تطور الدبلوماسية وتعدد أدوارها

The development of diplomacy and its multiple roles

هنادي محمد إبراهيم العبيدان1

1 جامعة تبوك، الأردن.

DOI: https://doi.org/10.53796/hnsj63/5

المعرف العلمي العربي للأبحاث: https://arsri.org/10000/63/5

الصفحات: 78 - 131

تاريخ الاستقبال: 2025-02-07 | تاريخ القبول: 2025-02-15 | تاريخ النشر: 2025-03-01

Download PDF

المستخلص: هدف هذا البحث الى تسليط الضوء على ماهية الدبلوماسية والدبلوماسي والوقوف على أبرز السمات والشروط الواجب توافرها في العاملين بالحقل الدبلوماسي. والتعرف على مراحل تطور الدبلوماسية خلال العصور التاريخية المختلفة. توصل البحث الى عدة نتائج أمها أن الدبلوماسية كممارسة ونظرية عرفت تغيًرا كبيرًا واكبت به تطور الحضارات المختلفة منذ العصور القديمة إلى وقتنا الحاضر، فهي نشأت استجابة لضرورة تنظيم العلاقات بين القبائل والشعوب، هذا ما أكدته المآثر التاريخية في الحضارات الفرعونية والسومرية والأكادية والأشورية والحيثية والفينيقية والآرامية والكنعانية والهندية والصينية. كما توصل البحث الى أن الدبلوماسية كمهنة نقل الرسائل تطورت ، ومرت في بداياتها بعصر الإمبراطوريات الكبرى في أوروبا، ثم دخلت عصر الدولة الوطنية، وعايشت التوسع الهائل في عدد الدول التي تتبادل البعثات الدبلوماسية في العالم، وتعددت الحاجات وتوسعت شبكة الاتصالات بين دول العالم فتعددت المهام التي يتعين على الدبلوماسي القيام بها، وأخذت الدبلوماسية بالتدريج الطابع الشمولي. قدم البحث عدة توصيات أهمها ضرورة اهتمام الدول بطبيعة تشكيل وفود البعثات الدبلوماسية والوفود التفاوضية لديها، بما يتناسب مع طبيعة الأزمات المحلية والإقليمية والدولية، وتسليحهم بالمعرفة وصقلهم بالمهارات والحنكة لكي يكونوا مستعدين لمواجهة كافة الأزمات والتحديات. كما أوصلى البحث بضرورة تبني الدول العربية لنظام دبلوماسي مشترك يستمد قواعده ومقوماته من طبيعة النظام العربي الإسلامي بحيث يكون أكثر ملائمة وانسجامًا ويكون له تأثير في معترك القانون الدولي الدبلوماسي.

الكلمات المفتاحية: الدبلوماسية، الحقل الدبلوماسي، تطور، العصور التاريخية، أدوار.

Abstract: This research aims to shed light on the nature of diplomacy and diplomats, and to identify the most prominent features and conditions that must be met by those working in the diplomatic field. And to identify the stages of development of diplomacy during different historical eras. The research reached several results, the most important of which is that diplomacy as a practice and theory has undergone a major change that has kept pace with the development of different civilizations from ancient times to the present time. It arose in response to the need to organize relations between tribes and peoples, as confirmed by the historical monuments in the Pharaonic, Sumerian, Akkadian, Assyrian, Hittite, Phoenician, Aramaic, Canaanite, Indian and Chinese civilizations. The research also concluded that diplomacy as a profession of conveying messages has developed, and in its beginnings it passed through the era of the great empires in Europe, then entered the era of the nation-state, and witnessed the tremendous expansion in the number of countries that exchange diplomatic missions in the world, and the needs multiplied and the communications network between the countries of the world expanded, so the tasks that the diplomat must perform multiplied, and diplomacy gradually took on a comprehensive character. The research presented several recommendations, the most important of which is the need for countries to pay attention to the nature of the formation of their diplomatic missions and negotiating delegations, in a manner that is consistent with the nature of local, regional and international crises, and to arm them with knowledge and hone them with skills and acumen so that they are prepared to confront all crises and challenges. The research also recommended the need for Arab countries to adopt a joint diplomatic system that derives its rules and components from the nature of the Arab-Islamic system so that it is more appropriate and harmonious and has an impact on the arena of international diplomatic law.

Keywords: Diplomacy, diplomatic field, development, historical eras, roles.

المقدمة:

شهد القرن الحادي والعشرون تطورًا هائلًا في الدبلوماسية وممارستها وإن ظلت أنماطها التقليدية قائمة، بحيث اتسع مداها إلى حد كبير وأصبح مطلوبًا من الممثلين الدبلوماسيين الإلمام ليس فقط بالجانب السياسي من العلاقات الدولية وإنما إدراكًا واعيًا بالنواحي الاقتصادية والثقافية والاستراتيجية والإعلامية في خضم معطيات الواقع الدولي المعاصر.

وتُعد الدبلوماسية من أهم أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، والدبلوماسية في العلاقات الدولية ظاهرة قديمة جدًا ولم تتبلور في صيغتها الراهنة إلا بفعل التراكمات التاريخية التي عرفتها، حيث إن كل مرحلة وكل حضارة بصمت بقسط أو آخر إلى نقل مفهمة الدبلوماسية نقلة جديدة ونوعية إلى أن تشكلت في صيغتها المعاصرة باعتبارها الأداة الأساسية خارج الحدود السيادية لتحقيق المصالح الوطنية (العربي وكعبوش، 2023).

ويرجع هذا التطور إلى المتغيرات التي طالت النظام العالمي وعولمة الاقتصاد المتسارعة الوتيرة والتي فرضت تطور مفهوم الدبلوماسية التقليدية (Huseynov, 2022). فلم يعد مفهوم الدبلوماسية يقتصر على جمع المعلومات وإدارة العلاقات السياسية، بل اتسع ليشمل مجالات عدة: اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، بيئيةK وإقامة العلاقات بين الدول على أسس جديدة من حيث الأولويات والأهداف، لتحافظ على مصالح كل منها، ولتحقق المساواة فيما بينها، وتفتح المجال أمام نموها وتطورها (بنبراهيم، 2020).

كما أنّ الدبلوماسية في العلاقاتِ الدوليةِ تُعتبر بمثابة قناة للتمثيل، فالدّول من خلال ممارستها للدبلوماسية تكشف عن نفسها، وتضع نفسها في النّظام الدّولي عن طريق استخدام القوة النّاعمة (Joseph Nye, 2019). وذلك لأن قيمها لا تُفرض بالقوة على الدول، بل تُغرس هذه العادة من خلال الممارسة والمعاملة بالمثل والموافقة المتبادلة وتهدف الدبلوماسية في كثير من الأحيان إلى المساعدة في توسيع العلاقات السّياسية والاقتصادية والثّقافية بين الدول في النظام العالمي، كذلك تساهم في المحافظة على علاقة سلمية بين الدول، أو المساهمة في الوصول إلى حلول سلمية في أوقات الأزمات والصراعات (أبو جابر، 2024).

وقد أفاضت الكتابات الدبلوماسية في تناول خصائص الدبلوماسية المعاصرة إلا أننا نرى أنها لم تولي الاهتمام الخاص لأهم خاصية في نظرنا والمتمثلة في انتظام الممارسة الدبلوماسية المعاصرة في إطار مؤسسي يحتضنها ويخضعها لقواعد قانونية شكلت ما يعرف بالقانون الدولي. وهذه الخاصية لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت نتاج جهد رجال القانون على إخراج الممارسة السياسية عموما والدبلوماسية على وجه الخصوص من دائرة الشخصية الفردية للحاكم أو ممثليه إلى منطق الدولة الحديثة (صباريني، 2011).

ومن جهة أخرى، تعد الدبلوماسية أداة للسياسة الخارجية؛ حيث تتنوع أنماطها وتتعدد صورها وأشكالها، فهي لم تعد ذلك النمط التقليدي المتمثل بشخصية السفير أو بنشاط البعثة الدبلوماسية، وإنما توسعت وأخذت صورًا وأشكالً وأنماطًا مختلفة (الدرسوني، 2019).

وتُفهم الدبلوماسية بانها لغة تخاطب وحوار وتفاوض، وممارسات تتوخى تحقيق اتصال ومفاوضات مع الآخرين، بما يحمي ويعزز مصالح من يقوم بها (Baartman, 2024). فالدبلوماسية بقت قرينة الدولة، بوصفها أداة تستخدم لتمثٌل مصالح الدولة لدى الدول الأخرى، وتعتمد على آليات وقواعد محددة متفق عليها كأعراف أو كقواعد محكومة بالقانون الدولي، إلا أن العالم لم يعد كما كان قبل عدة عقود، إذ شهد تحولات كثيرة وكبيرة من تقدم وتطور وبذلك ولم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد فيه، ولم يعد الركون الى الإجراءات التقليدية الرسمية في التعامل مع غير الفاعلة، وبذلك ظهرت الدبلوماسية المتعددة المسارات إلى جانب الدبلوماسية التقليدية (الجبوري وكريم، 2024).

إذًا، فقد أضحى للمشهد الدبلوماسي الدولي المعاصر تنامي صاعد وبقوة نحو الاهتمام بالدبلوماسية العامة كممارسة تنفيذية تقوم عليها الحكومات لدعم سياساتها الخارجية واستخدامها فيما يوصف بأنها أفضل أدوات القوة الناعمة، فقامت على إثر ذلك العديد من المؤسسات الحكومية حول العالم واستحدثت المناصب الوزارية لرسم خططها وتنفيذها وتوفيقها مع السياسات القائمة لكل دولة وتطلعاتها الخارجية، وهو ما دعا بنا في هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على تطور الدبلوماسية تاريخيًا وموضوعيًا وتعدد أدوارها على نحو ما سيجيئ في الإطار النظري والبناء المعرفي والمفاهيمي واستعراض الأدبيات السابقة.

الفصل الأول: الإطار النظري

أولاً: مشكلة الدراسة وتساؤلاتها:

مرّت الدبلوماسية بتغيرات مهمة واشتملت على وظائف لم تكن من اهتماماتها في الماضي. فقد تغيّر مضمون ومجال الدبلوماسية وبالتالي تعددت أهدافها وتجددت مساراتها واتسعت مجالات اختصاصها ووظائفها، تبعاً لما طرأ من تغيّرات شهدتها العقود الأخيرة في بنية العلاقات الدولية، تحديدًا في مجال التكتّلات والتحالفات الجديدة، وفي ظل المراجعات التي لجأت إليها الدول الكبرى خصوصا بشأن مسارات سياستها الخارجية، وتغيّر وانتقال مصادر التهديدات الأمنية في عالم يزداد ارتباطًا وتعقيداً، طوّرت الدبلوماسية مسئوليات ونشاطات متداخلة، حيث ركزت على تحقيق إنجازات مشتركة تحقق مصالح كل الأطراف، وخلق فهم متبادل لسياسات الدول الأطراف، وإنشاء تعاون وشراكة، وتقديم الدعم والمساندة من أجل استقرار الأمن الدولي والإقليمي، وانطلاقًا من هذه الركائز تجيء مشكلة الدراسة للإجابة على التساؤل الرئيسي التالي:

ما هي ملامح تطور الدبلوماسية وتعدد أدوارها؟

ويتفرع عن هذا التساؤل الرئيس التساؤلات الفرعية التالية:

  • ما هي الدبلوماسية؟ وما هي السمات والشروط الواجب توافرها في العاملين بالحقل الدبلوماسي؟
  • ما هي مراحل تطور الدبلوماسية خلال العصور التاريخية المختلفة؟
  • ما هي ديناميكيات تطور الدبلوماسية العامة موضوعيًا؟ وما هي أبرز مساراتها المعاصرة؟
  • ما هي أبرز مهام ووظائف البعثات الدبلوماسية؟
  • ما هي الحصانات والامتيازات الدبلوماسية؟

ثانيًا: أهمية الدراسة:

  • الأهمية العلمية:
  1. تتجسد الأهمية العلمية لهذه الدراسة أنها تأتي مواكبة لما نشهده اليوم من اضطراب وحروب في أرجاء العالم تفرض على الحكماء والعقلاء أن يعيدوا النظر في الدبلوماسية باعتبارها الطريق الوحيد لحل مشكلات هذا العالم، حيث لم تعد الدبلوماسية أداة للسياسة الخارجية فقط، بل تنوعت أدوارها وأنماطها وتعددت صورها وأشكالها، فلم تعد ذلك النمط التقليدي المتمثل في شخصية السفير أو بنشاط البعثة الدبلوماسية وإنما توسعت وتطورت وأخذت صورًا وأشكالًا وأنماطًا مختلفة نعالجها في ثنايا هذه الدراسة.
  2. كما تتجسد الأهمية العلمية لهذه الدراسة كونها تأتي في إطار التحدّي الأكبر الذي يواجه النشاط الدبلوماسي في الزمان المعاصر وهو التغيّر المتواصل في جملة الظروف والمجالات عالميّاً، والذي يحث الدبلوماسي على أن يكون على معرفة مستمرة ومستفيضة بكيفية التعاطي مع هذه التغيّرات ويعدّل ويغيّر ويتماشى وفقاً لها حتى يعطي معنى لوظيفته ويضفي جدوى على وجوده.
  • الأهمية العملية:
  1. قد تسهم نتائج هذه الدراسة في تقديم رؤى قيمة للدبلوماسيين وصناع السياسات والمفاوضين المشاركين في العلاقات الدولية، وتوفر إرشادات عملية حول كيفية استخدام مسارات الدبلوماسية المتعددة والمختلفة بشكل استراتيجي لتعزيز الاتصال وبناء الثقة وتحسين نتائج المفاوضات.
  2. قد تسهم نتائج هذه الدراسة في فهم تعقيدات الدبلوماسية وتشعب وتعدد أدوارها، بالشكل الذي يمكن الدبلوماسيين من المشاركة بفعالية في المفاوضات، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية المثمرة، والمساهمة في تقدم الدبلوماسية العالمية.

ثالثًا: أهداف الدراسة:

  • تسليط الضوء على ماهية الدبلوماسية والدبلوماسي والوقوف على أبرز السمات والشروط الواجب توافرها في العاملين بالحقل الدبلوماسي.
  • التعرف على مراحل تطور الدبلوماسية خلال العصور التاريخية المختلفة.
  • استعراض ديناميكيات تطور الدبلوماسية العامة موضوعيًا والتعرف على أبرز مساراتها المعاصرة.
  • الكشف عن أبرز مهام ووظائف البعثات الدبلوماسية.
  • عرض الحصانات والامتيازات الدبلوماسية.

رابعًا: حدود الدراسة:

  • الحدود الزمانية: العام الدراسي الجامعي 2024- 2025م.
  • الحدود الموضوعية: الدبلوماسية مفهومها وتعدد أدوارها.

خامسًا: مراجعة الأدبيات والدراسات السابقة:

أجرى كلًا من Mustika& MaujanaSaragih (2024) دراسة بعنوان “ديناميكيات الدبلوماسية: الدور الرئيسي في تطوير العلاقات الدولية المستدامة في العصر المعاصر” تسلط هذه الدراسة الضوء على الدور المهم للدبلوماسية في العلاقات الدولية. تتمتع الدبلوماسية، باعتبارها الأداة الرئيسية للدول لتعزيز المصالح الوطنية وبناء العلاقات مع الدول الأخرى، بتاريخ وتطور ثريين. من خلال استكشاف المفاهيم الأساسية للدبلوماسية، تناقش هذه الدراسة دور الدبلوماسيين في التفاوض والحوار والوساطة. بالإضافة إلى ذلك، تسلط هذه الدراسة الضوء على دور الدبلوماسية في السياقات الثنائية والمتعددة الأطراف، بما في ذلك الدبلوماسية الاقتصادية والثقافية والرقمية. كما تقدم تحليلاً متعمقًا للصراعات والجهود المبذولة لحلها من خلال الدبلوماسية، جنبًا إلى جنب مع التحديات والفرص التي تواجه الدبلوماسية في مواجهة ديناميكيات العصر العالمي الحالي. من خلال تقديم مفاهيم الدبلوماسية الإنسانية والدبلوماسية العامة والدبلوماسية الرقمية، تقدم هذه الدراسة أيضًا صورة شاملة لكيفية تحول الدبلوماسية إلى أداة مهمة في معالجة القضايا العالمية ومستقبل الدبلوماسية. ويؤكد الاستنتاج على أهمية الدبلوماسية كأساس لبناء علاقات دولية مستدامة وسلمية في ظل الديناميكيات المعقدة التي يفرضها العصر المعاصر.

كما أجرت حليمة بسعود (2022) دراسة بعنوان “الدبلوماسية الاقتصادية: الأبعاد المفاهيمية والتطبيقية” انطلقت فيها من اعتبار ضم المؤثرات الاقتصادية في مجال الدبلوماسية و الأداء الدبلوماسي، مما يعني دراسة موضوع الدبلوماسية الاقتصادية من خلال التعرف على الدبلوماسية الاقتصادية ومراحل نشأتها وتطورها، وأهم الأمثلة التطبيقية لممارسة الدبلوماسية الاقتصادية، وقد خلصت الدراسة إلى أنه اعتبارًا للمنطق الجديد في العلاقات الدولية أخذت الدبلوماسية الاقتصادية بالغ الاهتمام لدى الدول، بل وأصبحت من أولى أولوياتها، وتعد الدول الأنجلوساكسونية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة السبق في تكوين دبلوماسيين مختصين في الاقتصاد السياسي الدولي، وفي ربط التاريخ بالعلوم السياسية والاقتصاد وتسيير الشركات، ومن ثم فاستيعاب مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية كان يستدعي تحديد المتغيرات الاقتصادية التي عرفها العالم ومدى تأثيرها على العمل الدبلوماسي عموما لمعرفة الشكل الذي أصبح عليه العمل الدبلوماسي سواء من حيث الهياكل و الأهداف و المهام و الأدوار الجديدة.

كما أجرى نايف بن عبد الله الفضلي (2021) دراسة بعنوان ” الدبلوماسية: تاريخ وتطور” سلط فيها الضوء على الدبلوماسية تاريخًا وتطورًا، وقد عرضت الدراسة كون معاهدة ويستفاليا للسلام عام (1648) هي التي مهدت إلى تأسيس مفهوم الدبلوماسية الحديثة، ولكن ممارسة الدبلوماسية قديمة بقدم اختراع الإنسان للكيانات السياسية، ومن أقدم الشواهد على الدبلوماسية هو ما يُعرف بمعاهدة قادش التي عُقدت بين الحيثيين الذين استوطنوا كل من تركيا وسوريا ولبنان وبين الفراعنة في مصر، حيث تضمنت بنوداً قانونية وعسكرية ودبلوماسية، ونظمت علاقات بينهما وأرخت لسلام استمر كل من مئة عام. وكانت الدبلوماسية قديماً عبارة عن رجل يسافر لكي يتحدث عن قومه أمام سلطة أخرى، ثم بعد ذلك تطور الأمر وأصبح هناك مبعوثين والمعروف اليوم بالنواب، ثم تجاوزت الدبلوماسية إطار الشئون السياسية واتسع نطاقها ليشمل الاقتصاد والتجارة والثقافة والسياحة والقضايا الفنية، وعلى الرغم من تقدم الدبلوماسية المعاصرة وكثرة تجلياتها المستجدة ظلت الدبلوماسية محتفظة بقدر من التكامل بين الجهات الدبلوماسية التقليدية والجهات الدبلوماسية الحديثة، فهناك العديد من القضايا التي قفزت إلى سلم أولويات العمل الدبلوماسي مثل قضايا حقوق الإنسان والأقليات والتطرف والإرهاب وحماية البيئة والصناعة والفنون؛ وهو ما فرض على الدبلوماسية بأن تعيد صياغة نفسها.

وقد أجرى Elvin (2021) دراسة بعنوان ” تعريف الدبلوماسية وأنواع الدبلوماسية المستخدمة بين الدول” هدفت الدراسة إلى تعريف الدبلوماسية وأنواع الدبلوماسية المستخدمة بين الدول، كما تم البحث في تعريف الدبلوماسية، والتي تُعرف بأنها مجموع العلاقات بين الدول في ظل الظروف الدولية الحالية، وأنواع الدبلوماسية المستخدمة من حيث تنظيم العلاقات من حيث الاقتصاد والثقافة. وقد تم تضمين الدبلوماسية بالمعنى الضيق والدبلوماسية بالمعنى الواسع في شكل نوعين. كهدف رئيسي للدراسة، تم تحديد “أنواع الدبلوماسية المتاحة في ظل الظروف الدولية” بالتفصيل من خلال البحث في مصادر مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، في البحث، تم تجميع تاريخ الدبلوماسية تحت عنوانين منفصلين هما “دبلوماسية سوء الفهم” و”دبلوماسية العصر الجديد”. تحت عنوان دبلوماسية “الفترة الناقصة”، تم التعامل مع الدبلوماسية اليونانية القديمة، والدبلوماسية في روما القديمة، والدبلوماسية في الحثيين ومصر القديمة، والدبلوماسية المؤقتة. تحت عنوان دبلوماسية الفترة الجديدة، تمت مناقشتها في نطاق “الدبلوماسية الوقائية”، التي ظهرت بعد الثورة الفرنسية وفي إطار مؤتمر فيينا ومؤتمرات لاهاي للسلام. تحت عنوان “أنواع الدبلوماسية في نطاق الدبلوماسية الجديدة الناتجة عن العولمة”، تم تجميع أنواع الدبلوماسية المستخدمة اليوم في العديد من المجالات من خلال البحث بالتفصيل. دبلوماسية المسار الأول، دبلوماسية المسار الثاني، دبلوماسية المسار النصف للدبلوماسية التقليدية تمت مناقشتها في العنوان الأخير للمقال واستكشافها بالتفصيل.

في حين أجرت ثريا محمد الحلوى (2020) دراسة بعنوان ” الدبلوماسية الرقمية: مدخل جديد لإدارة السياسة الخارجية” هدفت من خلالها إلى الوقوف على مدى مساهمة الإعلام الجديد في تحقيق استراتيجية السياسية الخارجية للدول، وقد خلصت إلى أن الممارسة الدبلوماسية للدول، في وقتنا الحالي، تعمل على تفعيل الدبلوماسية الرقمية عبر دمج تكنولوجيا الارتباط بالشبكات الاجتماعية في الآليات المهنية للدبلوماسيين بما يخدم أهداف سياساتها الخارجية. فمن المهم لوزارات الخارجية أن تعمق التزامها باستخدام هذه التكنولوجيا التي تمثل منصات حوار تفاعلي. ويمثل تعميق هذا الالتزام في اتخاذ إجراءات، منها اختيار الموظفين الذين يملكون لغات وثقافة المجتمعات المحلية التي يعملون داخلها وتدريب الدبلوماسيين قبل أن يتم إيفادهم للخارج وتشجيعهم على استخدام تكنولوجيا الشبكات، وتطوير مؤشرات نوعية وكمية لتقييم أداء الدبلوماسيين في مجال أنشطة الدبلوماسية الرقمية، وإنشاء جهاز للدبلوماسية الرقمية يتولى تطوير استراتيجية شاملة لها، بما يضمن التنسيق بين الأجهزة الحكومية وشبه الحكومية المعنية بتنفيذ الدبلوماسية الرقمية، ووضوح الارتباط بين أهداف ووسائل تنفيذ ومحتوى الدبلوماسية الرقمية، ووضع هيكل تنظيمي مناسب ومبادئ توجيهية عامة لاستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية وتكنولوجيا التواصل الجديدة، والحرص على استخدام القواعد المنهجية المعروفة في صياغة برامج الدبلوماسية الرقمية والاستخدام الأمثل للموارد المالية والبشرية. أما محتوى الرسالة التي ينبغي مراعاتها من قبل الدبلوماسيين هي الانخراط في حوار ذي اتجاهين في نفس الوقت، وإيجاد التوازن المطلوب بين المعلومات المشوقة التي تثير اهتمام الجمهور المستهدف والمعلومات التي تحاول وزارات الخارجية إيصالها إلى هذا الجمهور. فالرسالة التي لا تجذب الانتباه لن يلتقطها الجمهور المستهدف وبالتالي لن تسمع، وهذا يستدعي تخفيف درجة “”التحكم”” في محتوى الرسالة الإعلامية بما ينسجم مع التغير في بيئة المعلومات.”

كما أجرت هبة جمال الدين (2019) دراسة بعنوان “ الدبلوماسية الروحية: مسار جديد ومخاطر كامنة وسياسات بديلة لصانع القرار” قدمت هذه الدراسة طرحًا جديدًا لقضية خطيرة تحمل مسمي “الدبلوماسية الروحية” طرحها المعسكر الغربي بقيادة أمريكية مع مطلع الألفية لتحقيق مصالحه من منظور مغاير غير معتاد كفكر وحركة دولية لتحقيق ما يسمي بـ “السلام الديني العالمي لحل الصراعات”، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومكافحة الفقر العالمي كمدخل لضمان القبول المجتمعي للمبادرة وبناء رأي عام دولي مساند لها. فتطرح الدبلوماسية الروحية كمبادرة جديدة للتأثير على دوائر صنع القرار وتشكيل السياسة الخارجية لتحقيق “سلام ديني عالمي مشترك” تدعمه وتطرحه أنصار الأديان السماوية ومراكز صنع القرار عالميًا، عبر الجمع بين الدبلوماسيين ورجال الأديان السماوية للاتفاق حول المشترك الديني وتحويله إلى واقع سياسي على الأرض، وهذا المنظور جاء مدعومًا من قبل المؤسسات التمويلية والاقتصادية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والهيئات التابعة للأمم المتحدة باعتبارها دعوة إلى خلق سلام ديني عالمي ينادي بحل النزاعات والخلافات السياسية الدولية والإقليمية ومن ثم تحقيق التنمية المنشودة عبر توظيف القيم المشتركة بين الديانات السماوية في إطار طرح جديد تحت مسمي “الديانات الإبراهيمية أو الدين الإبراهيمي العالمي”. عبر دمج القادة الروحين مع الدبلوماسيين والساسة في ساحات مشتركة للحوار تعرف بدبلوماسية المسار الثاني Track II Diplomacy. ويشارك هؤلاء القادة الروحيين في حل النزاعات وفقا للقيم المشتركة وإعادة تفسير النص وترجمته سياسيا على الخريطة السياسية العالمية والإقليمية، لنشر السلام بعد حل الصراعات الممتدة، خاصة ذات الأبعاد الدينية المتشابكة. وهذه الحلول سيتم التوصل لها بشكل مشترك مما يضمن قوتها لتكون مستقبلا مركزا ونواة للحوكمة السياسية الرشيدة في العالم. من هنا تقدم الدراسة عرض نقدي للطرح الدائر دوليا حول ما يسمي بــــــــ “الدبلوماسية الروحية” وآليات تطبيقها وأهدافها وتكنيكات تنفيذها، والجهد الملموس على الأرض دوليا وحكوميا وقاعديا لتحقيق هذا النهج. والسياسات الممكن طرحها للتصدي لهذا الفكر والفعل على الأرض من قبل الدبلوماسية العربية والمصرية على وجه الخصوص.

وأجرى فهد بن ناصر الدرسوني (2019) دراسة بعنوان “الاستراتيجيات الدبلوماسية” هدفت الدراسة إلى التعرف على الاستراتيجيات الدبلوماسية. فالاستراتيجية الدبلوماسية في نظرية السياسة الخارجية ليستا إلا وجهين متكاملين لفن واحد هو فن السياسة، فالدبلوماسية كالاستراتيجية كل في وقته، وهي عقل الدولة النابض، ودور الدبلوماسية مرهون باستراتيجيات ومحدد بثوابت. وأوضحت الدراسة أن الاستراتيجية الدبلوماسية هي مجموعة من الطرق والأساليب التي تطبقها وزارة الخارجية مباشرة أو من خلال ممثليها الدبلوماسيين من أجل تحقيق هدف محدد. وهناك نماذج من الاستراتيجيات التي تمتزج بالدبلوماسية وتضفي طابع التأثير على الحدث والقرار وتتطلب الحكمة وبعد نظر وسرعة البديهة ومنها، دبلوماسية القوة، والعامة (الدبلوماسية الشعبية)، والوقائية، والزوارق أو الدبلوماسية القسرية أو دبلوماسية الإكراه، والالكترونية، والعلمية، والثقافية، وأهمية الدبلوماسية العلمية، ودبلوماسية الاحتواء، ودبلوماسية الصمت، والرد والملاسنة، والحراك السياسي. واختتمت الدراسة بالقول بأن الدبلوماسية في عمقها تعتمد على الوصول إلى النتائج وتحقيق الغابات بأكثر الطرق مرونة وأقلها عنفًا وبكلف منخفضة عبر وسائل الذكاء الدبلوماسي المرن.

وقد أجرى Stanzel (2018) دراسة بعنوان “حقائق جديدة في الشؤون الخارجية: الدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين” هدفت الدراسة إلى استعراض مكامن الدبلوماسية والتأثيرات الداخلية والخارجية عليها في ضوء القرن الحادي والعشرين، وقد خصلت إلى أن الدبلوماسية الحديثة تشهد حاليا تغييرات جوهرية بمعدل غير مسبوق، وهو ما يؤثر على طابع الدبلوماسية كما نعرفها. وتؤثر هذه التغييرات أيضا على جوانب السياسة المحلية والدولية التي لم تكن ذات يوم محل اهتمام كبير من جانب الدبلوماسية. وتؤثر التطورات التقنية، وخاصة التحول الرقمي، على كيفية فهم عمل الدبلوماسي؛ ويتزايد عدد الجهات الفاعلة المحلية والدولية التي تنطوي أنشطتها على الدبلوماسية (أو تشكل شكلا منها)؛ وأصبح الجمهور أكثر حساسية لقضايا السياسة الخارجية ويسعى إلى التأثير على الدبلوماسية من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية وغيرها من المنصات؛ وتؤثر الطريقة التي يتقدم بها التبادل بين الدول، فضلا عن التبادل بين الحكومة والجهات الفاعلة المحلية الأخرى، على قدرة الدبلوماسية على العمل بشكل شرعي وفعال؛ وأخيرا، لا يحتاج الدبلوماسيون أنفسهم بالضرورة إلى نفس السمات التي كانوا عليها في السابق. وتحتاج الدبلوماسية إلى استيعاب هذه الاتجاهات، التي تعكس التطورات المجتمعية العامة، كجزء من حوكمة الدولة. وبالتالي، ينبغي لوزارات الخارجية والدبلوماسيين والحكومات بشكل عام أن تكون استباقية في أربع مجالات: 1. يجب على الدبلوماسيين أن يفهموا التوتر بين الاحتياجات الفردية ومتطلبات الدولة، وأن يتعاملوا مع هذا التوتر دون الإضرار بالدولة. 2. يجب توظيف التحول الرقمي بطريقة لا تجعل المكاسب في الكفاءة على حساب الفعالية. 3. يجب تطوير أشكال الوساطة التي توفق بين مصالح جميع الأطراف مما يسمح للحكومات بالعمل كدول ذات سيادة، وفي الوقت نفسه استخدام نفوذ وإمكانات الجهات الفاعلة الأخرى. 4. يجب تطوير أنشطة حكومية جديدة وأكثر انفتاحًا تستجيب للطرق التي يعبر بها الجمهور العاطفي الذي يرغب في المشاركة في الحكم عن نفسه.

في حين أجرى عبد الله صغير الغامدي (2018) دراسة بعنوان “الدبلوماسية النبوية” وقد تناولت هذه الدراسة تبسيط للدبلوماسية الأدبية النبوية من خلال النماذج العشرية، والمقصود بها هنا بالدبلوماسية الأدبية النبوية الشعرية قيمة التوجيه النبوي لبعض الشعراء للرد على من هجوه من شعراء قريش الكفار وخير مثال على ذلك الشاعر حسان بن ثابت. وخلاصة القول إنه كان هناك استثمار لمجهود الدبلوماسية الأدبية النبوية منذ البداية فهناك توجيه وحسن اختيار. وفي نهاية البحث نبين موقف الدبلوماسية الأدبية النبوية اتجاه الشعر والذي يظهر جلياً من استعمال الشعراء المسلمين إلى استقطاب شعراء كفار من قبيل كعب بن زهير وغيره ورجاحة واتزان الدبلوماسية النبوية في اعزاز الداخلين في دين الله حتى ولو كان ذلك على حساب شخصيات مرموقة في جهاز الدولة الإسلامية. وقد خلصت الدراسة إلى أن الدبلوماسية الأدبية النبوية كان لها مرجعية قرآنية صلبة تحدد ملامحها البروتوكولية في مكاتبة الملوك ودعوتهم إلى اتباع ملة معينة. والأدلة على نجاح الدبلوماسية الأدبية النبوية كثيرة وجمة لا يسعنا بسطها الساعة لكثرتها من جهة وطولها من جهة أخرى إلا أننا نكتفي بإدراج نماذج لهذه الدبلوماسية النبوية، وتبلغ الدبلوماسية الأدبية ذروتها مع كل محك تختبر فيه وكل موقف يستدعي تدخلها، ولعلنا يجب أن نشيد بالرؤية النبوية والتروي اللذين طبعا تعامل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الوفود القادمة إليه فهو قد هيأ الوفد نفسياً “وبرتوكولياً” للاقتناع بصدقه بتوظيف دور الخطيب والشاعر.

وقد أجرى Adesina (2017) دراسة بعنوان ” السياسة الخارجية في عصر الدبلوماسية الرقمية” تناول الباحث في هذه الدراسة مفهوم الدبلوماسية الرقمية، مع التركيز على استخدام الوسائط الرقمية في مجال الدبلوماسية وكيفية استفادة الدول من هذه الأدوات في متابعة سياساتها الخارجية. وتتناول الدراسة أيضًا الفرص والتحديات التي توفرها هذه الوسائط للأنشطة الدبلوماسية، وتزعم أن الدول لا تستطيع أن تتخلف عن الركب في عصر الدبلوماسية الرقمية هذا لأنها يمكن أن تستفيد بشكل كبير من هذه الاتجاهات الدبلوماسية الناشئة. يمكن للدبلوماسية الرقمية وأنشطة الإنترنت ككل أن تساعد بشكل كبير في عرض مواقف السياسة الخارجية للدولة على الجماهير المحلية والأجنبية. لقد أثرت ثورة الإنترنت على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك العلاقات الدولية. كما تغيرت الدبلوماسية كأداة للسياسة الخارجية بسبب هذه الثورة.

في حين أجرى Klaudia WIZIMIRSKA (2016) دراسة بعنوان “فن الدبلوماسية في سياق العلاقات الدولية المعاصرة” تقدم هذه الدراسة المعلومات المتعلقة بفن الدبلوماسية في ضوء نظرية العلاقات الدولية باعتبارها تخصصاً علمياً يتعامل مع الواقع الثقافي والاقتصادي والسياسي. وتوضح من هم المشاركون في التفاعلات الدولية، وما هي التفاعلات الدبلوماسية التي تدخل في اللعب وما هي الأساليب والأدوات والتقنيات التي يمكن استخدامها لتحقيق الأهداف المحددة. وقد خلصت الدراسة إلى أنه عند النظر في القضايا المرتبطة بالدبلوماسية، يمكن القول إن تأسيسها في سياق العلاقات الدولية يشكل عنصراً أساسياً. ومع ذلك، في وصف التفاعلات الدولية، تمثل الدبلوماسية أحد الجوانب في هذا المجال فقط. في الساحة الدولية المعاصرة، تتجلى العلاقات بين الدول في أشكال عديدة، وبالتالي، فإن معرفة أساليب العمل الأساسية التي يستخدمها ممثلو الخدمة الدبلوماسية الخاصة بهم تشكل جانباً أساسياً يؤدي إلى حل النزاعات والصراعات المحتملة.

كما أجرى كلًا من Gurgu & Cociuban (2016) دراسة بعنوان ” دور الدبلوماسية العامة في العلاقات الدولية في ظل عملية العولمة الكاملة” تناولت هذه الدراسة تسليط الضوء على دور الدبلوماسية العامة في ربط دول العالم بعملية العولمة الاقتصادية. وكأهداف مماثلة، عزمت الدراسة على التأكيد على أنواع القوى التي تلعب دورًا مهمًا في الدبلوماسية العامة والسياسات الوطنية بشأن الدبلوماسية العامة. تُظهر النتائج التي أجراها الباحثان أن العلاقات الدولية المعاصرة سجلت، تحت تأثير العولمة، عملية إعادة تحديد الحجم، مما يؤدي إلى إزالة احتكار الدولة للسياسة الخارجية. ونتيجة لذلك، تؤثر مجموعة كاملة من الجهات الفاعلة غير الحكومية على صورة الدولة في الخارج، وتوفر لها تكنولوجيا المعلومات آليات اتصال متعددة. في هذه الحالة، يجب أن تكون الأنشطة الدبلوماسية مصحوبة بعملية اتصال، سواء في أسواقها الداخلية أو الخارجية.

وقد أجرى أحمد الجار الله (2015) دراسة بعنوان ” الوسائل الدبلوماسية: خطوة هامة نحو تسوية المنازعات والخلافات الدولية التي تنشب بعيدا عن استخدام القوة” هدف من خلالها إلى إلقاء الضوء على الوسائل الدبلوماسية باعتبارها خطوة مهمة نحو تسوية المنازعات والخلافات الدولية التي تنشب بعيداً عن استخدام القوة. تناولت الدراسة عدة نقاط منها: أولاً: أن العالم شهد أزمات مالية متعددة لعدد من الدول عرفت باسم الديون السيادية. ثانياً: تصنف النزاعات إلى عدة أنواع وهما: نزاعات سياسية، ونزاعات قانونية ونزاعات فنية. ثالثاً: أن الطرق الدبلوماسية تشتمل على المفاوضات والمساعي الحميدة، والوساطة، والتحقيق، والتوفيق. رابعاً: إن مجلس الأمن يجب أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه النزاعات المحلية من خلال المنظمات. خامساً: يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ الأمن والسلم الدولي للخطر أن يلتمسوا طريق المفاوضات والتسوية القضائية. واختتمت الدراسة بالتأكيد على أن التسوية السياسية نشأت وتطورت على الشكل الآتي: تسوية المنازعات الدولية كما وردت في عهد عصبة الأمم 1919م، تسوية المنازعات الدولية كما وردت في ميثاق الأمم المتحدة 1945م، تسوية المنازعات عن طريق المنظمات الإقليمية.

كما أجرى كلًا من Gelder& Krstic (2015) دراسة بعنوان “الدبلوماسية بين الطوائف والوسطاء الدبلوماسيون في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​في العصر الحديث المبكر” وقد هدفت هذه الدراسة إلى استقراء التاريخ المتوسطي المتكامل من خلال عدسة الدبلوماسية، والتي توضح أن الأنواع والممارسات الدبلوماسية المرتبطة بالتقاليد السياسية والثقافية الأوروبية، من ناحية، أو التقاليد الإسلامية، من ناحية أخرى، لم يتم إنتاجها بمعزل عن بعضها البعض، بل اكتسبت معناها من خلال عملية الوساطة والتفاوض بين الوسطاء من مختلف الخلفيات الطائفية والاجتماعية. وبناءً على “التاريخ الدبلوماسي الجديد”، تركز المقالات على الوسطاء غير النخبويين (مثل العبيد المسيحيين، والمرتدين، والأطباء اليهود، والموريسكيين) والأقل دراسة (المسؤولين المسلمين من ذوي الرتب المتوسطة والعليا) في الدبلوماسية بين الطوائف في البحر الأبيض المتوسط. وتزعم الدراسة أن فترة العصر الحديث المبكر شهدت توازنًا نسبيًا للقوى بين الأنظمة السياسية التي يحكمها المسلمون والمسيحيون: فلم تتضمن المفاوضات مبادئ المعاملة بالمثل والتكافؤ والتناسب فحسب، بل كانت هذه المبادئ قابلة للتنفيذ في الممارسة العملية. وهذا يتحدى مفهوم التفوق الدبلوماسي الأوروبي، مما يدفع العلماء إلى إعادة التفكير بشكل أساسي في السرد حول أصول الدبلوماسية الحديثة المبكرة.

وأخيرًا فقد أجرى Adler-Nissen (2013) دراسة بعنوان “القوة الرمزية في الدبلوماسية الأوروبية: الصراع بين الخدمات الخارجية الوطنية وخدمة العمل الخارجي التابعة للاتحاد الأوروبي” تناول الباحث في هذه الدراسة الدبلوماسية الوطنية باعتبارها تواجه تحديات بسبب صعود الجهات الفاعلة غير الحكومية من الشركات العابرة للحدود الوطنية إلى المنظمات غير الحكومية. وفي محاولة لشرح هذه التحديات، يميل الباحثون إما إلى التركيز على جهة فاعلة جديدة محددة أو إلى الزعم بأن الدول ستظل اللاعب الدبلوماسي المهيمن. تطور هذه الدراسة إطارًا بديلًا مستوحى من “بورديو” يتناول القوة الرمزية. وهو يتصور الدبلوماسية من حيث المجال الاجتماعي مع الوكلاء (العاملين في المجال والقادمين الجدد على حد سواء) الذين يشاركون في بناء المجال وإعادة إنتاجه من خلال النضال من أجل المواقف المهيمنة. يتم تطبيق الإطار على الخدمة الدبلوماسية الجديدة للاتحاد الأوروبي (خدمة العمل الخارجي الأوروبي، EEAS)، والتي تعد واحدة من أهم اختراعات السياسة الخارجية في أوروبا حتى الآن. أظهر ذلك أن خدمة العمل الخارجي الأوروبي لا تتحدى الدبلوماسية الوطنية بمعنى مادي – ولكن على مستوى رمزي. إن هيئة العمل الخارجي الأوروبي تتساءل عن رأس المال الفوقي للدولة، أي احتكارها للقوة الرمزية، وهذا يفسر الاستراتيجيات المضادة التي تتبناها الخدمات الخارجية الوطنية. إن الصراعات من أجل تحديد الدبلوماسي “الحقيقي” تكشف عن قطيعة في المجال الدبلوماسي الأوروبي، مما يشير إلى تحول في الدولة الأوروبية وظهور شكل هجين من الدبلوماسية. إن التركيز على القوة الرمزية يفتح آفاقًا جديدة لدراسة تحولات السلطة في السياسة العالمية.

 

سادسًا: المفاهيم والمصطلحات

المحور الأول: مدخل مفاهيميي إلى معنى الدبلوماسية:

كلمة “دبلوماسية” مأخوذة من الكلمة الإغريقية Diploma، وهي بدورها مشتقة من الفعل Diplon، وقد أطلقت كلمت “دبلوما” في عهد الإمبراطورية الرومانية على الوثائق والصكوك الصادرة من الملوك والأمراء والمتضمنة منح شخص توصية خاصة، أو امتيازات معينة، ثم أصبح اللفظ يطلق على الوثائق الرسمية خاصة تلك التي تتضمن الاتفاقات والمعاهدات، حتى شمل اليوم عدة معاني ومضامين تبلورت في “تمثيل الدول والتفاوض” (Jafarova, 2017).

كما تعود الممارسة الدبلوماسية إلى الحضارات القديمة لكن طيلة قرون من الزمن كانت في عمومها تقوم على الأعراف المتداولة بين الدول المعنية. لكن الدبلوماسية المعاصرة تقوم على قواعد قانونية مكتوبة تحمل طابع الإلزام تشكل القانون الدبلوماسي الذي عرفه “براديه فودريه” P. Foderé على أنه ذلك الفرع من فروع القانون الدولي الذي يتناول بصفة خاصة تنسيق العلاقات الخارجية للدول ويرى “جينيه”R. GGenet أنه يعني بتنظيم العلاقات الخارجية للدول وشكل التمثيل الخارجي وإدارة الشؤون الدولية وأصول تسيير المفاوضات (خداوي، 2020).

لذلك، لفهم الدبلوماسية بشكل صحيح باعتبارها بُعدًا مهمًا من أبعاد عمل الدولة وتحقيق مستوى متين من التحليل لأهميتها وأشكال نشاطها، من الضروري وضع تعريف للدبلوماسية. إن البحث العلمي لإيجاد تعريف فريد ومقبول عالميًا للدبلوماسية ليس بالمهمة السهلة، حيث يوجد عدد غير محدود من التعريفات والوجهات النظر.

وتشمل الدبلوماسية دراسة العلاقات السياسية والقانونية بين الدول. والغرض منها هو التخفيف من حدة الصراعات بين المواقف الأولية المتعارضة للأطراف في المفاوضات بأكبر قدر ممكن من اللباقة. وهذا ينبع أيضًا من تعريف ساتو: “الدبلوماسية هي تطبيق الذكاء واللباقة في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة، وتمتد أحيانًا أيضًا إلى علاقاتها مع الدول التابعة؛ أو، بشكل أكثر إيجازًا، إدارة الأعمال بين الدول بالوسائل السلمية” (Kiçmari, 2024).

كما أن الدبلوماسية ينظر إليها باعتبارها الطريقة التي تعبر بها الدولة عن صورتها ووجودها على المستوى الدولي، وهي علم وفن، علم يتطلب دراسة عميقة للعلاقات القائمة بين الدول ومصالحها المتبادلة، في الماضي والحاضر، وهي فن لأنها تقوم على مواهب خاصة للدبلوماسي الذي يقوم على اللباقة والحصافة وقوة الملاحظة وكذلك الوعي والمعرفة (أبو جابر، 2024).

وقيل بأن الدبلوماسية هي مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين، بهدف خدمة المصالح العليا والسياسات العامة، وللتوثيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل، وإجراء المفاوضات السياسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية، ومن ثم تعتبر الدبلوماسية أداة رئيسية من أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة (عبد المنعم، 2019).

ولا شك بأن الدول تحدد بالدبلوماسية الأهداف والاستراتيجيات الأوسع التي توجه تفاعلاتها مع بقية العالم. وعادة ما تكون المعاهدات والاتفاقيات والتحالفات الدولية نتيجة للعلاقات الدبلوماسية، حيث تتواصل الدول مع بعضها البعض بطريقة ودية، للتفاوض على السياسات التي تتوافق مع مصالح الدولتين، وكذلك يفعل الدبلوماسيون الذين يعبرون عن آراء وسياسات واعتراضات الدول كمشاركين في النظام الدولي، مما يساعد في توسيع الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدول في النظام العالمي، والأهم من ذلك المساعدة في الوصول إلى علاقة سلمية بين الدول (أبو جابر، 2024). إضافة إلى أن الدبلوماسية هي انعكاس موضوعي لحركة الجماعات البشرية في تفاعلها مع بعضها البعض وتنظيم العلاقات فيما بينها وضبطها، ولهذا تتميز الدبلوماسية بالحركة والديناميكية (Mustika& MaujanaSaragih, 2024).

هذه المفاهيم والمصطلحات وإن اختلفت بخصوص تحديد مفهوم الدبلوماسية، بحسب الزاوية التي يرتكز عليها كل واحد منها، إلا أنها تشترك في الكشف عن أهم عنصرين يحتلان مكان الصدارة في الوظيفة الدبلوماسية: الأول باعتبارها ضرورية في العلاقات بين الدول وأشخاص القانون الدولي العام، وهذا يجد مبرره في الحاجات الاقتصادية، والاجتماعية، والعلمية، وغيرها، أما العنصر الثاني للوظيفة الدبلوماسية فيتمثل في المفاوضة، أو المساومة للتوفيق بين مصالح أشخاص القانون الدولي بطرق سلمية (سعد وعبد المجيد، 2024).

إذا فالدبلوماسية بمفهومها العام هي علم له قواعده وفن له أصوله ومهنة لها تقاليدها، وقد تختلف أهدافها ومصالحها من دولة لأخرى، لكن لا تختلف قواعدها ودورها فهي مجموعة المفاهيم والقواعد والمراسلات والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين، بهدف خدمة المصالح العليا الأمنية والاقتصادية والسياسات العامة للدول، للتوفيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل وإجراء المفاوضات الدبلوماسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية (جمال الدين، 2019).

ولا شك بأن إن تقييم دبلوماسية أي دولة يرتبط بمحددين أساسيين: الأخلاقية والفعالية، فبالنسبة لمسألة الأخلاقية في السلوك الدبلوماسي فإنها تتقاسمها ثلاث وجهات نظر: الأولى تنظر الى الدبلوماسية باعتبارها شيء ليس له صفة أخلاقية، بينما ترى الثانية أن الأخلاق شيء واحد لا يتجزأ ولا يوجد أي فرق بين المعايير الأخلاقية التي تتبناها الدولة وتلك التي يتبناها الأشخاص، وبين وجهتي النظر السابقتين يطرح “اوين هاريس” ما يسميه بأخلاق التبصر والحكمة، فسياسة التبصر والحكمة تساعد على تحقيق الاستقرار في العلاقات الدولية وفي نفس الوقت تفضح التلاعب بالمعايير الذي تمارسه بعض الدول (بلخيرات، 2019).

كما تتجلى التفاعلات الوظيفية بين الدبلوماسية والاستراتيجية في السياق الدولي بصورة متكاملة، حيث تعمل الدبلوماسية كأداة للتواصل بين الدول وتحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية للدولة، بينما تعمل الاستراتيجية على وضع الأهداف والخطط اللازمة لتحقيق هذه الأهداف وتحديد الإجراءات والأدوات التي يمكن استخدامها لتحقيقها. وتتمثل أهمية التفاعل بين الدبلوماسية والاستراتيجية في القدرة على دمج المصالح الداخلية والخارجية للدولة وتحديد الأولويات والتعامل مع التحديات والفرص الدولية بصورة شاملة ومنسقة (كعبوش والعربي، 2023).

إذًا، فالفن الدبلوماسي، يمثل قوة الدولة في صلاتها بالعالم الخارجي، لأنه يجمع بين جنباتها العوامل المختلفة التي تمثل هذه القوة، ويحاول رجاله استغلال هذه العوامل بمهارة في دعم سلامة الدولة والمحافظة على كيانها، وذلك بكسب الأصدقاء وشل إرادة الأعداء وتحطيمها، ويصل التوفيق بهؤلاء الرجال إلى الذروة عندما ينجحون في تحويل الأعداء إلى أصدقاء أو على أقل تقدير إلى محايدين وهم يقومون بدور الدعاة لقوة الدولة وإمكاناتها (اليوسفي، 2014).

وباستقراء التعاريف والمفاهيم السابقة نجد أن الدبلوماسية أخذت تعريفات متعددة ومتنوعة جاء بها الكتاب من التوجهات الفكرية المختلفة والمتنوعة، غير أن مضامين ما جاءوا به يدور في فلك أن الدبلوماسية عملية يتم من خلالها إدارة وتنظيم العلاقات الدولية وتبادل البعثات وتسوية الخلافات في إطار مجموعة من القواعد والأعراف والأصول والمبادئ الدولية التي تهدف في مجملها إلى توفيق الأوضاع بين مصالح الدول المتباينة.

المحور الثاني

تطور الدبلوماسية خلال العصور التاريخية المختلفة

تثبت الدراسات الأنثروبولوجيه للمجتمعات القبلية أن السلوك الدبلوماسي وُلد بالفعل في المراحل الأولى من التطور الاجتماعي البشري، وكان الشكل الأكثر بدائية للتواصل الدبلوماسي هو عادة إرسال الرسل العرضيين الذين ينقلون أهم الرسائل بين القبائل.

وبالتوازي تقريباً مع هذه العادة، كان لقائد المجموعة أو القائد أو الملك تبشيراً خاصاً أعلن عن إرادته لأفراد القبيلة، ولكن اُستخدمت أيضاً بالطريقة نفسها التي يستخدمها الرسل، حتى في هذه المرحلة المبكرة من الحضارة، تم إرسال مبعوثين خاصين من جنرال إلى آخر لمناقشة القضايا بين القبائل مثل الحرب والسلام والصيد والتجارة وما إلى ذلك، كما أن الرسل والممثلين لم يُرسلوا إلى الجيران الودودين فحسب، بل وصلوا تدريجياً أيضاً إلى أولئك الأقل صداقة وبُعداً (حسن، 2020).

كما أن الدبلوماسية كممارسة ونظرية عرفت تغيًرا كبيرًا واكبت به تطور الحضارات المختلفة منذ العصور القديمة إلى وقتنا الحاضر، فهي نشأت استجابة لضرورة تنظيم العلاقات بين القبائل والشعوب، هذا ما أكدته المآثر التاريخية، فالحضارات الفرعونية والسومرية والأكادية والأشورية والحيثية والفينيقية والآرامية والكنعانية والهندية والصينية كانت بينها اتصالات كثيرة تشهد على ذلك الاتفاقيات التي أبرمت فيما بينها، والتي كانت تتم عبر مبعوثين يقومون بمهمة الاتصال والتمثيل والتفاوض ويتوصلون لعقد الاتفاقيات والتحالفات (الحلوي، 2020).

ويمكن القول إن منشأ ومكان ظهور الدبلوماسية القديمة، قد كان في حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث نمت فيه الحضارات القديمة، سواء الرومانية والإغريقية التي استوطنتا سواحل البحر المتوسط، وصولا إلى أماكن الهيمنة والسيطرة على الدول الواقعة أصلا في تلك البقعة من العالم، والتي تكون في مجموعها حضارات الفراعنة في مصر على امتداد وادي النيل، وفي جنوب الجزيرة العربية، ووادي الرافدين، والهند، والصين.

ومن خلال الدراسة للدبلوماسية القديمة، فان العالم بمختلف حضاراته الفرعونية والأشورية والسومرية والكنعانية والسبئية والحميرية، قد أقامت روابط واتصالات تجارية وعلاقات صداقة بين ملوك هذه الدول، وقد كانت تتم بواسطة موفدين توكل إليهم مهمات التفاوض والتمثيل، وقد كانت الإمبراطورية الرومانية في أوروبا الأكثر قوة ونفوذًا بالنسبة لمن دونها من الحضارات، لذا فبعد الرومان يعد الإغريق الذين قدموا الكثير للدبلوماسية عبر مراحل الإمبراطورية الرومانية (الفقيه، 2017).

وبالنظر إلى الدبلوماسية في حضارة الشرق الأوسط القديمة [حضارة الفراعنة وحضارة الرافدين] كانت الدبلوماسية والعلاقات الدولية في هذه المرحلة ناشطة في الشرق الأوسط حيث قامت في هذه المنطقة مدن امتدت من أرض ما بين النهرين دجلة والفرات إلى وادي النيل، محاطة بمدن صغيرة ودويلات مدنية أكبرها امبراطورية الكلدانيين أو البابليين أو امبراطورية الفراعنة وكانت السلطة مركزة بشكل قوي لإدارة شئون الحكم وكان الحاكم أو الملك يجسد الدولة فكانت الدبلوماسية والعلاقات الدولية تنفذ لخدمة السياسة الخارجية التي تحدد أهدافها الأباطرة والملوك (أخميس، 2019).

وفي هذا التعبير المجازي عن تصريف الشئون العامة للدولة وسياسة الحكمة في اتصالها بالأفراد والقبائل والأمصار في الدخل، أو بتنفيذها في علاقاتها الدولية في الخارج، قدم لنا العرب والمسلمون تعريفًا لما اشتهروا به من مهارة دبلوماسية في لقاء خصومهم وكسب أعوانهم وتنفيذ سياساتهم في الداخل والخارج، وينم هذا التعريف عن أصالة الفن لما يجب أن يتصف به فن الدبلوماسية من خصائص أبرزها: الاتصال بالواقع، وعدم الانعزال عن الناس، ومعالجة الأمور باللين والحزم، والأخذ والعطاء، والصبر والذكاء والروية والأناة (اليوسفي، 2014).

وضمن هذا الإطار التاريخي لهذه المراحل نقول: إن الدبلوماسية ممارسة ونظرية في هذه المرحلة، عرفت تطورًا لا بأس به واكب تطور الحضارات المختلفة في العصور القديمة والمتوسطة، كحضارات الفراعنة والأكاديين والأشوريين والسومريين والحثيين والفينيقيين والآراميين والكنعانيين.

وبطبيعة الحال عرفت هذه الشعوب الاتصالات فيما بينهما، لم تكن مقتصرة بالطبع على العلاقات الحربية بل كذلك على العلاقات السلمية التي كانت تتم عبر مبعوثين خاصين يقومون بهمة الاتصال والتمثيل والتفاوض، ويتوصلون لعقد الاتفاقات والمحالفات، ولقد أثبتت الاكتشافات الأثرية ذلك كما أثبتت وجود وثائق دبلوماسية كانت تكتب بحروف مسمارية، ومن ثم باللغة الآرامية التي كانت تعتبر لغة التجارة والدبلوماسية، ومن أشهر هذه المعاهدات نشير إلى المعاهدة المشهورة التي عقدت بين الحثيين والفراعنة في القرن الثالث عشر قبل الميلاد (خلف، 2014).

وتعد اليونان الإغريقية من أولى الدول في التأريخ إلى هذه اللحظة التي وضعت أسساً هيكلية المؤسسة الدبلوماسية المستقلة، إذ ظهرت مؤسسة “البروكسَنيا”، التي ترادف اليوم بعملها القسم القنصلي وقسم التشريفات (المراسم). نُظم عمل هذه المؤسسة بقانون الضيافة، الذي منح من قبل الإله الأعلى زيوس. وكان وكيل هذه المؤسسة الذي يدعى بالـ (بروكسين) من أحد أغنياء اليونان الذين يتمتعون بالنفوذ، إذ اتخذوا على عاتقهم إدارة شؤون المقيمين الأجانب واستضافة البعثات الضيوف الأجانب (حسن، 2020). وبتوسع النفوذ اليوناني، كان من اللازم توسيع المؤسسة الدبلوماسية؛ وبهذا ظهرت ما تدعى بـ “الرابطة الأمفيكتونية” التي تعد الأنموذج الأول لوزارة الخارجية اليوم. كانت هناك اتحادات إقليمية ذات طابع ديني مرتبط بمعبد أبولو، من شأنها دراسة السياسة الخارجية ووضع مقرراتها، وكان لها العديد من الامتيازات (Lozano, 2017).

وفي العصر الروماني دخلت الدبلوماسية مرحلة النظرية، فقد تم اعداد متخصصين في شؤون الدولة والمراسيم الدبلوماسية لترتيب ودراسة الاتفاقيات والوثائق الدولية، الأمر الذي أدى إلى تكوين رغبة وحرص شديدين لمراعاة ما تم التعارف عليه من النظم الموضوعية والشكليات المتبعة والتقاليد الثابتة على مر الزمن، وهذا ما ساعد على نشوء فكرة اضفاء القدسية على التمثيل الخارجي وابرام المعاهدات، فقد تم تشكيل أجهزة خاصة للعلاقات الخارجية واتباع اجراءات خاصة لتعيين السفراء والتفريق بينهم وبين الخطباء والرسل، مع منح نوط خاص وهو خاتم ذهبي للسفير المتمكن الذكي مما يخوله التمتع بالتسهيلات والامتيازات (نجم، 2021).

أما عند العرب والمسلمين فلقد بدأ ممارسة العمل الدبلوماسي الحقيقي عند النبي محمد ﷺ عندما بدأ إرسال عددًا من رسله ومبعوثيه، إلى زعماء الدول والقبائل المجاورة، وذلك من أجل دعوتهم للدخول في الإسلام، فكتب إلى النجاشي ملك الحبشة، وهرقل إمبراطور الروم، وكسرى ملك الفرس، والمقوقس ملك مصر، وأسقف نجران، وزعماء يهود خيبر، وملوك عمان والبحرين واليمن، كما كان للنبي ﷺ مبعوثون يقومون بمهمة بعثات خاصة بهم(حمل الرسائل)، والمهمة الثانية كانت للمفاوضة والحوار، وذلك من أجل عقد هدنة أو إطلاق سراح الأسرى ، وعقد الاتفاقيات ومعاهدات الصلح (الفقيه، 2017).

وتجدر الإشارة هنا إلى أن العمل الدبلوماسي عند العرب والمسلمين لم يكن احترافًا بقصد الحصول على مغانم، بل كان شرفًا يتسابق إليه كبار الشخصيات، ورسالة يتنافسون في أدائها مهما كلفهم الأمر من تضحيات، إذ كانت تقترن في نفوسهم برفعة بلادهم ونشر العقيدة الدينية، ولم تكن مقصورة على طبقة دون أخرى، وإنما هي واجب وفي الوقت ذاته يجب أن تتوافر فيهم الصفات التي تؤهلهم لهذه الرسالة أياً كانت فئتهم (اليوسفي، 2014).

وأخذت تتطور الدبلوماسية مع البيزنطيين والعباسيين والفرنجة، ومن خلال ممارسة الدبلوماسية كانت الدول تعين مندوبيها أو منفذي هذه السياسة وخاصة السفراء والأجهزة المشرفة عليهم حتى رأس الدولة، سواء كان الملك أو الأمير أو الخليفة أو البطريك، تبعاً لسياسة الدول أي المرسل والمستقبل وكذلك ما يصدر عن الديوان المكلف، سواء كان جواز سفر أو حصانات أو امتيازات تمنح للمبعوثين أو الأرشيف الذي يضم الرسائل والوثائق والاتفاقيات الخاصة بالعلاقات الخارجية لرؤساء الدول (نجم، 2021).

وظلت القواعد القانونية المنظمة للوظيفية الدبلوماسية والحصانات والامتيازات لممارسيها تدور في فلك القواعد العرفية، حتى عرفت التقنين والمأسسة مع مؤتمر فيينا لعام 1815م والمكمل ببروتوكول إكس لاشابل 1818م، ومن ذل الحين توالت الجهود الفردية للفقهاء والمؤسسات الجامعية المختصة بالشئون الدولية، لتجميع القواعد التي تحكم الدبلوماسية وتصنيفها، ومن ثم صياغة مشاريع على أمل أن تتبناها الدول في تعاملاتها مع بعضها البعض في الإطار الدولي (خلف، 2014).

مع ظهور مفهوم الدولة الوطنية الحديثة، وتفاعل السياسات الخارجية بين الدول، حصل تطوُّر في مجال الدراسات الدولية، حيث تحوّل مفهوم الدبلوماسية إلى علم غايته تطوير الأداء الدبلوماسي، للانتقال به من المفهوم التقليدي إلى مفاهيم حديثة، من قبيل الدبلوماسية العامة أو الموازية أو غير الحكومية (دكير، 2023).

وحدث في مرحلة معينة من القرن العشرين أن تطورت الدبلوماسية مستفيدة من تقدم فنون الاتصال وتغير مفهوم مهمة الدبلوماسي، فلم تعد تقتصر المهمة على نقل رسالة من حكومة لحكومة، بل تطورت بالتدريج لتشمل مهمة التحليل والتقييم والتنافس مع أجهزة الإعلام على نقل الأخبار بصورة أدق وربما أسرع (مطر، 2013). وفي المجتمع الدولي الحديث المعاصر، مع التطور السريع والمتلاحق في عالم الاتصالات والمواصلات، وتشابك المصالح وتوسعها، وشعور الدول بعدم قدرتها على الانغلاق أو الانعزال، وضرورة الانفتاح والتعاون وتعزيز العلاقات، ازدادت رغبة الدول الأعضاء في المجتمع الدولي بإقامة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى وكافة أشخاص القانون الدولي (أحمد، 2011).

هكذا تطورت وتدهورت الدبلوماسية كمهنة نقل الرسائل، ومرت في بداياتها بعصر الإمبراطوريات الكبرى في أوروبا، ثم دخلت عصر الدولة الوطنية، وعايشت التوسع الهائل في عدد الدول التي تتبادل البعثات الدبلوماسية في العالم، وتعددت الحاجات وتوسعت شبكة الاتصالات بين دول العالم فتعددت المهام التي يتعين على الدبلوماسي القيام بها، وأخذت الدبلوماسية بالتدريج الطابع الشمولي.

 

المحور الثالث

تطوير الدبلوماسية العامة موضوعيًا ومساراتها

أدت التحولات التي شهدها المجتمع الدولي في الأعوام الأخيرة من التقدم والتطور في مجال العلم والتكنولوجيا ووسائل النقل والمواصلات والاتصالات إلى ظهور العديد من الفاعلين غير الحكوميين كالمنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية، ووسائل الإعلام، والرأي العام، والمجتمع المدني، والمؤسسات الدينية والثقافية، ومراكز البحث والتطوير، الذي أصبح لهم دوراً وتأثيرًا بالغًا في رسم وتيسير الشؤون الدولية، وتزايد هذا التأثير والدور إلى حد أصبح يشكل دبلوماسيات جديدة متعددة الأطر والمسارات تسير جنباً إلى جنب مع الدبلوماسية التقليدية (الجبوري وكريم، 2024).

ولذلك تطورت الدبلوماسية العامة موضوعيًا ولم يعد هناك اكتفاء بالطريقة التقليدية للدبلوماسية، بل وقد تم اتخاذ مسالك ومسارات أخرى فيما يطلق عليه “دبلوماسية المسارات المتعددة” فلم تعد الدبلوماسية حبيسة التعاريف القديمة، المتمثلة في الاتصالات وجمع المعلومات فحسب، بل تحولت الى عامل مؤثر في رسم الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإقامة العلاقات بين الدول على أسس جديدة من حيث الأولويات والأهداف تضمن مصالح كل منها، نستعرض في هذا السياق طرفًا من التطور الموضوعي للدبلوماسية ومساراتها الحديثة والمعاصرة على النحو التالي:

  1. الدبلوماسية الدينية أو الروحية:

يمكن وصف الدبلوماسية الدينية بأنها نشاط دولة يتألف من استخدام عامل ديني في السياسة الخارجية؛ أي المجموعة الكاملة من الآليات للتعاون الحكومي مع الجمعيات الدينية في السعي لتحقيق المصلحة الوطنية المحددة بشكل عملي، واستخدام النشاط الدولي للمؤسسات الدينية والأفكار والرموز الدينية التي يتم تفسيرها بشكل مناسب للامتثال للأهداف السياسية الحالية (Curanović, 2012).

وينظر إلى الدبلوماسية الدينية أو الروحية باعتبارها مسار من مسارات التفاوض الدبلوماسي يستهدف حل النزاع أو منع حدوثه من أجل بناء سلام ديني عالمي، يتم عبر الجمع بين القادة الروحيين والساسة باستخدام المدخل النفسي لدحض الأصولية في الأديان الثلاثة والتباحث حول القضايا الحساسة محل النزاع بهدف التوصل إلى مشترك عبد تقارب الأديان السماوية الثلاث فيما يطلق عليه “الدين الإبراهيمي” الدين العالمي الواحد للقضاء على الاختلافات والوصول إلى متفق يقبله المجتمع (العزب، 2021).

وتجدر الإشارة إلى أن تعبير “الدبلوماسية الدينية” لا يعني أن الدبلوماسيين يجب أن يقوموا بعملهم على أساس قناعة دينية شخصية أو لأنهم مؤمنون، ولكن هذا ليس الدافع الرئيسي للدبلوماسيين الذين يكرسون اهتمامهم للمجال الديني. ما يعنيه في الواقع بالدبلوماسية الدينية هو أن الدبلوماسية تتعامل مع الأديان، وتجري حوارًا مع الجهات الفاعلة الدينية، وتنظر إلى المعتقدات الدينية باعتبارها ذات صلة بالسياسة الداخلية والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية (Ferrara, 2019).

ولقد جاء الاهتمام بمفهوم الدبلوماسية الروحية في مطلع الألفية الجديدة كأجد المتغيرات الدولية للسياسة الخارجية، التي تستهدف تحقيق السلام العالمي، وحل النزاعات، وتحقيق التنمية المستدامة عبر الفقر ومسبباته والقيام بخدمات ومشروعات تنموية يكون لها تأثير على السياسات المجتمعية الداخلية. يقدم هذا النوع من الدبلوماسية طرحًا جديدًا كالحديث عن السلام الديني العالمي، الدين مصدر للحل، القادة الروحيين وعلمهم المشترك مع الساسة، ونقل المشترك الديني على الخريطة السياسية (جمال الدين، 2019).

وبالنظر إلى أبرز المجالات العملية للدبلوماسية الدينية نجدها تتجسد في حوار أتباع الأديان والثقافات من أجل السلم العالمي، ونشر مبدأ التعايش، والتعاون على مكافحة الإلحاد والعبثية والإباحية، وتعزيز قيم المحافظة على الأسرة، والتماسك الاجتماعي، وتعزيز مبدأ التكافل والتراحم في مجتمعاتهم، ومكافحة الفقر والمرض والأمية، والمساهمة في جهود مواجهة مشكلة نقص الماء والغذاء، ونشر ثقافة العناية بالبيئة والموارد الطبيعية، ومواجهة حملات التشويه والتحريض ضد الأديان (العريفي، 2022).

وامتدادًا لهذا النهج يأتي اهتمام الأمم المتحدة بالمفهومين (الدبلوماسية الروحية – المشترك الإبراهيمي) بوصفهما مدخلًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر دمج البعد الروحاني داخل علم الاقتصاد ومراعاة العدالة الاجتماعية وشمول وتعاون مختلف دول العالم التي تؤمن بقيمة الحب وتعلي أهمية الحياة والعمل المشترك، ومن ثم سيصبح العالم أكثر حرية وليبرالية (العزب، 2021).

ويمثل مشروع “مسارات الحج الديني المشترك” أولى الترجمات الأممية لمشروع الدبلوماسية الروحية، كمشروع يجسد ترجمة المشترك الإبراهيمي على الأرض، وذلك لخلق مناسك ومقدسات مشتركة بين الأديان الثلاث يتم من خلالها بناء ذاكرة تاريخية معاصرة وجديدة، تتكامل خلالها طرق الحج المشتركة التي تطرح تحت شعار “معًا نصلي”، وهو مشروع قدمته جامعة هارفرد مع مطلع الألقية حيث قدمت الإطار النظري والعملي لمسار إبراهيم كمسار أكبر تتقاطع خلاله مسارات أخرى لتتكامل معه (العزب، 2021).

ويضمن هذا النهج أشكالًا مغاير من الحوارات العالمية، يمكن أن يطلق عليها “الحوار الخدمي” والذي يهدف إلى خلق خدمات ملموسة مصاحبة للدبلوماسية ترفع من معدلات التنمية ليتحقق تعاطفًا عالميًا مشتركًا نحو المصير الإنساني المشترك، من خلال قيم الحب والتسامح التي تدعو لها الأديان، والعمل على حل النزاعات عبر دمج القادة الروحيين مع الدبلوماسيين والساسة في ساحات مشتركة للحوار (جمال الدين، 2018).

إذًا، فمن خلال الدبلوماسية الروحية يشارك الساسة القادة الروحيون في حل النزاعات وفقًا للقيم المشتركة، وإعادة تفسير النص وترجمته سياسيًا على الخريطة السياسية العالمية والإقليمية، لنشر السلام بعد حل الصراعات الممتدة، خاصة ذات الأبعاد الدينية المتشابكة، وهذه الحلول سيتم التوصل لها بشكل مشترك مما يضمن قوتها لتكون مستقبلًا مركزًا ونواة للحوكمة السياسية الرشيدة في العالم.

  1. الدبلوماسية الاقتصادية:

نتج عن العولمة ظهور سوق اقتصادية عالمية أصبحت معها الدولة أمام تحديات كبرى أبرزها القدرة على تحقيق التنافسية الاقتصادية على صعيد تلك السوق العالمية، وهو ما لا يمكن أن يتأتى إلا للدول التي بإمكانها أن ترقى باقتصادها وبسياستها وبمدها الثقافي إلى مستوى تلك التحديات. هكذا ظهرت الدبلوماسية الاقتصادية كاستجابة لمرحلة جديدة استدعت أن تتحول الدبلوماسية من تقليدية إلى دبلوماسية يحتل فيها الاقتصاد مركز الصدارة في صنع السياسات العمومية على الصعيد العالمي (الهواس، 2018).

وقد نشأت الدبلوماسية الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الرئيس روزفلت وسميت وقتها بدبلوماسية الدولار – أي تحقيق المصالح الأمريكية من خلال الدولار – وكانت وزارة الخارجية هي الأداة الرئيسية في تحقيق هذه المصالح، وذلك إما بتمويل رجال الأعمال الأمريكيين في الخارج لتسيير أعمالهم الاقتصادية، وإما باستغلال المعونة التي كانت تقدمها للدول كإحدى أدوات الدبلوماسية الاقتصادية (بسعود، 2022).

إنّ الدبلوماسية الاقتصادية تكمن أهميّتها في وقوفها على قضايا السياسة الاقتصادية، فمثلا الموفد الدبلوماسي في منظمات اقتصادية دولية كمنظمة التجارة العالمية يقوم بمراقبة وتقييم السياسات الاقتصادية في الدول الأجنبية ثم تقديم تقارير عنها إضافة إلى تقديم المشورة لدى الحكومة المحلية من أجل الحصول على كيفية التأثير عليها بشكل أفضل، ومن ثم فهي فنّ يتيح للدول تحقيق جملة من أهداف السياسة الخارجية من خلال العقوبات والمكافئات، وهذا ما يتم عن طريق الموارد الاقتصادية المتاحة في تلك الدولة (بوغالم ومزاني، 2020).

ولا شك بأننا في الوقت الراهن نلمس تركيز النظام الاقتصادي العالمي على مأسسة الدبلوماسية الاقتصادية في العلاقات الدولية، على اعتبار أن هذه الأخيرة هي عملية التعاون مع الخارج في كل مجالات النشاط الاقتصادي مثل التجارة والاستثمار، عبر علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف تنظم مسائل السياسة الاقتصادية والدفاع عن المصالح التجارية والاقتصادية للدولة (بسعود، 2022).

وبالنظر إلى مرتكزات الدبلوماسية الاقتصادية نجدها تتجسد في المظاهر التالية:

  • أسلوب الدبلوماسية الاقتصادية هو أسلوب تجاري، يعتمد بصورة رئيسية على فكرة الاعتماد المتبادل، وهذه الفكرة تمثل نقطة الانطلاق الرئيسية للمتفاوضين، فهناك حاجة معينة لابد من الاعتماد عليها على الطرف الآخر لإشباعها، وبالتالي هناك عداء بين الأطراف ولابد من انهاء أي نزاع أو خصومة وتسويتها.
  • أسلوب الدبلوماسية الاقتصادية يقوم على أساس وجود مصالح متداخلة ترفع الجهود الدبلوماسية نحو التنسيق في إطار اتفاق معين ينظم التفاعل الاقتصادي بين الدول، وذلك باعتماد قواعد اتفاقية تنظم سلوك الدول، ووفق هذا الأسلوب يجري التفاوض وفق مبدأ التنازلات المتبادلة، فكل طرف يرسم لنفسه إطار معيناً، يضم عدداً من المطالب يتحرك في حدودها ولا يتعداها.
  • أسلوب الدبلوماسية الاقتصادية أسلوب يعتمد على وجود الحوافز عند القيام بالمساومة، وهو غالباً ما يكون أساساً لأي نشاط دبلوماسي، فلابد أن تكون الأطراف لها رؤية واضحة لما سوف تجنيه من المساومة.
  • أسلوب الدبلوماسية الاقتصادية تقبل فيه الدول التنازل ولو بشكل جزئي عن سيادتها، حتى يمكنها من الاستفادة من مزايا الأسواق المفتوحة والتجارة الدولية، وكلما وجدت الدول أن اعتمادها الاقتصادي يتزايد على الدول الأخرى كلما نقصت سيادتها.
  • أسلوب الدبلوماسية الاقتصادية أسلوب يقوم على فكرة التخصص الدولي والتفاوت في نفقات الإنتاج وتقسيم العمل، حيث يكون الهدف من الدبلوماسية الاقتصادية للدول تحقيق التوسع الاقتصادي والرفاه الاقتصادي عن طريق الاستفادة من ميزات معينة متوفرة في دولة ما بالمقارنة مع دول أخرى (عزوز، 2022).

لقد أصبحت فعالية آلية الدبلوماسية الاقتصادية أساسية للتنمية في الدول وإنعاش الاقتصاد وتحقيق العيش الكريم للمواطنين، وقد حققت الدول الكثير في هذا المجال خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين، كما أن العديد من الدول خاصة منها الصاعدة تعمل جاهدة في هذا المجال، فالدبلوماسية الاقتصادية أصبحت هي الوسيلة الأساسية التي من خلالها تعمل الدولة على الصعيد الخارجي، وأولوية سياسية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي (الهواس، 2018).

إذن الدبلوماسية الاقتصادية مرتبطة بدرجة أولى بالمصالح التجارية للدولة ذات الصلة بتطبيق الخبرة الفنية التي تقوم باستشراف للوضع الاقتصادي لدولة الاستقبال وتحليله عن طريق كبار رجال الأعمال الأجانب وصناع القرار بحيث تعمل هنا الدولة المستقبلة ودولة الإرسال على مناقشة كل ما يتعلق بالمناخ الاقتصادي والسياسي وآثاره على بعض القضايا المعاصرة في السياسة الخارجية، التكنولوجيا، البيئة، الصحة وهي كلها مجالات تصب ضمن نطاق الاقتصاد التجارة والتمويل (بوغالم ومزاني، 2022).

بناء على سبق يمكن القول إن الدبلوماسية الاقتصادية اقتضت أن يتطور العمل الدبلوماسي لاستيعاب التحولات الدولية والتأقلم مع زمن العولمة، لذا أصبحت مهمة الدبلوماسي والممارسة الدبلوماسية بصفة عامة أكثر تعقيدًا، فالدبلوماسية أصبحت مطالبة الآن بالمساهمة بشكل فعال في تنفيذ استراتيجيات قائمة على اعتبارات وطنية من أجل تمكين الدول ومواجهة تحديات التنمية الاقتصادية المستدامة.

  • الدبلوماسية العسكرية:

الدبلوماسية الدفاعية أو العسكرية مصطلح حديث نسبيا، تم إنشاؤه استجابة لظروف ما بعد الحرب الباردة، من أجل تسمية مهام جديدة ودولية أنجزتها القوّات المسلّحة ووزارات الدفاع القومي، وتعد الدبلوماسية العسكرية أحد أهم نشاطات السياسة الخارجية لأغلب الدول، حيث تُعَرَّف على أنها مجموعة النشاطات التي يؤدّيها ممثلو وزارة الدّفاع، بالإضافة إلى المؤسسات الرسمية الأخرى، مستهدفة تحقيق مصالح السياسة الخارجية للدولة، في مجال سياسة الدفاع والأمن، وذلك عبر المفاوضات والوسائل الدبلوماسية الأخرى (الورفلي، 2018).

وبالتالي تركزت الجهود في تعريف الدبلوماسية العسكرية أو الدفاعية على الصفة التوسعّية لنشاطات وزارة الدفاع والمؤسسات الرسمية الأخرى لتشمل كل الوظائف والنشاطات التي تندرج تحت اسم الدبلوماسية العسكرية. فقد ركز أدب الدراسات الدبلوماسية في تناوله لموضوع الدبلوماسية العسكرية على تعريف هذا الشكل من أشكال الدبلوماسية من خلال الوظائف والنشاطات التي تقوم بها عدد من مؤسسات الدولة، مدنية وعسكرية مستهدفة التأثير في شعوب دول أخرى من أجل تحقيق مصلحة وأمن الدولة في المجال الخارجي.

وتعد الدبلوماسية العسكرية جزءًا لا يتجزأ من السياسة الخارجية وأمن الدولة، فهي تساعد في زيادة التعاون العسكري بين الدول وتعزيز العلاقات بين الدول. ومع تطور المشهد العالمي الجيوسياسي باستمرار، يمكن للدبلوماسية العسكرية أن تعزز المصالح الوطنية بشكل فعال (جوابي، 2024).

إن بروز الدبلوماسية العسكرية كواحدة من أهم أدوات فن الحكم العسكري جعلها إحدى أهم أدوات القوة الناعمة للكثير من القوى العالمية الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا، تلك الدول وتلك القوى العالمية الت أدركت حدود العدوان وحدود القوة بمفهوم المواجهة الصلبة لتحقيق أهدافها في الشؤون العالمية، وقامت بتبني مفهوم الدبلوماسية العسكرية كعنصر أساسي في عقيدتها العسكرية كإستراتيجية دفاعية (Muniruzzaman, 2020).

إذًا فهناك العديد من الشواهد في العلاقات الدولية المعاصرة على تغلغل الدبلوماسية الدفاعية العسكرية في العمل الاستراتيجي للدول والأقاليم، وذلك يرجع إلى أن تشابكات وتعقيدات القضايا الأمنية والاستراتيجية تستدعي بلورة دبلوماسية دفاعية وقائية تشمل حلقات العمق الاستراتيجي وتستلزم مستوى من التفاعل والتعاون العسكري والاستخباراتي الإقليمي على نحو يستهدف تحييد مختلف التهديدات والمعضلات الأمنية العابرة للحدود، انطلاقًا من المفهوم أو المقاربة غير قتالية المتمثلة في الدفاع دون أسلحة، وعلى هذا النحو ثمة اليوم عددا من المسارح الاستراتيجية التي تتجلى فيها نشاطات الدبلوماسية العسكرية الدفاعية (العربي وكعبوش، 2023).

وبالنظر إلى وظائف وأغراض الدبلوماسية العسكرية فلقد حددت بعض الدراسات خمسة وظائف وأغراض رئيسية للدبلوماسية العسكرية تتلخص في الآتي (Pajtinka, 2016) (Drab, 2018):

  1. جمع وتحليل المعلومات المتعلّقة بالقوّات المسلّحة وبالوضع الأمني، وهذا يتحقّق من خلال تجميع المعلومات من مصادر عامّة مثل مراقبة وسائل الإعلام، أو المؤتمرات الصحفية أو من الخطابات والكلمات التي يلقيها رجال الدولة وممثلو القوات المسلّحة في الدولة ذات العلاقة. وقد يتم جمع المعلومات من مصادر أخرى مثل المقابلات والاستشارات مع الممثلين السياسيين والعسكريين أو مع أعضاء السلك الدبلوماسي العسكري في الدولة المعنية.
  2. تشجيع التعاون وتطوير الاتصالات وتبادل العلاقات بين القوّات المسلّحة لكل من الدولة المرسِلة والدولة المضيفة، وهذا يتضمّن على سبيل المثال المفاوضات التي تتعلّق بقضايا التعاون العسكري بين الدول المعنيّة، كما يتضمن الإعداد للمعاهدات الدولية التي تخص التعاون الأمني والعسكري بين كلتا الدولتين، وتنظيم عمليات تمرينات ومناورات عسكرية مشتركة.
  3. تنظيم زيارات عمل لممثلي وزارات وهيئات الدفاع، وضمان إقامة آمنة للوحدات العسكرية التابعة للدولة المرسِلة في الدولة المضيفة. وهذه المهام تعني إعداد جدول أعمال لزيارات عمل يقوم بها ممثلو وزارة الدفاع والقوّات المسلّحة من الدولة المرسِلة للدولة المضيفة، بما في ذلك تدابير العمليات التنظيمية والإدارية واللوجستية الضرورية. بالإضافة إلى التعامل مع كل ما تتطلبه عملية توفير إقامة آمنة وحرية حركة للقوّات العسكرية للدولة المرسِلة داخل حدود إقليم الدولة المضيفة، خاصة فيما يخص اشتراك هذه القوّات في مناورات عسكرية وعمليات تدريبية عسكرية في الخارج.
  4. دعم عمليات تصدير الأسلحة والمعدّات والأجهزة العسكرية. بالرغم من أن هذه الوظيفة تصنّف كجزء من العلاقات الاقتصادية، لأنها تؤدّى لغرض تحقيق منافع اقتصادية للدولة، غير إنها تُعدّ ضمن وظائف الدبلوماسية العسكرية لأنها تتضمّن دورا يلعبه الدبلوماسيون العسكريون بخصوص تجارة الأسلحة والمعدّات العسكرية وربما مراقبة هذا النوع من التبادل التجاري.
  5. تمثيل الدولة وقوّاتها المسلّحة في المحافل الرسمية والمناسبات المماثلة في الدولة المضيفة. وهذا يتأتّى من خلال اشتراك الدبلوماسيين العسكريين في الاحتفالات الرسمية من أعياد وطنية أو مناسبات مهمة أخرى في البلد المضيف، وكذلك من خلال الخُطَب الرسمية في المحافل الرسمية المختلفة، ومن خلال إلقاء المحاضرات أو المناقشات في المؤسسات الأكاديمية والمتخصّصة (الورفلي، 2018).
  • الدبلوماسية الثقافية:

الدبلوماسية في عمقها تعتمد على الوصول إلى النتائج، وتحقيق الغايات، بأكثر الطرق مرونة، وأقلها عنفا، فالدبلوماسية الثقافية بوصفها بوابة للتعاون الهادف إلى نشر رسالتنا الإنسانية السامية، وثقافتنا العربية المشتركة، إضافة إلى مشاركة الأفكار الابتكارية فيما يتعلق بتطوير العمل الدبلوماسي المستقبلي، واستشراف آفاق التعاون والتنسيق الدبلوماسي؛ لمواجهة المتغيرات المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية (الدرسوني، 2019).

من الناحية العملية، ووفقًا لـ “الإعلان العالمي لليونسكو بشأن التنوع الثقافي” فإنه غالبًا ما يرتبط مصطلح الثقافة بالفن والأدب والمكونات المرئية الأخرى للثقافة. ومع ذلك، في سياق الدبلوماسية الثقافية، ينبغي النظر إلى الثقافة بمعناها الأوسع على أنها “مجموعة السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية المميزة للمجتمع أو لمجموعة اجتماعية التي تشمل، بالإضافة إلى الفن والأدب، أنماط الحياة، وطرق العيش معًا، ونظم القيم، والتقاليد والمعتقدات”.

كما أن الدبلوماسية الثقافية هي بالفعل سياسة عامة تهدف، في إطار السياسة الخارجية، إلى تصدير البيانات الممثلة للثقافة الوطنية، والتفاعل مع البلدان الأخرى في نفس المجال الثقافي. والسياسة الخارجية، باعتبارها امتياز سيادي، تصوغه الدولة التي تسعى للدفاع عن مصالحها على الساحة الدولية، فليس من المستغرب أن نرى في كثير من الأحيان أنه يتم التعامل مع القطاع الثقافي في شكل اتفاقيات تعاون ثقافي موقعة بين ممثلي الدولتين لإجراء عملية مشتركة بالاتفاق المتبادل بينهما (بن عمر، 2022).

وتقوم الدبلوماسية الثقافية من خلال أدوات من جنس الحضارة برواية حكاية الهوية والثقافة والحضارة والفكر لأصحاب الثقافات والحضارات المختلفة وتستطيع الثقافة والعلاقات أن تذهب أبعد من الدول والخصائص العامة للشعوب وعلى هذا فإننا نسعى لإيجاد أدبيات ثقافية اجتماعية من خلال التعامل الحاصل بين الدول والشعوب تكون قائمة على اللغة والتفاهم واشراك المعنى بعبارة أخرى إنَّ الدبلوماسية الثقافية لا تتحقق إلا عندما تقوم الشعوب بنقل الغنى الموجود في ثقافتها وحضارتها وتبيينه عن طريق أدوات من النسخ نفسه(برزويي وغياثي ونصيري، 2022).

وفي الواقع، على الرغم من أن الأنشطة الدبلوماسية الثقافية يمكن أن تساهم في كثير من الأحيان في تحسين التفاهم المتبادل بين الدول في الممارسة العملية، فإن هدفها الأساسي هو تعزيز التفاهم لمصالح السياسة الخارجية للدولة التي تنفذ الدبلوماسية الثقافية. بعبارة أخرى، يمكن أن تهدف الدبلوماسية الثقافية إلى تعزيز التفاهم المتبادل بين الدول، ولكن لا ينبغي اعتبار ذلك هدفها النهائي، بل مجرد وسيلة لتحقيق أهدافها النهائية مصالح السياسة الخارجية (بن عمر، 2022).

إن للدبلوماسية الثقافية نمط جديد ومتطور من أنماط الدبلوماسية الدولية، ساعد في بروزه وتأكيد أهميته في العلاقات الدولية المعاصرة عدة عوامل واعتبارات من أهمها:

  1. الثورة التكنولوجية الضخمة في قطاع الاتصالات الدولية، وما ترتب عليها من تقلص الفواصل النفسية والمذهبية والجغرافية التي فرقت فيما مضى بين الدول والشعوب، وبلور مستويات عالية من الإدراك المتبادل بينها، وبصورة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية، وهو ما أظهر في نفس الوقت الحاجة إلى ابتكار وسائل جديدة يمكن للعالم من خلالها أن يحيا في توافق وسلام، بعد أن انهكته الصراعات والحروب الدامية في الماضي، وهنا تتبدى قيمة الدبلوماسية الثقافية في ربط العالم في إطار من القيم والمثل والمبادئ والأخلاقيات المتجانسة.
  2. أن تضاؤل احتمالات نشوب مواجهات عسكرية مباشرة بين القوى الكبرى في المجتمع الدولي، ترتب عليه بالضرورة أن لم تعد المشكلات العسكرية والاستراتيجية في علاقات هذه الدول بعضها، على نفس مستواها السابق من الأهمية، وإنما حلت محلها مشكلات ذات طبيعة مختلفة، ومنها المشكلات المتعلقة بالتجارة والمساعدات الاقتصادية، وبالتعاون العلمي والتكنولوجي والتبادل الثقافي، ومشكلات البيئة، وكلها تدخل ضمن اهتمامات الدبلوماسية الثقافية.
  3. أنه إذا كانت احتمالات المواجهة العسكرية بين الدول الكبرى قد تقلصت كثيرًا عن ذي قبل، فإن هذه الاحتمالات ما تزال قائمة وبشدة بالنسبة للدول الصغرى، ولا يمكن التخلص من هذه الصراعات إلا بتنمية العلاقات الثقافية بين الدول الأطراف فيها، إذ أنها هي وحدها الكفيلة بإزالة أسباب سوء الفهم والخوف والكراهية التي تحملها لبعضها (جبار، 2012).

إذًا، فالدبلوماسية الثقافية تسعى في الغالب إلى كشف وتعريف وترويج القيم والمناهج المشتركة والعالمية ومن ثم تأمين المصالح الوطنية في إطار هذه القيم والمصالح المشتركة. كما تستطيع الدبلوماسية الثقافية أن تفتح الأبواب أمام تفاهمات أوسع وأفضل بين الدول وبمرور الزمن تؤدي إلى علاقات ثقافية عميقة وثابتة بين الدول قد تجر إلى علاقات سياسية وأمنية.

  • الدبلوماسية الشعبية:

تجسد الدبلوماسية الشعبية أحد أفضل السبل التي تستهدفها الدول من أجل الوصول إلى أهدافها بشكل غير مباشر وعبر آلية مستدامة، باعتبارها إحدى أهم الوسائل التي تعتمدها السياسية الخارجية للضغط على حكومات الدول الأخرى لتلبية مطالبها.

ويرجع كثير من الدارسين والباحثين استخدام هذا المصطلح العلمي “الدبلوماسية الشعبية” إلى الولايات المتحدة الأمريكية بامتياز، وقد نشأ مع إنشاء مركز Murro للدبلوماسية الشعبية في جامعة TUFTS الأمريكية عام 1965م، وذلك حينما استخدمه إدموند جاليون كمفهوم جديد بقوله:

“إن الدبلوماسية الشعبية مفهوم يتناول تأثيرات المواقف العامة في تشكيل السياسات الخارجية وتنفيذها، وهو يشمل أبعادًا من العلاقات الدولية تقع فيما وراء الدبلوماسية التقليدية كقيام الحكومات بزراعة رأي عام وغرسه في البلدان أو الدبلوماسية المتكلفة والمتعالية، فإنها لا تملك رهافة الحس، وقواعد بناء العلاقات وأصولها، أو حتى أسس الحوار ومنطقه، أو منهجية الاختلاف والتأييد” (الملحم، 2018).

تقع أساليب الدبلوماسية الشعبية بين أساليب الاتصال الدولي، ذلك أن الاتصال الدولي يشكل المفاوضات التي يقوم بها الدبلوماسيون وتعرف الدبلوماسية الشعبية بأنها الطرق التي تستطيع بها الحكومات أو الأفراد والجماعات أن تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة على الاتجاهات والآراء العامة، بحيث يكون لهذا التأثير ثقل ووزن على القرارات التي تتخذها الدولة في المجال الخارجي (إسماعيل، 2016).

وينظر الباحثون إلى مفهوم الدبلوماسية الشعبية باعتباره ذلك النشاط الذي يبذله بلد أو دولة ممثلة في شعبها لكسب الرأي العام الخارجي بعيدًا من نشاط السفارات، والبعثات الرسمية، والإعلام التقليدي للدبلوماسية الرسمية، ومن أبرز أدواتها: النقابات العالمية والمهنية، واتحادات الطلاب، ومنظمات الشباب والمرأة، والبرلمانات، والأحزاب، والفرق الرياضية، والفنون الشعبية، وغيرها من المنظمات الأهلية غير الحكومية التي تمتلك علاقات صداقة بمنظمات موازية لها في مختلف أنحاء العالم (الملحم، 2018).

فالدبلوماسية الشعبية تركز مختلف أشكال الاتصال واللقاءات، أي التقاء أمة بأمة أو جماعة بجماعة أو فرد من دولة معينة بفرد من دولة أخرى، وهكذا تمثل الدبلوماسية الشعبية أداة من أدوات الدعاية الدولية ويمكن أن تكون جزء من العلاقات الاجتماعية بين الشعوب والدول وتدخل ضمن البرامج الثقافية والإعلامية، وهي أسلوب جديد للعمل السياسي، كما أنها تمثل علم وفن وابتكار، لكن نجاحها يتوقف على الخطط الموضوعة لتحقيق أهدافها وعلى كفاءة القائمين بتنفيذ برامجها (إسماعيل، 2016).

وإذا أردنا الحديث عن دور الدبلوماسية الشعبية في توطيد وتحسن علاقات الشعوب نجد ذلك واضحاً وجليّاً في كثير من المظاهر، فمن ذلك:

للدبلوماسية الشعبية دوراً ملموساً كذلك في تعريف الدول بعضها بعضاً، ومن ثمَّ حثّها لإقامة علاقات دبلوماسية تقليدية بينها، والتي ما كان لها أن ترى النور وتتطور، لولا جهود هذه الحركة الشعبية الواسعة، والمتمثِّلة في مجموعة كبيرة من الرياضين والأدباء والمسرحين والرّسامين وفرق التراث الشعبي (الفلكلور( وغيرهم، والذين يجوبون العالم دون قيود أو حواجز لعرض بضاعتهم، وتعريف الشعوب التي يحلّون ضيوفاً عليها بها، ومن ثم تنشأ إرادة هذه الدول لخلق علاقات دبلوماسية فيما بينها، استجابة لهذا الضغط الشعبي، ورغبة بالانفتاح والتواصل بن الشعوب (الشيخ وعبد القادر، 2023).

وتنطلق الدبلوماسية الشعبية المؤثرة من مبدأ: الحوار هو الوسيلة الأساسية في تحقيق أهداف السياسة الخارجية، وليس الخطاب السياسي، أو لغة السلام والتهديد والوعيد، وأن الحوار والتفاوض وبناء الشراكات الاستراتيجية هو الطرق الأقصر للوصول إلى الأهداف المرجوة، بعيداً من التداعيات السلبية للتدخلات العسكرية أو المشاركة في السياسات الواضحة بالتدخل في شؤون الآخرين بكل ما يعنيه ذلك من تصادم مع القانون الدولي ومواثيق الأمم (الملحم، 2018).

للدبلوماسية الشعبية كذلك دورٌ مقدَّرٌ في تنفيذ السياسات الخارجية لبعض الدول، حيث لم تعد الدبلوماسية التقليدية الرسمية وحدها كأداة تنفَّذ فيها السياسة الخارجية وإنما أصبح هناك فاعلون جدد يشاركونها في تنفيذ أهداف وأولويات السياسة الخارجية، بحسبانهم طرف مهم وفاعل على الساحة الدولية. وتستخدم الدبلوماسية الشعبية لهذا الغرض آليات موازية للدبلوماسية الرسمية، وذلك عبر وسائلها المختلفة من دبلوماسية برلمانية، ومنظمات غير حكومية، ووسائل إعلام، وتأثير على الرأي العام، والقوة الناعمة، وجماعات الضغط، والمنظمات الدينية وتأثيرها الديني والروحي (الشيخ وعبد القادر، 2023).

وتستهدف الدبلوماسية الشعبية تطوير العلاقات بين الشعوب، ولذلك فإن جميع المؤسسات التي تنشأ في هذا الإطار معنية بالتواصل والسعي من أجل بناء تلك العلاقات على أساس إنساني يصمد أمام أي هزات سياسية تطال السلطات الحاكمة للدول، بحيث تبقى العلاقات الشعبية ثابتة، فيما تخضع تلك السياسية والدبلوماسية للمتغيرات بمعزل عن دور وجهود الدبلوماسية الشعبية (بخيت، 2015).

وقد وجدت الأدبيات “الدبلوماسية الشعبية” انطلاقًا من أربعة دوافع رئيسة هي:

  1. أن الاتصالات بين الدول والبعثات الدبلوماسية ليسا شرطًا لوجود الدبلوماسية إذ المنظمات الدولية عبارة عن إطار يجمع بين عدة دول ومن الممكن ألا تكون بينهما علاقات دبلوماسية لكن لا أحد ينكر أن هذه المنظمات تمارس فيها الدبلوماسية من قبل الدول تجاه بعضها البعض.
  2. أن الدبلوماسية ليس لها قواعد اتصالية محددة فهي ليست عبارة عن مقرات دبلوماسية أو اتصالات وزيارات بلا أهداف، فالاستهداف إنما هو جوهر الدبلوماسية التي تسعى لتحقيقه.
  3. تجعل فكرة الاتصال حقلًا معرفيًا أشبه بحقل الإعلام، وفكرة الاستهداف تبحث دائمًا عن المستفيد وليس المتصل به وهو جوهر الدبلوماسية الشعبية (بدر والبكري والسادات، 2022).

لقد أظهرت الدبلوماسية الشعبية قيمة استراتيجية في تحقيق السلام الدولي، وبحسب ما سبق من تعريفات ومفاهيم فإنها تظل عملية اتصالية فعالية ومؤثرة في ربط الشعوب ومنظماتها المدنية من أجل الحفاظ على أفضل شروط التعايش والتقارب بينها.

إذًا، لم تكن الدبلوماسية الشعبية تعبيرًا عن الحاجة إلى الأمن والسلم الدولي فقط، وإنما أداة استراتيجية في صنع السلام والأمن، وأصبحت الدول تعتني بها لتحقيق اختراقات في علاقاتها ببعضها خاصة مع تطوير وسائل الاتصال، وبلورة مفهوم القرية الكونية التي جعلت العالم قرية صغيرة تعرف ما يدور فيها بسرعة مذهلة، وأصبحت الشعوب أكثر فهمًا واستيعابًا للمتغيرات التي تحدث، وذلك ما جعل دور الدبلوماسية الشعبية يكتسب أهمية في مواجهة كثير من التحديات في علاقات الشعوب وحمايتها من أي تصرفات سياسية سلبية (بخيت، 2015).

  • الدبلوماسية الرقمية:

أضحت الدبلوماسية الرقمية جزءًا أساسيًا وفعالًا جنبًا إلى جنب مع الدبلوماسية التقليدية، وتهدف تلك الممارسة إلى تنفيذ خطة الدول لتعزيز صورتها، وبناء رأي عام مؤيد لسياستها، من خلال توظيف تكنولوجيا الاتصال الرقمية، وفي مقدمتها شبكات التواصل الاجتماعي، وقد شكلت تلك الدبلوماسية وسيلة للتعبير عن الأهداف الاتصالية والسياسية التي تسعى إليها الحكومات وجماعات المصالح، من أجل بناء سمعة طيبة وتأثير إيجابي من خلال توظيف الإعلام الرقمي للوصول لتلك الجماهير (عبد الرازق، 2021).

الدبلوماسية الرقمية تشير إلى اصطدام الإعلام من خلال أدوات الإنترنت ومنها أدوات التواصل الاجتماعي، في ممارسة شكل من أشكال الدبلوماسية الحديثة، ففي ظل هذه الثورة المعلوماتية وازدحام الكون بالأخبار العاجلة اندثرت الكثير من النظريات الإعلامية والمتعلقة بالحراك الدبلوماسي والسياسي ونقل المعلومات، فالدول لم تعد بحاجة لنظرية حارس البوابة ولا نظرية الرصاصة في توجيه الشعوب والتحكم بقراراتهم من خلال الدعاية الإعلامية، حيث اتجه كثير من المنظرين والمحللين بالشأن السياسي والدبلوماسي في أمريكا وغيرها لإيجاد نظريات تتوافق مع التطور الرقمي الهائل لهذا العالم الجديد (الحلوي، 2020).

وفي محاولة لتوسيع المفهوم اقترح بعض المختصين مصطلح “رقمنة الدبلوماسية” في إشارة إلى تأثير التقنيات الرقمية على الدبلوماسية، بحجة أن هذا المصطلح أكثر شمولاً يغطي تأثير التكنولوجيا الرقمية على المفاهيم والممارسات والمؤسسات الدبلوماسية. ويرى بأن “رقمنة الدبلوماسية” هو مصطلح يركز على التأثير المعياري والزمني للتكنولوجيات الرقمية. وأن الرقمنة عملية طويلة الأجل، يتجاوز تأثيرها بكثير استخدام التقنيات المبتكرة (Pamment, 2022).

إذًا فالدبلوماسية الرقمية يمكن أن تشكل أحد أوجه ما يعرف بالتطبيع الإلكتروني أو الرقمي والذي يتم فيه تجاوز العمل الرسمي إلى مخاطبة فئات معينة أو عامة من المجتمع والتي أصبح شغلها الشاغل تتبع الأخبار أو عمل المشاركات والتعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي وهذا العمل قد لا يخضع بالكامل أو يكون تحت سيطرة الإدارة الأمنية ومؤسساتها العاملة بسبب كبر حجمه وانتشاره وقد يتقاطع مع الحريات الشخصية (الحلوي، 2020).

وفي ضوء ما تم عرضه من تعريفات لمفهوم الدبلوماسية الرقمية يتضح بأنها تكتسب أهمية متزايدة، واستناداً لهذه الأهمية قامت الكثير من دول العالم بإنشاء دوائر مختصة بالدبلوماسية الرقمية في وزارات الخارجية ومكاتب الرؤساء، ويمكن تلخيص أهمية الدبلوماسية الرقمية في النقاط الآتية (لايقة، 2023):

  • فهم الواقع الجديد والتغيرات الجديدة في الوظيفة الدبلوماسية، حيث عرفت الوظيفة الدبلوماسية تغيرات جذرية في طرق الاتصال سواء كان ذلك مع أفراد سلكها الدبلوماسي أو مع الجمهور الذي تريد أن تقدم له مواقفها وآرائها حول القضايا الدولية والإقليمية، والبيئة الرقمية المتمثلة في مواقع التواصل الاجتماعي هي واقع افتراضي جديد أصبحت الدبلوماسية العالمية ملزمة بالتعبير ضمن حيزه المستجد.
  • إدراك السياسة الخارجية الحديثة تنتقل أجندات واستراتيجيات سياسات خارجية الدول والقوى الفعالة إلى البيئة الرقمية، وهناك دول ومؤسسات تعتمد عليه بشكل كبير، وبالتالي لابد من رؤية كافة أجزاء السياسة الخارجية، والتواجد الافتراضي هو جزء مهم من السياسة الخارجية.
  • معرفة تعدد الفواعل الدولية الجديدة، ففي السابق كانت المنظمات الدولية غير الحكومية هي أهم فواعل المجتمع المدني العالمي، الآن أصبحت الشركات متعددة الجنسيات وكذلك التنظيمات المجتمعية.

ومن خلال هذه التصورات السابقة للدبلوماسية الرقمية فإنه يمكن القول بأن الدبلوماسية الرقمية خلقت لنفسها قنوات جديدة تختلف عن القنوات الدبلوماسية التقليدية، والفاعلون داخل هذا العالم الدبلوماسي الجديد يختلفون عن نظرائهم في عالم السياسة التقليدي. إنها ليست دبلوماسية موازية، مثلما يطلق اليوم على أنواع من الدبلوماسيات التي تستعين بها الدول لدعم سياساتها الخارجية وإنما هي دبلوماسية قائمة بذاتها لها أسلوبها الخاص وطرق اشتغالها التي تختلف عن الدبلوماسية التقليدية.

  • الدبلوماسية الوقائية:

يُفضي تعريف الدبلوماسية الوقائية إلى توجيه للسياسة لمنع المنازعات وقائيًا، وتقييم الآمال والقيود التي تحد من نجاحها، وعليه فالدبلوماسية الوقائية هي التحرك السابق لمنع اندلاع الأزمة، وهذا التحرك يعد سبيلًا وسطًا بين سياسة تدخلية تتسم أهدافها بعدم الواقعية، وسياسة انعزالية لا تميز بين حالة وأخرى.

لذلك فإنه يفترض أن الدبلوماسية الوقائية تتعامل مع الحروب أو تقتصر على الأعمال العدائية المسلحة بين خصمين، أيضًا يفترض أن الدبلوماسية الوقائية تتعامل مع تحسين الظروف الأساسية التي يمكن أن تولد العنف مثل الفقر والزيادة السكانية والجهل، ولهذا السبب الأخير فقد صارت الدبلوماسية الوقائية الراية التي تلوح بها القوى الكبرى للتدخل لمنع المنازعات لعلاج هذه المشكلات خاصة بعد نهاية الحرب الباردة (الريس، 2014).

وقد جاء في الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الآليات العامة لعمل الدبلوماسية الوقائية والكفيلة لفض المنازعات بطريقة سليمة عن طريق آليات أهمها:

  1. المفاوضات: وهي الاتفاق المباشر بين طرفي النزاع حول تسويته سليمًا، وتعد المفاوضات أهم وأقدم وسائل حل المنازعات الدولية، ومبدأ المفاوضات من القواعد العرفية في القانون الدولي والتي يجب القيام بها قبل اللجوء إلى القوة، وصارت المفاوضات شرطًا لازمًا قبل اللجوء إلى التحكيم أو محكمة العدل الدولية.
  2. المساعي الحميدة: وتأتي هذه الوسيلة حال فشل المفاوضات، حيث يتدخل طرف خارج النزاع، قد يكون دولة أو منظمة دولية أو إقليمية بهدف تقريب وجهات نظر الأطراف المتنازعة، والعمل على تمهيد الطريق لتسوية ممكنة بين أطراف النزاع، وقد يكون هدف الوسيلة إما منع اندلاع حرب أو إيقافها حال نشوبها.
  3. الوساطة: وهي مبادرة ودية تقوم بها دولة أو منظمة للتوسط بين أطراف النزاع من أجل الوصول إلى تسوية ممكنة، وتختلف الوساطة عن المساعي الحميدة في أن دور المتدخل بالمساعي الحميدة ينحصر في تقريب وجهات النظر والتمهيد للمفاوضات من دون المشاركة فيها، بينما يقوم المتدخل بالوساطة برعاية التسوية من بداية التدخل حتى التوقيع على الاتفاق، ويتقرح الحلول التي يراها مناسبة ويشارك في عملية التفاوض.
  4. التحقيق: وفيها يتم تشكيل لجان للتحقيق في المنازعات يكون مهمتها القيام بالتحري والبحث عن الوقائع والتفاصيل حول النزاع وتقديم تقارير بشأنها، ويتم تعيين لجان التحقيق من قبل أطراف النزاع، فإن لم يضعوا شكلًا خاصًا للجنة كان على كل منها أن ينتخب عضوين ويختار المنتخبون عضوًا آخر، وجلسات هذه اللجان غير علنية ومداولاتها سرية وتتخذ قراراتها بالأغلبية.
  5. التوفيق: وهي وسيلة تقع بين الوساطة وبين الطرق القضائية، وتقوم على التحقيق في الوسائل التي يقوم حولها النزاع، واقتراح الحلول التي يمكن أن يرضى بها الطرفان، وتقوم بالتوفيق لجان يطلق عليها تسمية (لجان التوفيق) وهي تشبه لجان التحقيق في السعي لحل النزاع بين الدول، إلا أن لجان التوفيق يكون من مهامها أيضًا اقتراح حل للنزاع يمكن أن يقبله الطرفان المتنازعان.

وهنا يبرز بأن الدبلوماسية الوقائية ترتكز في فلسفتها على الدعوة إلى إحلال السلم في العلاقات الدولية والاهتمام بالمنظمات الدولية لأجل تفادي مظاهر استخدام القوة في العلاقات الدولية والذي يتماشى مع المبدأ العام لميثاق الأمم المتحدة والمتمثل في فض النزاعات بالوسائل السلمية، والمعالجة السليمة التي تتم من خلال عمليات التفاوض بين الدول لتسوية أي نزاع قائم بينهما (أحمد، 2011).

  • الدبلوماسية البرلمانية:

الدبلوماسية البرلمانية في أبسط تعريف لها، هي تلك الدبلوماسية التي تمارسها البرلمانات المختلفة خارج نطاق الدولة، وتتفاعل من خلالها مع مختلف القضايا الدولية والتي تؤثر بدورها على الصعد الوطنية في عصر تلاشت فيه المسافة التي كانت تفصل بين الداخل والخارج. وقد أصبحت الدبلوماسية البرلمانية وفق هذا المعنى فرصة لطرح وجهات نظر الرأي العام العالمي حول قضايا قد لا يتاح تناولها من خلال القنوات الحكومية الرسمية (عبد القادر، 2011).

كما أن الدبلوماسية البرلمانية في جوهرها هي تلك الوسيلة لترقية تبادل الآراء وتنسيق النشاطات ودفع التعاون بين الدول، ومن ثم فهي ذلك المسار الذي ينتهجه “أعضاء البرلمان” بما يشرحوا لنظرائهم من برلمانات أخرى ويبلغوا لهم المواقف الرسمية لبلدانهم حول الشؤون التي تهم العالم مستعملين في ذلك إطارا رسميا مرخصا للتشاور البرلماني الثنائي أو المتعدد الأطراف، وهذا يمكنهم بدورهم، من الاطلاع على مواقف نظرائهم، وتبقى الغاية من تبادل الآراء هي تقريب وجهات نظر كل واحد من الأطراف (ملاوي، 2010).

وتعد الدبلوماسية البرلمانية هي قوة فاعلة، وأداة هامة في توفير سبل الاتصال، وتبادل المعلومات، وتليين المواقف بين الأطراف المتنازعة في أوقات الأزمات؛ حيث تكون مؤهلة للاضطلاع بدور مهم في تقريب وجهات النظر، سواء في شكل تفاوض وساطة، أو توافق، أو تقديم الاستشارات؛ بما قد يؤدي إلى عدم تصعيد التوتر القائم، أو التخفيف من حدته، والتقليص من حجم الخسائر، ومن هنا اكتسبت الدبلوماسية البرلمانية دورَها الحيوي في منح المزيد من الفعالية للسياسة الخارجية للدول، ولنشاط المنظمات الحكومية وغير الحكومية (الدرسوني، 2019).

وتعتبر الدبلوماسية البرلمانية إحدى الوسائل الحديثة لتحقيق الأهداف السياسية الخارجية للدول، وتسعى هذه الدبلوماسية إلى تنمية العلاقات السياسية التي تربط بين السلطات التشريعية والمكونات الدولية الأخرى، من خلال العديد من الآليات البرلمانية، ولذلك أصبحت الدبلوماسية البرلمانية في القرن الحادي والعشرين أحد أبرز المحركات الأساسية لإدارة المجتمع الدولي وقضاياه على كافة الصعد (عبد الحافظ، 2022).

وقد انبثقت وازدهرت فكرة الدبلوماسية البرلمانية في مجال العلاقات الدولية وفي التنظيم الدولي المعاصر بسبب العديد من العوامل والأهداف أهمها تقدم وانتشار ظاهرة العولمة الاقتصادية والسياسية والقانونية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والإعلامية وما أفرزته من أثار وضرورات الانفتاح والتفاعل معها من طرف كافة الدول. فهذه العولمة وانتشار الديمقراطية في العالم تطلب مشاركة ممثلي الشعوب “البرلمانيين” في تفعيل ودمقرطة العلاقات الدولية ولاسيما أن أغلبية المنظمات الدولية تفتقر إلى البعد الديمقراطي فيها (ملاوي، 2010).

كما أن الدبلوماسية البرلمانية، التي تمارسها برلمانات الدول، تعد أحد مخرجات العلاقات الدولية الناجحة، ولقد أصبح دور المؤسسات التشريعية عبر العالم يزداد أهمية ليس فقط في المجال التشريعي، ولكن أيضا في مجال ممارسة الدبلوماسية والحرص على دعم السياسة الخارجية للدول، وفي الوقت الحالي يمكن اعتبار دور البرلمانات أقوى أدوات التأثير في «صناعة الرأي العام وتحسين الصورة الذهنية» تجاه قضايا وطنية معينة، كونها تسهم، بطريقة ما، في تعزيز مواقف دولها تجاه القضايا التي تهمها (الدرسوني، 2019).

وتتعدد صور وتطبيقات الدبلوماسية البرلمانية، بيد أن أهم صورها هي تلك التي تمارس من خلال المنظمات والاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية، ويأتي على رأس تلك المنظمات الاتحاد البرلماني الدولي الذي يوازي منظمة الأمم المتحدة على المستوى الحكومي.

بالإضافة إلى منظمات برلمانية أخرى تشمل: الاتحاد البرلماني العربي، والبرلمان العربي الانتقالي، واتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد البرلماني الأفريقي فهذه البرلمانات وغيرها تساعد في اتخاذ مواقف برلمانية تجاه عدد من القضايا الدولية مثل قضايا السلام والأمن الدوليين والمساهمة في الدفاع عن حقوق الإنسان، وكيفية تدعيم الديموقراطية البرلمانية على مستوى العالم، وغيرها من القضايا ذات المصلحة الجامعية الدولية (عبد القادر، 2011).

ولعل من أهم أبعاد هذه الحركية الدبلوماسية البرلمانية الجديدة تعزيز التشاور والتعاون والتواصل بين الشعوب وممثليهم، وتبادل الأفكار والتجارب والخبرات، ونشر ثقافة وأبعاد الديمقراطية في العالم، بالإضافة إلى تدعيم التعاون الدولي والإقليمي من أجل التنمية المستدامة واستتباب السلم والأمن الدوليين، والعمل على القضاء على المخاطر التي تحدق بالبشرية قاطبة كالأمراض الفتاكة والصراعات والنزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية الطارئة التي أضرت بالبيئة والمناخ العالمي وتهدد كوكب الأرض (ملاوي، 2010).

وتتميز الدبلوماسية البرلمانية بعدة خصائص رئيسة أهمها:

  • التعددية: وهي تلك التي ترمز إلى عدد المشاركين في الدبلوماسية البرلمانية وتعدد وتداخل القضايا المدرجة في جدول الأعمال وبرامج العمل، فعدد المشاركين يعني تعدد المصالح وتداخلها.
  • العلانية: وهي صفة متلازمة مع النشاط البرلماني الدبلوماسي إذ غالبًا ما تسبقه أو تصاحبه بيانات إعلامية واسعة تتسم بقدر كبير من الإثارة التي قد يغلب عليها الطابع الإيديولوجي، والعلنية من أساليب التعاملات العصرية وترتبط بأهمية إعلام الرأي العام بصرورة تقبل الحلول التوافقية في تسوية القضايا الدولية ومع ذلك قد تتخذ الدبلوماسية البرلمانية أسلوبًا آخر يتمثل في الجمع بين المناقشات العامة العلنية والمفاوضات الخاصة الجانبية التي يطلق عليها اصطلاحًا “الدبلوماسية الهادئة” أو “دبلوماسية الكواليس” (بغورة، 2012).

وعلى الرغم من الإيجابيات المتعددة للدبلوماسية البرلمانية غير أنها تعرضت لبعض النقد من الباحثين حيث أشاروا إلى بعض العيوب التي توجه إليها منها:

  1. أن الدبلوماسية البرلمانية تضع الحكومات، خاصة أثناء مرحلة التفاوض الدبلوماسي، في موقع الضغوط المباشرة للرأي العام، وهو ما يتسبب في الإحراج لها، وقد يرغمها على اتخاذ مواقف تتسم بالتطرف والتصلب، بشكل قد لا تتمكن من تحمل مخاطره وتبعاته.
  2. الدبلوماسية البرلمانية تلعب في بعض الأحيان على انقسام الرأي حول المشكلات المطروحة للمناقشة بين أغلبية وأقلية، وبالتالي فإن مثل هذا الانقسام يمكن أن يُبقي على المشكلات المطروحة معلقة بلا حلول فعالة.
  3. أنها تأتي في صورة شكلية لا تعبر عن الإرادة الشعبية وتطلعات الرأي العام إذا كانت السلطة التشريعية منقطعة وغير متواصلة مع الشعب، بمعنى أن عملها الداخلي (الرقابي والتشريعي) ضعيف وتمثل مصالحها ومصالح التيارات السياسية التي تمثلها (النوايسة، 2020).

إذًا وباستقراء “الدبلوماسية متعددة المسارات” نجد أنها تشير نسبيًا إلى مستويات أخرى من الدبلوماسية على النحو التالي:

  • دبلوماسية المسار الأول: المسار الرسمي القائم على التفاعل بين الحكومات خلال الدبلوماسية الرسمية والتي تتم بين صناع القرار والدبلوماسيين ولها أبعاد رسمية معلنة.
  • دبلوماسية المسار الثاني: تتم بين الفاعلين غير الحكوميين، والمهنيين لحل الصراع وحفظ السلام، فهو ساحة للتفاوض تتكون من مجموعة من المهنيين من قبل المنظمات غير الحكومية كمحاولة لتحليل ومنع وإدارة الصراعات الدولية بواسطة الفاعلين من غير الدول.
  • دبلوماسية المسار الثالث: تتم بالتفاعل بين رجال الأعمال وحفظ السلام عبر التجارة، نظرًا للمصالح المشتركة التي تحققها التجارة وتأثيراتها الفعلية والكامنة حول حفظ السلام، عبر توفير الفرص الاقتصادية والصداقة الدولية، والتفاهم والقنوات الرسمية للاتصال، ودعم الأنشطة الأخرى لصنع السلام.
  • دبلوماسية المسار الرابع: حفظ السلام من قبل الأفراد الفاعلين على الساحة عبر ما يسمى بـ “دبلوماسية المواطن” القائمة على تبادل الشباب، ودعم التطوع، وإقامة شبكات من المتطوعين بالمنظمات غير الحكومية، وجماعات المصالح الخاصة.
  • دبلوماسية المسار الخامس: حل النزاع حول البحث والتدريب والتعليم فحفظ السلام يتم عبر التعليم، فهي تتعلق ببرامج الجامعات ومراكز الفكر والمراكز البحثية الخاصة، وبرامج التدريب الهادفة إلى تقديم التدريبات للفاعلين كبرامج التفاوض والوساطة، وحل النزاع ودور الطرف الثالث كميسر.
  • دبلوماسية المسار السادس: تتم عبر حملات الدفاع والمناصرة، وهذا المسار يغطي حفظ السلام والنشاط البيئي حول القضايا مثل نزع السلاح وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، والدفاع حول جماعات المصالح بشأن السياسات الخاصة للحكومات.
  • دبلوماسية المسار السابع: تتم عبر الأديان وتحويل المعتقدات إلى فعل، التي تختبر المعتقدات والأفعال المستهدفة للسلم عن طريق القيم الروحية، والجماعات الدينية مثل الحركات القائمة على الأخلاق كاللاعنف.
  • دبلوماسية المسار الثامن: صنع السلام عبر التمويل وتوفير المصادر، وهذا يشير إلى الجامعات الممولة لكافة المؤسسات، والجماعات الفردية التي توفر الدعم المالي للكثير من الأنشطة التي تتم عبر المسارات الأخرى.
  • دبلوماسية المسار التاسع: حفظ السلام يتم عبر الاتصالات والإعلام والمعلومات، فهي ساحة لصوت الشعب، وكيفية تشكيل الرأي العام عبر وسائل الإعلام المطبوعة، والمرئية، والمسموعة، والإلكترونية، والفن (جمال الدين، 2019).

 

المحور الرابع

السمات والشروط التي يفترض توافرها في العاملين بالحقل الدبلوماسي

أصبح من الصور المرتبطة بالدبلوماسية وعبر تاريخها وكل مراحل تطورها، أن المبعوث الدبلوماسي والذي هو أداة الدبلوماسية في تحقيق غاياتها هو وجه البلد والمجتمع الذي أوفده ليمثله ويعبر عنه ويتحدث باسمه، ولذلك فإن خصائص هذا المبعوث بكل مكنوناتها الشكلية والموضوعية، ابتداء من مظهره وسلوكه وتصرفاته الضرورية وتعامله مع المجتمع الذي يعمل بينه، حتى مستوى إدارته لعلاقاته بلاده، مع الدولة المعتمد لديها وما يتطلبه هذا من حكمة وتدبر وثقافة وتكامل في شخصيته.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك خطورة ودقة ما يقوم به المبعوث الدبلوماسي والأمور التي يعالجها والتي يمكن أن تمس مصالح حيوية لبلده وعلاقاتها مع الدول وخاصة في أوقات التوتر والأزمات، وبشكل أخص بعد أن اتسعت وتشعبت نطاق المسائل والقضايا التي يتعرض لها الدبلوماسي وأصبحت من اهتماماته اليومية فإننا نستطيع أن ندرك الأهمية التي تعلقها الدول على اختيار ممثليها ومبعوثيها في الخارج وضمان امتلاكهم للخصائص والمؤهلات الشخصية والموضوعية التي تتفق وخطورة الرسالة التي يقومون بها (شلبي، 2009).

وقد تناولت الأدبيات السياسية تسليط الضوء على العديد من السمات والشروط التي يجب توفرها لدى الدبلوماسي، باعتباره عنصرًا أساسيًا في نجاح العملية الدبلوماسية أو فشلها، وذكروا منها، أن يحتل منزلة رفيعة وصفات تتعلق بثبوت الأصل والأخلاق، وصفات تتعلق بالثقافة، وأخرى بسرعة البديهية ورجاحة العقل، وبلاغة القول وحصافة الرأي (سليمان، 2019).

ومن الصفات الأخرى السامية للدبلوماسي أن يكون فطناً ونبيهاً، ويتحلى بالشجاعة والانضباط وكتمان السر والنزاهة والصدق والأمانة، وعدم التسرع في اتخاذ الخطوات أو القرارات المهمة دون دراستها بشكل جيد، لأن أي عمل غير مدروس جيداً وبدقة يؤدي إلى عواقب تتضرر منها الدولة، وعليه أن يضع أمامه هدف دولته أولاً، ويمتلك أسلوب الإقناع سواء كان بالكتابة أو من خلال الحديث والحوار أو التفاوض بشكل مباشر (الجبوري وكريم، 2024).

وعليه فإن الدبلوماسي حين يتحرك ليحمي مصالح دولته ورعاياها لدى الدولة المعتمد لديها، وحين يفاوض معها باسم دولته لتسوية نزاع أو حل خلاف، وحين يسعى لتوطيد وتنمية علاقات الصداقة والود في كافة المجالات بينها وبين دولته، إنما يمارس الدبلوماسية كفن، ونجاحه يتوقف على الأسلوب الذي ينتهجه في معالجته للأمور للوصول إلى غرضه، وعلى مدى ما يتسم به من حنكة ودراسة، من حكمة وحسن تصرف، من لباقة وبراعة، من حيوية ومرونة، من صبر وأناة وسرعة بديهة.

ونخلص من تحليل السمات والشروط التي يفترض توافرها في العاملين بالحقل الدبلوماسي أن منها ما يتعلق بصحة الجسم، وما يتعلق بالقيافة وحسن الهندام، وما يتعلق بحسن النطق وسلامة الأداء، فيستحب في الدبلوماسي أن يكون صحيح الفكرة والمزاج ذا بيان وعبارة، بصيرًا بمخارج الكلام ووجوهه، صدوق اللهجة، جميل المظهر فطبيعة السفارة وأغراضها بوصفها وظيفة رسمية تعنى بالشكليات المتعارف عليها والمراسيم النابعة من العرف والتقاليد السائدة (اليوسفي، 2014).

ونعود فنكرر، بأن رأي الدبلوماسي ونصيحته وتحاليله السليمة وحسن استقرائه للنتائج واستنتاجه وتوقعاته، كانت وستظل ذات أثر بالغ في تشكيل الرأي داخل دوائر عملية القرار، ومن بينها بالطبع أجهزة وزارة الخارجية.

لذلك كانت للمصادر التي يعتمد عليها الدبلوماسي في استقاء معلوماته هي الرافد الأول الذي يوجه مسيرته، ولكي تكون استفادته من هذه المعلومات أكبر وأفضل، وتقييمه لها أكثر نضجًا، يجب عليه التحلي بأمرين مهمين:

  1. أن يلم الدبلوماسي إلمامًا جيدًا بلغة أجنبية شائعة على الأقل (الإنجليزية – الفرنسية) وبهذا يكون في استطاعته التخاطب والتحادث عبر لغة مشتركة مع إحساس طيب بالمعنى، كما تمكنه هذه الإلمامة، من قراءة صحيفة أو أكثر بلغتها الأصلية إذ أن غالبية الدول تصدر فيها صحف بلغة من اللغتين أو بالاثنين معًا.
  2. معرفة كبيرة بالبلد الذي يعمل به (البلد المضيف) فمعرفة حضارتها وفلسفتها وأيديولوجياتها وتاريخها ومزاج شعبها وعاداته وتقاليده، كل هذه المسائل ضرورات تساعد كثيرًا على فهم تفكير شعبها وتفكير الحكام، وكذلك فهم التيارات الفكرية التي تحكم عناصر السياسة العامة والسياسية الخارجية والعلاقات الدولية وطريقة معالجة المصالح الدولية المشتركة (عبد الخالق، 1985).

ونستطيع أن نبلور الخصائص التي يجمع عليها مؤرخو الدبلوماسية ويجب أن يتمتع بها الدبلوماسي في النقاط الآتية (Callières, 2022) (شلبي، 2009، 168) (حسن، 2005):

  • أن يكون سريعًا، واسع الحيلة، ومستمعًا جيدًا، مجاملًا ومقبولًا، وهو في عمله وتصرفاته يجب ألا يكون هدفه اكتساب الشهرة وإقناع الآخرين بذكائه، كما يجب ألا يكون مولعًا بالخصام ومثيرًا للخلافات وأن ينتهي إلى إفشاء معلومات سرية لكي يثبت أنه على صواب. وفوق كل شيء فإن الدبلوماسي يجب أن يمتلك مقدرة كاملة على التحكم في النفس وأن يقاوم شهوة التحدث.
  • أن عليه ألا يقع في خطأ إشاعة جو من السرية واصطناع أمور من لا شيء وتصوير أمور تافهة على أنها من شئون الدولة العليا، إذ كل هذا لا ينبئ إلا عن عقل صغير.
  • أن على الدبلوماسي أن يكون له طبيعة هادئة، وأن يتحمل الحمقى بسرور، وألا ينغمس في ألوان المرح المشاكس والنزوات.
  • من المتطلبات الهامة للدبلوماسي دراسته للتاريخ، وقراءته لمذكرات الزعماء والقادة والدبلوماسيين الكبار وتمثل تجاربهم، وأن يكون على وعي بالقوى الحقيقية والمؤثرة في البلد التي يعمل فيها، وذا إجادة للغات الأساسية في عصره إذ أنها مدخلة للمعلومات والاتصالات، وما يكمل هذا على الجانب الاجتماعي هو استعداده على أن يكون مضيفًا محببًا وجذابًا وكريمًا.
  • أن يكون كتومًا وحذرًا، وباعتبار أن الدبلوماسية هي في النهاية فن التفاوض أو هو من أهم عناصرها، فإن على الدبلوماسي أن يكون مستمعًا جيدًا وأن يجد إجابة ماهرة حتى ولو كانت عادية لكل الأسئلة التي تطرح عليه، وفي مجرى المفاوضات يجب ألا يكشف عن كل أوراقه فيما عدا ما هو ضروري لاكتشاف الأرض، وعليه أن يتحكم في سلوكه بقدر ما يراقب وجوه الآخرين.
  • على الدبلوماسي أن يكون له حضور ووقار واحترام، وعليه أن يكون لطيفًا وكيسًا ودمثًا ومتسامحًا وأن يكون ذا طبيعة بسيطة، وباعتبار أن الدبلوماسي هو عيون وآذان وفم وربما أنف حكومته، لذلك كلما كان دائم الحضور في المجتمعات والحفلات واللقاءات كلما كان قادرًا على التقاط المعلومات.
  • على الدبلوماسي أن يتفادى الذوق السيء، ففي كل المناسبات يجب أن يكون ملبسه ملائمًا، وسلوكه مهذبًا حتى وهو يأكل ويشرف ويتصرف في الأماكن التي يدعى إليها.
  • على الدبلوماسي أن يكون واسع الحيلة وذكيًا وواضحًا وإن كان له ميل للخطابة فيجب أن يكون مختصرًا ومن الأفضل وخاصة في المناسبة الاجتماعية أن يقتصر حديثه على الجوانب العامة والاجتماعية دون التوغل في القضايا السياسية.
  • الدبلوماسي لا يجب فقط أن يكون موهوبًا بالذكاء الحاد، بل يجب أن يكون عليمًا بالأمور بشكل واسع، وإذا كان عليه أن يراقب وأن يرى، فإن عليه أن يعرف الكثير حول النشاط الإنساني في المجتمع الذي يعمل فيه ومؤسساته، وعلى خلفية تاريخية واسعة عنه.
  • المبعوث الدبلوماسي ليس عليه فقط أن يمتلك الطاقة وأن يتعلم بسرعة وأن يتكيف نفسه عقليًا للمواقف الجيدة، وإنما كذلك أن يمتلك قدرًا غير عادي من الحكم والتقدير السليم الذي يقترن بالخيال الخلاق وبعد النظر والقدرة على التنبؤ وبحدة الإدراك.
  • على الدبلوماسي أن يكون حريصًا في التصريحات التي يدلي بها وأن يتأكد من عدم إمكان تفسيرها على عدة وجوه أو يساء تفسيرها وأن تكون لغته دقيقة ومحكمة، وأن يكون حساسًا تجاه العوامل التي تتحكم في تفكير النظم المختلفة، وأن يكيف نفسه في المواقف والظروف، وأن يدرك أنه وان اختلف فكريًا وسياسيًا في نظام حكم ما فإنه هناك لكي يتعامل معه وليس لكي يغيره.

المحور الخامس

مهام البعثة الدبلوماسية ووظائفها

الدبلوماسية في مظاهرها المختلفة وشكلها التاريخي تهدف أساسًا إلى التوفيق فيما بين المصالح المتعارضة، وكذا إلى خدمة المصالح البشرية بالطرق السلمية وتجنب التوتر والسعي نحو تحقيقه، ولذلك برزت قضية مهام البعثات الدبلوماسية ووظائفها في ضوء هذه المعطيات والتعقيدات في العصر الحديث.

ويرى باحثون أن مهام الدبلوماسية وبعثاتها يمكن أن تتحقق في مرحلتين جوهريتين: تتمثل الأولى في السعي نحو تجميع عناصر الاتفاق أو التوافق والاختلاف في المواقف والمصالح ووجهات النظر، وهي مرحلة تحتاج إلى إدراك كامل باتجاهات العلاقات والمصالح بين الدول المعنية وخفاياها المختلفة. ثم يأتي بعد ذلك دور المرحلة الثانية المتمثل في الوصول إلى الاتفاق وتسوية الخلافات والتنسيق في المواقف، وهي المرحلة التي تعتمد على اتقان فن الاتصال والتفاوض مع الآخرين أي فن الدبلوماسية (سعيدي، 2014).

وقد أولت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961م أهمية كبيرة بشأن مهام البعثات الدبلوماسية ووظائفها لتوضيحها بجلاء للدول، فنصت في المادة (3) من الاتفاقية على أن مهام البعثة الدبلوماسية تتضمن بصفة خاصة فيما تتضمنه ما يلي:

  1. تمثيل الدولة المعتمدة قبل الدولة المعتمد لديها.
  2. حماية المصالح الخاصة بالدولة المعتمدة وبرعاياها في الدولة المعتمد لديها، وذلك في الحدود المقبولة في القانون الدولي.
  3. التفاوض مع حكومة الدولة المعتمد لديها.
  4. الإحاطة بكل الوسائل المشروعة بأحوال الدولة المعتمد لديها وبتطور الأحداث فيها وموافاة حكومة الدولة المعتمدة بتقرير عنها.
  5.  توطيد العلاقات الودية وتدعيم الصلات الاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة المعتمد لديها والدولة المعتمدة.

وسنقوم بإلقاء الضوء على تلك المهام والوظائف للبعثة الدبلوماسية على النحو التالي:

أولًا: التمثيل الدبلوماسي Diplomatic Representation:

وهي تلك المهمة التي ينوب فيها الدبلوماسي عن دولته وحكومته لدى الدولة المعتمد لديها، وهذه الإنابة إن هي إلا عملية تمثيل، تخص بتبليغ المعلومات ونقل وجهات النظر إلى حكومة الدولة المعتمدة لديها الممثل، كما تخص نقل المواقف الرسمية وغير الرسمية، ومن ثم تمثل عملية التمثيل أكثر ما تمثل القيم والمبادئ التي تؤمن بها الدولة المرسلة جنبًا إلى جنب مع مصالحها، سواء في تبليغ المعلومات أو في نقل المواقف (ذكي، 1991).

ولذلك يعد التمثيل إحدى المهام الأساسية التي تقوم بها البعثة الدبلوماسية، وهو الهدف الذي قصدت الدولة من تحقيقه بإرسال البعثات، كما لا يخفى ما في التمثيل الدبلوماسي من دلالة واضحة على سيادة الدولة واستقلالها، وتمارس البعثة في الدولة المعتمدة لديها مهام تمثيلية، إذ أن رئيس البعثة يمثل دولته في المناسبات الرسمية التي يدعى إليها وفي المناسبات التي يقيمها هو باسم بلاده (السنيدار، 2001).

والتمثيل هنا لا يعني فقط المشاركة في بعض الاستقبالات والحفلات الرسمية، والتي لا تتطلب سوى الحضور الشخصي للمثل لمثل هذه المناسبات، بل تعني كذلك بأن يكون الممثل مؤهلًا ذات سلطة، لعرض رغبات وآراء وحجج الممثل، وبالحقيقة فإن الممثل في هذه الحالة هو شخص معنوي معقد، وعليه فلا يجب أن يحدد التمثيل فقط على جهاز أو أجهزة معينة لهذا الشخص المعنوى (خلف، 2014).

وتقوم البعثة أيضًا بالتمثيل القانوني، فرئيس البعثة هو وكيل دولته القانوني لدي الدولة الموفد إليها إذ تمنحه صفته التمثيلية الحق بالتصرف باسم دولته، والتعبير عن إرادتها والإفصاح عن رغباتها ووجهات نظرها، فهو أحد المصادر الرئيسية في التعريف باتجاهات دولته ونواياها، كما أنه يمثل دولته في المؤتمرات الدولية وينوب عنها في توقيع الاتفاقيات والمعاهدات بالحروف الأولى متى خولته دولته بذلك (السنيدار، 2001).

ويتولى هذه المهمة التمثيلية رئيس البعثة ذاته أو من يقوم مقامه في حالة غيابه أو خلو منصبه بصفة مؤقتة أو دائمة، فيتولى تمثيل دولته في المناسبات الرسمية التي يدعى إليها أو التي تقام باسم دولته، ويمثل دولته في الاحتفالات والاستقبالات الرسمية التي تدعى إليها هيئات التمثيل الدبلوماسي الأجنبية، وهو وسيط حكومته لدى حكومة البلد المضيف فيعبر عن رغابتها ويبلغ قراراتها وتصريحاتها المكتوبة للبلد المضيف وممثلي الحكومات الأجنبية (الشكري، 2011).

ثانيًا: التفاوض Negotiation:

يعد التفاوض من أقدم مهام البعثات الدبلوماسية وأهمها إذ تلعب المفاوضات دورًا هامًا في العملية الدبلوماسية فبواسطة المحادثات التي يجريها رئيس البعثة الدبلوماسية، مع ممثلي الدولة المضيفة يستطيع إبلاغ ممثلي حكومة البلد المضيف بموقف حكومته من قضية ما والمساعدة في مجابهة بعض المصاعب، وفض المنازعات بين الدولتين، بإزالة سوء التفاهم فضلًا عن التفاوض معهم حول الوصول إلى إبرام اتفاق يتعلق بأحد جوانب التعاون (السنيدار، 2001).

وقد اتجه أغلب الفقهاء والكتاب إلى القول إنه إذا كانت الدبلوماسية تعني إدارة العلاقات أو الشئون الخارجية للدول، فهي في ذات الوقت تعني إدارة وفن المفاوضات، تمارسها البعثات الدبلوماسية بهدف تقريب وجهات النظر المتعارضة ومعالجة ومناقشة المسائل الشائكة والعمل على حلها بما يتلاءم مع مصالح الأطراف المعنية، والتوفيق بينها بالشكل الذي يعزز العلاقات الودية والسلمية بينهما (الشامي، 2007).

ومهما يكن الغرض الذي تجري المفاوضة من أجله، فإن الهدف الأسمى الذي يقف وراء جميع هذه المواضيع المختلفة هو إيجاد المبعوث علاقات ودية بين دولته والدولة الأخرى والعمل على تمتينها، وكل ذلك من أجل الحصول على الاستقرار والسلام، استقرار وسلام في العلاقات بين الدولتين من شأنهما أن يمهدا للحصول على الاستقرار والسلام العالمي (ذكي، 1992).

وتسبق المفاوضات عادة مشاورات ومباحثات تمهيدية، يقوم بها الممثلون الدبلوماسيون أو يشاركون فيها، فإذا تم الاتفاق أو تقارب وجهات النظر حول الأسس العامة تعين كل دولة مندوبيها المفوضين، وتحدد موعد الاجتماعات ومكانها، وتجري المفاوضات شفهيًا وخطيًا، بتبادل المذكرات تضمن اقتراحات معينة أو مطالب صريحة أو مشروعًا للاتفاق المنشود (خلف، 2014).

كما أن هناك عدة أشكال تمارس في ضوئها وظيفة التفاوض، هناك المفاوضات السرية والعلنية، فعندما كانت تسود مرحلة الدبلوماسية السرية كانت المفاوضات والمحادثات تجري بشكل سري وتبقى نتائجها سرية ومحفوظة بين الأطراف المعنية، أما عندما سادت مرحلة الدبلوماسية العلنية فقد أصبحت المفاوضات علنية خاصة بموضوعها ونتائجها وإن كانت من حيث الشكل تجرى عادة بصورة سرية، ثم هناك مفاوضات يطلق عليها مفاوضات شبه رسمية ومفاوضات رسمية، تهدف الأولى إلى سبر غور نوايا الأطراف المتبادلة دون أن تكون ملزمة لأحد، أما الثانية والتي تأتي عادة بعد الأولى فتجري باسم الدولتين وتشكل بداية الإلزام (الشامي، 2007).

وإذا كانت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961م قد اعتبرت أن وظيفة التفاوض هي من وظائف البعثة المهمة القائمة على الاتصال والتباحث مع حكومة الدولة المعتمد لديها بهدف تعزيز العلاقات بين الدولتين، فإن ميثاق الأمم المتحدة والذي يعتبر من مقاصد العلاقات الدبلوماسية، كان قد اعتبر أن من أهم الوسائل التي يجب اللجوء إليها لحل المنازعات الدولية هي وسيلة المفاوضة، وهذا ما نصت عليه المادة (33) عندما ذكرت في فقرتها الأولى أنه: يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجؤوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.

وفي الحقيقة فإن التعقيدات والتخصصات المتزايدة في الحياة الحديثة والتي تنعكس على العلاقات الدولية تفرض في يومنا هذا مضاعفة البعثات الخاصة المكونة بغالبيتها من فنيين متخصصين مكلفين بالتفاوض بمسائل خاصة.

وهنا يترتب على الحكومات الرشيدة ألا تهمل مقترحات مبعوثيها وآرائهم السديدة، لأنهم بحكم مركزهم يكون لهم احتكاك مباشر مع الطرف المقابل وأنهم في وضع يؤهلهم على تفهم حقيقة الظروف والأحوال بصورة أفضل من المسئولين في ديوان وزارة الخارجية الذين هم في الواقع أكثر بعدًا وأقل احتكاكًا، وبناء على ذلك فإن دور الممثل الدبلوماسي يزداد أهمية وتأثيرًا على حكومته وحتى على حكومة الطرف المقابل كلما استطاع (ذكي، 1992).

ثالثًا: الملاحظة والاستطلاع Observation:

إذا كانت الدبلوماسية من حيث هي نشاط تقوم على إعداد وتنفيذ السياسة الخارجية للدول، فإن وظيفة الاستعلام واستطلاع الأحوال وتتبع تطور الأحداث، تعتبر من الوظائف المهمة التي تقوم بها البعثة في الدولة المعتمد لديها.

وتقوم هذه الوظيفة على استخدام وسائل مشروع ومسموح بها من اتصالات رسمية وشبه رسمية واستخدام أجهزة سلكية ولاسلكية وروسل دبلوماسيين، وإجراء المقابلات والزيارات الرسمية وإقامة الصداقات والصلات مع كل الأطراف في الدولة المعتمد لديها ومنها الجسم الدبلوماسي العامل في هذه الدولة، بهدف تبادل المعلومات وتكوين صورة دقيقة عن السياسة الداخلية والخارجية للدولة المعتمد لديها ومدى تأثرها وتأثيرها بالأحداث الدولية ونتائجها على هذه الدولة (الشامي، 2007).

وتشمل الملاحظة كل المواضيع التي تجلب انتباه المبعوث وذات العلاقة أو التأثير على مصالح دولته، ولكن المهم في الأمر ملاحظة كل هذه الأمور بدقة وأمانة والحصول على المعلومات والاستعلام عنها بكل الوسائل المشروعة، ومن ثم جمعها وتصنيفها وتهيئة التقارير اللازمة للمهم من هذه الأحداث، ولا ينتهي عمل المبعوث الدبلوماسي هذا لمرة واحدة، وإنما يظل يمارسه بصورة مستمرة محاولًا أن يستخلص منها تقارير في أوقات منتظمة وتقديم المعلومات لحكومته محللة تحليلًا دقيقًا وافيًا (ذكي، 1992).

إذا فمهمة الملاحظة والاستطلاع الأساسية للبعثة تتكون على الغالب من تحليل المعلومات المجمعة لديها عن الحوادث والتعليق عليها بعض تقييمها، وهذا شيء مختلف عن مجرد الإخبار، بالإضافة لدراسة عن قرب للسياسة الخارجية والداخلية للدولة المعتمدة لديها، وعلاقاتها مع دول أخرى، واتجاهات الرأي العام فيها، بخصوص القضايا التي من الممكن أن تفيد أو تهم حكومتها في المستقبل، وبالخصوص في المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية (خلف، 2014).

وتحليل المعلومات المجمعة هو أحد المعايير للتمييز بين عمل الدبلوماسي ووكيل المخابرات، فالثاني يرسل ما حصل عليه من معلومات بأي طريق إلى المسئولين في بلده كما هي دون تحليل أو تعليق، أما الدبلوماسي فتقع على عاتقه مهمة تحليل المعلومات وتقييمها، ومن أوجه التحليل التوصل إلى ما يكمن وراء سطور المعلومات بالمعلومات وحدها تمثل “ماذا” حصل، أو تعبر عن حقائق مجردة. أما “لماذا” و “كيف” فالاستقراء والتحليل هو الكفيل بالإجابة عليهما (البكري، 1986).

وهناك طرق في هذا الصدد غير مشروعة لا ينبغي على المبعوث الدبلوماسي القيام بها، وهي الحصول على المعلومات عن طريق الرشوة، أو تجنيد العملاء، أو اتباع أسلوب التجسس، أو استخدام وسائل الاستمالة الأخرى، كالخمر والنساء، ويدخل هذا ضمن المحظور، إذ يسيء هذا المسلك عند اكتشافه إلى الدولة الموفدة للبعثة، ويدفع بالعلاقات إلى التوتر والتأزم والتفجر، الذي ينتهي عادة بطرد المبعوث الدبلوماسي المسئول عن هذا العمل، واعتباره شخصًا غير مرغوب فيه، وقد يتعقد الموقف ويتصاعد إلى درجة تضطر الدولتين إلى سحب رئيسي بعثتيهما، أو إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما (خضير، 2024).

رابعًا: حماية مصالح الدولة Protection:

تنص اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961م في البند (2) من المادة (3) على الحماية بأنها: حماية مصالح الدولة المعتمدة ومصالح رعاياها في الدولة المعتمد لديها ضمن الحدود المقبولة في القانون الدولي.

وتعني حماية مصالح الدولة بكل بساطة، الممارسة الروتينية اليومية التي تقوم بها البعثة الدبلوماسية الدائمة لحماية مصالح رعايا دولتها في الدولة المعتمد لديها، والدفاع عن حقوقهم وضمان وضع ملائم ومرض لهم، وعدم اضطهادهم أو الإساءة لهم وإزالة الأضرار عن مصالحهم وذلك من خلال متابعة قضاياهم وحل مشاكلهم ومراقبة تمتعهم بكامل حقوقهم، ومطالبتها سلطات الدولة المعتمد لديها بأن يعاملوا رعايا دولتهم وفقًا للقانون الدولي، أي ما يعني وفقًا للاتفاقيات الثقافية بين الدولتين أو وفقًا للاتفاقيات الجماعية والأعراف الدولية السائدة والموحدة بشكل عام، وكذا وفقًا لتشريعات الدولة المقيمين على أرضها (خلف، 2012).

وتشمل رعاية وحماية مصالح الدولة المرسلة ومصالح رعاياها المقيمين أو المتواجدين بصورة مؤقتة في إقليم الدولة المضيفة، ويدخل تحت مفهوم الرعايا الأشخاص الحقيقيين والقانونيين مثل الشركات والوكالات التي تحمل جنسية الدولة المرسلة. وتشمل حماية مصالح الدولة أيضًا مراقبة تنفيذ المعاهدات الاقتصادية والتجارية والثقافية المعقودة بينها وبين الدولة المضيفة وتعقيب المصالح الناجمة عنها (البكري، 1986).

وعليه فإن مجال ممارسة الحماية الدبلوماسية للبعثة الدائمة لا يتم إلا في حالات ذات أهمية قصوى، وذلك بعد أن تستنفذ جميع الوسائل الداخلية، ويعجز القانون الداخلي للدولة المعتمد لديها عن حل مثل هذه المشاكل، مما يدفع البعثة الدبلوماسية بأن تقوم بالتدخل لحماية المصالح الخاصة لدولتها أو لرعاياها، بما يتوافق مع الصلاحيات والشروط الممنوحة لها من حكومتها (خلف، 2014).

خامسًا: توطيد العلاقات Strengthening Relations:

تعتبر هذه الوظيفة ذات مدلول أكبر شمولًا مما سبقها من وظائف، فهي أساس وجود البعثة والمبعوث ومساعديه، وتطورت بتطور المجتمع الدولي الذي أصبح حاليًا أكثر اتساعًا وترابطًا وتشابكًا وتبعية واعتمادًا بعضه على بعض، وهي الجملة التي ترد في مضمون كتاب اعتماد أي رئيس بعثة، وهي التصريح الصحفي الذي يعبر به السفير عن مباشرة مهامه وسبب وجوده ممثلًا لدولته في الدولة المعتمد لديها (خلف، 2012).

وقد أشارت الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961م إلى أن من مهام البعثة الدبلوماسية تعزيز العلاقات بين الدولة المعتمدة والدولة المضيفة، والواقع أن البعثة هي واحدة من أهم وسائل تعزيز العلاقات بين الدول وإدامة التواصل بينهما إن لم تكن أهمها جميعًا.

ومن هنا تحرص الدول على اختيار أفراد البعثة من بين الأشخاص الذين يلقون قبولًا لدى الدولة المعتمد لديها، ويحرص رؤساء البعثات عادة عند تقديم أوراق اعتمادهم على التعبير عن أملهم في المساهمة في إنماء العلاقات الودية بين البلدين في شتى المجالات وبكافة السبل والوسائل سعيًا وراء تحقيق المصلحة المشتركة للبلدين، وبالمقابل تتبادل الدولة المضيفة مع رئيس البعثة مثل هذه الرغبة (الشكري، 2011).

ويمكن تلخيص وظائف ومهام البعثات الدبلوماسية في الأطر العامة التالية:

  1. تمثيل الدولة الموفدة لدى الدولة الموفد إليها، فعضو الدبلوماسية ممثل لدولته يتصرف باسمها ويعبر عن إرادتها ورغبتها، ويعمل على حقوقها وحماية مصالحها كما يمثلها في المناسبات والحفلات والاستقبالات التي تجري في الدولة الموفد إليها.
  2. حماية مصالح الدولة الموفدة ومصالح رعاياها ضمن الحدود التي يقرها القانون الدولي، وتتمثل هذه الحماية في التدخل بالطرق الدبلوماسية لدى سلطات الدولة الموفد إليها للحفاظ على هذه المصالح.
  3. التفاوض في كافة المسائل التي تهم الدولة الموفدة، ويجري هذا التفاوض عادة مع وزير خارجية الدولة الموفد إليها، ومن النادر أن يتم هذا التفاوض مع رئيس هذه الدولة، ويتجه التفاوض نحو التوفيق بين وجهات نظر الدبلوماسية.
  4. استطلاع الأحوال والتطورات في الدولة الموفد إليها بجميع الوسائل المشروعة، وتقديم التقارير اللازمة عنها إلى حكومة الدولة الموفدة، وتبدو أهمية هذه الوظيفة من حيث أن موقف الدولة الموفدة من الدولة الموفد إليها يتحدد أساسًا تحت تأثير العديد من الاعتبارات السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها.
  5. تعزيز العلاقات الودية بين طرفي الدبلوماسية وإنماء علاقاتهما الاقتصادية والثقافية والعلمية، وتوطيد الاتصالات الثنائية.

المحور السادس

الحصانات والامتيازات الدبلوماسية

مهمة المبعوث الدبلوماسي تمثل أهم المهام وأسماها لاتصالها بشئون الدولة ومصالحها ومهامها الأساسية (Berridge, 2022). وتكمن أهمية الحصانة للمبعوث الدبلوماسي بما يتمتع المبعوث الدبلوماسي بحصانة شخصية وحرمة ذاتية يمنع المساس بها حيث إنه من الضروري والأساسي أن يتمتع المبعوث الدبلوماسي بعدة صلاحيات أو امتيازات تمكنه من ممارسة عمله بالشكل الأمثل والطريقة الصحيحة التي قدم لأجلها، وأن أي اعتداء عليه يعد اعتداء على ذات الدولة التي قدم إليها أو هانة لها (Constantinou et al, 2016).

ويعود أساس تقديم الحصانات والامتيازات الدبلوماسية إلى تاريخ موغل في القدم، منذ أن مارس الإنسان العاقل الدبلوماسية واستقبل المبعوثين والرسل، فقد استلهم الإنسان منذ عصور ما قبل التاريخ الحاجة إلى توفير الحماية للمبعوث وتقديم التسهيلات له الكفيلة بإنجاح مهمته على الصورة الفضلى.

وقد انسجمت هذه الممارسة مع نوازع تقليدية وعرفية تفرض احترام الضيف وتوفر له الراحة التامة ومفاهيم دينية تتقرب للخالق وتطلب رضاه وتتجنب غضبه، وقناعات فلسفية تعزز الحاجة إلى بناء علاقات سلمية وودية، تؤكد النزعة البشرية نحو الاستقرار والتمدن وتجنب الحروب والدمار، وجسدت هذه الممارسة عظمة الحكم وهيبة السلطان، فالحاكم هو وريق الخالق على الأرض، ورسوله جدير الحماية والاحترام والتقدير، فهو مبعوثه وممثله والذي يستمد عظمته وسلطته منه (عبد العاطي، 2007).

ومن ثم فليست هذه الحصانات والامتيازات من مستحدثات العصر الحديث، وإنما ترجع في تاريخها إلى العهود الأولى للعلاقات الدولية، فقد كان للسفراء دائمًا حرمة وامتيازات خاصة ترعاها الدول بمنتهى الدقة، وإن كانت تستمد وجودها وقتئذ من الاعتبارات الدينية، ومع استقرار العلاقات الدبلوماسية بين الدول استقرت كذلك الأحكام الخاصة بحصانات وامتيازات المبعوثين وأصبحت جزءًا من القانون الدولي الوضعي (أبو هيف، 1962).

ومع تطور العلاقات الدولية وتطور الممارسة الدبلوماسية تطورت قواعد الحصانات والامتيازات الدبلوماسية (إبراهيم، 2007). كما تطورت أيضًا المفاهيم النظرية التي تبرز منح هذه الحصانات والامتيازات، فظهرت ثلاث نظريات تبرر منح وإقرار الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، حيث سادت منذ القرن السابع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى نظرية الصفة التمثيلية ونظرية امتداد الإقليم، وفي العقد الثالث من القرن العشرين بدأت تسيطر نظرية جديدة وهي نظرية مقتضيات الوظيفة التي تبنتها جميع الاتفاقيات الدبلوماسية واستبعدت في ذلك الوقت النظريتين السابقتين. (العمودي، 2024).

وتشكل الحصانات والامتيازات الدبلوماسية أهم ركائز العلاقات الدولية، حيث تهدف إلى تأمين أداء البعثات الدبلوماسية لوظائفها على أكمل وجه وذلك من خلال إدارة الشؤون الخارجية للدول وتعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى على أساس المساواة وحفظ السلم والأمن الدوليين، وتتمثل هذه الحصانات في حصانات مقررة لأفراد البعثة الدبلوماسية وحصانات مقررة لمقر البعثة الدبلوماسية (العمودي، 2024).

ومهما اختلف الفقهاء في تفاسيرهم للمصدر أو المصادر التي تنحدر منها الامتيازات والحصانات والدبلوماسية، فإن هذه الامتيازات والحصانات في حد ذاتها هي من المسائل التقليدية المهمة في القانون الدولي، ذلك أنه لا يوجد بين الدول كافة من يختلف في اعتبار القانون الدولي العربي كمصدر أساس للحصانات الدبلوماسية وهذا ما تؤيده معاهدات كثيرة أبرمت بين دول مختلفة حيث جرى فيها التطرق إلى موضوع الامتيازات والحصانات الدبلوماسية (محمد، 1992).

  1. مفهوم الحصانة الدبلوماسية:

تعرف الحصانة الدبلوماسية بأنها شكل من أشكال المنعة القانونية الممنوحة للدبلوماسيين، وهي سياسة تم سنها بين الحكومات، بحيث يتم من خلالها توظيف كل وسائل تيسير المرور السهل للدبلوماسي، وبالتالي فهي وضع امتيازي يناله ذوو المناصب في دولة ما، يعطيهم امتيازات خاصة من الناحية القانونية (إبراهيم، 2007).

والحصانة الدبلوماسية مصطلح قانوني للامتياز الذي يمنح إلى بعض الناس الذين يعيشون في البلاد الأجنبية، وهو يسمح لهم بأن يظلوا خاضعين لسلطة القوانين في بلادهم، فالسفراء أو الوزراء والوكلاء الدبلوماسيون الآخرون يمنحون هذا الامتياز، ومثل هؤلاء الوكلاء لا يمكن القبض عليهم لمخالفة قوانين البلاد التي يرسلون إليها، ولكن إذا خالقوا القوانين المحلية فإن حكوماتهم قد تطالب باستدعائهم (عبد العاطي، 2007).

إذاً فالحصانة الدبلوماسية في جوهرها المعرفي تعني منح حماية للمبعوث الدبلوماسي بهدف عدم التعرض لشخصه، والملاحظ أن تمتع المبعوث بالحصانة أمر ليس من مستجدات القانون الدولي المعاصر، بل يعود إلى أقدم الأزمنة، سواء أكان ذلك في اليونان القديمة أم الرومان، بل إن الإسلام أحاط المبعوث بهالة من الاحترام ووفر له قدرًا من الحماية لم توفرها له أي من الشرائع والقوانين القديمة.

  1. الأساس القانوني للحصانة الدبلوماسية:

اختلف الفقه الدولي في الباعث الأساسي الذي بمقتضاه وافقت الدول على أن معاملة الدبلوماسيين معاملة خاصة، ونقف في هذا الصدد على بعض النظريات التي كونت الأساسي القانوني للحصانة الدبلوماسية وهي:

  • نظرية الصفة التمثيلية أو النيابية:

على رأس هذه النظرية الفقيه الفرنسي “مونتيسكيو Montesquieu” ومن مؤيديها فاتيل وفوشي وغيرهم، ومؤداها أن الحصانات والامتيازات المقررة للمبعوثين الدبلوماسيين تستند إلى صفتهم النيابية باعتبارهم يمثلون دولهم نيابة عن رؤسائهم، وما يقتضيه ذلك من ضرورة احتفاظهم باستقلالهم في أداء مهمتهم وتجنب أي اعتداء عليهم أو على كرامتهم صيانة لكرامة وهيبة الدولة التي يمثلونها (أبو هيف، 1962). فالدبلوماسي يجسد شخصيا الدولة الموفدة؛ وكما أن تلك الدولة ورئيسها يتمتعان بالحصانة، فإن ذلك يسري على كل من يمثلهما (المرسي، 2021).

وترجع جذور هذه النظرية إلى العصور الوسطى، حيث كانت العلاقات الدولية منذ ذلك الوقت وحتى قبيل الثورة الفرنسية تعتبر علاقات شخصية بين الملوك والأمراء، حيث كان الحاكم بنفسه هو من يقوم بإدارة العلاقات مع الدول الأجنبية.

غير أنه وعلى الرغم من تطور مفهوم الدولة وبالتالي مفهوم السيادة، وعلى الرغم من أن المبعوث الدبلوماسي أصبح ممثلًا لدولته وليس لسيده، فقد بقي مفهوم السيادة مشوشًا ومتأرجحًا بين سيادة الدولة وسيادة شخص الحاكم، إلى أن سيطر مفهوم السيادة المطلقة للدول المستقلة، فظهرت الصفة التمثيلية وارتبطت بحق التمثيل للدول ذات السيادة الكاملة فقط دون غيرها (الشامي، 2007).

أي أن حق التمثيل يعود للدول التي تتمتع باستقلال تام وكامل، أم الدول الخاضعة للاستعمار بكل أشكاله فليس لديها مثل هذا الحق، وبالتالي تعتبر هذه الدول ناقصة السيادة ولا يحق لها إقامة علاقات دبلوماسية إلا عبر الدول المسيطرة عليها.

كما ترتب هذه النظرية الحصانات الدبلوماسية على الصفة التمثيلة التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسية وتمثيله لدولة ذات سيادة لدى الدولة المعتمد لديها، وتدمج بالتالي حصانته في حصانة الدولة التي يمثلها فيتمتع بكل ما تتمتع به الدولة بعضها إزاء بعض، والحصانات طبقًا لهذه النظرية، أساسها طبيعة البعثات، وتتقرر للمبعوث في اللحظة التي تعترف له فيها الدولة المستقبلة بالصفة التمثيلية اللصيقة بوظيفته، ليقوم بأعماله بيسر وسهولة (راتب، 1965).

إزاء ما تقدم وجد أن الفقهاء المعاصرين في القانون الدولي أخذوا يفسرون أساس امتيازات وحصانات المبعوثين الدبلوماسيين لا على أساس امتداد الإقليم الذي تقادم مع الزمن، وإنما على ضوء أن هذه الامتيازات والحصانات تمنح إما على أساس أن المبعوث الدبلوماسي هو ممثل لدولة ذات سيادة وإن من يمثلها يتمتع بالاستقلال والحصانة لأنه يعمل باسمها ولا دخل لذلك بالدول الأخرى، أو على أساس ضرورة مقتضيات العمل وهو الأساس الذي تأخذ به الدول عمليًا اليوم للمحافظة على استقلال المبعوث الدبلوماسي (محمد، 1992).

  • نظرية الامتداد الإقليمي:

إلى جانب نظرية الصفة التمثيلية، ظهرت نظرية أخرى تفسر وتبرر منح الحصانات الدبلوماسية على قاعدة جديدة اتفق على تسميتها بنظرية “امتداد الإقليم” والتي انطلقت من السيادة الشخصية أو الملكية.

وقد تصور هذه النظرية بعض الفقهاء المتقدمين أمثال جروسيوس ودي مارتنز وغيرهما، وهي تقوم على الافتراض، ومؤداها أن المبعوث الدبلوماسي إذ يعتبر افتراضًا ممثلًا لشخص رئيس دولته، يعتبر كذلك عن طريق الافتراض أنه خارج نطاق السلطان الإقليمي للدولة المبعوث لديها، أي كأنه لم يغادر إقليم دولته وأن إقامته في الدولة التي يباشر فيها مهمته هم في حكم امتداد لإقامته في موطنه، وبالتالي فهو يعتبر كامتداد لإقليم الدولة التي يمثلها (أبو هيف، 1962).

كما أن مؤدى نظرية الامتداد الإقليمي أو عدم التواجد الإقليمي اعتبار المبعوث الدبلوماسي المقيم في إقليم الدولة كأنه غير موجود بها، وهي النظرية التي استند إليها الفقه التقليدي لتبرير الحصانات الدبلوماسية المختلفة التي يتمتع بها المبعوث، وأساس هذه النظرية هو الربط بين سلطة الدولة وبين الإقليم، والأشخاص الذين يقيمون على إقليم الدولة ولا يخضعون لولايتها يفترض إقامتهم خارج إقليمها (راتب، 1965).

وتعد هذه النظرية من أهم وأقدم النظريات التي قيلت لتفسير الحصانات والامتيازات الدبلوماسية وقد لاقت قبولًا بين فقهاء القانون الدولي، وقارن ظهورها ظهور الدولة القومية، وكانت هي النظرية السائدة طوال القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، وهي تقوم على الافتراض، حيث استخدمت في البداية لتبرير حصانات رؤساء الدول، بادعاء أن رئيس الدولة عندما يسافر إلى دولة أخرى لا يغادر دولته الأصلية وإنما يظل فيها، فإقليم دولته يصاحبه أينما وجد، ولا يوجد تبعا لذلك على إقليم الدولة الأخرى (المرسي، 2021).

وهذه النظرية وإن كانت قد لاقت وقتًا ما قبولًا من جانب فريق من الفقهاء وقضاء بعض المحاكم، فهي اليوم محل نقد واعتراض شديدين، إذ أنها من ناحية لا تمثل الواقع ولا تتفق مع الأوضاع الجارية فعلًا، ومن ناحية أخرى تسوق إلى حلول ونتائج غير مقبولة إطلاقًا تتعارض مع سيادة الدولة صاحبة الإقليم.

ولذلك فقد تعرضت نظرية امتداد الإقليم هذه بدورها لانتقادات لاذعة، ليس فقط من المجامع القانونية الدولية، بل من كثير من الكتاب والفقهاء، ومنها ستروب Strupp الفقيه الألماني الذي استبعد نظرية امتداد الإقليم، ثم كان الفقيه فوشيه Fouché والذي اعتبر أن التصور الوهمي الذي تقوم عليه هذه النظرية غير مفيد وغامض وخاطئ، كما اعتبر فيليب كاييه Philippe Caillet أن هذه الفكرة التي تقول بأن السفير هو فوق قوانين البلد، هي فكرة خائطة ومناقضة للممارسات الدولية (الشامي، 2007).

والحقيقة أن نظرية امتداد الإقليم قد ضمت في طياتها تناقضًا صريحًا، ويظهر هذا التناقض من وجود المبعوث الدبلوماسي في مكانين في وقت واحد، الدولة المعتمد لديها على أساس فعلي، ودولته التي ينتمي إليها على أساس فرضي، والصعوبة التي تمنع هذا المبدأ من أن ينال قبول الفقهاء الإجماعي، هو عدم مطابقته لواقع الحال، ولهذا السبب نجد أن القضاء الوطني في عدد من الدول قد خالف هذا المبدأ (محمد، 1992).

  • نظرية مقتضيات الوظيفة:

مؤدى هذه النظرية أن الحصانات والامتيازات التي يتمته بها المبعوثون الدبلوماسيون ضرورة يقتضيها قيامهم بمهام وظائفهم في جو من الطمأنينة بعيد عن مختلف المؤثرات في الدول المعتمدين لديها، وفي رأي أغلب الفقهاء المعاصرين أن هذه النظرية قد تكون أصلح النظريات التي يمكن أن تتخذ أساسًا لإسناد الحصانات والامتيازات الدبلوماسية من ناحية ولتحديد مداها ومؤداها من ناحية أخرى (أبو هيف، 1962).

وترتكز هذه النظرية على مبدأ متطلبات الوظيفة والضرورات العملية لأداء الوظائف الدبلوماسية على أحسن وجه، فالحصانات والمزايا التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون ضرورة يقتضيها قيامهم بمهام وظائفهم في جو من الطمأنينة، بعيدًا عن مختلف المؤثرات في الدول المعتمدين لديها، وذلك فالمجتمع الدولي استحسن الأخذ بهذه النظرية، لأنها أكثر النظريات مسايرة لمنطق الأمور وأشملها وتتماشى مع الاتجاهات الحديثة في القانون الدولي المعاصر (عبد العاطي، 2007).

ووفقًا لهذه النظرية فإن مصلحة الوظيفة هي ما تقتضيه الوظيفة الدبلوماسية من ضرورة تأكيد وضمان حرية الاتصالات بين الدول المختلفة، فالمصلحة والرغبة في تسهيل الاتصال بين الدول المختلفة هو أساس الحصانات الدبلوماسية، وهذا لا يعني حصانة المبعوث الدبلوماسي المطلقة في كل الأوقات أو في كل العمليات التي يقوم بها، وإنما يلتزم المبعوث في كل الأوقات وفي كل أعماله، أن يراعي قواعد القانون الداخلي والنظام العام للدولة المستقبلة (راتب، 1965).

ومع ذلك فمن الصعوة بمكان تصور إرساء قواعد الحصانات على الأساس التمثيلي حتى ضمن الإطار العام لاتفاقية فيينا نفسها، فالنشاطات التجارية للدولة التي يمثلها الدبلوماسي غير محصنة ضد الدعاوى المدنية في محاكم الدولة المستقبلة، بينما يتمتع الدبلوماسي بالحصانة في الاختصاص المدني كقاعدة عامة، وبناء عليه فإن الرأي السائد اليوم في تبرير الحصانات الدبلوماسية يقوم على أساس متطلبات الوظيفة والضرورات العملية لضمان الأداء الفعال لوظائف البعثات الدبلوماسية (البكري، 1986).

  1. الحصانات القضائية للمبعوثين الدبلوماسيين:

في معرض الحديث حول الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي والتي نظمتها المعاهدات والمواثيق الدولية وخاصة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية في عام 1961م نجد أنها لم تكن على ذات الشكل الذي هي عليه الآن، وإنما تبلورت وتطورت وتم الاعتراف بها مع التطور والتقدم في النظام الدولي.

ولقد استقر العرف الدولي على منح حصانة خاصة للمبعوث الدبلوماسي تكفل للمبعوث عدد من الامتيازات التي تمنحه بدورها مساحة وافرة من الحرية تساعده في ممارسة مهامه الوظيفية على الوجه الأكمل في الدولة الموفد إليها، أما في دولته فإنه لا يتمتع بهذه الحصانات، ومن هذا المنطلق يعد المبعوث الدبلوماسي شخصية رسمية ذات مركز حساس بوصفه يمثل سيادة الدولة التي يعمل لحسابها؛ بالتالي فإن إي إجراء قضائي قد يتم في حقه يعد بمثابة الاعتداء على سيادة دولته وحرمتها (أبو ظهر، 2024).

وعليه فقد استقر العرف الدولي منذ القرن السابع عشر على عدم خضوع الدبلوماسيين للقضاء المحلى للدولة بشقيه الجنائي والمدني، وقد قام القضاء الإنجليزي بإقرار أن المبعوث الدبلوماسي المعتمد من قبل دولة أجنبية لا يخضع لأحكام القضاء الإنجليزي ولقد سارت فرنسا على نفس النهج، وجميع الدول الغربية الأخرى، وقد أقر الفقه الدولي أن الحصانة القضائية تعد من المسائل الجنائية للدبلوماسيين حيث إنه من غير الجائز أن يتم إخضاع الدبلوماسي لقضاء الدولة المعتمدين لديها مهما ارتكبوا من مخالفات تستوجب ايقاع العقوبة، وذلك بموجب معاقب القانون الجنائي للدولة المعتمد لديها (الشامي، 2007).

ولذلك يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانات القضائية العديدة والمتعددة داخل أقاليم الدول المستقلة، وتضمن هذه الممارسات القيام بالأعمال بالشكل والصورة الصحيحة، ومن هذه الحصانات جميع ما يتعلق بضمان حرمته الشخصية وحمايته من أي اعتداء من المحتمل أن يتعرض له المبعوث الدبلوماسي، وحقوق أخرى تتعلق بالحقوق الشخصية والحقوق المالية، التي تمنح احتراما له ولدولته، وهنالك حقوق ترتبط بالحصانات القضائية فيما يتعلق بالمنازعات التي قد تنشب بينه وبين الآخرين (الياسري، 2021).

كما أن البعثة الدبلوماسية وفق أحكام القانون الدولي تعد مرفق عام دولي، أي انها فرع يتبع الأصل تكمن غايته في ممارسة عدد من المهام والأعمال المنوط بها خارج إقليم الدولة، فتحظى البعثة الدبلوماسية بحصانة قضائية مطلقة تشمل جملة المسائل سواء كانت مسائل مدنية أو جنائية أو إدارية وذلك فيما يدخل ضمن أعمالهم ووظائفهم كافة، والمقررة لهم بموجب القانون الدبلوماسي إذ أن تمتعهم بهذه الحصانة يكون بموجب مقتضيات وظيفية وليس لذواتهم (عطايا، 2021).

وقد نصت المادة 31 من اتفاقية فيينا 1961 على أنه: يتمتع الممثل الدبلوماسي بالحصانة القضائية الجنائية في الدولة المعتمد لديها، ويتمتع أيضا بالحصانة القضائية المدنية والإدارية إلا إذا كان الأمر يتعلق بما يأتي:

  1. إذا كانت دعوى عينية منصبة على عقار خاص كائن في أراضي الدولة المعتمد لديها إلا إذا شغله الممثل الدبلوماسي لحساب دولته في خصوص أعمال البعثة.
  2. إذا كانت دعوى خاصة بميراث ويكون الممثل الدبلوماسي منفذا للوصية أو مديرا للتركة أو وارثا فيها أو موصى له بصفته الشخصية لا باسم الدولة المعتمدة.
  3. إذا كانت دعوى متعلقة بمهنة حرة أو نشاط تجاري -أيا كان- يقوم به الممثل الدبلوماسي في الدولة المعتمد لديها خارج نطاق أعماله الرسمية.

كما نصت المادة ذاتها على أنه: لا يجوز إجبار الممثل الدبلوماسي على الإدلاء بالشهادة، كما لا يجوز اتخاذ أي إجراء تنفيذي ضد الممثل الدبلوماسي إلا في الحالات المذكورة في الفقرات أ، ب، ج من البند السابق من هذه المادة، وعلى شرط إمكان إجراء التنفيذ بدون المساس بحرمة شخص الممثل أو بحرمة مسكنه. كذلك عدم خضوع الممثل الدبلوماسي لاختصاص قضاء الدولة المعتمد لديها لا يعفيه من الخضوع لقضاء الدولة المعتمدة.

وأجازت المادة (32) للدولة المعتمدة التنازل عن حصانة التنازل عن حصانة المبعوث الدبلوماسي بشرط أن يكون التنازل صريحًا في جميع الأحوال، كما منعت المبعوث الدبلوماسي إن أقام أية دعوى من الاحتجاج بالحصانة بعد ذلك بالنسبة لأي طلب عارض يتصل مباشرة بالطلب الأصلي، كما قررت أن التنازل عن الحصانة القضائية، بالنسب إلى أية دعوى مدنية أو إدارية لا ينطوي على أي تنازل عن الحصانة بالنسبة إلى تنفيذ الحكم، بل لابد في هذه الحالة الأخيرة من تنازل مستقل.

ويلاحظ باستقراء ذلك أن الحصانة القضائية لا تعني عدم الخضوع للقوانين المحلية، فالمفروض أن يحترم المبعوث الدبلوماسي لوائح وقوانين الدولة المعتمد لديها، أما إذا خالف هذه القوانين فعلي هذه الدولة لفت نظر دولته طالبة سحبه ومحاكمته، ولأصحاب الحق التقدم بالشكاوى لوزارة خارجية الدولة المعتمد لديها حتى تتخذ الإجراءات اللازمة، وقد تطالب الأخيرة برفع الحصانة عنه حتى تتمكن من تحقيق العدالة وقد تكتفي بطلب سحبه (راتب، 1965).

إذًا تعد الحصانة القضائية للمبعوث الدبلوماسي إحدى نتائج حرية التصرف التي يجب كفالتها للمبعوث الدبلوماسي تأكيدًا لمبدأ سيادة الدول المستقلة، وذلك حتى لا تتخذ الدول من قضائها ستارًا لمراقبة تصرفات مبعوثي الدول ذات السيادة، وتشمل الحصانة القضائية القضاء الجنائي والمدني والإداري وتغطي كل أعمال المبعوث الدبلوماسي.

وبالرغم من أن المبعوث يظل خاضعًا لقانون الدولة المعتمد لديها إلا أنها تؤدي فعلًا إلى حمايته من هذه القوانين، ذلك أن الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي ليست حصانة مطلقة، وإنما هي إعفاء مؤقت من القضاء الإقليمي للدولة المعتمد لديها، وللطرف المضار رفع الدعوى أمام محاكم الدولة التي يتبعها المبعوث وهو ما قد يستغرق إجراءات طويلة معقدة باهظة التكاليف، ويجري العرف على إعطاء الجهات المختصة في الدولة المعتمدة الحق في رفع الحصانة ونظر القضية أمام محاكم الدولة المعتمد لديها (راتب، 1965).

لكن هذه الحصانة القضائية لا تعني بحال من الأحوال ترك العنان مطلقًا للمبعوث لانتهاك قوانين الدولة المعتمد لديها وأنظمتها لأن هذه الحصانة سوف تتحول من وسيلة لحماية المبعوث الأجنبي إلى وسيلة لانتهاك حرمة الدولة وقوانينها وأنظمتها، وبالتالي فإن حصانة المبعوث القضائية لابد أن تكون في إطار احترام قوانين الدولة وأنظمتها وهذا ما أشارت إليه صراحة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961م في المادة (41) والتي تنص على أنه “دون إخلال بالمزايا والحصانات المقررة لهم، على الأشخاص الذين يستفيدون من هذه المزايا والحصانات واجب احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمد لديها كما أن عليهم واجب عدم التدخل في الشئون الداخلية لهذه الدولة”.

  • أولًا: الحصانة الجنائية:

والمراد بهذه الحصانة أنه في حالة ارتكاب المبعوث الدبلوماسي لجريمة ما، سواء ارتكبها بصفته الشخصية أو الرسمية، فلا يجوز القبض عليه ولا محاكمته أو إجباره على المثول أمام المحاكم بإدانته عن جريمة اتهم بارتكابها، وهذا الإعفاء مطلق لم يرد عليه أي استثناء كما دلت على ذلك المادة (31) من اتفاقية فيينا لعام 1961م، ويتمثل موقف الدولة المعتمد لديها في حالة ارتكاب المبعوث الدبلوماسي لأي جناية أو جريمة في إبلاغ دولته أنه شخص غير مرغوب فيه وتطلب من حكومته سحبه أو إنهاء مهمته (عبد العاطي، 2007).

والحصانة الجنائية للمبعوث هي حصانة مطلقة الأمر الذي يحظر على الدولة المعتمدة لديها البعثة وتحت أي ظرف أن تحاكمه أو تعاقبه بموجب قوانينها الداخلية إلا أن ذلك لا يمنعها من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع إلحاق الأذى بها أو تعريضها للخطر كأن تضعه تحت الحراسة أو تمنع اتصال الغير به حتى مغادرة إقليمها أو تعزز الاحتياطات الأمنية حول دار البعثة لمنع الاعتداء عليه أو أن تصدر الأوامر إليه بمغادرة الدولة خلال مدة معينة (الشكري، 2011).

أما إذا ارتكب المبعوث الدبلوماسي جريمة خطيرة بحيث تهدد أمن وسلامة الدولة فيحق للدولة المضيفة في مثل هذه الحالة استخدام كل الطرق الصارمة وحتى القوة، وتبرير هذه الإجراءات سند الدولة القانوني في المحافظة على أمنها وسيادتها من أي جهة تهددها. والواقع أن الدولة لا تلجأ إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات إلا في الأحوال الضرورية جدًا، وحتى في مثل هذه الأحوال فإنها تبتعد عن استخدام الوسائل التعسفية مع المبعوثين الدبلوماسيين (محمد، 1992).

ونظرًا لخطورة الآثار المترتبة على تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة أمام القضاء الجنائي على أمن الدولة المعتمدة لديها البعثة، فقد نادى جانب من الفقه بضرورة التمييز بين الأفعال المتصلة بوظائف المبعوث الرسمية والأفعال ذات الطبيعة الخاصة وقصر الإعفاء أمام القضاء الأجنبي على الأولى دون الثانية، لكن هذا الرأي لم يلق القبول لدى غالبية الفقه نظرًا لصعوبة التمييز أحيانًا كون الفعل يتصل بعمل المبعوث الرسمي أو أنه ذات طبيعة خاصة (الشكري، 2011).

  • ثانيًا: الحصانة المدنية والإدارية:

تعني الحصانة من القضاء المدني إعفاء المبعوث الدبلوماسي من جميع الدعاوي المدنية التي تقام ضده، فلا يجوز لمحاكم الدولة المعتمد لديها محاكمته عن كل دين أو منعه من مغادرة بلادها بسبب عد تسديده لديونه، ومصادرة أمتعته وما يملكه، ذلك أن إعفاء المبعوث الدبلوماسي من المثول أمام المحاكم يقوم على المبدأ الذي يقول إن تقييد حرية المبعوث الدبلوماسي يمنعه من القيام بواجبه، فضلًا عن احتمال حدوث مشاكل أثناء حضوره الأمر الذي قد يسبب انتهاكا لكرامته (محمد، 1992).

على أن المقصود بإعفاء الدبلوماسيين من القضاء المدني، بالمعنى الدقيق، هو ليس إعفاءه نهائيًا مما قد يترتب عليه من مسئوليات والتزامات تجاه الآخرين، وإنما عدم اتخاذ أي إجراء من قبل الدولة المعتمد لديها وإشعار حكومة دولته باتخاذ ما يلزم من إجراء، وعلى هذا الأساس توجد الكثير من الدول التي تسن قوانين خاصة توضح هذا الإعفاء وذلك لضمان حصانات الدبلوماسيين (زكي، 1968).

وقد نص مشروع لائحة الحصانات والامتيازات الدبلوماسية الذي أرقه مجمع القانون الدولي في كمبردج عام 1895م، نص على إعفاء المبعوثين الدبلوماسيين من الخضوع للقضاء المدني المحلي ومثل هذا النص ورد في اتفاقية هافانا عام 1928م وأخيرًا سجلت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية هذا المبدأ في المادة (31) منها أنه: يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالإعفاء من القضاء المدني والإداري، مالم يتعلق الأمر:

  1. بدعوى عينية متصلة بعقار خاص موجود في إقليم الدولة المعتمد لديها، مالم يكن المبعوث حائزًا للعقار لحساب حكومته ولأغراض البعثة.
  2. بدعوى متصلة بتركة يكون للمبعوث فيها مركز بوصفة منفذا للوصية، أو مديرًا للتركة، أو وارثًا، أو موصي إليه، وذلك بصفته الشخصية وليس باسم الدولة المعتمدة.
  3. بدعوى متصلة بمهنة حرة زاولها المبعوث أو بنشاط تجاري قام به في الدولة المعتمد لديها خارج نطاق مهامه الرسمية أيًا كانت هذه المهنة أو هذا النشاط.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن استثناء الدعوى العينية المتعلقة بعقار خاص من حصانة الممثل الدبلوماسي من الاختصاص المدني، وإمكان مقاضاته أمام المحاكم المدنية أو المحاكم الإدارية ذات الاختصاص المدني بسببه، يمكن أن يشمل المنزل الذي يملكه الدبلوماسي ويتخذه سكنًا له، وفي هذه الحالة يخضع المنزل لاختصاص المحاكم المدنية ويجوز سماع الدعوى العينية المتعلقة به أمام هذه المحاكم (البكري، 1986).

  • ثالثًا: الحصانة من إجراءات الشهادة أمام المحاكم:

على حد سواء مع كل الأشخاص، قد تقع الجريمة بحضور المبعوث الدبلوماسي أو قد يكون لدى الأخير معلومات تتعلق بالدعوى المعروضة أمام القضاء، وقد يكون المبعوث هو الشاهد الوحيد على الجريمة أو أن شهادته هي الحاسمة في القضية وأمام مثل هذه الاحتمالات يثار التساؤل بشأن مدى إمكانية مثول المبعوث أمام المحكمة للإدلاء بشهادته.

وفي هذا الصدد يعتبر إعفاء المبعوثين الدبلوماسيين من الإدلاء بالشهادة أمام المحاكم بدون اختياره أو موافقة حكومته جزءًا متممًا لحريته واستقلاله في عمله وليس مظهرًا من مظاهر الحصانة القضاء، وفي ذلك يرى علماء الحقول الدولية أن الممثل الدبلوماسي غير ملزم بالمثول أمام المحاكم الحقوقية أو الجزائية المحلية لأداء الشهادة، ويعفى أيضًا من هذا الواجب أفراد عائلته وحاشيته (زكي، 1968).

ويؤيد هذه الحصانة اتفاقية هافانا (1928) حيث تنص مادتها الحادية والعشرون أن من حق المبعوثين الدبلوماسيين الذين يتمتعون بالحصانة القضائية رفض الإدلاء بالشهادة أمام المحاكم الإقليمية. وتنص المادة (17) من مقررات معهد الحقوق الدولية كذلك على أنه: يحق للأشخاص الذين يتمتعون بالحصانة القضائية أن يرفضوا المثول أمام المحاكم لأداء الشهادة ما لم تطلب منهم بالطرق الدبلوماسية فيؤدونها في دار البعثة الدبلوماسية أمام قاض منتدب لهذه الغاية. أما اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م وهي الاتفاقية الأخيرة التي لا تزال تعمل بها الدول فقد أقرت هذا الحق الذي جاء في مادتها 31/2 ما يلي: يتمتع الممثل الدبلوماسي بالإعفاء من أداء الشهادة.

  1. حصانة مقر البعثة الدبلوماسية:

يقتضي طبيعة التمثيل الدبلوماسي الدائم، أن يكون للبعثة مقر خاص دائم في إقليم الدولة المعتدة لديها تمارس فيه مهام عملها المعتادة والمنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية الجماعية منها والثنائية، فتجري منه اتصالاتها بالمسؤولين أو البعثات الأجنبية العاملة فيها، وتستقبل فيه الوفود الأجنبية القادمة لزيارتها أو لتقديم التهاني والتعازي للدولة في المناسبات الوطنية أو في حالة إصابة الدولة ومسؤولها بمكروه أو نائبه، وتجري فيه مفاوضاتها مع البعثات الأجنبية، وبصفة عامة تجري البعثة أعمالها المعتادة في مقرها.

وقد جرى العمل ومنذ بدأ التمثيل الدبلوماسي بين الدول، على تمتع مقر البعثة الدبلوماسية بالحصانة احترامًا لسيادة الدولة التي تمثلها وضمانًا لأداء البعثة عملها بصورة مستقلة، ويمتد مقر البعثة الذي يتمتع بالحصانة إلى كافة الأماكن والمباني التي تشغلها البعثة من الناحية الواقعية والرسمية المملوكة لها أو للدولة المضيفة، أو المستأجرة من رعاياها، فتمتد الحصانة إلى مقر عملها الرسمي والحدائق المحيطة بها والأماكن المخصصة لسياراتها ومحال إقامة الحرس المكلفين بالحماية والحراسة (الشكري، 2011).

وفي ضوء أحكام اتفاقية فيننا لعام 1961م نصت الفقرات 22 و30 على حصانة مقرات البعثة الدبلوماسية سواء كانت مملوكة أو مستأجرة، وبما يشمل الحصانة التي تهدف إلى ضمان الأداء الفعال لوظائف البعثة، وتأمين استقلال عمل الموظفين الدبلوماسيين، واحترام سيادة الدولة المعتمدة بالرجوع لأحكام اتفاقية فيينا، كما تفرض الاتفاقية على الدولة المستقبلة، توفير حماية خاصة واتخاذ التدابير اللازمة بغية منع التعرض لهذه المقرات الدبلوماسية بالسوء أو التخريب (إبراهيم، 2007).

وقد ثار جدول حول مدى حصانة المقرات، هل هي حصانة مطلقة أو مقيدة ونسبية، ومن الواضح أن ظاهر المادة 22 من اتفاقية فيينا أنها حصانة مطلقة حيث لم يرد استثناء يخول الدولة المعتمد لديها دخول مقر البعثة، كحالات الطوارئ مثل وجود حريق أو وجود مؤامرة تهدد أمن وسلامة الدولة المعتمد لديها، والظاهر أنه أريد منح أكبر قدر ممكن من الحماية لمقرات البعثة الدبلوماسية لقطع دابر أي احتمال لاستغلال حالات الطوارئ كحجة لخرق حرمة البعثة من قبل سلطات الدولة المعتمد لديها (الحضيري، 2020).

يفهم من ذلك أن دار البعثة الدبلوماسية وجميع دوائرها ومبانيها أيًا كان موقعها مصونة، فلا يجوز لمأموري الدولة المعتمدة لديها البعثة مهما كانت صفتهم دخولها دون موافقة رئيس البعثة، والدولة المستقبلة ملزمة باتخاذ جميع الإجراءات المناسبة لحماية مباني البعثة ضد أي تدخل أو ضرر، وعليها أن تمنع أي ممارسات من شأنها الإخلال بأمن البعثة أو النيل من كرامتها.

ويتعلق بحرمة البعثة عدم جواز التبليغ بالمحاضر القضائية المدنية أو الجنائية، أو بأوامر الاستدعاء أو المثول أمام المحاكم أو الدوائر الأخرى حتى بواسطة البريد، ولا يجوز دخول “المحضر” لمقر السفارة أو دوائرها أو الأرض التابعة لها للقيام بالتبليغ، ولا يستثنى من هذا المنع تبليغ مواطني الدولة المستقبلة الذين يصادف وجودهم في مقر البعثة أو الذين يعملون فيها كموظفين محليين أو إداريين أو فنيين أو عمال أو خدم (البكري، 1986).

  1. حصانة محفوظات البعثة الدبلوماسية:

يقصد بمحفوظات البعثة الدبلوماسية، جميع وثائق البعثة الدبلوماسية سواء أكانت مكتوبة أم مسجلة أم مصورة في شكل صور أو أفلام، وكذلك جميع كتبها وسجلاتها ومعدات التشفير والترميز وفهارس البطاقات، وكل قطعة من الأثاث المعد لحفظ هذه الأشياء أو المحافظة عليها.

أما حصانة المحفوظات الدبلوماسية فهي نوع من الحماية القانونية والسياسية والتي تضمن سرية المحفوظات الخاصة بالبعثة الدبلوماسية، وتضمن كذلك عدم المساس بها أو الاطلاع عليها أو كشف سريتها، ومنذ البدء بنظام التمثيل الدبلوماسي بين الدول، جرى العمل على منح البعثات الدبلوماسية بعض الامتيازات الخاصة التي تتصل بعملها، تمكينا لها من إنجاز المهام المسندة إليها، ومن ضمن تلك الامتيازات حق البعثة الدبلوماسية بحماية أسرار دولتها، ومن أهم تلك الأسرار المحاطة بسياج مدعوم بحصانة غير قابلة للمس ما يسمى بالمحفوظات الدبلوماسية (العنزي، 2021).

وقد رتب القانون الدولي العرفي امتيازات وحصانات لهذه المحفوظات، وأكد على حرمتها، وكذلك أكد بعض فقه القانون الدولي على هذه الحصانة، ثم جاءت اتفاقية هافانا للعلاقات الدبلوماسية عام 1928 في نص المادة (14 – د)، لتؤكد على أن «تصان حرمة الممثلين الدبلوماسيين في أشخاصهم وممتلكاتهم ومقرهم الخاص أو الرسمي، ومن بين هذه الحرمة الوثائق والمحفوظات والمراسلات المتعلقة بالبعثة».

كما تم التأكيد على أهمية حرمة المحفوظات الدبلوماسية بأي مكان توجد فيه، في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م، ففي نص المادة (24) أكدت على أن «تكون حرمة محفوظات البعثة ووثائقها مصونة دائماً أياً كان مكانها»، وفي اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963م، نصت المادة (33)، على أن «تصان حرمة المحفوظات والوثائق القنصلية في جميع الأوقات وأياً كان مكانها»، بالإضافة إلى اتفاقيات البعثات الدبلوماسية الخاصة لعام 1969م، وكذلك مشروع لجنة القانون الدولي لعام 1989م.

مما يعني أن لمحفوظات البعثة الدبلوماسية ووثائقها وأوراقها الرسمية حرمة إذ لا يجوز تفتيشها أو مصادرتها أو التعرض لها مهما كانت الأسباب والذرائع. كما يجب على رئيس البعثة اتخاذ جميع تدابير الحيطة والحذر للحيلولة دون معرفة أسرار هذه المحفوظات والوثائق وكشف محتوياتها (العنزي، 2021).

  1. الحصانة الدبلوماسية والإعفاءات المالية:

نصت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م على إعفاء الممثل الدبلوماسي من جميع الضرائب والرسوم الشخصية والعينية والوطنية والإقليمية والبلدية باستثناء:

  • الضرائب غير المباشرة التي يشتمل عليها بشكل طبيعي سعر البضائع أو الخدمات.
  • الضرائب والرسوم على العلاقات الخاصة الكائنة في إقليم الدولة المعتمدة لديها ما لم يكن المبعوث الدبلوماسي يحوزها لحساب الدولة المعتمدة لأغراض البعثة.
  • ضرائب التركات المستحقة للدولة المعتمد لديها.
  • الضرائب والرسوم على الإيرادات الخاصة التي يكون مصدرها في الدولة المعتمد لديها والضرائب على رأس المال التي تعرض على الأموال المستخدمة في مشروعات تجارية في الدولة المعتمد لديها.
  • الضرائب والرسوم التي تحصل مقابل خدمات خاصة.
  • رسوم التسجيل والقيد والرهن والدمغة بالنسبة للأموال العقارية.

ووفقًا لنص المادة (35) من ذات الاتفاقية فإنه على الدولة المعتمد لديها إعفاء المبعوثين الدبلوماسيين من كل تكليف شخصي ومن كل خدمة عامة أيا كانت طبيعتها ومن الأعباء العسكرية كالاستيلاء والمساهمة في إسكان العسكريين.

كما تنص المادة (36) على منح الدولة المعتمد لديها، وفقا للأحكام التشريعية والتنظيمية التي تأخذ بها، الدخول والإعفاء من الرسوم والعوائد الجمركية وغيرها من المستحقات المتصلة بها خلاف مصاريف الإيداع والنقل والمصروفات المقابلة لخدمات مماثلة بالنسبة:

  1. للأشياء المخصصة للاستعمال الشخصي للبعثة.
  2. للأشياء المخصصة للاستعمال الشخصي للمبعوث الدبلوماسي أو لأفراد أسرته الذين يقيمون معه في معيشة واحدة، بما فيها الأشياء المعدة لإقامته.

الحقيبة الدبلوماسية:

تحظى الحقيبة الدبلوماسية في الأعراف والتشريعات الدولية بمكانة رفيعة، حيث إنها تدخل في دائرة الحصانة، فلا يجوز تفتشيها، أو حجزها في المنافذ البرية والبحرية والجوية.

ويقصد بالحقيبة الدبلوماسية الطرد أو مجموعة الطرود التي تحتوي على المراسلات الرسمية والوثائق والأشياء الأخرى المخصصة فقط للاستعمال الرسمي للبعثة الدبلوماسية، وقد يتم إرسال الحقيبة الدبلوماسية عبر البريد أو من خلال أية وسيلة اتصال أخرى، وقد ترسل مع شخص يخصص لحملها يسمى حينئذ حامل الحقيبة أو الرسول الدبلوماسي (يوسف، 2009).

وتتمتع الحقيبة الدبلوماسية وفقًا للأحكام الواردة في المادة 27/3 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م بالحرمة والحصانة حيث لا يجوز فتحها أو حجزها، ولكن هل تتمتع الحقيقة الدبلوماسية بالحرمة والحصانة في حالة وجود أدلة قاطعة تبرهن على عدم مشروعية محتواها؟ لم تتطرق اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية صراحة لهذا الموضوع، واكتفت بالنص في فقرتين متعاقبتين من المادة 27 منها على عدم جواز فتح الحقيبة الدبلوماسية أو حجزها، وعلى ضرورة مشروعية محتواها دون أن تقيم تلازمًا بينهما، وهو الأمر الذي شجع على ظهور اجتهادات فقهية مختلفة حول هذه القضية.

ويجب أن تحمل الطرود التي تتألف منها الحقيبة الدبلوماسية علامات خارجية ظاهرة تبين طبيعتها ولا يجوز أن تحتوي إلا على الوثائق الدبلوماسية والمواد المعدة للاستعمال الرسمي، وتقوم الدولة المعتمدة لديها بحماية الرسول الدبلوماسي أثناء قيامه بوظيفته، على أن يكون مزودًا بوثيقة رسمية تبين مركزه وعدد الطرد التي تتألف منها الحقيبة الدبلوماسية ويتمتع شخصه بالحصانة، ولا يجوز إخضاعه لأية صورة من صور القبض أو الاعتقال (السامرائي، 2014).

مدة التمتع بالحصانة والامتيازات الدبلوماسية:

تبدأ المزايا والحصانات من حيث الزمان بابتداء عمل المبعوث الدبلوماسي وتنتهي بانتهائه، فالحصانة تبدأ من تاريخ دخوله الدولة التي سيعمل فيها الممثل الدبلوماسي وليس من تاريخ تقديم أوراق اعتماده، وفي ذلك نصت المادة 39 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م على ما يأتي:

  1. كل شخص له الحق في المزايا والحصانات يستفيد منها منذ دخوله أرض الدولة المعتمد لديها لشغل مركزه، وفي حالة وجوده أصلا في هذه الدولة منذ إبلاغ تعيينه إلى وزارة خارجيتها أو إلى أية وزارة أخرى متفق عليها.
  2. إذا انتهت مهام أحد الأشخاص المستفيدين من المزايا والحصانات، توقف طبيعيا هذه المزايا والحصانات في اللحظة التي يغادر فيها هذا الشخص البلاد أو بانقضاء أجل معقول يمنح له لهذا الغرض لكنها تستمر حتى ذلك الوقت حتى في حالة النزاع المسلح، ومع ذلك فتستمر الحصانة بالنسبة للأعمال التي يقوم بها هذا الشخص أثناء مباشرة مهامه كعضو في البعثة.
  3. في حالة وفاة أحد أعضاء البعثة، يستمر أفراد أسرته في التمتع بالمزايا والحصانات التي يستفيدون منها حتى انقضاء أجل معقول يسمح لهم بمغادرة أرض الدولة المعتمد لديها.
  4. في حالة وفاة أحد أعضاء البعثة ممن ليسوا من جنسية الدولة المعتمد لديها وليست لهم بها إقامة دائمة أو وفاة أحد أفراد أسرته المقيمين معه في معيشة واحدة تسمح الدولة المعتمد لديها بسحب الأموال المنقولة للمتوفى، باستثناء تلك التي يكون قد حصل عليها في تلك الدولة وتلك التي يكون تصديرها محظورًا في وقت الوفاة وتحصل ضرائب أيلولة على الأموال المنقولة التي يكون سبب وجودها الوحيد في الدولة المعتمد لديها وجود المتوفي بهذه الدولة كعضو في البعثة أو كفرد من أفراد أسرة عضو البعثة.

الفصل الثاني

المنهجية ودراسة الحالة

أولًا: المنهجية:

اقتضت طبيعة البحث الاستعانة بالمنهج الوصفي التحليلي وذلك لوصف وقائع الظاهرة المدروسة بدقة والدخول في تفاصيلها الجزئية الدقيقة بشكل يمكننا من التنبؤ والوقوف على النتائج الصحية، وذلك من خلال استخدام نظريات علمية ثابتة بهدف حل المشكلة البحثية والوصول إلى نتائج دقيقة وصحيحة وواقعية وذات أهمية في ترسيخ المعلومة في ذهن القارئ؛ لبيان ماهية الدبلوماسية ومراحل تطورها خلال العصور التاريخية المختلفة، مع استعراض ديناميكيات تطور الدبلوماسية العامة موضوعيًا والتعرف على أبرز مساراتها المعاصرة والكشف عن أبرز مهام ووظائف وحصانات وامتيازات البعثات الدبلوماسية.

ثانيًا: دراسة الحالة:

تناولها في هذا البحث دراسة الدبلوماسية كحالة سياسية علاقاتية في الفضاء الدولي وفي علاقات الأمم والشعوب والمجتمعات بعضها ببعض في ضوء التطورات المفاهيمية والمسارات المتعددة التي اتخذتها الدبلوماسية في الواقع المعاصر انطلاقًا من كون الدبلوماسية في مظاهرها المختلفة وشكلها التاريخي تهدف أساسًا إلى التوفيق فيما بين المصالح المتعارضة، وكذا إلى خدمة المصالح البشرية بالطرق السلمية وتجنب التوتر والسعي نحو تحقيقه، ولذلك برزت قضية مهام البعثات الدبلوماسية ووظائفها وتعدد مساراتها في ضوء هذه المعطيات والتعقيدات في العصر الحديث.

ولقد أدت التحولات التي شهدها المجتمع الدولي في الأعوام الأخيرة من التقدم والتطور في مجال العلم والتكنولوجيا ووسائل النقل والمواصلات والاتصالات إلى ظهور العديد من الفاعلين غير الحكوميين كالمنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية، ووسائل الإعلام، والرأي العام، والمجتمع المدني، والمؤسسات الدينية والثقافية، ومراكز البحث والتطوير، الذي أصبح لهم دوراً وتأثيرًا بالغًا في رسم وتيسير الشؤون الدولية، وتزايد هذا التأثير والدور إلى حد أصبح يشكل دبلوماسيات جديدة متعددة الأطر والمسارات تسير جنباً إلى جنب مع الدبلوماسية التقليدية.

ولذلك تطورت الدبلوماسية العامة موضوعيًا ولم يعد هناك اكتفاء بالطريقة التقليدية للدبلوماسية، بل وقد تم اتخاذ مسالك ومسارات أخرى فيما يطلق عليه “دبلوماسية المسارات المتعددة” فلم تعد الدبلوماسية حبيسة التعاريف القديمة، المتمثلة في الاتصالات وجمع المعلومات فحسب، بل تحولت الى عامل مؤثر في رسم الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإقامة العلاقات بين الدول على أسس جديدة من حيث الأولويات والأهداف تضمن مصالح كل منها.

الفصل الثالث

النتائج والتوصيات

النتائج:

نستعرض في خاتمة هذا البحث عرضًا تفصيليًا للنتائج التي خلص إليها البحث، والذي سعى إلى تسليط الضوء على ماهية الدبلوماسية والدبلوماسي والوقوف على أبرز السمات والشروط الواجب توافرها في العاملين بالحقل الدبلوماسي، التعرف على مراحل تطور الدبلوماسية خلال العصور التاريخية المختلفة، وكذلك استعراض ديناميكيات تطور الدبلوماسية العامة موضوعيًا والتعرف على أبرز مساراتها المعاصرة، والكشف عن أبرز مهام ووظائف البعثات الدبلوماسية، وأخيرًا عرض الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، وقد خلص البحث إلى النتائج الهامة التالية:

  • الدبلوماسية كممارسة ونظرية عرفت تغيًرا كبيرًا واكبت به تطور الحضارات المختلفة منذ العصور القديمة إلى وقتنا الحاضر، فهي نشأت استجابة لضرورة تنظيم العلاقات بين القبائل والشعوب، هذا ما أكدته المآثر التاريخية في الحضارات الفرعونية والسومرية والأكادية والأشورية والحيثية والفينيقية والآرامية والكنعانية والهندية والصينية.
  • تطورت الدبلوماسية كمهنة نقل الرسائل، ومرت في بداياتها بعصر الإمبراطوريات الكبرى في أوروبا، ثم دخلت عصر الدولة الوطنية، وعايشت التوسع الهائل في عدد الدول التي تتبادل البعثات الدبلوماسية في العالم، وتعددت الحاجات وتوسعت شبكة الاتصالات بين دول العالم فتعددت المهام التي يتعين على الدبلوماسي القيام بها، وأخذت الدبلوماسية بالتدريج الطابع الشمولي.
  • تشمل الدبلوماسية دراسة العلاقات السياسية والقانونية بين الدول. والغرض منها هو التخفيف من حدة الصراعات بين المواقف الأولية المتعارضة للأطراف في المفاوضات بأكبر قدر ممكن من اللباقة.
  • ينظر للدبلوماسية باعتبارها مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين، بهدف خدمة المصالح العليا والسياسات العامة، وللتوثيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل، وإجراء المفاوضات السياسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية.
  • تطورت الدبلوماسية العامة الشمولية موضوعيًا ولم يعد هناك اكتفاء بالطريقة التقليدية للدبلوماسية، بل وقد تم اتخاذ مسالك ومسارات أخرى فيما يطلق عليه “دبلوماسية المسارات المتعددة” فلم تعد الدبلوماسية حبيسة التعاريف القديمة، المتمثلة في الاتصالات وجمع المعلومات فحسب، بل تحولت الى عامل مؤثر في رسم الخيارات السياسية والشعبية والعسكرية والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية.
  • يستخلص من تحليل السمات والشروط التي يفترض توافرها في العاملين بالحقل الدبلوماسي أن منها ما يتعلق بصحة الجسم، وما يتعلق بالقيافة وحسن الهندام، وما يتعلق بحسن النطق وسلامة الأداء، فيستحب في الدبلوماسي أن يكون صحيح الفكرة والمزاج ذا بيان وعبارة، بصيرًا بمخارج الكلام ووجوهه، صدوق اللهجة، جميل المظهر فطبيعة السفارة وأغراضها بوصفها وظيفة رسمية تعنى بالشكليات المتعارف عليها والمراسيم النابعة من العرف والتقاليد السائدة.
  • تشكل الحصانات والامتيازات الدبلوماسية أهم ركائز العلاقات الدولية، حيث تهدف إلى تأمين أداء البعثات الدبلوماسية لوظائفها على أكمل وجه وذلك من خلال إدارة الشؤون الخارجية للدول وتعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى على أساس المساواة وحفظ السلم والأمن الدوليين، وتتمثل هذه الحصانات في حصانات مقررة لأفراد البعثة الدبلوماسية وحصانات مقررة لمقر البعثة الدبلوماسية وحصانات مقررة لمحفوظات البعثة.
  • استقر العرف الدولي على منح حصانة قضائية خاصة للمبعوث الدبلوماسي تكفل للمبعوث عدد من الامتيازات التي تمنحه بدورها مساحة وافرة من الحرية تساعده في ممارسة مهامه الوظيفية على الوجه الأكمل في الدولة الموفد إليها، ومن هذا المنطلق يعد المبعوث الدبلوماسي شخصية رسمية ذات مركز حساس بوصفه يمثل سيادة الدولة التي يعمل لحسابها؛ بالتالي فإن إي إجراء قضائي قد يتم في حقه يعد بمثابة الاعتداء على سيادة دولته وحرمتها.
  • يتمتع مقر البعثة الدبلوماسية بالحصانة احترامًا لسيادة الدولة التي تمثلها وضمانًا لأداء البعثة عملها بصورة مستقلة، ويمتد مقر البعثة الذي يتمتع بالحصانة إلى كافة الأماكن والمباني التي تشغلها البعثة من الناحية الواقعية والرسمية المملوكة لها أو للدولة المضيفة، أو المستأجرة من رعاياها.
  • لمحفوظات البعثة الدبلوماسية ووثائقها وأوراقها الرسمية حرمة إذ لا يجوز تفتيشها أو مصادرتها أو التعرض لها مهما كانت الأسباب والذرائع. كما يجب على رئيس البعثة اتخاذ جميع تدابير الحيطة والحذر للحيلولة دون معرفة أسرار هذه المحفوظات والوثائق وكشف محتوياتها.
  • تبدأ المزايا والحصانات من حيث الزمان بابتداء عمل المبعوث الدبلوماسي وتنتهي بانتهائه، فالحصانة تبدأ من تاريخ دخوله الدولة التي سيعمل فيها الممثل الدبلوماسي وليس من تاريخ تقديم أوراق اعتماده.

التوصيات:

في ضوء هذه النتائج التي خلص إليها هذا البحث نقدم التوصيات التالية:

  • ضرورة اهتمام الدول بطبيعة تشكيل وفود البعثات الدبلوماسية والوفود التفاوضية لديها، بما يتناسب مع طبيعة الأزمات المحلية والإقليمية والدولية، وتسليحهم بالمعرفة وصقلهم بالمهارات والحنكة لكي يكونوا مستعدين لمواجهة كافة الأزمات والتحديات.
  • ضرورة تبني الدول العربية لنظام دبلوماسي مشترك يستمد قواعده ومقوماته من طبيعة النظام العربي الإسلامي بحيث يكون أكثر ملائمة وانسجامًا ويكون له تأثير في معترك القانون الدولي الدبلوماسي.
  • إعادة النظر في الاتفاقيات الدولية الدبلوماسية التي تنظم قانون العلاقات الدبلوماسية وذلك لتخلفها عن مسايرة التطور الحضاري للدول في ضوء العلاقات الدولية المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بحصانات البعثات الدبلوماسية.
  • صياغة أنماط متجددة في العلاقات الدولية في ضوء التطور المتسارع في البيئة الدولية في عالم يزداد تعقيدًا وبما يحتم على الدول استجابة متوافقة مع التغيرات السريعة من أجل تحقيق أهدافها وسياساتها الخارجية على أكمل وجه.
  • اهتمام الدول بتقنين تشريعات الحصانة القضائية للمبعوثين الدبلوماسيين في ضوء نظام قانوني مستقل، ينعكس بالإيجاب على كلًا من الدولة الموفدة والدولة الموفد إليها.
  • ضرورة النص صراحة في اتفاقيات القانون الدولي الدبلوماسي على إلزام الدولة الموفدة بتقديم مبعوثيها الدبلوماسيين للمحاكمة، والذين تثبت إساءتهم للحصانة الممنوحة للمحفوظات الدبلوماسية التي بحوزتهم، وذلك بارتكابهم أعمالاً تخالف قوانين الدولة المستقبلة ولوائحها وسلامة أمنها.
  • ضرورة إعادة النظر في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المبرمة عام1961م، حيث مر عليها أكثر من ستين عام حدثت خلالها مستجدات ومتغيرات تستدعي التعامل معها حتى لا يحكم على القانون الدولي بأنه منعزل عن الواقع وغير قادر على مجاراة ما يطرأ عليه من تطورات وأحداث.

قائمة المصادر والمراجع

أولًا: المراجع العربية:

إبراهيم، رعد عبد الملك (2007)، “الحصانة الدبلوماسية امتياز قاطع أم شكلية براغماتية”، مجلة الدبلوماسي بمعهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، العدد36، المملكة العربية السعودية.

أبو جابر، ريفيلسيا فيصل (2024)، ” المراحل التاريخية لتطور الدبلوماسية”، المجلة العصرية للدراسات القانونية، المجلد2، العدد2، فلسطين.

أبو ظهر، وجدان محمد (2024)، “الحصانة القضائية للمبعوث الدبلوماسي”، المجلة العربية للنشر العلمي، المجلد7، العدد67، الأردن.

أبو هيف، علي صادق (1962)، “القانون الدبلوماسي والقنصلي”، الطبعة1، منشأة المعارف، جمهورية مصر العربية.

أحمد، هوشنك صابر (2011)، “الدبلوماسية والأمن”، رسالة ماجستير، عمادة الدراسات العليا، جامعة مؤتة، الأردن.

اخميس، حنان (2019)، “تاريخ الدبلوماسية”، ط1، الأكاديمية العربية، الدنمارك.

إسماعيل، ماجد محمد طه (2016)، “الدبلوماسية الشعبية ودراسة في التراث العلمي للمفهوم والأساليب الإتصالية المستخدمة”، حوليات آداب عين شمس، المجلد44، جمهورية مصر العربية.

بخيت، عادل النيل إبراهيم (2015)، “دور الدبلوماسية الشعبية في نشر ثقافة السلام: دراسة حالة مجلس الصداقة الشعبية بالسودان: 2007- 2012م”، رسالة دكتوراه، معهد بحوث ودراسات العالم الإسلامي، جامعة أم درمان الإسلامية، السودان.

بسعود، حليمة (2022)، “الدبلوماسية الاقتصادية: الأبعاد المفاهيمية والتطبيقية”، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، جامعة زيان عاشور بالجلفة، المجلد15، العدد1، الجزائر.

بغورة، صبحة (2012)، “تواكب التطورات في العلاقات الدولية: الدبلوماسية البرلمانية”، مجلة الدبلوماسي، معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، العدد59، المملكة العربية السعودية.

البكري، عدنان (1986)، “العلاقات الدبلوماسية والقنصلية”، الطبعة1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان.

بلخيرات، حوسين (2019)، “الفعالية الدبلوماسية: نموذج نظري مقترح على ضوء تحليل توجهات الدبلوماسية الجزائرية في القارة الإفريقية”، مجلة العلوم القانونية والاجتماعية، جامعة زيان عاشور بالجلفة، المجلد4، العدد4، الجزائر.

بن عمر، رياض، (2022)، ” دور الدبلوماسية الثقافية في تهجين الفن التشكيلي الإماراتي بين الهوية والعولمة”، المجلة الأردنية للفنون، المجلد15، العدد1، الأردن.

بنبراهيم، آمال (2020)، “الدبلوماسية الاقتصادية: بين الدبلوماسية القسرية والقوة الناعمة”، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية.

بوغالم، إلياس، مزانى، راضية ياسينة (2022)، ” الدبلوماسية الاقتصادية: أداة جديدة في السياسة الاقتصادية الدولية المعاصرة”، مجلة الفكر القانوني والسياسي، جامعة عمار ثليجي الاغواط، المجلد6، العدد1، الجزائر.

الجار الله، أحمد (2015)، “الوسائل الدبلوماسية: خطوة هامة نحو تسوية المنازعات والخلافات الدولية التي تنشب بعيدا عن استخدام القوة”، مجلة الدبلوماسي، معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، العدد82، المملكة العربية السعودية.

جبار، خليل إبراهيم (2012)، ” دور الدبلوماسية الثقافية العراقية في الحفاظ على التراث دراسة قانونية”، مجلة مركز دراسات الكوفة، المجلد7، العدد24، العراق.

الجبوري، قحطان عدنان أحمد، كريم، إيلاف نجاة (2024)، ” الدبلوماسية التقليدية والدبلوماسية المتعددة المسارات”، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، جامعة كركوك، المجلد13، العدد49، العراق،

جمال الدين، هبة (2019)، “الدبلوماسية الروحية: مسار جديد ومخاطر كامنة وسياسات بديلة لصانع القرار”، مجلة مستقبل التربية العربية، المجلد26، العدد116، جمهورية مصر العربية.

جوابي، مراد (2024)، “الدبلوماسية العسكرية”، مجلة المفكر، جامعة محمد خيضر بسكرة، المجلد19، العدد1، الجزائر.

حسن، الحارث عبد الحميد (2005)، “الإعداد النفسي للسياسي الجيد”، مجلة الدبلوماسي بمعهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، العدد22، المملكة العربية السعودية.

حسن، علي عباس (2020)، “الجذور التاريخية للدبلوماسية”، ط1، مركز البيان للدراسات والتخطيط، العراق.

الحضيري، وليد المختار السني (2020)، “الحصانات والامتيازات الدبلوماسية في الفقه الإسلامي والقانون الدولي”، مجلة العلوم الإنسانية والتطبيقية، المجلد8، العدد15، ليبيا.

الحلوي، ثريا محمد (2020)، ” الدبلوماسية الرقمية: مدخل جديد لإدارة السياسة الخارجية”، مجلة جامعة الزيتونة، العدد35، ليبيا.

خداوي، محمد (2020)، ” مدخل إلى الدبلوماسية الجزء الثاني: الإطار القانوني والمؤسسي للنشاط الدبلوماسي”، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الدكتور مولاي الطاهر سعيدة، الجزائر.

خضير، محمد عبد القادر محمد (2024)، ” البعثات الدبلوماسية ووظائفها”، مجلة التواصل بجامعة عدن، العدد49، اليمن.

خلف، محمود (2012)، ” وظائف البعثة الدبلوماسية الدائمة في النظرية والممارسة”، المجلة الأردنية للعلوم التطبيقية، المجلد14، العدد1، الأردن.

خلف، محمود (2014)، “النظرية والممارسة الدبلوماسية”، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان.

الدرسوني، فهد بن ناصر (2019)، “الاستراتيجيات الدبلوماسية”، مجلة الدبلوماسي، معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، العدد94، المملكة العربية السعودية.

الدرسوني، فهد بن ناصر (2019)، “الدبلوماسية البرلمانية: فلسفة تقييم الأداء وكاريزما الإقناع والتأثير”، مجلة الدراسات الدولية بمعهد الأمير سعود الفيصل للدراسات، العدد29، المملكة العربية السعودية.

دكير، محمد تهامي (2023)، ” الدبلوماسية الحضارية: قراءات متقاطعة”، منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث، السنة 30، العدد199، المغرب.

راتب، عائشة (1965)، ” الحصانة القضائية للمبعوثين الدبلوماسيين”، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد21، جمهورية مصر العربية.

الريس، نجاح عبد الفتاح (2014)، “الدبلوماسية الوقائية: المفاهيم والتطبيقات”، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد70، جمهورية مصر العربية.

زكي، فاضل (1968)، “الدبلوماسية في النظرية والتطبيق”، الطبعة2، مطابع دار الجمهورية، العراق.

السامرائي، شفيق عبد الرازق (2014)، “الدبلوماسية”، الطبعة1، الجامعة المفتوحة، طرابلس.

سعد، وصيف غدير إبراهيم؛ عبد المجيد، تومي (2024)، “تبادل البعثات الدبلوماسية دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون الدولي”، رسالة ماجستير، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي، الجزائر.

سعيدي، يحيى (2014)، “الوظيفة الدبلوماسية ودورها في تفعيل العلاقات الدولية”، مجلة كلية العلوم الإسلامية الصراط، السنة4، العدد9، الجزائر.

سليمان، عبدالباري حمدان (2019)، ” التمثيل الدبلوماسي في الفقه الإسلامي”، مجلة كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، العدد124، مصر.

السنيدار، عصام أحمد علي (2001)، “البعثة الدبلوماسية بين الحصانة ومقتضيات الأمن الوطني”، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، الأردن.

الشامي، علي حسين (2007)، “الدبلوماسية نشأتها وتطورها وقواعدها ونظام الحصانات والامتيازات الدبلوماسية”، الطبعة3، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن.

الشكري، علي يوسف (2011)، “الدبلوماسية في عالم متغير”، الطبعة1، مؤسسة دار الصادق الثقافية للطباعة والنشر والتوزيع، العراق.

شلبي، السيد أمين (2009)، ” في بناء الدبلوماسي العربي”، مجلة شؤون عربية، العدد139، مصر.

الشيخ، الباقر بدوي عمر، عبد القادر، صديق مهدي عبد الرحمن (2023)، “المعارض المتنقلة ودورها في تنشيط السياحة والدبلوماسية الشعبية”، مجلة القلزم للدراسات الآثارية والسياحية، مركز بحوث ودراسات دول حوض البحر الأحمر وجامعة شندي، العدد11، السودان.

عبد الحافظ، محمود عزت (2022)، “الدبلوماسية البرلمانية للمجلس الوطني الاتحادي الإماراتي: الدور والممارسة”، العدد175، مركز الخليج للأبحاث، المملكة العربية السعودية.

عبد الخالق، محسن (1985)، ” الدبلوماسي: صفاته ومصادر معلوماته”، مجلة الدبلوماسي بمعهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، العدد5، المملكة العربية السعودية.

عبد الرازق، هبة محمد شفيق (2021)، “خطاب الدبلوماسية الشعبية الفلسطينية عبر “تويتر” في مواجهة خطاب التلاعب السياسي: دراسة حالة للعدوان الإسرائيلي على غزة 2021″، مجلة البحوث الإعلامية، جامعة الأزهر، العدد59، الجزء3، جمهورية مصر العربية.

عبد العاطي، حسن الباتع محمد (2007)، ” الحصانة الدبلوماسية في ميزان العدل”، مجلة الدبلوماسي بمعهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، العدد36، المملكة العربية السعودية.

عبد القادر، أشرف عبد العزيز (2011)، “الدبلوماسية البرلمانية الخليجية: الآليات والفاعلية والتفاعل”، العدد81، مركز الخليج للأبحاث، المملكة العربية السعودية.

عبد المنعم، ياسمين مصطفى (2019)، ” العلاقات الدبلوماسية: التفاوض – الاتصال – العولمة الثقافية”، مجلة شؤون دبلوماسية، الجامعة البريطانية الليبية، المجلد3، العدد5، ليبيا.

العربي، فاروق؛ كعبوش، الحواس (2023)، “الدبلوماسية الدفاعية: قراءة في التقاطعات الحاصلة بين حقلي الاستراتيجية والدبلوماسية”، مجلة المعيار، جامعة تيسمسيلت، المجلد 14، العدد1، الجزائر.

العريفي، محمد بن عبد الواحد (2022)، ” الدبلوماسية الدينية: المملكة العربية السعودية نموذجا”، مجلة الدراسات الدولية، معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات، العدد33، المملكة العربية السعودية.

العزب، هبة جمال الدين محمد (2021)، “الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي: المخطط الاستعماري”، مركز دراسات الوحدة العربية، المجلد43، العدد504.

عزوز، عبد القادر (2022)، “الدبلوماسية الاقتصادية: العناصر- الأدوات”، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، المجلد44، العدد1، سوريا.

عطايا، أحمد سليم (2021)، “الوجيز في القانون الدولي العام”، الطبعة1، المملكة العربية السعودية.

العمودي، أبرار جمال (2024)، “الحصانة القضائية للبعثة الدبلوماسية”، المؤسسة العربية للعلوم ونشر الأبحاث، المجلد8، العدد2، فلسطين.

العنزي، عبد السلام حسين بن جاسم (2021)، “حصانة المحفوظات الدبلوماسية في القانون الدولي العام: مع الإشارة لبعض الانتهاكات نتيجة الغزو العراق”، مجلة الحقوق بجامعة الكويت، المجلد45، العدد4، الكويت.

غازي حسين صباريني (2011)، “الدبلوماسية المعاصرة دراسة قانونية”، ط3، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.

الفضلى، نايف بن عبد الله (2021)، ” الدبلوماسية: تاريخ وتطور”، مجلة القافلة، المجلد70، العدد6، المملكة العربية السعودية.

الفقيه، جميل حزام يحيي (2017)، ” الدبلوماسية الدولية المعاصرة وتأثيراتها على الدبلوماسية اليمنية”، مجلة جامعة الملكة أروى، العدد19، اليمن.

لايقة، رامي كاسر (2023)، ” إيجابيات وسلبيات الدبلوماسية الرقمية”، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، المجلد45، العدد1، سوريا.

محمد، فاضل زكي (1992)، “الدبلوماسية في عالم متغير”، الطبعة1، دار الحكمة للطباعة والنشر، العراق.

المرسي، خالد السيد محمود (2021)، “إساءة استخدام الحصانات والامتيازات الدبلوماسية وأثره على الأمن الدولي: دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي العام”، المؤتمر العلمي الدولي الرابع، كلية الشريعة والقانون بطنطا، جمهورية مصر العربية.

مطر، جميل (2013)، ” الدبلوماسية الشمولية”، دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، الشارقة: الإمارات العربية المتحدة.

ملاوي، إبراهيم (2010)، “الدبلوماسية البرلمانية”، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية بجامعة زيان عاشور بالجلفة، العدد4، الجزائر.

الملحم، عبد العزيز بن سلطان (2018)، “زمن الدبلوماسية الشعبية”، مركز البحوث والتواصل المعرفي، المجلد1، العدد2، المملكة العربية السعودية.

نجم، وفاء ياسين (2021)، ” الدبلوماسية وفن التفاوض السياسي”، مجلة حمورابي للدراسات، المجلد9، العدد39، العراق.

النوايسة، رامي إبراهيم سليمان (2020)، “دور الدبلوماسية البرلمانية الأردنية في مواجهة أزمات المنطقة العربية”، دراسة حالة مجلس النواب الثامن عشر، رسالة دكتوراة، كلية الدراسات العليا بجامعة مؤتة، الأردن.

الهواس، نادية (2018)، ” الدبلوماسية الاقتصادية: أية استراتيجيات؟”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد141، المملكة المغربية.

الورفلي، مبروكة إمحمد (2018)، “الدبلوماسية العسكرية: الدفاع في وقت السلم”، مجلة البحوث العلمية، جامعة إفريقيا للعلوم الإنسانية والتطبيقية، المجلد3، العدد6، ليبيا.

الياسري، وليد علي حبيب (2021)، “الحصانة القضائية للمبعوثين الدبلوماسيين في البعثات الدبلوماسية الخارجية”، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، الأردن.

يوسف، محمد صافي (2009)، ” الحقيبة الدبلوماسية”، مجلة الدبلوماسي بمعهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، العدد45، المملكة العربية السعودية.

اليوسفي، منيب هائل (2014)، “الدبلوماسية العربية: فن رصين وعلم أصيل”، مجلة المعرفة، وزارة الثقافة، العدد614، السنة53، سوريا.

ثانيًا: المراجع الأجنبية:

Abdurahmanlı, E. (2021). DEFINITION OF DIPLOMACY AND TYPES OF DIPLOMACY USED BETWEEN STATES. Anadolu Akademi Sosyal Bilimler Dergisi, Volume 3, Issue 3.

Adesina, O. S. (2017). Foreign policy in an era of digital diplomacy. Cogent Social Sciences, Volume 3, Issue 1.

Adler-Nissen, R. (2014). Symbolic power in European diplomacy: the struggle between national foreign services and the EU’s External Action Service. Review of International Studies, Volume 40, Issue 4.

Baartman, H. (2024). The Impact of Diplomatic Language on International Negotiations. Global Journal of International Relations, Volume 1, Issue 1.

Berridge, G., R. (2022). Diplomacy Theory and Practice, Diplo Foundation Geneva, Switzerland.

Callières, M. (2022). On the manner of negotiating with princes; on the uses of diplomacy; the choice of ministers and envoys; and the personal qualities necessary for success in missions abroad, Boston, Houghton Mifflin co.

Curanović, Al. (2012). The Religious Diplomacy of the Russian Federation, French Institute of International Relations (IFRI). Number 12.

Drab, L. (2018). Defence diplomacy – an important tool for the implementation of foreign policy and security of the state. Security and Defence Quarterly, Volume 20, Issue 3.

Ferrara, P. (2019). “Diploreligio” Diplomats, Religions, and Interreligious Dialogue, Conference: European Academy of Religion – Bologna.

Gurgu, E., & Cociuban, A. D. (2016). The Role of Public Diplomacy in International Relations in Full Process of Globalization. Annals of Spiru Haret University. Economic Series, Volume 16, Issue 2.

Huseynov R. (2022). THE IMPACT OF GLOBALIZATION ON DIPLOMACY: HISTORICAL TRADITIONS AND MODERN APPROACHES, Sciences of Europe, Volume 104.

Jafarova, T. (2017). THE CONCEPT OF «DIPLOMACY» AND ITS EVOLUTION, Journal of Economics and Political Sciences, Volume 6, Number 1.

Kerr, P., Constantinou, C., & Sharp, P. (2016). The SAGE Handbook of Diplomacy. (1 ed.) SAGE Publications.

Kiçmari, S. (2024). Definition of Diplomacy. In: Introduction into Diplomacy. Contributions to International Relations. Springer, Singapore.

Lozano, F. (2017). Emperor Worship and Greek Leagues: The Organization of Supra-Civic Imperial Cult in the Roman East, koninklijke brill NV, Leiden.

Muniruzzaman, A. N. M. (2020). Defence Diplomacy: A Powerful Tool of Statecraft, Center For Land Warfare Studies (CLAWS).

Mustika, I., MaujanaSaragih, H. (2024). Dynamics of Diplomacy: Key Role in Development Sustainable International Relations in the Era Contemporary, International Journal of Arts and Social Science, Volume 7, Issue 2.

Nye Jr, J. (2019). Soft Power and Public Diplomacy Revisited, The Hague Journal of Diplomacy.

Pamment, James. 2022. «Diplomacy and Digitization: A Profession Adapting to New Networks of Power». Revista Mexicana De Política Exterior, Number 113.

Stanzel, V. (2018). New realities in foreign affairs: diplomacy in the 21st century, Stiftung Wissenschaft und Politik -SWP- Deutsches Institut für Internationale Politik und Sicherheit: Berlin.

van Gelder, M., & Krstić, T. (2015). Introduction: Cross-Confessional Diplomacy and Diplomatic Intermediaries in the Early Modern Mediterranean. Journal of Early Modern History, Volume 19, Issue 3.

Wizimirska, K. (2016). The Art of Diplomacy in the Context of Contemporary International Relations, JOURNAL OF SCIENCE OF THE MILITARY ACADEMY OF LAND FORCES, Volume 48, Number 4.