مسؤولية الطبيب المدنية عن أخطاء الفريق الطبي
The doctor's civil liability for the medical team's errors
عمر محمود حميد1، محمد رياض دغمان1
1 الجامعة الإسلامية في لبنان، كلية الحقوق، قسم القانون الخاص.
DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj61/47
المعرف العلمي العربي للأبحاث: https://arsri.org/10000/61/47
الصفحات: 854 - 861
تاريخ الاستقبال: 2024-12-04 | تاريخ القبول: 2024-12-15 | تاريخ النشر: 2025-01-01
المستخلص: هدفت هذه الدراسة إلى البحث في مسؤولية( الطبيب المدنية عن اخطاء الفريق الطبي) وذلك من خلال البحث في الطبيعة القانونية لأخطاء الطبيب وبيان موانع المسؤولية المدنية والجزائية واسباب تحمل مسؤولية الطبيب ، حيث تم تقسيم الدراسة إلى مقدمة ومطلبين الاول هو تعريف الخطأ الطبي وصعوبة اثباته والذي بدوره شمل على صور الخطـأ الطبي وعبء إثبات الخطأ الطبي اما المطلب الثاني فكان عن مسؤولية الطبيب عن اخطاء فريقه الطبي . حيث تم الاعتماد في هذا البحث على مناهج البحث العلمي وهي المنهج الوصفي والمنهج التحليلي تم استخدام المنهج الوصفي و التحليلي من خلال وصف الحالة وما يترتب عليها في المجتمع وتحليل النصوص والمقارنات لمسؤولية الطبيب عن أخطاء فريقه الطبي وفي نهاية الدراسة تم التوصل إلى النتائج الآتية: يكون الطبيب مسؤولا عن اخطاء فريقه الطبي سواء تم تنفيذ الجراحة او لم يتم تنفيذها وذلك لان المريض لا يهمه من كان في الفريق انما همه هو اختياره للجراح حيث يكون الجراح محل ثقة للمريض وفقآ للعقد الذي يربطه به . وواجب على الطبيب ان يقدم للمريض العناية الواعية واليقظة حسب الاصول العلمية حيث ان اي اهمال او تقصير من الطبيب بعناية المريض يحاسب عليه قانونيا ومثال اخر عن الاهمال هو حين اجراء عملية جراحية دون اجراء الفحوصات الطبية اللازمة. اثبات الخطـأ الطبي يكون بواسطة تقارير يصدرها المتخصصون وبجميع طرق الاثبات الجنائي المعروفة من قبل شهادة الشهود وطبيب اخر او ممرض. تكمن صعوبة اثبات الخطـأ الطبي وذلك كون الملف بحوزة المستشفى ولا يتم الاطلاع عليه ال بأمر قضائي بالتفتيش.
الكلمات المفتاحية: المسؤولية، الطبيب، الأخطاء الطبية.
Abstract: This study aimed to investigate the doctor’s civil liability for the medical team’s errors, by researching the legal nature of the doctor’s errors and explaining the obstacles to civil and criminal liability and the reasons for bearing the doctor’s responsibility. The study was divided into an introduction and two requirements. The first was the definition of medical error and the difficulty of proving it, which in turn included the forms of medical error and the burden of proving medical error. The second requirement was about the doctor’s responsibility for the errors of his medical team. In this research, reliance was placed on scientific research methods, which are the descriptive method and the analytical method. The descriptive and analytical method was used by describing the case and its consequences in society, analyzing texts and comparisons of the doctor’s responsibility for the mistakes of his medical team, and at the end of the study the following results were reached: The doctor is responsible for the mistakes of his medical team, whether the surgery was performed or not. This is because the patient does not care about who was in the team, but his concern is his choice of the surgeon, as the surgeon is trustworthy for the patient according to the contract that binds him to him. The doctor must provide the patient with conscious and vigilant care according to scientific principles, as any negligence or negligence on the part of the doctor in taking care of the patient is held legally accountable. Another example of negligence is when performing a surgical operation without conducting the necessary medical examinations. Proof of medical error is through reports issued by specialists and all known criminal proof methods, including the testimony of witnesses and another doctor or your nurse. The difficulty of proving medical error is that the file is in the possession of the hospital and cannot be viewed except by a judicial order for inspection.
Keywords: Responsibility, doctor, medical errors.
المقدمة
تعد المسؤولية المدنية سواء أكانت عقدية ام تقصيرية أحد الأسس التي يقوم عليها النظام القانوني في المجتمع ، ومع تطور الحياة في وقتنا الحاضر، أصبح هناك مجالات عديدة تمتد لتشمل نطاق هذه المسؤولية وجبر الضرر والتعويض عنه ، إذ أن طبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض تقوم على التعاقد بين الطرفين على بذل مصلحة معينة للمريض (للتشخيص أو العلاج) في مقابل أجر فعند ممارسة الطبيب لعمله,، فإنه يدخل في علاقات متعددة مع المساعدين له من الاطباء, وبالتالي قد ينشأ عن فعل احدهم اضرار للمريض, مما يثير مدى مسؤولية الطبيب عن اخطاء الفريق الطبي المساعد له، إذ أن طبيعة العلاقة التي تربط بين الطبيب ومساعديه مسؤولية الطبيب قد ترتب مسؤولية شخصية يتحمل وزرها الطبيب فقط في الخطأ الذي يعزى له نتيجة اوامره لمرؤوسيه – المساعدين والممرضين- أو مسؤولية مشتركة إذا كان القانون يفرض التزامات محددة منذ اجراء العملية حتى النهاية([1])، وعليه سيقوم الباحث بتقسيم هذا البحث الى مطلبين وذلك للبحث في مسؤولية الطبيب عن اخطاء الفريق الطبي وذلك كما يلي:
المطلب الاول: مفهوم الخطأ الطبي ـ
المطلب الثاني: مسؤولية الطبيب عن أخطاء الفريق الطبي ـ
مشكلة البحث :
تتمثل مشكلة البحث في بيان مدى مسؤولية الطبيب عن اخطاء الفريق الطبي ، والتي تنشأ عند ممارسة الطبيب لعمله، وذلك من خلال الاستعانة بمساعدين له وبالتالي قد ينشأ عن فعل احدهم اضرار للمريض، وعليه تتمثل مشكلة الدراسة في الاجابة عن التساؤل الآتي : ما مدى مسؤولية الطبيب المدنية عن أخطاء الفريق الطبي.
أهمية البحث:
تكمن اهمية البحث في انه يبحث في موضوع في غاية الاهمية وذلك لأهمية العلاقة التي تربط بين الطبيب والمريض من جهة والفريق الطبي من جهة اخرى ، إذ يكتسب موضوع الخطأ الطبي في نطاق المسؤولية المدنية للطبيب اهمية كبيرة ، وذلك لما يتميز به الخطـأ الطبي من خصوصية تميزه عن غيره من الاخطاء والتي تتمثل بأنه لا يمكن تداركه ويؤثر على حياة الانسان ، وما يتميز به هذه البحث في انه يبحث في مسؤولية الطبيب عن اخطاء الفريق الطبي.
عناصر المشكلة :
تبرز عناصر مشكلة الدراسة من خلال الاجابة عن التساؤلات الاتية:
- ما هو مفهوم الخطأ الطبي ؟
- ماهي صور الخطأ الطبي ؟
- ماهي شروط قيام المسؤولية العقدية عن فعل الفريق الطبي ؟
- كيف تؤثر المسؤولية العقدية عن فعل الغير(الطبيب عن فريقه الطبي) ؟
أهداف البحث:
- توضيح مفهوم الخطأ الطبي وصوره.
- تحديد مسؤولية الطبيب عن أخطاء فريقه الطبي .
منهجية البحث :
سيعتمد الباحث في هذا البحث على مناهج البحث العلمي الاتية:
- المنهج الوصفي: والذي يعنى بوصف النصوص القانونية المتعلقة بموضوع مسؤولية الطبيب عن اخطاء فريقه الطبي .
- المنهج التحليلي : الذي يقوم بتحليل نصوص القانون والدراسات للوصول الى مدى قيام مسؤولية الطبيب عن اخطاء فريقه الطبي .
المطلب الاول
تعريف الخطأ الطبي وصعوبة اثباته
الطب من العلوم التي يحدث بها تقدم بصفة مستمرة قد يعجز الطبيب أحيانا عن ملاحقة كل جديد في هذا الميدان واستيعابه، وفي ضل هذه التعقيدات اضحى من الصعوبة إثبات الخطأ الطبي، وذلك لعدم وجود أطر قانونية وإجراءات عمل شاملة وموحدة ومكتوبة للتحقيق في قضايا الأخطاء الطبية وعدم تنظيم أحكام المسؤولية الطبية أدى الى صعوبة التحقيق في الجرائم الناتجة عن سلوك الطبيب الخاطئ وأثباته امام المحاكم.
أولا : تعريف الخطأ الطبي
قد يقع من الطبيب أيضا جرائم غير عمدية أثناء ممارسته مهنته نتيجة خطأه الطبي غير المقصود، لكن التشريعات لم تتطرق الى تعريف الجريمة غير العمدية ولا حتى للخطأ الجزائي، مما جعلها مهمة الفقه والقضاء، فقد اعتبر الفقه الخطـأ بشكل عام بأنه انحراف عن السلوك الواجب اتخاذه لتحقيق النتيجة المقصودة، أما الخطأ الطبي بصفة خاصة فهو ينحصر في عدم تقيد الطبيب بالالتزامات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، وهو كل نشاط إرادي أو سلبي لا يتفق والقواعد العلمية المتعلقة بممارسة مهنة الطب([2]) .
إذا يتحقق الخطأ الطبي من خلال عدم تقيد الطبيب بالالتزامات والقواعد والاصول الطبية الفنية والخاصة التي تفرضها عليه مهنته إذا انحرف الطبيب عن السلوك العادي ببذل عناية اليقضة والتبصر والحذر وأضر بذلك الغير ، وجب مساءلته جزائيا ، فيكون معيار خطأ الطبيب هو معيار موضوعي يقيس الفعل على اساس سلوك معين هو سلوك الشخص العادي([3]).
وبشكل عام يقصد بالخطأ الطبي بأنه خطأ مسلكي ارتكب من قبل طبيب ممارس لمهنة الطب ولذلك يسمى بالخطأ المهني، ويجب تفريقه عن الخطأ العادي المرتكب من قبل طبيب آخر ارتكب حادث بسيارته، أو تناول خمرا وتشاجر مع جيرانه([4]) .
فالمرجعية الاساسية للخطأ الطبي هو قانون مزاولة الطب، حيث ان كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، والمسؤولية التقصيرية تنشأ بسبب خطأ مرتكب من قبل شخص قد سبب ضررا لشخص آخر لا تربطه رابطة عقدية، وأركانها (الخطأ) (الضرر)، (العلاقة السببية بينهما)، أما المسؤولية العقدية يكون ركن الخطأ مستندة للعقد([5]) .وهنا يجب التمييز بين الخطأ الطبي والاختلاطات الاخرى، فالفرق بين الحالات المعروضة على القضاء لجهة الضرر الحاصل بالمريض إذا نجم الضرر والموت عن اختلاطات من داخل الجسد لم يكن سببا لها الطبيب المعالج، وإن كام يتوقعها،(وهذه هي الاختلاطات) فإن ذلك ينفي المسؤولية عن الطبيب المعالج.
أما إذا تفاقم المرض أو حصل اختلاط للمريض ناجم عن المعالجة المقدمة له من الطبيب بشكل خاطئ، فإن المسؤولية لا تلحق بالطبيب ، ما لم يكن الخطأ جسيمآ ،ولا يقع به ذو اختصاص، ويبقى الضرر اللاحق عن طريق التعويض للمريض أو المصاب(1) . ويمكن إجمال صور الخطأ الطبي بالصور التالية(2) :
- الرعونة : يقصد بها سوء التقدير أو نقص المهارة والمعرفة والجهل بالمبادىء التي يتعين العلم بها للقيام بالعمل، فيدخل فيها طائفة الاخطاء المهنية التي يرتكبها الاطباء، من اهمها التوليد والجراحة.
- الإهمال أو عدم الانتباه: يقصد به التفريط أو عدم الانتباه (سلوك سلبي) وترك أو عدم اتخاذ ما يكفي من الحيطة والحذر للحيلولة دون وقع الخطـأ، اي لو قام بها الفاعل لتجنب وقوع النتيجة التي يقوم عليها التجريم ، كمثل إهمال الطبيب مراقبته المريض بعد العملية الجراحية فيصاب بمضاعفات، أو إجراء عملية جراحية دون إجراء الفحوصات الطبية اللازمة. ([6])
- عدم الاحتياط أو قلة الاحتراز : يقصد به عدم الانتباه لخطر كان متوقعا ومعروفا ولكن الطبيب لم يفعل شيئا لتجنب النتيجة، فأدى ذلك لأضرار المريض، كمثال على ذلك حقن مريضة بمادة الانسولين دون تحليل سابق حول مدى قابلية المريضة لذلك ووضع مولودة بمحضنة درجة حرارتها مرتفعة جدا ، ونقل دم دون التأكد من فصيلته مما ادى الى وفاة الضحايا و إدانته الاطباء المتسبب في ذلك([7]) .
- عدم مراعاة الانظمة واللوائح : يقصد به عدم مطابقة تصرفات الطبيب للنصوص القانونية والانظمة المختلفة المتعلقة بمهنة الطب، مما يؤدي الى إلحاق ضرر بالغير، كمثل ممارسة مهنة الطب بدون رخصة .
إذن يعتبر الخطأ الطبي هو عدم تقيد الطبيب بالالتزامات والقواعد والاصول الطبية الفنية والخاصة التي تفرضها عليه مهنته اذا انحرف الطبيب عن السلوك العادي ببذل عناية اليقظة والتبصر والحذر وأضر بذلك الغير وجب مساءلته جزائيا، فيكون معيار خطأ الطبيب هو معيار موضوعي يقيس الفعل على أساس سلوك معين وهو سلوك الشخص العادي.
ثانياً: عبء إثبات الخطأ الطبي
حتى تكتمل المسؤولية الجزائية للطبيب لابد من فعل ضرر وعلاقة سببية بينهما فالمسؤولية الجزائية المذكورة لا تقوم إلا إذا ارتكب الطبيب أحد الاخطاء التي اشرنا اليها في المحور الثاني من هذه الدراسة وهي : الاهمال وعدم الاحتياط والانتباه وعدم مراعاة الانظمة والرعونة ويجب أن يترتب على ذلك ضرر للمريض ناتج عن تلك العناصر، فإن لم يقع أي ضرر يتابع الطبيب على مسألة الخطـأ التأديبي فقط كما أن مسألة إثبات الخطأ الطبي أهم مسألة في مراحل الدعوى ويقع على المريض عبء إثبات وقوع الخطأ ومن ثم وقوع الضرر، ومعها إثبات العلاقة السببية بينهما([8]).
وقد استقر الفقه والقضاء على نوع الخطأ الطبي الذي يصلح للمسألة الجزائية للطبيب: وهو خطئه مهما كان نوعه سواء كان فنيا او غير فني جسيما او غير جسيم كما ينص على قانون الصخة العمومية، بحيث يتابع كل طبيب أو صيدلي أو جراح أسنان أو مساعد طبي على كل تقصير مهني يرتكبه خلال ممارسته مهامه أو بمناسبة القيام بها ويلحق ضررا بالسلامة البدنية لأحد الأشخاص أو بصحته([9]).
كما ان الضرر المطلوب للمساءلة الجزائية للطبيب هو كل أذى يصيب الإنسان في جسمه أو ماله أو شرفه أو عواطفه([10]) ، طبقآ للقواعد العامة التي تحكم الضرر والخطأ فلا مسؤولية جزائية بخطأ دون حدوث ضرر . وأن تكون علاقة سببية بين الخطأ الطبي المرتكب والضرر الحاصل للمريض، فيكون ذلك الخطأ هو السبب المباشر والمنتج للضرر([11]) .
يقع عبء اثبات الخطأ الطبي على عاتق المريض وعليه اثبات ان الطبيب لم يبذل العناية اللازمة كأن يقيم الدليل على إهماله أو انحرافه على أصول الفن الطبي المستقرة فلا يجوز إذن افتراض الخطأ الطبي بل هو واجب الإثبات([12]).
فشل الطبيب في العلاج بسبب نقص مهاراته (نقص كفاءته) لا يعد خطأ جزائيا إلا إذا كان فادحا كأن يحقن مادة دون مراعاة آثارها الجانبية فتودي بحياة المريض ، وللنيابة العامة دور في إثبات الخطأ الطبي أيضا بطلب خبرة .
صعوبات اثبات الخطأ الطبي : تعتزي المريض عدة صعوبات إثبات الخطأ الطبي هي كون الملف الطبي يبقى بحوزة المستشفى ، ويدخل الاطلاع عليه سرا مهنيا الا بأمر قضائي بالتفتيش ، كما انه قد تضطر العدالة الى تعيين خبير لإثبات الخطأ من نفس القطاع فماذا يضمن نزاهته وعدم تحيزه([13]).
المطلب الثاني
مسؤولية الطبيب عن اخطاء الفريق الطبي
أصبح الطبيب في الوقت الحاضر نظرآ للتطورات التي شهدها المجال الطبي ، وخاصة في مجال الجراحة عاجزآ بمفرده ، عن الالمام بجميع تفاصيل العلاج الذي تستوجبه الحالة المرضية التي امامه، فكان من انعكاسات هذا التطور تقلص العمل الفردي ، وفسح المجال للعمل الجماعي فيها مجسدآ في صيغة الفريق الطبي، اذ قد يستعين الطبيب بمساعد له أثناء الجراحة ليساعده خصوصـآ في بعض الاعمال الطبية السابقة أو اللاحقة لأصل العمل العلاجي ( التدخل الجراحي ) مثل فتح المكان من الجسم الذي يحتاج للجراحة ثم خياطة الجرح بعد انتهاء الجراحة، كما إن الاستعانة تكون ضرورية بطبيب التخدير الذي يجهز المريض للجراحة، وعادة ما تثور مسؤولية الطبيب عن فعل الغير بصدد مسؤولية الجراح عن اعمال طبيب التخدير([14]).
إذ أن الاصل أن يسأل الشخص عن خطئه الشخصي فقط ، فتحقق مسؤولية الطبيب المعالج عند خروجه عن القواعد الفنية والاصول العلمية الثابتة في علم الطب ، ومن جهة اخرى فإن استعانته بمساعدين لتنفيذ التزامه ، يجعل مسؤولآ عن اخطائهم.([15])
حيث رأى البعض أن دور المساعد يبقى محدودآ بما يرسمه رئيس الفريق الطبي ، الذي يبقى صاحب الرؤية الكاملة على العلاج ، فهو وحده الذي يستطيع اتخاذ القرارات الملزمة له ، مما يؤدي الى تركيز المسؤولية على عاتقه([16]).
ولا تثور المسؤولية العقدية عن فعل الغير الا اذا كان الجراح قد اتفق مع الطبيب المساعد وليس المريض، فمثلآ أن الفريق الطبي للطبيب يتضمن طبيبآ للتخدير لا يتعامل مع غيره ، ولهذا لا يكون للمريض أي دور في اختيار طبيب التخدير، فطبيب التخدير يكون مفروضآ على المريض من قبل الجراح أو من قبل المستشفى ، ولا تكون هناك علاقة عقدية إلا بين الجراح والمريض أو بين المستشفى والمريض، ولا توجد علاقة عقدية بين المريض وطبيب التخدير.
بناء عليه إذ ارتكب طبيب التخدير خطأ فإن الجراح يكون مسؤولآ مسؤولية عقدية عن ذلك فخطأ طبيب التخدير يؤدي الى عدم تنفيذ التزام الجراح ببذل العناية اللازمة في علاج المريض ، إذ أن طبيب التخدير ليس اجنبيآ عن العقد على اساس ان الجراح هو الذي عهد إليه بمساعدته في القيام بالجراحة أي أداء التزامه تجاه المريض ، ويجب التأكيد على إن مسؤولية الطبيب المعالج عن خطأ طبيب التخدير لا تخل ولا تنقص من استقلال طبيب التخدير من حيث تخصصه في عمله المهني ، فمسؤولية الطبيب المعالج لا ترجع الى ان طبيب التخدير تابع او خاضع له في اداء عمله المهني، فمسؤولية الطبيب المعالج لا ترجع الى ان الجراح وحده هو المتعاقد مع المريض ، ومن ثم يلتزم ببذل العناية اللازمة لعلاجه ، وطبيب التخدير لم يلتزم تجاه المريض وإنما يمارس عمله بناء على اتفاق مع الجراح ، فالمساعدة لا تعني التبعية وإنما تعني التعاون المتبادل.
إن الطبيب عند تأديته لالتزامه قد يكون منفردآ وقد يعمل معه مساعدون له في التنفيذ ، وحينئذ يكون مسؤولآ عنهم وعن اخطائهم في التنفيذ او حالة عدم التنفيذ ، ذلك لان المريض لا يهمه إلا أن يتم تنفيذ هذا الالتزام بواسطة من اختاره من الجراحين دون ان يهتم بمن يستعين بهم الجراح من مساعدين وعلى ذلك فإن المدين بالالتزام (الطبيب) يضمن تنفيذه ، ولا يجوز له أن يدعي انتفاء خطئه وعدم مسؤوليته وإسناد الخطأ الى الاشخاص الذين يستخدمهم في تنفيذ الالتزام، لان مثل هذا القول يقلل الى حد كبير من قيمة العلاقات التعاقدية وما يقوم عليه العقد من ثقة متبادلة بين طرفي العقد ، فالجراح يكون مخلآ لثقة المريض ويلتزم وفقآ للعقد الذي يربط به أن يقدم له العناية الواعية واليقظة للأصول العلمية ، ويسأل بالتالي عن الاخطاء التي يرتكبها الطبيب الذي عهد اليه بتخدير المريض، فإذا كان الالتزام الوارد بالعقد بتحقيق نتيجة، فيكون خطأ الفريق قد وقع عند عدم تحقق النتيجة، وإذا كان الالتزام ببذل العناية ، فيكون الخطأ قد وقع بعدم بذل العناية المطلوبة، بشرط أن يكون قد احدث الضرر خال تنفيذ العقد أو بسبب تنفيذه([17]).
وعلى ذلك فإنه يمكن القول أنه يشترط لقيام المسؤولية العقدية عن فعل الفرق الطبي تواف شرطين هما([18]):
أولآ : ان يكون هناك عقد صحيح بين الطبيب والمريض، فإذا لم يكن العقد صحيحآ بأن كان باطلآ فإنه يترتب على بطلانه .
ثانيآ : أن يتولى غير المدين تنفيذ العقد سواء بناء على نص قانوني كحالة النائب القانوني ، أو بناء على اتفاق كحالة اتفاق الجراح مع طبيب التخدير ، إذ أن اشتراك الجراح وأحد أعضاء فريقه الطبي في المسؤولية ضمن الفريق الطبي هو الحل الامثل الذي يجنب المريض عناء البحث عن مرتكب الخطأ الطبي داخل الفريق الطبي ، إلا إن هذه الفكرة لا تبتعد كثيرآ عن المسؤولية التضامنية ، حيث ينحصر وجه التمييز بينها وبين المسؤولية التضامنية في مجرد الاختلاف في الطبيعة ، ففي المسؤولية التضامنية توجد عدة روابط قانونية والتزامات متعددة للمسؤولية في مواجهة مصلحة المضرور ، وبعبارة أخرى فإن الالتزام التضامني يحلل من ناحية اعضاء الفريق الى عدة ديون متميزة قد تكون من طبائع متباينة ، بحيث تكون مسؤولية أحد المسؤولين عقدية وتكون الاخرى تقصيرية ، أما في التضامن يكون مصدر الدين لجميع المسؤولين هو المسؤولية القانونية أو المسؤولية التقصيرية([19])،
أما في الحالة التي يكون فيها تكوين الفريق الطبي من قبل الطبيب المعالج بسبب ضرورات العمل، ففي هذه الخالة سيبقى الطبيب مسؤولآ امام المريض مسؤولية مدنية عن كل خطأ طبي ثابت في حقه، وألحق بالمريض ضررآ, وكذلك باقي أعضاء الفريق الطبي فلا يربطهم أي صلة مع المريض ، لذا تكون المسؤولية تجاهه تكون تقصيرية، ويسأل كل منهم عن مسؤوليته التقصيرية تجاه المريض وفقآ لنص المادة (256) من القانون المدني الاردني لسنة 1976 ، والتي نصت على (كل اضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر ) .
كما اشارت المادة (265) من القانون السابق ( اذا تعدد المسؤولون عن فعل ضار، كان كل منهم مسؤولآ بنسبة نصيبه فيه وللمحكمة أن تقضي بالتساوي أو بالتضامن والتكافل فيما بينهم ) ، وفي هذه الحالة التي يشترك فيها عدد من الاطباء في احداث الضرر بالمريض ، ولم يرتبط المريض مع أي منهم بعقد طبي ، المسؤولية لتقصيرية في هذه الحالة على اساس مسؤولية المتبوع عن فعل التابع، والتي نظم احكامها المشرع الاردني في المادة (288/ب) مدني ، والتي نصت بــأنه:
- لا يسأل أحد عن فعل غيره، بناء على طلب المضرور إذا رأت مبررآ ان تلزم بأداء الضمان المحكوم به على من اوقع الضرر
- من كانت له على من منه الاضرار سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه ولو لم يكن حرآ في اختياره اذا كان الفعل الضار التابع في حال تأدية وظيفته او بسببها ولمن ادى الضمان أن يرجع بما دفع على المحكوم عليه به .
و تطبيقا لما سبق ، قضت محكمة التمييز الاردنية في عدة قرارات لها بمسؤولية المتبوع عن فعل التابع في مجال الخطأ الطبي ضمن الفريق الطبي ، فقد قضت بأنه (إذا كان ما حصل من خطأ طبي حصل في المستشفى ومن الكادر الطبي الذي كان متواجد في غرفة العمليات وهؤلاء تابعين له وهو مسؤول عن اخطائهم مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعه وفقآ لأحكام المادة 1/288/ب من القانون المدني باعتبار إن المتضررين في هذه الدعوى من الغير )([20]).
وعليه فإن مسؤولية الطبيب عن أخطاء فريقه الطبي يكون مسؤولآ عنهم وعن اخطائهم في التنفيذ أو في حالة عدم التنفيذ ، ذلك لان المريض لا يهمه إلا أيتم تنفيذ هذا الالتزام بواسطة من اختاره من الجراحين دون ان يهتم بمن يستعين بهم الجراح من مساعدين .
الخاتمة والنتائج
إن مسؤولية الطبيب عن أخطاء فريقه الطبي تعني أن يكون مسؤولآ عنهم وعن أخطائهم في التنفيذ أو في حالة عدم التنفيذ ، وذلك لان المريض لا يهمه إلا أن يتم تنفيذ هذا الالتزام بواسطة من اختاره من الجراحين دون أن يهتم بمن يستعين بهم الجراح من مساعدين .
وعلى ذلك فـإن المدين بالالتزام (الطبيب) يتضمن تنفيذه ، ولا يجوز له أن يدعي إنتفاء خطئه وعدم مسؤوليته و إسناد الخطأ الى الاشخاص الذين يستخدمهم في تنفيذ الالتزام ، لأن مثل هذا القول يقلل الى حد كبير من قيمة العلاقات التعاقدية وما يقوم عليه العقد من ثقة متبادلة بين طرفي العقد ،فالجراح يكون محلآ لثقة المريض ويلتزم وفقآ للعقد الذي يربطه به أن يقدم العناية الواعية واليقظة للأصول العلمية ، ويسأل بالتالي عن الاخطاء التي يرتكبها الطبيب الذي عهد اليه بتخدير المريض ، فإذا كان الالتزام الوارد بالعقد بتخقيق نتيجة ، فيكون خطأ الغير قد وقع عند عدم تحقق النتيجة ، وإذا كان الالتزام ببذل العناية ، فيكون خطأ الغير قد وقع بعدم بذل العناية المطلوبة , بشرط أن يكون الغير قد أحدث الضرر حال تنفيذ العقد أو بسبب تنفيذه.
قائمة المراجع
- الشورة ، فيصل عايد (2015) الخطأ الطبي في القانون المدني الاردني ، رسالة ماجستير , جامعة الشرق الاوسط ، عمان .
- الجوهري ، محمد فائق (1998) ، المسؤولية الطبية في قانون العقوبات ، رسالة دكتوراه ـ جامعة فؤاد الاول ، القاهرة .
- العبيدي ، علاء الدين (1999) المسؤولية الطبية عن فغل الغير، دار إثراء ، عمان ، ط1 .
- جابر، أشرف (2008) التأمين من المسؤولية المدنية للاطباء ، دار النهضة العربية ، القاهرة .
- البيه، محسن عبد الحميد (1993) ، خطأ الطبيب الموجب للمسؤولية المدنية ، مكتبة الجلاء الجديدة ، المنصورة .
- الحياري ، احمد حسن عباس (2003)، المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء النظام الاردني والنظام القانوني الجزائري ، عمان ، دار الثقافة للنشر والتوزيع .
- الصالحي، محمود (2012) ، مفهوم المسؤولية الجزائية في القانون الجنائي ، دار الثقافة للتوزيع والنشر ، عمان .
- حسن الابراشي (1992)، مسؤولية الاطباء والجراحين المدنية في التشريع المصري المقارن، اطروحة دكتوراه ، مصر .
- شريف الطباخ (2005) ، جرائم الخطأ الطبي والتعويض عنها ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية .
- مخلوف ، عادل (2015 )، التقارير الطبية ، القاهرة ، المركز المصري لابحاث وعلوم الادلة الجنائية والطب الشرعي .
الهوامش:
-
() الشورة ـ فيصل عايد (2015) الخطأ الطبي في القانون المدني الاردني ، رسالة ماجستير الشرق ،جامعة الشرق الاوسط ، عمان ص 65 . ↑
-
() الصالحي، محمود(2012)، مفهوم المسؤولية الجزائية في القانون الجنائي، دار الثقافة للتوزيع والنشر ، عمان ، ص13 ↑
-
() الحياري ،احمد حسن عباس(2003)،المسؤولية المدنية للطبيب في ضوء النظام الاردني والنظام القانوني الجزائي دار الثقافة للنشر والتوزيع ،ص 44 ↑
-
() البيه، محسن عبد الحميد(1993)، خطـأ الطبيب الموجب للمسئولية المدنية، مكتبة الجلاء الجديدة ،المنصورة ، ص 216 . ↑
-
() شريف الطباخ(2005) ، جرائم الخطـأ الطبي والتعويض عنها، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ، ص 39 . ↑
-
() الحياري، أحمد حسن عباس، مرجع سابق ، ص 199 . ↑
-
() الجوهري، محمد فائق (1998)، المسؤولية الطبية في قانون العقوبات، رسالة دكتوراه ، فؤاد الاول ، القاهرة، ص 124 . ↑
-
() حسن الابراشي (1992) ، مسؤولية الاطباء والجراحين المدنية في التشريع المصري المقارن، اطروحة دكتوراه، مصر، ص 110 . ↑
-
() مخلوف، عادل (2015) ، التقارير الطبية، المركز المصري لأبحاث وعلوم الادلة الجنائية والطب الشرعي ، ص 2 . ↑
-
() الحياري، أحمد حسن عباس ، مرجع سابق ، ص 158 . ↑
-
() حسن الابراشي ، مرجع سابق ، ص 145 . ↑
-
() البيه ، محسن عبد الحميد ، مرجع سابق ، ص 145 . ↑
-
() حسن الابراشي ، مرجع سابق ، ص 88 . ↑
-
() الشوره ، فيصل ، مرجع سابق ، ص 66. ↑
-
() حسن الابراشي ، مرجع سابق ، ص 91 ↑
-
() الشوره ، فيصل ، مرجع سابق ، ص 67 . ↑
-
() العبيدي ، علاء الدين (1999) المسؤولية الكبية عن فعل الغير ، دار إثراء، عمان ، ط1 ، ص 216 . ↑
-
() العبيدي ، مرجع سابق ، ص 217 . ↑
-
() جابر ، أشرف (2008) التأمين من المسؤولية المدنية للأطباء ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط 1 ، ص 108 . ↑
-
() تمييز أردني رقم 365/2005 تاريخ 25/5/2005 م ، منشورات مركز عدالة ↑