أهمية الدمج بين البحث اللساني والتربوي في تقديم مناهج وطرائق بيداغوجية قادرة على الرفع من فعالية تدريس اللغات – المنصوبات في اللغة العربية نموذجا

ذ. أمين إجروساون1

1 باحث بسلك الدكتوراه: جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب.

بريد الكتروني: ijroussaoun.amine.tsc@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(10); https://doi.org/10.53796/hnsj31010

Download

تاريخ النشر: 01/10/2022م تاريخ القبول: 09/09/2022م

المستخلص

يسعى هذا البحث إلى إبراز أهمية البحث اللساني في تقديم مناهج وطرائق قادرة على الرفع من مستوى فعالية تدريس اللغة العربية، وذلك من خلال الانفتاح على حقول معرفية متنوعة، من بينها اللسانيات وعلوم التربية والعلوم المعرفية بصفة عامة، وذلك بهدف تجويد المناهج الدراسية وحل مجموعة من المشاكل التي تعيق تدريس اللغة العربية خاصة في جانب الدرس اللغوي وخاصة النحوي منه.

والهدف الأسمى هو بناء درس نحوي جديد وذلك باعتماد مقاربات تربوية حديثة من ناحية واستثمار نتائج البحث اللساني الحديث في تجديد الخطاب التركيبي بالمقررات الدراسية.

دامجين بذلك بين نتائج الدراسات اللسانية الحديث وبين المقاربة بالكفايات باعتبارها تصورا نظريا مؤسسا على نتائج علمية دقيقة في كل من الديداكتيك وعلم النفس التربوي.

أما بالنسبة للتوصيات التي قدمناها فتمثلت في ضرورة إعادة مراجعة وتمحيص ما يتم تقديمه من معلومات وقواعد في المقررات الدراسية والتأكد من مطابقتها لنتائج الدراسات الحديثة، ومن جهة ثانية تجديد الطرائق البيداغوجية التي تعتمد في تدريس مكون الدرس اللغوي وجعل المتعلم فعلا هو محور العملية التعليمية التعلمية.

الكلمات المفتاحية: لسانيات –تربية _ ديداكتيك – لغة – تركيب

Research title

The importance of merging linguistic and educational research in providing pedagogical currical and methods capabl of increasing the effectiveness of language teaching

The Object in Arabic languge as a model

Amine Ijroussaou1

1 PhD researcher: Mohammed V University, Rabat, Morocco.

Email: ijroussaoun.amine.tsc@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(10); https://doi.org/10.53796/hnsj31010

Published at 01/10/2022 Accepted at 09/09/2021

Abstract

This research seeks to highlight the importance of linguistics research in providing methods that are capable of raising the level of effectiveness in teaching Arabic, through knowing various fields of knowledge for instance: linguistics, Educational sciences, and cognitive sciences in general.

To improve the educational subjects and solve numerous problems which can face teaching the Arabic language, in both sides linguistic and grammar.

Moreover, the ultimate goal is to build a new grammar lesson using new pedagogical approaches, and investing in modern linguistics results in renewing the synthetic discourse in academic courses by combining the modern linguistics results with the competency approach; since we consider it as a theoretical conception based on accurate scientific results in both didactic and educational psychology.

Furthermore, the recommendations that we made it represented the need for re-reviewing and scrutinizing the information and the rules which are provided in the academic courses to ensure their conformity with the recent studies.

On the other hand, the renewal of the pedagogical methods depends on teaching linguistic lessons and making the learner the center of the teaching-learning process.

Key Words: Linguistics – Education – didactics – languge – syntax

تمهيد

لم تحظ ظاهرة المنصوبات في اللغة العربية بتجديد كبير على مستوى التحليل اللساني، فرغم وجود بعض الدراسات التي عالجت هذه القضية، فهي تبقى غير كافية لرصد مختلف القضايا التي تطرحها علينا هذه الظاهرة، وعلما أن المنصوبات تشكل أكبر صنف من الأسماء في اللغة العربية، فحل بعض المشاكل التي تعترض تدريسها سيعد مساهمة مهمة في تيسير تمرير الدرس اللغوي للمتعلمين خاصة، ولتعليم وتعلم اللغة العربية بصفة عامة.

في هذا السياق يأتي اقتراحنا لأحد هذه المنصوبات وهو المفعول لأجله موضوعا لهذا البحث. والغاية من ذلك هو سد بعض الثغرات التي تعرفها دراسة هذه القضية، محاولين في هذا السياق تقديم مقاربة جديدة لتحليل هذه الظاهرة وتعميمها على باقي المنصوبات، انطلاقا من مجموعة من الفرضيات.

ويعتبر الإعراب من القضايا المهمة في الدراسات اللغوية قديما وحديثا. ذلك أن اللغات الطبيعية جميعها لا تكاد تخلو من سمة الإعراب من ناحية، وللدور الذي تلعبه هذه الظاهرة في تصورنا وفهمنا للجمل من ناحية أخرى.

في هذا السياق سعت النظرية التوليدية إلى تجاوز هذا النقص في وصف الأبنية، حيث ستعرف الدراسات اللغوية وخاصة التركيبية منها مرحلة تاريخية، تمثلت في اللسانيات التوليدية التي بزغت مع أولى أعمال نوام تشومسكي المؤسسة في كتابه: البنيات التركيبية سنة 1957، حيث قدم فيه تصورا شاملا وجديدا، يتمثل في تفسير الظاهرة اللغوية. مؤسسا أول نظرية تركيبية قائمة الذات في تاريخ الدراسات اللغوية. نظرية تجمع مختلف مستويات الدرس اللساني في نموذج واحد[1]، بعدما كانت هذه المستويات تدرس منفصلة عن بعضها، ونتحدث هنا عن المستوى الأصواتي والفونولوجي والصرفي والتركيبي والدلالي. كما تميزت اقتراحات تشومسكي بقيمتها التفسيرية القوية.

ومحاولة منا حل بعض المشاكل التي تواجه متعلم اللغة العربیة، خاصة في جانب الدرس اللغوي، فقد اشتغلنا في هذه الدراسة على أحد أصعب مستویات الدرس اللغوي ألا وهو المستوى النحوي، فعملنا على إحدى المنصوبات وهي “المفعول لأجله” ، للمشكل الكبیر الذي یعترض التلامیذ في ضبط واستيعاب ما تطرحه هذه الأسماء من مشاكل. ونحاول أن نوسع دائرة البحث لتشمل المنصوبات جميعها. كونها تتسم بالشيء الكثیر من التعقید والتداخل مما يثیر عوائع عدة في تدریسها.

إن معاینة قضية “الإعراب” وهي واحدة من قضايا عديدة تطرحها المنصوبات في اللغة العربية في العربیة كفيل بتبيان الإشكالات المتعلقة بصعوبة هذه الأسماء على التحلیل. وهو ما یستدعي مقاربتها بطرائق مختلفة، وذلك من خلال اقتراح مقاربة جدیدة في التحلیل لتسهیل تناولها وفهمها .

إن ما یستدعي اقتراح مقاربة جدیدة ومبسطة في التحلیل بقوة هو: وجود عدة مشاكل تواجه تعليم اللغة العربية، ويذكر كنكاي منها[2]

-1 عزوف وعدم رغبة المتعلمین في دراسة اللغة العربیة. هذا العزوف الذي یصل إلى حد الكره لدى الكثیر من المتعلمین.

-2 كثرة الوظائف النحوية التي تشملها ظاهرة الإعراب في اللغة العربیة وتداخلها بشكل یجعلها صعبة الضبط، حیث یصرح العدید من المدرسین بالصعوبة التي یجدونها في التدریس مقارنة بمكونات أخرى .

-3 اعتماد الكتاب المدرسي للقواعد التي نجدها في كتب النحو العربي القدیم دون الأخذ بعین الاعتبار لمستوى التلامیذ في الفهم والتحلیل والقدرة على التجرید.

-4 طابع الإبهام والتجرید في القواعد وفي اللغة الواصفة التي یقدم بها وصف وتحلیل ظاهرة الإعراب وغیرها، والتي تنتهي غالبا بإعراب یجتر القواعد النحویة القدیمة الصارمة دون تفسیر منطقي كاف ودون تقدیم الغایة من تدریس هذه الظاهرة أو تلك. مما یجعل المتعلم لا یتحسس الهدف منها بالتالي یقع في النفور وعدم الاهتمام .

إن الوقوف عند هذه الظاهرة يمكننا من رصد ما تطرحه هذه الأخیرة من مشاكل أمام نجاعة أي عملیة بيداغوجیة في التدریس، فالإعراب مرتبط بعدة قضایا تخص طبیعة اللغة العربیة منها الطریقة التي تدرس بها بشكل عام، ومن أهم القضایا التي تطرح هنا ما یلي :

أولا : خاصیة الإعراب الصرفي في اللغة العربیة.

حيث تتمیز اللغة العربیة كما أشرنا بإعرابها الصرفي الذي یظهر على آخر الكلمات لتحدید مواقعها ووظائفها النحویة، ویصبح الأمر أكثر تعقیدا حین يلاحظ أن اللغة العربیة تتمیز بثنائیة الإعراب، وأمام هذا الكم الهائل من الإشكالات التي یطرحها الإعراب، یمكن تصور مدى الصعوبات التي تعترض المتلقي والملقن في تعلم وتعلیم هذه الظاهرة.

ثانیا : تعدد مواقع إعراب الرفع والنصب والجر .

إن الوقوف عند عدد هذه الوظائف النحویة التي ترد بالعلامة الإعرابية نفسها ،يكفي لكي یستشف المرء القدر من الصعوبة التي تواجه المتعلم في تحدید الوظیفة النحویة التي تأخذها الكلمات في سیاق من السياقات.

المبحث الأول : المفعول لأجله وتداخل إعرابي النصب والجر

مقدمة:

نحاول من خلال هذا المبحث تأكيد صدقية فرضيتنا القائلة أن الإعراب الأصلي في المفعولات – باستثناء المفعول به- هو إعراب الجر لا إعراب النصب.

فمن بين الإشكالات المطروحة بالنسبة لقضية الإعراب، مسألة التعالق بين الإعرابات نفسها، والتي يثيرها الجر، فمن ناحية هناك العلاقة بين الرفع والجر، والعلاقة بين النصب والجر من ناحية ثانية. وسنقتصر في هذا السياق على رصد العلاقة الثانية .

“فإعراب الجر قد يأتي مناوبا إما للنصب وإما للرفع، ويستنتج بعض الباحثين من خلال هذا التناوب أن إعراب الجر لا يشكل إعرابا أساسيا إلى جانب الرفع والنصب، وإنما يظهر كمناوب لهما”. [3]

“فحين يكون حرف الجر محققا فإن المفعول يتلقى إعراب الجر، وحين لا يتحقق الحرف فإن المفعول يتلقى إعراب النصب من الفعل. وقد استدل بعض النحاة على أن حق المفعول النصب سواء أكان فضلة للفعل أو للحرف، فإذا كان فضلة للفعل استحق النصب في اللفظ والمعنى -المحل- وإن كان فضلة للحرف فإنه ينصب على المحل”.

“إلا أن ما يسود حاليا هو أن فضلة الفعل تتلقى منه النصب، وعندما يرد حرف الجر فإنها تتلقى إعراب الجر من هذا الحرف”.[4]

لكننا في هذا الإطار سنعمل على فرضية مضادة، إذ نعتبر أن في هذه التناوبات الإعرابية دليلا على أن الإعراب الأصلي بالنسبة للمفعول لأجله هو إعراب الجر، وليس العكس. وسنركز في هذا المبحث على العلاقة بين النصب والجر فحسب .

ويمكن دراسة هذا التعالق بين الإعرابات في العربية من خلال ظاهرتي “النصب على نزع الخافض ” وكذا ” الحذف والإيصال “

فرضية : – النصب على نزع الخافض

إن الفرضية التي نتبناها في هذا الإطار هي أن إعراب النصب الذي يتلقاه المفعول لأجله وغيره من المفاعيل التي تنضبط لنفس الأحكام، ناتج عن نزع الخافض، وليس ناتجا عن عامل هو الفعل، وهو ما سنستدل عليه فيما سيأتي.

تعتبر ظاهرة النصب على نزع الخافض قضية بارزة بشكل كبير في الواقع العملي للغة نطقا وكتابة، وهذا السلوك المتمثل في إجراء بسيط هو حذف حرف – زائد – ليس سلوكا لغويا طارئا على اللغة العربية حديثا، بل سلوكا أصيلا قد تكون استدعته أسباب سنشير إليها فيما بعد .

“فالمنصوب على نزع الخافض في العربية، اسم منصوب يذكر بعد فعل حقه أنه يتعدى بالحرف، ولكنه حذف على تعيينه، استغناء عنه، إيجازا واختصارا، نحو: “دخلت الدار”، أي “في الدار”. فهذه أفعال لا تتعدى إلا بحرف الجر،  ولكن لما كثر استعمالها، حذف حرف الجر اختصارا وتخفيفا حين علم أن أصل الكلام كذلك”. [5]

كما يمكن أن نرصد هذا السلوك عند النحاة في إشارتهم المتناثرة لهذه الظاهرة في كتبهم، من خلال أبواب متفرقة دون أن يخص أحدهم هذه الظاهرة بكتاب أو دراسة مستقلة.

فقد أشار إليه سيبويه في الكتاب في باب “ما شبه من الأماكن المختصة بالمكان غير المختص” و”باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين فإن شئت اقتصرت على مفعول واحد”. وبصفة عامة في باب “حذف الجار” وباب “التعدي واللزوم” و”المفعول فيه” كما هو وارد في كتب التراث النحوي كألفية ابن مالك وشرح المفصل وكتاب المغني اللبيب وغيرها.

يقول في هذا الصدد :

” وقال بعضهم (ذهبت الشام) يشبه المبهم إذ كان مكانا يقع عليه المذهب، وهذا شاذ لأنه ليس في “ذهب” دليل على الشام وفيه دليل على المذهب والمكان ومثل ذهبت الشام، دخلت البيت. [6]

فكلمة الشام اسم منصوب والعامل فيه “ذهبت” وهو فعل لازم لا ينصب بنفسه مفعولا به أو أكثر، وإنما ينصبه بمعونة حرف الجر، أو غيره مما يؤدي إلى التعدية. ويورد سيبويه العديد من الأمثلة لهذه الظاهرة ومنها :

  • “وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا [7] أي – من قومه
  • سميته زيدا – سميته بزيد
  • أستغفر الله ذنبا – لذنب
  • أمرتك الخير – أمرتك بالخير

“يقول سيبويه : وإنما فصل هذا أنها أفعال توصل بحروف الإضافة فتقول اخترت فلانا من الرجال وسميته بفلان كما تقول أستغفر الله من هذا، فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل”[8].

أما الذي يهمنا الآن فهو مناقشة ما ينتج عن هذه الظاهرة دلاليا وتركيبيا، وهو ما سنحاول رصده من خلال هذا المحور ودراسة هذه المسائل دراسة تطبيقية.

فقد استمد النحاة هذا الاسم ( المنصوب على نزع الخافض) للدلالة على الاسم الذي انتصب بعد حذف حرف الجر، وعرفه النحاة بقولهم: ” الاسم المنصوب بفعل حقه أن يتعدى بحرف، لكنه حذف عند تعيينه استغناء عنه سماعا و قياسا ” لوصول الفعل إليه” نحو قوله تعالى : ” واختار موسى قومه سبعين رجلا” أي من قومه.[9]

الحذف والإيصال

ستنتج عن ظاهرة نزع الخافض التي ندرسها، ظاهرة ثانية هي (الحذف والإيصال)، وقد أشار إليها سيبويه من خلال كتابه في قوله السابق. فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل. كما أشار إليها المبرد في كتابه، حيث رأى أن حروف الإضافة إذا حذفت وجب نصب الاسم بعدها لأن الفعل يصل فيعمل، يقول:

“واعلم أن حروف الإضافة إذا حذفت من القسم وجب نصبه كقولك “الله لأفعلن” وأنت تقصد “بالله لأفعلن”[10]

ويشير ابن السراج في كتابه أصول النحو إلى هذه القضية محللا بعض الأمثلة تحليلا رائعا يقول: “وقد اختلف النحويون في “دخلت البيت” هل هو متعد أم غير متعد وإنما التبس عليهم ذلك، لأن العرب استعملته بحرف وبدونه، وهو عنده غير متعد بدليل أن الفعل الذي يقابله وهو “خرج” غير متعد، فلو كان متعديا لكان مضاده كذلك متعديا. لأنك لا ترى فعلا متعديا إلا إذا كان مضاده كذلك. ومثال ذلك: “سكن وتحرك” فكلاهما غير متعد”.[11]

وقد ربط النحاة عموما بين حذف حرف الجر وإيصال الفعل فيقرون بها جميعا يقول الزمخشري:

أما المحدثون من اللغويين فأشاروا إلى الظاهرة ضمن محاولاتهم لتيسير النحو وتجديده: فتحدث عباس حسن عن الظاهرة في النحو الوافي حيث رأى ما يلي:

“إن النصب على نزع الخافض سماعي وهو مقصور على ما ورد منه منصوبا مع فعله الوارد نفسه، ولا يجوز أن ينصب فعل من تلك الأفعال المحددة كلمة على نزع الخافض، إلا التي وردت مسموعة عن العرب، وعلل ذلك لئلا يكثر الخلط بين اللازم والمتعدي، ولعدم اللبس والإخلال بالمعنى وكي لا تفقد اللغة بيانها، ويعتقد الباحثون أنه قد أصاب في ذلك، إلا أن الفعل اللازم قد يكثر استعماله، فتستعمله العرب متعديا كما في ” دخلت البيت أو المسجد” فهذا على التوسع والتخفيف وأن هذه المسألة خلافية بين النحاة.[12]

وأشار فخر الدين قباوة إلى هذه الظاهرة بقوله : “إذا حذف الجار انتصب الاسم بعده على نزع الخافض. وتحدث عنها شوقي ضيف بقوله: جاءت في اللغة بعد أفعال لازمة مفعولات منصوبة أحيانا، وكان حقها الجر ويجعل النحاة ذلك من باب نزع الخافض“.[13]

أما الفرضية التي نتبناها وفق تصورنا، هي أن إعراب النصب الذي يسم المفعولات الخمس في اللغة العربية – باستثناء المفعول به- إعراب دلالي لا يرتبط بمقولة وظيفية تسنده وإنما هو إعراب دلالي يأتي لملء الفراغ الإعرابي بعد نزع حرف الجر، لأن الإعراب الأصلي في هذه المفعولات هو إعراب الجر الذي تسنده مقولة الحرف، وبعد حذف هذه المقولة يأتي النصب عوضا عن الإعراب الأصلي.

ومن الأدلة التي نسوقها في هذا الباب، أنه في جميع السياقات التي يرد فيها المفعول لأجله وغيره من المفاعيل باستثناء المفعول به بطبيعة الحال، يمكننا إضافة حرف الجر دون وجود أي خلل على المستوى الدلالي، ويمكن بعد هذا الإجراء الرجوع إلى الإعراب الأصل في هذه المفاعيل. فوفق تصورنا، إعراب النصب الذي يأتي في مجموعة من السياقات إنما هو إعراب طارئ غير أصلي يأتي لملء الفراغ الإعرابي لدى هذه الوظائف الأربع.

وهو الشيء الذي يمكن أن نوضحه من خلال كل من البنيات أ، ب، ج على التوالي :

1-

أ) المفعول لأجله

– فر زيد خوفا

ب) المفعول فيه (ظرف الزمان)

– عاد الرجل صباحا

المفعول فيه (ظرف المكان)

– هرب الناس غربا

ج) المفعول معه

– سار زيد والنهر

مشى عمر وحافة الوادي

فهذه المفعولات الثلاث جميعها تقبل دخول حرف جر عليها وهو ما نوضحه من خلال ما يلي :

1: أ) المفعول لأجله

– فر زيد للخوف

ب) المفعول فيه (ظرف الزمان)

– عاد الرجل في الصباح

ج) المفعول فيه (ظرف المكان)

– هرب الناس إلى الغرب

د) المفعول معه

– سار زيد مع النهر

– سار عمر مع النهر

أما السياقات التي يرد فيها المفعول به والمفعول المطلق كذلك، فهي السياقات الوحيدة التي لا تقبل دخول حرف جر عليها وعليه فإننا نفترض أن إعراب النصب الذي يسند لهذين المكونين -أو المفعول به على الأقل- إعراب أصلي غير إعراب المفعولات الأخرى، وهو ما يمكن أن نوضحه من خلال ما يلي:

2: أ) المفعول به

  • هدم زيد الدار
  • ضرب زيد عمرا
  • أحب خالد سعاد
  • كسر الريح الزجاج
  • منح عمر هندا كتابا

ب) المفعول المطلق :

– ضرب زيد عمرا ضربا

– نطق زيد نطقا

وبالمقابل فالسياقات التي يرد فيها كل من المفعول به والمفعول المطلق، لا تقبل دخول حرف جر، وهو ما يتضح من لحن البنيات التالية:

3: أ)

  • * هدم زيد مع الدار
  • * ضرب زيد إلى عمر
  • * أحب خالد عن سعاد
  • * كسر الريح على الزجاج
  • * منح عمر لهند مع كتاب

ب)

– * ضرب زيد عمرا لضرب

– * نطق زيد على نطق[14]

إن كل هذه الملاحظات تدعونا إلى اعتبار الإعراب الأصلي في هذه المفعولات الثلاثة، – وكما سبق أن أوردناه – (المفعول لأجله، المفعول معه، المفعول فيه) هو إعراب الجر لا النصب .

أما الملاحظة الثانية التي نستدل من خلالها على أن المفعولات باستثناء المفعول به تأخذ إعرابا مغايرا عن هذا الأخير، تتعلق أساسا بمسألة الحذف. حيث نفترض أن الإعراب الذي يسند لهذه المفعولات الثلاثة بالإضافة إلى المفعول المطلق إعراب دلالي لا يرتبط بمقولة تسنده، وذلك باعتبارها ملحقات وفضلات غير ضرورية. فإن الإعراب الذي تأخذه هذه العناصر وفق هذا الاعتبار، يجب أن يكون بالضرورة إعرابا مختلفا عن الإعراب الذي يسند للمفعول به والذي يعتبر فضلة ضرورية.

الفضلة غير الضرورية:

نوضح هذه المسألة من خلال النتائج التي يمكننا إجراء الحذف من ملاحظتها وذلك كالتالي:

  • ضرب زيد عمرا
  • كسر الريح الزجاج

فحذف أحد هذه المفعولات يؤدي بنا إلى الحصول على جمل لاحنة تركيبيا وغير تامة دلاليا كما في :

  • * ضرب زيد
  • * كسر الريح

وهو الشيء الذي يؤكد أن المكون (المفعول به) مكون أساس داخل الجملة العربية بالنسبة للأفعال المتعدية، إذ إن هذه الأفعال تتطلب بالضرورة مفعولا واحدا على الأقل. في حين تقبل اللغة العربية حذف المفعولات الأخرى دون أي مساس بسلامة الجملة، لا تركيبيا ولا دلاليا باعتبار الجملة أقل تركيب وأقل معنى يحسن السكوت عنده. وهو ما يتضح من خلال هذه البنيات:

أ) المفعول لأجله

– ضرب زيد عمرا تأديبا

ب) المفعول فيه (ظرف الزمان)

– عاد الرجل صباحا

المفعول فيه (ظرف المكان)

– هرب الناس غربا

ج) المفعول معه

– سار زيد والنهر

مشى عمر وحافة الوادي

د) المفعول المطلق

– ضرب زيد عمرا ضربا

فهذه البنيات تقبل أن ترد بهذه الطريقة كذلك – أي بدون هذه المفعولات- كما في الأمثلة التالية.

أ) المفعول لأجله

– ضرب زيد عمرا

ب) المفعول فيه (ظرف الزمان)

– عاد الرجل

المفعول فيه (ظرف المكان)

– هرب الناس

ج) المفعول معه

– سار زيد

مشى عمر

د) المفعول المطلق

– ضرب زيد عمرا

كل هذه الملاحظات تدعونا لاعتبار المفعول الحقيقي والوحيد في العربية هو المفعول به، عكس باقي المفعولات التي نعتبرها ملحقات لا تدخل في التركيب الأساس للجملة العربية.

وهو ما يبين ما قلناه سلفا فيها تعلق بالفرضية الثانية، واعتبرنا من خلالها أن العلاقات التي تربط بين الفعل والمفعول به مختلفة عما يربط بين الفعل وباقي المفعولات، مما جعلنا نفترض أن إسناد الإعراب لا يتم بالطريقة عينها للمفعولات جميعها. وعليه ننفي صحة الفرضية الثالثة.

الخلاصة :

وفق الملاحظات التي قدمناها سلفا قد توصلنا إلى مجموعة من الاستنتاجات المهمة:

  1. المفعول لأجله يقبل أن يدخل عليه جار في جميع السياقات التي يرد فيها.
  2. المفعول لأجله ليس عنصرا أساسا داخل الجملة العربية، بل من بين الملحقات.
  3. إعراب النصب الذي يأخذه المفعول لأجله إعراب دلالي، غير مرتبط بمقولة تسنده.
  4. الإعراب الأصلي بالنسبة للمفعول لأجله هو إعراب الجر وهو ناتج عن مقولة الحرف.
  5. المفعول به هو المفعول المباشر أو الحقيقي الوحيد.
  6. باقي المفعولات “مفعولات غير مباشرة” أو “غير حقيقية”.
  7. الإعراب الأصلي في المفعولات غير المباشرة إعراب دلالي غير مرتبط بمقولة تسنده.
  8. يرد المفعول لأجله وغيره من المفعولات منصوبا في عدة سياقات مع عدم وجود الفعل.

المبحث الثاني: البنية الموضوعية والبنية المحورية التي يرد ضمنها المفعول لأجله:

يشير الفاسي الفهري (1986) إلى أن “إحدى الاستراتيجيات في مقاربة العلاقة بين الخصائص التركيبية للمفردات ودلالاتها، هو: “القيام بتصنيف المفردات إلى طبقات، باعتماد مقاييس تركيبية محضة، على أمل أن هذا التصنيف ستدعمه الدلالة. بعبارة أخرى، لا يمكننا التركيب من تحديد الذوات التركيبية فقط، بل من تحديد الذوات الدلالية أيضا، نظرا إلى أن الطبقات الدلالية للمحمولات واردة في التركيب”. [15]

إلى أي حد إذن، يمكننا التركيب من التنبؤ بالشبكة المحورية التي تتطلبها المحمولات؟ وإلى أي حد يمكننا استثمار هذه الإمكانية في تحديد العلاقة بين المحمول والموضوعات التي يتطلبها، وتحديد نمط العلاقة القائمة بينهما؟ بمعنى هل هذه العلاقة، مبنية على ارتباط وثيق بين المحمول والموضوعات الواردة داخل الجملة، أم أن هذا الارتباط غير ذلك؟

إذا توفقنا في الإجابة عن هذه التساؤلات، سنتمكن من تحديد ما إذا كان المفعول لأجله يدخل ضمن الشبكة الموضوعية والشبكة المحورية لمحموله، أم أنه يتقوقع خارج هذه البنية. ونتمكن أيضا من رصد التعالقات الواردة بين الشبكة المحورية للمحمول وبين مجموعة من القضايا كالإعراب والإسناد وغيرها.

” لقد عرفت النماذج التوليدية عدة تغيرات مست التمثيل للمداخل المعجمية والمعلومات التي تحتويها. فنموذج المظاهر مثلا، يتضمن جانبين مهمين من المعلومات الواردة في : الإطار التفريعي والخصائص الانتقائية. حيث إن إطار التفريع المقولي (subcategozation frame) هو سياق المقولات المركبية التي تظهر فيها الوحدة المعجمية، وعلى الخصوص المعلومات عن الفضلات التي تظهر مع الوحدة المعجمية، محددة بذلك عدد ونمط الفضلات التي ينتقيها الحمل مقوليا. ففعل مثل “ضرب” له إطار تفريعي كما في 1 وفعل مثل أقنع له إطار تفريعي مثل 2″.[16]

1 ضرب : – / م.س

2 أقنع : – / م.س (م ح)

م.س : مركب اسمي، م.ح : مركب حرفي، كما في “أقنعت زيدا بالذهاب”

أما الخصائص الانتقائية، فتحدد القيود الدلالية على الوحدات التي تحمل محلات الحمل. فلا يقال مثلا:

* ابتسمت الصخرة

لأن التبسم من خصائص الإنسان، ولذلك يكون أحد القيود الانتقائية على ” ابتسم” هو: [+ إنسان].

لكن مع نظرية الربط العاملي التي نعتمدها في هذا الإطار [17]Government Binding Theory سيصبح بالإمكان التنبؤ بجل المعلومات التي تدخل في التفريع المقولي من خلال مبادئ مستقلة تمكن من تمثيل كاف للمحمول وموضوعاته. حيث أصبح الاستغناء عن التفريع المقولي ممكنا لأن مدخل كل محمول، صار يمثل بنية موضوعية.

“فالأفعال والحروف، مثلا تسند أدوارا محورية إلى المركبات الاسمية الموضوعات، وهي تسند في تصور تشومسكي 1981 دورا محوريا واحدا على الأكثر. وهذا الدور هو مفعول الفعل أو مفعول الحرف. ولا يسند الفعل دورا إلى الفاعل بصفة مباشرة، بل إن المركب الفعلي ( الفعل مع مفعوله) هو الذي يسند دورا محوريا – بالتأليف – إلى الفاعل. وإسناد الأدوار الدلالية يتم في البنية العميقة، إذ يسندها الفعل إلى الفضلات التي يعمل فيها، ويسند دورا دلاليا إلى الفاعل الذي تعمل فيه الصرفة. فهذه النظرية للأدوار الدلالية ولإسنادها نظرية تركيبية”.[18]

من خلال ما سبق نفترض أنه بالإمكان تحديد الأدوار الدلالية التي تعكس البنية التصورية للوحدات المعجمية انطلاقا من خصائصها التركيبة، باعتبار الدلالة خرجا للتركيب.

يتبين من خلال ما سبق، أن الفعل أو الاسم أو الحرف هو الذي يتحكم في إسناد الموضوعات والأدوار الدلالية، التي تأخذها هذه الموضوعات.

بنية المحمول الموضوعية والمحورية:

يجب على كل نظرية لسانية إقامة نموذج يمثل للعلاقة القائمة بين المحمول وموضوعاته وأدوارها المحورية.

فكيف يتم ربط هذه الأدوار بالموضوعات في التركيب؟ يقترح عبد القادر الفاسي الفهري 1986 للجواب عن هذا السؤال سلمية للأدوار الدلالية كما في8.

8- منفذ <مصدر<هدف (معان، مستفيد) <أداة< محور <مكان

  • وبعض قواعد الربط الإعرابي النحوي في 9:

9- أ. الرفع: يربط أعلى دور محوري

ب. الجر: يربط أعلى دور محوري

ج. النصب: يربط الأدوار المحورية السفلى (التي تسفل الدور المحوري الأول).[19]

فإذا كان افتراض تشومسكي (1981) ومارنتز (1984)Marantz، يقول بأن الفعل لا يمكنه أن يسند أكثر من دور محوري واحد صحيحا، فإن الموضوعات الأخرى التابعة للفعل لن تتوصل بدورها المحوري من الفعل، وإنما من مقولة مسندة أخرى هي الحرف غالبا.

“يسمى المركب الاسمي الذي يتوصل بدوره المحوري مباشرة من الفعل موضوعا مباشرا. وإذا لم يتوصل هذا الموضوع بدوره المحوري من الفعل، سمي موضوعا غير مباشر. ويمكن أن يتوصل الموضوع بدوره من المركب الفعلي بواسطة علاقة حملية (وليامز(1981) Williams). ويسمى هذا الموضوع موضوعا خارجيا…….”[20]

1- البنية الموضوعية والبنية المحورية للمفعول لأجله ضمن الفعل اللازم:

إن الخلاصة التي نصل إليها من خلال ما سبق، هي أن الفعل اللازم في اللغة العربية -على الأقل- وكيف ما كانت طبيعته غير قادر على تجاوز هذه الأدوار المحورية الثلاثة. وعليه، فإن هذا الفعل لا يتطلب ورود عنصر المفعول لأجله، ضمن شبكته الموضوعية وشبكته المحورية كذلك، فهو يقتصر عادة على ورود موضوع واحد، يأخذ الوظيفة التركيبية الفاعل والدور المحوري المنفذ كما في: ‟جاء زيد‟ و ‟قعد عمرو‟ .

  • جاء زيد
  • زيد (م.س، فاعل، منفذ)

فهذه هي البنية العادية التي يأخذها الفعل اللازم، وقد يأخذ بنيات أخرى، كما هو وارد في ( 11) لكنه لا يخرج عن هذه الأدوار المحورية الثلاثة. وحتى حين خروج الفعل اللازم بواسطة معينة إلى موضوع ثان، وأدوار محورية أخرى، يكون هذا الموضوع خارج البنية الموضوعية للفعل، وعليه فنحن لا نعتبره من المكونات الحدود وإنما ضمن الملحقات.

  • (11)

أ- جاء زيد طمعا في إكرامه

ج- قعد المحارب خوفا على حياته

فالمكونات (طمعا، خوفا) ترد كملحقات ضمن بنية الفعل اللازم، لكون الفعل لا يتطلب ورودها لا ضمن بنيته الموضوعية، ولا ضمن بنيته المحورية.

وعليه فإن الدور المحوري (الهدف أو العلة)، الذي تأخذه هذه العناصر غير وارد كذلك ضمن الشبكة المحورية للفعل اللازم.

2-البنية الموضوعية والبنية المحورية للمفعول لأجله ضمن الفعل المتعدي:

أما الجمل في (12)، فتمثل للفعل المتعدي، وتبين أنه يتطلب أكثر من موضوع. ففي(12أ)، “زيد” يسند إليه دور المنفذ، لأن فعله إرادي، بينما يسند دور الضحية لعمرو. في حين نجد فعل منح في(12ب) ذو ثلاث موضوعات. فهو يسند دور المانح للَّجنة، ودور المستقبل للفائز، ودور المحور للجائزة.

(12) أ. ضرب زيد عمرا

ب. منحت اللجنة الفائز جائزة

وحتى إن وردت عناصر إضافية، ضمن جملة الفعل المتعدي، فتكون هذه المكونات خارج البنية الموضوعية للفعل، كما يظهر في 13.

1 (13) أ. ضرب زيد عمرا تأديبا له.

ب. منحت اللجنة الفائز جائزة تكريما له.

أما في ما يخص الدور المحوري، الذي يسند إلى المكون الذي يعرف بأنه مفعول لأجله في العربية، فيتراوح بين دور الهدف ودور “العلة” أو “السبب”، حيث إن الجمل في 14 تؤول بطريقتين مختلفتين تماما:[21]

  • 14

أ- قعد المحارب حفاظا على حياته

ب- قعد المحارب خوفا على حياته

حيث تؤول الجملة 14 أ) كما يلي :

بالنسبة للمكون قيد الدراسة (المفعول لأجله)، فيرد خارج البنية الموضوعية، ومن ثمة خارج البنية المحورية لرأس الجملة (الفعل)، فهذا العنصر لا يمكن اعتباره من المكونات الحدود داخل اللغة العربية، بل ضمن الملحقات، عكس المفعول به الذي يرد بالضرورة، ضمن البنية الموضوعية والبنية المحورية للفعل المتعدي، وكذا للفعل اللازم في بعض الحالات التي يتحول فيها إلى فعل متعد.

المبحث الثالث: المنصوبات في اللغة العربية – دراسة ديداكتيكية

اشتغلنا في إطار هذه الدراسة على شقين، تمثل الأول في مراجعة الكتب المدرسية ومعرفة ما إذا كانت تعتريها بعض النقائص في تقديم الظاهرة اللغوية قيد الدراسة -المنصوبات- من حيث الشكل والمضمون، ومن جهة ثانية عملنا على توزيع استمارات تتضمن مجموعة من الأسئلة لعينة متنوعة من التلاميذ والطلبة، في سياق حرصنا على الخروج بنتائج علمية ودقيقة في نهاية البحث، حيث شملت العينة 261 تلميذا، وشملت الدراسة 5 فئات من التلاميذ والطلبة في كل من مدينة الدار البيضاء، مكناس، تاونات، وبنسليمان. وهي على التوالي:

  • تلاميذ الثانية إعدادي: 156 تلميذا ضمن أربعة أقسام.
  • تلاميذ الجذع المشترك آداب وعلوم: 47 تلميذا ضمن أربعة أقسام.
  • طلبة السنة الأولى من الإجازة: 25 طالبا.
  • طلبة حاصلون على الإجازة: 20 طالبا .
  • طلبة الماستر : 13 طالب.

فيما مجموعه:

261 عينة

وذلك بهدف رصد مختلف المشاكل التي تعترض التلاميذ في ضبط هذه الظاهرة اللغوية، في مختلف المستويات الدراسية.

المستوى الأول: الدراسة الميدانية:

أ: الكتاب المدرسي: – مرشدي في اللغة العربية – السنة الخامسة ابتدائي:

نشير إجمالا إلى أن هذا الكتاب المدرسي من الناحية الشكلية يقدم درس المفعول لأجله بطريقة جيدة. غير أنه من ناحية المحتوى لا يتضمن عنصرين هامين في تعريف المفعول لأجله. الأول قد ذكرناه، ويتعلق بكون المفعول لأجله يمكن أن يرد مجرورا، أما المسألة الثانية فترتبط بكون المفعول لأجله يعتبر ضمن المصادر وهو “مصدر قلبي” تحديدا، وهي مسألة أساسية في تعريفه.

كما لا يبين الكتاب المدرسي أن المفعول لأجله يأتي مبينا الهدف من وقوع الفعل بالإضافة إلى سبب وقوعه. وهو فرق لا يمكن أن يلاحظه التلميذ من خلال الأمثلة المقترحة، فهي لا تظهر سوى الهدف من وقوع الفعل.

كما يعرفه الكتاب المدرسي بأنه مصدر منصوب، وهو شيء غير دقيق، لأن الأصل فيه وكما بينا هو الجر لا النصب، وإنما النصب طارئ بعد نزع الحرف.

ب: الكتاب المدرسي: – مرشدي في اللغة العربية – السنة الثانية إعدادي:

يقدم درس المفعول لأجله في سلك الثانية إعدادي، عبر الخطوات التالية: 1) الملاحظة ثم 2)التحليل والوصف وبعد ذلك 3 )الخلاصة ثم 4)التطبيق.

ب: التعليق على الدرس ومراحله:

الملاحظة:

من الناحية الشكلية: في ما يتعلق بهذه المرحلة، يقدم الكتاب مثالين واضحين في متناول التلميذ.

من ناحية الموضوع: الأمثلة المقدمة في هذه الخطوة غير كافية، فالمفعول لأجله يرد بأشكال أكثر، وعليه فهي غير كافية ليلم المتعلم بمختلف أشكال الأسماء التي قد يرد بها هذا العنصر.

الوصف والتحليل: من ناحية الشكل: تقدم أمثلة جيدة، مبسطة.

من ناحية المضمون: ترفق الأمثلة المقدمة في هذه المرحلة بأسئلة، ويتكفل الكتاب المدرسي نفسه بالإجابة عنها، وهو شيء غير مقبول كونه لا يسمح للتلميذ بتشغيل فكره والبحث عن إجابة، بل يقدم جوابا جاهزا للتلميذ، الشيء الذي لا يسمح بمعرفة مدى تحقق الفهم لديه.

الاستخلاص:

من الناحية الشكلية: يقدم الكتاب المدرسي في هذه المرحلة استنتاجا شاملا لكل القواعد التي ثم ذكرها سلفا.

من ناحية المضمون: الاستنتاج الذي يقدم كما وضحنا متوافق مع ما ذكر من أمثلة.

التطبيقات :

من الناحية الشكلية: أسئلة غير كافية.

من ناحية الموضوع: تطلب هذه الأسئلة من التلميذ تحديد المفعول لأجه ضمن جملتين، إن هذا السؤال لا يمكننا من معرفة ما إذا كان التلميذ قد ألم بالدرس، علما أنه يتضمن قواعد وشروط كثيرة.

خلاصة:

بعد مراجعتنا للكتب المدرسية، وبالرغم من بعض الملاحظات السلبية التي سجلناها على هذه الكتب، فلا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال معيقا ديداكتيكيا أو سببا في عدم ضبط المتعلمين لهذه الظاهرة اللغوية.

المستوى الثاني: الدراسة الميدانية:

شملت الاستمارات الموزعة على العينة المبحوثة ثمانية أسئلة كما الآتي:

السؤال 1 : ماذا تعرب الكلمات ( رغبة – رجاء – خوفا- ) في الجمل التالية؟

………………………………………………………………………………………..

السؤال 2)هل هذه الكلمات ( رغبة – رجاء – خوفا ) عبارة عن مصادر ؟ نعم لا

السؤال 3) ما هي الحركة التي تظهر على هذه الكلمات ؟

الرفع النصب الجر النصب و الجر

السؤال 4)ما هو المصدر القلبي؟

…………………………………………………………………..

السؤال 5)هل يمكن للفعل اللازم أن يتعدى إلى مفعول؟ نعم لا

السؤال 6) على ماذا تدل هذه الكلمات ؟

على سبب وقوع الفعل على الهدف من وقوع الفعل عليهما معا

السؤال 7) هل يجوز أن يأتي المفعول في أول الجملة و قبل الفعل ؟ نعم لا

السؤال 8) صل بسهم بين كل جملة و ما يوجد فيها؟

ضرب زيد عمرا مفعول به

أقبل زيد إقبالا حال

جاء زيد صباحا مفعول معه

مشى زيد و النهر مفعول فيه

جاء زيد ليأكل مفعول مطلق

مشى زيد مسرعا مفعول لأجله

نتائج الدراسة التجريبية :

بعد تفريغ ما مجموعه 261 استمارة خصت خمس فئات، وصلنا إلى النتائج التالية:

  • لم يتمكن ما معدله 62 بالمائة من التلاميذ في السنة الثانية إعدادي، و56 بالمائة من تلاميذ الجذع المشترك، من تحديد الوظيفة الإعرابية التي طلب منهم إعرابها في السؤال الأول. كما تخلط هاتان الفئتان بين المفعول لأجله وغيره من المنصوبات. ويمتد هذا الخلط إلى الطلبة الحاصلين على الباكالوريا والحاصلين على الإجازة، وحتى لدى طلبة الماستر بمعدل أقل فأقل على التوالي.
  • 72 بالمئة من تلاميذ الثانية إعدادي اعتبروا أن هذه الكلمات مصادر وهو شيء صحيح. لكن يبدوا أن هذه الأجوبة غير مقدمة عن وعي من التلاميذ. وإلا فلما كانت إجابة أغلب التلاميذ في السؤال الأول مفعول به – نعت – حال – توكيد – مفعول فيه – مفعول معه-. كما يمتد الخطأ عند الحاصلين على الباكالوريا بمعدل %32 وبنسبة %10 من الحاصلين على الإجازة، وكذا % 15 بسلك الماستر. حيث اعتبروا أن هذه الكلمات ليست مصادر، مما يبين أن عدم التمييز بين المصادر وغير المصادر وارد في كل المستويات.
  • ما يقارب ربع التلاميذ من مستوى الثانية إعدادي و%17 من تلاميذ الجذع المشترك لا يميزون حتى بين الرفع والنصب والجر. بل ويمتد الأمر لدى التلاميذ الحاصلين على الباكالوريا ب 12 %.
  • لم يتمكن سوى %4 من تلاميذ الثانية إعدادي و%0 من الجذع المشترك من معرفة معنى المصدر القلبي.
  • خلط واضح لدى كل من الطلبة والتلاميذ في معرفتهم للفعل اللازم والفعل المتعدي.
  • استشعر التلاميذ والطلبة أن هناك فرقا دلاليا في الأمثلة التي قدمناها فتوزعوا بين من ذهب إلى دلالتها على الهدف ومن ذهب إلى دلالتها على السبب، ومن رأى فيها دلالة عليهما معا.
  • يرى أغلب التلاميذ والطلبة في كل المستويات التي شملتها الدراسة أن المفعول لا يمكن أن يتقدم الفعل وهو شيء غير صحيح.
  • نقطة 1.81 على 6 لتلاميذ الثانية الإعدادي و 2.13 على 6 للجذع المشترك كمعدلات فيما يخص آخر سؤال في الاختبار، وهي معدلات جد متدنية لم تصل حتى إلى المتوسط الذي هو 3 على 6 . في حين تجاوزت الفئات الأخرى المتوسط ووصلت إلى معدل 5.6 مع عدم الحصول على النقطة كاملة أي 6على6 في أي مستوى.

إن كل هذه المعطيات تظهر لنا بجلاء المشكل الكبير الذي يعترض تدريس هذا الصنف من الأسماء في اللغة العربية، ما يجعلنا نقول أن المقاربة الديداكتيكية واللسانية التي تدرس بها ظاهرة المنصوبات –على الأقل- قد أبانت عن فشلها.

بالإضافة إلى هذا فالتلاميذ الذين شملتهم هذه الدراسة في مستويات الباكالوريا- الإجازة- الماستر، قد خضعوا لانتقاء أولي ثم امتحان كتابي فامتحان شفوي، وعليه فإن مستواهم أعلى من أقرانهم، ولو وجهت هذه الاستمارات لفئة غير هذه العينة لكانت النتائج أسوء بكثير.

خلاصة الدراسة التجريبية:

خلصت الدراسة إلى أن السبب وراء عدم ضبط المتعلمين لظاهرة المصوبات وخلطهم بين وظائفها النحوية المتنوعة، راجع بالأساس إلى التمايزات الدقيقة القائمة بين هذه الوظائف فيما يخص التداخل بين إعرابي النصب والجر، كما أنه راجع من ناحية ثانية إلى اعتماد طرائق بيداغوجية تقليدية ديداكتيكيا وبيداغوجيا، بحيث لا يزال تفعيل المقاربة بالكفايات داخل فصولنا الدراسية حبرا على ورق، والذي يرجع بدوره إلى عدم توفر الشروط الملائمة، بسبب الاكتظاظ في الأقسام وغياب تكوين مستمر فاعل لهيئة التدريس.

المقترحات والتوصيات:

أشرنا إلى ضرورة إعادة مراجعة وتمحيص ما يتم تقديمه من معلومات وقواعد في المقررات الدراسية والتأكد من مطابقتها لنتائج الدراسات الحديثة، ومن جهة ثانية تجديد الطرائق البيداغوجية التي تعتمد في تدريس مكون الدرس اللغوي وجعل المتعلم فعلا هو محور العملية التعليمية التعلمية.

أما من ناحية المادة المقدمة فاقترحنا أن يدرس المفعول لأجله ضمن الأسماء المجرورة هو وباقي المفعولات، باستثناء المفعول به الذي لا يقبل إعراب الجر. بحيث يتحقق التلميذ من هوية هذا المكون بتقدير “لام التعليل” ، فإن أمكن تقدير اللام كان هذا العنصر مفعولا لأجله وإن لم يمكن تقديره فهو غير ذلك، كما تقدر” في” للمفعول فيه، دلالة على زمانه ومكانه، وواو دالة على مصاحبه للمفعول معه وحرف يؤكد الفعل أو يبين نوعه أو عدده للمفعول المطلق، بحيث يكون الفيصل في تحديد النصب أو الجر هو إمكانية تقدير حرف الجر من عدمه، كما بينا حروف الجر الأصلية الخاصة بكل مفعول لتفادي الخلط بين هذه المصوبات وبين حروفها.

إن المقاربة التي نقترحها لتدريس المنصوبات تحد من إشكالية الخلط بين هذه الوظائف النحوية، كما أنها تحد من إشكالات لسانية عدة مثل مشكلة إسناد الإعراب والأدوار المحورية، كما وضحنا ذلك في المبحث الثاني.

فهرس مراجع البحث : المراجع العربية

كتب النحو العربي القديم:

  1. سيبويه أبو بشر بن عمرو بن عثمان بن قزبر: الكتاب، الجزء الأول، تحقيق:عبد السلام محمد هارون/ ط(1988) الطبعة الثالثة مكتبة الخانجي القاهرة.
  2. المبرد: المقتضب في النحو، ج 1 تحقيق محمد عبد الخالق عظيمة، ط (2010) عالم الكتب بيروت.

الدراسات الحديثة:

  1. أمين محمد 2017 “المكون المعجمي في تدريس اللغة العربية“: نحو منهجية لسانية معرفية مندمجة مقال من كتاب: المعجم العربي قضايا ومقاربات لسانية – 2017 ص 24 منشورات مختبر الدراسات اللسانية والديداكتيكية والمعرفية سلسلة نظريات ومناهج. جامعة مولاي إسماعيل/ المدرسة العليا للأساتذة بمكناس.
  2. تنغري عبد الحفيظ 2016 “دراسة التعدي واللزوم في اللغة العربية وتدريسيتهما” مقاربة لسانية – بحث لنيل شهادة الماستر المتخصص “المناهج اللغوية والأدبية لتدريس اللغة العربية “, إشراف د. رشيد بن زكو – جامعة مولاي إسماعيل المدرسة العليا للأساتذة- مكناس.

الزراعي حسين 2004 “إعراب الجر والأنظمة الإعرابية عبر اللغات” – دراسة تركيبية و دلالية وصرفية في ضوء آخر تطورات اللسانيات التوليدية التحويلية – إصدارات وزارة الثقافة و السياحة : صنعاء .

د العرجا جهاد يوسف/ العايدي حسين راضي – “المصوب على نزع الخافض في العربية” – دراسة تطبيقية – مجلة الجامعة الإسلامية – المجلد 18 – 2010

الفاسي الفهري عبد القادر 1986 “المعجم العربي” – نماذج تحليلية جديدة ص 23 – دار توبقال للنشر الطبعة الثانية 1999.

كنكاي عبد القادر (2010): إشكالية ظاهرة المنصوبات في اللغة العربية”: السمة الإعرابية وتوحيد التحليل، مقال من كتاب: السمات في التحليل اللغوي: منشورات مختبر اللسانيات والتواصل: كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك – جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، الدار البيضاء.

المكي سمية 2013 “الكفاية التفسيرية للنحو العربي والنحو التوليدي” دار الكتاب الجديد المتحدة مقدمة الكتاب.

المكي سمية 2013 “التنوع المقياسي لنظرية الربط التوليدية” سلسلة مقالات المنشورات الجامعية بمنوبة- تونس

المراجع الغربية:

1 – Amine, M. (2003) La dérivation en arabe et la syntaxe des traits grammaticaux. thèse pur l’obtention de titre de docteur D’Etat ès lettres “Option Linguistique Université Sidi Mohamed ben Abdellah ° faculté des lettre et des sciences humaines Dhar Mahraz. Département de langue et de littérature française. Entre les pages 150 – 156.

2- Haegeman, G. L. (1994), Introduction To Government and Binding Theory. Second edition, BLACKWELL OXFORD UK Cambridge USA

3- Shomsky N.(1975) Syntactic Structur . Seconc Edition – m

Mouton de Gruyerberln – Ney York 2002

الكتب المدرسية:

  • الكتاب المدرسي: – مرشدي في اللغة العربية – السنة الخامسة ابتدائي، وزارة التربية الوطنية- المغرب
  • الكتاب المدرسي: – مرشدي في اللغة العربية – السنة الثانية إعدادي، وزارة التربية الوطنية، المغرب

Margins:

  1. أنظر تشومسكي 1975
  2. كنكاي عبد القادر (2010): إشكالية ظاهرة المنصوبات في اللغة العربية”: السمة الإعرابية وتوحيد التحليل، مقال من كتاب: السمات في التحليل اللغوي: منشورات مختبر اللسانيات والتواصل: كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك – جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، الدار البيضاء.
  3. الزراعي حسين 2004 “إعراب الجر والأنظمة الإعرابية عبر اللغات” – دراسة تركيبية و دلالية وصرفية في ضوء آخر تطورات اللسانيات التوليدية التحويلية – إصدارات وزارة الثقافة و السياحة : صنعاء ص 117.
  4. المرجع نفسه ص 6
  5. د العرجا جهاد يوسف/ العايدي حسين راضي – “المصوب على نزع الخافض في العربية” – دراسة تطبيقية – مجلة الجامعة الإسلامية – المجلد 18 – 2010
  6. سيبويه “الكتاب” ج 1 ص38 مرجع سابق.
  7. صورة الأعراف الآية 115
  8. المرجع السابق ص
  9. المرجع نفسه ص 40
  10. المبرد “المقتضب في النحو” ج 2 –ص 320
  11. “المنصوب على نزع الخافض” ص484 مرجع سابق
  12. نفسه 486
  13. المرجع نفسه 486
  14. Amine Mohamed “La dérivation en arabe et la syntaxe des traits grammaticaux” thèse pur l’obtention de titre de docteur D’Etat des lettres “Option Linguistique” Université Sidi Mohamed ben Abdellah ° faculte des lettre et des sciences humaines Dhar Mahraz. Département de langue et de littératures françaises. Entre les pages 150 et 156

    يشير اادكتور محمد أمين إلى أن البنيات 3) ب تقبل دخول حرف جر في ما يسمى بالنائب عن المفعول المطلق:

    ضرب زيد عمرا بضرب شديد.

    نطق زيد بنطق واضح.

    مما يجعلنا نقدر حرف الجر في المفعولات جميعها باستثناء المفعول به.

  15. الفاسي الفهري عبد القادر 1986 “المعجم العربي” – نماذج تحليلية جديدة ص 23 – دار توبقال للنشر الطبعة الثانية 1999.
  16. نفسه
  17. أنظر مثلا Haegeman, G. L. (1994), Introduction To Government and Binding Theory. Second edition, BLACKWELL OXFORD UK Cambridge USA .
  18. نفسه ص 26
  19. المرجع نفسه: ص 50
  20. تنغري عبد الحفيظ 2016 “دراسة التعدي واللزوم في اللغة العربية وتدريسيتهما” مقاربة لسانية ص 23- بحث لنيل شهادة الماستر المتخصص “المناهج اللغوية والأدبية لتدريس اللغة العربية “, إشراف د. رشيد بن زكو – جامعة مولاي إسماعيل المدرسة العليا للأساتذة- مكناس.
  21. للمزيد حول الأفعال اللاأركاتية والأفعال اللامنصوبة أنظر تنغري حفيظ 2016 وخربوش ثوريا 1995