة (12)، يتبين أن المشرع العراقي يفرق في حالات اكتساب المرأة المتزوجة من عراقي الجنسية العراقية بين حالتين:

الحالة الأولى : اكتساب المرأة العربية للجنسية العراقية

في هذه الحالة، لا يلعب الموطن دوراً مهماً، حيث لم يشترط المشرع العراقي إقامة الزوجة العربية في العراق. يمكنها تقديم طلب اكتساب الجنسية العراقية في أي وقت، سواء كان ذلك مباشرة بعد الزواج أو بعد فترة معينة([42]).

الحالة الثانية : اكتساب المرأة الأجنبية الجنسية العراقية

اشترط المشرع العراقي في حالة حصول المرأة الأجنبية (غير العربية) على جنسية زوجها العراقي توافر شروط معينة، لم تكن مطلوبة في حالة المرأة العربية. من بين هذه الشروط، يجب أن تمر ثلاث سنوات على الزواج وأن تقيم الزوجة في العراق. الهدف من هذه المدة هو التأكد من جدية نية الزوجة وسلامتها، بالإضافة إلى اندماجها في المجتمع العراقي وقدرتها على العيش فيه. هذا الشرط يهدف إلى استبعاد أي نية مؤقتة وراء الزواج، والتي قد تكون لتحقيق غرض معين، وليس كافياً فقط مرور ثلاث سنوات على عقد الزواج، بل يجب أيضاً أن تقيم الزوجة في العراق بشكل منتظم خلال هذه الفترة، وأن تتبنى عادات وتقاليد المجتمع العراقي. هذا الشرط يعد مهماً بالنسبة للزوجة الأجنبية، حيث لا يمكن التأكد من انسجامها مع المجتمع العراقي إلا بعد مرور هذه المدة. ومع ذلك، لم تحدد المادة المقصود بـ “الإقامة”، إذ يبدو أنها تشير إلى الإقامة العادية التي تفتقر إلى نية البقاء والاستقرار([43])،يبدو أن المشرع قد أراد من خلال هذا النص أن تكون الإقامة مرتبطة بنية البقاء في العراق لمدة ثلاث سنوات، مما يعني التوطن في البلاد. فالإقامة بنية البقاء تُعتبر عنصراً أساسياً في مفهوم الموطن، بينما الإقامة المؤقتة في العراق لا تتجاوز السنة، لذا يمكن القول إن المشرع العراقي كان يقصد التوطن بهذا النص، وكان من الأفضل له استخدام عبارة مثل “توطنها أو سكنها المعتاد في العراق”.

أما في التشريع المصري، فلم نجد أي دور للموطن في سياق اكتساب المرأة الأجنبية للجنسية المصرية عند زواجها من مصري. حيث تم إعفاء المرأة الأجنبية المتزوجة من مصري من شرط الإقامة، وذلك وفقاً لنص المادة السابعة من قانون الجنسية المصري رقم 26 لسنة 1975 (المعمول به حالياً).

كما ينطبق الأمر على التشريع الأردني وفقًا لنص المادة (الثامنة / فقرة 1) من قانون الجنسية الأردني رقم 6 لسنة 195

يتبين أن المشرع العراقي كان صائباً في اشتراطه منح الجنسية العراقية للمرأة الأجنبية (غير العربية) بأن تكون مدة الزواج مرتبطة بإقامة الزوجة الأجنبية في العراق. فدمج هذين العنصرين يوفر للجهة المختصة بمنح الجنسية دليلاً كافياً على اندماج الزوجة في المجتمع العراقي.

أما القانون الفرنسي ، فلم يشترط الإقامة في حالة الزواج وذلك في نص المــادة (21) فقرة / 2 من القانون المرقم 933 لسنة 1993 حيث جاء فيها “للأجنبي الذي يعقد الزواج مع شريكه حياته تحمل الجنسية الفرنسية يمكن بعد مضي مهلة سنة ابتداء من الزواج أن يحصل على الجنسية الفرنسية بتصريح شريطة أن يكون في تاريخ التصريح وجود علاقة بين الزوجين وان الشريك الفرنسي قد احتفظ بجنسيته”([44]).

الخاتمة

من المؤكد أن أحكام القانون الدولي الخاص وقواعده تعكس أحكام القانون الداخلي وقواعده على الساحة الدولية، بناءً على ذلك، إذا كان لكل فرد الحق في موطن معين يركز فيه مصالحه على المستوى الداخلي، فإن هذا الحق معترف به أيضًا في إطار القانون الدولي الخاص، حيث يمكن للفرد تغيير موطنه، ليس فقط من مدينة إلى أخرى داخل دولته، بل أيضًا من دولة إلى دولة أجنبية، في ظل الوضع الراهن الذي يشهد نمو العلاقات الدولية وتقدم وسائل الاتصال وانتقال الأفراد بين الدول، اضطرت الدول تحت ضغط احتياجات التجارة الدولية إلى السماح للأجانب بدخول أراضيها والإقامة فيها، ولا يخلو أي نظام قانوني من تحديد الأحكام الخاصة بدخول الأجانب وتنظيم إقامتهم، والتي قد تتخذ شكل موطن أو محل دائم لاستقرار الشخص ومصالحه، يُعرف الموطن عمومًا بأنه المكان الذي يقيم فيه الشخص عادةً ويتخذه مركزًا لممارسة نشاطه، يلعب الموطن دورًا مهمًا في الحياة القانونية الدولية للأفراد، حيث يساهم في توزيع الأفراد بين الدول بناءً على معايير أخرى غير الجنسية، تعتمد على العلاقة بين الفرد وإقليم الدولة، تُعتبر الإقامة بمثابة الموطن أو المكان الدائم الذي يستقر فيه الشخص ويُدير مصالحه. وبشكل عام، يُشير الموطن إلى المكان الذي يقيم فيه الفرد عادةً ويستخدمه كنقطة انطلاق لممارسة نشاطاته. يلعب الموطن دورًا هامًا في الحياة القانونية الدولية للأفراد، حيث يُساهم في توزيع الأفراد بين الدول بناءً على روابط أخرى غير الجنسية، تعتمد على العلاقة بين الفرد وإقليم الدولة، كما يُعتبر الموطن عنصرًا أساسيًا في مختلف مجالات القانون الدولي الخاص، حيث يُستخدم كمعيار لتحديد القانون الذي يجب تطبيقه في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية. وفيما يتعلق بالجنسية، لا يخلو أي تشريع وطني من اشتراط الإقامة أو التوطن كشرط للحصول على الجنسية الوطنية من خلال التجنس، أما بالنسبة للأجانب، فإن الأجنبي المقيم أو المتوطن في الدولة يُعامل بشكل خاص يختلف عن الأجنبي غير المتوطن. كما يُستخدم الموطن كمعيار لتحديد الاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية في النظر في المنازعات الدولية، وذلك في حال كان للمدعى عليه موطن أو محل إقامة في الدولة التي تنظر محاكمها هذه المنازعة.

  1. الهوامش:

    () النشرة القضائية ، العدد الأول ، السنة الثانية ، آذار ، 1972 ، رقم القرار 687 – حقوقية ثانية – 97 ، تاريخ القرار 30/1/1971.

  2. () د.معوض عبد التواب ، الوسيط في شرح قوانين الجنسية والاجانب والاختصاص القضائي وتنفيذ الاحكام الاجنبية ، ط1 ، مؤسسة سعيد للطباعة – طنطا ، 1983.

  3. () د.حسين عبد السلام جابر ، الموجز في أحكام القانون الدولي الخاص على أساس التشريع المصري في ضوء الفقه وأحكام القضاء ، 1985 .

  4. ()جابر إبراهيم الراوي ، شرح أحكام الجنسية في القانون الأردني ، دراسة مقارنة ، الدار العربية للتوزيع والنشر.

  5. ()غالب علي الداؤدي ، القانون الدولي الخاص الأردني ، الكتاب الثاني في الجنسية ، دراسة مقارنة ، ط2 (منقحة ومزيدة) ، 1998.

  6. ()عكاشة محمد عبد العال ، أصول القانون الدولي الخاص اللبناني والمقارن (الجنسية اللبنانية والإجراءات المدنية والتجارية الدولية) ، دار السؤال للنشر – دمشق ، 2001.

  7. () حسن الممي ، الجنسية في القانون التونسي .

  8. () غالب على الداؤدي ، القانون الدولي الخاص (النظرية العامة واحكام الجنسية العراقية) ، ط2 ، دار الحرية للطباعة – بغداد ، 1978..

  9. () جابر إبراهيم الراوي ، القانون الدولي الخاص في الجنسية وفقا لأحكام القانون العراقي
    والمقارن ، جامعة بغداد ، 1977.

  10. ()عز الدين عبد الله ، مصدر سابق .

  11. ()حسن الهداوي ، الجنسية ومركز الأجانب وأحكامهما في القانون العراقي ، مطبعة الإرشاد ، ط3 ، 1972.

  12. ()أحمد عبد الكريم سلامة ، د.محمد الروبي ، قانون الجنسية المصرية ومركز الأجانب ، مطبعة الإسراء، 2003.

  13. ()غالب علي الداؤدي ، (النظرية العامة واحكام الجنسية العراقية) ، مصدر سابق .

  14. ()عكاشة محمد عبد ألعال ، مصدر سابق .

  15. ()غالب الداؤدي ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق .

  16. ()ممدوح عبد الكريم حافظ ، القانون الدولي الخاص وفق القانونين العراقي والمقارن ، ط1، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1973 .

  17. () احمد عبد الكريم سلامة ، د. محمد الروبي ، مصدر سابق .

  18. ()هشام علي صادق ، الجنسية والموطن ومركز الأجانب ، المجلد الأول ، مصدر سابق .

  19. ()جابر جاد عبد الرحمن ، مجموعة قوانين الجنسية في الدول العربية ، معهد البحوث والدراسات ، 1970.

  20. () ممدوح عبد الكريم حافظ ، مصدر سابق . .

  21. () غالب علي الداؤدي ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق.

  22. () جابر إبراهيم الراوي ، مصدر سابق .

  23. () غالب علي الداؤدي ، القانون الدولي الخاص ( النظرية العامة وأحكام الجنسية العراقية ) ، مصدر سابق.

  24. () إبراهيم احمد إبراهيم ، القانون الدولي الخاص (الجنسية) ، دار النهضة العربية ، 2003.

  25. ()بدر الدين عبد المنعم شوقي ، الوسيط في القانون الدولي الخاص المصري ، (الجنسية ، الموطن ، مركز الاجانب) ، 2000.

  26. () يونس محمود كريم ، أحكام التجنس في قانون الجنسية العراقية (دراسة مقارنة) ، رسالة ماجستير، جامعة الموصل ، 2002.

  27. ()غالب علي الداؤدي ، القانون الدولي الخاص الأردني ، مصدر سابق .

  28. () Yvon Loussouarn , Pierre Bourel , Driot international prive , 1999, Dalloz, edition

  29. () code civil , 2003 , litec , paris.

  30. () Pierre mayer , Droit international Prive , 1977 , Montchrestien , edition , Paris.

  31. ()غالب على الداؤدي ، القانون الدولي الخاص (النظرية العامة واحكام الجنسية العراقية) مصدر سابق.

  32. ()ممدوح عبد الكريم حافظ ، مصدر سابق .

  33. ()جابر إبراهيم الراوي ، مصدر سابق .

  34. ()غالب علي الداؤدي ، القانون الدولي الخاص الأردني ، مصدر سابق .

  35. ()غالب علي الداؤدي ، (النظرية العامة واحكام الجنسية العراقية) ، مصدر سابق .

  36. ()جابر إبراهيم الراوي ، القانون الدولي الخاص في الجنسية ، مصدر سابق .

  37. ()إبراهيم احمد إبراهيم ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق .

  38. ()جابر إبراهيم الراوي ، القانون الدولي الخاص في الجنسية ، مصدر سابق .

  39. ()غالب علي الداؤدي ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق .

  40. ()غالب علي الداؤدي ، مصدر سابق.

  41. () قانون الجنسية والمعلومات المدنية العراقية رقم 46 لسنة 1999.

  42. ()غالب علي الداؤدي ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق.

  43. ()جابر إبراهيم الراوي ، القانون الدولي الخاص في الجنسية ، مصدر سابق.

  44. ()code civil , 2003 , Litec , paris.