أَثَرُ الاِجتِهادِ الجَماعِيِّ في تَحقيقِ وَحدَةِ الأُمَّةِ الإسلاميَّة وَقُوَّتِها
The impact of collective reasoning on achieving the unity and strength of the Islamic nation
بسام عدنان الكراد1
1 جامعة الزيتونة، تونس. بريد الكتروني: bassam.alkraad@gmail.com
DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj61/5
المعرف العلمي العربي للأبحاث: https://arsri.org/10000/61/5
الصفحات: 71 - 80
تاريخ الاستقبال: 2024-12-04 | تاريخ القبول: 2024-12-15 | تاريخ النشر: 2025-01-01
المستخلص: مع تعذُّر وقوع الإجماع في وقتنا المعاصر، وما قد يعتري الاجتهاد الفردي من قصور أو عدم إحاطة شرعية أو علمية تامة، كان الاجتهاد الجماعي هو الملاذ الآمن والأكثر قرباً من الصواب في معرفة حكم الله في المسألة المستجدة أو الواقعة النازلة في أغلب الأحوال، وهو في الوقت نفسه أحد أهم عوامل توحيد الأمة المسلمة ورصِّ صفوفها وجمع كلمتها وتفعيل قوتها النائمة أو المسلوبة أو المبددة، والاجتهاد الجماعي على الرغم من بعض السلبيات التي وجهها البعض له، إلا أنّ إيجابياته وفوائده وآثاره أقوى بأضعاف من سلبياته، ولتلافي هذه السلبيات قدمت في نهاية البحث مقترحاً لآليات تفعيل الاجتهاد الجماعي محاولاً التخفيف أو الحدّ من تلك السلبيات، وجاء البحث مؤلفاً من مقدمة تضمنت أهمية البحث وأهم الأسئلة التي سوف يجيب عنها، ثم بدأ البحث ببيان مفهوم الاجتهاد المطلق والجماعي، ثم انتقل للحديث عن جذور الاجتهاد الجماعي في التاريخ التشريعي، ثم لتحديد محلّ الاجتهاد الجماعي المعاصر، ثم لبيان السلبيات والإيجابيات وأثر ذلك على وحدة الأمة المسلمة، ثم لذكر بعض النماذج التطبيقية عليه، ثم ليقدم مقترح هيكلي لتفعيل الاجتهاد الجماعي، وانتهى البحث بخاتمة تضمنت أهم النتائج والتوصيات.
الكلمات المفتاحية: الاجتهاد، الاجتهاد الجماعي، وحدة، الأمة المسلمة، جذور الاجتهاد، محل الاجتهاد، الإجماع، الشورى.
Abstract: “With the impossibility of achieving consensus in our contemporary time, and what may affect individual reasoning from deficiency or lack of complete legal or scientific knowledge, collective reasoning was the safe haven and the closest to the truth in knowing Allah’s ruling on the emerging issue or the occurring situation in most cases, and it is at the same time one of the most important factors for unifying the Muslim nation and strengthening its ranks and uniting its word and activating its dormant or lost or wasted power, and collective reasoning despite some of the negatives that some have directed to it, but its positives and benefits and effects are stronger by multiples than its negatives, and to avoid these negatives I presented at the end of the research a proposal for mechanisms to activate collective reasoning, trying to reduce or limit those negatives, and the research came composed of an introduction that included the importance of the research and the most important questions that it will answer, then the research began by explaining the concept of absolute and collective reasoning, then moved to talk about the roots of collective reasoning in the legislative history, then to determine the place of contemporary collective reasoning, then to state the negatives and positives and their impact on the unity of the Muslim nation, then to mention some of the applied models on it, then to present a structural proposal to activate collective reasoning, and the research ended with a conclusion that included the most important results and recommendations.
Keywords: reasoning, collective reasoning, unity, Muslim nation, roots of reasoning, place of reasoning, consensus, consultation.
مقدِّمة
كان الاجتهاد ولا يزال أحد الأصول التشريعية الأساسية التي بها عموماً وبالاجتهاد على وجه الخصوص تدوم هذه الشريعة غضّةً طريَّة منسجمة مع تطورات الحياة وتقلُّباتها، وتمتد ظلالها الوارفة لتغطِّي مختلف جوانب الحياة ونظمها القديمة والحديثة والمستقبلية، ولـمَّا كانت الشريعةُ الإسلاميَّةُ خاتمةً للشَّرائع السَّماوية فقد أودع الله فيها من الخصائص والمزايا ما يجعلها صالحةً لكل زمان ومكان حتى يرثَ الله الأرضَ ومَن عليها، وجعلها مواكبةً لكل النَّوازل والوقائع المستجدَّة التي غالباً ما تكون ملامِسةً لعموم الأمّة المسلمة، ومجاريةً للتَّطوُّرات مهما كانت متسارعة. ومن أوسع تلك الخصائص أو المزايا وأقواها وأكثرها مرونة الاجتهادُ في فيما لا نصَّ، أو فيما فيه نصٌّ يحتمل الاجتهاد، أو تحقيق مناط ([1]) أصل قطعي، فالاجتهاد هو النَّبعُ الذي لا ينضب، والموردُ الذي يروي ظمأ كل فقيه، ويسدُّ كلَّ خَلَّة، وهو الجسرُ الواصل بين المصادر التشريعية المعتبرة وبين المسائل المستحدثة الوقائع والنوازل المستجدة، وربما لا أكون مبالغاً إن قلتُ بأن الاجتهاد هو صورة لاستمرار وحي السماء وكأنه به لم ينقطع، وبه يبقى غضاً طرياً حيّاً بين أظهرنا، لا تغيب شمسه، ولا ينطفئ نوره.
ولعلَّ القارئ الكريم يدور في خَلَدِهِ السؤال الآتي:
لماذا عدلتَ عن الإجماع إلى الاجتهاد الجماعي في عنوان المقال؟
أليس الإجماع هو أقوى دلالةً وأثراً، وأولى في تحقيق وحدة الأمة المسلمة وقوتها وجمع كلمتها؟
وللإجابة عن ذلك لا بدَّ من بيان معنى الإجماع بتعريفه، فهو: “اتفاق المجتهدين من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في عصر من العصور على حكم شرعي”،([2]) والإجماع بهذا التعريف الذي ذهب إليه جمهور العلماء متعذر الوقوع، ومما يعسر حصوله بالنسبة للأمور الاجتهادية الظنية لا القطعية، فلذلك عدلتُ عنه إلى الاجتهاد الجماعي لِيُسره بل لتحقُّقه ووقوعه بشكل عملي ملموس، فهو الأقرب والأكثر فاعلية ليكون عاملاً من أهم عوامل توحّد الأمة الإسلامية وقوتها على مختلف الأصعدة.
أهمية البحث وأسئلته:
تتمثل أهمية هذا البحث في أنه يبيّن مدى فاعلية الاجتهاد الجماعي في توحيد الأمة المسلمة، وفي التعويض عن توقف الإجماع، وفي التقليل أو الحدّ من الشذوذ الفكري أو الاجتهادي، كما أنه يحاول تفنيد الطعون الموجَّهة إليه وإيجاد الآليات المخفَّفة منها، والبحث يحاول الإجابة عن أسئلة عديدة أهمها: ما الفرق بين الإجماع والاجتهاد الجماعي؟ ما أهم سلبيات وإيجابيات الاجتهاد الجماعي؟ هل يعتبر الاجتهاد الجماعي عامل من عوامل توحيد الأمة الإسلامية؟ ما السبيل للحدّ أو تقليل الانتقادات الموجه للاجتهاد الجماعي؟ هل الاجتهاد الجماعي هو فكرة جديدة معاصرة أو أنّ لها جذروها الضاربة في تاريخ التشريع الإسلامي؟
- تحديد مفهوم الاجتهاد مطلقاً والاجتهاد الجماعي:
ولتحديد مفهوم الاجتهاد سواء أكان فردياً أم جماعياً لا بدَّ من الوقوف على تعريفه العامِّ والخاص.
1. 1. تعريف الاجتهاد:
تعريف الاجتهاد بشكل مطلق: هو “بذل الفقيه وُسعَه في استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية”.([3])
1. 2. تعريف الاجتهاد الجماعي:
الاجتهاد الجماعي: هو “اتفاق أكثر من فقيه أو باحث متخصص بالفقه –وإن لم يبلغ درجة الاجتهاد– على حكم شرعي بعد بذلهم غاية وُسعهم في استنباطه من أدلته”.([4])
والملاحظ أنَّ (بذل غاية الجُهد أو استفراغ الوُسع) هو الجزء الأساسي أو العامل المشترك في تحديد مفهوم الاجتهاد العام أو الجماعي سواء في التعريفين السابقين أو غيرهما من التعريفات التي نصَّ عليها مختلف العلماء المتقدمين والمتأخرين أو المعاصرين عند تعريفهم للاجتهاد، وهذا الجزء الأساسي في حال تحقُّقه من قِبَل أكثر من فقيه في مسألة معينة ثم وقوع اتفاقهم على إصدار حكم واحد في تلك المسألة هو لعمري أقوى في إصابة حكم الله في تلك المسألة، ولهو أدعى في القبول، وأكثر طمأنينة في النفس، فهو مع كونه في ذاته حجة ظنية إلا أنَّه أقرب ما يكون للإجماع السكوتي في كثير من المسائل.
- وَقفة مع جذور الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي:
إذا ما اعتبرنا الشورى أحدَ أُسُس أصول التشريع الإسلامي ومبدأً عامَّاً من مبادئه التي لا مراء فيها، فإن الاجتهاد الجماعي العلمي الفقهي أصل تشريعي وأسلوب استنباط فقهي يجسد روح تلك الشورى في أروع صورة من صورها وأخطرها في الوقت ذاته، حيث تأتي مكانته بعد الإجماع دون أن يلغيه بل هو السبيل المُفضي إليه ومقدمة من مقدماته التي لا مناص منها في كثير من الأحيان، وهو فوق القياس وفوق كل اجتهاد فردي بنحو عام، وإذا ما أردنا أن نوجد العلاقة أو الجامع المشترك بين هذه الأمور الثلاثة الشورى والاجتهاد الجماعي والإجماع فلسوف نجد أنها علاقة متداخلة متسلسلة يكمِّل بعضها بعضاً، فالأمر يبدأ بالشورى، والشورى وإن كان فيها أكثر من اتجاه إنما ينتج عنها اجتهاد جماعي في الأعم الأغلب من خلال اتفاق أصحاب كل اتجاه على رأي أو حكم واحد، أو من خلال اتفاقهم على حكم أو رأي واحد في حال عدم الاختلاف، وهذا الاجتهاد الجماعي إنما هو مقدمة تفضي إلى الإجماع في حال اتفاق جميع مجتهدي العصر على ذلك الحكم، فالاجتهاد عموماً ينتقل في أطوار ثلاثة، أولها الاجتهاد الفردي، ثم يتطور لينقل إلى مرحلة الاجتهاد الجماعي، ثم يتطور ليحط رحاله عند الطور الأخير وهو الإجماع، وتتفاوت قوة حجية الحكم الصادر في كل طور من هذه الأطوار بشكل تصاعدي من الظنّ إلى الطمأنينة حتى يصل لمرحلة اليقين القطعي الذي يُقفل البحث معه ولا يجوز لمجتهد يأتي بعده أن يقربه بالاجتهاد، ويعتبر مبدأ الشورى هو عماد الطور الثاني والثالث.
وكما أنّ مبدأ الشورى تأسَّس وقامت أركانه بأمر من الله، حيث أمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بشورى المؤمنين فقال تعالى: {فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمتَ فتوكَّل على الله إنَّ الله يحبُّ المتوكِّلين}،([5]) ووصف سبحانه عباده المؤمنين بأنَّ أمرهم بينهم شورى: {والَّذين استجابوا لربِّهم وأقاموا الصَّلاة وأَمْرُهم شورى بينهم وممَّا رزقناهم ينفقون}،([6]) وطُبِّق بشكل عملي من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم، وتدرَّب عليه الصحابة رضوان الله عليهم في حياته وعلى يديه صلى الله عليه وسلم، فكذلك هو حال الاجتهاد الجماعي الذي كان تشريعه وتدريب الصحابة رضي الله عنهم على تطبيق ذلك المنهج الاجتهادي في ذلك العهد الميمون المبارك من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وتحت أنظاره وإشرافه، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عند رأي الأكثرية من الصحابة بالخروج لملاقاة المشركين في بدر بدلاً من ملاقاة العير بعد أن شاورهم في الأمر، وما هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم إلا تدريب للصحابة رضي الله عنهم على الاجتهاد الجماعي وتشريع له، فالشورى هي النواة الأولى للاجتهاد الجماعي والطريق الموصل إليه، وكذلك كان الحال منه صلى الله عليه وسلم لما قرر التحول إلى أدنى ماء بدر بعد أشار عليه بعض الصحابة، وكذلك في أمر ملاحقة فلول المشركين بعد انتهاء الغزوة، وفي شأن الأسرى وكيفية التعامل معهم، ومن ذلك أيضاً مشورته صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم في غزوة أُحدٍ عندما حشدتْ قريش وسارت لحرب المسلمين في المدينة هل يبقى متحصناً فيها أو يخرج لملاقاة المشركين خارجها، وهذه كلها في شؤون الحرب والسياسة، وأمَّا بما يتعلق بالأمور التعبُّديَّة فمِن صوره لمَّا استشار النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه كيف يدعو المسلمين إلى الصلاة قبل تشريع الأذان.
وكذلك كان الحال في عهد الخلفاء الراشدين الذي كان عبارة عن امتداد طبيعي لعصر النبوة واتباعاً عَمَلياً له، وخير مثال على الاجتهاد الجماعي في ذلك العصر المبارك اختيار خليفة للمسلمين بعد وفاة النَّبي صلى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة، وكذلك كان الحال فيمن بعدهم من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم حتى غدا طريقةً متبعة ونهجاً مُقتفى تضيق دائرته في زمانٍ وتتسع في زمانٍ آخَر، بحسب ظروف وأحوال كل عصر ورجاله، وإذا ما تأملنا عصر الأئمة المجتهدين أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم في القرن الثاني والثالث الهجري فلسوف نجد أن مبدأ الاجتهاد الجماعي في غالب الأحوال وكثير من المسائل المطروحة كان هو المتبع في اجتهادات هؤلاء الأئمة الأفذاذ، فقد كان الإمام يطرح المسألة على الخواص من أصحابه الذين بلغوا شأواً في العلم بأصول الإمام وطرق استنباطه للأحكام وتمرَّسوا على يديه؛ ليدلي كلٌّ منهم بدلوه مستدلاً تارة، ومعللاً أخرى، حتى تنضج الأفهام وتستقر الأحكام؛ ليقرر الإمام بعد التداول القول الفصل في تلك المسألة، ولربما اتفق أصحابه معه فيما يقرره، ولربما يخالفه بعضهم، ثم تدوَّن جميع تلك الاجتهادات في كتب المذهب، ومازالت إلى يومنا هذا تُقرأ وتُدرَّس.
- محلُّ الاجتهاد الجماعي المعاصر:
أمَّا محل الاجتهاد الجماعي المعاصر فهو منحصر في ثلاثة مواضع:
3. 1. الاجتهاد فيما لا نصَّ فيه:
مما يطرأ ويستجدُّ مما لم يرد في حكمه نصٌّ خاص، وليس له نظير سابق مطابق منصوص على حكمه بحيث ينطوي تحت معناه ويتعدى إليه حكمه. ومن أمثلة ذلك، ما يتعلق بوسائل الاتصالات الحديثة وما يتعلق بها من استعمالات ومعاملات، وكذلك ما يتعلق بأحكام تداول العملات المشفرة كسلعة من السلع، أو كنوع من أنواع النقود في حال قررنا أن علة الثمنية التي في الذهب والفضة هي قاصرة عليهما ولا تتعدى إلى غيرهما، وإلا فإنها تدخل في الموضع الثالث من محالِّ الاجتهاد، ومن أمثلته أيضاً ما يتعلق بالجانب الطبي كبنوك الحليب والحيوانات المنوية ونقل الأعضاء البشرية والتحكم الطبي في جنس الجنين وما شابه ذلك.
3. 2. الاجتهاد فيما فيه نصٌّ يحتمل الاجتهاد:
من المسائل الاجتهادية التي استمدتْ أحكامها من النصوص الظنية في ثبوتها فيكون الاجتهاد حينئذ في سندها وقوة إسنادها، أو الظنية في دلالتها فيكون الاجتهاد في تحديد المعنى المراد من النص ومدى قوته في دلالته على هذا المعنى، وهذا المحل منحصر فقط في المسائل التي مبناها القياس أو المصلحة أو العرف أو العادة التي لم تثبت بدليل شرعي، وفي هذا يقول الإمام القرافي في كتابه الفروق ما نصه: “الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت، وتبطل معها إذا بطلت، كالنقود في المعاملات والعيوب في الأعراض في البياعات ونحو ذلك، فلو تغيرت العادة في النقد والسكة إلى سكة أخرى لحمل الثمن في البيع عند الإطلاق على السكة التي تجددت العادة بها دون ما قبلها، وكذلك إذا كان الشيء عيباً في الثياب في عادة رددنا به المبيع، فإذا تغيرت العادة وصار ذلك المكروه محبوباً موجباً لزيادة الثمن لم ترد به، وبهذا القانون تعتبر جميع الأحكام المرتبة على العوائد، وهو تحقيق مجمع عليه بين العلماء لا خلاف فيه……وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى على طول الأيام فمهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده وأجره عليه وأفتِه به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبداً ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق والعتاق وصيغ الصرائح والكنايات فقد يصير الصريح كناية يفتقر إلى النية، وقد تصير الكناية صريحا مستغنية عن النية”.([7])
3. 3. الاجتهاد في تحقيق مناط ([8]) أصل قطعي:
نصَّ على ذلك الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات،([9]) ومثَّل له بقوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم}،([10]) حيث أمرَنا الله تعالى بالإشهاد، وبأن تكون هذه الشهادة من ذي عدل، والعدالة هي: مَلَكة تحمل صاحبَها على ملازمة التقوى والمروءة، وهذه العدالة هي بين الخلق على ثلاث مراتب، أعلاها لا إشكال فيه كما في سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأدناها وهو من قد خرج منها كمرتكبي الكبائر المحدودين فيها، وبين هاتين المرتبتين وسَطٌ غامض ومراتب لا تنحصر لا بدَّ فيها من بذل الوُسع وهو الاجتهاد، وهذا الموضع من الاجتهاد لا يكاد ينتهي حتى قيام الساعة، والحاجة إليه دائمةٌ ومستمرة، سواء أكانت بالاجتهاد الفردي أم الجماعي.
- إيجابيات وسلبيات الاجتهاد الجماعي وأثرها على وَحدة الأمة الإسلامية وقوتها:
فكرة الوقوف على سلبيات الشيء وإيجابياته هي عملية نقدية الهدف منها محاولة الإحاطة به من جميع جوانبه الذاتية والموضوعية للوصول إلى تقييم عادل يحدد مدى الجدوى العلمية والعملية في الاستفادة من ذلك الشيء المطروح؛ لذلك سنحاول بيانها بالقدر المستطاع بذكر السلبيات أولاً ثم الإيجابيات، ثم نترك للقارئ الكريم عملية التقييم وتحديد مدى جدوى الاستفادة من عملية الاجتهاد الجماعي.
4. 1. سلبيَّات الاجتهاد الجماعي:
4. 1. 1. تأثُّر الاجتهاد الجماعي المؤسَّساتي بالضغوطات السِّياسيَّة التي تُمارَس عليه:
إما من خلال تحييده أو امتناعه عن الخوض في المسائل السياسية أو غيرها من المواضيع الحسَّاسة أو المصيرية في بعض الأحيان، وإما من خلال تقييد حريَّة العلماء في إبداء آرائهم في تلك المسائل وما قد يتعرضون إليه في حال عدم الاستجابة، وهذه هي السلبية الأكبر التي تقف في وجه الاجتهاد الجماعي وتَحُدُّ من فاعليَّته، وتؤثِّر على أدائه، وتُضعِف الثقة به.
ولحلِّ هذه العقبة الكؤود لابدَّ من إيجاد آليات أكثر مرونة واستجابة للمتطلبات لتطبيق تلك العملية الاجتهادية الجماعية تخفف أو تحدُّ من تلك الضغوطات وآثارها بقدر الإمكان، وذلك من خلال الاستفادة من الوسائل التكنولوجية المعاصرة، والتخفيف من البيروقراطية التي غالباً ما تحكم العمل المؤسساتي، وإدارة الأمر بطريقة لا مركزية بالقدر المستطاع، وغير ذلك من الوسائل والآليَّات التي تؤدي إلى التخفيف أو التقليل من العوامل الضاغطة، ولعلي أستطيع تقديم فائدة في ذلك عند الحديث عن المقترح الهيكلي لآليات الاجتهاد الجماعي.
4. 1. 2. ضعف التنسيق أو عدم التنسيق الكامل بين مؤسسات الاجتهاد الجماعي:
فيما بينها أو فيما بينها وبين المراكز العلمية والبحثية الأخرى التي من تعبر رافداً مهماً لها، مما يؤدي إلى تعدد الآراء الاجتهادية، وإلى توسيع دائرة الاختلاف، وتبديد الجهد والوقت والمال، وإلى عدم تحقيق وحدة الأمة في قراراتها التي قد تكون في بعض الأحيان مصيرية. وعلاج هذه السلبية أيضاً يكمن في تطوير الآليات والوسائل كما أشرت إلى ذلك سابقاً. هذه هي السلبيات العامة والأكثر خطورة، وهناك سلبيات أخرى إذا ما دققنا النظر فإنها تدخل بشكل أو بآخر تحت هاتين السلبيتين العامتين.
4. 2. إيجابيات الاجتهاد الجماعي:
4. 2. 1. الاجتهاد الجماعي يسهم إلى حدٍّ بعيد في ضبط الفتاوى الشرعيَّة بشكل عام:
وفي الأمور الحساسة والمصيرية بشكل أخص، ويعتبر هذا الانضباط أو الضبط للفتاوى أحد أهم عوامل توحيد الأمة الإسلامية ورصِّ صفوفها وتعزيز قوتها، ويعوِّض عن توقف الإجماع، فهو يبعثُ الطمأنينة في نفوس المسلمين في معرفة الحكم الشرعي الصحيح، وهو خير سبيل للحدِّ من الفوضى الاجتهادية والعلمية والدينية التي تصاعدتْ بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات وغيرها من الأدوات المفتوحة لكل مَن هَبَّ ودَبَّ، والتي غدتْ بعضها مرتعاً لأنواع من الشذوذ الفكري أو الجنوح في الإفتاء تحت غطاء التيسير على الناس والمرونة والمعاصرة ومواكبة الحاجات والمصالح.
4. 2. 2. بثُّ روح الوسطية وتقبل الرأي الآخر وتوسيع المدارك:
عندما يتداول الفقهاء والخبراء المتخصصون المسألة المطروحة للنظر والاجتهاد على اختلاف مذاهبهم وقوة مداركهم، وتنوع مشاربهم الفقهية والفكرية وحتى العقدية داخل الإطار العام لأهل السنة، ويفرغون وسعهم للوصول إلى حكم الشرع فيها خلال عملية تفاعلية تكاملية التي هي قوام الاجتهاد الجماعي ثم يتفقون على حكم واحد يصدر عنهم، فإنَّ ذلك ليبعث روح الوسطية وتقبُّل رأي الآخر ووجهة نظره، ويفتح الآفاق أمام الباحث أو المفتي أو المجتهد المعاصر، ويجعله يرى الشيء الواحد من زواياه الأخرى التي لربما تغيب عنه في حالة الاجتهاد الفردي، أو حتى الجماعي الذي يكون داخل إطار المذهب الفقهي الواحد فقط، مما يؤدي إلى توسيع مداركه وأسلوب تعاطيه مع الأدلة والمصادر التشريعية المختلفة وطريقة فهمها وكيفية استمداد الأحكام المناسبة منها، كما أنه يسهم في نبذ التعصب لمذهب معين دون آخر أو التقليل منه، مما يجعل الفتوى أكثر انسجاماً مع الواقع وأكثر مرونة وأشمل أثراً، ولعمري إنّ هذا العامل الإيجابي لهو من أقوى العوامل والأسباب الدافعة لتوحيد الأمة المسلمة واتحاد قوتها.
- بعض النَّماذج التطبيقيَّة للاجتهاد الجماعي:
5. 1. قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي رقم 231 (24/2) بشأن التَّضخُّم وتغيُّر قيمة العملة:
حيث اتفق العلماء المُجتمِعون على أنَّه يُرجع في تقدير التَّضخُّم الفاحش إلى التَّراضي، وعند انعدام التَّراضي يرجع إما إلى القضاء أو التَّحكيم حسب الأحوال، وأنَّه عند حصول التضخم الفاحش بعد نشوء الدَّين لا مانع من اتفاق الدائن والمدين عند السداد على رد الدين بالقيمة أو توزيع الضرر بين الطرفين صُلحاً، ويجوز إمضاؤه قضاءً أو تحكيماً، ولا يجوز الاتفاق على ذلك عند التعاقد.
5. 2. قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي رقم 173 (18/11) بشأن الجراحة التجميلية وأحكامها:
حيث اتفق العلماء المجتمعون على أنَّه:
5. 2. 1. يجوز شرعاً إجراءُ الجِراحة التجميليَّة الضَّروريَّة والحاجيَّة:
التي يقصد منهاإعادة شكل أعضاء الجسـم إلى الحالة التي خُلق الإنسان عليها، أو إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم، أو إصلاح العيوب الخلقية مثل: الشفة المشقوقة، واعوجاج الأنف الشديد، والزائد من الأصابع والأسنان، والتصاق الأصابع إذا أدى وجودها إلى أذى مادي أو معنوي مؤثر، أو إصلاح العيوب الطارئة (المكتسبة) من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها، مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كلياً حالة استئصاله، أو جزئياً إذا كان حجمه من الكبر أو الصغر بحيث يؤدي إلى حالة مرضية، وزراعة الشعر حالة سقوطه خاصة للمرأة، أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذىً نفسيّاً أو عضويّاً.
5. 2. 2. لا يجوز إجراء جراحة التَّجميل التَّحسينيَّة التي لا تدخل في العلاج الطِّبِّي:
والتي يقصد منها تغيير خلقة الإنسان السوية تبعاً للهوى والرغبات بالتقليد للآخرين، مثل عمليات تغيير شكل الوجه للظهور بمظهر معين، أو بقصد التدليس وتضليل العدالة وتغيير شكل الأنف وتكبير أو تصغير الشفاه وتغيير شكل العينين وتكبير الوجنات.
5. 3. قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة رقم 40 (6/8) بشأن حكم تصوير النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصحابة رضوان الله عليهم:
حيث اتفق المجتمعون بأن تصويرَ أيَّ واحدٍ من هؤلاء حرام، ولا يجوز شرعاً، ويجب منعه.
5. 4. قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث رقم 7 (4/2) الذي أفتى بجواز شراء المنازل بقرض بنكي ربوي للمسلمين في أوروبا:
حيث رأى المجلس الأوروبي أن هذه القضيَّة ممَّا عمَّت بها البلوى في أوروبا وفي بلاد الغرب كلِّها، وقد رُفِعت بحوث في شراء المنازل بقرض ربوي فكان أعضاء المجلس بين مؤيِّد ومعارض، وبعد مناقشة طويلة لهذا الموضوع انتهى النقاش بأغلبية أعضاء المجلس بإباحة هذا القرض؛ نظراً لقاعدة (الضُّرورات تبيح المحظورات)، ولحاجة الناس المُلِحَّة في تملُّك مسكن يقيم فيه، ولأنَّ المسلم يكون في هذه الصورة لا يأكل الرِّبا؛ إنما يُؤخَذ منه مُرغماً عليه، وكذلك استندوا لقاعدة: (إنَّ ما حُرِّم لذاته لا يُباح إلَّا للضرورة، وما حُرِّم لسدِّ الذَّريعة يُباح للحاجة).
5. 5. قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي رقم 26 (1/4) بشأن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيَّاً كان أو ميتاً:
بعد اطِّلاع المجلس على الأبحاث الفقهية والطبية الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسانٍ آخر حيَّاً أو ميتاً، قرَّر الآتي:
5. 5. 1. في الصورة الأُولى: نقل العضو من إنسان حي إلى إنسان حي: يجوز نقل العضو من مكان من جسم إنسان إلى جسم إنسانٍ آخر إنْ كان هذا العضو يتجدَّد تلقائيَّاً مثل الدم والجِلد، ولا بدَّ من أن يكون المتبرِّع كاملَ الأهليَّة، ويحرم نقل عضو تتوقف معه الحياة كالقلب، ولا يجوز نقل عضو تتوقف معه سلامة وظيفة أساسيَّة مثل قرنية العين.
5. 5. 2. يجوز نقل العضو من مكان إلى آخر لنفس الشخص، كنقل الجلد من مكان إلى آخر، أو نقل العظم أو الشَّعر من مكان إلى آخر.
5. 5. 3. في الصورة الثانية: نقل العضو من ميت إلى إنسان حي، يجوز نقل عضوٍ من ميت إلى حيٍّ تتوقف سلامته على ذلك العضو بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو يأذن ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إنْ كان الميت مجهول الهُويَّة، مع ملاحظة عدم جواز بيع الأعضاء بحال من الأحوال لأن الإنسان مكرَّم.
5. 5. 4. في الصورة الثالثة: وهي النَّقل من الأجنَّة، وتتم الاِستفادة منها في ثلاث حالات فقط، وهي: إذا كانت الأجنَّة تسقط بشكل تلقائي، أو حالة الأجنَّة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي، أو حالة اللقاح المستنبتة خارج الرحم، وهذه الحالات تأخذ نفس الحالات المتقدِّمة من جواز النقل من حي إلى حي أو من ميت إلى حي.
- مُقترَح هيكليٌّ لآليات تفعيل الاجتهاد الجماعي المُعاصر:
ليس الهدف من هذا المقترح الحديث عن اسم أو مكان أو أهداف هذا الهيكل التنظيمي لتفعيل الاجتهاد الجماعي المعاصر أو عن العضوية فيه وشروطها، وما شابه ذلك مما هو مبسوط في دراسات سابقة قدّمها علماء أفاضل، والتي يمكن الرجوع إليها للاستفادة مما جاء فيها، وإنما الهدف من هذا المقترح المتواضع شيء واحد، وهو العمل على تجنب الأمور السلبية والمعوقات على اختلاف أنواعها التي تقف في وجه تحقيق عملية الاجتهاد الجماعي المعاصر بالشكل الأمثل، أو تحدُّ من فاعليتها وتأثيرها، أو العمل على التقليل من تلك السلبيات أو المعوقات قدر الإمكان، وذلك من خلال التركيز على فكرة عدم المركزية أو الحدِّ منها قدر المستطاع، وذلك باللجوء إلى الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة في تحقيق تلك الفكرة، من خلال تحويل العمل المؤسساتي التقليدي، الذي يحتاج إلى أساسيات كثيرة من بناء ومكاتب وتراخيص وموظفين ونفقات تأسيسية وأخرى تشغيلية دائمة وغير ذلك مما يعتبر أحد أهم الأسباب المعوقة أو السلبيات والواقعة على العملية الاجتهادية؛ إلى عمل مؤسساتي افتراضي في جزء كبيرة منه، إن لم يكن بشكل كامل.
والآن سأقدِّم شرحاً موجزاً حول مهام كل قسم من أقسام هذا المقترح الهيكلي حتى يكتمل التصور ويتضح المراد، وسيكون البدء من الأدنى إلى الأعلى:
6. 1. الغرف البحثيَّة:
تتكون كل غرفة من مجموعة من الفقهاء أو الباحثين الشرعيين، أو من مجموعة من العلماء أو الباحثين في كل اختصاص من الاختصاصات العلمية على حدة، فنهاك غرفة للبحوث الطبية مثلاً، وأخرى للبحوث الكيميائية، وأخرى للشؤون الاقتصادية، وتتعدد هذه الغرف بتعدد الأفرع العلمية التي يحتاج إليها، وكذلك هو الحال في الغرف الشرعية فإنها تتعدد بتعدد الاختصاصات الشرعية، فواحدة خاصة بالأمور الجنائية، وأخرى خاصة بالمعاملات والاقتصاد، وهكذا، على أن يتم اختيار الباحثين في هذه الغرف من أصحاب الخبرة والكفاءة العلمية المطلعين على الواقع والمتغيرات، مع مراعاة التنوع الجغرافي بحيث يشمل أكبر قدر ممكن من البلاد الإسلامية، وأما طبيعة عملهم فهي إعداد أبحاث وفق منهج علمي رصين، ثم يُرسل عبر البريد الإلكتروني إلى إدارة الغرفة.
6. 2. إدراة الغُرَف البحثِيَّة (الشَّرعيَّة أو العِلميَّة):
تتكون هذه الإدارة في كل فرع منها من مجموعة من الإداريين، وتتلخص مهمتهم بالتواصل عبر البريد الإلكتروني المعتمد لكل باحث أو عالم لطلب إعداد الأبحاث في المسائل أو الموضوعات المطروحة للبحث، ومتابعتهم في ذلك، حيث ترسل المسألة الواحدة لكل الباحثين أو العلماء في هذه الغرفة بشكل منفصل، ثم ترفع الأبحاث بعد تلقيها منهم إلى وحدة التحليل المختصة بكل قسم عبر البريد الإلكتروني أيضاً.
6. 3. وَحدة التَّحليل (الشرعية أو العلمية):
تتكون هذه الوحدة من عدد قليل من الباحثين، وتنحصر مهمتهم بعد استلام الأبحاث المنجزة المتعلقة بمسألة واحدة من قِبل إدارة الغرف البحثية بشقيها الشرعي والعلمي، وبعد جمعهم الأبحاث الصادرة عن المجامع الفقهي أو المراكز البحثية الأخرى، بتلخيص ما جاء في هذه الأبحاث وترتيبها وحذف مكررها وتنسيقها بالشكل الذي يسهل على أعضاء مجلس الإفتاء الأعلى الإحاطة بما جاء في جميع تلك الأبحاث المرفوعة سواء من القسم الشرعي أو العلمي.
6. 4. مجلس الإفتاء الأعلى:
يتكوّن هذا المجلس من نخبة علماء الأمة الإسلامية المشهود لهم بالكفاءة العلمية المؤهلة للاجتهاد والبحث والنظر في الأمور المستجدة والنوازل والوقائع الطارئة، مع التمتع بالصلاح والربانية والبعد عن أرباب السلطة والنفوذ، وهؤلاء هم الذين يقع على عاتقهم الاجتهاد وإفراغ الوسع في تحصيل الحكم الشرعي في تلك المسألة، بعد تمحيص نتائج الدراسات والبحوث المرفوعة لهم من قِبل وحدتي التحليل الشرعية والعلمية.
الخاتمة
يتضح للقارئ الكريم ممَّا سبق أن الاجتهاد الجماعي هو نوع من أنواع الاجتهاد التي بدأت نشأتها منذ فجر الإسلام في عهد النُّبوَّة المبارك، والتي استمرت حتَّى يومنا الحاضر في منحنى يرتفع تارة وينخفض أخرى، وأنه يرتكز في قيامه على مبدأ الشورى كما في الإجماع، وأنه مع بعض وجود السلبيات التي لا يخلو منها والتي يمكن تخفيفها من خلال آليات تطبيقية جديدة؛ يبقى أفضل وأقوى وأكثر دقّةً من الاجتهاد الفردي المعاصر في الأعم الأغلب، وأنه يعتبر أحد أهم عوامل توحيد الأمة الإسلامية ورصِّ صفوفها وتفعيل قوتها الكامنة، وبناءً على ما تقدم فإني أوصي بوضع الآلية المقترحة في هذا البحث لتفعيل الاجتهاد الجماعي قيد التنفيذ وتطبيقها بشكل جادٍّ وعملي من قِبل علماء الأمة المسلمة الغيورين على هذه الأمَّة بكل مقوماتها.
المصادر والمراجع
– الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (ت: 790ه)، الموافقات، تح: مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، القاهرة – مصر، ط: الأولى، 1418ه – 1997م.
– القرافي، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (ت: 684ه)، أنوار البروق في أنواء الفروق، بدون تح، دار عالم الكتب، بيروت- لبنان، بدون تاريخ نشر.
– شعبان، زكي الدين (ت:1419ه)، أصول الفقه الإسلامي، بدون تح، منشورات الجامعة الليبية، ط: الثانية، 1349ه – 1971م.
– التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله (ت: 791ه)، شرح التلويح على التوضيح، بدون تح، مكتبة صبيح، القاهرة – مصر.
– الزحيلي، وهبة بن مصطفى ( ت: 1436ه)، الاجتهاد الجماعي وأهميته في مواجهة مشكلات العصر، بحث مقدم لمؤتمر الفتوى وضوابطها، مجمع الفقه الإسلامي، مكة المكرمة، 1430ه – 2009م.
– الزحيلي، وهبة بن مصطفى ( ت: 1436ه)، أصول الفقه الإسلامي، بدون تح، دار الفكر، دمشق – سوريا، ط: الأولى، 1406ه – 1986م.
الهوامش:
-
()سيأتي بيان معناه عند الكلام على محل الاجتهاد الجماعي المعاصر والمحاور التي يتناولها. ↑
-
()الزحيلي، وهبة بن مصطفى ( ت: 1436ه)، أصول الفقه الإسلامي، بدون تح، دار الفكر، دمشق – سوريا، ط: الأولى، 1406ه – 1986م، ج1/ ص490. ↑
-
() شعبان، زكي الدين (ت:1419ه)، أصول الفقه الإسلامي، بدون تح، منشورات الجامعة الليبية، ط: الثانية، 1349ه – 1971م، ص 407. ↑
-
()الزحيلي، وهبة بن مصطفى (ت: 1436ه)، الاجتهاد الجماعي وأهميته في مواجهة مشكلات العصر، بحث مقدم لمؤتمر الفتوى وضوابطها، مجمع الفقه الإسلامي، مكة المكرمة، 1430ه – 2009م، ص 7. ↑
-
()آل عمران: 3/159. ↑
-
()الشورى: 42/38. ↑
-
() القرافي، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (ت: 684ه)، أنوار البروق في أنواء الفروق، بدون تح، دار عالم الكتب، بيروت- لبنان، بدون تاريخ نشر، ج1/ ص 176 – 177. ↑
-
() تحقيق المناط: “هو النظر والاجتهاد في معرفة وجود العلة في آحاد الصور بعد معرفتها بنص أو إجماع أو استنباط”. التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله (ت: 791ه)، شرح التلويح على التوضيح، بدون تح، مكتبة صبيح، القاهرة – مصر، ج2/ ص 154. ↑
-
() الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (ت: 790ه)، الموافقات، تح: مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، القاهرة – مصر، ط: الأولى، 1418ه – 1997م، ج5/ ص12. ↑
-
() الطلاق: 65/2. ↑