دور الرقابة الإلهية الذاتية والشفافية من منظور الفقه الإسلامي لمكافحة الفساد الإداري بدولة الإمارات العربية المتحدة

أحمد علي شراره الظهوري1

1 باحث، دولة الامارات العربية المتحدة

بريد الكتروني: shrarha35@gmail.com

Download

HNSJ, 2021, 2(8); https://doi.org/10.53796/hnsj284

تاريخ النشر: 01/08/2021م                                             تاريخ القبول:  04/07/2021م                       

المستخلص
هدفت هذه الدراسة الى التعرف على مفهوم الرقابة الإلهية الذاتية وكذلك التعرف على مفهوم وأهمية وأنواع الرقابة الإدارية، وبالتحديد الرقابة الإسلامية، وإبراز مفهوم وأهمية الرقابة الذاتية، والتعرف على مفهوم وأنواع الفساد الإداري، مع بيان كيفية الحد من الفساد الإداري، والكشف عن دور الرقابة الذاتية في الحد من الفساد الإداري، والعمل على تقديم مقترحات وتوصيات علمية لتنمية وتعزيز الرقابة الذاتية، وكانت أهم النتائج: ضرورة تفعيل وتعزيز الرقابة الإلهية الذاتية لدى العاملين في المؤسسات العامة والخاصة و توضيح مفهوم وأنواع الفساد الإداري لدى العاملين في المؤسسات العامة والخاصة وضرورة الدمج بين الرقابة الذاتية وأنواع الرقابة الأخرى وأن يتم الاعتماد على الرقابة الذاتية بجانب الاهتمام بالتكنولوجيا الرقابية وتظهر الدراسات أن الرقابة الذاتية لها دور فعال في زيادة الفعالية. ومن أهم نتائج الرقابة الذاتية اكتشاف الفساد مبكراً والإعلان عنه وأن للفساد الإداري آثار سلبية كثيرة أهمها توقف المؤسسات عن تقديم الخدمات بشكل فعال، زيادة الروتين، هروب رؤوس الأموال للخارج، والاهتمام بالأجهزة المعنية بمكافحة الفساد الإداري، وقد أوصت الدراسة بضرورة تشجيع دور الرقابة الذاتية، تطوير وتنمية قدرات الأفراد في اكتشاف طرق وأساليب الفساد في مؤسساتهم، ضرورة وضع قانون واضح يجرم الفساد الإداري ويحدد عقوبته، تنمية الوازع الديني لدى العاملين لتفعيل وتعزيز الرقابة الذاتية.    
الكلمات المفتاحية: الرقابة الإلهية، الشفافية، الفقه الإسلامي، الفساد الإداري.

Research Article

  The role of divine self-censorship and transparency from the perspective of Islamic jurisprudence to combat administrative corruption in the United Arab Emirates

Ahmed Ali Sharara Al Dhahouri

1 Researcher, United Arab Emirate

Email: shrarha35@gmail.com

  Published at 01/08/2021                                                     Accepted at 04/07/2021          

Abstract
This study aimed to identify the concept of divine self-censorship, as well as to identify the concept, importance and types of administrative control, specifically Islamic control, to highlight the concept and importance of self-censorship, to identify the concept and types of administrative corruption, with an explanation of how to reduce administrative corruption, and to reveal the role of self-censorship in Reducing administrative corruption, and working on providing scientific proposals and recommendations for the development and strengthening of self-censorship, and the most important results were: the necessity of activating and strengthening divine self-censorship among workers in public and private institutions, clarifying the concept and types of administrative corruption among workers in public and private institutions, and the need to combine self-censorship and types of administrative corruption among workers in public and private institutions. Other monitoring and relying on self-censorship in addition to attention to control technology. Studies show that self-censorship has an effective role in increasing effectiveness. One of the most important results of self-monitoring is the early discovery of corruption and its announcement, and that administrative corruption has many negative effects, the most important of which are the institutions’ cessation of providing services effectively, the increase in routine, the flight of capital abroad, and attention to the agencies concerned with combating administrative corruption. Developing the capabilities of individuals in discovering the ways and methods of corruption in their institutions, the necessity of establishing a clear law criminalizing administrative corruption and specifying its punishment, developing the religious faith of workers to activate and strengthen self-censorship.

 

Key Words: Divine control, transparency, Islamic jurisprudence, administrative corruption.

مقدمة:

تعد وظيفة الرقابة بشكل عام من الوظائف الرئيسية للإدارة، فهي بجانب وظائف التخطيط، والتنظيم، والقيادة، والاتصال، ويجب ان ندرك بأن كل وظيفة من وظائف الادارة بحاجة إلى وظيفة الرقابة، وتتعدد وتتنوع أساليب وطرق ووسائل الرقابة، وتختلف من حيث قدرة كل نوع على تحقيق أهداف الرقابة والتي أهمها تحديد الانحرافات؛ إذا كانت سلبية، ومنع الانحرافات إذا كانت إيجابية، ولكن الرقابة الإلهية الذاتية نابعة من داخل الفرد، نابعة من ضمير الفرد، نابعة من اخلاق وتربية الفرد، ولهذا تعتبر الرقابة الإلهية الذاتية من أفضل أنواع الرقابة، لأنها لا تحتاج لأحد للقيام بالرقابة، ولا تحتاج لمتابعة من مدير أو مسؤول، ولكن ليستطيع الفرد ممارسة الرقابة الذاتية بشكل فعال يتوجب أن يكون دوره والمهام المطلوبة منه محددة ومعروفة، وأن يتم اختيار الأفراد أصحاب الأخلاق، والدين، والمعرفة بالمبادئ الإسلامية، كما أن الدين الإسلامي حث على الرقابة الإلهية الذاتية، حيث تميز بين المسلم، وغيره، وتجعل الآخرين يقدرون الفرد المسلم الملتزم بضميره وأخلاقه في متابعة عمله، فالموظف المحتكم لضميره وللرقابة الإلهية الذاتية هو الذي يستطيع أن يبين أي تجاوزات يراها أمامه من الآخرين، ويحاول أن يمنع الانحرافات والتجاوزات بيده، وإذا لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وهذا هو ما أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا نكون قد اوقفنا أي تجاوزات، أو فساد، وهناك أنواع متعددة للفساد، وأهم أنواع الفساد المتعلق بطبيعة أي عمل، هو الفساد الإداري، وهذا الفساد يؤدي إلى دمار المؤسسات، وتصبح المؤسسات غير قادرة على التطوير أو النهوض، ومن أهم ما يدعم المؤسسات في البقاء والاستمرار والنمو هو قدرتها على محاربة الفساد الإداري، لأن هذا الفساد يقضي على قدرة الشركة على التخطيط السليم، وبالتالي تنظيم غير فعال، وهذا يؤدي إلى عدم القدرة على تحقيق الأهداف التنظيمية، ومهما تنوعت أنواع الفساد، أو كحجم الفساد فإنه في الغالب مستقبلاً ستظهر أثاره على الدول ككل، ولهذا وجب تعزيز ودعم الرقابة الإلهية الذاتية لدى العاملين والموظفين في المؤسسات كافة، وتحديد سلطاتهم وصلاحيتهم، وبيان ما هو مسموح وما هو ممنوع، وذلك لضمان نشر ثقافة مكافحة الفساد الإداري لدى العاملين، وهذا يضمن التقدم والنمو للمؤسسات، وهذا ما تحتاجه المؤسسات كافة عامة وخاصة داخل الإمارات العربية المتحدة، وخاصة أن الاتجاه كل المؤسسات نحو تحقيق الأسبقية التنافسية داخلياً وعالمياً، وبالتالي أصبحت وجهة كل الدول نحو الإمارات واعتبارها نموذج نجاح تسعى لتقليده، ولهذا وجب الاهتمام بالرقابة الإلهية الذاتية لمواجهة الفساد الإداري في الإمارات العربية المتحدة.

إشكالية الرقابة الذاتية الإلهية:

تتمحور الإشكالية الأساسية لهذا التقرير في كيفية الحد من الفساد الإداري في دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك من خلال الاهتمام بالعنصر الإنتاجي الرئيس والمهم وهو الانسان، حيث تفعيل الرقابة الإلهية الذاتية للإنسان دورها في التخلص من الفساد الإداري في دولة الامارات العربية المتحدة؛ يعتبر أساس هذه الرقابة الذاتية الإلهية، ولهذا يمكن صياغة مجموعة من التساؤلات التي تساعد في الوصول لاستنتاجات ومقترحات حول كيفية الحد من الفساد الإداري من خلال تفعيل الرقابة الإلهية الذاتية من منظور إسلامي، ويمكن عرض تلك التساؤلات وفق التالي:

  1. ما المقصود بالرقابة في علم الإدارة؟
  2. ما المقصود بالرقابة في الإسلام؟ وما الدلالة على ذلك؟
  3. ما هي أنواع الرقابة في الإدارة الإسلامية؟ وما الدلالة على ذلك؟
  4. ما المقصود بالرقابة الذاتية؟ وما الدلالة على ذلك؟
  5. ما هي نتائج ممارسة الرقابة بشكل عام، والرقابة الذاتية بشكل خاص؟
  6. ما المقصود بالفساد الإداري؟ وما هي أنواعه؟
  7. ما هي أهم الاستنتاجات والمقترحات حول الحد من الفساد الإداري من خلال الرقابة الذاتية؟

أهمية الرقابة الإلهية الذاتية :

تنبع أهمية التقرير علمياً وعملياً من خلال النقاط التالية:

  1. تعتبر وظيفية الرقابة من أهم وظائف المدير.
  2. الرقابة الإلهية الذاتية تعتبر من أهم أنواع الرقابة على الإطلاق.
  3. أهمية الرقابة الذاتية من المنظور الإسلامي.
  4. أهمية تعزيز وتذكير الموظف المسلم بضميره ودينه الداعم للرقابة الذاتية.
  5. أهمية مكافحة ومواجهة الفساد الإداري في بقاء واستمرار المنظمات.
  6. أن أساس تحقيق الميزة التنافسية للمنظمات العامة والخاصة هو خلوها من الفساد الإداري.
  7. تنبع الأهمية التطبيقية لهذا التقرير من أهمية تحقيق فعالية مؤسسات دولة الإمارات العربية المتحدة.
  8. تنبع الأهمية التطبيقية من الاستراتيجيات التي تتبعها الدولة للحفاظ على بيئة إدارية خالية من الفساد الإداري.

أهداف الرقابة الإلهية الذاتية :

  1. التعرف على مفهوم وأهمية وأنواع الرقابة، وبالتحديد الرقابة الإلهية الذاتية.
  2. التعرف على مفهوم وأنواع الفساد الإداري.
  3. بيان كيفية الحد من الفساد الإداري.
  4. الكشف عن دور الرقابة الذاتية في الحد من الفساد الإداري.
  5. تقديم توصيات ومقترحات علمية للحد من الفساد الإداري.
  6. تقديم مقترحات وتوصيات علمية لتنمية وتعزيز الرقابة الذاتية.

أهم مصطلحات الرقابة الإلهية الذاتية:

الرقابة: عرفها هنري فايول بانها: “عملية التأكد من انجاز الأهداف التنظيمية بكفاءة”، ويعرفها الشناوي بأنها: “وظيفة إدارية تعمل على قياس وتصحيح اعمال المساعدين المرؤوسين بغرض التأكد من أن الأهداف والخطط المرسومة قد تحققت ونفذت” (جليلة، 2015 )

الرقابة في الإسلام: عرف علماء المسلمون المعاصرون الرقابة بتعاريف متقابلة مع الاصطلاح العام، بانها “التأكد والتحقق من ان تنفيذ الأهداف المطلوب تحقيقها في العملية الإدارية تسير سيراً صحيحاً بحسب الخطة والتنظيم والتوجيه المرسوم لها”(مير، 2012) ، بينما يرى آخرون بأن الرقابة في الإسلام هي: “مراقبة الله في جميع الأعمال الظاهرة والباطنة، ويشمل ذلك مراقبة الذات ومحاسبتها خوفاً من الله تعالى وعدلاً  وإحساناً، ومراقبة الرعية وتحمل مسؤوليتها”.(الخويطر، المفيز، 2019) .

الرقابة الذاتية: الرقابة التي يمارسها الموظف على نفسه وهي تتعلق بمدى اخلاص الموظف وشعوره بالواجب ورغبته في خدمة المصلحة العامة واحترامه وقبوله للأنظمة ومراعاته آداب اللياقة في تصرفاته مع المواطنين والزملاء والرؤساء والمرؤوسين، ولكي تحقق الرقابة الذاتية الأداء الجيد يجب تحقيق المعرفة للمهام ووضوح الدور الذي سيقوم به الموظف. (النميان، 1424ه)

الفساد الإداري:

استغلال السلطة للحصول على ربح أو منفعة أو فائدة لصالح شخص أو جماعة أو طبقة بطريقة تشكل انتهاكاً للقانون أو المعايير السلوك الأخلاقي. (السالم، 2009 ) .

الإجابة عن أسئلة الرقابة الإلهية الذاتية :

ما المقصود بالرقابة في علم الإدارة؟

تعرف الرقابة الإدارية: بأنها مراجعة الإنجاز وفقاً للخطط الموضوعة، كما تعرف بأنها عملية قياس النتائج الفعلية ومقارنتها بالمعايير أو الخطط الموضوعة، ومعرفة أسباب الانحرافات بين النتائج المتحققة والنتائج المطلوبة، كما تعرف بأنها عملية قياس الإنجاز المتحقق للأهداف المرسومة ومقارنة ما حصل فعلاً مع ما كان متوقعاً حدوثة، مع أن الرقابة لا تغفل الجانب الإنساني. (النميان، 1424ه ) .

 ما المقصود بالرقابة في الإسلام؟ وما الدلالة على ذلك؟

يعرف الدكتور حزام المطيري الرقابة في الإدارة الإسلامية بانها: “تلك الرقابة الشاملة، سواء كانت علوية، أو ذاتية، أم إدارية (رئاسية)، أم خارجية، والتي تسعى إلى التأكد من أن الأهداف المرسومة، والأعمال المراد تنفيذها قد تمت فعلاً وفقاً للمعايير والروابط الشرعية الإسلامية “. (هنيدي، 2010)

وقد مارس النبي صلى الله عليه وسلم الرقابة على اعماله، ففي صحيح البخاري عن أبي حميد الساعدي قال استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً على صدقات بني سليم يدعى بن اللتبية فلما جاء قال هذا مالكم وهذا هدية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً، وكان أبو بكر يمارس الدور الرقابي بنفسه على أعماله، وذكر الطبري أنه كان يراقب ولايته مراقبة شديدة، فكان لا يخفى عليه شيء من عملهم، أما عمر فقد طور آلية للرقابة الإدارية، وكان مهتماً بهذا الأمر أشد اهتمام، فكان يرسل المفتش العام محمد بن مسلمة للرقابة على الولاة وتفحص شكاوي الرعية والتحقق منها، أما علي فقد كتب للأشتر النخعي حين ولاه على مصر وأمره بالاهتمام بالرقابة على العمل، وكتب عمر بن عبد العزيز لعدي بن أرطاة أن ابعث إلي بفضل الأموال التي قبلك من أين دخلت.(الدغيثر، https://almoslim.net/documents/rgabh.pdf)

ما هي أنواع الرقابة في الإدارة الإسلامية؟

في الإدارة الإسلامية يمكن التميز بين أربعة أنواع للرقابة، وهي: (هنيدي، 2010):

الرقابة الربانية: وهي رقابة الله سبحانه وتعالى لعبادته ومخلوقاته، فالله سبحانه وتعالى رقيب على جميع الخلق، يعلم سرهم وعلانيتهم، ظاهرهم وباطنهم، وما تخفيه الصدور من خير وشر يقول تعالى: (وَكَانَ اللهُ علي كُلِ شَيءٍ رَقِيبَاً)

(الأحزاب الايه 52) .

الرقابة الذاتية: يعرفها عبد الرحمن الضحيان بانها: رقابة الموظف على نفسه مؤمناً ومستشعراً رقابة الله – تعالى – وان ما يقوله وما يعمله مسجل له أو عليه، لذا فهو يراجع أقواله واعماله، ويزنها بميزان الشرع الإسلامي، وكما يعرفها محمود عساف بأنها: “رقابة تنبع من داخل النفس الإنسانية، خشية غضب الله، وسعياً إلى مرضاته، والعمل على راحة النفس، وهي رقابة الضمير، وهذا في قوله تعالى: قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا). (الشمس، الآية 9-10) .

الرقابة الرئاسية: وتتضح الرقابة الرئاسية في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في اهله، ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعايتها، والخادم راع في مال سيده، ومسؤول عن رعيته، الا كلكم راع، ومسؤول عن رعيته”

الرقابة الحسبة: وأطلق عليها بعض الكتاب: الرقابة الشعبية، والحسبة تعني: الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي الإسلام نوعين من المحتسبين؛ المحتسب الرسمي الذي تعينه الدولة الإسلامية، والمحتسب المتطوع وهو من يرى أن قول كلمة الحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر – واجب في غياب المحتسب الرسمي، لقوله تعالى ( وَلتَكُن مِنّكُم أُمّةٌ يَدعُونَ إِلي الخَيرِ وَيأمُرُونَ بِالمعرُوفِ وَينهَونَ عَن المنكَرِ وَأُولَئِكَ هُم المُفلِحُونَ). (آل عمران: 104).

أما أنواع الرقابة في علم الإدارة فيمكن تقسيمها حسب المعايير إلى الرقابة على أساس الإجراءات وعلى أساس النتائج، وحسب موقعها في الأداء فيمكن تقسيمها إلى رقابة سابقة ولاحقة، أما وفقاً لمصدرها فمنها الداخلية والخارجية. (النميان، 1424ه) .

ما المقصود بالرقابة الذاتية؟ وما الدلالة على ذلك؟

قد عرفها الأشعري (2000: 359) بأنها “إحساس داخلي للموظف منشأه الإيمان الذي لا يخامره شك بان الله جلت قدرته يرى جميع تصرفاته الصغيرة والكبيرة والخفية والمعلنة، وأنه محاسب عليها” وهي ما تشير إليه الآية الكريمة:( وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيرَى اللهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُه وَالمُؤمِنُونَ). (التوبة  ، الآية 105)  وقد اكدت الآيات القرآنية أن الله تعالى يراقب الافراد ويظهر ذلك في قوله تعالى: (يَعلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَيعلَمُ مَا يُسِرُونَ وَمَا يُعلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الَّصُدُورِ). (التغابن ، الآية ، 4) .

قال تعالي: (للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ وَإن تُبدُوا مَا فِي أَنفُسِكُم أَو تُخفُوهُ يُحاسِبِكُم بِهِ اللهُ فَيَغفِرُ لمِن يَشَاءُ وَيُعَذِبُ مَن يشاء والله علي كل شيء قدير). (البقرة: 284)

والرقابة الذاتية عملية مستمرة ودائمة وليست جامدة ومؤقته وهي هاجس الموظف المؤمن رئيساً ومرؤوساً بانه خفى عمله القبيح من عيون الناس فإن رب الناس يراه، حيث لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وانه سوف يعرض عليه يوم الحساب وفي يده صحائف عمله، يقول الله تعالى: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلزَمنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخرِجُ لَهُ يَومَ الّقِيَامَةِ كِتَابَاً يَلقَاهُ مَنشُورَاً). (الإسراء، الآية ، 13) .

وهذه هي حقيقة لرقابة فكراً ومنهجاً وممارسة، والتاريخ الإسلامي يزخر بشواهد كثيرة علي عمق الرقابة الذاتية في حياة الإنسان، منها تلك الواقعة المشهورة الخاصة بنقاش دار بين أم وابنتها التي كانت تخطط لخلط اللبن بالماء، عندما قالت لها الأم نريد خلط اللبن بالماء فردت بنتها: إذا كان عمر لا يرانا فإن الله تعالي يرى متقلبنا ومثوانا لأنه يعلم ما في الضمير ويسمع. (الخويطر، المفيز، 2019)

ما هي نتائج ممارسة الرقابة بشكل عام، والرقابة الذاتية بشكل خاص؟

من أبرز النقاط الإيجابية للرقابة بشكل عام في أن الطعن القضائي يستلزم أن يستند إلى أسباب قانونية، بينما الطعن الإداري يجوز تأسيسه على أسباب شخصية وإنسانية، كما أن الرقابة مرنة ويسيرة تلجأ إليها الإدارة من تلقاء نفسها أو بناء على تظلم الأفراد، وهي لا تتطلب من الأفراد اتباع إجراءات قد تتسم بالطول أو البطء أو التعقيد، وغير مكلفة للأفراد. (زنكنة، 2017) .

كما أن عملية الرقابة ترتبط ارتباط وثيق بوظيفة التخطيط وبالتالي نتائج عملية الرقابة تبين نجاح الخطط الموضوعة، كما ان نتائج عملية الرقابة تخلق هيكل تنظيمي مرن، والكشف عن الأخطاء في وقتها اول بأول، ومن نتائج الرقابة انها تعمل على حماية الصالح العام، وتمنع الانحرافات، وتمنع حدوث الأخطاء. (جليلة، 2015).

  • ما المقصود بالفساد الإداري؟ وما هي أنواعه؟

يمكن معرفة معنى الفساد في القران الكريم من خلال تكرار لفظ الفساد في القرآن الكريم حيث ذكرت خمسين مرة موزعة على 23 سورة منه، بهيئات الفعل وتصريفاته، والمصدر واسم الفاعل، فأما الفعل فذكر ثمانية عشر موضعاً، والمصدر فذكر 11 موضعاً، واسم الفاعل مفرداً كان أو على صيغة الجمع واحد وعشرين موضعاً، ولقد ورد أكثر ألفاظ الفساد في القرآن الكريم متعلقاً بذكر الموضع، وهو الأرض، قال تعالى: “وَلَا تُفسِّدُوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلَاحِها(الأعراف، الآية، 56) ومرة حدد بالبر والبحر، في قوله تعالى: “ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِ وَالبَحرِ”(الروم ، الآية ، 41) ومرة بالبلاد، لقوله تعالى: “الَّذِينَ طَغَوا فِي البِلادِ، فَأكثَرُوا فِيهَا الفَسَاد”(الفجر الآية ، 11- 12)، ومرة بالقرى وهي البلدان والإقليم والمدن، يقول الله تعالى: إِنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَريَةً أَفسَدُوهَا” (النمل ، الآية ، 34)، أما في السنة النبوية فكان له عدة معاني أيضاً؛ فجاء بمعنى تلف الشيء وذهاب نفعه، وتغير الحال إلى غير صالح، وفساد ذات البين، وبالتالي يمكن تعريف الفساد في الاصطلاح الشرعي بأنه حالة من الاختلال التي تصيب الأشياء المادية او الاعتبارية، أو زوال الصورة عن المادة بعد ان كانت حاصلة، وهو مخالفة فعل المكلف للشرع أياً كان وجه المخالفة  .(عبد العالي، 2013).

فالفساد الإداري هو ما تحرمه القوانين المهنية والقواعد الأخلاقية، وهو أيضاً سوء استخدام للسلطة العامة من أجل الحصول على مكاسب خاصة، وهو استغلال السلطة للحصول على ربح أو منفعة أو فائدة لصالح شخص أو جماعة أو طبقة بطريقة تشكل انتهاكاً للقانون أو المعايير السلوك الأخلاقي الراقي، أو كل انحراف بالسلطة العامة للموظفين عن الأهداف المقررة لها قانوناً. (السالم، 2009).

أما أنواع الفساد الإداري:

يمكن بيان أنواع الفساد الإداري وفق التالي: (أحمد، 2015)

من حيث الحجم: فساد كبير وهو يقوم به كبار الموظفين في الدولة، وفساد صغير يصدر من صغار الموظفين.

من حيث القطاع: فساد القطاع الخاص، وفساد القطاع الحكومي.

من حيث الإقليم: فساد محلي، وفساد دولي.

الإستنتاجات :

ضرورة تفعيل وتعزيز الرقابة الإلهية الذاتية لدى العاملين في المؤسسات العامة والخاصة , وتوضيح مفهوم وأنواع الفساد الإداري لدى العاملين في المؤسسات العامة والخاصة ، وضرورة الدمج بين الرقابة الذاتية وأنواع الرقابة الأخرى , وأن يتم الاعتماد على الرقابة الذاتية بجانب الاهتمام بالتكنولوجيا الرقابية ، و تظهر الدراسات أن الرقابة الذاتية لها دور فعال في زيادة الفعالية ، ويظهر التحليل الوصفي للبيانات أن الرقابة بشكل عام والذاتية بشكل خاص لها دور فعال في التقييم الناجح للأداء ، ومن أهم نتائج الرقابة الذاتية اكتشاف الفساد مبكراً والإعلان عنه , وهناك ضرورة على اعتبار الرقابة الذاتية من ضمن المتطلبات الأساسية للحد من الفساد الإداري ، وأن للفساد الإداري آثار سلبية كثيرة وأهمها توقف المؤسسات عن تقديم الخدمات بشكل فعال، وزيادة الروتين، وهروب رؤوس الأموال للخارج،  والاستمرار في تحسين الوضع الاقتصادي للسكان، والاهتمام بالأجهزة المعنية بمكافحة الفساد الإداري، وتشجيع دور الرقابة الذاتية ، وتطوير وتنمية قدرات الأفراد في اكتشاف طرق وأساليب الفساد في مؤسساتهم ، وضرورة وضع قانون واضح يجرم الفساد الإداري، ويحدد عقوبته ، وتنمية الوازع الديني لدى العاملين لتفعيل وتعزيز الرقابة الذاتية ، وبين التحليل الوصفي أن اهم ما يميز الرقابة في الإسلام هي الرقابة الذاتية، وأن الرقابة الذاتية من أهم أدوات النجاح الإداري ، وهناك دلالات متعددة ذكرت حول أهمية وممارسة الرقابة بأنواعها من النبي صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة ، وتقديم المكافآت والحوافز للعاملين الملتزمين والتي تظهر رقابتهم الذاتية بشكل فعال ، وتقديم المكافآت والحوافز للعاملين المكتشفين لأي نوع من أنواع الفساد في المؤسسات .

المراجع:

هنيدي، عبد العزيز  “إدارة الذات: مدخل مقترح في الإدارة في الإسلام”، (الرقابة في الإدارة الإسلامية)، عرض كتاب، شبكة الألوكة السعودية، https://www.alukah.net/culture/0/26946/2010

زنكنة، إسماعيل  “الرقابة الذاتية على أعمال الإدارة”،المجلة العلمية لجامعة جيهان – السليمانية، المجلد 1، العدد 4، 2017.

النميان، عبد الله “الرقابة الإدارية وعلاقتها بالأداء الوظيفي في الأجهزة الأمنية”، دراسة مقدمة استكمالاًلمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في العلوم الإدارية، اكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، كلية الدراسات العليا، برنامج الماجستير، قسم العلوم الإدارية. 1424ه .

جليلة، تاجوري  “الرقابة الإدارية ودورها في تحسين الأداء الوظيفي لدى العاملين – دراسة ميدانية بمؤسسة وحدة بريد الجزائر”، مذكرة مكملة لنيل الماستر في علم الاجتماع، تخصص تنمية وتسيير الموارد البشرية، جامعة العربي، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، قسم العلوم الاجتماعية. 2015.

شاهين، سمر واقع الرقابة الإدارية الداخلية في المنظمات الاهلية في قطاع غزة، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، عمادة الدراسات العليا، كلية التجارة، قسم إدارة الاعمال، غزة. 2007.

أحمد، شريهان جهود مكافحة الفساد الإداري والمالي في المملكة العربية السعودية “دراسة مقارنة”، المجلة القانونية، المملكة العربية السعودية. 2015 .

مير، صالح  “الرقابة الشعبية في ميزان الفقه الإسلامي”، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 28، العدد الثاني، 2012.

عبد العالي، حاحة  “الآليات القانونية لمكافحة الفساد الإداري في الجزائر”، رسالة دكتوراه، جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، الجزائر. 2013.

السالم، عبد الله استراتيجية الحد من الفساد الإداري: حالة دراسية عن المملكة العربية السعودية، ورقة عمل عن ندوة بعنوان: “إدارة المال العام: التخصص والاستخدام وورشة عمل تسوية المنازعات المالية”، والمنعقدة في كوالالمبور، في الفترة ما بين 25-29 أكتوبر، اشراف: المنظمة العربية للتنمية الإدارية. 2009 .

الخويطر، أروى، المفيز، خولة الرقابة الإدارية في الإسلام (نماذج تطبيقية)، المجلة التربوية لتعليم الكبار، المجلد 1، العدد4،  2019.

الدغيثر، عبد العزيز، “الرقابة الإدارية”، https://almoslim.net/documents/rgabh.pdf