دور دلالة الأصل اللغوية في فهم القرآن الكريم وتفسيره - دراسة تطبيقية دلالية
The role of linguistic origin in understanding and interpreting the Holy Quran
آلاء حمودي1
1 أستاذة اللغة العربية في مؤسسة قطر، باحثة دكتوراه بجامعة يالوفا، معهد الدراسات العليا، كلية العلوم الإسلامية، قسم العلوم الإسلامية الأساسية، اللغة العربية.
DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj62/16
المعرف العلمي العربي للأبحاث: https://arsri.org/10000/62/16
الصفحات: 182 - 205
تاريخ الاستقبال: 2025-01-04 | تاريخ القبول: 2025-01-15 | تاريخ النشر: 2025-02-01
المستخلص: نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين، وهذا يعني أن اللغة العربية بأصولها وقواعدها، وكل أبعادها، أساس مهم لفهم معاني القرآن ومقاصده، ولا شك أن دلالة الأصل اللغوي الواحد، بما تحمله من أبعاد تاريخية وثقافية وتطورات دلالية، تُعَدّ مفتاحاً جوهرياً لفهم النصوص القرآنية، فالعربية بثرائها ضمَّت تراكيب عديدة وألفاظاً غزيرة المعاني، وعلى من أراد شرح ألفاظ القرآن الكريم أن يعود بالضرورة إلى أصول الكلمات، وأن يفهم سياقها التاريخي واللغوي قبل أن يشرع في أي بيان. يسعى هذا البحث إلى معالجة إشكالية تتعلق بدور دلالة الأصل اللغوية في تفسير القرآن الكريم، وتأثير إغفال هذا الجانب على دقة التفسير وفهم النصوص الشرعية، كما يسعى إلى تقديم رؤية علمية تعزز من أهمية دراسة دلالة الأصل اللغوية، وتركز على أهميتها في تفسير كتاب الله؛ في كونها ليست مجرد وسيلة لفهم الألفاظ، بل هي رباط متين يربط بين الكلمات والمقاصد الإلهية التي يحملها النص. في هذا البحث، سأسلط الضوء على أهمية دراسة دلالة الألفاظ من خلال جذورها اللغوية التي نبتت فيها، لفهم القرآن الكريم وتفسيره تفسيراً دقيقاً، كما سأذكر بعض الانحرافات والإسقاطات الحديثة التي حاولت الخروج عن المألوف، وتقديم أفكار غير مسبوقة، ووصلت إلى طرح مبتكر أفسد المعنى وحرَّفه عن مقصده الأصلي، بسبب إهمال دور دلالة الأصل. مع العلم أن الالتزام بالمنهجية العلمية واللغوية في فهم النص القرآني لا يعني جمود العقل في استنباط بدائع القرآن الكريم.
الكلمات المفتاحية: التفسير، فهم النص القرآني، الدلالة اللغوية، التأصيل اللغوي، دلالات الألفاظ.
Abstract: The Quran was revealed in a clear Arabic tongue, signifying that the Arabic language, with its roots, rules, and dimensions, is a crucial foundation for understanding its meanings and purposes. Undoubtedly, the semantic origin of a word, with its historical, cultural, and semantic evolutions, serves as a fundamental key to comprehending Quranic texts. Arabic, with its richness, encompasses a multitude of structures and lexemes abundant in meaning. Anyone seeking to interpret the words of the Quran must inevitably trace the origins of the words and understand their historical and linguistic contexts before embarking on any explanation. This research aims to address an issue concerning the role of the semantic origin in interpreting the Quran and the impact of neglecting this aspect on the accuracy of interpretation and understanding of Sharia texts. It also seeks to provide a scientific perspective that emphasizes the importance of studying semantic origins and their critical role in Quranic interpretation. This is not merely a tool for understanding words but a strong link between words and the divine purposes embedded in the text. In this study, I will highlight the importance of examining the meanings of words through their linguistic roots to achieve an accurate understanding and interpretation of the Quran. Additionally, I will discuss some modern deviations and projections that have attempted to stray from traditional interpretations, presenting unprecedented ideas that distort and misrepresent the original meanings due to the neglect of semantic origins. It is important to note that adhering to scientific and linguistic methodologies in understanding Quranic texts does not imply a rigidity of thought in uncovering the marvels of the Quran.
Keywords: interpretation, language, understanding, origin, semantics.
مدخل:
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً. أحمده سبحانه أن أظهر دين الإسلام على كل الأديان، وجعله الدين الحق للناس جميعاً في كل عصر وزمان، وأشكره على فضله وامتنانه بأن جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى لقوا رب العالمين. وبعد:
فإن بيان معاني ألفاظ القرآن الكريم ودلالاتها يوصلنا إلى فهم مراد الله عز وجل في كتابه العزيز، الذي حوى أسراراً لطيفة ومعانٍ شريفة، والعمل على تبيين ذلك شرف عظيم يمنّ الله به علينا، إذا يرتضينا لذلك؛ إذ به يتأتى فهم مراد الله، والوقوف على أسراره. ولما كانت مشتقات المادة اللغوية الواحدة تعبّر عن معنى تلك المادة، أو تحمل جزءاً منها بالضرورة، كان لا بد من توجيه دلالة الأصل للمفردات القرآنية، بغية فهم ما تحتويه من ألفاظ ومعانٍ متفرقة، ضمن زمر متناسبة تثري عقولنا وكتبنا.
ولا شك أن من أهمل هذا الجانب وتجاهله، وادّعى نباهة تمكنه من فهم دلالة الأصل اللغوية بسياق آني مرتبط بالمعطيات التي حوله، وبمعزل عن جذورها اللغوية وسياقاتها التاريخية والثقافية، ودون الرجوع إلى تصنيفات العلماء وأقوالهم، ولا إلى كلام العرب واستعمالاتهم، قد وصل به القول إلى تفسيرات فاسدة غير دقيقة، انحرف معها الفهم، واختلطت فيها الأمور. وهنا لا بد أن أذكر أني لست بصدد نقد منهجية هؤلاء، أو إحصائهم، أو الوقوف على جميع أخطائهم؛ إنما أتبنى ضرورة التمسك بالأصل الدلالي، مستعينةً ببعض الأمثلة في كيفية تفسيرهم للألفاظ، مؤكّدة أنهم لو التزموا قواعد التفسير اللغوي الصحيحة، وتابعوا التطور الدلالي للألفاظ، لوصلوا لأجمل ما وصلوا إليه.
إشكالية البحث:
تتمحور مشكلة البحث حول دور دلالة الأصل في فهم معاني الألفاظ القرآنية، وكيف أن بعض التفسيرات جاءت بتأويلات خاطئة بسبب إغفال هذا الجانب الأصيل في البحث، مما أسفر عن ظهور معان غير دقيقة، أثرت في فهم الأحكام والعقيدة بطريقة معوجة، ومن هنا سيجيب البحث عن هذه الأسئلة:
- ما دور دلالة الأصل اللغوي في ضمان صحة تفسير ألفاظ القرآن الكريم؟
- هل يؤدي إهمال هذا الجانب بالضرورة إلى تأويلات خاطئة؟
هدف البحث:
يهدف هذا البحث إلى إيضاح دور الأصل الدلالي في الكشف عن معاني الألفاظ، وكيف أن ربط تلك الألفاظ المختلفة ذات التركيب الواحد بدلالة أصل واحدة يوضح وجه انتماء كل المفردات ذات التركيب الواحد إلى ذلك المعنى العام، كما يلفت النظر إلى المناهج التي تجاهلت هذا الدور الأصيل، وما قد وصلت إليه من تأويلات مغلوطة في تفسير الألفاظ القرآنية، وأدت إلى انحرافات عقائدية وفكرية.
أهمية البحث:
إن معاني الألفاظ في كتاب الله تعالى ليست على درجة واحدة من الوضوح والخفاء، وكثيراً ما تحتاج إلى تدبُّر منا وفهم، وإعمال للبصر والبصيرة، لنقف على حدودها ونكشف مكامنها وخباياها، والبحث عن معاني المفردات من خلال دلالات الأصل الواحد، وإرجاع هذه الدلالة إلى سائر المعاني الحقيقية والمجازية في مختلف سياقات الآيات الكريمة، يوصلنا لفهم كلام الله والوقوف على حقائق براقة وأسرار خفية تحملها المعاني في طياتها، وأفكار رائعة وغير مسبوقة، دون السعي للتمييز من خلال تبني منهجيات تفضي إلى تأويلات خاطئة، ومن هنا تتأتى أهمية هذا البحث في الحاجة لهذا الربط والنظام.
الدراسات السابقة:
- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، تح: عبد السلام محمد هارون، (دار الفكر،عام النشر: 1399هـ – 1979م) وقد تناول ابن فارس دلالة الأصل اللغوي كأساس لفهم المعاني، وكان مرجعاً مهماً في التأصيل اللغوي؛ حيث وضح كيف ترتبط الكلمات بمعانيها الجذرية، لكنه لم يركز على التطبيقات التفسيرية أو يناقش أثرها على النصوص الشرعية، وقد ركزت في البحث على دور دلالة الأصل اللغوية في تفسير ألفاظ القرآن الكريم، مع توضيح أثر إغفال هذا الجانب على صحة التفسير وفهم العقيدة والأحكام.
- كتاب الدلالة المحورية في معجم المقاييس دراسة تحليلية نقدية د. محمد حسن جبل، مجلة كلية الآداب، جامعة المنصورة، العدد 26، سنة 2000، وقد جذَّرت هذه الدراسة فكرة الدلالة المحورية في الفكر اللغوي العربي، وعرض فيها الكاتب تحليلاً ناقداً لمعالجة هذه الفكرة في مقاييس ابن فارس، وناقش هذه المنهجية من منظور لغوي نقدي دون التوسع في التطبيقات التفسيرية للنصوص القرآنية، التي تناولتها في البحث.
- المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم (مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها، محمد حسن جبل، (القاهرة: مكتبة الآداب، الطبعة: الأولى، 2010 م) وقد أسس معجمه على فكرة المعنى المحوري، وأوضح أهمية الأصل الدلالي في فهم سياقات الألفاظ القرآنية، دون التركيز المباشر على نقد التأويلات الخاطئة أو معالجة تأثيرها على الأحكام، مما يجعل كتابه مرجعاً تأصيلياً لغوياً، بينما تناولت في البحث جانبا نقدياً وتفسيرياً.
خطة البحث ومنهجه:
يعتمد هذا البحث على منهجين رئيسين: المنهج الوصفي، ويتجلى في مقدمات أولية، أتناول بها الحديث عن دلالة الأصل وقيمة التأصيل، المطلب الأول: دلالة الأصل اللغوية وأهميتها في تفسير القرآن الكريم ويشتمل على مقصدين، الأول: تناولت به الحديث تعريف الدلالة، والأصل اللغوي، ومفهوم دلالة الأصل اللغوية، والثاني: أهمية التأصيل وقيمته في تفسير ألفاظ القرآن القرآن الكريم.
والمنهج التحليلي ويتجلى في تقصي إهمال هذا الجانب، ودور دلالة الأصل في صحة تفسير ألفاظ القرآن الكريم من خلال أربعة مقاصد، الأول: التفسير بدون مراعاة دلالات الألفاظ اللغوية، الثاني: أسباب الوقوع في أخطاء التفسير، الثالث: الأساليب الصحيحة في دراسة دلالة الألفاظ اللغوية، والرابع: نموذج لدراسة كلمة أم من خلال أصلها الدلالي.
المطلب الأول: دلالة الأصل اللغوية وأهميتها في تفسير القرآن الكريم
التعريف بمفردات عنوان البحث:
تعريف الدلالة:
الدَّلالة لغة: من دلَلَ، كما ذكر الخليل أنها مصدر الدليل (بالفتح والكسر) [1]، وقال الزمخشري:”دلّه على الطريق، وهو دليل المفازة وهم أدلاؤها، وأدللت الطريق إذا اهتديت إليه، ومن المجاز قولهم: “الدالّ على الخير كفاعله” وتناصرت أدلّة العقل، وأدلة السمع. واستدل به عليه[2] وفي مختار الصحاح: الدَّلِيلُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ وكذلك هو الدَّالُّ، دَلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ يَدُلُّهُ بِالضَّمِّ (دَلَالَةً) بِفَتْحِ الدَّالِ وَالكَسْر.[3]
والدَّلالةُ بهذا المَعْنى يتركز معناها حول التوجيه والإرشاد لشأن ما، مع تلازم واتصال بين الدال والمدلول، وقد ذكر الجاحظ أنها لا تَخْتصُّ باللُّغةِ فقطْ، بل هي عامَّةٌ في كُلِّ ما يُوصِلُ إلى المَدلولِ، ومتى دلَّ الشَّيءُ على مَعْنًى فقد أخْبَرَ عنه وإنْ كان صامِتًا، وأشار إليه، وإنِ كان ساكِنًا. [4]
واصطلاحاً: هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والشيء الأول هو الدال، والثاني هو المدلول،[5] وهي ما يتوصّل به إلى معرفة الشيء، كدلالة الألفاظ على المعنى، ودلالة الإشارات والرموز، والكتابة، والعقود في الحساب، وهي مصدر كالكتابة والإمارة، والدّالّ: من حصل منه ذلك، والدليل في المبالغة كعالم، وعليم، وقادر، وقدير، ثم يسمّى الدّالّ والدليل دلالة، كتسمية الشيء بمصدره[6]، ولفظ الدلالة لا يُرادف المعنى، لأن الدلالة الواحدة قد تكون جامعة لعدة معان معاً في آن واحد.
تعريف الأصل:
الأصل لغة (أَصَلَ) الْهَمْزَةُ وَالصَّادُ وَاللَّامُ أَسَاسُ الشَّيْءِ، فَالْأَصْلُ أَصْلُ الشَّيْءِ،[7] والأصل: هو ما يُبتنَى عليه غيره، وهوعبارة عما يفتقر إليه، ولا يفتقر هو إلى غيره.[8]
الأصل اصطلاحاً هو عبارة عما يبنى عليه غيره، ولا يبنى هو على غيره، وما يثبت حكمه بنفسه ويبنى على غيره،[9] وأصل الشئ دليله، ومنه أصل هذه المسألة الكتاب والسنة.[10]
تعريف دلالة الأصل:
مصطلح دلالة الأصل مصطلح حديث التسمية،[11] لكنه كان مطبقا كمنهيجة منذ العصور الأولى للدراسات اللغوية عند الخليل وابن دريد وابن فارس وغيرهم، وقد كان ابن فارس من أوائل من عني بتقصي الأصول الدلالية، مؤكداً أن اللغة العربية تقوم على أصول ومقاييس ثابتة تتفرع منها معاني الكلمات، وقد أشار إلى هذا المفهوم في مقدمة معجم مقاييس اللغة بقوله:” إن للغة العرب مقاييس صحيحة، وأصولا تتفرع منها فروع، وقد ألف الناس في جوامع اللغة ما ألفوا، ولم يعربوا في شيء من ذلك عن مقياس من تلك المقاييس، ولا أصل من الأصول، والذي أومأنا إليه باب من العلم جليل، وله خطر عظيم. وقد صدرنا كل فصل بأصله الذي يتفرع منه مسائله، حتى تكون الجملة الموجزة شاملة للتفصيل.”[12]
وعرف محمد حسن جبل دلالة الأصل بقوله: هي دلالة الجذر الذي تدور حوله كل استعمالاته الأخرى[13]، أي أن جميع استعمالات المادة ترتبط ببعضها عن طريق هذا المعنى المحوري، ويتحقق جوهر المادة اللغوية في كل ما يستعمل من اشتقاقاتها وأبنيتها الصرفية، فيكون عِلمَ دِراسةُ المَعْاني التي يحملها الأصل الواحد.
ومن ذلك يمكننا أن نقول: إن الألفاظ العربية تكثر ويتوالد بعضها من بعض باستمرار، وتؤدي بهذه الطريقة الحية وظيفتها في الحياة، إذ تقابل كل مولود جديد، حسياً كان أم معنوياً، بمولود جديد مثله من الألفاظ المتولدة من الأصول الموجودة. ولا يحتاج المرء إلى كبير عناء لمعرفة هذه الألفاظ الجديدة، ومعرفة قرابة الألفاظ ونسبها، وارتباط بعضها ببعض، ذلك أن الألفاظ التي ترجع إلى أصل واحد تشترك في عدد من الأصوات المتميزة، وهي على الغالب ثلاثة، يعرف بها سامعها أصلها، ويدرك بجرسها نسبه.[14]
أهمية التأصيل وقيمته في تفسير ألفاظ القرآن القرآن الكريم:
يعد رد الكلمة إلى أصلها ومعرفة المعاني المستفادة من جذرها أساساً محورياً لفهم تشابك الألفاظ في اللغة العربية، وتتجلى أهمية التأصيل في عدة نواح، أذكر أهمها:
- يمكننا من خلال دلالة الأصل إيجاد الصلة بين المعاني المتباعدة ظاهراً ضمن أصل لغوي واحد، ولم شملها تحت ظلالة واحدة، فجمع ألفاظ الجذر ونظمها في عقد واحد يُثبت انضباط اللغة ومنطقيتها بإثبات العلاقة بين تلك المفردات التي يعبِّر فيها التركيب الواحد بكل صوره واستعمالاته عن معنى بعينه، وما يتفرع عن هذا المعنى،”فلكل تركيب وفروعه ما يقابله من المعاني المترابطة، وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن تكون عليه اللغة المحكمة المنضبطة المباني والمعاني، فإذا خرجت عن ذلك وانقطعت صلة الألفاظ حكم على هذه اللغة بالجزافية، وأنها مجرد رموز لفظية وُضعت لمعان بصورة عشوائية واعتباطية”[15]
أضف إلى ذلك أننا كثيراً ما نجد ألفاظاً تشترك في مادتها وتتباعد في معناها، وغالباً ما يصعب علينا كشف الصلة بين تلك المعاني المتباعدة، لكن العودة إلى دلالة الأصل تمكننا من اكتشاف روابط قوية وثابتة، حتى ولو تفرقت المعاني واختلفت الأشكال، وأمثِّل لذلك بمادة (جَ وَ رَ) فالجار هو من يسكن قريباً منك، والجور هو الظلم، والإجارة هي الحماية، وسمي الجار جاراً؛ لأنه استجار بمن يحميه، من جور الآخرين، فلو أنا نظرنا نظرةً ظاهريةً لشعرنا أن ظاهر المعاني متباعد جداً، لكن خيطاً رفيعاً حزم تلك الألفاظ جميعها، هو دلالة الأصل اللغوية.
- إن اللغة العربية كالعرب أنفسهم تحتفظ بأنسابها كما يحتفظ العرب بأنسابهم، وإن إمكانية الرجعة بالفروع المختلفة -مهما تعددت صيغها- إلى أصل واحد يوحي برابط مشترك بينها، أمر في العربية ذو بالٍ؛ فالألفاظ العربية كالعرب أنفسهم، تتجمع في قبائل وأسر معروفة الأنساب، وتحمل هذه الألفاظ دومًا دليل معناها وأصلها وميسم نسبها، وذلك في الحروف الثلاثة الأصلية التي تدور مع ما يتولد عنها ويشتق منها من ألفاظ[16]
- يمكن أن نشبه دلالة الأصل بجسر يربط بين اللغة والحياة الفكرية والاجتماعية، فهو يعيننا على معرفة ملابسات ولادة الكلمات، وكيف وضعت، وعلى أي مفهوم تدل، كما يكشف لنا عقليات الأمم وعاداتهم، ويربط بين تفكيرهم وتعبيرهم، فبعض الكلمات في العربية لها طبائع متميزة عن باقي اللغات والأمثلة على ذلك كثيرة فالصديق في اللغة العربية مشتق من الصدق، وليس من الحب كما في اللغات الأخرى، والعدو من الاعتداء والتجاوز، وليس من البغض أو الكره [17] وفهم هذه الظروف التي نشأت بها الكلمات يجعلنا ندرك مدى عمق المعاني من خلال سياقاتها الاجتماعية واللغوية.
- دلالة الأصل تعيننا على اكتشاف أبعاد ودقائق مهمة في استعمالات الألفاظ، وعلى سبيل المثال كثير ما نفسر العرف بالعلم، لكننا لو عدنا إلى أصل وضعها لوجدنا أن (عرف) يعبر عن تمييز الشيء بملامحه الظاهرية، نقول ذلك استنباطاً مما في عُرف الديك والدابة من تمييز لهما عن غيرهما بمميز ظاهري، ومن هذا يكون التعرف على الشخص إذا التقطنا منه ملامح رأيناها فيه أو وصفت لنا قبلاً، ويكون العُرف بالضم ما تعارف عليه الناس وألِفوه رأوه قبل ذلك مرارًا فألِفوه وقبلوه. ويؤكد هذا ما جاء في القرآن الكريم ( تَعْرِفُهُم بِسِيمَنهُم) [البقرة: ۲۷۳]، ( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) [محمد: ۳۰] أي أن اللمحات الملتقطة من كلامهم تُعرّفك بهم. وذلك في حين أن (العلم) صورة أو فكرة أو مقررة ذهنية ثابتة من روافد تكوينها الحواس، والنظر التفكير والتدبر والتجارب والاستقراء[18]
- تعيننا دلالة الأصل على المفاضلة بين تفاسير الكلمة إن اختلفت، والحذر من التفاسير تائهة الأصل، فالعودة إلى دلالة الأصل عند المفاضلة بين تفاسير الأئمة المختلفة إذا تعددت وتباينت في لفظ ما أمر في غاية الأهمية، فما كان من هذه التفاسير أقرب إلى دلالة الأصل للجذر المعالج فهو الأرجح.
وأمثَّل لهذا بتفسير الإمام الطبري لمعنى العبادة في قوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: ٥] حيث قال: “وتأويل قوله (إيَّاكَ نعبُدُ) : لك اللهم نَخشعُ ونَذِلُّ ونستكينُ، إقرارًا لك يا رَبنا بالرُّبوبية لا لغيرك.”[19] وتابع تفسيره معطياً معنى آخر: “قال جبريلُ لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ، إياكَ نُوحِّد ونخاف ونرجو يا ربَّنا لا غيرك “[20] ثم رجح بين القولين فاختار الأول: ” وإنما اخترنا البيان عن تأويله بأنه بمعنى نَخشع ونذلّ ونستكينُ، دون البيان عنه بأنه بمعنى نرجو ونَخاف- وإن كان الرّجاء والخوف لا يكونان إلا مع ذلة- لأنّ العبودية، عندَ جميع العرب أصلُها الذلّة، وأنها تسمي الطريقَ المذلَّلَ الذي قد وَطِئته الأقدام، وذلّلته السابلة: معبَّدًا.”[21]
فقد أخذ الطبري بالتفسير اللغوي دون المروي، مراعياً فيه أصل دلالة استعمالات التركيب، وهو الذلة كما توجد في الطريق المعبد، والبعير المعبد، وغير ذلك.
ولا يخفى على أحد أن اختلاف التفاسير تترتب عليه أوامر، أو تسقط به أحكام، لذا كان تحرّي المعنى الدقيق في تفسير كل لفظة بالعودة إلى أصل وضعها، وفهم ولادتها ونموها، ثم النظر إليها في سياقاتها المختلفة وفهم المراد منها أمراً مهماً، ومن أسوأ المحاولات في تفسير القرآن الكريم تلك التي نزعت الأصل عن دلالته، ورمت به عرض الحائط، وألبست الألفاظ دلالات فاسدة لا تعتمد على أصل ولا لغة، وبنت عليها أحكاماً بعيدة عن الصواب، فضلت بها وأضلَّت، وهذا ما سأتناوله وأركز عليه في المطلب الثاني.
دور دلالة الأصل في صحة تفسير ألفاظ القرآن الكريم:
إن تفسير الألفاظ القرآنية يأتي من خلال فهم سياق دلالاتها الأصلية، وبذلك يتأتَّى لنا الوصول إلى المراد من اللفظ، وبالتالي فإن إغفال مراعاة الأصل الدلالي سيودي بنا إلى معانٍ بعيدة عن المراد، أو معانٍ سقيمة معوجَّة يتغير بها المعنى، وقد يترتب عليه تغيُّر الاعتقادات والأحكام.
إن إهمال هذا البعد اللغوي قد يؤدي إلى تحريف مقاصد الشريعة، كما أنه يخلق فجوة بين النص ومقاصده الحقيقية، ما يبرز أهمية التعمق في دراسة أصول الألفاظ اللغوية وتطور دلالاتها عبر الزمن، ولا يكون ذلك إلا بالعودة إلى تراثنا القيِّم الذي أرسى دعائمه علماء مخلصون في مجالات متعددة، في كتب اللغة والمعاجم والتفسير وغيرها من الكتب التي حفظت تراثنا الإسلامي وجمعت علومه، وبدون هذه الروابط العلمية بين الماضي والحاضر، المتقدم والمتأخر، ستُبتر العلاقات وتنقطع الصلات بيننا وبين علمائنا المتقدمين، ويُفسر القرآن بالأهواء والأوهام كلٌّ حسب كفايته، وستطفو في مجتمعاتنا انحرافات دينية كثيرة مبررة بأدلة واهية، وهذا الكلام ليس ضرباً من الخيال، فلقد حاول كثير من العابثين بسطحية بالغة إيضاح معاني الكلمات بعيداً عن أصلها اللغوي فضلوا وأضلوا. “وأشد ما تضمنته هذه الدعوات أن القرآن سوف يفسر بدلالات عرفية آنية لكل زمان، ومن ثم تسقط غالب الأحكام التي انبنت على تلك الدلالات، ولعلنا رأينا الانحراف العلمي الذي وقع فيه محمد شحرور وأمثاله، بسبب تبنيهم الواقع الاستعمالي الآني دون ربطه بالواقع الاستعمالي زمن النزول، وذلك لأن دلالات الألفاظ قد تنتقل من العموم إلى الخصوص والعكس ومن الحقيقة إلى المجاز.”[22]
وسأركز في هذا القسم على أمثلة في تفسير ألفاظ القرآن الكريم بما يخالف مقاصدها الأصلية.
المطلب الثاني: التفسير بدون مراعاة دلالات الألفاظ اللغوية[23]
لابد لمن أراد التصدر لتفسير كتاب الله أن يفطن أولاً لأهمية الحفاظ على رباط التراث المتأصل الذي يربط بيننا وبين علمائنا، وجهودهم في تفسير كلام الله تعالى، وعدم إهمال معطيات أي عصر تثري معاني الألفاظ، ولا شك أن العودة إلى فهم معاني الأصول اللغوية، وفهم دلالات الألفاظ الحقيقية، وكيف تطور معناها، يعيننا على فهم مراد الله عز وجل.
بالتالي إذا نحن انفككنا من رباط التراث المتأصل ذاك، واعتمدنا على تفسير الألفاظ بعيداً عن قواعد التفسير وأصوله، واستغنينا عن التأصيل، واستحدثنا دلالات آنية، وأغفلنا الأبعاد اللغوية، وما أحاط به العلماء والمتقدمين، عندها سنصل إلى تفسيرات خاطئة سطحية، يترتب عليها فهم مغلوط للنصوص، وربما تغيير للرسالة المقصودة، لذا يجب على المفسرين توخي الحذر والتعمق في دراسة الأصول اللغوية للكلمات، لضمان دقة التفسير، وتجنب الأخطاء الفادحة، لأن الثوابت ثابتة بالعقل والنقل ومحاولة إزالتها وتحريكها هدم للأحكام، وردم للحقائق.
كثيرون أولئك الذين تبنوا هذا الفكر وانتهجوا منهجاً انفصموا فيه عن تاريخ الكلمة ومعناها، كان منهم على سبيل المثال لا الحصر نصر حامد أبو زيد، إذ قال في كتابه النص السلطة الحقيقة: ” إن ربط مركبة اللغة والمجاز بقاطرة الدين والعقيدة هو المسؤول دون شك عن حالة الارتباك والتشوش في فهم الظاهرة”[24] فأولاً: عكس النصوص على مرآة اللغة العربية لديه يثير فوضى في فهم المعاني.
ويضيف: “إن الإيمان بحرفية الدلالات التي وردت في النصوص الدينية عن الله خاصة ما ورد عن العرش والكرسي والملائكة الذين يحملونه، وكذلك ما ورد عن الحياة الأخروية كالصراط والحوض وعذاب القبر منكر ونكير، ناهيك بما ورد كذلك عن المسيح الدجال والمعركة النهائية الفاصلة بين الكفر والإيمان، لا يمارس تأثيره على مستوى العقيدة وحدها، الأخطر من ذلك تأثير هذا الفهم الحرفي على بنية الوعي الاجتماعي والسياسي، وهو تأثير واقع وملموس في جميع مستويات واقعنا العربي الإسلامي…”[25]وهو ثانياً: يشكك في حرفية الدلالات.
وبعدها يقول: “إن اللغة لا تنتمي من حيث الدلالة لهذا العالم الذي نعيش فيه، وإن كانت تنتمي إليه من حيث هي أصوات ومخارج حروف. تنتمي دلالة اللغة – لبابها الحقيقي – إلى عالم الملكوت وتدل عليه.”[26]
وهو هنا يحرك الدلالات ليتغير معناها، ومنتهى الأمر عنده التلاعب بالدلالات أو المخادعة الدلالية كما أسماها وهي تحريك الدلالة اللغوية من هنا إلى هناك، فيقول:”إن العلاقة بين الدلالة الدال والمدلول في لغتنا المتداولة علاقة مجازية، لأن عالمنا هذا ليس عالم المعاني، وإذا كانت المعاني تنتمي إلى هناك – عالم الملكوت – فمن الطبيعي بأن تكون دلالتها – اللغة ـ على المعاني الماثلة في ذلك العالم هي الحقيقية، بعبارة أخرى لا تدل اللغة على عالمنا هذا ولا تشير إليه إلا بطريقة غير مباشرة، والذين يفهمون دلالتها بوصفها دلالة على هذا العالم لا يفهمون في الواقع إلا الدلالة الظاهرة ولا يتجاوزون إطار القشر الظاهري للمعنى..” [27]
ويضيف: “ليس الإصبع هو ذلك العضو المعروف من اليد الإنسانية بل هو عملية «التقليب»، وكذلك ليس القلم هو الأداة التي تستخدم في الكتاب بل هو عملية الكتابة ذاتها ومن السهل أن ندرك أن عملية التحريك الدلالي تلك تعتمد أساساً على عملية أخرى يمكن أن نطلق عليها اسم المخادعة الدلالية.”[28]
فبرأيه لا بد لنا من التأويل والترميز للتحرر من سجن الأوهام والابتعاد عن المشوشات التي تخفي الحقائق، وهذا انسلاخ خطير في سلب الألفاظ معانيها الحقيقية، وادعاءٌ عجيب في أن هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى ليست إلا مجازية.
وليوضح لنا رأيه يمثل بقوله:“انظروا إلى قوله على قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع (الرحمن)، فإن روح الإصبع القدرة على سرعة التقليب وإنما قلب المؤمن بين لمة الملك وبين لمة الشيطان هذا يغويه وهذا يهديه. والله تعالى بهما يقلب قلوب العباد كما تقلب الأشياء أنت بين إصبعيك، فانظر كيف شارك نسبة الملكين المسخرين إلى الله تعالى إصبعيك في روح إصبعية وخالفها في الصورة؟.. ومتى عرفت معنى الإصبع أمكنك الترقي إلى القلم واليد واليمين والوجه والصورة، وأخذت جميعها معنى روحانياً لا جسمانياً فتعلم أن روح القلم وحقيقته من تحقيقها إذا ذكرت حد القلم هو الذي يكتب به، فإن كان في الوجود شيء يتسطر بواسطاته نقش العلوم في ألواح القلب فأخلق به أن يكون هذا القلم، فإن الله تعالى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، وهذا القلم روحاني إذا وجدت فيه روح القلم وحقيقته، ولم يُعْوِزْه إلا صورة وكون القلم من خشب أو قصب ليس من حقيقة القلم، ولذلك لا يوجد في حده الحقيقي، ولكل شيء حد هي روحه.”[29]
ويعلل ثورته تلك بقوله: “ليست الدعوة إلى فك ذلك الارتباط بما نتج عنه هيمنة النصوص الدينية خروجاً عن الدين أو مروقا من العقيدة، فالدين له مجالات فعالية لا يستطيع أن ينكرها أحد، ومما لا يستطيع أن ينكره أحد أن مجال الدراسات اللغوية والأدبية تقع خارج مجال تلك الفعالية، إننا نفهم ما وقع فيه القدماء ونفسره، ولكن من الخطر الفادح أن نكرره.”[30]
وهنا أقول إن مجال إعمال الفكر واسع خصب، وإن التملص من التسليم إلى الأصول اللغوية والتراث الذي أثرى مصادرنا، وأضاء أفقنا بنور وضاح، واللجوء إلى تحريك الدلالة والمخادعة الدلالية سيفتح أبواباً كثيرة من الشرود في المعاني والفساد في الآراء، لأن الناس إن تحرروا من حدود البحث تعددت آراؤهم بتعددهم وأخذ كل منهم طريقا لا يشبه به غيره، فلقائل أن يقول إن الإصبع ليست عميلة التقليب بل هي إرادة الله، والآخر سيقول بل هي قدرته، إلى غير ذلك، ولا عجب أن ترى من يماثلك الفكر في الخروج عن الأصل، ويخالفك الاستدلال، ويتحرر من دلالاتك أيضاً.
فمذهب التحرر هذا إن نجح في مكان لن ينجح في الآخر، لأن النتائج ستكون مختلفة وقد تكون متضاربة باختلاف الناس وعقلياتهم، ويستحيل أن تتآلف العقول وتنتج حصيلة متشابهة ولو في أدنى حدودها!
وهنا أذكر ما أورده محمد شحرور في تفسير القلم نفسه، إذ لم يرَ القلم هو عملية الكتابة نفسها كما رآه نصر حامد، بل وجده يدل على تمييز الأشكال بصفاتها بعضها من بعض والتعرّف إليها، أي هو عملية التقليم فالعين تقلّم الأشكال والألوان، والأذن تقلّم الأصوات، واللسان يقلّم الطعوم، والقلم هو وسيلة اكتساب المخلوقات كلها للمعارف، سواء العاقل منها أو غير العاقل، بما فيها الملائكة.[31]
وقد تابع رؤية الخروج عن الموروث اللغوي، وفك الارتباط به محمد شحرور، وقدم تفسيرات خالفت المفاهيم اللغوية وتناقضها، وأعاد النظر في العديد من المفاهيم التي تم تأصيلها عبر العصور، ومن هنا، ظهرت لديه تفسيرات خاطئة اعتمدت على مقارباته العقلية فقط، وأهملت الأصول اللغوية، مع أنه هو الذي قال في مقدمة كتابه دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم: “عند تأويل آيات التنزيل الحكيم لا بد من الإمساك بالخيط اللغوي الرفيع الذي لا يجوز تركه، والذي يربط ويصل الشكل بالمضمون، لأنّه إذا انقطع هذا الخيط بين البنية والدلالة تصبح احتمالات معاني الآيات لانهائية.”[32]
لكنه يفلت هذا الخيط في مواضع أخرى ويقول: “الألفاظ خدم للمعاني، فالمعاني هي المالكة لسياستها والمتحكمة فيها، ووظيفة اللغة هي آلية التفكير ونقل ما يريده متكلم إلى سامع، حين يخاطب المتكلم سامعاً، فهو لا يقصد إفهامه معاني الكلمات المفردة، لذا فالثقافة المعجمية غير كافية لفهم أي نص لغوي، فما بالك إن كان النص هو التنزيل الحكيم، فالمعاني موجودة في النظم، لا في الألفاظ كلّ على حدة.”[33]
من الواضح أن محاولة إنكار الأصل الدلالي، ومقاومة الاعتراف به، لا يمكن أن تثبت كثيراً، وإن نجحت في مكان لن تنجح في الآخر، وهذا ما يفسر التأرجح والتخبط في أقوال الكاتب نفسه، فمرة يركز على أهمية الأصل اللغوي، ومرة يدعي عدم كفايته في إيضاح المعاني.
ولنتجاوز هذا التناقض النظري، ولنلتفت إلى منهجيته في التطبيق، لنرى مدى عمق كلامه، وهل ستُظهر هذه المنهجية فعلاً جدوى أو ابتكاراً يتجاوز الأساليب التقليدية، أم أن تفويت الاعتناء بالأصول الدلالية سيفقد المنهجية الدقة والمصداقية.
انظر إلى تفسيره الحجاب: فقد حصره في معنى مكاني بحت، وهو عبارة عن ساترٍ لحجْب من يقف وراءه عن الرؤية، ولا علاقة للحجاب باللباس.[34]
وبناء على كلامه، ليس على المرأة ستر جسدها كاملاً، لأن الله أمر النساء بالتستر في قوله تعالى (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) [النور: 31]
ولو رجعنا إلى معنى الجيوب عند شحرور، لوجدنا الجيب في كل طبقتين قد يكون بينهما شيء ما، فمن هنا جاء جيب القميص مثلاً، والجيوب المذكورة هنا هي الموجودة في خلقة الإنسان، منها ظاهرة ومنها مخفيّة، أمّا الظاهرة فهي الموجودة في الوجه (الفم، الأنف، العينان، الأذنان)، وجمال الوجه أساساً يكمن في الجيوب من حيث وضعها وحجمها ولونها وتناسبها، أما المخفية فهي الموجودة في باقي جسد المرأة وهي: الفرج والإليتان وتحت الإبطين وفتحة الصدر، وهذه الجيوب هي التي تعد من خصوصيات المرأة، لذا ذكر في الآية ما يخص المرأة من الزينة المخفيّة فقط، وحدّد لمن يمكن مشاهدتها.[35]
مع أن الجيب في كتب اللغة ورد بأنه: “كل مجوف وسطه”[36]، والجَيْب: “جَيْب الْقَمِيص والدرع. وَالْجمع: جُيُوب، وَفِي التَّنْزِيل: (ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهنَّ على جيوبهنّ) [النور: 31] وجِبْت الْقَمِيص: قورت جيبه، وجَيَّبته جعلت لَهُ جيبا.”[37]
وفي مثال آخر انظر إلى تفسيره كلمة الفتى: فقد فسرها بالإنسان المرتبط حياتياً بشخص آخر، والفتوى مرتبطة بصاحبها، كأن نقول: فتوى فلان.[38]
لكننا لو دققنا لعرفنا أن دلالة الأصل تلك فاسدة، لأن الأصل الدلالي لفتى يدل على المفارقة، مفارقة الشخص لطور الطفولة وبلوغ مرحلة الشباب، وهي كذلك في الفتوى، مفارقة اشتباه الأمر وتشابكه إلى التمييز وفَضّ الالتباس.[39]
بهذه الدلالة تتسق المعاني الواردة في كل الآيات، لا في بعضها دون الآخر، وإن كان هو قد فسرها بالارتباط فهل يمكن لغيره أن يفسرها بالقوة أو بالمصاحبة أو بالانتساب؟! وما الأصح أو الأقوى ضمن هذه التفاسير؟
إن فظاعة التأويل المنحرف تكمن في أنه لا يقتصر على مجرد تفسير الألفاظ بشكل غير دقيق، بل يمتد ليشمل تغيير الأحكام الشرعية بناءً على تفاسير مغلوطة وغير مؤصلة، ولو أن تفسير الألفاظ دائر حول نفس الألفاظ، لقلنا دارت الأفلاك في مداراتها، لكن مناط الأحكام متعلق بمعاني الألفاظ ودلالاتها، وبالتالي يمكن أن يؤثر فساد المعاني على أصول عقدية ودينية بشكل كبير، مما يؤدي إلى تحريفٍ في الفهم والتطبيق.
الإشكالات المنهجية في تفسير ألفاظ القرآن الكريم:
وتتجلى هذه الإشكالات في عدّة نواحٍ أذكر منها:
- التفسير بالأهواء:
لا يدرك مرامي الآيات الكريمة ويعتبر بها إلا من كان ذا عقل راجح، ولبٍّ نيِّر، غير منجرف وراء أهواء تسعى لنشر الأفكار الزائفة الفاسدة، المدفوعة لتقوي مذهباً أو تدعم رأياً، دون اعتبار الحقيقة، أو الأخذ بالأدلة العلمية والشرعية الصحيحة.
والأمثلة على مثل هذه التفسيرات الملتوية تتجدد باستمرار في كل عصر، فلا يكاد يمر زمان إلا وتجد من يحاول تحريف النصوص القرآنية، وتطويعها لخدمة أهداف شخصية أو فكرية منحرفة، متجاهلاً بذلك أمانة التفسير، والالتزام بالمنهج السليم الذي تبعه العلماء على مر العصور.
“فالأهواء تدفع أصحابها إلى نصرة مذهبهم، فيغرون الناس بلين الكلام ولحن البيان، كدأب طوائف القدرية والرافضة والمعتزلة ونحوهم من غلاة المذاهب.”[40]
وقد سبقت الإشارة إلى أمثلة كثيرة، كان تفسير القرآن الكريم فيها بناءً على أهواء شخصية ومصالح خاصة، وكانت الأهواء فيها هي المحرك الأساسي، وليس البحث عن الحقيقة أو الفهم الصحيح للنصوص الشرعية، مما أدى إلى تشويه المقاصد الشرعية، وإسقاط كثير من المعاني غير صحيحة عليها.
- ضعف المعرفة بلُغة العرب وغريب ألفاظها وأساليبها في التعبير:
إن ضعف الإلمام بالعربية يورد الجاهل موارد مهلكةً جسيمةً عند تصدره لتفسير القرآن الكريم، فاللغة العربية متأصلة بجذورها، غنية بدلالاتها، منسجمة ومترابطة بكل جزئياتها، ومن افتقر إلى المعرفة العميقة بلغة العرب، وأساليبها عجز عن إدراك معاني الألفاظ الدقيقة ودلالاتها، مما قد يورطه في تفاسير خاطئة ومضللة، ويؤدي إلى تحريف المقاصد الإلهية.
وقد جعل العلماء تعلُّم هذا العلم ضرورياً لمن أراد تفسير كتاب الله، يقول الزركشي: “ومعرفة هذا الفن للمفسر ضروري، وإلا فلا يحل له الإقدام على كتاب الله تعالى.. وقد روي عن الإمام مالك بن أنس: لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالا، وقال مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب”[41].
ومثال ذلك كلمة أمي وبالعودة إلى جذرها نجد معناها: “كُلُّ شَيْءٍ يُضَمُّ إِلَيْهِ مَا سِوَاهُ مِمَّا يَلِيهِ أو مما يجانسه أي يلحق بعضه ببعض في حيّز يحيط بظاهرها بلطف”[42]
والشخص الأُمِّيُّ: “الذي لا يكتب أو يقرأ نسبوه إلى أمه أي ما عليه جَبَلَتْه أمُّه، يمكن أن يكون قد نُسَب إلى عِلّة تسمية الأم: أنها الأصل الجامع، وهو على أصل جبلته وفطرته،{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ} [الأعراف: 158]
أما بالنسبة لمن فرض عليهم تعلُّم كتاب أُنزل عليهم، فلم يفقهوه، فالأمية ذمٌّ لهم{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78]
وقيل: الأُمِّيَّة: الغفلة والجهالة، فالأميّ منه، وذلك هو قلة المعرفة “.[43]
ومع كل هذا الكلام المؤصل نجد من لا يعبأ بالنظر في أصل الكلمة الدلالي، وكل المقدمات السابقة، ليقدّم تفسيراً غير تقليدي، يصل فيه إلى أن الأمي هو الذي لا ينتمي إلى أهل الكتاب، مما يعني أنه ليس من اليهود أو المسيحيين. [44]
ومنهم من يقول: إن الأمية لا تشير إلى عدم القدرة على القراءة والكتابة، بل إلى أنه من “الأمة” التي لم ينزل عليها كتاب سماوي سابقًا.[45]
والسؤال هنا: على أي أساس تقرر هذا التعريف؟ وما المقدمات المنطقية التي أوصلت لهذا الاستنتاج؟
- محاولة ربط المفاهيم الدينية بالعلوم الحديثة:
لا شك أن المواءمة بين كلام الله تعالى ومعطيات العلوم الحديثة ستظهر لنا وجوه إعجاز بارعة في القرآن الكريم، بما يحتويه من إشارات علمية دقيقة سبقت الاكتشافات الحديثة، وأن هذه الروابط ستساعد في تعزيز الإيمان وبيان أن العلم والدين متكاملان في أوجه كثيرة، لكن تطويع النص لما نرتضيه، ومحاولة إسقاط المفاهيم العلمية الحديثة على النصوص الدينية، قد يؤدي إلى تحريف معاني النصوص الأصلية، أو تحميلها ما لا تحتمل، سيما إذا غابت المعرفة الراسخة بأسس العلم والدين.
فمن الغريب أن تُفسَّر كلمة مرقوم في القرآن (كِتَابٌ مَرْقُومٌ) [المطففين: 18] من خلال ربطها بمفهوم الديجيتال Digital أي تسجيلها بطريقة رقمية (Digitalized) باستخدام الأرقام، بطريقة مشابهة لما نعرفه اليوم بالبيانات الرقمية التي تُسجل باستخدام الأرقام والرموز[46]، وكان يكفي أن يذكر أن أصل الرقم في اللغة هو التمييز بكتابة وعلامة ثابتة لا تُمحى ولا تُنسى كالرقم في الثوب.[47]
وكذلك الأمر في قوله تعالى: (يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً) [الزلزلة:5]، قيل فيها يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم، من خلال شاشات تُبث فيها الأعمال كلها، إذ من العسير أن يرى العبد كل أعماله في كتاب واحد، فأي كتاب سيحوي ما قدم العبد! بل هي شاشات تبث العمل كما تلقته الملائكة بالصوت والصورة معاً، ثم نقلته إلى ملف عليين أو سجين.[48]
وكان يكفينا أن نعلم أن الرؤية تحتمل أن تكون قلبية قبل أن نسلم كونها بصرية، بدل أن نسلك هذا الطريق الطويل.
الطريقة الصحيحة في دراسة دلالة الألفاظ اللغوية.
ينبغي اتباع منهجية دقيقة في دراسة دلالة الألفاظ اللغوية بطريقة صحيحة، تركز على فهم الجذر اللغوي، وتطور معناه في سياقات متنوعة، وفيما يلي بعض النقاط الأساسية التي ينبغي مراعاتها لمن أراد دراسة دلالة الأصل:
- أن يكون ملمَّاً في علوم اللسان العربيّ:
ينبغي على من أراد تفسير الألفاظ وتتبع معناها أن يكون على دراية شاملة بعلوم اللسان العربي، ففيها الأدوات الضرورية لفهم الألفاظ وجذورها “اللّغة والنّحو والبيان والأدب معرفتها ضروريّة على أهل الشّريعة، إذ مأخذ الأحكام الشّرعيّة كلّها من الكتاب والسّنّة، وهي بلغة العرب، ونقلتها من الصّحابة والتّابعين عرب، وشرح مشكلاتها من لغاتهم، فلا بدّ من معرفة العلوم المتعلّقة بهذا اللّسان، لمن أراد علم الشّريعة.”[49]
- أن يتدبر الألفاظ القرآنية بعناية ودراية كي لا يقع في الخطأ:
روى الخطابي عن أبي العالية أنه سئل عن معنى قوله: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 5] فقال: “هو الذي ينصرف عن صلاته ولا يدري عن شفع أو وتر قال الحسن مه يا أبا العالية ليس هكذا، بل الذين سهوا عن ميقاتهم حتى تفوتهم، ألا ترى قوله: {عن صلاتهم}.
وإنما أتى أبو العالية في هذا حديث لم يفرق بين حرف عن وفي، فتنبه له الحسن فقال: ألا ترى قوله: {عن صلاتهم} يؤيد أن السهو الذي هو الغلط في العدد إنما هو يعرض في الصلاة بعد ملابستها، فلو كان هو المراد لقيل: في صلاتهم ساهون ، فلما قال عن صلاتهم دل على أن المراد به الذهاب عن الوقت.”[50]
والأمثلة كثيرة في آيات يمكن أن يتغير معناها بناءً على فهم خاطئ لدلالة الألفاظ، أذكر منها:
- قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل: 6] أي حين تردونها بالعشي من المرعى إلى مراحها يقال: أراح الماشية إذا ردها إلى المراح[51]، وليس المقصود من “تريحون” هنا الراحة أو السكون.
- وقوله تعالى: (سُكِّرت أبصارنا) [الحجر:15]؛ أي أصيبت بالسكر[52] والدهشة، أي سُدّت وأُغلقت من شدة ما رأته.
- وقوله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ) [الأنفال: 48]
جارٌ لكم أي أنا أجيركم[53] وأنتم في ذمتي وحمايتي وليس المراد أنه جار لهم أي مقيم بجوارهم.
- وقوله تعالى: (عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ) [المائدة: 19] الفترة هنا بمعنى الفتور وهو سكون بعد حدّة[54]، وليس المدة.
- وقوله تعالى: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) [القارعة: 9]أي مثواه النار،[55] لا أمه التي أنجبته.
- أن يبحث عن جذر اللفظ وأصله الثلاثي ووزنه، ويرجع الكلمة لبابها الصرفي وماذا يفيد، مع ذكر ما اعترى الكلمة من إعلال أو إبدال أو غيره إن وجد.
- أن يستند إلى المراجع اللغوية:
لا بد لدارس كلام الله عزوجل من العودة إلى كتب اللغة والغريب التي تناولت شرح الألفاظ، ومعانيها ودلالاتها، كي تعينه على فهم عميق للفظ وأبعاده، كما تعينه فهم تطور دلالة الكلمات ومآلاتها. ومن ذلك فهم غريب الألفاظ في القرآن الحديث الذي يعد المادة التفسيرية والمذكرة الإيضاحية للقرآن، وذلك لفهم الاحتمالات المختلفة لمعاني اللفظ. كقوله صلى الله عليه وسلم: “يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم”،[56] فقد ذكر ابن الأثير عدة معان بحسب الأصل الذي يرجع إليه اللفظ، فمن ذلك: أن الأبهر عرق في الظهر، وهما أبهران. ومنه: أنه الأكحلان اللذان في الذراعين. ومنه أنه عرق مستبطن القلب فإذا انقطع لم تبق معه حياة، ومنه أنه عرق منشؤه من الرأس ويمتد إلى القدم، وله شرايين تتصل بأكثر الأطراف والبدن، فالذي في الرأس منه يسمى النأمة، ويمتد إلى الحلق فيسمى فيه الوريد، ويمتد إلى الصدر فيسمى الأبهر، ويمتد إلى الظهر فيسمى الوتين، والفؤاد معلق به، ويمتد إلى الفخذ فيسمى النسا، ويمتد إلى الساق فيسمى الصافن”، وهكذا نرى الاختلاف في المعاني وكلها ترجع إلى أصل واحد.[57]
- أن يرجع إلى كتب التفسير:
لابد من البحث والتعمق في كتب التفسير التي شرحت المفردات القرآنية ضمن سياقاتها المنتوعة، وهي خطوة أساسية تساهم في توضيح معاني الكلمات وتحليل دلالاتها، وجهد العلماء جهد فكري عميق لا يستهان به، عكسوا فهمهم وآراءهم واجتهاداتهم في فهم النصوص القرآنية، بناءً على ما توفَّر لديهم من معارف لغوية وبلاغية ونحو ودلالات، لا من خلال تأولات وفلسفات جوفاء.
- أن يعرف مشتقات كل كلمة في القرآن وسرّ مجيئها متنوعة، ومراعاة التناسب اللفظي والمعنوي في كل موضوع.
- أن يستنتج دلالة الأصل المتكررة في كل سياقات اللفظ التي وردت في الكتب، وهنا علينا أن ننتبه إلى أننا قد نجد ألفاظاً مختلفة المعاني ظاهرياً لكنها ذات تركيب واحد، وهنا تظهر قوة الباحث في استخراج دلالة اللفظ المشتركة وربطها مع كل المعاني الأخرى بسياقاتها المتعددة بمعنى عامٍّ واحد، مع توضيح وجه انتماء كل المفردات ذات التركيب الواحد إلى ذلك المعنى العام، حسياً كان أو معنوياً حقيقاً أومجازياً.
- أن يبحث في الوجوه والنظائر:
وقد صنف فيه قديما مقاتل بن سليمان وجمع فيه من المتأخرين ابن الزاغوني وأبو الفرج بن الجوزي والدامغاني الواعظ وأبو الحسين بن فارس وسمي كتابه الأفراد، ومنه الهدى لها سبعة عشر حرفا: بمعنى البيان والدين والإيمان والداعي والرسل والكتب والمعرفة وغيرها، ومنه ذكر الأسف كقوله تعالى (يَا آسَفَى عَلَى يُوسُفَ) [يوسف: 84] وقوله: (فَلَمَّا آسَفُونَا) [الزخرف: 55] أي أغضبونا، وقوله تعالى:(غَضْبَانَ أَسَفًا) [الأعراف: 150]: أي مغتاظاً[58]
- أن يبين سرّ الإعجاز القرآني:
من خلال الكلمات وسياقها في القرآن، وهذا فتح باب جديد لفهم القرآن وسرّ بلاغته وإعجازه، وضمّ علم إلى علومه، وهو علم «فقه لغة القرآن».
- أن يراعي الحقيقة من المجاز:
وهذا العلم أعظم أركان المفسر فإنه لا بد من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز من الحقيقة والمجاز وتأليف النظم وأن يواخي بين الموارد ويعتمد ما سيق له الكلام حتى لا يتنافر وغير ذلك .. قال السكاكي: “واعلم أن شأن الإعجاز عجيب يدرك ولا يمكن وصفه كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها وكالملاحة ولا طريق إلى تحصيله لذوي الفطر السليمة إلا إتقان علمي المعاني والبيان والتمرن فيهما”[59] وقال: “الزمخشري من حق مفسر كتاب الله الباهر وكلامه المعجز أن يتعاهد في مذاهبه بقاء النظم على حسنه والبلاغة على كمالها وما وقع به التحدي سليما من القادح وإذا لم يتعاهد أوضاع اللغة فهو من تعاهد النظم والبلاغة على مراحل.” [60]
نموذج دراسة كلمة (أم) من خلال الأصل الدلالي:
بعد عرضنا لمفهوم دلالة الأصل وتوضيح أهميتها البالغة في التفسير، وبيان العواقب التي قد تنشأ عند تجاهلها، إضافةً إلى عرض الأساليب الصحيحة التي ينبغي اتباعها للوصول إلى المعاني الدقيقة بشكل منهجي وسليم، سأقوم بتطبيق هذا المفهوم عبر تفسير لفظ (أم) سأتناول هذا اللفظ من خلال استحضار دلالة الأصل، وأستعرض كيف يمكن لهذا التوجه أن يسهم في الكشف عن المعاني الكامنة في النص القرآني، ويضيف عمقًا إلى الفهم التفسيري، مما يعزز من دقة التأويل وسلامته.
- وردت مادة (أ م م) في القرآن الكريم في 119 مرة، ب 22 لفظ، مثل: آمِّين، أمي، أمهاتكم، أئمة، أمم، إماما وغيرها، في 77 سورة مكية، و42 سورة مدنية.
أولاً: دلالة الأصل اللغوية في جذر أمم:
متقاربة |
ذات صلة |
||||
الأصل |
المرجع |
الجماعة |
الدين |
الحين |
القصد |
الأُم أُمُّ الرَّأْسِ أم القرى أمّ النجوم أمّ الكتاب الأمي |
فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ |
أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً |
إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً |
وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ |
آمِّينَ البيت الإمام |
دلالة الأصل في كلمة (أم) هي كُلُّ شَيْءٍ يُضَمُّ أو يُقصد إِلَيْهِ مَا سِوَاهُ مِمَّا يَلِيه |
أمم “الهمزة والْميم أَصلٌ واحِدٌ، يتفرع منه عدة أبواب، أربع أَبوابٍ متقاربة، وَهِيَ الأصلُ وَالمرْجع وَالْجَمَاعَةُ وَالدِّينُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ أُصلان هما الْحِينُ وَالْقَصْدُ، وهي كُلُّ شَيْءٍ يُضَمُّ إِلَيْهِ مَا سِوَاهُ مِمَّا يَلِيه [61]
“أو مما يجانسه أي يلحق بعضه ببعض في حيّز يحيط بظاهرها بلطف”[62]
ثانياً: دلالات مادة أمم:
الدلالة الحقيقية:
- الأُمُّ بإزاء الأب، التي ولدته، والبعيدة التي ولدت من ولدته، وكان الولد منتمياً ومنسوباً لها، ولهذا قيل لحوّاء: هي أمنا، وإن كان بيننا وبينها وسائط.
ويقال لكل ما كان أصلا لوجود شيء أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه أم، ويقال أمهات المؤمنين هن أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلم سمّاهن الله تعالى بذلك فقال: (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب/ 6]
الوالدةُ، والجميع: الأمّهات، فالأم هي التي تنجب وترع، وهذا المعنى الحقيقي للكلمة وكل ما سواه من المجاز يقترب ويبتعد عن المعنى الأصلي، ليستعير من صفات الأم، كالأصل والضم والمرجع [63]
- أُمُّ الرَّأْسِ الكيس أو الجِلْدة التي تجمع الدماغ أو المخ الذي في الجُمجُمه، وَهُوَ الدِّمَاغ، وَأمَّ رَأسه بالعصا يؤمه إِذا أصَاب أم رَأسه وَهِي أم الدِّمَاغ وَهِي التي تضم كل أعضاء الجسد، فَهُوَ أميم ومأموم والشجة آمة، يُقَال: أممت الرجل إِذا شججته وأممته إِذا قصدته[64].
الدلالة المجازية:
- الأصل:
- أم القرى مكة، وقال تعالى: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) [الشورى:7] لأن غيرها من المدن يلحق بها.[65]
- أمّ النجوم: المجرّة، لأن غيرها من النجوم والكواكب تابع لها. [66]
- أمّ الكتاب أي فاتحة الكتاب: لكونها مبدأ الكتاب، وقد تكون للإعلام بأنها معظم الكتاب وعمدة ما فيه لأن غيرها يرد إليها والعرب تسمي كل جامع يكون مرجعا أمّا.
والله قد أنزل أمُّ كتاب على كلِّ نبيٍّ فيها كلُّ ما أحلَّ وحرَّم ومعناه: أنها أصل الكتاب الذي يُعمل عليه قَالَ تعالى: (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) [آل عمران: 7] وَلَمْ يَقُلْ أُمَّهَاتِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْآيَاتِ كُلَّهَا فِي تَكَامُلِهَا وَاجْتِمَاعِهَا كَالْآيَةِ الْوَاحِدَةِ.
وقال تعالى: (وإنه في أم الكتاب لدينا)، [الزخرف:4] أي في حقيقته أصل الكتاب، وهو أبلغ لأن الأم أجمع وأظهر فيما يرد إليه مما ينشأ عنها وسبب استعارة لفظ الأم للأصل، لأن الأولاد تنشأ من الأم كما تنشأ الفروع من الأصول.
وحكمة ذلك تقريب ذلك للأذهان وتصوير ما ليس بمرئي ليصير مرئياً، فينتقل السامع من السماع إلى العيان، وذلك أبلغ في البيان.[67]
- الشخص الأُمِّيُّ: الذي لم يتعلم القراءة أو الكتابة بل بقي على ما هو عليه في أصله من عدم العلم، نسبوه إلى أمه أي ما عليه جَبَلَتْه أمُّه.
نُسَب إلى عِلّة تسمية الأم: أنها الأصل الجامع، وهو على أصل فطرته،(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ) [الأعراف: 158] أما بالنسبة لمن فُرض عليهم تعلُّم كتاب أُنزل عليهم، فلم يفقهوه، فالأُمّية ذَمٌّ لهم[68]
وقد ذكر في إعجاز هذا اللفظ أن معنى الأمّي كما كان يفهمه العرب في زمانهم، تعني الشخص الذي على جبلته كما ولدته أمه، لا يكتب، في الوقت الذي كانت فيه معظم الأمم تعرف الكتابة خارج الجزيرة العربية، إلا أن العرب رغم ذلك كانوا فصحاء في لغتهم، وقد اشتملت أقوالهم وأشعارهم عى بلاغة عالية توضح ذلك، فيتضح من هذا السياق أن الأمية كانت صفة وليست عيبًا، حيث أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي وُصف بالأمّي، لم يكن بحاجة للكتابة لنفي الشبهات عنه، بل كان ذلك مظهراً من مظاهر إعجاز الرسالة، ومع ذلك تبقى اللغة العربية من أرقى اللغات لاحتوائها على معانٍ بلاغية وصرفية غنية، مما يجعلها قادرة على حمل معاني القرآن بأسلوب متميز.[69]
- المرجع:
ويكون لفظ الأُم بمعنى المثوى والمرجع كما في قوله تعالى: (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) [القارعة/ 9] أي: مثواه النار فجعلها أمّا له.[70] فاسم الأم هاوية مجاز، كأنه يقول أن الأم كافلة لولدها ملجأ له، كذلك النار للكافرين كافلة ومأوى ومرجع لمن يستحقها.[71]
- الجماعة:
الأُمّة: “كل جماعة يجمعهم أمر ما إمّا دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيراً أو تخييراً”[72] وجمعها: أمم، وقوله تعالى: (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام/ 38]
جماعة من الناس كقوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران/ 104] ومعنى الآية أي مجموعة منكم يتخيّرون العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم ويعلمونهم إياه، وقوله: (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ) [النحل/ 120] أي: يقوم مقام جماعة في عبادة الله لكثرتها، نحو قولهم: فلان في نفسه قبيلة.[73]
- الدين:
- قد تأتي الأمة بمعنى الدين كقوله تعالى: (إنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف/ 22] أي: على دين مجتمع، وَكُلُّ قَوْمٍ نُسِبُوا إِلَى دين أو صفة أو ملة وأُضِيفُوا إِليها فهم أُمَّة، وَكُل جِيلٍ مِنَ النَّاسِ أُمَّةٌ عَلَى حِدَة [74].
- وقد تأتي بمعنى الصنف كقوله تعالى: (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [البقرة/ 213] أي: صنفا واحدا في الكفر أو الإيمان [75]
- الحين:
الأمة بمعنى الحين كقوله تعالى: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف/ 45] أي: بعد مرور زمن، والفترة مدة محدودة من السنين، وقيل الأَمَهُ: النسْيَان، وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ عقلُه مَعَه وبذلك يفهم معنى الآية في حق سيدنا يوسف عليه السلام. [76]
- القصد:
- الأَمُّ: القصد المستقيم، وهو التوجه نحو مقصود، وعلى ذلك: (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) [المائدة/ 2] ومنه الأمام أي قصد الشيء بشكل مستقيم، الْأَمَامُ: الْقُدَّامُ الذي يقصد عادة[77]
- والْإِمَامُ: ويجمع الإمام على أئمة وهو كل من اقتدى الناس به وقصدوه في أمور وقدموه على أنفسهم فِي أمور العبادة، وأول الأئمة وإمامهم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَلِيفَةُ إِمَامُ الرَّعِيَّةِ، وَالْقُرْآنُ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ، أمَّ الإِمام المسلمين: أي قاد المُؤتمّ به المصلين في صلاتهم، كأن يقتدى بقوله أو فعله، وقد يكون كتابا،.[78]
ثالثاً: وجوه الدلالة في كلمة (إمام، أمة)
ورد لفظ (أم) في كتب الوجوه والنظائر، حيث أشار العلماء إلى معانٍ عديدة تتعلق به، وتناولوه من زوايا مختلفة، تجمع بين ما أوردته كتب اللغويين والمفسرين، فضلاً عن ما جادت به عقولهم من أفكار وآراء، مما أضفى على معانيه عمقًا وتنوعاً، وقد ذكر أبو هلال العسكري لفظ الإمام في القرآن على أربعة أوجه:[79]
- بمعنى القائد، قال الله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)، [البقرة: 124] أي: قائدا في الخير مقتدى بك»
- الكتاب، قال الله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)، [الإسراء: 71] أي: بكتابهم الذي فيه أعمالهم. وقيل: بداعيهم الذي دعاهم إلى الهدى أو الضلالة. وقيل بدينهم.
- قوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [النبأ: 29]، يعني: اللوح المحفوظ، والشاهد قوله: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ)، [يس: 12] أي: نكتب ما سلف من أعمالهم، وما أثروه في الدنيا من سنن الخير أو الشر
- الطريق، قال الله تعالى: (وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ). [الحجر: 79] أي: بطريق واضح تمرون عليها في أسفاركم، يعني: القريتين المهلكتين؛ قرية قوم – لوط وأصحاب الأيكة.
وذكر كذلك لفظ الأمة في القرآن على عدة أوجه:[80]
- الجماعة، قال الله تعالى: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة: 128]
- الملة، قال الله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً). [البقرة: 213]
- أهل الإسلام بعينه، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا)، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110]
- مدة من الوقت: قال تعالى: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) [هود: 8]. يعني: سنين، ومثله قوله تعالى: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف: 45]. أي: بعد حين، لأنه جماعة أوقات وشهور.
- قال الله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ)، [النحل: 120] أي إماما يقتدى به في الخير، وقيل الأمة الرجل العظيم، وسمي بذلك؛ لأنه يؤم في الحوائج.
الإمام |
||||
القائد |
الكتاب |
اللوح المحفوظ |
الطريق |
|
جَاعِلُكَ لِلنَّاس إِمَامًا |
نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ |
أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ |
وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ |
|
الأمة |
||||
الجماعة |
الملة |
أهل الإسلام |
مدة من الوقت |
إماما يقتدى |
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً |
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً |
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ |
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ |
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ |
رابعاً: الانحراف التأويلي في كلمة (أم):
إن دلالة الأصل في جميع المعاني السابقة لكلمة أمم في كتب اللغة والتفسير والوجوه والنظائرهي دلالة واحدة وهي قصد الشيء وضمه، فلقد أشار لفظ (أم) إلى دلالة واحدة هي كل ما يضم ويقصد إلبه ما سواه، ومنه تفرعت استخدامات اللفظ بسياقاته، وعلى الرغم من أن هذه الدلالة تعبر عن معانٍ متفاوتة، إلا أن جميعها تنحدر تحت دلالة واحدة تعكس المعنى الجوهري للكلمة، لذا إن فهم دلالة الأصل ليس فقط ضرورة لتفسير اللفظ بدقة، بل أيضًا لفهم كيف يمكن أن تتغير معاني اللفظ بناءً على السياقات المختلفة.
ومع كل هذا الكلام المؤصل نجد من لا يعبأ بالنظر في أصل الكلمة الدلالي، وكل المقدمات السابقة، ليقدّم تفسيراً غير تقليدي، يصل فيه إلى أن الأمي هو الذي لا ينتمي إلى أهل الكتاب، مما يعني أنه ليس من اليهود أو المسيحيين. [81]
ومنهم من يقول: إن الأمية لا تشير إلى عدم القدرة على القراءة والكتابة، بل إلى أنه من “الأمة” التي لم ينزل عليها كتاب سماوي سابقًا.[82]
الخاتمة
تبيّن من خلال هذا البحث، أن دلالة الأصل اللغوي تمثل حجر زاوية مهم في تفسير ألفاظ القرآن الكريم، فهي رباط متين يربط بين الألفاظ وجذورها ومعانيها الحقيقية، وقد أولى علماؤنا الأوائل هذا الجانب عناية خاصة، حيث عايشوا العربية في ديارها، وبين أهلها وفهموا معانيها، ورصدوا ذلك في كتبهم، جمعاً ودراسة وتحليلاً، وتابعهم المتأخرون من العلماء في دراسة المفردات واستعمالاتها وتحرير معانيها، مما يوجب علينا الالتزام بتلك المنهجية العلمية في دراسة الألفاظ القرآنية، وتتبع معانيها ودراستها.
كما كشف البحث إلى أن إغفال دراسة دلالة الأصل في أبحاثنا، وتجاهل جهود علمائنا السابقين ومؤلفاتهم القيِّمة، أدى إلى ظهور تأويلات بعيدة عن المعنى المراد، ساهمت في انحراف فهم النصوص القرآنية، وأثرت سلباً على تفسير الأحكام الشرعية والعقيدة، مما أدى إلى خللٍ في فهم المعاني، وضياعٍ في الأحكام الشرعية، وسقوط الناس في متاهات القول، بعد أن اختلطت المعاني وانحرفت المقاصد عن إطارها الصحيح.
ولا بد من التنبيه هنا إلى خطورة التفسيرات التي تبنَّت دلالات سطحية، تجاهل أصحابها دلالة الأصل اللغوية، وأبعادها التاريخية والثقافية، معتمدين على السياقات الآنية دون الربط بالجذور اللغوية الأصيلة، واستعمالات العرب الأصيلة للكلمات، مما أدى إلى تفسيرات بعيدة عن مقاصد الشريعة.
وعليه فإن التصدي لهذه المحاولات أمر ضروري جداً، وذلك من خلال التأصيل اللغوي، والتأكيد على أهمية العودة إلى التراث العلمي من كتب اللغة والتفسير وغيرها، لفهم النصوص القرآنية على حقيقتها، بعيداً عن التأويلات التي تفتقر إلى العمق العلمي والمنهجي.
ومن هنا أقول: إن الحفاظ على دلالة الأصل لا يُعد مجرد خيار علمي يثري دراساتنا وأبحاثنا اللغوية، بل هو ضرورة دينية وعلمية، تضمن فهم المقاصده الإلهية في ضوء الحقائق اللغوية بشكل صحيح، بعيداً عن محاولات التفسير التي تفتقد إلى عمق البحث والتأصيل.
المصادر والمراجع:
- إبراهيم بن إسماعيل الأبياري، الموسوعة القرآنية، (مؤسسة سجل العرب، الطبعة: 1405 هـ) .
- ابن الأثير الجزري، المبارك بن محمد بن الأثير. النهاية في غريب الحديث والأثر. بيروت: المكتبة العلمية، 1399.
- أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، مقاييس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، (دار الفكر، عام النشر: 1399هـ – 1979م).
- إسماعيل بن عباد، المحيط في اللغة، تح: محمد حسن آل ياسين، (بيروت: عالم الكتب، الطبعة: الأولى، 1414 هـ – 1994 م) .
- إياس محمد حرب آل خطاب، القول المعتبر في بيان الإعجاز للحروف المقطعة من فواتح السور، (الخرطوم: مطابع برنتك للطباعة والتغليف، الطبعة: الأولى، 2011).
- البخاري، محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري. السعودية: جدة، دار طوق النجاة، 2001.
- بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، (دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه، الطبعة: الأولى، 1376 هـ – 1957 م)
- الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري، الوجوه والنظائر، تح: محمد عثمان (القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة: الأولى، 1428 هـ – 2007 م).
- الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى، المفردات في غريب القرآن، تح: صفوان عدنان الداودي، (دمشق، بيروت: دار القلم، الدار الشامية، الطبعة: الأولى – 1412 هـ).
- الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، تفسير البغوي معالم التنزيل في تفسير القرآن، تح: عبد الرزاق المهدي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة: الأولى، 1420 هـ).
- حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي، بيان إعجاز القرآن، تح: محمد خلف الله، د. محمد زغلول سلام (مصر: دار المعارف الطبعة: الثالثة، 1976م).
- الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري، معجم العين، تح: د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، (دار ومكتبة الهلال).
- شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول، تح: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، (مكتبة نزار مصطفى الباز، الطبعة: الأولى، 1416 هـ – 1995 م).
- شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تح: علي عبد الباري عطية، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415 هـ).
- عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تح: عبد السلام عبد الشافي محمد، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى – 1422 هـ).
- عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، معترك الأقران في إعجاز القرآن، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1408 هـ – 1988).
- عبد الرحمن بن خلدون، العِبَر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، مراجعة: د. سهيل زكار، (بيروت: دار الفكر، الطبعة: الأولى، 1401 هـ – 1981 م).
- علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تح: صفوان عدنان داوودي، (دار النشر: دار القلم، الدار الشامية – دمشق، بيروت، الطبعة: الأولى، 1415 هـ).
- علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، المحكم والمحيط الأعظم، تح: عبد الحميد هنداوي، (بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1421 هـ – 2000 م).
- علي بن عيسى بن علي بن عبد الله، أبو الحسن الرماني المعتزلي، النكت في إعجاز القرآن، تح: محمد خلف الله، د. محمد زغلول سلام، (مصر: دار المعارف، الطبعة: الثالثة، 1976 م).
- علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني، كتاب التعريفات، ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، (بيروت- لبنان: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى 1403هـ -1983م).
- علي منصور كيالي، النبي الأمي، https://www.youtube.com/watch?v=-0pgO13bLE4&list=PL1pdFd4pJVz8RWRa_szO6gD_dbE8LtWwg&index=4
- علي منصور كيالي، كيف سنرى أعمالنا يوم القيامة – كتاب مرقوم وليس مكتوب، https://www.youtube.com/watch?v=bYsA2kiupiA
- عمرو بن بحر بن محبوب، الشهير بالجاحظ، البيان والتبيين (بيروت: دار ومكتبة الهلال، عام النشر: 1423 هـ
- محمد المبارك، دراسة تحليلية مقارنة للكلمة العربية، (مطبعة جامعة دمشق، الطبعة الثانية، 1944).
- محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي، مختار الصحاح، تح: يوسف الشيخ محمد، (بيروت – صيدا: المكتبة العصرية – الدار النموذجية، الطبعة الخامسة، 1420 هـ / 1999 م).
- محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة، زهرة التفاسير، (دار الفكر العربي).
- محمد بن جرير الطبري، تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، (مكة المكرمة: توزيع: دار التربية والتراث، ط التربية والتراث).
- محمد حسن جبل، الدلالة المحورية في معجم المقاييس دراسة تحليلية نقدية، (مجلة كلية الآداب، جامعة المنصورة، العدد 26، سنة 2000).
- محمد حسن جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم (مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها)، (القاهرة: مكتبة الآداب، الطبعة: الأولى، 2010 م).
- محمد حسن جبل، علم الاشتقاق نظرياً وتطبيقياً، (القاهرة: دار الآداب، الطبعة الثالثة، 2023).
- محمد ذنون يونس، النظرية الوضعية في الدرس اللغوي القديم والمعاصر، (دار الروافد، 2024 م).
- محمد شحرور، الكتاب والقرآن (الأهالي، سورية، دمشق).
- محمد شحرور، دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم، (دار الساقي، الطبعة الأولى، 2016).
- محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، (القاهرة: دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، 1417 هـ – 1997 م) .
- محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، (القاهرة: دار الريان للتراث، بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة: الثالثة، 1407 هـ – 1987 م).
- محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله، أساس البلاغة، تح: محمد باسل عيون السود، (بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1419 هـ – 1998 م).
- مناع بن خليل القطان، مباحث في علوم القرآن، (مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الطبعة: الطبعة الثالثة 1421هـ- 2000م)
- نجم الدين العيسى، “علم غريب الحديث وأثره في فهم النَّص الحديثي دراسة موضوعية وصفية تطبيقية”، مجلة البحوث الإسلامية ليلوفا ١/١ (كانون الأول ٢٠٢٠)، ١٢٠- ١٤٧.
- نصر حامد أبو زيد، النص السلطة الحقيقة الفكر الديني بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة، (المركز الثقافي العربي، 1995 م).
KAYNAKÇA:
- Ahmad ibn Faris ibn Zakariya al-Qazwini al-Razi, Maqayis al-Lugha, ed. Abdul Salam Muhammad Harun, (Dar al-Fikr, 1399 AH – 1979).
- Ibrahim ibn Isma’il al-Abyari, Al-Mawsu’ah al-Qur’aniyah, (Mu’assasat Sijil al-Arab, 1405 AH).
- İbnü’l-Esîr, Mübârek b. Muhammed el-Cezerî. en-Nihâye fî garîbi’l-hadîs ve’l-eser. thk. Tâhir Ahmed ez-Zâvî vd. Beyrut: el-Mektebetü’l-İlmiyye, 1399.
- Ismail ibn Abbad, Al-Muhit fi al-Lugha, ed. Muhammad Hasan Al-Yasin, (Beirut: Alam al-Kutub, 1414 AH – 1994).
- Iyas Muhammad Harb Al-Khattab, Al-Qawl al-Mu’tabar fi Bayan al-I’jaz lil-Huruf al-Muqatta’ah fi Fawatih al-Suwar, (Khartoum: Brintik Printing and Binding Press, 2011).
- Al-Hasan ibn Abdullah ibn Sahl ibn Sa’id ibn Yahya ibn Mehran al-Askari, Al-Wujuh wal-Naza’ir, ed. Muhammad Uthman, (Cairo: Maktabat al-Thaqafa al-Diniyyah, 1428 AH – 2007).
- Al-Husayn ibn Muhammad al-Raghib al-Asfahani, Al-Mufradat fi Gharib al-Qur’an, ed. Safwan Adnan al-Daoudi, (Damascus, Beirut: Dar al-Qalam, 1412 AH).
- Al-Husayn ibn Mas’ud ibn Muhammad ibn al-Farra’ al-Baghawi al-Shafi’i, Tafsir al-Baghawi Ma’alim al-Tanzil fi Tafsir al-Qur’an, ed. Abdul Razaq al-Mahdi, (Beirut: Dar Ihya’ al-Turath al-Arabi, 1420 AH).
- Buhârî, Muhammed b. İsmâil. Sahîhu’l-Buhârî. thk. Muhammed Züheyr Nâsır. Cidde: Dâru Turuki’n-Necât, 2001.
- Badr al-Din Muhammad ibn Abdullah ibn Bahadir al-Zarkashi, Al-Burhan fi Ulum al-Quran, ed. Muhammad Abu al-Fadl Ibrahim, (Dar Ihya al-Kutub al-Arabiyya Isa al-Babi al-Halabi wa Shurakaa, 1st edition, 1376 AH – 1957 CE).
- Hamad ibn Muhammad ibn Ibrahim ibn al-Khattab al-Busti, known as Al-Khattabi, Bayan I’jaz al-Qur’an, ed. Muhammad Khalaf Allah, Dr. Muhammad Zaghloul Salam, (Egypt: Dar al-Ma’arif, 1976).
- Al-Khalil ibn Ahmad ibn Amr ibn Tamim al-Farahidi al-Basri, Mu’jam al-‘Ayn, ed. Dr. Mahdi al-Makhzumi, Dr. Ibrahim al-Samarrai, (Dar wa Maktabat al-Hilal).
- Shihab al-Din Ahmad ibn Idris al-Qarafi, Nafa’is al-Usul fi Sharh al-Mahsul, ed. Adel Ahmed Abdul Mawjood, Ali Muhammad Mu’awwadh, (Maktabat Nizar Mustafa al-Baz, 1416 AH – 1995).
- Shihab al-Din Mahmoud ibn Abdullah al-Husayni al-Alusi, Ruh al-Ma’ani fi Tafsir al-Qur’an al-‘Azim wa al-Sab’ al-Mathani, ed. Ali Abdul Bari Atiyyah, (Beirut: Dar al-Kutub al-Ilmiyyah, 1415 AH).
- Abd al-Rahman ibn Abi Bakr, Jalal al-Din al-Suyuti, Mu’tarak al-Aqran fi I’jaz al-Qur’an, (Beirut: Dar al-Kutub al-Ilmiyyah, 1408 AH – 1988).
- Abd al-Rahman ibn Khaldun, Al-‘Ibar wa Diwan al-Mubtada’ wa al-Khabar, reviewed by Dr. Suhail Zakkar, (Beirut: Dar al-Fikr, 1401 AH – 1981).
- Abd al-Haqq ibn Ghalib ibn Abd al-Rahman ibn Tamam ibn Atiyyah al-Andalusi al-Muharibi, Al-Muharrar al-Wajiz fi Tafsir al-Kitab al-Aziz, ed. Abdul Salam Abdul Shafi Muhammad, (Beirut: Dar al-Kutub al-Ilmiyyah, 1422 AH).
- Ali ibn Ahmad ibn Muhammad ibn Ali al-Wahidi al-Nisaburi al-Shafi’i, Al-Wajiz fi Tafsir al-Kitab al-Aziz, ed. Safwan Adnan Dawudi, (Dar al-Qalam, 1415 AH).
- Ali ibn Ismail ibn Sitta al-Mursi, Al-Muhkam wa al-Muhit al-A’zam, ed. Abdul Hamid Hindawi, (Beirut: Dar al-Kutub al-Ilmiyyah, 1421 AH – 2000).
- Ali ibn Isa ibn Ali ibn Abdullah, Abu al-Hasan al-Rummani al-Mu’tazili, Al-Nukat fi I’jaz al-Qur’an, ed. Muhammad Khalaf Allah, Dr. Muhammad Zaghloul Salam, (Egypt: Dar al-Ma’arif, 1976).
- Ali ibn Muhammad ibn Ali al-Zain al-Sharif al-Jurjani, Kitab al-Ta’rifat, (Beirut: Dar al-Kutub al-Ilmiyyah, 1403 AH – 1983).
- Ali Mansour Kilani, Kayfa Sanara A’malana Yawm al-Qiyamah, https://www.youtube.com/watch?v=bYsA2kiupiA.
- Ali Mansour Kilani, Al-Nabi al-Ummi, https://www.youtube.com/watch?v=-0pgO13bLE4&list=PL1pdFd4pJVz8RWRa_szO6gD_dbE8LtWwg&index=4.
- Amr ibn Bahr ibn Mahbub, known as Al-Jahiz, Al-Bayan wa al-Tabyin, (Beirut: Dar wa Maktabat al-Hilal, 1423 AH).
- Muhammad ibn Abi Bakr ibn Abd al-Qadir al-Hanafi al-Razi, Mukhtar al-Sihah, ed. Yusuf al-Sheikh Muhammad, (Beirut – Sidon: Al-Maktaba al-Asriyya, 1420 AH – 1999).
- Muhammad ibn Ahmad ibn Mustafa, known as Abu Zahra, Zahra al-Tafasir, (Dar al-Fikr al-Arabi).
- Muhammad ibn Jarir al-Tabari, Tafsir al-Tabari Jami’ al-Bayan ‘an Ta’wil Ay al-Qur’an, (Makkah: Dar al-Tarbiyah wa al-Turath).
- Muhammad Hassan Jabal, Al-Dalalah al-Mahawriyyah fi Maqayis al-Lughah: Dirasa Tahliliyyah Naqdiyyah, Majallat Kulliyyat al-Adab, Jami’at al-Mansurah, Issue 26, 2000.
- Muhammad Hassan Jabal, Ilm al-Ishtiqaq Nazariyyan wa Tatbiqiyyan, (Cairo: Dar al-Adab, 2023).
- Muhammad Hassan Jabal, Al-Mu’jam al-Ishtiqaqi al-Mu’assal li-Alfaz al-Qur’an al-Karim, (Cairo: Maktabat al-Adab, 2010).
- Muhammad Dhunun Younis, Al-Nazariyyah al-Wad’iyyah fi al-Dirasat al-Lughawiyyah al-Qadimah wa al-Mu’asirah, (Dar al-Rawafid, 2024).
- Muhammad Shahrour, Al-Kitab wa al-Qur’an, (Al-Ahali, Syria, Damascus).
- Muhammad Shahrour, Dalil al-Qira’ah al-Mu’asirah li-Tanzil al-Hakim, (Dar al-Saqi, 2016).
- Muhammad Ali al-Sabouni, Safwat al-Tafasir, (Cairo: Dar al-Sabouni, 1417 AH – 1997).
- Muhammad al-Mubarak, Dirasat Tahliliyyah Muqaranah lil-Kalimah al-Arabiyyah, (Matba’at Jami’at Dimashq, 1944).
- Mahmoud ibn Amr ibn Ahmad, Jar Allah Al-Zamakhshari, Asas al-Balagha, ed. Muhammad Basil Uyoun al-Suud, (Beirut: Dar al-Kutub al-Ilmiyyah, 1419 AH – 1998).
- Mahmoud ibn Umar ibn Ahmad al-Zamakhshari, Al-Kashaf ‘an Haqa’iq Ghawamid al-Tanzil, (Cairo: Dar al-Rayan li-al-Turath, 1407 AH – 1987).
- Manna ibn Khalil al-Qattan, Mabahith fi Ulum al-Quran, (Maktabat al-Ma’arif lil-Nashr wa al-Tawzi’, 3rd edition, 1421 AH – 2000 CE).
- Najmeddin Alissa, “Garîbu’l-hadîs İlminin Hadis İlminin Anlaşılmasındaki Yeri: Nesnel, Tanımlayıcı ve Uygulamalı Bir Çalışma”, Yalova İslam Araştırmaları Dergisi 1/1 (Aralık 2020): 120-147.
- Nasr Hamid Abu Zaid, Al-Nass, al-Sulta, al-Haqiqa, (Markaz al-Thaqafi al-Arabi, 1995).
الهوامش:
-
الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري، معجم العين، تح: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، (الأردن: دار ومكتبة الهلال) (8/ 8) ↑
-
محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله، أساس البلاغة، تح: محمد باسل عيون السود، (بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1419 هـ – 1998م) (1/ 295) ↑
-
محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي، مختار الصحاح، تح: يوسف الشيخ محمد، (بيروت – صيدا، المكتبة العصرية – الدار النموذجية، الطبعة الخامسة، 1420هـ / 1999م ) (ص106) ↑
-
يُنظَر عمرو بن بحر بن محبوب، الشهير بالجاحظ، البيان والتبيين (بيروت: دار ومكتبة الهلال، عام النشر: 1423 هـ) (1/81). ↑
-
علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني، كتاب التعريفات، ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، (بيروت- لبنان: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى 1403هـ -1983م) (ص104) ↑
-
الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى، المفردات في غريب القرآن، تح: صفوان عدنان الداودي، (دمشق، بيروت: دار القلم، الدار الشامية، الطبعة: الأولى – 1412 هـ ) (ص317) ↑
-
أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، مقاييس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، (دمشق: دار الفكر، عام النشر: 1399هـ – 1979م) (1/ 109) ↑
-
الجرجاني، التعريفات (ص28) ↑
-
المرجع السابق ↑
-
شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول، تح: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، (مكة: مكتبة نزار مصطفى الباز-الطبعة: الأولى، 1416هـ – 1995م) (1/ 156) ↑
-
دُرست دلالة الأصل بعدة مصطلحات، كلها تدور حول معنى واحد، مثل: الأصل، القياس، الدلالة المحورية، المعنى المحوري، وغير ذلك. ↑
-
ابن فارس، مقاييس اللغة (1/ 3) ↑
-
محمد حسن جبل، الدلالة المحورية في معجم المقاييس دراسة تحليلية نقدية، مجلة كلية الآداب، جامعة المنصورة، العدد 26، سنة 2000، ص(191) ↑
-
محمد المبارك، دراسة تحليلية مقارنة للكلمة العربية، (مطبعة جامعة دمشق، الطبعة الثانية 1944) (54ص) ↑
-
ينظر محمد حسن جبل ، علم الاشتقاق نظرياً وتطبيقياً، (القاهرة: دار الآداب، الطبعة الثالثة، 2023)، (ص279) ↑
-
ينظر الصالح، دراسات في فقه اللغة (ص177)، المبارك، دراسات في فقه اللغة (ص54) ↑
-
ينظر المبارك، دراسة تحليلية مقارنة للكلمة العربية، ص(65) ↑
-
محمد حسن جبل ، علم الاشتقاق نظرياً وتطبيقياً ص(180) ↑
-
محمد بن جرير الطبري، تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، (مكة المكرمة: توزيع: دار التربية والتراث، ط التربية والتراث) (1/ 161) ↑
-
المرجع السابق ↑
-
المرجع السابق ↑
-
محمد ذنون يونس، النظرية الوضعية في الدرس اللغوي القديم والمعاصر، (دار الروافد، 2024م) (192) ↑
-
الصالح، دراسات في فقه اللغة 178 ↑
-
نصر حامد أبو زيد، النص السلطة الحقيقة الفكر الديني بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة، (المركز الثقافي العربي، 1995م،) (211) ↑
-
شحرور، النص السلطة الحقيقة 211 ↑
-
المرجع السابق 208 ↑
-
المرجع السابق 200 ↑
-
المرجع السابق 203 ↑
-
المرجع السابق 203 ↑
-
المرجع السابق 212 ↑
-
ينظر محمد شحرور، دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم، (دار الساقي، الطبعة الأولى، 2016)(ص97) ↑
-
المرجع السابق (ص28) ↑
-
المرجع السابق (ص26) ↑
-
المرجع السابق (ص104) ↑
-
ينظر المرجع السابق نفسه ↑
-
الذهبي، تهذيب اللغة (11/ 148): ↑
-
علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، المحكم والمحيط الأعظم، تح: عبد الحميد هنداوي، (بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1421 هـ – 2000 م) (7/ 512) ↑
-
ينظر شحرور، دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم (ص103) ↑
-
ينظر د. محمد حسن حسن جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم (مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها، (القاهرة: مكتبة الآداب، الطبعة: الأولى، 2010 م). (3/ 1620) ↑
-
مناع بن خليل القطان، مباحث في علوم القرآن، (مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الطبعة: الطبعة الثالثة 1421هـ- 2000م) (ص340) ↑
-
بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، (دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه، الطبعة: الأولى، 1376 هـ – 1957 م) (1/ 292) ↑
-
جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل (4/ 2011) ↑
-
جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل (4/ 2015) ↑
-
https://www.youtube.com/watch?v=-0pgO13bLE4&list=PL1pdFd4pJVz8RWRa_szO6gD_dbE8LtWwg&index=4 ، النبي الأُمي – وهل الأٌمي تعني الجهل المعرفي ؟ / د. علي منصور كيالي ↑
-
الكتاب والقرآن، محمد شحرور، (الأهالي، سورية، دمشق) (141) ↑
-
https://www.youtube.com/watch?v=bYsA2kiupiA، كيف سنرى أعمالنا يوم القيامة – كتاب مرقوم وليس مكتوب / د.علي منصور كيالي. ↑
-
ينظر جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل (2/ 841): ↑
-
https://www.youtube.com/watch?v=bYsA2kiupiA، كيف سنرى أعمالنا يوم القيامة – كتاب مرقوم وليس مكتوب / د.علي منصور كيالي. ↑
-
عبد الرحمن بن بن خلدون، العِبَر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، مراجعة: د. سهيل زكار، (بيروت: دار الفكر، الطبعة: الأولى، 1401 هـ – 1981 م، (1/ 753) ↑
-
أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي، بيان إعجاز القرآن، تح: محمد خلف الله، د. محمد زغلول سلام (مصر: دار المعارف
الطبعة: الثالثة، 1976م) (ص32) ↑
-
شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تح: علي عبد الباري عطية، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415 هـ) (7/ 343) ↑
-
المفردات في غريب القرآن (ص416) ↑
-
محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (القاهرة: دار الريان للتراث، بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة: الثالثة 1407 هـ – 1987 م) (2/ 227) ↑
-
المفردات في غريب القرآن (ص622) ↑
-
المفردات في غريب القرآن (ص85) ↑
-
البخاري، محمد بن إسماعيل الجُعفي. صحيح البخاري. مح. محمد زهير الناصر. بيروت: دار طوق النجاة، 1422/2001. رواه البخاري تعليقًا في المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، رقم (4428). ↑
-
المبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تح: محمد الزاوي وآخرين (بيروت: المكتبة العلمية، 1399/ 1979)، مادة بهر، 1/18؛
نجم الدين العيسى، “علم غريب الحديث وأثره في فهم النَّص الحديثي دراسة موضوعية وصفية تطبيقية”، مجلة البحوث الإسلامية، يلوفا ١/١ (كانون الأول ٢٠٢٠)، ١٢٠- ١٤٧. ↑
-
الزركشي، البرهان في علوم القرآن (1/ 102) ↑
-
الزركشي، البرهان في علوم القرآن (1/ 311) ↑
-
الزمخشري، الكشاف ((1/ 68 ↑
-
ابن فارس، مقاييس اللغة (1/ 21) ↑
-
جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل (4/ 2011) ↑
-
ينظر الفراهيدي، الخليل، العين (8/ 433) أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، تفسير البغوي معالم التنزيل في تفسير القرآن، المحقق: عبد الرزاق المهدي، (دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الأولى ، 1420 هـ، عدد الأجزاء:5) (2/ 8) ↑
-
ينظر أبو منصور، الأزهري، تهذيب اللغة ((6/ 251، كافي الكفاة، الصاحب، إسماعيل بن عباد، المحيط في اللغة، المحقق: محمد حسن آل ياسين، (عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الأولى، 1414 هـ – 1994 م، عدد الأجزاء11) (10/ 458) شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، المحقق: علي عبد الباري عطية، (دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1415 هـ) (2/ 78) ↑
-
ينظر أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 121) ↑
-
ينظر أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 121) ↑
-
ينظر الألوسي روح المعاني (2/ 78) أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، المحقق: عبد السلام عبد الشافي محمد، (دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى – 1422 هـ) (1/ 401) أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، (دار النشر: دار القلم، الدار الشامية – دمشق، بيروت، الطبعة: الأولى، 1415 هـ )(ص199) أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، تفسير البغوي معالم التنزيل في تفسير القرآن، المحقق: عبد الرزاق المهدي، (دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الأولى ، 1420 هـ، عدد الأجزاء:5) (2/ 8) علي بن عيسى بن علي بن عبد الله، أبو الحسن الرماني المعتزلي النكت في إعجاز القرآن، تحقيق: محمد خلف الله، د. محمد زغلول سلام، (دار المعارف بمصر، الطبعة: الثالثة، 1976م) (ص87) عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، معترك الأقران في إعجاز القرآن (دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى 1408 هـ – 1988) (1/ 187) ↑
-
ينظر جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل (4/ 2015) ↑
-
ينظر إياس محمد حرب آل خطاب، القول المعتبر في بيان الإعجاز للحروف المقطعة من فواتح السور، (مطابع برنتك للطباعة والتغليف – السودان – الخرطوم، الطبعة: الأولى، 2011) (ص103) ↑
-
ينظر إبراهيم بن إسماعيل الأبياري، الموسوعة القرآنية، (مؤسسة سجل العرب، الطبعة: 1405 هـ ) (8/ 28) ↑
-
ينظر السيوطي، معترك الأقران في إعجاز القرآن (1/ 187) ↑
-
الألوسي روح المعاني (1/ 389) ↑
-
ينظر الأيباري، الموسوعة القرآنية (8/ 25) ↑
-
ينظر الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن (ص85)، محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة، زهرة التفاسير، (دار النشر: دار الفكر العربي، عدد الأجزاء: 10) (2/ 661) ↑
-
ينظر الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن (ص86) ↑
-
ينظر الأزهري، تهذيب اللغة (6/ 251)محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، (دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة، الطبعة: الأولى، 1417 هـ – 1997 م) (2/ 5) ↑
-
أبو زهرة، زهرة التفاسير (2/ 661) ↑
-
ينظر ابن فارس مقاييس اللغة (1/ 21)، الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن (ص85) ↑
-
ينظر أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري، الوجوه والنظائر، حققه وعلق عليه: محمد عثمان (مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1428 هـ – 2007 م) (ص28) ↑
-
ينظر أبو هلال العسكري، الوجوه والنظائر (ص28) ↑
-
https://www.youtube.com/watch?v=-0pgO13bLE4&list=PL1pdFd4pJVz8RWRa_szO6gD_dbE8LtWwg&index=4 ، النبي الأُمي – وهل الأٌمي تعني الجهل المعرفي ؟ / د. علي منصور كيالي ↑
-
ينظر الكتاب والقرآن، محمد شحرور، (الأهالي، سورية، دمشق) (141) ↑