الصورة الفنية في شعر ابن زيدون

إيمان عمران1

1 جامعة إسطنبول آيدن، تركيا

Email: eman.znd@gamil.com

المعرف العلمي 000-0002-4318-620X :/orcid.org//https:

HNSJ, 2021, 2(12); https://doi.org/10.53796/hnsj2125

Download

تاريخ النشر: 01/12/2021م تاريخ القبول: 08/11/2021م

المستخلص

هذا المقال بحث مختصر عن الصورة الفنية عند ابن زيدون، قد أشار البحث إلى أهمية الصورة الشعرية بشكل عام، وقيمتها عند النقاد الأوائل والحديثين، وبين رأيهم بها. وأكد البحث على أهمية الصورة ووظيفتها في تصوير وإيصال تجربة الشاعر لنفوس قارئي شعره وسامعيه، ومالها من قوة في تمكين الإحساس والمعنى في النفس البشرية. كما وعرض أنواع الصورة الشعرية عند ابن زيدون من صورة بيانية وبديعية، وحاول الوقوف على أنماط الصورة البصرية واللونية والحسية والسمعية عند هذا الشاعر، وتبيان مدى تأثيرها في المتلقي. وأشار إلى مصادر الصورة عند ابن زيدون، والمتمثلة بالطبيعة، والتراث القديم، والقرآن الكريم، والشعر العربي.

الكلمات المفتاحية: الصورة الشعرية ـ ابن زيدون ـ الصورة الفنية ـ وظيفة الصورة ـ أنماط الصورة.

Research title

The artistic image in the poetry of Ibn Zaydun

IMAN OMRAN1

1 ISTANBUL AYDIN UNIVERSTIY

Email: eman.znd@gamil.com

Scientific Identifier: https://orcid.org/000-0002-4318-620X

HNSJ, 2021, 2(12); https://doi.org/10.53796/hnsj2125

Published at 01/12/2021 Accepted at 08/11/2021

Abstract

This article is a brief research on the artistic image of Ibn Zaydun. The research emphasized the importance of the image and its function in portraying and communicating the poet’s experience to the souls of his poetry readers and listeners, and its power in enabling sense and meaning in the human soul. He also presented the types of poetic image of Ibn Zaydun from a graphic and creative image, and tried to identify the patterns of visual, color, sensory and auditory images of this poet, and to show the extent of their impact on the recipient. He referred to the sources of the image according to Ibn Zaydun, which are represented in nature, the ancient heritage, the Holy Qur’an, and Arabic poetry.

Key Words: poetic image, Ibn Zaydun , artistic image, photo function , Picture Styles

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين ،وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد :فقد قدمت في هذه الوريقات عملا متواضعا عن موضوع الصورة الفنية في شعر ابن زيدون، ودفعني إلى ذلك لما لها من أهمية في إنتاج الشعر ،فحاولت دراستها عنده مستندة إلى ديوانه ومصادر تاريخية ونقدية وأدبية، بدأت بالتمهيد للصورة الشعرية، ثم تناولت أهميتها عند النقاد القدامى والجدد وبينت نظرتهم فيها، ثم انتقلت إلى تعداد وظائف الصورة الشعرية، وبعدها ذكرت أنواعها البديعية والبلاغية عند ابن زيدون مستشهدة بشعره، ثم بينت أنماط الصورة عنده وكيف استطاع التعبير عن مشاعره من خلال الصورة البصرية واللونية والحركية والسمعية ،ثم أتيت على ذكر مصادر الصورة عند ابن زيدون من طبيعة وشعر وقرآن تراث ثقافي، منتهية بالخاتمة والرأي الشخصي، مع ذكر فهرس المصادر والمراجع معتمدة في ذلك على المنهج التحليلي الوصفي. سائلة الله التوفيق والسداد.

مشكلة البحث :

1ـ ماهي أنماط الصورة الفنية عند ابن زيدون .

2ـ ماهي وظائف الصورة الفنية في الشعر العربي.

3ـ ماهي أنواع الصور البلاغية في شعر ابن زيدون.

أهداف البحث:

1ـ الإشارة إلى أهمية الصورة الفنية في تناول الشعر

2ـ التعرف على أنواع الصور عند ابن زيدون ،ومدى مساهمتها في نقل الشعور.

3ـ التعرف على أنماط الصورة عند ابن زيدون، وتطويعه لها في خدمة غرضه الشعري .

أهمية البحث :

إن الصورة الشعرية لهادور كبير في النقل والتدليل على التجارب الشعورية التي يحياها الشاعر ،وبالتالي فهي تسهم في نقل المعاني والأحاسيس الرقيقة بطريقة إبداعية.

لذا فإن هذا المقال يتناول البحث عن الصورة الفنية عند ابن زيدون شاعر الحب والغزل .

منهج البحث :

اعتمد البحث المنهج التحليلي الوصفي، والذي يخدم طبيعة البحث هذا .

الدراسات السابقة:

1ـ دراسة : دمنهوري: غادة عبد العزيز ،”الصورة الاستعارية في شعر طاهر زمخشري”،1421هـ جامعة أم القرى ـ كلية اللغة العربية ـ قسم الدراسات العليا .

2ـ دراسة : بن مزغنة: حفيظة ،”الصورة الشعرية في شعر عز الدين ميهوبي”،2004ـ2005م، جامعة محمد خيضر ـ بسكرة ـ كلية الآداب والعلوم الاجتماعية ـ قسم الأدب العربي .

3ـ دراسة : زكية :يحياوي،” الصورة الفنية في التجربة الرومانسية ديوان أغاني الحياة لأبي القاسم الشابي أنموذجاً “،2011م، رسالة ماجستير ، جامعة مولود معمري تيزي ـ وزو.

4ـ دراسة : دقعة: منال ،”بلاغة الصورة الشعرية في ديوان أجراس الشجن لعمر طرافي” ،2015ـ2016 م، رسالة ماجستير ،جامعة الشهيد حمه لخضرـ الوادي ـ كلية الآداب واللغات ـ قسم اللغة والأدب العربي .

ـ التمهيد :الشعر كلام جميل المذاق حلو العبارات تجمعه طلاوة، وتعلوه رهافة، يُسكر العقول، ويأخذ بمجامع القلوب، ولعل السبب في هذا هو الصور الشعرية التي تشكل أساس القصيدة، فالشاعر المتقن لنسج مفردات ومعاني الشعر، والذي يتسم شعره بروعة السبك، ولطافة التخيل، وجمال الحلية ،هو الشاعر الذي يدمغ شعره في كل نفس، ويرسم الصور الفنية في شعره وينقل فكره وعاطفته من خلالها ،ويقاس نجاح الصورة الشعرية بمدى قدرتها على تأدية هذه المهمة، ويرجع جمالها في دقة التعبير عن رقائق الأحاسيس التي تعتري الشاعر، ولذلك نجد النقاد قد أولوها عنايةً واهتماماً كبيرين، وحاولوا تحليلها وشرحها.

1ـ أهمية الصورة الشعرية عند القدامى والنقاد الجدد: تكمن أهمية الصورة في أنها تعبر عن التجارب الشعورية التي تنتج قيما فنية يتفاعل القارئ معها، وتوقظ الوجدان عنده، وتلفت نظره إلى المعنى. إن الصورة هي شريان كل إنتاج أدبي عامة وشعري خاصة، وعماد كل قصيدة تشكلت من أجل ذوق نيل إعجاب القارئ وإمتاعه، وبالتالي الشعر ما هو إلا تعبير وتصوير. ولهذا حظيت باهتمام النقاد القدامى والمحدثين.

1ـ1 فأما عند النقاد القدامى: نلاحظ أن الجاحظ عبر عن مواقفه من قضية اللفظ والمعنى، فنراه يقول إن المعاني والألفاظ معروفة لدى الجميع باختلاف البيئة التي عاشوا فيها ، والأمر المهم هو في تخير اللفظ المناسب المنسجم مع المعنى المراد والتعبير عنه من خلال الصورة الشعرية المناسبة له ،فليس الشعر سوى لوحة ترسم فيها التصاوير الفنية، بهذا نجد أن الجاحظ بيّن ما للشعر والتصوير من أهمية في نقل المعاني، فالصورة هي الإشارة المرشدة لكل الأحداث الأحداث داخل النص الشعري.[1]

أما قدامة بن جعفر فقد ذكر في كتابه نقد الشعر عن هذا أن الشاعر في صياغته للشعر وتشكيله للمعاني وإخراجها على شكل صورا شعرية داخل القصيدة، هو يشبه بعمله ذلك النجار الماهر الذي يستخدم الخشب لنجارته[2]، وبهذا يؤكد قدامة بن جعفر ما ذهب إليه الجاحظ، في أن الصورة هي الوجه المعلن عن الفحوى والمدلول الشعري.

2ـ 1عند النقاد الجدد: نجد أن الصورة الشعرية عندهم تعبر عن رؤى الشاعر وعن أفكاره و مشاعره، و تظهر شخصيته، فالصورة هي وسيلة مهمة يستخدمها الشاعر في تغذية ونقل تجربته الشعرية، فبها يتميز كل شاعر عن غيره و يقول إحسان عباس في ذلك: إن الصورة الشعرية هي بصمة كل شاعر تميزه عن غيره من الشعراء، إضافة إلى ان طريقة سبكها مختلفة بين الشعراء القدماء والمحدثين فهي مربط الشاعرية.[3]

2 ـ وظيفة الصورة الشعرية :

تتجلى وظيفة الصورة الشعرية في وظائف أساسية وكبرى ألا وهي:

1ـ2 تصوير تجربة الشاعر: إن الشاعر حاله حال أي إنسان حساس . يعيش تجربة شعورية في ذاته، تولد له أحاسيسا ومشاعر وانفعالات يحاول أن يعبر عنها من خلال الصورة [4].

فالصورة الشعرية هي الريشة الفنية التي تحكي أفكار الشاعر وعواطفه، فمن خلال هذه الصورة يصور رؤيته الخاصة للعالم والعلاقات التي تربطه بها سواء أكانت ظاهرة أم خفية.

2ـ 2إيصال تجربة الشاعر للناس: إن الصورة الشعرية هي أداة، ووسيلة للتعبير عما يجول في خلده وقلبه، ومن خلالها يحاول إيصال تجربته إلى الآخرين. وقد عبر عن هذا أحمد الشايب عندما أشار إلى الصورة الشعرية أنها من الوسائل التي يحاول بها الأديب نقل فكرته وعاطفته معا إلى قارئه أو سامعيه[5].

3ـ 2 تمكين المعنى في النفس: إن الصورة تمكّن المعنى في النفس عن طريق التأثير الفعّال، وبها يكون المعنى واضحا عند المتلقي غير غامض، يصل إليه القارئ ويفهمه بسهولة ويسر من خلال التصوير الشعري .

4ـ2 الإبانة: إن الابانة تعني الشرح والتوضيح، وتقريبه وتصويره في نفس القارئ أدق تصوير وأوضحه عن طريق التشبيه، والاستعارة، والكناية، والصورة التي تكون على شكل الكناية أو الاستعارة أكثر توضيحا للمعنى المراد[6].

3ـ أنواع الصورة الشعرية عند ابن زيدون: إن الصورة الشعرية كانت أمراً معروفاً منذ القدم، وإن النقاد؛ القدماء والمحدثين اعتنوا بالخيال, بكونه أداة أساسية و من أدوات العمل الإبداعي في الشعر، والذي لا يمكن الاستغناء عنه، وكلما كان خيال الشاعر عميقا كانت الصورة الفنية أكثر إبداعا، ولا سيما إذا امتزجت بالعاطفة وإن كان هناك خلاف بين المفهوم القديم أو الحديث في توضيح مفهوم الصور، إلا أن الجميع يرى أن الصور هي التي يعتمد عليها الشاعر لتحقيق وظيفة الشعر, ولا يستطيع الشاعر أن يحقق غايته دونها[7] .

وهي عنده على نوعين بيانية وبديعية:

1ـ 3الصورة البيانية: تنوعت الصورة البيانية عنده بين صورة تشبيهية واستعارية وكنائية وهي : 1ـ1ـ3 الصورة التشبيهية :التشبيه هو عبارة عن علاقة مشاركة أمر بين شيئين أو أكثر، وله أركان أربع المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه ،ومن الأمور المعلومة أن الشيء لا يشبه بنفسه لا بغيره من كل الجهات (( إذا تشابه الشيئان من جميع الوجوه، ولم يقع بينهما تغاير البتة اتحدا فصار الاثنان واحداً فيبقى أن يكون التشبيه إنما يقع بين الشيئين بينما اشتركا في معان تعمهما ويوصفان بها و افترق في أشياء ينفرد كل واحد منها بصفته))[8] .

ومثال ذلك في قول ابن زيدون : في تشبيهه لولادة بالمسك:

رَبِيْبُ مُلكٍ كَأَنَّ اللهَ أَنْشَأَهُ مِسْكَاً وَ قُدِّرَ إِنْشَاءُ الْوَرَى طِيْنَا.[9]

وأركان التشبيه في قوله هذا: المشبه : ربيب الملك (ولادة(، المشبه به المسك ، الأداة الكاف ووجه الشبه في رائحة المسك المعطرة.

2 ـ1ـ3 الصورة الاستعارية: لقد اعتنى العلماء بالاستعارة عناية شديدة، فهي التي تقوم على الجمال وروعة الخيال، وبواسطتها يستطيع الشاعر المبدع التصرف في طيات الشعر، ورسم الصور والتعبيرات الرائعة التي تثير المشاعر وتحرك العقول، اهتم النقاد بها أولوها عناية، فهي من أكثر أساليب البيان دلالة على خصب الخيال وسعته عند الشاعر، كما أنها تعطي حيوية للشعر، وتعمق أثره في مخيلة المتلقي.ومثالنا في ذلك قوله وهو يصف الرياض التي يلتقي بها مع محبوبته، وقد ظهرت الورود، وهي مائلة الأعناق خجلا، تشبه الفتاة الحسناء المستحية، حاذفا المشبه به، مبقياً شيئا من لوازمه وهي (مال أعناقا)،على سبيل الاستعارة المكنية وذلك في قوله:

وَرْدٌ تَاَلَّقَ فِي أَضَاحِيْ مَنَابِتِهِ جَالَ النَّدَى فِيْهِ حَتَّى مَالَ أَعْنَاقَا[10]

3ـ1ـ3 الصورة الكنائية : هي كما عرفها الخطيب القزويني” لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة المعنى له[11] ، الكناية هي نوع من أنواع البلاغة ونوع من أنواع الفصاحة ،شأنها شأن الاستعارة ، و لا تقل أهميتها عنها، وقد ذخر بها شعر ابن زيدون ،واصفة المعاني العميقة في نفسه، معبرة عن أحاسيسه الرقيقة وعاطفته المتوهجة. ونجد ذلك في قوله :

يَا سَارِيَ البَرْقِ غَادِ الْقَصْرِ وَاسْقِ بِهِ مَنْ كَانَ صِرْفَ الْهَوَى والوِدَّ يّسْقِيْنَا[12]

ففي الشطر الثاني يذكر صرف الهوى وهو عبارة عن كناية عن ولادة.

فالصورة الشعرية ليست إلا انصهار الأفكار والعواطف والانفعالات والتصوارت لرؤية الشاعر لحياة التي من حوله فتخرج الصورة وكأن فيها طابع العصر وثقافته وطبيعة البيئة التي نشأ فيها الشاعر المبدع.

2ـ 3الصور البديعية : الصور البديعية عند ابن زيدون تساعدنا على اختلاج شعره, وتقليب ثناياه ملتمسين في ذلك على مواطن الجمال في النص واقفين على براعة استخدام الألفاظ وتسلسل المعاني، ومن أنواع البديع الذي استخدمه شاعرنا في صوره: المقابلة والطباق والجناس.

1ـ2ـ3المطابقة : كما عرفها أبو هلال العسكري ” الجمع بين الشيء وضده[13]

وهي على نوعين :

أـ طباق إيجاب: مثال ذلك:

إِنَّ الزَّمَانَ الّذِيْ مَا زَالَ يُضْحِكُنَا أُنْسَا ًبِقُـرْبِهِمُ قَدْ عَادَ يُبْكِيْنَا[14]

ويبين الشاعر ألمه من الزمن الذي أضحكه هو نفسه الذي أحزنه، الطباق هنا : بين الفعلين ( يضحكنا، يبكينا) .

ب ـ طباق سلب : مثل:

مَنْ مُبْلِغ المُبْلِسِيْنَا بِانْتِزَاحِهِمْ حزناً مَعَ الدَّهْر لا يَبْلَى وَيُبْلِيْنَا[15]

الطباق السلب هنا : (لايبلى ،ويبلينا ).

2ـ2ـ3 ـ الجناس : تشابه كلمتين في اللفظ دون المعنى ومنه الجناس التام ومنه الجناس الناقص ، ومن أمثلة الجناس مما كتبه ابن زيدون في شعره .ومثالنا على هذا في قصيدته (ياليتني) في قوله :

أَرْخَصَتْنِي مِنْ بَعْدِ مَا أغْلَيْتِنِي وَحَطَطْتَنِي وَلَطَالَمَا أَعْلَيْتَنِي .[16]

والجناس هنا جناس ناقص بين (أغليتني ،أعليتني ).

4ـ أنماط الصورة عند ابن زيدون : ولابد عند رسم التجارب الشعورية من الاتكاء على الحواس لتساعد الشاعر على تصوير مراده، فالحواس هي “الوسائل التي تغذى ملكة التصور والخيال وتنقل إليها مجتمعة أو منفردة الصورة بشتى مصادرها”[17].

1ـ4الصورة البصرية :قد وظف ابن زيدون الصورة البصرية في شعره تأكيداً على أهمية حاسة البصر في تقوية المعنى وبناء الصورة الشعرية. مثل قوله:

إِنِّي ذَكَرْتُكِ بِالزَّهْرَاءِ مُشْتَاقَا وَالْأُفْقُ طَلْقٌ وَوَجْهُ الأَرْضِ قَدْ رَاقَا[18]

2ـ 4الصورة اللونية : إن الصورة اللونية تكتسب زيادة في روعتها بوجود الألوان التي تعبر عنها ، وتزيدها إشراقا، وذلك لما تشتمل على دلالات فنية ونفسية ودينية واجتماعية ورمزية ، فمثلاً اللون الأبيض قد يدل على النقاء، والأحمر للسعادة والفرح والأسود للحزن[19].

وقد وظف الشاعر العبارة اللونية للتعبير عن ألمه لفقد أحبته فقال :

حالَتْ لِفَقْدِكُمْ أَيَّامُنَا فَغَدَتْ سُودَا وَكَانَتْ بِكُمْ بِيْضَاً لَيَالِيْنَا [20]

3ـ4 الصورة الحركية: الصورة الحركية هي أكثر أنواع الصورة البصرية التي تفيض وجمالا وسحراً فهي التي تضيف للنص الشعري الإشراقة والحيوية والحركة ،وتجعله أكثر تأثيرا في النفس.[21] ومثال ذلك قول ابن زيدون :

تَخَالُ قَضِيْبَ الْبَانِ فِيْ طَيِّ بُرْدِهِ إِذَا اِهْتَزَّ مِنْهُ مِعْطَفٌ وَقَوَامُ[22]

تحسب قضيب البان في طيات ثوبه متمايلا، إذا اهتز عنقه وقوامه .

4ـ4الصورة السمعية: تسهم الصورة السمعية في تشكيل الصورة الشعرية عند الشاعر، ويتم تشكيلها من مجموعة الأصوات الموجودة في عالم الشاعر من الطبيعة والإنسان والحيوان وجميع نغمات الحياة سواء السعيدة أم الحزينة ، الصارخة أم الهادئة[23].

ونجد هذا في قول ابن زيدون:

ِغيْظَ العِدَا مِنْ تَسَاقِيْنَا الْهَوَى فَدَعُوا بَأَنْ نَغُصَّ فَقَالَ الدَّهْرُ آمِيْنَا[24]

فالكلمات الصوتية فيها متمثلة في الفعل(دعوا، قال )،وفي كلمة (آمينا) ،فجميعها كلمات تشير إلى السماع.

5ـ مصادر الصورة عند ابن زيدون: استقى ابن زيدون صوره من ينابيع عديدة، ولعل أهمها الطبيعة، والثقافة التراثية، والقرآن، والشعر العربي.

1ـ5الطبيعة: كانت الطبيعة ومازالت موحيةً للأفكار وملاذا للأحاسيس والمشاعر، فنرى الشاعر يجوب بفكره ويعايش بخياله مكنوناتها الخلابة التي تسحر العقول وتلهب القلوب، فينتج بذلك شعرا يسيل عبقا، وكلاما يتفتق عن مشاعر رقيقة، ويجعل من الطبيعة طبيعة جديدة رسما وروحا وشكلا. نجدها في قوله وهو يصف النسيم الذي مرض حزنا عليه فقد جعل الطبيعة تشاركه حزنه وألمه، في قوله:

وللنسيْمِ اعْتِلَالٌ فِيْ أَصَائِلِهِ كَأَنَّهُ رَقَّ لِيْ فَاعْتَلَّ إِشْفَاقَا[25]

وقد طلب من الغيوم أن تبكي لحاله، ومن النجوم أن تعلن المأتم والحداد لحزنه في موضع آخر في قوله :

ألم يان أن يبكي الغمام على مثلي؟ ويطلب ثأري البرق منصلت النصلِ

وهَلاّ أَقَامتْ أَنْجُمُ اللَّيْلِ مَأْتَمَاً لِتُنْدِي في الأَفَاقِ مَا ضَاعَ مِنْ نَثْلِي؟ [26]

2ـ5الثقافة التراثية : طالع ابن زيدون ثقافة تراثية كبيرة سـاعـدته على استخـدام كثير منها في شعره، وقدمت له كما ثقافيا واسعا، ومثال ذلك قوله في إحدى قصائده:

أأنكُثُ فِيكَ المَـدْحَ مِـنْ بَعْـدِ قُـوّةٍ وَلا أَقْـتَدِي إِلَّا بِنَاقِضَة الغَزْل ِ؟[27]

فهو هنا يشير إلى ناقضـة الغزل ، فيقول لأبي الحـزم بن جهـور: لن أهجوك بعد مدحك ، فأكون مثل ناقضة الغزل الغبية، وناقضة الغزل هي ريطة بنت عمرو التميمية القريشية ، وقد دللت عليها الآية الكريمة} ولا تكونوا كالتي نـقضت غـزلها من بعد قوةٍ أنكاثا}[28].

3ـ5القرآن الكريم : لم يكتف ابن زيدون من الاستفادة من الثقافة التراثية، بل نراه تجاوزها إلى القرآن الكريم في الاعتماد عليه واستخدامه في شعره والاتكاء على بعض صوره في توصيل المعنى المراد للقارئ،.

ونجد هذا في قوله :

بـَأَبي أنتَ!! إِن تـَـشـَــأ ْتَـكُ بَــردًا وسَـلَامًـا كنارِ إبْـرَاهـيم[29]

وفي هذا إحالة إلى الآية: {قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم}[30]

4ـ5الشعر العربي : لقد كان للشعر العربي نصيب أيضاً من وقفات ابن زيدون في إيضاح المعنى من خلال التصوير.

فنراه يعتمد في قوله هنا :

يَا خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الجِيَا دَ وسارَ فِي ظــلِّ اللّوَاءِ[31]

على بيت جرير في مدح الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان حيث يقول:

ألسـتُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَـطَـايـَا؟ وَأندَى العَالمِينَ بُطـونَ رَاحِ؟[32]

يصف ابن زيدون المعتضد بن عـباد بأنه خيـر من امتطى جوادًا وقاد جيشًا جرار افي ساحات القتال .

6ـ الخاتمة والرأي الشخصي:

وهكذا وجدنا أن الشعر يكتسب أهميته، وغناه من الصورة الشعرية ،التي تعد أساساً ثابتاً ودائماً فيه، وهذا حال شعر ابن زيدون الذي شكلت الصورة الفنية القلب النابض فيه والأساس المهم الذي يقوم عليه شعره، إضافة للغة والايقاع، فنراه قد أنتج قصائداً وكلاماً يتفتح عبقا ًوجمالاً.

ولقد عبرت الصورة الفنية التي رسمها ابن زيدون في قصائده عن مشاعره وأحاسيسه ،فقد صاغها من كل ما شاهدته عيناه .وتنوعت الصور عنده بين صور استعارية وتشبيهية وكنائية ،ولم تقتصر الصورة عنده على البيان بل وجدنا المحسنات البديعية قد غزت أبيات الشعر عنده فقد استطاع نقل مشاعره من خلالها.

ونراه استمد القدرة على الإقناع في صياغة صورته الفنية من ثقافته الواسعة ومعرفته بالآداب واطلاعه على القرآن الكريم والشعر العربي ،والطبيعة الأندلسية الغناء بكل ما تحويه من معان للجمال والرونق والبهاء ،فأتت صوره ذات أنماط متعددة ومتنوعة من بصرية ولونية وحركية وسمعية، وهي التي ميزت شعره عن غيره.

والحق أن ابن زيدون كان شاعراً مجيداً طوع الصورة الفنية لتكون وسيلة لترجمة لواعج نفسه، ودقائق النبضات في داخله فجاء شعره عذبا لطيفا رقراقا.

التوصيات :

1ـ إجراء دراسات تتناول الصورة الفنية عند شعراء آخرين.

2ـ إجراء دراسات مقارنة بين أشعار الشعراء وما تحمله من الصور الشعرية.

3ـ إجراء دراسة لتطور الصورة الشعرية عبر العصور .

7ـ فهرس المصادر والمراجع :

1ـالقرآن الكريم

2ـ البصير :كامل حسن ،1987م ، بناء الصورة الفنية في البيان العربي ،د.ط ، مطبعة المجمع العلمي العراقي .

3ـ أبو هلال العسكري، الصناعتين، تحقيق علي البجاوي ،ومحمد أبو الفضل وإبراهيم البابي ،الطبعة الثانية ،عيسى البابي وشركاه.

4ـ الجاحظ، الحيوان، تحقيق: عبد السالم محمد هارون،1965م ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، الجزء الثالث الطبعة الثانية، ، مصر.

ديوان جرير ،1986، بيروت ، دار بيروت للطباعة والنشر.

6ـ الركابي:أميمة عبد العزيز، 2019 ،الصورة الفنية في شعر الحكمة في الأندلس حتى نهاية عصر المرابطين 540هـ، مجلة كلية التربية- جامعة عين شمس ، العدد الخامس والعشرون )الجزء الثالث.

7ـ الشايب: أحمد، أصول النقد الأدبي ، الطبعة العاشرة، مكتبة النهضة المصرية.

8ـ عباس: إحسان ،1955، فن الشعر، دار بيروت للطباعة.

9ـ د . فرحات: يوسف،1994، ديوان ابن زيدون ، الطبعة الثانية ، بيروت ، الناشر دار الكتاب العربي.

10ـ قدامة بن جعفر، نقد الشعر، تحقيق: د/ محمد عبد المنعم خفاجي ، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية.

11ـ القزويني: جلال الدين محمد بن عبد الرحمن، شرح التلخيص في علوم البلاغة، تحقيق محمد دويدري،1982،،الطبعة الثانية ،دار الجيل، بيروت.

12ـ محفوض: رامية،1998، الصورة الفنية في شعر ذي الرمة، جامعة تشرين.

13ـ هلال :محمد غنيمي1997، النقد الأدبي الحديث، دارنهضة مصر للطباعة والنشر، مصر.

Margins:

  1. : الجاحظ، الحيوان، تحقيق: عبد السالم محمد هارون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1965، مصر، الطبعة 2، الجزء الثالث،ص131– 132.
  2. : قدامة بن جعفر، نقد الشعر، تحقيق: د/ محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،ص65.
  3. : عباس: إحسان، 1955، فن الشعر، دار بيروت للطباعة ،ص277.
  4. : هلال :محمد غنيمي1997، النقد الأدبي الحديث، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، مصر، ص 400.
  5. : الشايب: أحمد، أصول النقد الأدبي، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة العاشرة ، ص 77.
  6. : الركابي: أميمة عبد العزيز،2019،الصورة الفنية في شعر الحكمة في الأندلس حتى نهاية عصر المرابطين 540هـ، مجلة كلية التربية- جامعة عين شمس ، العدد (الخامس والعشرون )الجزء الثالث ،ص156.
  7. : محفوض :رامية، 1998 ، الصورة الفنية في شعر ذي الرمة، جامعة تشرين ، ص18.
  8. : مرجع سابق :قدامة بن جعفر، نقد الشعر ،ص124.
  9. : د. فرحات: يوسف، 1994، ديوان ابن زيدون، الناشر دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية ، بيروت ، ص 300.
  10. : المرجع نفسه ص194.
  11. : القزويني: جلال الدين محمد بن عبد الرحمن، شرح التلخيص في علوم البلاغة، تحقيق محمد دويدري،1982،الطبعةالثانية،دار الجيل، بيروت. ص 155.
  12. : د. فرحات: يوسف، ديوان ابن زيدون، ص 300.
  13. : أبو هلال العسكري، الصناعتين، تحقيق علي البجاوي، ومحمد أبو الفضل وإبراهيم البابي، الطبعة 2،ص 316.
  14. : د . فرحات: يوسف، ديوان ابن زيدون ص 298.
  15. : المرجع السابق ص 298.
  16. : المرجع السابق ص312.
  17. : البصير :كامل حسن ،1987م ، بناء الصورة الفنية في البيان العربي، مطبعة المجمع العلمي العراقي، د.ط، ، ص124.
  18. : د . فرحات: يوسف، ديوان ابن زيدون ص 194.
  19. : مرجع سابق الركابي: أميمة عبد العزيز الصورة الفنية في شعر الحكمة في الأندلس حتى نهاية عصر المرابطين 540هـ ،ص152 .
  20. : د . فرحات: يوسف، ديوان ابن زيدون ، ص 299 .
  21. : مرجع سابق: الركابي: أميمة عبد العزيز الصورة الفنية في شعر الحكمة في الأندلس حتى نهاية عصر المرابطين 540هـ ،ص155
  22. : د . فرحات: يوسف، ديوان ابن زيدون ، ص275.
  23. :مرجع سابق: الركابي: أميمة عبد العزيز ،الصورة الفنية في شعر الحكمة في الأندلس حتى نهاية عصر المرابطين 540هـ ،ص157 .
  24. : د . فرحات: يوسف، ديوان ابن زيدون ، ص 299 .
  25. : المرجع نفسه ص 194.
  26. : المرجع نفسه ص 239.
  27. : المرجع نفسه ص 242 .
  28. : الآية :92 ،سورة النحل.
  29. : د. فرحات: يوسف، ديوان ابن زيدون ، ص 282.
  30. : الآية 69 ،سورة الأنبياء .
  31. : د. فرحات: يوسف، ديوان ابن زيدون، ص 23.
  32. : ديوان جرير،1986، دار بيروت للطباعة والنشر ، بيروت، ص 77.