الاعتراض وأثره في الدّرس النّحوي بين المدرستين البصرية والكوفية

Objection and its impact on the grammatical lessons between the Basra and Kufa schools

د. انتصار عبدالله عبدالقادر محمد1

1 الأستاذ المساعد في كلية التربية ، جامعة المجمعة ، المملكة العربية السعودية.

DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj62/5

المعرف العلمي العربي للأبحاث: https://arsri.org/10000/62/5

الصفحات: 48 - 64

تاريخ الاستقبال: 2025-01-04 | تاريخ القبول: 2025-01-15 | تاريخ النشر: 2025-02-01

Download PDF

المستخلص: تناولت الدّراسة الاعتراض وأثره في الدرس النّحوي وتتلخص مشكلة البحث إلى مدى كان للاعتراض أثره في الدرس النّحوي. وقد قامت الباحثة بدراسة الاعتراض موضحة أقوال النّحاة في ذلك، وكانت طبيعة هذا البحث تتطلب عليّ الالتزام بالمنهج الوصفيّ التّحليليّ لوصف الحالة التي يرد فيها الاعتراض وبيان الشواهد الواردة والمنهج المقارن الذي اعتمدت فيه الباحثة على المقارنة بين آراء النّحاة المختلفة في القضايا التي أوردتها من خلال تحليل النصوص ، لأنّ طبيعة المنهج تُتيح لِي وصف الوضع الحاليّ للمادّة التي تقع بين يدي. وهدفت الدّراسة إلى استجلاء الأدلة التي ساقها علماء النّحو حول الاعتراض والفصل بين الآراء المختلفة ، وبينت الدّراسة تعدد الأوجه في بعض المسائل النّحوية، وتحليل العناصر التركيبية أمرٌ شائعٌ ومألوفٌ ، لذلك شاع الجواز في تحليلهم وكثر الأخذ والرفض فمنهم من ينظر للاعتراض بمعايير وأصول مدرسته. وعلى ضوء هذا التباين أوصت الباحثة بتوجه الباحثين والدّارسين الاهتمام بدراسة الاعتراض في فروع اللغة العربية خاصة النّحو والقراءات والبلاغة وفقه اللغة.

الكلمات المفتاحية: الاعتراض، الدرس النحوي، المدرسة البصرية، المدرسة الكوفية.

Abstract: The study dealt with the interruption and its impact on the grammatical lesson. The research problem is summarized to what extent the interruption had an impact on the grammatical lesson. The researcher studied the interruption, explaining the opinions of the grammarians in this regard. The nature of this research required me to adhere to the descriptive and analytical approach to describe the case in which the interruption is mentioned and to state the evidence, and the comparative approach in which the researcher relied on the comparison between the different opinions of the grammarians in the issues she mentioned through the analysis of texts, because the nature of the approach allows me to describe the current situation of the material that falls between my hands. The study aimed to clarify the evidence that the grammarians presented about the interruption and to distinguish between the different opinions. The study showed the multiplicity of aspects in some grammatical issues, and the analysis of the structural elements is a common and familiar matter, so the permissibility of their analysis became widespread and the taking and rejection increased. Some of them view the interruption according to the standards and principles of their school. In light of this variation, the researcher recommended that researchers and students focus on the study of the interruption in the branches of the Arabic language, especially grammar, readings, rhetoric, and linguistics.

Keywords: Objection, grammar lesson, Basra school, Kufa school.

المقدّمة:

لقد أخذت الدّراسات النّحوية أنماطًا مختلفة في عرض أساليبها وأشكالها أبرزها وأشهرها: الآراء والاعتراضات النّحوية التي كانت لها أهمية كبيرة في الدرس النّحوي ، وذلك لاستدراك وإيضاح ما شجر بينهم من خلاف وما هم فيه المتقدمون ومناقشة الآراء النّحوية وترجيحها مع الاستدلال بالعقل أو النقل.

ويلاحظ أن تعدد الأوجه في بعض المسائل النّحوية، وتحليل أحد العناصر التركيبية أمرٌ شائعٌ ومألوفٌ في الدراسات النّحوية، ومن هنا اختارت الباحثة أو القارئ أساليب الجواز والاعتراض عند النّحاة، لا سيما وقد شاع الجواز في تحليلاتهم وكثر الأخذ والاعتراض بالترجيح والتضعيف والرفض في حوارهم.

ويعود الاعتراض والتعدد في التّحليل النّحوي عند كثير من النّحاة لأمرين:

الأول: المعطيات السياقيّة التي يتشكل منها المعنى.

الثاني: طبيعة المتلقي من حيث التكوين الفطري .

وقد كان العلماء الأوائل يعتمدون على السّماع كمصدر أساسي ، فكان جلهم يأخذ به ويعتمد عليه في إثبات حجته للأحكام النّحوية فيختار ما يراه صحيحًا ويعترض على ما لا يرض به

مشكلة الدراسة:

تظهر مشكلة الدراسة فى السؤال الرئيس والذى يتفرع الى الاسئلة الفرعية التالية اى الاعتراضات النحوية شيوعا بين النحوين؟:-

1-ماهى شواهد الاعتراص واساليبة على ضوء التحليل النحوى؟

2- اى الاغراض الاعتراضية ترجيحا عند النحوين؟

3-.هل ادت المناظرات والمجالس الى توسيع وتطوير داىرة النحو؟

4-اى علماء التحو شهرة فى مسالة الاعتراضات؟

اهمية اختيار الموضوع:

تكمن اهمية اختيار الموضوع فى الجوانب التالية: بيان الاعتراضات النحوية ومدى تاثيرها على الدرس النحوى.

تفسير الحجج النحوية ومدى الاستفادة منها فى علم النحو التطبيقى

  1. تتبع اهمية الاعتراض من خلال عامل الموقع الجغرافى للمدرستين،

2-الوقوف على المناظرات والمجالس بين النحوين ومدى اهميتها فى دعم الاتجاهات النحوية وتطورها.

3 – تقديم نماذج لشواهد الاعتراض فى علم النحو .

اهداف الدراسة:

تهدف الدراسة الى الاتى:

  1. توضبح بعض تعدد الاوجة النحوية بين المد رستين المدرسة الكوفية واامدرسة البصرية،
  2. تحليل مفهوم الاعتراض ودلالاتة السياقية التى تشكل مضامين المعانى اللغوبة.
  3. تفديم مادة علمية تعين الباحثين والدراسين فى مجال استعياب الاعتراض وتفهم الحجج النحوبة. الناتجة منة،

المحور الاول: أهمية الاعتراض وأثره في الدراسات النحوية:

الاعتراض لغةً :مصدر للفعل الخماسي ( اعترض ) ورد معناها في المعاجم اللغوية بمعان كثيرة أهمها : الحائل، والمنع، والرد .

وقال الجوهري ( [1]): ” واعترض الشيء صار عارضا كالخشبة المعترضة في النهر، يقال : اعترض الشيء دون الشيء أي حال دونه. واعترض الفرس في رسنه لم يستقم لقائده ” .

وقال ابن فارس في الاعتراض بقوله ( [2]):

” واعترض فلان عرضي، إذا وقع فيه . وتعرض فلان لي بما أكره وتعرض لمعروفي. وتعرض الشيء إذا فسد وهو قول لبيد:

فاقطعْ لُبانةَ منْ تعرَّض وَصْلُهُ ولَشرُّ واصلِ خُلَّةِ صَرَّامُها ( [3])

وقال الفيروزبادي ( [4]):

” والاعتراض المنع ، واعترض الفرس في رسنه : لم يستقم لقائده”.

ومن خلال التعريفات السابقة نجد أكثرهم مجمعين على المنع والرد في تعريف الاعتراض لغويا.

وعليه يمكن أن نعرفه اصطلاحًا: رد الحكم النحوي لتوضيحه أو تحسينه أو لتوكيد الكلام.

الاعتراض في اصطلاح النَّحاة:

” بأنها التي تعترض بين شيئين متلازمين لتوكيد الكلام أو توضيحه أو تحسينه ، وتكون ذات علاقة معنوية بالكلام الذي اعترضت بين جزأيه وليست معمولة لشيء منه ” ( [5])

وفي ذلك أفاض ابن جني ت 392 هـ : ” اعلم أن هذا القبيل من هذا العلم كثير ، قد جاء في القرآن ، وفصيح الشعر، ومنثور الكلام.وهو جار عند العرب مجرى التأكيد ، فلذلك لا يشنع عليهم ولا يستنكر عندهم، أن يعترض به بين الفعل وفاعله، والمبتدأ وخبره، وغير ذلك ممّا لا يجوزالفصل(منه)بغيره إلا شاذا أو متأولا. ( [6])

ويعد الاعتراض من المصطلحات أو الموضوعات المهمة في الدراسات النحوية المعاصرة لدراسة الاعتراضات وآراء العلماء النحويين وأسباب الخلاف فيما بينهم على الدليل النحوي وهو ما يمنع به المعترض استدلال المستدل بدليله .

أغراض الاعتراض:

ومن أغراض الاعتراض في كل ذلك تقوية الكلام أو تحسينه وذلك كالتورية في قوله تعالى :

” ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون “. ( [7] )

والاعتراض كما يكون بالكلمة يكون بالجملة ويكون في المواضع التالية :

وقال الدجيني يثبت الاعتراض

” بين الفعل ومرفوعه ـ بين الفعل ومفعوله ـ بين المبتدأ والخبرـ بين ما أصله المبتدأ والخبرـ بين الشرط وجوابه ـ بين الموصوف والصفة ـ بين الموصول وصلته ـ بين أجزاء الصلة ـ بين المتضايفين مثل : ( هذا كتاب والله محمد ) ـ بين الجار ومجروره ـ بين الحرف الناسخ ومدخوله ـ بين حرف التنفيس الفعل ـ بين قد والفعل ـ بين حرف النفي ومنفيه ـ بين جملتين مستقلتين .والجملة المعترضة في كل مواقعها جملة لا محل لها من الإعراب ، وضابط وجودها صحة سقوطها دون اختلاف في المعنى والتركيب معا “. ( [8])

وممّا تقدم تبين للباحثة أن الاعتراض راسخ في النّحو العربيّ وأهميته لدى العلماء وشيوعه في أبواب النّحو المختلفة.

وهذا يجعلنا نقول: إن الاعتراض وارد عند علماء النّحو لا ينقص من قيمتهم أو رأيهم أو يبطل حجتهم أو يخل بفساد معنى في الرأي فكل له رأيه وحجته ودليله دون تعسف أو تعصب إلا ما ندر .

ويبقى مفهوم الاعتراض عند النّحويين مستقرًا بخلاف العلوم الأخرى وخاصة عند البلاغيين فقد كان مضطربًا عندهم بمسميات مختلفة منها : الالتفاف، والاحتراس، والتتميم، والتكميل، والحشو.

ومن أمثلة الاعتراضات النّحوية اعتراض الرضي على سيبويه :

” فلم يثبت بنحو أسْود أن الوصفية الأصلية تعتبر بعد زوالها. فلا حجة إذن لسيبويه في منع صرف أحمر المنكر بعد العلمية كما أنه لم يثبت بأربع : أن الوصفية العارضة لا تعتبر “( [9])

وممّا لفت انتباه الباحثة أن الاعتراض النّحوي ولّد في المدارس النّحوية المختلفة ولعلّ نشأتها عندما كان الخلاف في واضع علم النّحو بين نصر بن عاصم وقيل الليثي وقال آخرون: عبدالرحمن بن هرمز وأكثر الناس على أبي الأسود الدؤلي فذهبوا بين مؤيد ومعارض.

وبعد أن ظهر الخليل بن أحمد ويونس بن حبيب اكتمل النّحو في تلك المرحلة وسميت ” مرحلة النضج” فصار هذا منهاج النّحاة من بعدهم .

ونستنتج من هذا أن النحو نشأ بالبصرة وتكاملت أركانه ثم ظهر نحاة بالكوفة تتلمذوا على نحاة البصرة وبعدها ظهر خلاف بين المدرستين البصرة والكوفة وذلك لعوامل عدة :

1/ العامل الأوّل :عامل الموقع ، فالبصرة قريبة من البادية والكوفة بعيدة عنها.

2 / العامل الثّاني : منهج المدرستين .

فأهل البصرة اعتمدوا وتمسكوا بالسّماع، وتشددوا فيه فلا يقبلون إلا من عرف بالأصالة والفصاحة.حتى أنهم كانوا يأخذون من قبائل معينة دون غيرها ممن كان لهم احتكاك بالأمم الأخرى .

أما الكوفيون فكانوا لا يكتفون بالأخذ من فصحاء الأعراب بل من سكن من العرب في حواضر العراق. ([10])

ولعلّ المسألة الزنبورية هي بداية الخلاف الواسع بين المدرستين خير مثال على ذلك.

وكان لهذا الخلاف أثر كبير في تقعيد القاعدة النّحوية، حيثُ ذهب كل عالم نحوي إلى صورة إعرابية أو معنى أداة أو مصطلح نحوي لنفسه أو ينحى لمنهج مدرسته ويتعصب لها ومن أمثلة ذلك ما ذكره أبو البقاء العكبري في حد الاسم ( [11]) حيث يقول:

” اختلفت عبارات النّحويين في حد الاسم وسيبويه لم يصرح له بحد .

فقال بعضهم: الاسم ما استحق الإعراب في أول وضعه.

وقال آخرون: ما استحق التنوين في أصل وضعه.

وقال آخرون: حد الاسم ما سماه بمسماه فأوضحه وكشف معناه.

وقال آخرون: الاسم كل لفظ دل على معنى مفرد في نفسه …” الخ.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بلْ ظهر خلاف واعتراض بين تلميذ وأستاذه في إطار منهج المدرسة الواحدة على ما نجد من مخالفة سيبويه أستاذه الخليل والأخفش للخليل وسيبويه.

ومن مظاهر الاهتمام والاعتراض الإثراء الذي أبرزه الخلاف والاعتراض مظاهر متعددة أهمها:

المناظرات والمجالس:

ظهرت مصنفات وكتب تدور حول الخلاف بين المدارس المختلفة وردود واعتراضات وتوضيح الخلافات مما أدى إلى توسع الدّراسات والأبحاث في ذلك ومن تلك الكتب ( [12]) :

1 ـ اختلاف النحويين لثعلب (291هـ )

2 ـ المسائل على مذهب النحويين مما اختلف فيه البصريون والكوفيون لابن كيسان المتوفى سنة(320هـ ) وقد رد فيه على ثعلب.

3 ـ الرد على ثعلب في ” اختلاف النّحويين ” لابن درستويه المتوفى سنة(347هـ ).

4 ـ التّبيين عن مذاهب النّحويين البصريين والكوفيين لأبي البقاء العكبري.

5 ـ الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين لأبي البركات الأنباري المتوفى(577هـ).

6 ـ الخلاف بين النّحويين للرماني المتوفى سنة ( 384 هـ ).

7 ـ الخلاف بين سيبويه والمبرد للرماني أيضا.

8 ـ الإسعاف في مسائل الخلاف لابن إياز المتوفى سنة ( 681هـ ).

9 ـ مسائل الخلاف في النّحو لابن العرس عبدالمنعم بن محمد الغرناطي المتوفى سنة(597).

ولا يغيب عن البال جهود علماء المدرسة البغدادية وكان لهم العديد من الكتب والمؤلفات التي تناولوا فيها الاعتراض ليست في النّحو فحسب بل في فروع اللّغة المختلفة وانقسمت إلى ثلاثة طوائف:

1 ـ طائفة مالت إلى المدرسة الكوفية.

2 ـ طائفة تشبثت بآراء البصريين.

3 ـ طائفة تجمع وتعتدل بينهما.

وانتهجت كل طائفة منهجًا وسطًا دونما شطط على نحو ما أشرنا إليه.

وعلى سبيل المثال إليك أهم المسائل التي ورد فيها الخلاف بين البصريين والكوفيين كما وردت في كتاب التبيين للعكبري ( [13]) .

المحور الثانى:

نماذج من المسائل الخلافية بين البصريين والكوفيين في الاعتراض:

1 ـ الفعل مشتق من المصدر عند البصريين ، وقال الكوفيون المصدر مشتق من الاسم. ( [14])

2 ـ فعل الأمر مبني عند البصريين ، ويرى الكوفيون أنه معرب. ( [15])

3 ـ “نعم وبئس ” فعلان ماضيان عند البصريين، ويرى الكوفيون اسمان . ( [16])

4 ـ لا يبنى فعل التعجب من الألوان عن البصريين، ويرى الكوفيين يبنى من السواد والبياض فقط. ( [17])

5 ـ خبر(ما) الحجازية ينتصب بها عند البصريين، ويرى الكوفيين بحذف حرف الجر. ( [18])

6 ـ لا يجوز دخول (لام) التوكيد على خبر (لكن) عند البصريين ويرى الكوفيين يجوز. ( [19])

7 ـ لا تكون ( إلا ) بمعنى ( الواو ) عند البصريين وقال الكوفيين تكون . ( [20])

8 ـ لا يجوز إضافة النيّف إلى العشرة عند البصريين ، وقال الكوفيين يجوز. ( [21])

9 ـ الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال عند البصريين، وقال الكوفيين أصل فيهما.( [22])

10 ـ سوى لا تقع إلا ظرفا عند البصريين ، وقال الكوفيين تقع ظرفا وغير ظرف. ( [23])

وكان ظهور أبو علي الفارسي وابن جني دور كبير الوسطية لاستنباط آراء جديدة . وأن يتأثر بهما نحاة آخرون، وعكفوا على مصنفاتهم، ودراستها وكان أوسعهم شهرة: الزمخشري، وابن يعيش الشجري، وأبو البركات الأنباري، وأبو البقاء العكبري، ، والرضى الاستراباذي.

” وكان أبو البقاء العكبري ـ له صلة بالشيخين أبي علي الفارسي وابن جني تتضح في شرحه لإيضاح الأول ولمع الثاني ، فيتوقف مرارا ليرد ويعترض على الكوفيين بعض وجوههم في الإعراب وكان يختار لنفسه أحيانا من آراء الكوفيين ” ( [24])

وهذه أمثلة من مسائل النحو الاعتراضية ، والتي تبين بوضوح كثرة اعتراضهم والردود إما بالأدلة النقلية أو العقلية في ترجيح آرائهم وذلك حسب المدرسة التي ينتمي إليها بعضهم.

المحور الثالث:

مسألة البناء أو الإعراب في اسم “لا ” النافية للجنس إذا كان مفردًا :

اختلف النّحاة في مسألة اسم “لا ” المفرد أمبني أم معرب نحو قوله : ” لا رجل في الدار ” حيثُ تم الاختلاف في حركته : هل هي حركة بناء أم حركة إعراب ؟

ونجد هذا الاختلاف ظاهراً في قول سيبويه حيث أكد على بناء اسم لا المفرد المنفي في ظاهر قوله : ” (لا) تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين، ونصبها لما بعدها كنصب ” إن” لما بعدها ، وترك التنوين لما تعمل فيه لازم؛ لأنها جعلت وما تعمل فيه بمنزلة اسم واحد نحو : خمسة عشر؛ وذلك لأنه لا يشبه ما ينصب وهو الفعل، ولا ما أجري مُجراه؛ لأنها لا تعمل إلا في نكرة، و ” لا ” وما بعدها في موضع ابتداء فلما خولف بها عن حال أخواتها خولف بلفظها كما خُولف بخمسة عشر . “( [25])

تبعه في مذهب معظم البصريين بأن هذه الحركة حركة بناء وهذا ما سار عليه الأخفش( [26])والمازني( [27]) والمبرد( [28]) وأبو علي الفارسي ( [29])

وحجتهم في ذلك لبناء الاسم بعد لا بأن ( لا ) مركبة مع اسمها والتركيب يوجب البناء كخمسة عشر وبيان أنها مركبة مع الاسم أنها إذا فصل بينهما أعرب كقوله تعالى: [لَا فِيهَا غَوْلٌ] ( [30])

وإذا لزم الفتح مع الوصل وزال مع الفصل دل على أنه حادث للتركيب والتركيب يوجب البناء. ( [31])

وأيضا استدلوا على بنائه لتضمنه معنى ” مِنْ ” الاستغراقية ؛ لأن الأصل في قولك : ” لا رجلَ في الدار ” : لا من رجل في الدار ، لأنه جواب من قال : هل من رجل في الدار . ( [32])

واستدلوا أيضا بظهورها أي من الاستغراقية في قول الشاعر :

فقامَ يَذُودُ الناسَ عنْهَا بِسَيْفِهِ وقال: ألاَ لاَ مِنْ سَبِيلٍ إلى هِنْدِ ( [33])

والشاهد في ذلك :

في قوله : ” ألا من سبيل ” حيث ظهرت ” من ” بعد ” لا ” وهذا يدل على أن اسم لا إذا لم تظهر معها من فهو يتضمنها كما جاء في البيت السابق. ( [34])

أما رأي المدرسة الكوفية من حيث الإعراب والبناء في في اسم “لا ” المفرد النكرة معرب منصوب بها ( [35]) فالحركة عندهم حركة إعراب لا حركة بناء ، وأما التنوين فقد حذف تخفيفاً ؛ وذلك بسبب أنها جعلت مع “نا “بعدها شيئاً واحداً فطال الاسم، فخفف بحذف التنوين منه. ( [36])

ومن وافق هذا المذهب أنّ الاسم الواقع بعد ” لا ” معرب هو الجرمي ( [37]) وأبو إسحاق الزّجاج ( [38]) والسيرافي ( [39]) والرماني ( [40])

وفي احتجاج الكوفيين بذلك من عدة أمور :

أولا : أن ” لا ” بمعنى ” غير ” وغير هنا بمعنى ” ليس ” ألا ترى أنّك تقول : ” زيدٌ لا عاقلٌ ولا جاهلٌ ” أي : غير عاقلٍ ، وتقول: ” قام القوم ليس زيدًا ” وهو في المعنى قام القوم غيرُ زيدٍ ، فلما أشبهت الكلمات الثلاث ” لا ” و ” ليس ” و ” غير ” وكانت “غير” تَجُر ، و ” ليس ” تنصبُ كان حملها على ” ليس” أولى؛ لأنها غير جارة وهي مثلها في النفي فحُمِلَتْ عليها في النصبِ. ( [41])

ثانيا : قالوا : ” لا رجلَ وغلاماً عندك ” والواو نائبة عن “لا” ( [42]) فلو لم يكن معربًا لما صح العطف على لفظه بالمعرب ولا وصفه والإخبار عنه به، وعملها فيها واحد. ( [43])

ثالثا : أنّ “لا” محمولة على ” إنَّ ” من قبل أن كلا منهما يدخل على المبتدأ والخبر، وأنه لا يعمل ما قبلها فيما بعدها ( [44]) . كما أن “إنَّ” لتوكيد الإثبات و”لا” لتوكيد النفي والعرب تحمل الشيء على ضده كما تحمله على نظيره، فكما أن “إنَّ” تنصب كذلك “لا” فرعا على “إنَّ” في العمل أُسقط معها التنوين لينحط الفرع عن درجات الأصل. ( [45])

وفي هذا الجانب احتج البصريون على الكوفيين بكونها مبنية لا معربة من عدة مسالك : المحور الرابع المسالك الاختلافية بين البصرين والكوفين:

المسلك الأول :

قولهم : إن “لا” قد نصبت لأنها جاءت بمعنى “ليس” للفرق بينها وبين التي بمعنى ” غير “، وهذا مردود عليهم بأنه لو كان كذلك لرفع بها على القياس ولم ينصب بها والعرب ترفع بها إذا كانت بمعنى “ليس ” ( [46]) ونستدل على ذلك بقول الشاعر :

مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرَانِهَا فأنا ابْنُ قَيْسٍ لا بَراحُ ( [47])

المسلك الثاني :

أما عن قولهم لو لم يكن معربا لما صح العطف على لفظه بالمعرب ولا وصفه والإخبار عنه بالمعرب فَرُدَّ عليهم بأن المعطوف لم يُبن ، لانتفاء سبب البناء عنه ولأنه معارض بعطف المعرب على المبني كما في النداء نحو: ( يازيدُ وعبدَالله ). ( [48])

المسلك الثالث :

وأما عن قولهم يحمل “لا” على ” إنّ ” : لو كان الاسم معربا لتعيَّن بقاء التنوين لا حذفه ؛ لأن التنوين ليس من عمل ” إنّ ” بل هو شيء استحقه الاسم في الأصل ، وإذاً فلا داعي لحذفه لينحط الفرع عن درجة الأصل؛ لأن انحطاط الفرع إنما يكون في ما كان من عمل الأصل، وإذا لم يكن التنوين كذلك وجب أن يكون ثابتا مع الفرع كما كان ثابتا مع الأصل ( [49])

وأرى العكبري يوافق مذهب جمهور البصريين ويفسد من قال : هو معرب أنه لو كان كذلك لنون كما ينون اسم إن ، فإن قيل: إنما لم ينون ، لأن ” لا ” ضعفت إذ كانت فرعَ فرعِ فرعٍ ، وذلك إن ” كان ” فرعٌ في العمل على الأفعال الحقيقية ، و” أنَّ ” فرع على ” كان ” و ” لا ” فرع على ” إنَّ ” فلما ضعفت خولف باسمها بقية المعربات ( [50])

والذي ذهبتُ إليه في هذه المسألة أن الاسم المفرد بعد لا النافية للجنس مبني للتركيب بينهما كتركيب خمسة عشرَ ، والتركيب كما نعلم يستوجب البناء .

ولو فصل بينهما لأعرب كما جاء قوله تعالى : [لَا فِيهَا غَوْلٌ]( [51])

وأستدل صاحب التبين على أنّ اسم لا مبني بأنه لو كان معربا لكان إعرابه بفعل محذوف كما لو قلنا في مثل: ” لا طالب في المدرسة ” : لا أحد أو لا أرى ، وهذا التقدير بعيد، لأنك تقول: ” لا إله إلا الله ” وليس تقديره : لا أجد وإلا لكان النفي منسوبا إلى وجدانك. وهذا غير مُراد، بل المعنى أن عدم الآلهة غير الله لمعنىً في المنفي نفسه، وهو عدم تصوره، لاعدم وجدانك .(52)

وبعد استعراض ما شجر من خلاف بين المذهبين في( لا ) أمعربة أم مبنية ترى الباحثة لا مشاحة في ذلك بل هو إثراء أضفى على لغة العرب مزيد من الجمال والتوسع وأن القراءات القرانية دايمًا بين هذين الرأيين لا يخرجان بأية حالٍ من القراءات العشر.

مسألة عامل نصب المفعول معه:

هذه المسألة خلافية بين البصريين أنفسهم كالزجاج والكوفيين من جهة أخرى ، وانشق عنهم الأخفش أيضاً .

فذهب البصريون إلى أنه منصوب بالفعل الذي قبله بتوسط الواو ( [52]) .

فنرى أن مذهب سيبويه والمحققين في ناصب المفعول معه أنه الفعل المذكور ، كقولك : ( قمت وزيدًا ) فالناصب ( قمت ) لأن الاسم منصوب، والنصب عمل ، ولا بد للعمل من عامل، و ( الواو ) غير عاملة للنصب، ولا شيء هناك يصلح للعمل إلا الفعل ( [53]) .

فهذا هو مذهب سيبويه ووافق عليه أكثر البصريين واختاره كثير من المتأخرين .

وحجة البصريين في ذلك قولهم : ” إنما قلنا إن العامل هو الفعل وذلك لأن هذا الفعل وإن كان في الأصل غيرَ متعدٍّ إلا أنه قويَ بالواو فتعدى إلى الاسم فنصبه كما عُدِّيَ بالهمزة في نحو ” أخْرَجْتُ زيْدَاً ” وكما عُدِّيَ بالتضعيف نحو ” خَرَّجْتُ المتاعَ ” وكما عُدِّيَ بحرف الجر نحو ” خَرَجْتُ بِهِ ” إلا أن الواو لا تعمل ؛ لأن الواو في الأصل حرف عطف ، وحرف العطف لا يعمل .. ” ( [54])

وذهب أبو اسحاق الزّجاج من البصريين إلى أنه منصوب بتقدير عامل في قوله:( واستوى الماءُ والخشَبَةَ) والتقدير:(ولابـَسَ الخشبةَ ) وما أشبه ذلك ؛ لأن الفعل لا يعمل في المفعول وبينهما الواو ( [55]) .

واستدرك العكبري على الزّجاج ( [56]) رأي الزّجاج ؛ لأن الفعل المذكور إذا صح أن يعمل لم يُجْعَل العمل لمحذوف، وقد صحَّ بما تقدم .

وأما الواو عند العكبري في رأي الزجاج فغير مانعة لوجهين :

أحدهما : أن بها ارتبط الفعل بالاسم فأثر فيه في المعنى فلا يمنع من تأثيره فيه لفظاً .

والثاني : أنها في العطف لا تمنع كقولك : ضربت زيداً وعمراً ، فالناصب لـ ( عمرو ) الفعل المذكور لا الواو ، ولا فعلٌ محذوف .

ونرى رأياً ثالثًا للأخفش بقوله :

” ينتصب انتصاب الظرف، كما ينتصب” مع ” في نحو ” جئت معه ” لأنه ناب عن (مع ) ، كما أن ( غيرًاً ) في الاستثناء تعرب إعراب الاسم الواقع بعد ( إلا ) ( [57]) .

وضعَّف العكبري رأي الأخفش وذلك بسبب بعد ما بين هذه الأسماء وبين الظروف ( [58])

فعلل العكبري سبب عجز واو المعية عن العمل فقال :

” لم يبق في الواو معنى العطف ألا ترى أنك إذا قلت : قمْ أنت وزيدٌ كان المعنى أنك آمرٌ لهما . وإذا قلت: قمْ أنت وزيداً . كنت آمراً للمخاطب دون زيد، وإنما أمرته بمتابعة زيد حتى لو لم يقم زيد لم يلزم المخاطب القيام ” ( [59])

وقد تباينت هذه الآراء حول هذه القضية في المدرسة الواحدة.

حيثُ استدل ابن يعيش وابن الأنباري رأي الأخفش فقال ابن يعيش :

” وأمّا ما ذهب إليه الأخفش فضعيف ” ( [60]) ومما قاله ابن الأنباري مضعفًا رأي الأخفش بقوله: ” وأمّا ما ذهب إليه الأخفش من أنه ينتصب انتصاب ” مع ” فضعيف أيضاً ؛ لأن ” مع ” ظرف ، والمفعول معه في نحو ” استوى الماءُ والخشبةَ ، وجاء البردُ والطيالسةَ ” ليس بظرف ولا يجوز أن يجعل منصوبًا على الظرف ” .( [61])

وذهب الكوفيون إلى أنه : ينتصب على الخلاف ( [62]) وحجتهم في ذلك :

” لأنه إذا قال ” استوى الماءُ والخشبةَ ” لا يحسن تكرير الفعل فيقال: استوى الماء واستوت الخشبة ، فلما لم يحسن تكرير الفعل كما يحسن في : ” جاء زيدٌ وعمرٌو ” فقد خالف الثاني في الأول، فانتصب على الخلاف كما بينا في الظرف نحو : ” زيدٌ خلفك ” وما أشبه ذلك ( [63]) .

ويستدلون على صحة قولهم أيضا بقولهم : ” والذي يدل على أن الفعل المتقدم لا يجوز أن يعمل فيه أن نحو استوى وجاء فعلٌ لازم، والفعل اللازم لا يجوز أن ينصب هذا النوع من الأسماء ؛ فدل على صحة ما ذهبنا إليه ” ( [64])

وأبطل ابن الأنباري قول الكوفيين بقوله : ” أن العطف يخالف بين المعنييْن نحو قولك : ” ما قام زيد ولكنْ عمرو ، وما مررت بزيد لكن بكر، وما بعد لكن يخالف ما قبلها ، وليس بمنصوب … فلو كان كما زعمتم لوجب ألا يكون ما بعدها إلا منصوبا لمخالفته الأول ” ( [65])

وأنكر العكبري قول الكوفيين حيثُ قال:

” وقد أفسدناه في باب ( ما ) ومعنى كلامهم أن الاسم الثاني غير مشارك للأول في الفعل المذكور فلم يرفع لذلك، بل نصب كما ينصب المفعول للخلاف ( [66]) .

وخالفهم ابن يعيش في ذلك معترضاً عليهم بعدم جواز ذلك بقوله : ” لو جاز نصب الثاني لأنه مخالف للأول لجاز نصب الأول أيضاً لأنه مخالف للثاني” ( [67])

وهناك مذهب رابع نسب للجرجاني ( [68]) إلى أنها ناصبة للمفعول معه في نحو ” استوى الماءُ والخشبةَ ” وضعفه المرادي ؛ لأن الواو لو كانت عاملة لاتصل بها الضمير ، في نحو : ” سرتُ وإيَّاكَ ” .

والصحيح أن المفعول معه منصوب بما قبل الواو من فعل أو شبهه ، بواسطة الواو. ( [69])

وأفسد المرادي قول الكوفيين بقوله : ” وهو فاسد ؛ لأن الخلاف معنى ، والمعاني المجردة لم يثبت النصب بها ” ( [70])

ونخلص من هذا أن الصواب والأقوى ما ذهب إليه سيبويه وجمهور البصريين ووافق على رأيهم في ذلك ابن السراج ( [71]) وأبو علي ( [72]) وابن الأنباري ( [73]) والعكبري ( [74]) وابن يعيش ( [75]) والرضي ( [76]) والسيوطي ( [77]) والمرادي ( [78]) .

وامتدح الدكتـور مهـدي المخزومـي الخلاف وعد الأخذ به وسيلة من وسائل التيسير في النحو ( [79])

المســألــة الزنبوريـــة :

ومن شواهد الاعتراض في النّحو المسألة الزنبورية التي شاع فيها خلاف كبير ومشهود بين سيبويه وجماعة من الكوفيين.

ذهب البصريون إلى ذلك وحجتهم : إنما قلنا إنه لا يجوز إلا الرفع؛ لأن ( هو ) مرفوع بالابتداء ولا بد للمبتدأ من خبر ، وليس ها هنا ما يصلح أن يكون خبراً عنه ، إلا ما وقع الخلاف منه، فوجب أن يكون مرفوعا ولا يجوز أن يكون منصوبا بوجهٍ ما ؛ فوجب أن يقال ” فإذا هو هي ” فهو : راجع إلى الزنبور لأنه مذكر . وهي : راجع إلى العقرب لأنه مؤنث ( [80])

وحجة الكوفيين من وجهين :

أحدهما : أن جماعة من العرب شهدوا عند يحيى بن خالد حين اجتمع سيبويه والكسائي وأصحابه بقول الكوفيين .

والثاني : أن ( إذا ) التي للمفاجأة يجوز أن يرتفع ما بعدها بأنه مبتدأ وخبر، وأن ينتصب على إضمار ( أحد ) وعلى ذلك جاءت الحكاية . ( [81])

وهناك رأي ثالث لثعلب : ( [82])

قال : ” هو عماد ، أي وجدته أيَّاها ( [83]) ونصبت ” إذا ” لأنها بمعنى وجدت . ( [84])

واعترض العكبري على الكوفيين بقولهم عن الحكاية من وجهين :

أحدهما : أن الذين اجتمعوا بباب يحي بن خالد من العرب بذل لهم أصحاب الكسائي والفراء مالاً على أن يقولوا بما يوافق قولهم ، ولم يشعر بذلك الكسائي والفراء .

والثاني: أن ذلك من شذوذ اللغة، كما شذ فتح لام الجر ، والجر بـ ( لعل ) والجزم بـ ( لن ) وغير ذلك . ( [85])

وشاهد الجر بـ “لعلّ ” :

فقُلْتُ ادْع أخْرى وارفَعِ الصَّوْتَ دعْوَةً لعلَ أبِي المِغْوار منْك قريب ( [86])

ومن العرب من يجزم بـ ( لن ) تشبيها لها ب ( لم ) لأنها للنفي مثلها ، وأن النون أخت الميم في اللغة قول الشاعر :

فلن يَحْلَ للعَيْنَيْنِ بعْدكِ منظرُ ( [87])

وابن هشام له رأي في ذلك بقوله :

” فالعاملة للجر مكسورة مع كل ظاهر نحو لزيد ولعمرو إلا مع المشتقات المباشر ليا فمفتوحة نحو ( يا الله )…ومن العرب من يفتح اللام الداخلة على الفعل،ويُقْرَأ:[وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ]( [88])

ويستطرد العكبري اعتراضه على هذه المسألة بقوله :

” وأما النصب بعد ( إذا ) فلا يكون إلا على الحال و ( إيَّا ) لا يكون حالاً ، ولا يصح النصب بـ ( يجد ) لأنها تفتقر إلى مفعولين ، وليسا في الكلام على تقدير ذلك لا دليل عليه . ولا يصح جعل ( هو ) فصلا لأن الفصل يكون بين اسمين ، وليسا هنا ” ( [89])

واستند سيبويه في قوله ” فإذا هو هي ” بأنه هذا هو وجه الكلام مثل :قوله تعالى:

” فإذا هي بيضاء “([90]) ومن الشواهد أيضا في “إذا ” قوله تعالى” فإذا هي حيةٌ ” ([91]) وأما ” فإذا هو إيَّاها ” إن ثبت فخارج عن القياس واستعمال الفصحاء كالجزم بـ ” لن ” والنصب بـ ” لم ” والجر بـ ” لعلّ[92] ” .

وسيبويه وأصحابه لا يلتفتون لمثل ذلك وإن تكلم بعض العرب به . (93)

ووجَّهَ ابن هشام الإعراب في ( فإذا هو إيَّاها ) خمسة أوجه تلخص في :

أولاً : إذا : ظرف فيه معنى وجدت ورأيت ، فجاز له أن ينصب المفعول .

ثانياً : إياها : ضمير نصب استعير مكان ضمير الرفع .

ثالثاً : إياها : مفعول به ، والتقدير : فإذا هو يساويها .

رابعاً : إياها : مفعول مطلق ، والتقدير : فإذا هو يلسع لسعتها .

خامساً : حال من الضمير في الخبر المحذوف ، فإذا هو ثابت مثلها . ([93])

وقد ردَّ ابن هشام بعضها وأجاز بعضها .

وأما ما جاء به ثعلب فهو باطل عند الكوفيين والبصريين ؛ لأن العماد عند الكوفيين الذي يسميه البصريون الفصل يجوز حذفه من الكلام ، ولا يختل معنى الكلام بحذفه ولو حذف ها هنا من قولهم : ” فإذا هو إيَّاها ” لاختل معنى الكلام وبطلت فائدته . ([94])

وأرى ما ذهب إليه سيبويه أنه لا يجوز فيه إلا ” فإذا هو هي ” لأن ( هو ) مرفوع بالابتداء فوجب أن يكون مرفوعا ولا يجوز أن يكون منصوباً فهو راجع إلى الزنبور ؛ لأنه مذكر و ( هي ) راجع إلى العقرب ؛ لأنه مؤنث .

وما جاء به الكوفيون فردّ عليهم ، فهو من الشاذ الذي يخرج عن القياس ، وما روي عنهم أنهم أعطوا على متابعة الكسائي جُعْلاً ، فهذا لا يكون لهم حجة فيه.

والباحثة ليست ببدعة من الأمر في رفضها فيما ذهب إليه الكوفيون اقتداءً لما ذهب علماء المدرسة البصرية لأنه أقرب إلى المنطق والصواب.

وخلاصة القول إنّ ما أوردته من اختلافات تبدو أهميتها في أنّها تعين القاريْ على استعياب المسألة, وفي ذات الوقت أن بعضها يفيد عند الوقوف على آراء العلماء وتحليها.

اهم النتائج

1/ أبرزت الدّراسة أن الاعتراض متشعب ومتفرق في فروع اللغة العربية خاصة النّحو والقراءات والبلاغة وفقه اللغة ومنهم ينظر للاعتراض بمعايير وأصول مدرسته.

2/ لا زال الخلاف بين النَّحاة والبلاغيين يلقي بظلاله على تفسير النصوص وهذا يتطلب مزيد من الدرِّاسات والبحوث لفك هذا الاشتباك.

3/ والاعتراض له أثر بالغ وأهمية كبيرة في الدراسات النحوية ليكسبها تصرفًا في القول، ومرونة في الأسلوب وتسهيلًا على الدّارسين والباحثين للوصول إلى معرفة نقاط الاختلاف وتدارسها بأسلوب سهل ومبسط.

4/ أكدت الدِّراسة أن الاعتراض لا يقل أهمية من علم المعاني الذي أطر له عبد القاهر الجرجاني وبيًّن علاقته بالنَّحو والبلاغة والشعر.

هذه كانت بعض النقاط المهمة التي رأيت تسجيلها في هذه الخاتمة, حتى تكون ملخصًا للبحث, تعمل على سدّ الحاجة في زمنٍ قد لا يمهل القاريء للإتيان على البحث كله. التوصيات:

وبعد عرض نتائج البحث التي أفرزتها الدراسة، أتاح للباحثة أن تكون في مقام يسمح لها ببسط جانب من التّوصيات , تتقدّم بها للباحثين ليأخذوا بها في مقبل حياتهم العلميّة ؛ إسهامًا منها في دفع جهودهم المخلصة للأمام . هذه التّوصيات تبدو على النّحو الآتي:

1/ توصي الباحثة بتوجيه الدَّارسين والدَّارسات بتجليه البحث في فروع في اللَّغة المختلفة.

2/ ترى الباحثة أن الاعتراض أقرب وأرسخ قدما إلى علم المعاني من علم التراكيب وهذا يدعو إلى مزيد من التأصيل في هذا الجانب.

3/ توصي الباحثة بمزيد من الدِّراسات والبحوث في الاعتراض في علوم القرآن وبلاغته.

المصادر والمراجع:

1/ القرآن الكريم:

2/ ابن جني،أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص:تحقيق: محمد علي النجار، دار الكتب المصرية،الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت.

3/ ابن الحاجب،أبو عمرو جمال الدين عثمان بن أبي بكر بن يونس، الكافية في النحو: دار الكتب العلمية، بيروت، 1982 م.

4/ البقعاوي، نورة سليمان عبيد، مسائل الخلاف النحوية بين ابن مالك وأبي حيان: رسالة ماجستير،جامعة الإمام.1411هـ،.

5/ ابن هشام ، أبو محمد عبدالله جمال الدين الأنصاري،أوضح المسالك : دار الجيل، ط 5 بيروت، 1399هـ.

6/ أبو حيان، الأندلسي، ارتشاف الضرب من لسان العرب: تحقيق: مصطفى أحمد النماس، مطبعة المدني، ط 1 ، 1408هـ.

7/ الجوهري،إسماعيل بن حماد ،الصحاح : من ض-ي ، دار الحضارة العربية ـ بيروت .

8/ الدجيني ، فتحي ، الجملة النحوية نشأة وتطورا وإعرابا: مكتبة الفلاح ـ الكويت ط2 ، 1408 هـ.

9/ الذهبي، سير أعلام النبلاء ، مؤسسة الرسالة ، ط9، 1413هـ.

10/ سيويه ، عمرو بن عثمان بن قنبر، الكتاب : تحقيق وشرح: عبدالسلام هارون، دار الجيل، بيروت، ط 1 ، 1411هـ .

11/ السيرافي، أبي سعيد، شرح كتاب سيبويه : تح: د. رمضان عبد التواب. محمود فهمي حجازي ود. محمد هاشم عبدالدايم. مصر: الهيئة العامة المصرية للكتاب.

12/ السيوطي، أبو الفضل عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد جلال الدين ، همع الهوامع مع شرح جمع الجوامع في علم العربية: دار المعرفة ، بيروت.

13/ السكيت ، كتاب الكنز اللغوي في اللسان العربي، تحقيق أوغست هفنر ، الناشر ، مكتبة المتنبي ، القاهرة.

14/ ضيف، شوقي، المدارس النحوية: دار المعارف، مصر.

15/ الكتبي، محمد شاكر، فوات الوفيات : تح: د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت.

16/ العكبري ، أبو البقاء محب الدين عبد الله بن الحسين،التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين : تحقيق : د. عبدالرحمن العثيمين، مكتبة العبيكان 1421 هـ.

17/ فارس، أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي ، مجمل اللغة : تح: زهير سلطان، ط1 ، مؤسسة الرسالة .

18/ الفارسي، أبو علي، المسائل المنثورة : تح: مصطفى الحدري، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق.

19/ الفيروزبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب ،القاموس المحيط، دار الفكر ، بيروت ، 1398 هـ.

20/ المالكي ، محمد عبدالله، اعتراضات الرضي على سيبويه في شرح الكافية: رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، 1425هـ.

21/ المخزومي، مهدي، مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو : ط3دار الرائد العربي، بيروت، 1406هـ.

22 / الموصلي، ابن القواس، شرح ألفية ابن معطي : تح.د.علي موسى الشوملي، ط1مكتبة الخريجي، الرياض، 1405هـ.

23/ الزَّبيدي ، تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد مرتضى الحسيني الزَّبيدي، تحقيق جماعة من المختصين ، وزارة الإرشاد، الكويت، 1965م.

الهوامش:

  1. ( ) الجوهري،إسماعيل بن حماد ،الصحاح : من ض-ي ، دار الحضارة العربية ـ بيروت ،م 2/98.

  2. ( ) فارس، أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي ، مجمل اللغة : تح: زهير سلطان، ط/1 ، مؤسسة الرسالة ،م 3/659 .

  3. ( ) البيت من الكامل التام لـ لبيد بن ربيعة. في ديوانه: اعتنى به وشرحه: حمدو طمّاس، دار المعرفة ، بيروت،ط2، 2004م، ص 109

  4. ( ) الفيروزبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب ،القاموس المحيط، دار الفكر ، بيروت ، 1398 هـ،م 2/335-336.

  5. ( ) ابن الحاجب،أبو عمرو جمال الدين عثمان بن أبي بكر بن يونس، الكافية في النحو: دار الكتب العلمية، بيروت، 1982 م،م2/257-258.

    والسيوطي، أبو الفضل عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد جلال الدين ، همع الهوامع مع شرح جمع الجوامع في علم العربية: دار المعرفة ، بيروت،م10/247.

  6. ( ) ابن جني،أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص:تحقيق: محمد علي النجار، دار الكتب المصرية،الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت،م 1/335.

    (7) السكاكي مفتاح العلوم ج1 : 428

  7. ( سورة النحل الآية : 57

  8. ( ) الدجيني ، فتحي ، الجملة النحوية نشأة وتطورا وإعرابا: مكتبة الفلاح ـ الكويت ط/2 ، 1408 هـ ، ص106 .

  9. ( ) المالكي ، محمد عبدالله، اعتراضات الرضي على سيبويه في شرح الكافية: رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، 1425هـ، ص106.

  10. ( ) ضيف، شوقي، المدارس النحوية: دار المعارف، مصر، ص160.

  11. ( ) العكبري ، أبو البقاء محب الدين عبد الله بن الحسين،التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين : تحقيق : د. عبدالرحمن العثيمين، مكتبة العبيكان 1421 هـ،ص 122 .

  12. ( ) البقعاوي، نورة سليمان عبيد، مسائل الخلاف النحوية بين ابن مالك وأبي حيان: رسالة ماجستير،جامعة الإمام.1411هـ، ص11-12.

  13. ( ) العكبري ، التبيين ( الرأي الأول للبصريين والثاني للكوفيين ) ص :142

  14. ( ) التبيين : ص143 .

  15. ( ) التبيين : ص176.

  16. ( ) التبيين : ص274 .

  17. ( ) التبيين: ص292.

  18. ( ) التبيين: ص324 .

  19. ( ) التبيين: ص353.

  20. ( ) التبيين : ص403 .

  21. ( ) التبيين: ص432.

  22. ( ) التبيين: ص153 .

  23. ( ) التبيين: ص419 .

  24. ( ) المدارس النحوية :ص279.

  25. ( ) سيويه ، عمرو بن عثمان بن قنبر، الكتاب : تحقيق وشرح: عبدالسلام هارونت، دار الجيل، بيروت، ( ط) 1 ، 1411هـ ،م1/345 .

  26. ( ) أبو حيان، الأندلسي، ارتشاف الضرب من لسان العرب: تحقيق: مصطفى أحمد النماس، مطبعة المدني، ط( 1 ) ، 1408هـ ،م2/164.

  27. ( )المصدر السابق 2/164 .

  28. ( ) المقتضب 4/358 .

  29. ( )الفارسي، أبو علي، المسائل المنثورة : تح: مصطفى الحدري، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق، ص84 .

  30. ( ) الصّاَفات:47.

  31. ( ) التبيين : 363 .

  32. ( ) الإنصاف 1/367 .

  33. ( ) البيت من الطويل بلا نسبة لقائله في أوضح المسالك 2/13 ، .والجنى الداني : 292 .

  34. ( ) ابن هشام ، أبو محمد عبدالله جمال الدين الأنصاري،أوضح المسالك : دار الجيل، ط ( 5 ) بيروت، 1399هـ، م 2/13.

  35. ( )الارتشاف 2/164 ، والإنصاف 1/366 .

  36. ( )شرح التسهيل 2/58 .

  37. ( ) الموصلي، ابن القواس، شرح ألفية ابن معطي : تح.د.علي موسى الشوملي، ط(1) ، مكتبة الخريجي، الرياض، 1405هـ، م2/938.

  38. ( )السيرافي، أبي سعيد، شرح كتاب سيبويه : تح: د. رمضان عبد التواب. محمود فهمي حجازي ود. محمد هاشم عبدالدايم. مصر: الهيئة العامة المصرية للكتاب،م 3/82 .

  39. ( )المصدر السابق 3/83 .

  40. ( )الارتشاف 2/164 .

  41. ( ) التبيين : 365 .

  42. ( ) اللباب 1/229 .

  43. ( ) شرح ألفية ابن معطي 2/940 .

  44. ( )التبيين: 365 ، 366 .

  45. ( ) أسرار العربية: 246، 247 .

  46. ( ) الإنصاف 1/367 .

  47. ( ) البيت من مجزوء الكامل لسعد بن ثعلبة في الكتاب 1/28 ، والمقتضب 4/360 ، وشرح المفصل 1/108 ،

  48. ( ) شرح ألفية ابن معطي 2/940 .

  49. ( ) أسرار العربية 247 .

  50. ( )اللباب 1/230 .

  51. ( ) الصّاَفات:47.

  52. ( ) الإنصاف 1/248 .

  53. ( ) الكتاب 1/297 .

  54. ( ) الإنصاف 1/248 ، 249 .

  55. ( ) الإنصاف 1/248 .

  56. ( ) اللباب 1/280 .

  57. ( ) التبيين : 379 . والإنصاف 1/248 ، واللباب 1/280 .

  58. ( ) اللباب 1/280

  59. ( ) التبيين : 382 .

  60. ( ) شرح المفصل 2/49 .

  61. ( ) الإنصاف 1/249 .

  62. ( ) التبيين : 379 .

  63. ( ) الإنصاف 1/248 .

  64. ( ) المصدر السابق 1/248 .

  65. ( ) المصدر السابق 1/250 .

  66. ( ) اللباب 1/280 .

  67. ( ) شرح المفصل 2/49 .

  68. ( ) هو عبدالقاهر بن عبدالرحمن الجرجاني، واضع أصول البلاغة ، توفي سنة 471 هـ . ينظر الكتبي، محمد شاكر، فوات الوفيات : تح: د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت،م 1/297 .

  69. ( ) الجنى الداني : 155 .

  70. ( ) المصدر السابق : 155 .

  71. ( ) الأصول 1/253 .

  72. ( )الإيضاح : 193 .

  73. ( )الإنصاف 1/248 ، 249 .

  74. ( )التبيين : 379 ، واللباب 1/280 .

  75. ( )شرح المفصل 2/49.

  76. ( )شرح الكافية 1/195 .

  77. ( )الهمع 1219 .

  78. ( ) الجنى : 155 .

  79. ( )المخزومي، مهدي، مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو : ط(3) دار الرائد العربي، بيروت، 1406هـ ،ص 297.

  80. ( ) الإنصاف 2/704 .

  81. ( ) اللباب 1/498 .

  82. ( ) ثعلب : هو أبو العباس أحمد بن يحي بن يسار ( ت: 291 هـ ) إمام الكوفيين في النحو واللغة . ينظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء : ط(9) مؤسسة الرسالة ، 1413هـ ،م 14/5.

  83. ( ) اللباب 1/498 .

  84. ( ) الإنصاف 2/704 .

  85. ( ) اللباب 1/498 ، 499 .

  86. ( ) البيت من الطويل بلا نسبة في رصف المباني : 436 .

  87. ( ) البيت من الطويل بلا نسبة في رصف المباني : 357 .

  88. ( ) الأنفال:33.

  89. ( ) اللباب 1/499 .

  90. سورة الأعراف الآية (108)

  91. سورة طة الآية (20)

  92. المغني 1/ 106

  93. المصدر السابق 1/ 106/ 107

  94. الإنصاف 2/ 706