دراسة التوظيف النفسي لدى الراشدين الذين قاموا بقتل زوجاتهم

د. حلوان زوينة1 د. بن عاليا وهيبة2

1 1أستادة محاضرة أ، تخصص علم النفس العيادي، المخبر المتعدد التخصصات في علوم الإنسان والبيئة والمجتمع LAPLUSHES ، جامعة البويرة ، مدينة البويرة ، البلد: الجزائر، البريد الالكتروني: z.hallouane@univ-bouira.dz

2 أستاذة محاضرة أ، تخصص علوم التربية، جامعة البويرة، مدينة البويرة، البلد: الجزائر،البريد الالكتروني: benaliaouahiba7@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(11); https://doi.org/10.53796/hnsj31137

Download

تاريخ النشر: 01/11/2022م تاريخ القبول: 08/10/2022م

المستخلص

تسمح العلاقة الزوجية بارتباط رجل بامرأة بطريقة شرعية ويعقد الزواج في جو يسوده الفرح لدى الزوجين ولدى عائلاتهما الكل يتمنى لهما السعادة. وعندما يرزقان بأطفال تزداد هذه العلاقة متانة ويضمن الاستقرار والأمن. لكن عندما تسود الخلافات بين الزوجين ولا يحتمل أحدهما الآخر يلجأ الشريكين إلى الانفصال بالابتعاد عن بعضهما أو باللجوء إلى الطلاق. رغم أنه غير محبب لكنه يبقى ، في بعض الحالات ، الحل الأنسب. رغم وجود نزاعات تخلفها هذه العملية إلا أن التشريع والقانون وُجدا للفصل والإنصاف. لكن رغم الحلول المتعددة يلجأ بعض الأزواج إلى جريمة قتل وهذا أمر غير معقول. وتكرار هذه الظاهرة في العديد من الحالات جعلنا نفكر في استقصاء نوعية التوظيف النفسي الخاصة بالمجرمين أي معرفة نوع الاضطرابات النفسية التي يعانون منها وما هي المكونات النفسية التي تستجيب للعلاج النفسي وهذا قصد توجيه المعالجين النفسانيين للمساعدة الملائمة لفئة المجرمين والحد من الظاهرة.

بينت النتائج أن العلاقة العلاجية الايجابية تسهل في تحسين المكونات النفسية لدى المجرين مما يِدي إلى تخفيض في أعراض الاضطرابات النفسية.

الكلمات المفتاحية: التوظيف النفسي، قتل الزوجة ، المرور إلى الفعل، العلاج النفسي، جريمة القتل.

Research title

A study of psychic functioning among adults who committed the crime of murdering their spouses

Abstract

The marital relationship allows a man to be legally bound with a woman, and the marriage takes place in an atmosphere of joy for both spouses and their families. Everyone wishes them happiness. And when they have children, this relationship increases strength and stability and security are guaranteed. But when differences prevail between spouses and one of them cannot tolerate the other, the two partners resort to separation by moving away from each other or resorting to divorce. Although it is unpopular but it remains, in some cases, the most appropriate solution. Although there are disputes left behind by this process, the legislation and the law exist for separation and fairness. But despite the multiple solutions, some husbands resort to murder, and this is unreasonable. The repetition of this phenomenon in many cases made us think about investigating the quality of psychological employment of criminals, i.e. knowing the type of psychological disorders they suffer from and what are the psychological components that respond to psychological treatment, and this is in order to direct psychological therapists to the appropriate assistance for the category of criminals and reduce the phenomenon.

The results showed that the positive therapeutic relationship facilitates the improvement of psychological components of the patients, which leads to a reduction in the symptoms of mental disorders.

Key Words: Psychic functioning, wife killing, acting out, psychological treatment, murder crime.

  1. المقدمة

ترتكب جرائم القتل لأتفه الأسباب ولمجرد أوهام وشكوك بين المعتدين والضحايا. عندما يصبح المرور إلى الفعل العنيف المنطق الوحيد الطاغي على لغة الحوار والتفاهم بين الزوجين باختلاف أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية ومستوياتهم التعليمية، نتساءل عن خبايا ذلك لدى راشدين قاموا بقتل زوجاتهم. حيث قمنا بدراسة توظيفهم النفسي من المنظور التحليلي لمعرفة مدى نضج آليات الدفاع لدى مجموعة بحثنا وكيفية إرصان صراعاتهم النفسية ونوع علاقتهم.

بينت نتائج الدراسة أن التوظيف النفسي الخاص بالحالات الثلاثة يتميز بتثبيتات تعود إلى المرحلة الفمية . لم يتمكن أي منهم باستثمار الآخرين مما جعل توظيفهم النفسي تجتاحه المشاعر الغير منظمة وأثر عليهم سلبيا وجعلهم يعادون المجتمع. كل العوامل وضحت بنية نفسية هشة وظهرت مكونات البنية العصابية شبه منعدمة بينما بدت نتائج النرجسية عالية وفي علاقة ارتباطية ايجابية مع التجنب. وهذا يبين أنه كلما كان الفرد يحب نفسه كلما تفادى وتجنب الآخرين وبالتالي يجب التكفل بهذه الحالات ومحاولة تحسين توظيفهم النفسي كي يتمكنون من استثمار الغير وتكوين علاقة زوجية متزنة.

  1. إشكالية الدراسة

يقوم الفرد بفعله الوحشي دون رحمة ولا شفقة على المجني عليه ودون أن ينتابه خوف من عواقب أفعاله. تنعدم كل قيم الإنسانية، لا ثقافة ولا مجتمع، لا دين ولا قانون كأن الفرد مدفوع بقوة داخلية وبدائية حيث تظهر الطبيعة التلقائية والنزقة للفعل تحت تأثيرالاندفاع.وقدتبين في أعمال كل من( Green A., 1993) و (Blier C., 2013) أنه يمكن اعتبار السلوك العنيف مثل الاعتداء الجنسي، القتل أو الانتحار كتفعيل لهوام متعلق بالرغبة الجنسية وإنما يتمثل في عدم التمكن من عمل الإرصان الذي يترجم ويعوض بالمرور إلى الفعل.

حيث يعتبر المرور إلى الفعل كمخرج عنيف يحققه التوظيف الذي تنعدم لديه وسائل التحرر من الصراعات الداخلية والخارجية. إن الفعل (agir) ليس تصرفا (action) حيث يتطلب التصرف فظاءا للعبور يسمح بتأجيل ظرفي يستوجب ذلك فظاءا حاوي لفكرة حرة مهيأة للتصرف. بينما يشخص المرور إلى الفعل بافتقار الفرد إلى الحب وانعدام علاقة مُرضية و مُشبّعة بالموضوع. يكون الفضاء والزمن غائبان أو في تناقض خلال العمل التصوري مع عدم القدرة على الانتظار.

يتجرأ الفرد على القيام بأفعال بشعة يعجز القلم على تدوينها ويعجز اللّسان على النطق بها. . يقول سيجموند فرويد “إن مسألة الجنس البشري تطرح نفسها، على ما يُخيل لي، على النحو التالي : هل سيكون في مستطاع تقدم الحضارة، وإلى أي مدى، أن يسيطر ويتغلب على الخلل الذي تحدثه في الحياة المشتركة دوافع البشر الغريزية إلى العدوان و تدمير الذات؟ ربما كان العصر الحالي يستحق، من وجهة النظر هذه، اهتماما خاصا” (طرابيشي ج. 1980، ترجمة ، ص : 118).

رغم كل ذلك يجب على المختص النفساني الذي يحترم تخصصه أن لا يحكم على تصرفات الأشخاص بل محاولة فهمها. تقول (Klein M., 1927) بعدما قامت بدراسة على المجرمين: “إذا كنا نَوَدُ فهم هؤلاء المجرمين ومساعدتهم يجب أن نبحث في الطبقات العميقة والبدائية في نفسيتهم”.

يتطلب الأمر الرجوع إلى المرحلة الفمية لمحاولة البحث في هذه الطبقات العميقة والبدائية للنمو النفسي. حيث تعتبر المرحلة الفمية الأولية حسب كارل أبراهام كمرحلة ما قبل التناقض الوجداني الذي تتمثل فيه عمليه المص بالإستدخال لكن لا يوجد الموضوع بعد. فالتناقض الوجداني حسبه لا يظهر إلا في مرحلة السادية الفمية ، في الالتهام الذي يتضمن القساوة ضد الموضوع وفي الأخير يقوم الفرد بتعديل موضوعه وحمايته من التحطيم. (Abraham K., 1924, p :276)

هذا يدل على انعدام الوجدانات بانعدام العلاقة بالمواضوع لأن الفرد لم يقم بعد باستدخال أجزاء منه. وعندما يصل إلى مرحلة استثمار المواضيع يتحقق ذلك بالكراهية التي تمثل الأرضية الوحيدة التي تُبنى عليها الوجدانات الايجابية. وبالتالي تعتبر القساوة المتبادلة كمرحلة أساسية للعلاقة التفاعلية الأولية بين الفرد ومحيطه. لقد أكد. (Lagache D., 1974)على فكرة السادومازوشية جاعلا منها البعد الرّئيسي في العلاقة التفاعلية بين الأشخاص.

عندما تتعايش النزوات العدوانية رفقة النزوات الليبيدية يكون خلالها الموضوع جزئي (بالخصوص ثدي الأم) ويكون منشطر حيث نجد الموضوع “الجيد”من جهة والموضوع السيئ من جهة أخرى.” حسب (Klein M. , 1927) “تتمثل الوضعية الفصامية-العضامية في نوعية العلاقة بالموضوع التي تميز الأشهر الأولى من حياة الفرد والتي يمكن أن نجدها فيما بعد (أي هذه الوضعية) عند الطفل أو الراشد خاصة عند الحالات الفصامية والعضامية.

استعملت كلمة فصامي حسب (Fairbairn W. R. D., 1952), لتوضح الأحداث البدائية التي يفسر فيها الطفل الرفض والإحباط كنتيجة لحبه العديم الشفقة مع الخوف من أن يحطم هذا الحب، حب الأم الموجه إليه في المقابل. ويندرج من هذا الخوف انشطار الأنا مثل انشطار الآخر وانشطار الموضوع.

يحُول هذا الانشطار دون قدرة الربط بين النزوات الليبيدية والنزوات العدوانية. ويشرح كوروسكيفية الانتقال من الوضعية المذكورة آنفا إلى الوضعية الاكتئابية حيث يقول: “يتضح لنا الانخفاض في آليات الانشطار المستندة على نكوصات دقيقة متعلقة بالوضعية الفصامية-عظامية حيث يؤدي هذا الانخفاض إلى تطور تدريجي نحو الوضعية الاكتئابية”. (Coros M., 2016, p :20).

لكن هذه الوضعية التي تلتحم فيها نزوات الليبيدو بنزوات العدوانية مثلما وضحتها ميلاني كلاين، (Klein M., 2005) بقولها: “تجتمع النزوات الليبيدية والنزوات العدوانية لتشكل موضوع واحد”. وهذا ا يفسر المازوشية حيث يتلذذ الفرد بألم الآخر.

عندما نطالع بالتدقيق أعمال كلود باليي وهو يصف التحول الذي يلاحظه في التوظيف النفسي نستنتج أن التكفل النفسي بالذين قاموا بالقتل ينتقلون إلى مرحلة يشعرون فيها بوجدانات حيث يقول: “…شيء مهم يحدث في إعادة تنظيم توظيفهم النفسي: القدرة على البكاء واكتشاف أو إعادة اكتشاف الخوف لأن هؤلاء الرجال القاسيين باستطاعتهم فعل جرائم لا أجرأ حتى أن أذكر بشاعتها وهذا بكل برودة وبدون أي حسرة. يفعلونها دون تفكير في عواقبها لا على الجاني ولا على المجني عليه. ولا يعقب فعلهم أي تأنيب ضمير وكأن لم يحدث شيء إطلاقا”(Balier C., 2005, p :263) . انطلاقا من كل ما سبق طرحنا التساؤل التالي:

  • ما هي خصوصيات التوظيف النفسي الخاص بالراشدين الذين قاموا بقتل زوجاتهم؟
  1. الفرضيات

3-1- الفرضية العامة

يتميز التوظيف النفسي الخاص بالراشدين الذين قاموا بقتل زوجاتهم بتثبيتات بدائية تعود إلى المرحلة الفمية.

3-2- الفرضيات الجزئية

3-2-1- يتميز التوظيف النفسي الخاص بالراشدين الذين قاموا بقتل زوجاتهم بافتقار في الوجدانات.

3-2-2- يتميز التوظيف النفسي الخاص بالراشدين الذين قاموا بقتل زوجاتهم بنرجسية مرتفعة.

3-2-3- يتميز التوظيف النفسي الخاص بالراشدين الذين قاموا بقتل زوجاتهم بالعنف نحو المجتمع .

  1. أهداف الدراسة

يهدف هذا البحث إلى دراسة التوظيف النفسي من المنظور التحليلي ومعرفة نوع علاقة الراشدين الذين قاموا بقتل زوجاتهم ومدى قدرتهم على استثمار الآخر وحبه ودرجة عنفهم تجاه الآخرين.

  1. أهمية الدراسة

تكمن أهمية هذا البحث في محاولة حصر العوامل التي تِؤدي بالأزواج إلى قتل زوجاتهم نظرا لخطورة الظاهرة ومحاولة فهم أسبابها يساهم في الحد منها.

  1. تحديد المفاهيم

6-1- التوظيف النفسي

النشاط الذي يقوم به الجهاز النفسي لمواجهة مواقف مختلفة باختيار آليات الدفاع المناسبة لتحقيق التوازن بين الرغبات ومتطلبات المجتمع والتوفيق بينهما. وفي هذه الدراسة يتمثل التوظيف النفسي الجيد في نتائج مجموعة عوامل خاصة بالنضج النفسي والمتحصل عليها من أداة البحث SWAP 200 بحيث تتجاوز 50%.

6-2- مرحلة الرشد

فرد يصل إلى سن التكليف بحيث يكون مسؤول عن أقواله وأفعاله وهي المرحلة العمرية التي تأتي بعد المراهقة. تبدأ مرحلة الرشد عندما يصل الفرد إلى سن العشرين وفي بحثنا هذا ينحصر عمر مجموعة بحثنا بين 27 و36 سنة.

6-3- الزوجة

هي المرأة التي يتزوجها الرجل بعقد شرعي وقانوني واجتماعي يسمح لكل منهما بتصريف علاقاتهما الجنسية في إطاره، كما تحدد لكل منهما حقوقا وواجبات، بهدف تكوين أسرة أساسها المودة والرحمة والتعاون والإحصان.

6-4- القتل

قيام فرد ما بإنهاء حياة فرد آخر. وفي هذا البحث نقصد قتل الزوج لزوجته عمدا أي ليس دفاعا عن النفس ولا من غير قصد.

  1. مرجعية الإطار النظري

نتطرق إلى توضيح التوظيف النفسي ، وما وراء علم النفس، بتعريف الجهاز النفسي، مرورا بكلا الموقعيتن مع توضيح تكاملهما، وإظهار السيرورة النفسية ضمن علاقاتها الدينامية والموقعية والاقتصادية.

7-1- الجهاز النفسي

يتمثل الجهاز النفسي في عمليات نفسية معقدة تقوم بها كل موقعية على حدى حيث يمثل التوظيف النفسي كيفية سير هذا الجهاز ككل. حيث حدد فرويد (Freud S., 1920)تنظيمات لها مواقع خاصة في الجهاز النفسي، وكل تنظيمة لها وظائف خاصة بها. ويعمل الجهاز النفسي حسب ثلاثة وجهات نظر وهي: الموقعية والدينامية والاقتصادية. حيث يعود الجهاز النفسي إلى التنظير التحليلي الخاص بـما وراء علم النفس.

    1. ما وراء علم النفس

في بادئ الأمر يجب أن نتطرق إلى La métapsychologie التي تُرجمت إلى ما وراء علم النفس. ويحدد (Freud S., 1925) في إعماله ما يقصد بهذا المصطلح حيث يقول في كتابه: »حياتي والتحليل النفسي  «: “أعطي هذه التسمية إلى نوع الملاحظة الذي يسمح بالتطرق إلى كل سياق نفسي عن طريق التناولات الثلاثة ألا وهي: الدينامية والموقعية والاقتصادية. أرى الهدف الأسمى والممكن في التطرق إلى علم النفس. ويضيف “تنتمي هذه التصورات إلى الإنشاء العالي لأسس التحليل النفسي، يمكن أن نضحي بأي جزء أو نقوم بتبديله دون أي ضرر ولا حسرة فور ما ظهر فيه نقص ما”. وفيما يخص الموقعية فالثانية لا تلغي الأولى وإنما يكملها.ظهر عند سيجموند فرويد.، مؤسسها الإتقان في اختيار المصطلحات التي تناسب تعقد النظرية. وتبعث كلمة ما وراء علم النفس إلى العمل على البحث في أكثر مما يمكن أن يصل إليه علم النفس الكلاسيكي آنذاك.حيث تستوجب هذه النظرية التطرق إلى المدى البعيد والوصول إلى ما لا تستطيع العين المجردة أن تكشفه ولا الملاحظات العيادية. قام بتصور الجهاز النفسي، تقسيمه إلى مواقع نظرية، النزوات، سيرورة الكبت الخ….. تأخذ بعين الاعتبار ضمن ما وراء علم النفس الوجهات الثلاثة للسير النفسي وهي: الدينامية والموقعية والاقتصادية.

    1. وجهة النظر الموقعية

تنتمي كلمة Topique إلى اللغة اليونانية وتعني مواقع وكانت تستعمل منذ القدم في مجال الفلسفة. أما في النظرية التحليلية يقصد به فصل الجهاز النفسي إلى فضاءات مختلفة ذات خصائص مميزة و مرتبة في تسلسل منطقي.فهذا يمثل التنظيمات المختلفة التي يتكون منها الجهاز النفسي باعتبار أن موقع واحد للجهاز النفسي لا يمكنه أن يحوي العمليات المتناقضة التي يعمل بها.

7-3-1- الموقعية الأولى

قدم Freud الجهاز النفسي بوجهة نظر الموقعية لأول مرة سنة 1900 وهذا في الفصل السابع لكتابه “تفسير الأحلام” لكن بدأ التلميح لهذا الجانب منذ سنة 1895 حسب, 1984) (Laplanche J. etPontalis J. B. ، أما العرض المدقق لهذا الجانب فقد كان في النص سنة 1915مثلما ورد في أعمال سيجموند فرويد (Freud S., 1918).أين وضح في وجهة النظر هذه الفرق الموجود بين التنظيمات النفسية وكيفية تواجدها في الجهاز النفسي ضمن الديمانية الصراعية ألا وهي اللاشعور، ما قبل الشعور والشعور.

7-3-1-1- اللاشعور

يعتبر موضع نفسي خاص على شكل نظام لديه محتوى خاص به.

  • يحتوي على تصورات لاشعورية والتي يمكن أن تكون هوامات أو تخيلات.
  • يحتوي على المكبوتات ومن بين هذه الأخيرة التي لم يستوعبها الفرد والتي تعود إلى التوارث الجيني والتي تكون نواة اللاشعور.
  • يتكون الانشطار الأول بين اللاشعور وما قبل الشعور بعملية الكبت الطفلية البدائية.
  • الطاقة منفصلة ومجزئة في اللاشعور ويعمل بالسيرورة الأولية.

يحاول باستمرار محتوى اللاشعور أن يصل إلى ما قبل الشعور لكن الرقابة التي تعمل باستمرار لا تسمح بذلك. وتتمثل دينامية اللاشعور في الصراع، والتكرار و المقاومة ويبقى بعيدا عن وعي الفرد.

7-3-1-2- ما قبل الشعور

يقع ما قبل الشعور حسب Freud S., 1900) ) . ما بين اللاشعور والشعور وهذا ما ظهر في كتابه “تفسير الأحلام”. تفصل الرقابة بينه وبين الأول (اللاشعور) حيث يُمنع محتوى اللاشعور من الوصول إلى ما قبل الشعور والشعور بواسطة الرقابة المستمرة. لكن يختلف نوع الرقابة الموجودة بين ما قبل الشعور والشعور حيث تمنع هذه الأخيرة الأفكار التي تضر الشعور من أجل توفير الانتباه.

يتميز ما قبل الشعور بنوع طاقته (مرتبطة) وبالسيرورة الثانوية (لكن يمكن أن يسير المحتوى بالسيرورة الأولية) ويؤكد ( 1901Freud S., ) على نوعية السيرورة المتعلقة باللاشعور والمتميزة بتصورات الكلمات (في الحالة العادية). ويختلف عن اللاشعور بالقدرة على استرجاع محتواه بسهولة على مستوى الشعور عكس الشعور الذي يغيب محتواه عن الشعور.

7-3-1-3- الشعور

يربط ((Freud S ., 1901. الشعور بالإدراك وتتمثل خصوصيته في تلقي الأنواع المتعلقة بالإحساس من جهة. ومن جهة أخرى يعتبره كنظام مستقل بالنسبة للجهاز النفسي حيث تتمثل مبادئ توظيفه في الإدراك الواعي. يسمح الشعور بكميات مختلفة من الأحاسيس ويكمن اختلافها في العلاقة بالعالم الخارجي. ويمثل الشعور الجانب الذاتي للسير النفسي بادراك العالم الخارجي وهذا بواسطة الأعضاء الحسية للفرد.وتتمثل نوعية الشعور حسب ثلاث مؤشرات. المؤشر الأول متعلق بالجانب الكمي والثاني بادراك والثالث بالواقع.

يتعلق الشعور بعملية التفكير لكن تتضمن إحياء الذكريات وكل السيرورات المتعلقة بالتصورات. إذن تتمثل الموقعية الأولى في تكوين الجهاز النفسي من ثلاثة تنظيمات: اللاشعور، ما قبل الشعور والشعور ذات مواقع ثابتة في الجهاز النفسي.

7-3-2- الموقعية الثانية

أعاد )1920(Freud S., تقسيم الجهاز النفسي انطلاقا حيث نجد في المخطط الخير ثلاث مكونات “الهو” المتمثل في القطب النزوي لشخصية الفرد “الأنا” الذي يتوضع كقائم على متطلبات شخصية الفرد، وفي الأخير “الأنا الأعلى” الذي يتمثل في استدخال الفكرة في تمثيل مخطط للجهاز النفسي حيث يتواجد “الهو” و”الأنا” و”الأنا الأعلى”.

7-3-2-1- الهو

يعتبر الهو الشكل الأولي للجهاز النفسي في المراحل القبل ولادية. فهو يتكون من النزوات الفطرية العدوانية والجنسية والرغبات المكبوتة، وهو مسير وفقا لأسلوب العمليات الأولية التي لا تعترف بالوقت، ولا بالعلاقات السببية والمنطقية باعتبارها خاضعة لمبدأ اللذة الذي يميز هذا الأسلوب.

2.2.3.7. الأنا

عندما كان Freud S. يستعمل كلمة “الأنا” “Moi” في بداية أعماله كان يقصد شخصية الفرد في مجمله “Ich”. نجد في الموقعية الثانية تجمُع بعض الوظائف وارتباطها بالأنا، حيث كانت موزعة في الموقعية الأولى على عدة تنظيمات.

  • الوعي الذي يمثل نواة الأنا.
  • الآليات الدفاعية.
  • الدور المتناقض (مواجهة النزوات وإرضائها).
  • بين متطلبات متناقضة: الواقع الخارجي، المتطلبات النزوية للهو، وقساوة “الأنا الأعلى”.
  • يختلف “الأنا” “Moi” عن “Self” الذي يستثمر أو يفوق استثماره في حالة النرجسية.

3.2.3.7. مثلثة الأنا

حسب (Lagache D., 2014, p : 43):” تتمثل “مثلثة الأنا” في نرجسية مثالية تتعلق بالقدرة الخارقة والتي تبعث إلى التقمص الأولي للاستثمار القدرة الخارقة للأم والتي يرى بها الفرد نفسه مثالي بالنسبة للأخر”.

4.2.3.7. الأنـا الأعـلى

أدخل فرويد )1938S., (Freud مصطلح “الأنا الأعلى” “Über-Ich” في عمله “le moi et le ça” وهو موقعية نفسية في إطار التنظير الثاني للموقعية. يعتبر دور “الأنا الأعلى” مماثل لدور الحاكم أو المراقب بالنسبة للأنا. حيث يُنسب “للأنا الأعلى” كل ما هو: وعي عقلي، مراقبة الذات، تكوين المثلنات والسيطرة. عموما يعرف الأنا الأعلى كوريث لعقدة أوديب حيث يشكل استدخال المبالغات والامتناعات الوالدية.

أماKlein M. فهي تسند الأنا الأعلى إلى مرحلة نمو أولية أي قبل الأوديبية مبررة ذلك بآليات دفاع وسلوكات في المراحل البدائية تبعث إلى المكونات الأولى “للأنا الأعلى”. حيث نجد في المرحلة الفمية “أنا أعلى” مكون من استدخال المواضع المجزئة والمتمثلة في جزء من موضوع “جيد” وجزء من موضوع “سيء” وهذا الموضوع تُحوله السادية الطفلية إلى موضوع شرس ( Klein M., 1943 ) “النمو الأول للوعي لدى الطفل”. كما يشير. (Spitz R., 1968 ) إلى ظهور ثلاث مؤشرات ل”الأنا الأعلى” في المراحل ما قبل الأوديبية ومتمثلة في:

  • الأفعال السادية التي يفرضها.
  • محاولة التحكم بتقمص الإشارات.
  • التماهي بالمعتدي، حيث يلعب هذا الأخير دورا مهما في سيرورة تكوين “الأنا الأعلى” Klein M., 1943 P 🙂 375)

إذن يعتبر “الأنا الأعلى” كموقعية مستقلة ضمن الجهاز النفسي ويعمل بمبدأ الواقع مع وجوب استدخال الامتناع وإمكانية وجود اختلاف بين صرامة الأنا الأعلى وما ترعرع عليه الطفل من مبادئ التربية.

      1. تداخل الموقيعتين في الجهاز النفسي

إن سيجموند فرويد قد تناول الموقعيتين بصفة متداخلة قد جمع بينهما )1938(Freud S., عندما قدم المخطط الذي يمثل الجمع بين الموقعيتين في الجهاز النفسي وتم توضيح العلاقات المتواجدة بين الموقعيتين في كتابه “مختصر التحليل النفسي ” الذي صدر السنة (1938) حيث يقول :”نعطي لأقدم موقع نفسي اسم “الهو” يحتوي على كل ما يأتي به الفرد عند الولادة، كل ما هو “مقزر” بنائيا، إذا وقبل كل شيء النزوات المنبثقة من التنظيم الجسدي والتي تجد في الهو، تحت أشكال لا نعرفها بعد، أول نوع للتعبير النفسي” ويتوضح المعنى الثالث للاشعور، والذي وضحنا وجوده من قبل، في الأنا الأعلى، حيث يتكون كاستطالة للتأثير الوالدي، باعتبار انفصال الأنا عن الأنا الأعلى أو تعارضه له ويتمثل في القوة الثالثة والتي يجب على الأنا أن يأخذها بعين الاعتبار”. ودائما حسب نفس المرجع ، بالنسبة لهذا التداخل بينهما معا ، يعمل اللاشعور بالسيرورة الولية بينما يعمل ما قبل الشعور بالسيرورة الثانوية أي حتى “الأنا” الخاص بالموقعية الثانية، بما انه يغطس في الهو، يعمل أحيانا بصفة لاشعورية. هذا السبب جعل مبدأ اللّذة يرافق مبدأ الواقع في الحياة العادية. و”يعتبر الهو والأناوالأنا الأعلى مواقع ميدانية ويتمثل اللاشعور وما قبل الشعور والشعور في النوعية”. باعتبار النوعيات النفسية تكون إما لاشعورية أو ما قبل شعورية أو شعورية ولا تستقر المحتويات النفسية هذه وتستطيع أن تنتقل من موقعية إلى أخرى. (نفس المرجع السابق، ص:142)

    1. وجهة النظر الدينامية

تفترض وجهة النظر هذه أن بعض الظواهر النفسية قد تنتج من جراء صراعات داخلية ، و من قوات مكونة تؤدي إلى بعض الضغوط والتي تتمثل في صراعات وموافق قوى متعارضة مكونة من دفعات نزوية. تظهر الدينامية في أعمال (Freud S. 1938), معبرة عن العوامل التي تجعل اللاشعور في ضغط مستمر تحت تأثير متطلبات بزوغ المحتوى اللاشعوري والامتناع المستمر من طرف المراقبة الصارمة مما يجعل الصراع متواصل وهذا الصراع يكمن بين الأفكار أو الرغبات البعيدة عن الشعور والتي لها خاصية حركية تتفاوت في حركتها وكثافتها، حيث تبقى في صراع دائم مع الدفاع الذي يمنع الرغبة من التحقيق. تبعثنا وجهة النظر هذه إلى اعتبار الظواهر النفسية كنتيجة لتركيبة منسقة بقوة ومتضاربة نوعا ما حيث نجد مصطلح الصراع كنواة للدينامية النفسية. يرتبط الصراع تاريخيا بظهور اللاشعور حيث شرح في “الدروس الخمسة للتحليل النفسي” (1909Freud S., ) الاضطراب النفسي ديناميكيا على انه نتيجة لتنافس نشط بين مجموعتين نفسيتين ، حيث نجد هذا الصراع بين الليبيدو والأنا في بداية التنظير التحليلي، ثم بين نزوة الموت و نزوة الحياة بعد ذلك بكثير (Freud S., 1920)في كتابه “ما وراء مبدأ اللذة .

    1. وجهة النظر الاقتصادية

تبعث وجهة النظر الاقتصادية إلى وجود طاقة نزوية ويعمل السير النفسي على توزيعها وتسييرها في الجهاز النفسي. هذه الطاقة كمية أي يمكن أن تزداد أو تنقص أو تكون متزنة. تأخذ وجهة النظر الاقتصادية بعين الاعتبار الاستثمارات في وتحركاتها واختلاف كثافتها والتضاربات التي تحدث ضمنها مثل الاستثمار المضاد و غير ذلك. ويتصف بالاتزان عندما تكون الطاقة مربوطة، والتمكن من الإرصان النفسي للإثارات والقدرة على التفريغ.

يتمثل عمل الجهاز النفسي بصفة مستمرة في: الاستثمار، نزع الاستثمار، ضد الاستثمار، فوق الاستثمار وإعادة الاستثمار. وكل هذا يكون غالبا غائب عن وعي وإدراك الفرد، مما يجعل الحالات المرضية في عذاب دائم.

7-5-1- الاستثمار

تكمن كيفية استثمار تصور أو مجموعة من التصورات أو جزء من جسد الفرد أو موضوع ما أو شيء ما في وجود كمية الوجدانات، «quantum d’affect» المرتبطة بالموضوع المستثمر (أو جزء من الموضوع)، داخل الجهاز النفسي ، (Freud S., 1918). حيث يمكن أن تكون هذه الوجدانات ايجابية (أي متعلقة بالحب) أو سلبية (متعلقة بالكراهية أو الخوف).

7-5-2- نزع الاستثمار

عندما يصبح الموضوع المستثمر (أو جزء منه، أو شيء آخر) لا يستطيع تحقيق الرغبة مهما كان نوعها (أي تحقق اللّذة أو الألم)، هنا يعمل الجهاز النفسي على نزع أو خفض “قيمة الوجدانات” المرتبطة به ويتمثل هذا العمل في نزع الاستثمار. لكن تبقى دائما الآثار الذكروية لهذا الموضوع حيث تسمح هذه الخيرة بإعادة الاستثمار.

      1. إعادة الاستثمار

اعتمادا على الآثار الذكروية وإمكانية تحقيق المتعة تزداد “قيمة الوجدانات” المتعلقة بالموضوع (أو الجزء منه) الذي حقق المتعة ومنه يعاد الاستثمار إلى حالته السابقة.

      1. فوق الاستثمار

عندما تكون “كمية الوجدانات” المتعلقة بموضوع ما موجودة بنفسية الفرد، ثم يضاف إلى هذه “الكمية”، كمية وجدانات أخرى لنفس الموضوع الذي استُثمر من قبل.

تطرق سيجموند فرويد (Freud S., 1911) إلى فوق الاستثمار في حالة الانسحاب لليبيدو وعودتها على الأنا عند المصابين بالفصام. ومن جهة أخرى بين أنه عندما يظهر مؤشر الواقع يجب أن يتفخم استثمار الإدراك الموجود والمستثمر من قبل . كما يعتبر فرويد. التحضير للصدمة بمثابة فوق الاستثمار الذي يسمح بمواجهتها والتقليل من أضرارها.

      1. ضد الاستثمار

يكمن الاستثمار المضاد في استثمار مواضيع (أو أجزاء، أو شيء ما) تقف كحاجز يمنع استثمار مواضع أخرى.

عند نزع الاستثمار من موضع ما، توضع “كمية الوجدانات” المتعلقة بالموضوع الأول مباشرة على الموضوع الثاني ومنه لا يستطيع الفرد أن يربط الموضوع الثاني “بكمية الوجدانات” خاصة به وبناء على ذلك تقف “كمية الوجدانات” المتعلقة بالموضوع الأول كعائق بالنسبة لاستثمار الموضوع الثاني.

    1. السيرورتان

تتمثلان في نوعي التوظيف المتعلق بالجهاز النفسي وهما السيرورة الأولية والسيرورة الثانوية.

7-6-1- السيرورة الأولية

تميز السيرورة الأولية بالنشاط النفسي اللاشعوري. فهي تنشط على مستوى الهو حيث تخضع لمبدأ اللذة يتمثل هدفها الوحيد في التحقيق الحالي للنزوات و الرغبات. ومن الجانب الاقتصادي تتدفق الطاقة النفسية بكل حرية وتمر بدون مانع من تصور إلى آخر حسب آليات النقل والتكثيف حيث تحاول إعادة استثمار التصورات المرتبطة بالخبرات الممتعة والمكونة للرغبة (الهوامات البدائية). تظهر السيرورة الأولية في الجانب العيادي مميزة بالاندفاعية ومن الجانب الاقتصادي تبحث الطاقة عن التفريغ الكلي والحالي بواسطة القنوات الأقرب: «يصل استثمار الرغبة إلى غاية الهوام، وآليات دفاع تكون هشة».

7-6-2- السيرورة الثانوية

تكون الطاقة في السيرورة الثانوية مربوطة قبل أن تتسرب خاضعة للضبط تحت الرقابة. حيث تتميز بنظام ما قبل الشعور- الشعور.” وهي تتشكل بالتدريج خلال الحياة “تكون فيها التصورات مستثمرة بصفة مستقرة أكثر. تنشط من خلالها الخبرات الفكرية لفتح قنوات مختلفة و تسمح بتأجيل الإشباع بقيام التجارب الذهنية التي تخضع لاختيار مسالك الإشباع الممكنة. وهي خاضعة لمبدأ الواقع، إذ تسعى الرغبات تماشيا مع الواقع الخارجي. ويمكننا إطلاق صفة العمليات الثانوية على وظائف الفكر الذي يحمل خصائص اليقظة والانتباه.

    1. وجهة النظر التطورية

يتكون نمو الشخصية في النظرية الفرويدية من تعاقب مراحل النمو المختلفة والتي يمكن أن تتداخل. ويقصد بمصطلح المرحلة تتابع المناطق الشبقية المختلفة وهي: الفمية، الشرجية والجنسية، تتحول خلالها العلاقة بالموضوع حيث يكون إشباع النزوة ذاتي في البداية ثم يتطور ليصبح إشباع غيري. كما تتطور العلاقة التناسلية من قبجنسية إلى جنسية عبر المراحل الليبيدية.

مراحل النمو اللبيدية هي أطوار نمو الطفل وتتميز بتنظيم اللبيدو بشكل متفاوت في بروزه تحت سيادة إحدى المناطق المولدة للغلمة ، كما تتميز أيضا بطغيان نمط محدد من العلاقة بالموضوع . تتميز هذه المراحل بدرجة معينة من التنظيم. ولا تكفي فكرة سيادة المنطقة الغلمية لتبيان الجانب الإنبنائي و المعياري في مفهوم المرحلة : إذ يكمن أساس المرحلة في نمط معين من النشاط الذي يرتبط بالضرورة بالمنطقة الغلمية ، إنما نتعرف عليه خصوصا على مختلف مستويات علاقة الموضوع. يوجد تتابع زمني في الوصول إلى الموضوع اللبيدي ، حيث يمر الشخص على التوالي الغلمة الذاتية ، النرجسية ، الاختيار الجنسي المثلي وصولا إلى الاختيار الجنسي الغيري .

1.7.7. المرحلة الفمية

تتمثل هذه المرحلة في أول المراحل في التطور اللبيدي : يسود فيها ارتباط اللذة الجنسية بإثارة الفجوة الفمية والشفتين اللواتي تلازم تناول الغذاء . يقدم النشاط الغذائي الدلالات الانتقائية التي تنتظم من خلالها علاقة الموضوع و تفصح عن نفسها. و تكون الغلمة ذاتية في هذه المرحلة. لا يحس الطفل بالفرق بينه و بين العالم الخارجي (لا يوجد فرق بين أنا و ليس أنا) و تسمى هذه الحالة بالمرحلة اللاموضوعية(anobjectal).

أكد سيجموند فرويد أن الطفل يشعر بمتعة الغلمة الجنسية في جسده ، ويتحصل على الإشباع من خلال « الغلمة الذاتية »” وهذا المصطلح يعود إلى هافلوك في أواخر القرن التاسع عشر (Havelock H. E., 1897) الذي استعمله من قبل. واستعمله سيجموند فرويد بعدما افترض وجود التنظيم الشرجي (Freud S., 1918) ، نجده يصف المرحلة الفمية أو الافتراسية كأول مراحل الجنسية. المنطقة الفمية هي المصدر في هذه المرحلة. بحيث يكون الموضوع مرتبط بتناول الطعام و يرتكز على نمط علائقي خاص وهو الإدماج. و يبين التحليل النفسي أن هذا الإدماج لا يرتبط بالهوامات الطفلية و النشاط الفمي وحده بل قد ينتقل إلى وظائف أخرى مثل التنفس والنظر.

وصف فرويد (Freud S., 1909) “جنسية فمية عند الراشد (من خلال نشاطات شاذة). و اتخذ نشاط المص منذ ذلك الحين كقيمة نموذجية تتيح لفرد أن يبين كيف تكتسب النزوة الجنسية استقلاليتها وتشبع من خلال الغلمة الذاتية، بعد أن كانت تحصل على الإشباع بالاستناد إلى وضيفة حيوية. و من ناحية ثانية، فان تجربة الإشباع التي تقدم النموذج الأولي لتثبيت الرغبة على موضوع ما، هي تجربة فمية ، مما يتيح لنا افتراض اصطباغ الرغبة و الإشباع كليهما بهذه التجربة الأولى. تتميز المرحلة الفمية بخاصية إدماج الأشياء عن طريق الفم. ، خاصة الأجسام المجزئة .

يكوّن الطفل علاقة الغلمة الذاتية في إطار النرجسية الأولية ويكون نوع هذه العلاقة سندية وهي كلمة إغريقية و تعني “الاستناد على” واستعمل هذا المصطلح نظرا للتبعية التامة للرضيع تجاه أمه أو الشخص المكلف به. و تنتهي هذه المرحلة بالفطام الذي يمكن أن يعيشه الطفل كصدمة نفسية يحتمل أن تترك آثارا راسخة.

اقترح (Abraham K., 1924) فصل هذه المرحلة إلى قسمين وهذا انطلاقا من نشاطين مختلفين: المص (وهو المرحلة الفمية المبكرة)، والعض (وهو المرحلة الفمية السادية). أي أن هناك مرحلة مبكرة وسابقة على التجاذب الوجداني. أما المرحلة الثانية أي السادية فهي ترافق ظهور الأسنان.

المرحلة الفمية الأولى عن ( Abraham K., 1924) تمتد من 0 إلى 6 أشهر، لا يفرق الطفل في هذه المرحلة بين نفسه والعالم الخارجي لذا فالمص و الإدماج لا يهدف به تدمير الموضوع.

المرحلة الثانية هي الفمية السادية وتبدأ في الشهر السادس لتنتهي عند بلوغ العام.حيث تبدأ بظهور الأسنان والتي تكتمل شيئا فشيئا بالعض. في هذه المرحلة يمكن أن يقوم الطفل بالاعتداء على العالم الخارجي بصفة فعّالة. كما تتميز هذه المرحلة بالإحساس المتناقض والمزدوج تجاه الموضوع كون هذا الأخير يمثّل موضوع حب و الكراهية في نفس الوقت.

شرحت ميلاني كلاين(1943 Klein M.) مرحلة الفصام الشبه- عظامي عند الرضيع من 0 إلى 3 أشهر وتناولت نزوة الحياة ونزوة الموت،وربطتها بالانشطار بين الثدي الجيد والثدي السيئ، والعظمة النرجسية مع عدم تمكن الطفل في هذا السن من التمييز بين نفسه والعالم الخارجي. حيث يتميز الأنا والأنا الأعلى البدائيين عند الرضيع في هذه المرحلة من النمو بالاندماجية والإسقاط اللذان يتكوّنان تدريجيا كالتالي:

  • يجب أن يحمي الطفل نفسه من موضوع يوجد خارجه ويعتبره خطير، سيئ و مضطهد. يمثل هذا الموضوع الشكل الأولي “للأنا الأعلى” البدائي الأمومي .
  • يجب على الطفل أن يحمي الموضوع الذي بوجد داخله ويعتبره جيد و سخي. ويمثل هذا الموضوع الشكل الأولي “للأنا” البدائي. Ajuriaguerra J. de & D. Marcelli, 1984)( الحالةالاكتئابيةإبتدائا من الشهر 12 إلى غاية الشهر 18بحيث يمكن أن يؤدي الانتكاس الناتج عن القلق الاكتئابي إلى اللّجوء إلى دفاع هوسي .

« يلاحظ رونيه سبيتزR. A., 1968)(Spitz ثلاثة تنظيمات مختلفة وهي:

التنظيم الأول: يتميز بظهور الابتسامة، حيث يبتسم الطفل ابتدائنا من الشهر الثاني أو الثالث لمجرد ظهور وجه إنسان أمامه. تدلّ هذه الإشارة على تكوين العناصر الأولى للأنا و إقامة العلاقة الأولى مع موضوع بدائي غير مميّز عن الذّات.

التنظيم الثاني: يتميز بظهور انفعال يوحي بالقلق عند رؤية وجه غريب وهذا إبتدائا من الشهر الثامن و يسمّى العرض بقلق الشهر الثامن. يدلّ هذا التنظيم على الانسجام التدريجي لأنا الطفل وهذا بفضل تراكم الآثار الذكروية وبفضل قدرة الطفل الجديدة في تمكنّه من الفرق بين الأنا وغير الأنا، أي بين نفسه و العالم الخارجي.

كما يشير قلق الشهر الثّامن حسب(Ajuriaguerra J. & D. Marcelli, 1984) إلى التمييز بين الأم و غير الأم الذي يصاحبه الخوف من فقدان هذه العلاقة مع الأم. في الحقيقة، يبعث الوجه الغريب إلى القلق عند الإحساس بغياب وجه الأم.

ويضيف نفس الكاتب أن التنظيم الثّالث: يتميز بظهور “لا” ككلمة و حركة خلال السنة الثّانية من عمر الطفل. يرى سبيتز حسب (Évrard B., 2018) أن اكتساب “لا” أو البلوغ إليه يدلّ أن الطفل يستطيع أن يفرّق بين نفسه و الموضوع الأمومي. أي بلغ مرحلة إدراك الذّات. وبالتالي يمكنه اقتحام عالم العلاقات الاجتماعية. و يدلّ “لا” في نفس الوقت علي اكتساب معرفي أوّل لمصطلح تجريدي محض. وهذا يشير إلى انتقال الطفل إلى عالم الرّموز واكتساب قدرات جديدة لإمكانية استعمالها .

2.7.7. المرحلة الشرجية

إنها المرحلة الثانية من التطور اللبيدي، و التي تقع بشكل تقريبي بين السنتين و الأربع سنوات. تتميز هذه المرحلة بتنظيم اللبيدو تحت صدارة المنطقة الغلمية الشرجية، حيث تصطبغ علاقة الموضوع بالدلالات المرتبطة بوظيفة الإخراج (الطرد ـ الإمساك) و بالقيمة الرمزية للبراز .

بدأت فكرة تنظيم لبيدي قبل تناسلي انطلاقا من الغلمة الشرجية. حين وضح سيجموند فرويد في التعديلات اللاحقة لـ “ثلاث مقالات حول نظرية الجنسية (Freud S., 1918)، المرحلة الشرجية كإحدى التنظيمات قبل التناسلية التي تقع بين التنظيمين الفمي و القضيبي. إنها المرحلة الأولى التي يتشكل فيها نشاط الفتور: حيث يطابق فرويد بين النشاط و السادية و بين الفتور و الغلمة الشرجية ، كما أنه يخص كلا النزوتين الجزئيتين الخاصتين بهما مصدرا مستقلا و هو: العضلات بالنسبة لنزوة السطوة، و الغشاء المخاطي الشرجي بالنسبة للغلمة الشرجية.

اقترح كارل ابراهام (Abraham K., 1924) فصل طورين ضمن المرحلة السادية الشرجية، و ذلك من خلال تمييز نمطين متعارضين من السلوك تجاه الموضوع في كل من هذين الطورين. ترتبط الغلمة الشرجية بطرد البراز في الطور الأول بينما ترتبط النزوة السادية خلاله بتدمير الموضوع. أما في الطور الثاني، فترتبط الغلمة الشرجية بالإمساك، بينما ترتبط النزوة السادية بالسيطرة التملكية. يشكل الارتقاء من طور لآخر تقدما حاسما نحو حب الموضوع، كما تشير إلى ذلك واقعة مرور الخط الفاصل ما بين النكوص العصابي والنكوص الذهاني. تسهدف السادية الثنائية القطب بشكل متناقض إلى تدمير الموضوع و الاحتفاظ به في آن واحد و هذا من خلال السيطرة عليه.

3.7.7. المرحلة القضيبية

تأتي هذه المرحلة من التنظيم الطفلي للبيدو بعد المراحل الفمية والشرجية، وتتصف بتوحيد النزوات الجزئية تحت سيادة الأعضاء التناسلية لكن خلافا عن النظام التناسلي عند البلوغ.

يلعب وجود المرحلة القضيبية دورا أساسيا بالنسبة لعقدة الأوديب ذلك أن الأوديب (في حالة الصبي) مشروط بتهديد الخصاء وهذا بدوره يستمد فعاليته من الاهتمام النرجسي الذي يبديه الولد تجاه عضوه الذكري من ناحية و من اكتشاف غياب هذا العضو عند البنت من ناحية أخرى.

مما يثير التحقق من الفروق بين الجنسين حيث نجد عند البنت “شهوة العضو الذكري” و تؤدي هذه الشهوة على مستوى العلاقة مع الأهل إلى الغضب من الأم التي لم تعطها العضو الذكري، وإلى اختيار الأب كموضوع للحب، على اعتبار أنه قادر على منح هذا العضو أو معادله الرمزي (أي إنجاب طفل منه) .

  1. الإطار المنهجي للدراسة
    1. منهجية الدراسة

يشير مصطلح “دراسة الحالة” ، إلى طريقة تحقيق تهدف إلى التحليل والفهم والتي تتمثل في الدراسة التفصيلية لجميع خصائص مشكلة أو ظاهرة محددة ودقيقة كما حدث في موقف معين ، حقيقي أو معاد تكوينه ، يعتبر ممثلاً للكائن المراد دراسته.لقد بينت (2014Revault d’Allonnes) أن”الملاحظة” تؤكد على المظهر المدلى بها على الواقع وعلى المادة التي تم جمعها ، بينما تركز “دراسة الحالة” على عمل التحليل. وعرض المواد المتعلقة بشخص في موقف.” وهذا التحليل هو الذي يسمح لنا باختبار فرضيتنا. بينما وضحت Barfety-Servignat V., 2021)أن “دراسة الحالة هي أداة رئيسية في علم النفس العيادي وعلم النفس المرضي والتي تتكون من منهج لتوضيح وعرض السياق والأداء النفسي للشخص”.

عندما ظهرت العلاجات النفسية في نهاية القرن التاسع عشر ، كانت دراسة الحالة الطريقة الوحيدة التي يمكن استعمالها في التحليل النفسي. وبالتالي فإن الحالة العيادية هي نقطة البداية لمنهج دراسة الحالة ، التي ساهمت منذ ذلك الحين في تطور مجال علم النفس المرضي. تهدف دراسة الحالة إلى الإبلاغ عن ملاحظة أو تسلسل متابعة. اعتمدنا في هذه الدراسة على منهج دراسة الحالة لأنه الأنسب لموضوعنا الذي يتطلب التعمق في معرفة التوظيف النفسي لدى مجموعة بحثنا على ضوء التحليل النفسي.

    1. مكان الدراسة

اجريت هذه الدراسة في مصحة الطب الشرعي بمستشفى فرانس فانون بالبليدة الجزائر.

    1. مجموعة الدراسة

تكونت مجموعة بحثنا من ثلاثة راشدين، تتراوح أعمارهم بين 27 و36 سنة، قاموا بقتل زوجاتهم.

الاسم المستعار السن مدة الزواج عدد الأطفال المستوى التعليمي
سليم 29 3 سنوات 01 ثانوي
محمد رضا 27 4 سنوات 03 ابتدائي
نسيم 36 2 سنتان 00 جامعي
    1. أداة الدراسة

(SWAP 200) سلم لتشخيص اضطرابات الشخصية “(Westen D. &Shedler J, 2004)مكوّن من 200 بند : يعطينا 12 عاملا يصف العدوانية ؛ النرجسية ، مشاعر مختلة ، انقلاب المزاج ، واضطرابات نفسية ومرضية . صُمم هذا السلم حسب تصنيف اضطرابات الشخصية في المحور الأول والثاني لـ DSM IV. “يتميز هذا السلم: بكونه معياري ومنسق حسب المعايير العيادية. صُمم لجلب معطيات صحيحة وموثوق منها. يعتبر نموذج ناجع لتشخيص اضطرابات شخصيةبإمكان هذا السلم أن يعالج المشاكل العيادية المتمثلة في صعوبة تشخيص اضطرابات الشخصية. حيث يختلف سلم (SWAP 200) عن السلالم الأخرى، لأنه لا يؤثر على سير العلاج ولا يطلب من المفحوص القيام بأي شيء، لأن العيادي يقوم بالإجابة على البنود بنفسه مرتكزا على معرفته لمفحوصه لهذا لا يستعمل إلا مع مفحوصين داوموا المعاينة النفسية لمدة كافية لمعرفتهم حيث لا يجب أن تقل على ثماني حصص.

    1. كيفية إجراء الدراسة

تم تقييم التوظيف النفسي عن طريق السلم العيادي SWAP 200 بحيث يملئ هذا السلم من طرف العيادي الذي قام بالتكفل النفسي بينما تقوم الباحثة بتحليل النتائج وتفسير المعطيات العيادية.

  1. عرض وتحليل النتائج
    1. الحالة الأولى
      1. تقديم الحالة الأولى سليم

عرف سليم مصلحة الطب الشرعي بالبليدة وهو في 29 سنة من العمر بعد جريمة قتل زوجته التي ارتكبها قبل 7أشهر. يحب العزلة ويتجنب الكل دون استثناء حتى بنظراته، يمضي معظم وقته في النظر من النافذة كأنه ينتظر شخصا ما ولا يهتم لمن حوله. لا يقبل التطرق إلى ماضيه ولا يجيب على أي سؤال متعلق به.

      1. عرض النتائج

الشكل رقم 1: نتائج سلم SWAP 200للحالة الأولى

      1. تحليل نتائج سلم SWAP200 للحالة الأولى سليم

تبيننتائج SWAP200 ارتفاع العامل “متجنب / مزاجي” إلى نسبة عالية حيث بلغ 78.57%، وهي أعلى نسبة في نتائج السلم ،تليها نسبة العامل “مشاعر غير منظمة بـ 77.14 % وبعدها مباشرة نسبة العامل “العداء الظاهر/ مزاجي بـ 69.57% بالمائة ، كما نجد نتائج العامل “فصامي” مرتفعة أيضا حيث وصلت بنسبة 66.42% . بينما ظهرت نتائج العوامل الأخرى منخفضة جدا ومتمثلة في العوامل “مازوشي/ذو تبعية”، “اكتئابي / مزاجي”، “هستيري” و”هجاسي” الذين تتراوح نتائجهم بين 15,57 و18,14 بالمائة مع ظهور العوامل المتبقية بنتائج متوسطة.

تبين النتائج أن سليم يعاني من مشاعر غير منظمة وهو متجنب وفصامي. والعداء لا يطغى لديه حيث يظهر بنتائج متوسطة كما أن نتائج العامل مازوشي/ ذو تبعية منخفضة ونتائج العامل مضاد للمجتمع مرتفعة مما يدل أنه لم يتمكن من استثمار المواضيع الخارجية. لا يظهر لدى هذا المفحوص أي أثر للوجدانات حتى بالنوع البدائي الخاص بالكراهية. واجتياح المشاعر الغير منظمة إن دلت على شيء إنما تدل على عدم قدرته على إرصان الصراعات النفسية وهذا يجعله متجنب رغم أنه ليس مكتئب ولا يعاني من انقلاب المزاج.

    1. الحالة الثانية
      1. تقديم الحالة

يبلغ محمد رضا 27 سنة لما التحق بمصلحة الطب الشرعي من أجل التكفل النفسي وعدم المسؤولية عن الفعل اثر قتله لزوجته الثالثة لأنه مطلق مرتين وهو أب لثلاثة بنات. يحتل المرتبة السادسة بين سبعة إخوة، ويعيش في بيت قصديري في نفس حي عائلته.

      1. عرض النتائج

الشكل رقم 02 :نتائج سلم SWAP 200للحالة الثانية رضا

      1. تحليل نتائج سلم SWAP 200 للحالة الثانية

نلاحظ في نتائج الحالةالثانية رضا فيما يخص عاملي: “العداء الظاهر/مزاجي” و”منقلب المزاج نجدها بنفس النسبة وبقيمة قريبة جدا من التوسط ، وهذا يبين هدوء هذا المفحوص، ونتائج العامل “مازوشي.ذو تبعية” ، “اكتئابي/مزاجي”، “هستيري” و”هجاسي” منخفضة حيث تتراوح بين 22 و30,85 بالمائة. أما عامل “مشاعر غير منظمة”، “متجنب مزاجي”، “نرجسي”، “فصامي”و”شاذ.مضاد للمجتمع” نجد نتائجها مرتفعة حيت تتراوح بين 61,42 و70 بالمائة.

تتميز نتائج هذه الحالة باعتدال في المزاج وبعداء ظاهر معتدل بينما ترتفع المشاعر الغير منظمة إضافة إلى تجنبه المرتفع مع عدم تكيفه مع المجتمع . وكل هذه العوامل المذكورة تدل على نوع توظيفه النفسي الذي يظهر بدائي ، وكل ما يبعث إلى العصاب يظهر بنتائج ضعيفة. ويبقى الفصام يطغى على توظيفه النفسي, رغم أنه غير مكتئب لكنه يتجنب الآخرين ولا يكن لهم مشاعر حتى العداء معتدل. بينما نجد النرجسية مرتفعة نوعا ما.

يمكننا من خلال هذه النتائج أن نستخلص أن هذه الحالة تعاني من توظيف نفسي بدائي يخلو من استثمار مواضيع خارجية جيدة مما يجعله يتجنب الغير ومعاد للمجتمع وعدم القدرة على الإرصان النفسي يجعله يعاني من مشاعر غير منظمة.

    1. الحالة الثالثة
      1. تقديم الحالة نسيم

حُول نسيم إلى مصلحة الطب الشرعي للاستشفاء في 36 سنة من عمره بعدما قضى أكثر من سنة في السجن إثر ارتكاب جريمة قتل. تحصل نسيم على شهادة الليسانس وبقي بطالا لعدة سنوات. سبّب له ذلك مشاكل عديدة مع زوج أمه الذي عامله بقسوة منذ كان في الثامنة من عمره وكانت أمه تخاف من زوجها وتخضع دوما لأوامره. عاش نسيم مع زوجته بعيدا عن أمه وزوجها ولم تكن لديه سوابق عدلية قبل جريمة قتل زوجته.

      1. عرض النتائج

الشكل رقم 03 :نتائج سلم SWAP 200 للحالة الثانية نسيم

      1. تحليل نتائج سلم SWAP 200للحالة الثالثة

تتميز نتائج عوامل الحالة الثالثة بارتفاع نتائج “العداء الظاهر /مزاجي” و”مشاعر غير منظمة” ،”نرجسي” و”شاذ/مضاد للمجتمع” حيث تتراوح بين 67 و81,14 بالمائة، بينما نجد عامل “مازوشي”، “اكتئابي/مزاجي” ، “متجنب/مزاجي”، “هستيري”، “هجاسي” و”منقلب المزاج” بنتائج منخفضة وتتراوح بين 19,42 و39,71 بالمائة.

تتميز نتائج هذه الحالة بارتفاع فائق لنتائج عامل النرجسية إضافة إلى العداء والمشاعر الغير منظمة مع عدم تجنبه للآخرين وهذا يدل أنه يِؤذي غيره خاصة وأن نتائج العامل الذي يبعث مضاد للمجتمع لديه نسبة مرتفعة. وتدل هذه النتائج أن هذا المفحوص يعاني من البرانويا وكل العوامل التي تبعث لتوظيف عصابي تظهر منخفضة وهذا يجعلنا نستنتج أن توظيفه بدائي ولم يتمكن نموه النفسي للوصول إلى مراحل متطورة.

  1. المناقشة العامة
    1. عرض نتائج كل الحالات

الشكل رقم 4 : نتائج سلم SWAP 200الحالات الثلاثة

    1. مناقشة نتائج كل الحالات

تبين لنا نتائج الحالات الثلاثة أن العداء والمشاعر الغير منظمة تجتاح التوظيف النفسي الخاص بمهم، كما أن نتائج التجنب والنرجسية ظهرت بعلاقة ارتباطية عكسية، أي كلما ارتفعت النرجسية انخفض التجنب وكلما انخفضت ارتفع التجنب. وكل ما يبعث إلى التكوين العصابي ظهر بنتائج منخفضة جدا. كما أن المازويشة والتبعية منخفضة أيضا. وهذه الأخيرة تدل على عدم استثمار الأخر وارتفاع العداء لا يبعث إلى محاولة استفزاز الآخرين لتلقي نفس المعاملة لكن تعود إلى توظيف نفسي فج يخلو من القدرة على ارصان الصراعات النفسية ، وهذا ما تبعث له نتائج المشاعر الغير منظمة.

تعتبر المرحلة الفمية الأولية حسب كارل أبراهام كمرحلة ما قبل التناقض الوجداني الذي تتمثل فيه عملية المص بالاستدخال لكن لا يوجد الموضوع بعد. فالتناقض الوجداني حسبه لا يظهر إلا في مرحلة السادية الفمية، في الالتهام الذي يتضمن القساوة ضد الموضوع وفي الأخير يقوم الفرد بتعديل موضوعه وحمايته من التحطيم. (Abraham K., 1924, p :276). كما ظهرت نتائج عامل التبعية والمازوشية ترافق دوما في ارتفاعها ارتفع نتائج العوامل الايجابية مما يدل على الجانب الوجداني الذي تحملة . هذا يدل على انعدام الوجدانات في بداية العلاج بانعدام العلاقة بالموضوع لأن الفرد لم يقم بعد باستدخال أجزاء منه. وعندما وصل إلى مرحلة استثمار المواضيع يتحقق ذلك بالكراهية التي تمثل الأرضية الوحيدة التي تُبنى عليها الوجدانات الايجابية. مما يشير حسب (Henry P., &Gately N., 2021) إلى تحسن القدرة على التحكم في ردود الفعل بالغضب.

لقد أكد(Lagache D., 1974)على فكرة السادومازوشية جاعلا منها البعد الرّئيسي في العلاقة التفاعلية بين الأشخاص. يسح التكفل النفسي بالجرمين بتعديل سير توظيفهم النفسي مثلما تطرق إلى ذلك كلود باليي(Balier C., 2013)حيث قال: “…شيء مهم يحدث في إعادة تنظيم توظيفهم النفسي: القدرة على البكاء واكتشاف أو إعادة اكتشاف الخوف لأن هؤلاء الرجال القاسيين باستطاعتهم فعل الجرائم التي لا أجرأ حتى أذكر بشاعتها وهذا بكل برودة وبدون أي حسرة.

نستنتج من كل ما سبق أن الراشدين الذين قاموا بقتل زوجاتهم يعانون من توظيف نفسي بدائي ، بحيث يتمحور عنصر العنف في صميم الرابطة الأسرية و يتجلى في كل العلاقات الإنسانية ويبعث إلى تثبيتات تكوّنت في المرحلة الفمية وأدت إلى عرقلت تطور النمو النفسي لديهم. مما يدل على تحقيق الفرضية.

  1. الخلاصة

قمنا بدراسة التوظيف النفسي لدى الراشدين الذين قاموا بقتل زوجاتهم ، واستنتجنا أن توظيفهم النفسي يتميز بتثبيتات تعود إلى المرحلة الفمية. لم تتمكن الحالات الثلاثة من استثمار الآخرين مما أدى إلى اجتياح توظيفهم النفسي بالمشاعر الغير منظمة مما جعلهم يعادون المجتمع. كل العوامل التي تبعث إلى توظيف عصابي ظهرت شبه منعدمة بينما ظهرت النرجسية عالية في علاقة ارتباطيه مع التجنب. وهذا يبعث إلى نوع من الثقة في النفس كلما كان الفرد يحب نفسه كلما يتفادى ويتجنب الآخرين وبالتالي يجب التكفل بهذه الحالات ومحاولة تحسين توظيفهم النفسي كي يتمكنون من استثمار الغير . كما نوصي بالوقاية من هذا النوع من الجرائم بالتكفل النفسي الذي يسمح للمفحوصين بالتحسن مثلما جاء في أعمال (Merrer J., 2020) حيث بين أن الوقاية واكتشاف العنف الممارس ضد المرأة ، لا سيما في سياق الزواج ، ومرافقة الضحايا ، يعتبر من الأولويات. كما نوصي الوالدين بتوفير الحب لأولادهم والسعي إلى الحرص على نفسيتهم حتى يكونوا فيهم توظيف نفسي جيد يجعلهم مواطنين صالحين يفيدون أنفسهم وغيرهم.

  1. المراجع
  • جورج طرابيشي(1980)، ترجمة:سيقموند فرويد، مدخل إلى التحليل النفسي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت
  • Abraham, K., (1924), « L’histoire d’un chevalier d’industrie à la lumière de la psychanalyse », in  Œuvres complètes, trad. I. Baranne, Payot, Paris, (1966).
  • Ajuriaguerra, de J. &Marcelli, D., (1984), Psychopathologie de l’enfant, Paris, Masson.
  • Balier C., (2005), La violence en abyme : essai de psychocriminologie, Paris, P.U.F.
  • Balier,  C., (2013), Psychanalyse des comportements violents, 4eme tirage, Paris, P.U.F.
  • Barfety-ServignatV. (2021), Les méthodes qualitatives en psychologie clinique et psychopathologie (p : 95 à 113)
  • Corcos, M., & Lamas, C., (2016), « Fonctionnements limites à adolescence : psychopathologie et clinique psychodynamique »,  in L’information psychiatrique  (Volume 92), p. 15-22
  • Évrard B., (2018), « Spitz, Berne, Grégoire, le protocole et les états du moi du tout-petit », In Actualités en analyse transactionnelle (n° 161), pages 4 à 22.
  • Fairbairn, W. R. D., (1952), « Les facteurs schizoïdes de la personnalité » in Études psychanalytiques de la personnalité,  trad. franç. P. Lecointe, Paris, PUF, 1998.
  • Freud, S., (1900), L’interprétation des rêves, Paris Gallimard, Tr :1926
  • Freud, S., (1901), Psychopathologie de la vie quotidienne, Paris, Gallimard, 1997.
  • Freud, S., (1909), Cinq leçons sur la psychanalyse, Paris, Payot, 1950
  • Freud, S., (1911), Remarques psychanalytiques sur l’autobiographie d’un cas de paranoïa, Paris, PUF, 1966.
  • Freud, S., (1918), Œuvres complètes, XIII, Paris, PUF, 1988
  • Freud, S., (1920), Au delà du principe de plaisir, Paris, Editions Payot, 1968
  • Freud, S., (1925), Ma vie et la psychanalyse, Paris Gallimard, 1971
  • Freud S. (1938), Abrégé de psychanalyse, Paris, PUF, 1985.
  • Green .A , ( 1993 ) , Narcissisme de vie et Narcissisme de mort , Ed de Minuit , Paris.
  • Henry P. & Gately N., (2021),Evaluation of the alternatives to violence program at Acacia prison in Western Australia” Alternatives to Violence Project Western Australia.https://avpwa.org/wp-content/uploads/2021/07/ECU-Alternatives-To-Violence-Report_final_March-2021.pdfGoogle Scholar
  • Havelock H. E., (1897), Etudes de psychologie sexuelle. L’inversion sexuelle, Paris, Edition Bibliothèque des Introuvables, V. française 2003.
  • Klein, M., (1927), « Les tendances criminelles chez les enfants normaux ». In Essais de psychanalyse, trad. M. Derrida, Paris, Payot.
  • Klein, M., (1943), « Quelques conclusions théoriques au sujet de le vie émotionnelle des bébé », in Développement de la psychanalyse , Paris, PUF.
  • Klein, M., (2005),  Essais de Psychanalyse, Paris, Payot & Rivages.
  • Lagache, D., (1974), « La psychanalyse comme science exacte », in  Psychologie française, Tome 19.
  • Lagache, D., (2014), « Passer par l’acte », in Enfance et psy , Toulouse, édition érès N° 61.
  • Laplanche, J., &Pontalis, J. P., (1984), «La pulsion et son objet-source ; son destin dans le transfert», In La pulsion pour quoi faire ? , (ouvrage collectif), Débats, Documents, Recherches de l’Association Psychanalytique de France, Paris.
  • Merrer J., (2020), « Outils de détection, d’évaluation et d’orientation des femmes victimes de violence », in Sages-Femmes, Volume 19, Issue 6, Pages 42-45
  • Revault d’Allonnes C., (2014), « Psychologie clinique et démarche clinique », In Les méthodes cliniques en psychologie, Paris, Dunod.
  • Spitz R. A., (1968), De la Naissance à la Parole : la première année de la vie, Paris, PUF
  • Westen, D., &Shedler, J., (2004), “Dimensions of personality pathology: An alternative to the Five Factor Model”, American Journal of Psychiatry.
  • Westen, D., (1998), “Refining the measurement, of axis II, A Q-sort procedure for assessing personality pathology”, American Journal of Psychiatry.