صورة ومكانة المرأة في المثل الشعبي المغربي، دراسة سوسيوثقافية

نجاة البركاوي1

1 طالبة باحثة في سلك الدكتوراة: المملكة المغربية، جامعة ابن طفيل، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، مختبر التاريخ والمجتمع في الحوض العربي للبحر المتوسط حتى الفترة المعاصرة.

بريد الكتروني: Elbarkaoui.najat93@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(12); https://doi.org/10.53796/hnsj31232

Download

تاريخ النشر: 01/12/2022م تاريخ القبول: 16/11/2022م

المستخلص

نحن نعيش الثقافة والثقافة تعيش فينا. هذه الثقافة بشقيها المادي واللامادي منها ما نصنعها بأنفسنا، والجزء الأكبر نتوارثها من الماضي. والمثل الشعبي جزء لا يتجزأ من ثقافة كل المجتمعات وعلى وجه الخصوص الثقافة الشعبية منها. وهو في حقيقة الآمر فكر جماعي متجذر في لغة الشعوب وتاريخها يحمل في طياته دلالات أنثروبولوجية وسوسيولوجية للبنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والفكرية…الخ للمجتمع الذي انبثق منه ، فالمثل الشعبي ليس مجرد كلمات موزونة أدبياً ولغويا ضمن التراث الأدبي الشعبي بل يتعدى ذلك ليكون بمثابة آلية من آليات الضبط الاجتماعي، فهو يجمع بين أنواع مختلفة من السطات الاجتماعية بما فيها الدينية والرمزية، ويستمد شرعيته في ذلك من جذور الماضي ومن الكل المركب للثقافة بحسب تعريف ادوارد تايلور للثقافة، وبالتالي يمكن اعتباره مرآة تعكس طبيعة العلاقات والسلوك والقيم السائدة، ومكون من مكونات الهوية الاجتماعية، كما يمكن اعتباره أيضاً إطاراً مرجعياً لسيرورة الحياة في المجتمع، ونظرًا لكون المرأة نصف المجتمع فقد أخذت حيزاً كبيراً في خضم النسق الوظيفي للمثل الشعبي ضمن البنية الثقافية للمجتمع. فهو من جهة يرفع من مكانتها أو يحد منها من جهة أخرى.

الكلمات المفتاحية: الصورة والمكانة الاجتماعية، المثل الشعبي.

The image and position of women in popular Moroccan proverbs, a socio-cultural study.

Najat El Barkaou1

1 PhD student: Kingdom of Morocco, Ibn Tufail University, Faculty of Humanities and Social Sciences, Laboratory of History and Society in the Arab Basin of the Mediterranean until the Contemporary Period.

Email: Elbarkaoui.najat93@gmail.com

HNSJ, 2022, 3(12); https://doi.org/10.53796/hnsj31232

We live the culture and the culture lives among us. This culture in its tangible and intangible parts in both. Some of it we make it by ourselves but the huge part we inherit it from the past. Proverb is a part of participial of communities’ cultures specially the popular one. In fact, proverb is a rooted, collective and social thought in nations’ languages and history and carries an anthropological and sociological connotation of the social, economic, political, religious and intellectual structures…etc. Proverb is not just balanced linguistically words but it is a machine of social controlling, because it connects different kinds of social powers as religious and symbolic one. Moreover, it draws its legislation from the past roots and the complex whole of culture according to Taylor’s definition for culture. Thus, it can be considered as a mirror that reflects the nature of relationships, behavior and prevailing values. It can also be considered as a frame of reference for the process of life in society. Given that woman is a half of society, she has taken a large part in the career path of the popular proverb within the cultural structure of society. On one hand, it raises her position or reduces it on the other hand.

Key Words: image, social status, popular proverb.

مقدمة

انطلاقاً من الحقيقة الموضوعية بأن المرأة نصف المجتمع، لا يمكن الحديث عن الأسرة اجتماعياً واقتصادياً، وسياسياً وثقافياً، إلا وكان للمرأة حضوراً فيه باعتبارها القطب الثاني في تشكيل الأسرة، هذه الأخيرة تعتبر البنية الأساسية الأولى للمجتمع، والمرأة باعتبارها أحد مكونات النظام الاجتماعي غير بعيده عن تلك البنيات الاجتماعية الكلية تتأثر وتؤثر بها في الآن نفسه ومنها البنية الثقافية، وانطلاقا من تعريف تايلور للثقافة باعتبارها ذلك الكل المركب من العادات، والتقاليد، والأعراف، والفن… إلخ، فإن الأمثال الشعبية تعتبر إحدى مكونات الأنساق الداخلية للبنية اللامادية للثقافية على اعتبار ذلك النسق حلقة تتقاطع فيه كل تلك المكونات الثقافية السابقة الذكر وعلى وجه الخصوص اللغة المحلية، فهو ينطلق من الأدب الشعبي بمكوناته المختلفة من الشعر والحكم والأمثال وغيرها. وعلية فالأمثال الشعبية هي صور ذهنية جمعية يستدعيها الفرد في أكثر من موقف تفاعلي والمرأة بطبيعة الحال ليست بعيدة عن تلك الصورة، فمكانتها وصورتها ضمن المخيال الجمعي بحسب رايت ميلز يتميز بروابطه الوثيقة بكل ما هو اجتماعي وثقافي وأنثروبولوجي بالدرجة الأولى، ومن التعاقدات الاجتماعية المختلفة بالدرجة الثانية التي تنعكس بصورة مباشرة في الصلاحيات التي يمنحها المجتمع للمرأة، تلك الصلاحيات هي مصادر قوة الفعل الاجتماعي للمرأة، حيث نجد نمط المرأة الصالحة في المجتمعات العربية التقليدية القديمة بتلك المرأة المحجبة وربة البيت التي لا تخرج منه إلا للحقل أو لتربية الحيوانات مع إقصائها عن القيام بأدوار أكثر فاعلية في المجتمع. بالمقابل تعيش المرأة نوعاً من المفارقة والتناقض بين ذلك الدور التقليدي القبلي القائم على الاحترام والخضوع للذكر والذي يستمد قوته وسلطته من الأعراف والتقليد والدين والتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي والقبيلة انطلقاً من مبدأ توريث السلف للخلف، وبين مساعي التحديث في المجتمع من قبيل التعليم والتكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي والإعلام والمعلوماتية والتثاقف العالمي والحداثة ودعوتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتحرر المرأة من ذلك القيد التقليدي الرتيب، بالتزامن مع التوجه الدولي بشؤون المرأة وحقوقها ضمن أروقة الأمم المتحدة ومنظماتها للاتفاقيات الدولية، وبروز الحركة الجندرية المنادية بتمكين المرأة بأدوارها الاجتماعية انطلاقاً من مبدأ المساواة والانصاف وتفعيل مبدأ الكفاءة مع استبعاد الايدلوجية الذكورية المهيمنة على بنيات المجتمع. لهذا تهدف هذه الدراسة للكشف عن العلاقة بين مكانة المرأة وصورتها النمطية الراسخة ضمن الأمثال الشعبية في المخيال الشعبي المغربي.

الإشكالية

تُعد تَمَثّلات المرأة والصورة الذهنية الشائعة عنها، واحدة من الموضوعات الرئيسة التي تشغل حيزاً واسعاً في اهتمامات المشتغلين بقضايا المرأة، منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي حتى الآن وبالتحديد منذ صور العقد العالمي لحقوق الانسان من قبل عصبة الأمم المتحدة في عام 1948م ” الى الحد الذي أصبح معه تحدي الصور الايديولوجية المهيمنة للأنوثة يمثل حجر الزاوية في النظرية النسوية الثانية ” (جامبل، 2002، صفحة 177)، ولم تقتصر دراسة الصورة الذهنية للمرأة وتمثلات المجتمع عنها على علم الاجتماع بل امتد ذلك الاهتمام للدراسات النفسية وبالأخص علم النفس الاجتماعي ” حول تأثير الصور الذهنية على ادراك الاشخاص وتحديد استجاباتهم للمواقف المختلفة فهي تعمل كموجهات ثقافية للسلوك ” (عجوة، 1983، صفحة 161). فالصورة والتمثلات هي من مؤشرات للدور الاجتماعي للأفراد بشكل عام والمرأة قيد دراستنا لا تخرج عن هذا المنوال. من خلال ما سبق يمكننا طرح إشكالية الدراسة المركزية مفادها هل الأمثال الشعبية كنسق ثقافي تعزز صورة ومكانة المرأة في المجتمع العربي بشكل عام والمجتمع المغربي بشكل خاص؟ من أجل الإجابة على الإشكالية السابقة، تم اختيار الأمثال الشعبية في المجتمع المغربي كنموذج لواقع المرأة ضمن نسق الأمثال الشعبية، ومقارنتها ببعض الدراسات السوسيولوجية في محاولة للوقوف على صورة المرأة في المخيال الاجتماعي باستخدام منهج تحليل المضمون والمنهج المقارن لفك شفرات ودلالات المثل ضمن الثقافة الشعبية في كلا المجتمعين.

الإطار المنهجي

المنهج في أبسط تعريف هو ” أسلوب من التفكير والعمل يعتمده الباحث لتنظيم أفكاره وتحليلها وعرضها وبالتالي الوصول إلى نتائج وحقائق معقولة حو الظاهرة موضوع الدراسة ” (المحمودي، 2019، صفحة 46). وبالتالي تنوعت وتعددت مناهج البحث العلمي بتعدد وتخصص العلوم من جهة، وبنوعية الموضوع المدروس من قبل الباحث من جهة أخرى، ” ويعتمد الباحث على المنهج من أجل جمع المعلومات ومعرفة أسباب وعوامل حدوث الظاهرة الاجتماعية والإحاطـة بكـل تفاصيلها وتختلف المناهج الاجتماعية باختلاف مواضيع الدراسة وميول واتجاهات الباحث وكذلك باختلاف المكان والزمان الذي تجرى فيهما الدراسة ” (الحسن، 1992، صفحة 45). من جهة، ولإضفاء الموضوعية والحيادية وفصل ذات الباحث الاجتماعية عن الذات المدروسة، بمعني أن أكون أنا أنت وأكون أنا هو أنا في نفس الوقت من جهة أخرى. ومن أجل الإجابة على الإشكالية المُشار إليها سابقاً استخدم الباحث كلا من منهج تحليل المضمون لتفكيك دلالات المثل الشعبي وتفسير حمولته الاجتماعية مع الأخذ بالمنهج المقارن بين مجتمع الدراسة المحدد سلفاً بالمجتمع المغربي ومقارنتها ببعض الأمثال والنتائج لبعض الدراسات التي تناولت نفس الموضوع في مجتمعات عربية أخري بغية التوصل إلى نقاط التشابه والاختلاف في مستوى تناول المثل الشعبي للمرأة وصورتها في النسق الثقافي العربي.

الدراسات السابقة

تعتبر الدراسات والبحوث السابقة من أهم المراحل والخطوات المنهجية التي لا ينبغي للباحث إهمالها، سواء بمراجعتها والاطلاع عليها أو عرضها أو توظيفها. ” فيلجا الباحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية وغيرها إلى قراءة تلك الدراسات قراءة تحليلية من أجل استخلاص العبر بالإضافة إلى تحديد النتائج التي توصلت إليها، لكي تشكل له انطلاقة صحيحة في بحثه، فبمراجعة تلك الدراسات يتمكن الباحث من بلورة مشكلة بحثه وتحديد أبعادها بشكل واضح أكثر، كما إنها تزوده بالأفكار والإجراءات التي يمكن أن يستقيد منها، كذلك يذهب الباحث إلى عرض هذه الدراسات من أجل توظيفها أي لمقارنة تبرير اختياراته مقارنة بما جاء في تلك الدراسات لإعطاء حجة وقوة علمية لاختياراته. ثم مقارنة نتائج الدراسة بالنتائج المتوصل إيلها ” (د: نادية سعيد عيشور وأخرون، 2017، صفحة 93). وعطفاً على ما سبق سنقف على بعض تلك الدراسات التي تناولت أـو قاربت صورة ومكانة المرأة من منضور سوسيوثقافي وهي على النحو التالي:

  1. دراسة (نشوان، 2015) بعنون المرأة في المثل الشعبي في الأردن وفلسطين. حاول الباحث خلال هذه الدراسة الوقوف على دور المرأة ضمن العلاقات الأسرية والاجتماعية من جهة، ومقاربة واقع مكانة المرأة ضمن نسق المثل الشعبي ومدي تأثر هذا النسق الثقافي بالمتغيرات الاجتماعية المعاصرة من جهة أخري. ومن أجل ذلك حدد الباحث مجتمع الدراسة بكلاً من المجتمع الأردني والمجتمع الفلسطيني، فيما اعتمد الباحث كل من المنهج الوصفي لتفسير تأثير التغير الاجتماعي في مكانة المرأة ضمن الأمثال الشعبية. بالإضافة إلى المنهج المقارن في دراسته للأمثال الشعبية التي تناولت صورة ومكانة المرأة في مجتمعي الدراسة السابقين وعقد مقارنة بينهما. وتوصل الباحث إلى عدة نتائج من أهمها:
  • إن صورة ومكانة المرأة ضمن النسق الثقافي في كلا البلدين لم تتأثر بالتغيرات الاجتماعية المعاصر، ويعود هذا لخصائص المجتمع القبلي الجامد والرافض للتحديث في الجانب اللامادي للثقافة وأن التحدي.
  • وتوصلت الدراسة إلى أن الأسرة في كل من المجتمع الأردني والفلسطيني أسرة ممتدة بنائيا ووظيفياً قائمة على تقيم هرمي ذكوري يستبعد المرأة عن القيام بدورها الاجتماعي. هيمنة ذكورية تتجذر في الفكر القبلي للمجتمع والأسرة معاً. فيظهر ذلك جليا في الثقافة الشعبية وعلى وجه الخصوص في الأمثال الشعبية بحسب توجه الدراسة.
  • وأخيراً وجدت الدراسة ان المثل الشعبي عبرّ عن تناقض في تقديمه لصفات المرأة، اذ جاءت النصوص متضاربة فبعضها يعطي للجمال قيمة كبيرة وأولوية، والتفاخر بالأصل والحسب، والعقل والذكاء والجمال، وربط المرأة الصالحة بالبيت…إلخ، وبعضها الاخر تعطينا صور وصفات سلبية تراوحت بين التحذير من خداع المظهر، الكيد، والحيلة، والانانية، والشره، واللامبالاة…إلخ، لتبرير دونيتها والانتقاص من مكانتها وانسانيتها.
  1. دراسة (الحيسن، 2013) بعنوان المرأة في الأمثال الحسانية. تناول فيها الباحث صورة ومكانة المرأة ضمن نسق الثقافة الحسانية باعتبارها ثقافة شعبية لها خصائصها الخاصة مرتبطة بالصحراء المغربية. فيما اعتمد الباحث في دراسته الميدانية على المنهج الوصفي التحليلي ومنهج تحليل المضمون مستخدما أداة المقابلات الميدانية التي تركزت على فئة محددة من أفراد المجتمع ممن هم كبار السن بالإضافة إلى استعانته بالوثائق، ليتوصل الباحث لعدة نتائج من أبرزها التالي:
  • إن مكانة المرأة ضمن نسق الأمثال الشعبية الحسانية تتراوح بين تلك الأمثال التي ترفع من شأنها ومكانتها وأخرى تحط من كرامتها. فتارة نجدها تمجد المرأة وتبرز قيمتها ودورها الوظيفي في الحياة الاجتماعية. وتارةً أخرى نجدها تمجد قوة الذكر وتفوقه على الأنثى على أسس دينية وخصائص بيولوجية.
  • تعتبر الأمثال الشعبية ضمن اللغة الصحراوية الحسانية نوع من أنواع الضبط الاجتماعي وهي بذلك تعطينا الامثال الحسانية صورة متكاملة لنمط الحياة الصحراوية.
  • تستخدم المرأة استراتيجية التشويش الاجتماعي لدلالة الأمثال التي ترى أنها تحط من مكانتها وذلك عن طريق إعادة تأويل المضمون الدلالي للمثل لصالحها. ومنها يطرح الباحث عدة توصيات تركزت في دعوته للاهتمام بالأمثال الشعبية وإدماجها ضمن مناهج اللغة العربية لتأصيل الثقافة المحلية من جهة، وتعزيز النشء بهويته الوطنية. مع دعوته إلى تفعيل برامج ثقافية على كافة المستويات تهدف إلى رفع الوعي الاجتماعي بأهمية هذا الموروث في التنمية الاجتماعية الشاملة.
  1. دراسة (افرفار، 1996) بعنوان صورة المرأة في المجتمع بين المنظور الديني والشعبي والعلماني، تناول فيها الباحث صورة المرأة في المجتمع المغربي من خلال قراءته للنصين أولهما النص الديني، والنص والشعبي من خلال المثل الشعبي. مستخدماً في تحليله للنصين على المنهج التأويلي الاستقرائي لتفكيك حمولتهما ودلالاتهما فيما يتعلق بالمرأة. ليتوصل الباحث لعدة نتائج من أهمها التالي:
  • إن التفسير المغلوط للتشريع الإسلامي أو كما أطلق عليه الباحث بالدين الشعبي وضع المرأة ضمن ازدواجية ومفارقة بين السلبية والايجابي في نفس الآن، فانتزع منها حقوقها ومكانتها الإنسانية من جهة، وأسقط عليها عدة صور فصورها بالحيوان الذي يمكن للذكر الشراء والبيع فيه.
  • توصلت الدراسة إلى أن السمات التي يعبر عنها الأمثال الشعبية في المجتمع المغربي يغلب عليها الطابع السلبي فحصر مكانة المرأة في أسفل درجة التراتب الاجتماعي محملها الكثير من السلوكيات الدونية من قبيل الخيانة والغدر والكيد والنميمة.
  • استنتج الباحث أن النسق الديني الشعبي ونسق الامثال الشعبية غير مستقلان، بل هما مرتبطان ضمن الكل المركب للبنية الثقافية للمجتمع فالأخير يستمد مشروعية كثير من نصوصه من المعتقد الديني.

الإطار المعرفي والنظري للدراسة

  1. الصورة المكانة الاجتماعية

ترتبط كل من الصورة والمكانة بعلاقة طردية جديلة فالصورة الذهنية هي بالأساس تمثل لمكانة الفرد، وفي نفس الوقت مكانة الفرد تنتج صورة مقابل لها ضمن التمثل والمخيال الاجتماعي، وكل منهما عبارة عن أحكام قيمية واجتماعية للفرد من قبل الأخر. وتعرف المكانة لغوياً أسم مشتق من المكان أو الموقع فذكرت في القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾) سورة مريم، الآية16) لذلك في كثير من التنظيمات الاجتماعية تقترن المكانة الاجتماعي بالدور والمركز الاجتماعي الذي يشغله الفاعل بقولنا مثلا سيادة المدير. كما تأخذ المكانة مفهوم منزلة الشخص في المجتمع في قوله تعالي: ﴿قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾ ) سورة يوسف، الآية177(. وقوله تعالي: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ ) سورة مريم، الآية 75(. أي منزلة عليا ومركز مرموق في المجتمع. فيما تعريف المكانة اصطلاحاً بأنها السمعة أو الهيبة التي يتمتع بها الفرد والتي تعتمد على المركز الاجتماعي الذي يحتله الفرد ضمن النسق الاجتماعي وفي نفس الآن تعتمد على تمثل المجتمع لذلك المركز بالأساس من الاحترام والتقدير، وتعرف أيضاً بانها الحيز الذي يشغله الفرد على سلم التراتبيات الاجتماعية داخل النسق الاجتماعي ” فتشير المكانة في معناها الأقوى إلى شكل من أشكال التراتب التدرج الطبقي، حيث ترتب المكانة أو شرائح المكانة وتنظم وفقاً لمعايير قانونية، وسياسية، وثقافية” (مارشال، 2001، صفحة 1384). ويعتمد على مجموعة الأدوار التي يؤديها في المجتمع. علماً بأن ” المكانة الاجتماعية تعد جزءاً من الحقوق التي يتمتع بها الفرد وهذه الحقوق هي الحقوق المعنوية التي تمنح للفرد بعد أدائه لمهامه، دوره، وواجباته في المجتمع ” (جواد، 2011) ، والمكانة الاجتماعية لها جانبان أولهما ادعاء الفرد بالمركز والمكانة التي يريد أن يحتلها ويجبر الآخرين على الاعتراف بها ضمن الصراع الاجتماعي على الأدوار التي تولد بدورها تلك المكانات، فيما جانبها الأخر يظهر من خلال منح المجتمع للفرد مكانة اجتماعية وقبوله بها بالاستناد للعيد من الانساق الثقافية والاجتماعية، وفي نفس السياق توجد هناك مكانتان إحداهما موروثة كرأسمال اجتماعي ضمن تسلسل وتراتب اجتماعي طبقي، ديني، اقتصادي، سياسي، فيما تكون الأخرى مكتسبة عن طريق رساميل يتحصل عليها الفرد بقدرته الذاتية وتمكنه من آليات من قبيل الشهادات العليا أو الخبرة في سوق العمل والشغل. وعادة ما يتصف صاحبها بالشخصية القيادية، لذلك تحيلنا المكانة الاجتماعية للفرد إلى جملة الحقوق الاجتماعية الممنوحة من قبل المركز أو الدور الذي يشغله الفرد في المجتمع عبر التعاقدات الاجتماعية المختلفة للمجتمع نفسه من جهة، وتطلعات المجتمع وتمثله لتلك المكانة ضمن المتخيل الاجتماعي العام من جهة أخرى، وفي حقيقة الأمر مكانة الفرد ما هي إلا الصورة المجردة التي يمنحها الأخر في سياق التفاعلات اليومية طبقاً لنظرية التفاعلية الرمزية، ومن قبيل ذلك إضافة صفة تراتبية للشخص لمكانته الاجتماعي: جلالة الملك أو رئيس الجمهورية وغيرها. أو أن نلصق به صفه ذميمة أو نشبه بحيوان لسلوك يقوم به أو يتصف به كنوع من الوصف الاجتماعي من قبيل قولنا للأخر مكار بحال الثعلب.

المثل الشعبي

ذُكِر المثل في القرآن الكريم في أكثر من أية منها قوله تعالي ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (سورة الجمعة، الآية 5). فيما ورد تعريف المثل في معجم لسان العرب ” بالتسوية بالمشابهة، ويُقال: هذا مِثلهُ ومَثَلهُ. كما يقال: يشِبهُهُ وشَبَهُهُ. والمثل والمثيل كالمثل والجمع أمثال وأمثلة. وقولهم: فلان مُستراد لمثله، وفلانة مُسترادة لمِثلِها. والمثل ما جُعلَ مِثالاً، أي مُقدراً لغيره يُحتذى عليه. ويُقال امتثلتُ فُلان احتذيت حِذوه ” (ابن منظور، الصفحات 4132-4136). والمثل كلمة مشتقة من الفعل تمثل، ومثل فلان تمثيلاً وشبه به وقدره على قدره، وتَمثل الشي تصور مثاله وضرب به مثلا ” (إبراهيم أنيس وآخرون، 2004، الصفحات 853-854). أي إن الأمثال العربية تحمل صورة من التشبيه بين من قام بالفعل وبعض صور الحياة المحيطة من قبيل أخذ الرجل القوي صورة الجبل وأخذا المرأة المعطاء صورة النهر وغيرها فالأصل السامي العام لكلمة مثل يتوزع حسب اشتقاقها بين معنيين بين المماثلة ومعنى العرض في صورة حسية، ” ومعنى مثل يتوزع في معاجم اللغة بين هذه المفاهيم التي يختلط فيها المحسوس بالمجرد. وهو التسوية، والمماثلة، الشبه، النظير، الفضيلة والتصوير، المقاربة… إلخ ” (أبوعلي، 1988م، الصفحات 31-32). فيما يعرف المثل اصطلاحاً بأنه كلمات موجزة تصاغ لغويا ضمن التراث الأدبي الشعبي وباللغة المنطوقة للمجتمع نفسه ويعطي لنا صورة أو تشبيه لسلوك أو دور اجتماعي معين وبالتالي فالمثل هو ” عبارات قصيرة ترسلها البيئة الشعبية التي انبثقت عنها وتدور على السنتها دون ان تبدل نصها او تحرفه وهي غالباً ما تكون مرتبطة. بحادثة او قصة مؤثرة فيخرج المثل ليلم بالحادثة في كلمات قصيرة يسهل حفظها وتداولها بين الناس ” (الخوري، 1979م، صفحة 10).

المثل الشعبي سوسيولوجيا

المثل الشعبي ليس مجرد كلمات مرصوصة وجمل لغوية لا معنى لها بل يكاد ينافس الشعر والأدب في قوة تأثيره وينافس القانون الوضعي في مستوى عموميته، هو بالأساس جملة من التصورات الذهنية ضمن الضمير الجمعي، وفي هذا الصدد تعتبر الأمثال بحسب الفكر الدوركايمي أحد أدوات الضمير الجمعي يؤطر قيم ومعايير واتجاهات مشتركة في الوعي أو اللاوعي الاجتماعي ، أما موسكوفيتشي Moscovici فيرى ” أن التصورات عبارة عن شكل من أشكال المعرفة الخاصة بالمجتمع أي إنها نظام معرفي وتنظيم نفسي، كما تعتبر بمثابة جسر بين ما هو فردي وما هو اجتماعي إذ تسمح للأفراد والجماعات بالتفاهم بواسطة الاتصال والذي يدخل في بنية ديناميكية المعرفة ، فالتصور حسب وجهة نظره إعادة الشيء للوعي مرة أخرى، رغم غيابه في المجال المادي وهذا ما يجعله عملية تجريدية محضة إلى جانب كونه عملية إدراكية وفكرية، وعليه فإنه يرى أن التمثل يلعب دوره في تكوين التواصل والسلوكيات الاجتماعية ” (Moscovici، 1999م، صفحة 668). لذلك فالأمثال هي عبارة عن تصورات اجتماعية عن الحياة والواقع الاجتماعي بشكل عام وهي بذلك ” نظام من قيم والمفاهيم والممارسات تتعلق بمواضيع ومظاهر أو أبعاد الوسط الاجتماعي والتي تسمح ليس فقط باستقرار وتوازن إطار حياة الأفراد والجماعات، بل تشكل أيضا وسيلة لتوجيه المواقف وبناء الاستجابات” (بومدين، 2014م، صفحة 41). في حين اعتبرت ” التفاعلية الرمزية Symbolic Interactionism اتجاه فكري يحاول أن يصور الاحتمالات الممكنة التي تواجه عملية التفاعل بين الأفراد، وخاصة فيما يتعلق بتكوين الذات، ويمثل هذا الاتجاه كلاً من هربرت ميد G.H. Mead وبلومرBlumer ” (عبدالعظيم، 2017م، صفحة 202). ويرتكز على تحليل الأنساق الاجتماعية الصغرى، فهي تدرس الأفراد ومفاهيمهم عن المواقف والمعاني والأدوار وأنماط الفعل” (طلعت ابراهيم لطفي، كمال عبدالحميد الزيات، 2009، صفحة 127)، فاهتمامها بالتفاعل الرمزي المتشكل عبر اللغة والمعاني والصور الذهنية مستندةً على ركيزة أساسية وهي أن على الفرد أن يستوعب أدوار الآخرين وقادر على خلق عوالم مشتركه معهم حتى يكون دوره مقبول، وفي نفس الوقت تكون له مكانه ضمن الحقل التواصلي، لذلك اهتمت التفاعلية الرمزية باللغة التواصلية بين الأفراد فهي من تشكل المعني التواصلي وعليه يحتل المثل الشعبي حيزاً ضمن هذا الإطار فيأخذ جانبان متناقضان فإما أن يكون كنوع من الوصم الاجتماعي ينقص من مكانته أم بالاشمئزاز أو الاحتقار أو التميز العنصري بأشكاله المختلفة أو بإصدار أحكام أخلاقية وقد يصل الوصم إلى حرمان الشخص من بعض المميزات الاجتماعية التي يتمتع بها أقرانه في نفس المجتمع. بأنه منحرف، أو ناقص التربية، أو قليل الأصل، أو عديم الأصل، كلها مفاهيم وصمية اجتماعية كثيراً ما نلاحظها في المجتمعات كأحكام وصمية لأشخاص وكنوع من العقاب الاجتماعي والانتقاص. يتميز المثل الشعبي بعدة خصائص منها: المرونة فيمكن للمثل الواحد أن يصف أكثر من وضع أو حالة اجتماعية، بالإضافة إلى الاستمرارية والتوريث من جيل لآخر تتخطى الزمان والمكان، ” وتكون في الغالب موجزة لغوياً مفتوح الدلالة إلى جانب قدرتها التعبيرية لأكثر من موقف اجتماعي، مع عدم تقيدها بقواعد اللغة العربية نحوياً أو بلاغياً في معظم مواقفها التي تضرب فيها ” (أبوعلي، 1988م، صفحة 66)، وبالعادة ما تكتب الأمثال الشعبية باللغة العامية للمجتمع فهو من جهة يلتزم ببعض قواعد البلاغة والأدب كالسجع والتشبيه، من جهة أخرى لا يلتزم بقواعد اللغة العربية الفصحى فنجد كلمة المرأة الزوجة تأخذ عدة صيغ لغوية بحسب اللهجة المحلية فنجدها ” مره ” في المشرق العربي و”مرا ” في المغرب. بالإضافة إلى ذلك تتميز معظم الأمثال الشعبية بعدم معرفة مصدرها أو قائلها، إلا أنه عادةً ما تنسب الأمثال كأقوال مأثورة لشخصية طوطمية ذكورية في المخيال الاجتماعي فتكون أكثر تأثراً في الوعي الاجتماعي، وهذا ما نلاحظه جلياً ففي المملكة المغربية نجد معظم الأمثال تنسب لشخص عبد الرحمن المجذوب. وتعطينا الأمثال صورة للواقع من سياق الكلام الواقع الذي انبثقت منه، كما تكون جامعة لجميع أطياف المجتمع فهي لا تخص طبقة دون غيرها لأنها في حقيقة الأمر موروث اجتماعي لجميع أفراد المجتمع وإحدى أدوات الضبط الاجتماعي تتخذ نسقًا قيمياً ثقافياً لا يقتصر على طبقة أو فئة معينة.

الأمثال الشعبية نسق قيمي ثقافي

يشكل الموروث الثقافي بشقية المادي غير المادي أحد ميكانيزمات الهوية الوطنية، وتنتمى كل من الأمثال والحكم والنكت والقصص الشعبية سواء المكتوب أو المنطوق أنساقاً داخلية لشقها الثاني ” فالتراث المنطوق أو التراث الشفوي هو شكل من اشكال التواصل الذي يعتمد على الكلمات المنطوقة ذات الاسلوب المحكم والشكل الفني ويتضمن كل من الاسطورة والحكاية الشعبية والمثل الشعبي والشعر والرموز في التراث الشفاهي تمثل تعبيرات عن صور الطرز المنشئة المستمدة من اللاشعور الجمعي ” (سميث، 1998، صفحة 78). وفي هذا السياق فإن لكل بلد ثقافته الشعبية الخاصة به والتي تعكس نظرته إلى لأشياء. وتعد كل من القصص والأمثال الشعبية إحدى مكونات التراث الثقافي اللامادي لتفسير موقف معين، وفي هذا الصدد نجد في تراثنا العربي الكثير من القصص التي تناولت صورة ومكانة المرأة لعل أبرزها حكايات ألف ليلة وليلة التي تكشف لنا عن صور متناقضة عن المرأة الماكرة التي تغدر زوجها والمرأة الماكرة التي تحافظ على هذا الزوج. الا إن هذا التناقض لا يشير الى تنوع المرأة او فرديتها بقدر ما يشير الى اختلاف وتباين في السلوك وليس في الطبيعة فالنساء نمطيات في طبيعتهن مختلفات في سلوكهن، فبالرغم من إلصاق المكر كصورة نمطية لجميع النساء الا أن هناك من توظف هذا المكر لصالح الاخرين. فقدمت الثقافة العربية صورة نمطية للمرأة، ألغت تنوعها واختلافها وجعلتها نموذجا على كل افراد النوع واختزلت كيانها في جسدها، اذ كان الجسد الانثوي هو المحور الذي تدور حوله مختلف الصفات بسبب من أن المرأة في منظور الثقافة العربية هي موضوع وليست ذاتاً فاعلة، ولما كانت المرأة موضوعاً فهي موضوع جنسي أكثر من أي شيء آخر، وفي نفس السياق يشكل المثل الشعبي أحد مكونات التراث الشعبي اللامادي بكل مكوناته المختلفة من الالغاز الشعبية والشعر والحكايات والفلكلور والنكت والاهازيج والغناء. وعليه فالمثل الشعبي أقول وعبارات مختصرة تقع ضمن الذاكرة الاجتماعية ومتوارثة تتخطي الزمان يتم استحضارها عند تكرار ذاك الدور. ” فالأمثال والحكم والمعاني الشعبية هي عُصارة تجارب الحياة التي عاشها أسلافنا، فهي تربي فينا كيفية التعامل مع غيرنا في الحياة الاجتماعية التي نعيشها…، هذا النوع من التراث الذي نتحدث عنه هو مرآة صافية لحياة الشعوب تنعكس علية عادتها وتقاليدها، وسلوك أفرادها في رقيها وانحطاطها ” (دادون، 2000، الصفحات 5 -7)، وفي هذا الصدد فقد ” اجمع العلماء في عهدنا الحديث بالذات على ان الامثال العربية نتيجة لتجارب الامة وخلاصة تجارب العرب في الحياة. كما يشبهون الامثال بمرآة تنعكس عليها اخلاق وقيم وعادات وتقاليد الشعب وتعكس آمال الشعب وافكاره وتجاربه ” (حسين و العشيري، 1958، صفحة 4). وتجدر الإشارة إلى أن دلالة المثل الشعبي تختلف باختلاف الفترة التاريخية والسياق والبيئة الثقافية والاجتماعية التي انطلق التي انبثق منها، وبحسب العلوم المدارس الفكرية التي تناولته. وكثيراً ما أهتم بهذا الموروث الاجتماعي كلا من السوسيولوجين والانثربولوجيين وعلما التاريخ واللغة على حدٍ سواء. فهي من جهة تعطينا صورة تفصيلية عن الحياة الاجتماعية ونظرة المجتمع للأشياء من حوله، بما في ذلك نظرة الفرد للآخر المختلف عنه، ” فلا تخلو منها أية ثقافة، إذ نجدها تعكس مشاعر الشعوب على اختلاف ـأطيافها الثقافية، وتجسد أفكارها وتصوراتها وعاداتها وتقاليدها ومعتقداتها ومعظم مظاهر حياتها في صورة حية وفي دلالة إنسانية شاملة، فهي بذلك عُصارَة حكمة الشعوب ” (ويكيبيديا، 2020). ويمثل هذا الجزء من الموروث الثقافي الشعبي خزان لقيم هذا المجتمع ومفاهيمه وتصوراته وخبراته الحياتية. “فالتراث القديم بأفكاره وتصوراته ومثله موجها لسلوك الجماهير في حياتنا اليومية ” (بوخريص، 2004، صفحة 3). وبناءً عليه يمكن أن نطلق على الأمثال بالقوانين الخفية للمجتمع، فالأمثال هي بمثابة نظم ثقافية واجتماعية، تشمل على قوانين اجتماعية موروثة غير مكتوبة تتداول شفوياً من جيل لآخر، وبحسب بيير بورديو فالمثل هو نوع من الممارسة الاجتماعية ضمن الحقل الثقافي كنوع من الرأسمال الرمزي يستدعيه الفرد كاهبتوس لإعادة إنتاج الماضي في الحاضر من آجل السيطرة أو المدح أو الذم أو توضيح موقف معين ونقلة من المجرد للمحسوس، فإذا كان القانون المدني المكتوب بمواده وبنوده يستند مشروعية من التعاقدات الاجتماعية المختلفة المدنية والشرعية فنجد القاضي يصدر أحكامه بقولة بحسب المادة كذا من القانون كذا، فإن الأمثال الشعبية باعتبارها قانون ضمن الضمير الجمعي غير المكتوب وصوت المجتمع تستند في قوتها على الموروث الأنثروبولوجي والاثني للمجتمع فنجد الفرد يسند مشروعية كلامه إلى مثل وكأنه بند قانوني في حكمه على الآخر ولا يتطلب هذا الحكم أن يكون قاضيًا بل جميع أفراد المجتمع هم قضاة لبعضهم. وبالتالي فالأمثال الشعبية ليست مجرد كلمات بل هو مكون من مكونات السلطة الاجتماعية التي تعمل على الضبط الاجتماعي كألية من الآليات المهمة للتحكم بسلوك الأفراد، مستخدماً في ذلك الحتمية الاجتماعية الثنائية والوصم الاجتماعي من قبيل الرغوب والمذموم، الحسن والقبيح، المحترم وقليل الأصل… وغيرها. ولما كانت هذه الأمثال أو القوانين الاجتماعية ثابتة مع الزمن كأحكام مسبقة فنجدها في كثير منها لا تتماشى والتغيرات الاجتماعية بل وتعيقها مما تتسبب في الحد من الأدوار والمكانة الاجتماعية بما تتطلبه مستجدات الواقع، فالأمثال الشعبية بخصوص المرأة هي بمثابة عقد اجتماعي شفوي تعمل كضبط اجتماعي وقوانين خفيه تنظم السلوك والعلاقات الاجتماعية فهي من جهة أما أن تعزز دورها وتدعمه أو تحدد أدوارها ومكانتها ضمن المجتمع الأمر الذي عمل على تكريس صورة نمطية عن شخصيها، وفي المجتمعات الذكورية نجد العديد من الأمثال التي كان لها دوراً اجتماعياً في تهميش المرأة وتقسيم الأدوار بين الرجال والنساء في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بطريقة تحصر المرأة في دائرة الكيد والتحايل والتمركز حول الجسد، وتكرس بالمقابل سيادة الذكورة على مجالات الحياة الهامة، ولا تكتفي تلك المرجعية الاجتماعية الصامتة الكامنة وراء الكثير من أنماط السلوك التي يعتمدها المجتمع تجاه المرأة بذلك، لكنها تصل إلى حد إقصاء المرأة كذات لتجعل منها موضوعاً جنسياً بحتاً عليه عبء حماية شرف القبيلة وحمل عرض العائلة والأسرة، بعيداً عن كونها كياناً إنسانياً قائماً بكل مركباته المتعددة، ومن ثم فهي تستخف بكل ما يمكن أن يرمز فيها إلى التفكير أو العقلانية، ولهذا تؤكد بعض الأمثال بالقول: من أعطى سره لمراته، يا طول عذابه وشتاته (الأكوع، 2004، صفحة 598)، وإن كان ذلك ” يتناقض مع الكثير من الوقائع التي تؤكد أن الكثير من رجال السياسة والدولة لا يترددون عن إيداع أهم أسرارهم عند زوجاتهم، اللواتي غالباً ما يشرِن عليهم بالرأي الصائب ” (موقع الجزيرة، 2002). ومن المفارقة في الأمر إن النساء هن اللواتي يستعملن الأمثال أكثر من غيرهن بوعي أو بدونه إما كاستراتيجية لإرضاء المجتمع أو للصراع على المكانات الاجتماعية فيما بينهن. وأخيراُ فإن فخطاب الأمثال الشعبية يختزن صورا مختلفة عن الواقع البشري، من ضمنها صورة المرأة. ونقصد بالصورة هنا، ذلك البناء الذهني الذي يتم على مستوى الذاتية والرمزية والخيال، والذي يرتبط بالواقع الإنساني. من منطلق أن الإنسان يحاول قدر الاستطاعة أن يعي العالم المحيط به من خلال نقل الرمزي والمجرد للمحسوس واستحضار الأشياء بذاتها في العقل، لذلك نجد أن كل الأمثال الشعبية تجسد كل ما هو مجرد بأشياء صورية حسية من البيئة المحيطة وقريبة للفهم، من قبيل تجسيد المرأة بعمود الدار أو تشبيهها ببعض الحيوانات سواء النافعة أو الضارة منها …إلخ، وفي هذا الصدد يقال ” لمرا عمارة ولو تكون حمارة ” تشبيه صيغ باللغة الدراجة المغربية يتقبله الوعي الاجتماعي.

مكانة المرأة ضمن الأمثال الشعبية

الأمثال الشعبية تعطينا صورة واضحة للمرأة سواء على مستوى المكانة الاجتماعية أو الأدوار والمهام، كما تبين حدود المجال الذي يتحرك فيه كل جنس، وتوضح العلاقات بين الرجل والمرأة داخل الأسرة والمجتمع، وتعبر عن الواقع المعاش، فهي في واقع الأمر صورة حية في ذاكرة الشعوب ولغتها وتصوراتها. ويظل المثل الشعبي أحد المرجعيات الاساسية في بناء صورة المرأة ودلالاتها وذلك لأنه يمثل أحد أبرز محتويات الوعي الجماعي واحد مكونات اللاوعي ” (زيعور، 1984، صفحة 9). بكل ما يحتضنه من تمثلات وافكار ومفاهيم ما زالت توجه سلوك الافراد في الحياة اليومية لذلك فأن معرفة صورة المرأة داخل هذا التراث يعني الكشف عن امتداداتها واستمراريتها في الحاضر، بفعل التأثير الذي يمارسه التراث على ذهنية الانسان العربي والذي وصفه محمد عابد الجابري بأنه ” مؤطر بتراثه بمعنى ان التراث يحتويه احتواء يفقده استقلاله وحديثه … فهو عندما يفكر، يفكر بواسطته ومن خلاله” (الجابري، 1982، صفحة 31). ولأن المثل الشعبي جزء من هذه الثقافة كما أشرنا سابقاً نستطيع من خلاله الوصول إلى تلك المضامين التي تقنن وتكرس قيماً تدعو إلى قهر المرأة وتحجيم دورها وتحقير شأنها في الأسرة والمجتمع. والجدير بالذكر إن المتفحص للأمثال الشعبية العربية حول المرأة سيجد إنها تتراوح بين التخوف منها كأنثى توصف بالغدر والخيانة وعدم الأمان لها ” فأخرج منها عيوب البغلة ” (الأكوع، 2004، صفحة 69). أمثال شعبية تحمل في مضامينها الكثير من مظاهر الدونية والقمع والاستلاب والاستبعاد الاجتماعي وتحد من قيمة ومكانة المرأة تارة. وتارة أخرى نجد هناك أمثال تُمجد فيها المرأة والمحافظة على سمعتها وشرفها وجسدها وتمتدحها وتعمل على تعزيز دورها ومكانتها في المجتمع باعتبارها المكمل للرجل وعليه المحافظة عليها. وتكفينا هنا الإشارة إلى بعض الأمثلة الشعبية بنوعيها الإيجابية والسالبية.

نماذج من الامثال الشعبية الايجابية والسلبية في الثقافة المغربية

تتراوح الأمثال الشعبية التي تعطي للمرأة مكانة ودور اجتماعي ضمن الأسرة والمجتمع بين المهارة في تدبير شؤون البيت، والعفة والحياء والمحافظة على جسمها وشرفها، والتفاخر بالمرأة ذات الحسب والنسب بنت الأصول المؤدبة أو كما يقال: بنت دارهم أو بنت الزمان، كصفات للمرأة كزوجة للابن أو البحث لها عن زوج ضمن الأسرة الممتدة أو القبيلة والعشيرة مع الإسراع في هذا الزواج، كما يقال: كل ظفر لا يخرج من اللحم، فهو يحيلنا إلى ضرورة زواج البنت من ابن عمها حيث تفضل الأسرة العربية زواج البنت بابن عمها واجبا اسريا وقبليا، ويمكن لابن العم الحجز على بنت عمه ويمنعها من الزواج بأخر، ولا يستند هذا النظام في الزواج على الشريعة الإسلامية ولكنه نظاماً اجتماعياً صاحب نظام الأسرة القبلية ذو التركيب البنائي الممتد وإن تخلت الأسرة عن هذا الجانب غداة تحولها إلى الأسرة النووية ولو بالحد البسيط تحت وطئت عوامل متشابكة من التغير الثقافي والاجتماعي والعولمة والتحديث وغيرها، ونورد هنا مجموعة من تلك الأمثال في هذا السياق على النحو التالي:

  1. الامثال الشعبية الإيجابية: هناك زخم في الثقافة الشعبية المغربية التي تعتبر بمثابة ملتقي لثقافات العالم من الوندال إلى الفينيقيين والرومان والثقافة الأمازيغية والثقافة الإسلامية وثقافة جنوب الصحراء تنوع ثقافي جعل الموروث الثقافي المغربي بجد غني بالأمثال الشعبية في جميع مناحي الحياة، وبحسب دراستنا هذه فهناك العديد من الأمثال ضمن الثقافة المغربية التي ترفع مكانة المرأة في المجتمع من قبيل ” المرا عمارة الدار (بوخريص، 2004، صفحة 7)، ويقصد به أن الأنثى أم، أخت، بنت هن أساس قيام المنزل والأسرة. ” ابحث على الام قبل بنتها (دادون، 2000، صفحة 35)”. أي ان على الرجل قبل الزواج من البنت أن ينظر إلى سلوك أمها فإذا كانت الأم صالحة كانت بنتها كذلك. ويقال:” بنت عمك ولو بارت (دادون، 2000، صفحة 34). مثل ضمن البنية الثقافية المغربية يهدف إلى تشجيع الزواج من الأقارب. لأن بنت العم في الثقافة الشعبية تكون أدرى بعادات الأسرة وتقاليدها من جهة، وتحافظ من خلاله الأسرة على عدم خروج الإرث للغريب من جهة أخري مع تحري التزوج من بنت الأصول ومن يكون لها حسب ونسب فيقال: دي بنت الخيمة الكبيرة ولو كانت هبيله و” خذ بنت الأصول ولو على حصيرة ” (دادون، 2000، صفحة 94) مع التحري عن مستوى الاخلاق عال بكل ما تنطوي علية الكلمة من معنى إذ يقال ” تزوج لمرا ماشي وجهها ” (دادون، 2000، صفحة 53). ويقال ايضاً ” بحال الدجاجة قارقة على أولادها (دادون، 2000، صفحة 39)، ومعنى قارقه باللغة الدارجة المغربية المهتمة بفراخها، وعليه هذا المثل الإيجابي يطلق على المرأة الحنونة التي تعتني بأبنائها.
  2. الأمثال الشعبية السلبية: بالمقابل للأمثال الإيجابية نجد العديد من الأمثال الشعبية التي تحد من مكانة المرأة في كلا المجتمعين وتكريس النظرة الدونية للمرأة وهيمنة الرجل على المرأة والتسلط على جسمها وحقوقها وتصفها بالغواية والمكر والناقصة العقل ومن تلك الأمثال التي تحد من مكانة المرأة يقال: بحال الافعى الكرطيطة. بمعنى أنها من أخبث النساء وأشدهن مكراً فهي كالأفعى التي فقدت ذيلهاـ فأشتد لذلك أذيتها لغيرها للقضاء عليه. ويقال: بحال المنشار طالع واكل هابط واكل، وهذا المثل يصف كلا من الرجل والمرأة ممن يتصف أو تتصف بالجشع أو ممن كثر أنفاقهم ايضاً. ويقال: بحال الطبل جوف خالي وصوت عالي، ويقال هذا المثل لتلك المرأة ممن يكثر كلامها بدون فائدة وممن يكون كلامها مرتفع الصوت وقت النزاعات، ويطلق هذا المثل بشكل خاص على المرأة التي ترفع صوتها داخل المنزل على اعتبار أن صوت المرأة عار وعيب ضمن الثقافة الاجتماعية. ” اجبد اللجام وزير السمطة، ومعنى اجبد أي أمسك، واللجام والسمطة هما الحبل الجلدي الذي يوضع على الخيل فأولهما يتحكم بواسطة بحركة الخيل والأخر يشد به جسمه، وهذا المثل يدعو الرجل إلى فرض سيطرته في البيت (دادون، 2000، الصفحات 24 -66). ويقال أيضا: ما عرفت تشطح قالت الأرض عوجاء، بمعني المرأة التي لا تعرف الرقص تقول بأن الأرض غير مستوية، ويطلق هذا المثل كثيرا على المرأة التي لا تستطيع القيام بدور معين في الأسرة أو المجتمع (دادون، 2000، صفحة 335). كما يقال ” بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف. ويقال: العاتق اما راجلها أو قبرها، والعاتق في الدار عار، والي يتزوج البنت صغيرة كيحوز الخير والتدبير، بمعنى من يتزوج البنت الصغيرة يمتلك مفاتيح السعادة وحسن التدبير لأمور الحياة. كلها أمثال تعمل من جهة على اقصاء المرأة من التعليم ويكرس الهيمنة الذكورية في المجتمع، ومن جهة أخري تكرس لدي الأسرة ثقافة تزويج البنت بأسرع ما يمكن والتخلص منها لأنها تشكل عبء عليها وهنا تكمن ثقافة زواج القاصرات. ومن الأمثال الشعبية المغربية التي توصف المرأة بأنها سبب في المشاكل الزوجية، ويقال ” كان مهني وشري معزة، كان عذري قام يتزوج ” (بوخريص، 2004، الصفحات 7-11). وغالبا ما تستخدم المرأة عدة استراتيجيات للحصول على دور اجتماعي من خلال الكلام الناعم وبمعنى آخر تأخذ معنى الغنج والدلال وغيرها من الاستراتيجيات قد تصل لتذرف الدموع وعندها يقال دموع التماسيح وفي هذا الصدد يقال أيضا ” دميعات لحرام قريبة عند بعض النساء ” (دادون، 2000، صفحة 107) بمعنى إن للمرأة قدرة على البكاء وبدموع كإستراتيجية تحقق منها إدوار اجتماعية وإن كانت تلك الأدوار غير منطقية أحياناً واسترضاء للرجل احياناً أخرى.

النتائج

في ختام دراستنا النظرية هذه نطرح أهم النتائج على النحو التالي:

  1. المثل الشعبي نسق ثقافي وأحد مكونات الضمير الجمعي يحمل في طياته اتجاهات ومعايير وقيم ورموز وتصورات المجتمع الذي انبثق منه.
  2. ومن خلال تصفحنا لمجموعة من الأمثال الشعبية المتعلقة بالمرأة ضمن الموروث الثقافي المغربي، نجد أن نظرة المجتمع للمرأة لم تكن سلبياً في كل الأحوال، بل تراوحت بين المحافظة عليها باعتبارها أساس الأسرة ومدبرة البيت، وبين النظرة الدونية لمكانتها في الأسرة والمجتمع ونتفق هنا ما طرحة الدكتور فوزي بوخريص إذا يقول: ” بقدر ما نجد أمثالاً تمجد المرأة وترفع من شأنها بقدر ما نجد أمثالاً أخرى تحط من مكانتها وتقلل من قيمتها” (بوخريص، 2004، صفحة 16). تناقض بين التقليدي والحداثي يوحي باختلال بين الموروث الشعبي بجذوره التاريخية وبين ما نص عليه الشرع والدين والقوانين والاتفاقيات الدولية. هذا التناقض يؤدي في نهاية المطاف إلى الحد من دور المرأة في المجتمع، مع الانحدار الشديد في صورتها ومكانتها ضمن الأسرة والمجتمع معاً. وتتفق دراستنا هذه من خلال نماذج الأمثلة الشعبية التي تناولت المرأة في مجتمع الدراسة مع الدراسات السابقة. إذ تكاد لا تختلف الأمثال الشعبية في المضمون والدلالة بحسب علم السيمائيات والدلالة اللغوية، وإن اختلفت في المنطوق والنص اللغوي بحسب اللغة المحلية لكل مجتمع، وهذا يعود للتقارب الثقافي بين مجتمع الدراسة ومجتمعات الدراسات السابقة التي تطرقنا لها سابقاً فهما ينتميان لنفس الثقافة العربية الإسلامية، فالتشابه هو دليل قاطع على الترابط الثقافي والاجتماعي على مستوى المجتمع العربي بشكل عام، وفي حقيقة الأمر هذا التشابه ليس وليد الصدفة بل كان نتيجة اشتراك الدول العربية في تاريخ حضاري وثقافي واحد امتد لآلاف السنين، تشابه شمل الكثير من أنواع التراث الشعبي العربي بصورة عامة سواء أكانت أمثالـ حكايات، الغاز، اساطير، شعر وآدب وغيرها من أشكال التعبير الشعبي. وتتفق نتائج دراستنا هذه مع دراسة حسن نشوان لمكانة المرأة في كل من المجتمع الأردني والفلسطيني مفادها أن الامثال الشعبية التي تناولت المرأة في كلا المجتمعين تتشابه بالمضمون والدلالة، الا ان دراستانا هذه تختلف عنها في أن الأمثال الشعبية لا تتشابه في المنطوق اللغوي، فكل مجتمع لغته المحلية.
  3. نستنتج أن الأمثال الشعبية لغويا عبارة عن كلمات مرنه تنطلق من التراث الأدبي وللغوي للمجتمع المحلي.
  4. وأخيرا نستنتج أن الأمثال الشعبية هي مؤشرات موضوعية لنمط الحياة والعلاقات الاجتماعية داخل المجتمع. واحكام لفظية تخلع على الفرد مكانة أو وصم وتنمر اجتماعي بحسب السياق والوضعية التي انطلقت منه.
  5. ارتبط شرف المرأة في الأمثال الشعبية بجسدها وعفتها والتزامها بتمثلات المجتمع.
  6. معظم الامثال الشعبية التي تناولت شرف المرأة تنطلق من النسق العقائدي.

الخاتمة والتوصيات

إن الحديث عن صورة المرأة وشرفها المرأة ضمن البنية الثقافية بأنساقها المختلفة شكل اهتمام الدارسين والباحثين في كافة العلوم الاجتماعية، وارتباطاً بموضوع دراستنا فإن الأمثال الشعبية كنسق ثقافي قيمي تكتنز الكثير من الدلالات عن أنماط الحياة وتختزن الكثير من المبادئ والأخلاق والقيم الإنسانية والانماط السلوكية للمجتمع. وعيلة يمكن القول إن الأمثال الشعبية نجدها تارة تمدح المرأة وترفع من مكانتها الاجتماعية، وتارةً أخري تنقص من قيمتها وتشيطنها وتسقط عليها الكثير من عبارات الوصم الاجتماعي. وإذا كانت الأمثال الشعبية في معظمها قد قللت من مكانة المرأة فهذا راجع أساساً إلى البنيات الاجتماعية والمفهوم الخاطئ للدين، فالإسلام قد رفع من مكانتها كإنسان باعتبارهن شقائق للرجال وهذا ما نوصي به في زيادة التحقيق والتمحيص لمكانة المرأة في الدين الإسلامي الشعبي الذي استغله الرجل للسيطرة على المرأة في مجالها العام والخاص ومدي مطابقتها لأرض الواقع فمكانة المرأة الاجتماعية واضحة من خلال جل الأمثال التي قيلت فيها فهي نظرة سلبية أكثر منها ايجابية، والدليل على ذلك قلة الأمثال الايجابية بالمقارنة مع تلك الأمثال السلبية التي تناولت المرأة وإن كانت لا تعني أبدا احتقارها أو التصغير من شأنها في المجتمع. ، واذكر هنا الدين الشعبي الذي لا يمت للدين الإسلامي بصلة بل أن الشريعة الإسلامية شريعة الفطرة ومنهج كامل متكامل للحياة. وفي الأخير لا يمكن لاي بحث أن يقف على فصورة ومكانة المرأة في بنية أو نسق اجتماعي محدد فهي متداخلة وتتأطر بجميع بنيات المجتمع الكلية، إنما هناك مؤشرات موضوعية تعد بمثابة مرآة تعكس لنا واقع تلك الصورة ومن أهمها مستوى الدور الاجتماعي للمرأة في سيرورة التنمية، ومكانتها الاجتماعية ضمن البناء الاسري وبنيات المجتمع الاقتصادية والسياسية والثقافية. وانطلاقاً من خصائص الثقافة العربية التي تعاني من تناقض انساقها الداخلية ضمن حلقة من الثنائيات المتناقضة، ثنائي الحداثة والتقليد، ثنائي الدولة المدنية والقبيلة، ثنائي المقدس والمدنس، وتمسكها بكل ما هو تقليدي وقديم، بالإضافة إلى كونها ثقافة تمجد الهيمنة الذكورية مما جعلها ثقافة جامدة رافضة للتغيرات الاجتماعية في جميع مناحي الحياة وبالأخص في الجوانب اللامادية للثقافة الاجتماعية. فكل ما سبق جعل من مكانة المرأة تتذبذب بين أعلى هرم التراتبيات الاجتماعية وأسفله، مما يوحي في نهاية المطاف بوقوع المرأة في نفق تلك المتناقضات والمفارقات فتسببت في انتكاستها وانكماشها حول نفسها من جهة، واستبعادها من سيرورة التنمية الاجتماعية الشاملة من جهة أخرى. وعطفاً على ما سبق فإننا نوصي وزارات الثقافة والوزارات المهتمة باللغة والثقافة ومجمعات اللغة العربية على مستوى الوطن العربي بالاهتمام بهذا الموروث الشعبي ورصد مناطق القوة فيه وتوظيفيها لتميكن المرأة ورفع دورها ومكانتها الاجتماعية بما يعزز الهوية الوطنية العربية والمحلية معاً. وتوضيح الصورة النمطية المغلوطة لمكانة المرأة عبر ندوات وورش ومؤتمرات علمية تتبناها الدول والمجتمعات العربية بالتزامن مع اجراء العديد من الدراسات الأكاديمية العلمية في هذا الخصوص.

مراجع

  1. القرآن الكريم
  2. إبراهيم الحيسن. (2013). المرأة في الأمثال الحسانية. العيون، المغرب: مركز الدراسات والابحاث الحسانية.
  3. إبراهيم أنيس وآخرون. (2004). المعجم الوسيط (الإصدار الرابع، المجلد 4). القاهرة، مصر: مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية.
  4. إدريس دادون. (2000). الأمثال الشعبية المغربية (الإصدار الأول). الدار البيضاء، المغرب: مكتبة السلام الجديدة.
  5. إسماعيل بن علي الأكوع. (2004). الأمثال اليمنية (الإصدار الثاني، المجلد الأول والثاني). صنعاء، اليمن: وزارة الثقافة والسياحة اليمنية.
  6. جوردون مارشال. (2001). موسوعة علم الاجتماع (الإصدار الأول، المجلد الأجزاء الثلاثة). (محمد الجوهري وأحمد زيد وآخرون، المترجمون) القاهرة، مصر: المجلس الأعلى للثقافة.
  7. حسان محمد الحسن. (1992). الأسس العلمية لمناهج البحث العلمي (الإصدار الأول). بيروت، لبنان: دار الطليعة للطباعة والنشر.
  8. حسني إبراهيم عبدالعظيم. (2017م). النظريات السوسيولوجية (الإصدار بدون). بني سويف: مكتبة دار الأصول.
  9. حسين نشوان. (2015). المرأة في المثل الشعبي في الأردن وفلسطين. عمان، الأردن: دار أزمنة للنشر والتوزيع.
  10. د: نادية سعيد عيشور وأخرون. (2017). منهجية البحث في العلوم الاجتماعية (الإصدار بدون). قسنطينية، الجزائر: مؤسسة حين راس الجبل للنشر والتوزيع.
  11. سارة جامبل. (2002). النسوية والجسد (الإصدار الأول). (أحمد الشامي، المترجمون) ابلقاهرة، مصر: المجلس الأعلى للترجمة.
  12. سليمان بومدين. (2014م). التصورات الاجتماعية للصحة والمرض في الجزائر حالة مدينة سكيكدة،رسالة دكتوراه دولة في علم النفس العيادي،. قسنطينة، الجزائر: جامعة منتوري قسنطينة.
  13. شارلوت سيمور سميث. (1998). موسوعة علم الانسان المفاهيم والمصطلحات الانثروبولوجية (الإصدار الأول). (مجموعة من أساتذة علم الاجتماع، المترجمون) القاهرة، مصر: المجلس الأعلى للثقافة.
  14. طلعت ابراهيم لطفي، كمال عبدالحميد الزيات. (2009). لنظريات المعاصرة في علم الاجتماع (الإصدار الثاني). القاهرة، مصر: دار غريب للطباعة والنشر.
  15. عبدالرحمن ابن منظور. (بلا تاريخ). لسان العرب (الإصدار بدون، المجلد السادس). القاهرة: دار المعارف.
  16. على افرفار. (1996). صورة المرأة بين المنظور الديني والشعبي والعلماني. بيروت، لبنان: دار الطليعة للنشر والتوزيع.
  17. علي زيعور. (1984). صياغات شعبية حول المعرفة والخصوبة والقدر (الإصدار الأول). بيروت، لبنان: دار الاندلس للطباعة والنشر.
  18. علي عجوة. (1983). العلاقات العامة والصورة الذهنية (الإصدار الأول). القاهرة، مصر: عالم الكتب.
  19. لطفي الخوري. (1979م). علم التراث الشعبي، الموسوعة الصغيرة (الإصدار بدون). بغداد، العراق: دار الحرية للطباعة.
  20. محمد توفيق أبوعلي. (1988م). الأمثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية (الإصدار الأول). بيروت، لبنان: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع.
  21. محمد سرحان علي المحمودي. (2019). مناهج البحث العلمي (الإصدار الثالث). صنعاء، اليمن: منشورات دار الكتاب.
  22. محمد عابد الجابري. (1982). نحن والتراث (الإصدار اأول). بيروت، لبنان: دار الطليعة.
  23. محمد عبدالغني حسين، و عبدالسلام العشيري. (1958). من امثال العرب (الإصدار الأول). القاهرة، مصر: مطبعة مصر.
  24. انتصار محمد جواد. (14 1, 2011). تاريخ الاسترداد 05 11, 2022، من منتدي اكوالتي الثقافي: https://adabbook.yoo7.com/t703-topic
  25. فوزي بوخريص. (11, 2004). صورة المرأة في الأمثال الشعبية. مجلة فكر ونقد. تاريخ الاسترداد 06 11, 2022، من https://www.aljabriabed.net/n63_05bukgris.(2).htm
  26. موقع الجزيرة. (11 11, 2002). المرأة في الأمثال الشعبية. تاريخ الاسترداد 09 11, 2022، من موقع الجزيرة الالكتروني: https://www.aljazeera.net/programs/forwomenalone/2004/6/4/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%AB%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%A9#L1
  27. ويكيبيديا. (23 11, 2020). ضرب المثل. تاريخ الاسترداد 13 11, 2022، من ويكيبيديا: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B6%D8%B1%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84
  28. serge Moscovici. (1999م). les représentations sociales in le grand dictionnaire de psychologie.